رسالة نداء برئ من اي غض خاص

Quote: أن من اصعب الأشياء أن يكتب المرء في أمور تخص الغير – الأ أن الصلة بين الكاتب والغير لو كانت مبنية علي الوشائج التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان فسيري الكاتب أن لا مفر من أن يكتب دونما ظن من احد بأنه تدخل غير مرغوب فيه في خصوصيات الغير ومن هذه النافذة أبصر وأكتب – ومعزرة إذا تعديت حدودي فالنية سليمة. أهلنا في بلاد النوبة مغتربون عن ديارهم منذ القدم لأسباب معلومة منها ضيق مساحة الوطن وموقعه علي بعد من مدائن العمل والاستهلاك مما جعل منتجاتهم الضئيلة والمحدودة لا تجد التصريف فهاجر الشباب إلي ارض الكنانة زمرا ليعطو في سخاء كل قدراتهم الفكرية والعقلية والجسدية لتلك البلاد ويعودوا الي بلادهم بمال لا يزيد عما يكفي أشهر العطلة ليعودوا ثانية وهكذا استمر الحال الدهور بعد الدهور كانت الحصيلة حتي منتصف القرن الماضي حصاد الهشيم مختصرا ببيت جديد بارض المير يأوي إلية محطما يتوكأ علي عصاه متحسرا كل ما رأي أشبالا ونخلا واستقرارا عند غيرهم من المقيمين متأسفا حيث حرم نفسه من ذلك بإرادته ولم ينفع الندم نادما. ومتصلا بما درج عليه الأولون من زرافات المهاجرين إلي مصر ومع ظهور منابع الخيرات في غير مصر من البلاد هب الشباب متسابقين إلي تلك المنابع دون أن تعمل دراسات للعائد من الهجرة الجديدة لا من الأفراد ولا من المجتماعات ولا حتي من السلطات المسئولة التي ربما كانت المسبب عن هجرتهم وإفراغ بلادهم من السكان لترعي فيها مظاهر الهبوط المزري سواء في الإقتصاد أو سبل العيش الكريم وحتي القيم والأخلاق فهل نستطيع ان نتشاور جميعنا بحصر بعض الإيجابيات من هذه الهجرة والسلبيات (مستحيل علي مثلي أن يحصر السلبيات) فالمغتربون فصيلان صاحب كفاءة وخبرة وفصيل من آخرين. من الإجابيات:- هي كثيرة وظاهرة للعيان: 1. فالبيوت بمختلف أشكالها في قرانا وفي اطراف العاصمة – لا يخطئها عين الدارس لفضائل الإغتراب - ولكن شاركهم المقيمون في هذه الناحية ومعلوم أن الأغلبية من الممتلكين لهذه البيوت لم يغتربوا. 2. المنظر اللائق المتوفر للمغترب في صحته وهندامه وأسلوب معيشته وقدرته علي الصرف والرفاهية خلال إجازته في أرض الوطن. 3. تامين المستقبل عند بعضهم بعقارات وأصول ثابتة أو مال مدخر. من السلبيات:- 1. صعب جدا أن تنأي عن صديق أو قريب - إلا أن النأي عن الوطن كارثة ومرارته فوق المرارات وقد لا ينطبق له جفن الأ إمتلأ بالدمع السخين وشرود ذهن منك في عالم من الخيال والحسرة – وكأن فراش النوم مسرحا للأحزان والخذلان. 2. بذل قدر أكبر من الطاقة لإرضاء المخدم – وبمثل هذه الطاقة كان يمكن أن تتحسن الأحوال دون الهجرة. 3. الإنفصال ولو جزئيا عن الأهل ومعاناتهم ومشاركتهم بالفعل والشعور والإحساس في كل المناحي (كمثال بسيط مرافقة الاموات من الأهل وحتي الأقارب من الدرجة الأولي والأحباب إلي مثواهم الأخير). 4. تربية الأبناء في مناخ تربوي مختلف ولو بعض الشئ عن مناخ بلادنا وفي مجتماعات غريبة مما يجعل الأبناء يجدون صعوبة في التكليف مع مجتمع أهلهم هنا حين يعودون. 5. معايشة نمط وأسلوب في المعيشة والسلوك خالية من الضغوط والدونية في الوطن 6. الحالة النفسية الناتجة من إحتمال فقدان الوظيفة ووقوعها بالفعل وربما مفاجئا. 7. سلبيات أخري يمكن إضافتها بعد الدراسة. الخلاصة:- 1. أدعوا إخواني في ديار الغربة إلي التفكير الجاد في العودة إلي بلادهم والإعداد لذلك بكامل العزيمة والإصرار حيث لا نفع من الإستمرار في الإغتراب بل قد يؤدي إلي المزيد من السلبيات. 2. صعب جدا اتخاذ قرار العودة ولكن العودة حتمية لا مناص منها والأفضل أن يكون قريبا – لا بعد المزيد من التدهور وحني في الصحة. 3. تربية الأطفال خارج أوطانهم يفقدهم الإنتماء إلي واقع الحياة في الأوطان. 4. حديثي موجه إلي الباقين في الغربة من أجل استمرارية الحياة اليومية – أما أولائك الذين هنالك لتحقيق أهداف محددة ومعقولة ومفيدة فلهم خيارهم وكذلك من مكنتهم ظروفهم في العمل في مواقع تدر عليهم النفع الأكيد. 