العنابر المتسخة!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 01:14 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-30-2010, 03:28 PM

اساسي
<aاساسي
تاريخ التسجيل: 07-20-2002
مجموع المشاركات: 16468

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
العنابر المتسخة!

    كعادته دائما استاذنا الطيب برير يبدع عندما يخاطب فكرته بمباشرة وتلقائية , وكعادته حينما وجدني اتلظي اشتياقا للقراءة اليه بٌرني بها العمل الجميل
    اترككم مع كتابة استاذنا الطيب والتي هي باب لبوست عميق في اصول التربية

    حدّد سقف أحلامه بدراسة الطب في وقت مبكر..
    رمى والداه بذرة هذا الحلم باكرًا في طمي ذاكرته..
    منذ الهدهدة الأولى كان مخيال "الدكتور" حاضرًا في أفق أمه..
    ينوم على أنغام هذا الحلم موقّعًا في ترتيل صوتها..
    يصحو عليه..؛
    والده كان متنازعًا بين الهندسة والطب..
    ينظر إلى رئيسه في الهيئة القومية للكهرباء..
    فيجد في لفظ "الباشمهندس" ألقًا ووهجًا..
    يعود إلى منزله بقناعة راسخة بتمهيد الطريق لابنه نحو الهندسة ولا شيء غيرها..
    يعلم أن الأمر سيكون عسيرًا بعض الشيء فيما يخص إقناع والدته بهذا الخيار..
    يقدّم لها في مائدة الحوار كل ما ادخره من حجج حول مزايا "الهندسة"..
    قارئًا لها محيا مستقبلها في مرآة مديره..
    ينتظر ردة فعلها ممسكًا بأطراف قناعته حين تبدأ هي في هجومها المعاكس..
    يبدو الطب في حديثها قمّة الطموح الآدمي..
    والسقف الذي لا تتنازل عنه غايةً لمستقبل ابنها..
    تستند في قناعتها إلى نماذج لا خلاف على تميّزها في هذا المجال..
    عند ذلك تتحلّل قناعته وتتفتت تدريجيًّا..
    ويبلغ هذا التحلّل والتفتّت مداه حين تعضد تفوّق الطب على الهندسة باستدعائها لصوت المغنية:
    "الليلة وين أنا
    البي العصر مرورو"..
    فيغنّي معها حين ذاك في اتساق تام لا نشاز فيه..
    ريثما يصحو حلم "الهندسة" مع رؤية وشيكة للمدير.. الذي يتبعه لفظ "الباشمهندس" كذيل الطاوؤس؛
    فيضفى حوله هالة مهيبة.. تعيد إليه العزم مرة أخرى في توجيه دفّة الحلم باتجاه هذا الأفق النضر..
    فيعود الجدال بينهما مرات ومرات..
    والصغير حاضر يتأمّل ذلك كلّه بصورة مختلفة عمّا هي عليه في خيالهما..
    يتحيّز إلى أحدهما بمقدار ما يطفو على سطحه موقفٌ موجب للتحيّز..
    الهدايا تتحكّم غالبًا في موقفه من أحدهما..
    في سنيّه الأولى لم يكن يدرك لهذا الصراع بينهما أي معنى..
    لكن الصورة اتضحت بالنسبة له بعض الشيء وهو يخطو خطواته الأولى في سلّم التعليم..
    ومع مرور السنوات كان "الحلم" ينحاز إلى جانب الأم..
    وينحسر صوت الوالد..
    وهكذا ترسّخت القناعة بالطب في داخله..
    فمضى يقطع الطريق بتفوّق كبير..
    يستأثر بالمركز الأوّل في الغالب..
    ويتكدّر إن نازعه فيه منازع..
    المعلمون دخلوا حلبة الصراع حول مستقبله بين الطب والهندسة أيضًا..
    لكنّ صوته كان حاسمًا في كلّ مرة بانحياز صمدي للطب..
    مع كلّ خطوة يخطوها كان الحلم يتخذ أشكالاً عديدة..
    بتعدّد أشكال الروافد التي تغذيه

    ***

    في مطلع المرحلة الثانوية..
    أدرك أنّ الأفق بات أقرب إليه من أيّ وقت مضى..
    وعند المحطة الأخيرة في هذه المرحلة كان الحلم قد تفرّع إلى زوائد..
    كثيرًا ما كان يشير إلى زملائه في تحدٍّ أنّه سيتخصص في الجراحة..
    يكتمون غيظًا يتوزّع في همساتهم ونظراتهم غير الراضية عنه..
    يضغط على غيظهم مرّة أخرى بالتنازل عن حلم "الجراحة" إلى "الباطنية"..
    ومنها إلى "الأطفال" و"النساء والتوليد".. وكلّ فروع التخصص في الطب..
    ومع كلّ انتقال يزيد معدل الغيظ في دمائهم..
    كان الخيال يمضي به بعيدًا من ضفّة إلى أخرى..
    يمسك بالكتاب ليقرأ ويذاكر.. فتنفتح أمامه نافذة الخيال نحو مستقبله "المهني"..
    تغيب السطور المكتوبة كلّها..
    ويغرق في سديم مفتوح السواحل من أحلام غير منضبطة
    يُركِّب ذاته في شخصيات عظيمة في مجال الطب..
    كلّ مشهور من الأطباء في مجاله تقمّص صورته في البداية..
    وزاد في خياله تفوّقًا عليهم..
    الخيال لم يبخل عليه باكتشاف طرق حديثة لمعالجة أكثر الأمراض فتكًا بالبشرية..
    الحلم أغراه بالظهور على كافة وسائل الإعلام..
    تتسع حدقتا عينيه دهشة..
    الأم تلاحظ بصره المُسرَّح في الفضاء..
    فترده إلى الواقع.. حاثًّة إيّاه على المذاكرة والاطلاع في رفق ولين ودعة..
    لكن عودته تنتهي فعاليتها عند السطور الأولى من أيّ كتاب يطالعه..
    حيث يتلاشى الواقع الذي أمامه بكلّ صوره..
    ويناديه الحلم إلى براحه الفسيح.. فاتحًا له نوافذ التنقّل الوردي في عالم الطب..

    ***

    مضى من الوقت الكثير.. الكثير..
    لم يكن بأي حالٍ مستعدًا لخوض الامتحانات بمعطيات الواقع..
    لكنّه بمعطيات الحلم والخيال لم يكن يرى في ذلك عقبة تئد أحلامه..
    فكلّ المراحل الدراسية قضاها محفوفًا بالامتياز والتقدير..
    والجميع شهود على ذلك..
    فما الجديد الآن.. ؟

    ***

    في انتظار النتيجة ذهبوا يرسمون له صورة التفوّق المائز..
    دنا الميعاد المضروب..
    حضن الجميع الراديو في انتظار سماع اسمه في إحدى المراكز الثلاثة الأولى..
    مضى المذيع في سرد أسماء الطلاب الذين تبوّءوا المراكز العشرة الأولى..
    ومع كلّ مركز يرتفع معدل الثقة في آذانهم..
    تنقلهم النبضات اللاهثة بتوتر من مركز إلى آخر ممسكين بكلّ أسباب الثقة..
    فرغ المذيع من الأسماء العشرة ولم يكن اسمه بينها..
    حزن خفيف طاف على القلوب المنتظرة..
    لكن الحلم بالتفوّق مازال قائمًا..
    أسرع الجميع إلى المدرسة للاطلاع على نتيجته..
    - 68 %..؟!
    كان الجميع يرددها في معرض التكذيب والدهشة والاستغراب..
    أساتذته لزموا صمتًا مديدًا..
    والدته انخرطت في نوبة من البكاء المرير..
    والده اجتهد في أن يصل إلى موطن الذهول في داخله بالتربيت على كتفه.. ومواساته..
    بعض زملائه وجدوا فرصتهم لنفث غيظهم القديم المكتوم..
    فانتظروا خروجه الذليل من المدرسة صائحين في ضحك شامت:
    - مبروك يا دكتور!!
    كلّ شيء كان إلى احتمال.. إلا هذه الكلمات.. وهذا الضحك الناحر..
    لم يرفع رأسه.. لا باتجاههم ولا باتجاه المواسين..

    ***

    مضى عميقًا في ذهوله..
    أغلق الباب على نفسه ليالٍ وصباحات..
    لم تفلح الرجاءات في إخراجه من صمته المصمت..
    حار الوالدان في أمره..
    كلّ النصائح المقدمة إليهما عملا بها دون جدوى
    الخوف من الذهاب به إلى طبيب نفسي كان يكبلهما..

    ***

    في داخل الغرفة..
    كان "خيال الطبيب" قد أكمل السيطرة على كل مفاصل عقله..
    فجعل يكتب "روشتات" في الهواء..
    ويجري أعقد العمليات الجراحية مستخدمًا قطعة من الزجاج..
    دخل في نقاشات حادة مع الممرضات..
    رفع شكوى عاجلة لوزارة الصحة بسبب نقص التجهيزات الطبية..
    فتح عيادة مسائية حرص على أن يكون استقبال المرضى فيها مجّانًا يوم الجمعة..
    ينوم قليلاً.. ويُسهر ليله في معالجة مرضى صنعهم من الطوب والأحجار حوله..
    في صباح يوم مضطرب..
    خرج في هيئة مختلفة تمامًا..
    راسمًا بسمة فاترة زحزحها بتعمّد إلى ركن فمه الأيسر..
    صدره مرفوع إلى الأعلى قليلاً..
    تاركًا لنفسه حرية أن يتنفّس بنصف رئة متبوعة برئة كاملة
    في إيحاء بمقدار الجهد الذي يبذله..
    نظرته لا تمس الأرض..
    جزء من الملاءة وضعه على كتفه فيما يشبه "الروب"..
    وصنع من بعضها ربطة عنق..
    شق طريقه إلى الخروج وسط رهط النساء اللائي تحلّقن حول أمه..
    نظر إليهن نظرة تمسح الوجوه مسحًا عابرًا ولا تركّز على أحد..
    قال بصوت واثق ومطمئن:
    - العملية نجحت!
    انزلقت منه نظرة محدّدة إلى إحداهن الجالسة في طرف الرهط الواجم..
    تجاوزها بخطوات..
    لكنه التفت إليها ثانية.. وقال بصوت آمر:
    - التومة.. العنابر دي وسـخـانة.. نضفوها سريع!

    بقلم الطيب برير

    (عدل بواسطة اساسي on 11-30-2010, 03:29 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de