|
سيدي الصادق..أعقلها وتوكَّل ..!!
|
اليوم نحتفل بالسيد الإمام الصادق المهدي، بمناسبة ذكرى ميلاده التي توافق عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام.. ودرجت أسرته وأحبابه إقامة احتفالٍ بسيطٍ في منزله.. فيه درجة من الإحتفاء بالسيرة أكثر من الذات.. وبلا أدنى شك.. وبعيداً عن أية تقديراتٍ سياسية.. للسيد الصادق المهدي سجلٌ من ذهب في العمل العام.. فهو رجلٌ مجتهدٌ موسوعيٌ في علومه.. يحب القراءة بأوسع مفاهيمها.. من قراءة أمهات الكتب إلى المجلات والصحف.. حتى الصحف الرياضية والاجتماعية.. فهو لا ينظر إليها باعتبارها مجرد تسلية أو (ونسة).. بل نبض المجتمع في كل طبقاته..فلا يستنكف أبداً عن قراءة أية مطبوعة مهما ظن البعض أنها صحافة القاع.. وأجمل ما في الصادق، أنه رجل مِعطاءٌ في علومه وفكره.. له صبرٌ مدهشٌ على الكتابة والخطابة.. ولا يبخل مطلقاً بأن يحاضر أو يحاور .. ولا يتكبَّر على المنابر.. هذه الكلمات – والله العظيم – أقولها من أقرب نقطة شهادة عيان على السيد الصادق .. رغم أنني انتقده هنا كثيراً .. نقداً موضوعياً في الموضوع حسب الظرف والمناسبة.. إلاّ أنني كنتُ دائماً في مجالسه أرقُب تفاصيلاً دقيقةً في تصرفاته.. فهو في مسلكه العام وطبعه.. نبيلٌ رفيعٌ في النبلاء.. يصعب بل يستحيل استدراجه لأي تصرف ينتقص من احترامه لذاته.. حتى في أشد اللحظات التي تستوجب الغضب.. يظل ممسكاً ومتماسكاً بنفسه.. يخلو لسانه من أية ألفاظ جارحة أو شاتمة.. وطنيته.. وحبه لبلده وشعبه فوق الجدال والشبهات.. رغم أمواج الاختلافات السياسية التي وصلت حد التقاتل وانغمست في الدماء.. وربما استطيع أن أدَّعي أن لو اتبع العقلاء في بلدي ما كان ينادي به من أيام الإنقاذ الأولى.. وأسماه بـ(الجهاد المدني) .. لربما تغيَّر كثيرٌ من تاريخ السودان.. ولربما وُفِّرت كثير من الدماء والأشلاء والألغام التي لا تزالُ مزروعةً في أرض الشرق تنفجر في الأهالي المسالمين.. لم يترفع الصراع السياسي لمستوى.. النبلاء.. الذين لا يأكلون ثماراً زُرعت أشجارها في جماجم شعوبهم.. بكل هذه المزايا.. كان ولا يزال الصادق المهدي المؤهَّل الأول ليكون جامعاً للسودان الأمة.. لا السودان حزب الأمة.. وكتبتُ في حديث المدينة منذ سنوات.. بل من نهاية التسعينات أدعو السيد الصادق المهدي أن يخرج قليلاً من الدائرة الضيقة التي يحاصر بها نفسه في الحزب.. فحزب الأمة لا خوف عليه. فيه قياداتٌ قادرة على تدبُّر أمر القيادة.. لكن (الخانة) الشاغرة هي في (الأمة) السودانية.. التي لا تزال تبحث بيأسٍ عن رجالٍ يتخطُّون خط الخاص الحزبي.. فيلعبون في ملعب (القومي) .. ليت الصادق المهدي وهو في قمة عطائه .. يلقي نظرةً على هذه الفكرة.. ويتبصَّر مزاياها.. ويؤسِّس لمنبرٍ قومي فوق الأحزاب.. فوق الخلافات.. فوق الخاص.. يبدأ هو.. فتزدهي الفكرة به فتجذب إليها طائفة من أصحاب الخبرات السياسية الذين قدَّموا لبلدهم الكثير.. الترابي.. محمد إبراهيم نقد.. السيد الميرغني.. أبيل ألير.. المشير سوار الذهب.. الجزولي دفع الله.. وآخرون.. وحان الوقت ليتخطُّوا إلى مرحلة المرجعية.. أن يكونوا هم مرجعية المختلفين لا مختلفي المرجعية.. أن يكونوا هم الذين يتحاكم إليهم فرقاء المسرح السياسي.. سيدي الصادق..أعقلها وتوكَّل ..!!
المصدر: صحيفة التيار
المقال للكاتب عثمان ميرغنى
|
|
|
|
|
|