مدخــــــــــــــــل : عندما تكون غرفة نومك مغلقة عليك وحدك فإنها تكون كالقبر في إظلامها وانعدام الحياة فيها .. لكن عندما تكون برفقة امرأة باردة فإن غرفة نومك تصبح كقبر يشاركك فيه ثعبان يلدغك كل حين.. مخــــــــــــــــرج : ولقد نسيت بعض البرود الذي ظل ملازما لي منذ سنوات عندما بلغني أن السمراء الفارعة الطول قد عادت تسأل عني . قلت لابد أنها تذكرت شيئا مما كان بيننا من عامر الدهر حين كنا لا نفترق . لكن الآن وقد جفّ مني العود وتسرّبت العافية ووهنت ساقاي فما الذي أتى بها ، وأي أمر تطلب ؟ قال من التقاها : هي ما تزال بعافية ، وربما أنها أنضر ألف مرة من ذي قبل . وقد بدت كفرس سباقٍ تكتسب الخبرة مع الأيام فلا يزيدها البذل والعطاء إلا قوةً وجمالاً . كانت تشتهيني كثيرا ، وكلما حلّ فيها الاشتهاء وتملّكها الهيام ، كانت تجذبني إليها بشدة وهي تقول : قم ، قم إليّ ، أهجر السكون واطفئ هذه النار التي تكاد تشعل جسدي كله .. وكنت اقوم إليها ، وكل قواي معتدلة ، فأمسكها وأضمها بين يدي حتى أكاد أطبق أضلاعها ، وصدرها يضغط على صدري حتى أنني كنت أخشى عليه من الانفجار . وتظل هكذا ملتصقة بي وانا أشدها إلي وهي تحيط بي من منتصفي فلا تتركني حتى ترتفع انفاسي وكأنها تسعى إلى امتصاصي لآخر قطرة. جمعت أطرافي ، وأكثرت اللهاث وطفقت أبحث عنها بجنون محيط . وحين عثرت عليها في أطراف المدينة كانت تسير برفقة شاب أسمر طويل القامة يلف يده حول خصرها . شاب يصغرها بأكثر من عشر سنوات ، لكنها بدت معه وكأنها قد تزوجته للتو . كان مزاجها صافيا ، وابتسامتها وضّاءة ، وعطرها نفّاذ . وكانت ترتدي تنّورة قصرت عن ركبتيها ببضع سنتمترات . بدت لي كلوحة سيريالية تنتمي جذورها إلى أزمنة الفن الرفيع. ضربت لي موعدا ، وكعادتها ، لم تخلفه . وحين مرت من هنا ، بدت فارعة الطول أكثر من ذي قبل ، ممشوقة القوام ، عالية الجبين ، تمد النظر بعيدا نحو أفق الخيال . كانت تماما كليلة أولها مرح ، وأوسطها حلم جميل ، وآخرها فجر يبتسم .. كانت خيولنا في قمة الصهيل ، رافعة أعناقها ، تشتاق إلى الوثوب . وكنّا نحن أقمارا ثلاثة ، صباي ، ووجهها ، والزمان . كنت قد انتظرتها طويلا ، ولما تقاصرت أزمان الصبر ، جاءتني ، تحمل بين يديها كتاب عشقنا بيدين لا تعرفان الارتعاش كان المكان معطّرا يضج بالورد النبيل ، واقمار الليل تتقافز فتضيء عتبات الطريق . وثمة فراشات تتراقص ، وتلثم كاسات الورود ، فترسم لوحة التياعنا في أيام الغياب .. تبّا لها تلك الأيام البائسة ، لم نكن نعدّها من أيامنا ، لكنها تظل كشبح منهزم يبين من وقت لآخر دون أن يهزّ شعرة من أيام الصفاء . تلك الليلة كانت كائنا خرافيا ، فاضت بالوسامة ، والندى ، وترددت أصداء الحب في جنباتها . النجوم كانت في أوج موسم التكاثر ، فأخرجت لنا من سنابلها آلاف الثريات .. تآخت الأمم ، وخلدت إلى السلم ، وتحطّم غول البغضاء ، وسلام هي حتى مشرق الأمل ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة