|
العدالة لا تقبل التفاوض مقال بقلم عبير محي الدين عووضة
|
العدالة لا تقبل التفاوض عبير محي الدين عووضة
بطريقة ما دخل لاعبون كثر في موضوع السودان منذ ان تسربت تقارير عن "الابادة الجماعية في دارفور ،فقد اهتز الضمير العالمي لفظاعة ما يرتكب هناك واضعا نصب اعينه ماحدث في رواندا 1994 فحينها كان العالم غافلا عما جري في واقع الامر ، لكن الصورة عن تلك المجاز التي تم تداولها بعد ان سارع العالم لانهاء المسألة جعلت من المستحيل قبول مثل هذه المجزرة مرة اخري. في عالم يروج علي مستوي واسع انه يجب ان يكون اكثر تحضرا ، ويجب الا يسمح باي صورة حدوث خروقات للقانون الدولي ، وعلي اساس هذا تشكلت مجموعات ضاغطة علي مستوي واسع وصولا الي هذه القيم ذكرت دارفور الضمير الانساني وهبت المنظمات لشد إنتباه العالم نحو دارفور في ذلك الوقت كانت اتفاقية السلام تخطو نحو عقبات وضعف و ترهل ، ووضح للعالم ان غاياتها لن تتحقق وستقود في النهاية الي كارثة.
التحول الكبير الذي حدث هو توجيه التهم الي الرئيس السوداني بارتكاب جرائم ضد الانسانية تنتهك القانون الدولي ،وبتوجيه الاتهام في مارس 2008 ، تصدي نظام الخرطوم للقرار ورفض التعامل مع المحكمة الجنائية ، محاولا ايقاف النزاع داخل الحزب الحاكم بمجرد ظهور فكرة استبعاد الرئيس من منصة الحكم. ومواجها من جديد المجتمع الدولي و مفاوضا لابعاد التهم عن الرئيس ، فبنية السلطة داخل الحزب الحاكم تتأسس علي تيارات لا تخفي عدائها لبعضها البعض، فالمؤسسة العسكرية التي تعلم ان امر توجيه اتهام الي قائدها العام يجعلها تنزوي من لعب اي دور سياسي مرة اخري فبداءت في تشكيل حماية للرئيس. وقامت بالتصدي لبعض الايادي التي دعت في البداية الي التعامل مع المحكمة الجنائية. وقيل ان نائب الرئيس علي عثمان هو من اعترض علي فكرة التعامل من حيث المبدأ وهو في ذلك كان يريد ان يتولي الامور في حال عجز الرئيس عن مداولة نشاطاته الخارجية ،اذ ببساطة اراد نائب الرئيس ان يستفيد من الفراغ الذي سيخلفه اتهام الرئيس وهو يريده ان يظل موجودا يحفظ التوازن الداخلي للحزب وفي نفس الوقت سيكون اتهام المحكمة وممانعة الخرطوم عن التعامل معها سببا لابعاد الرئيس من ملفات التفاوض الحقيقية ، والمؤكد ان الرئيس لم يغفل هذه النقطة فدفع بمساعديه المقربين والذين لا يتفقون مع نائب الرئيس الي الملفات الحساسة كدارفور ومتابعة اتفاقية السلام .
تتسرب الاخبار بين وقت واخر عن صفقة بموضوع المحكمة الجنائية (اسقاط التهم عن الرئيس البشير مقابل ان تقدم الخرطوم حزمة تنازلات في ملفات كثيرة (دارفور، ابيي، الارهاب ، اتفاقية السلام) ، لكن رسميا نفت واشنطن وباريس ولندن عدة مرات امر الدخول في مساومة بموضوع المحكمة ولم يفتأ مفاوضو الخرطوم من طرح موضوع المحكمة كلما سنحت الفرصة.
بالنسبة لقانون الدولي هناك تهم لابد للرئيس ان يدافع عنها بمثوله امام المحكمة ،لكن في ميثاق تاسسيس روما كان قد سمح لمجلس الامن بتاجيل اي قرار قبض لمدة عام قابل للتجديد ،وهذه النقطة بالتحديد اثارت شهية كثير من الدول للضغط علي الخرطوم وكان يمكن ان يتم الضغط وتحدث نتائج مزهلة لكن عندما علمت الخرطوم انها يمكن ان تفاوض الي ما لانهاية للحصول علي "براءة الرئيس "وهي براءة تريد نخبة الانقاذ ان تدفع ثمنها سياسيا وبمجرد ان يقبل المجتمع الدولي مبدأ المساومة ستتحول العدالة الي موضوع فضفاض تحده محددات سياسية كثيرة وهنا ستسقط احكام الداعين لتاسيس ميثاق للعدالة الدولية يحارب استخدام العنف المفرط من قبل "مؤسسة الدولة
اذن وبلا جدال ارتكبت الدولة عنف منظم في دارفور كانت نتيجته ملايين من النازحين وآلاف القتلي وقد ثبت ذلك من خلال التقارير الحكومية وحتي اللجان التي كلفتها الحكومة نفسها بالنظر الي الاوضاع في دارفور ،وبالتالي من الخزي حقا ان تتقاعس الدولة في محاسبة من ارتكب تلك الجرائم . لقد اعتمد المجتمع الدولي في تحويل ملف العنف الي دارفور الي القضاء الدولي علي عدم رغبة وكفاءة الجهاز القضائي المحلي في القيام بدوره لانه فقد استقلاليته واصبح رهينة للتوجهات السياسية وكلنا نذكر قبل عامين حينما حاول المدعي العام بالسودان تلطيف التعاطي ايجابيا مع محاسبة وزير الشئون الانسانية احمد هارون وبعض المصادر تقول ان استبعاد سبدرات من التشكيل الوزاري كان بسبب تصريحات له عن التحقيق مع احمد هارون.
دعونا نقول بصورة واضحة انه خلال مؤتمر المحكمة في كمبالا اغسطس الماضي ان حوارا فعالا جري لاثبات قدرة واهمية القضاء الدولي وبالتالي لا يمكن ان نتصور ان اي اختراق يمكن ان يحدث بدون البت في مسالة محاكمة الرئيس.
فالقانون الدولي نفسه امام محك خطير اذا جرت تسوية الامور واعفاء الرئيس من المساءلة لاسباب سياسية ولا اعتقد اطلاقا ان السياسة الدولية ستتعافي اذا هدمت مصداقية القانون الدولي مراعاة لهشاشة الوضع في السودان وفي تقديري ان القوي المحلية بما في ذلك المؤتمر الوطني قد يستجيب للضغوطات بشأن العدالة اذا لمست جدية المجتمع الدولي في ذلك ودعونا لا نتخوف من تاثير الانقسام داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم لانه يمثل السبيل الوحيد لوضع الامور في نصابها الصحيح .
|
|
|
|
|
|