5. العودة تحتاج إلي إمكانيات هائلة وكذلك الإنتظار لا يحل هذه المشكلة بل ربما يزيدها أكثر لو حصلت القناعة يمكن التدارس جميعا في طرق حل المشكلة. 6. ماذا هنا في الوطن من بديل لمن يعود. ملحوظة: مليار وأكثر من مليونين هم سكان الصين وليس في عاصمتهم سوي أقل من 13 مليون من السكان – ذلك نتيجة للتخطيط العلمي لتوزيع السكان بتوفير العمل وفرص العيش الكريم في القري والمدن بمساحة الصين ولنا أن نقارن بين عدد السكان في السودان ذات المليون ميل مربع وكثافة السكان في العاصمة والمدن وخلو الريف – موطن الإنتاج – من السكان. الآن:- بدأت الأحوال هنا تتبدل: 1. إمتدت الطرق وغطت معظم المواقع الهامة بين بورتسودان والخرطوم وأغلب المدن السودانية وبين بلادنا في الشمالية بحيث صار الوصول إليها ومنها في ظرف ساعات فقط ودون عناء أو تلف في المنقولات من المنتجات وغيرها. 2. هنالك مشروعات لصناعة الأسمنت تم التصديق لها في الشمال. 3. هنالك مشروع زراعي تحت الدراسة والعمل في غرب السكوت وآخر تم قيامه في المحس ومشاريع أخري تحت الدراسة (حسب ما نسمع). 4. الكهرباء بدأت تغطي القري والمدن بصورة لم تكن متوقعة. 5. بدأ التخطيط بالفعل لقيام مصنع للحديد في الشمال. 6. المنتج في بلادنا من المحاصيل والخضر والفاكهة وغيرها يمكن أن تصل مواقع الإستهلاك في المدن والعاصمة خلال ساعات وبتكاليف أقل. 7. المقومات الأساسية والضرورية تجد الإهتمام من الدولة في مجال الصحة والتعليم والأنشطة الأخري. 8. معروف أن فرص ممتازة متوفرة في الشمال للإستثمار وفرص العمل لذوي الفاءات والأيدي العاملة. 9. ظاهرة الكساد في كل شئ سواء في مجال الزراعة أو التجارة التجارة بدأت تنحسر عن المنطقة. 10. توفر البنوك المختلفة بالمنطقة جعلت كل صاحب فكر خلاق ليبني مستقبلا أفضل. 11. المواصلات بين القري والرئاسات (عبري – دلقو – حلفا – دنقلا) أصبحت ميسرة ومريحة وسريعة لدرجة لم تكن في الحسبان مع الإتصالات الهاتفية وغيرها ولهذا إرتباط بالإقتصاد والعلاج والتعليم وغيرها. 12. بعض المواطنين الجادين بالمنطقة تحسنت ظروفهم جزريا. 13. فرص العمل أفضل من ذي قبل لأصحاب المهن الحرة سواء في المدن أوالبلد. 14. قد تكون الحياة والظروف صعبة لكن لم يحدث في تاريخ المنطقة أن جاع أحد مهما إفتقر الأ أيام المجاعات الكبري. ملحوظات:- 1. مع كل ما ذكرته مازالت فرص العمل متاحة للبعض وضيقة جدا للبعض لمن يفتقرون إلي الوساطات وغيرها من أساليب ولكن توفر فرص العمل حتما سيؤدي إلي إستيعاب الراغبين في العمل. 2. هل يمكن إعداد كشوفات بأسماء الراغبين في العودة إلي بلادهم ومؤهلاتهم وتكوين لجان تعمل بالتواصل مع السفارة والسلطات المختلفة بالسودان سواء علي مستوي المحليات أو الولاية أو الحكومة المركزية للتدارس حول إمانية توفير فرص حياة كريمة لمن تحتويهم الكشوفات من المغتربين. 3. المصير الحتمي العودة للوطن إن طال الزمن ام قصر وأعتقد إن الأفضل هو العودة الطوعية للوطن. 4. الأبناء عندما سيكونون في الوطن سيجدون فرص العمل والتكيف مع الظروف ومع ظروف الوطن والمعيشة فيه. 5. لا أقصد من كتابي هذا إلا الخير لكل المغتربين المعذبين بويلات الإغتراب أينما كانو وكيفما كانت ظروفهم وأخشي أن أكون بهذا قد دخلت دائرة التطفل والتعدي علي حقوق الآخرين في ممارسة الحياة بالصورة التي إختاروها – معذرة إخوتي. 6. ملحوظة هامة: لا فرصة للتشاور مع العنصر النسائي في هذه المسألة لأن هذا العنصر في أغلب الأحيان يعتقد أن الإغتراب كسب وإمتياز وتفوق كلما بعد مكان الإغتراب فاستراليا وكندا أفضل من الخليج وهكذا فالخرطوم أفضل من دنقلا والخليج أفضل من الخرطوم. 7. وفاة أشقائي وبعض الأحباء في ديار الغربة بعيدين عن الأهل والأحباب جعلت تقييمي للإغتراب بمعيار قد يختلف عن معايير البعض مع إحترامي وتقديري لكل صاحب مبدأ ورؤية حرة. 8. لا أود الإشارة إلي الحال في بعض دول الإغتراب التي استغنت كلية عن العمالة السودانية وما ترتب علي ذلك من هبوط أثر رفض البعض وعجز البعض عن العودة لبلادهم. تقديري ومعذرة لكل من يخالفي الرأي. سيد محمد عبدالله مسل