للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة)

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 06:55 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-13-2010, 05:35 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة)

    ما هي الدولة ؟
    عقيل عيدان
    الدولة هي التعبير القانوني عن المجتمع . وهي تشمل الحكومة في مختلف إداراتها وتشريعاتها. الدولة هي أدق المؤسسات الاجتماعية وأخطرها، في قوتها وضعفها على السواء.
    ففي استطاعتها، إذا كانت قوية، أن توجّه المؤسسات الأخرى وتحقّق التناغم في ما بينها . أما في حال ضعف الدولة، فيبرز التنافس بين المؤسسات المختلفة وتحاول كل منها – سواء أكانت قبيلة أو طائفة أو حزباً – أن تفرض سلطانها على المجتمع وأن تقوم مقام الدولة، جاعلة من القوة حقاً. لا بد، إذاً، من مؤسسة تنصهر فيها العناصر المشتركة بين مؤسسات المجتمع المختلفة. وهذه المؤسسة هي الدولة .

    على الدولة، في حمايتها للحرية، أن تصون الحرية بالمعنيين السلبي والإيجابي. بالمعنى الأول، عليها أن تزيل حالات القسر التي يمكن أن تحيط بالناس ، فتمنع اعتداءات الناس بعضهم على بعض ، وتردع التعديات الخارجية، وتكافح الأوبئة والأمراض والأخطار. وبالمعنى الثاني ، عليها أن تنظّم شؤون التعليم والاقتصاد والسياسة والعمل والسكن . وعلى الدولة أن تؤمن بهذه الحريات كحقوق أساسية للإنسان ، وأن تنشِّئ المواطنين على الواجبات التي تقتضيها هذه الحقوق منهم. وأهم هذه الواجبات احترام حرية الآخرين والتقيّد بما تقتضيه المصلحة العامة.
    إن الحريات المنوطة بالدولة تتناول قطاعات كثيرة من الحياة. فهناك الحرية المدنية أو حرية المعتقد ، وهي تشمل الرأي والدين والكلام والنشر والصحافة. وهناك الحرية التنظيمية ، أي حرية إنشاء الجمعيات والأحزاب .
    وهناك الحرية السياسية، التي تعني حكم الشعب بواسطة مجالس نيابية تمثيلية، كما تعني المساواة بين المواطنين في الحقوق. هذه المساواة تعبّر عنها القوانين ويجسّدها النظام العادل .
    وهناك الحرية الاجتماعية، أي احترام كرامة الإنسان بغضّ النظر عن ظروفه وأحواله وانتماءاته ولونه وجنسه .
    وهناك الحرية الاقتصادية، وهي تعني حرية العمل والسكن والملكية، ولكن ليس عن طريق الاستغلال وحرمان الآخرين. وهناك حرية العلم أو التربية، وهي تقضي بوضع العلم في متناول الجميع.
    وهناك حرية المواطنة التي تتيح للفرد إسقاط جنسيته واستبدالها بجنسية أخرى. ويمكن أن نتكلم عن حرية “عالمية”، تقضي بألاّ تتدخّل الدولة في شؤون الأمم الأخرى من ناحية سلامها وطموحاتها التي لا تهدد سلام الآخرين.
    إن برنامج الحريات هذا يحتّم على الدولة ألاّ تكون صاحبة “أيديولوجية” ، لأنها عندئذ تصير خصماً للمؤسسات الأخرى وتكبت الحريات التي لا تناسب خطها بدل أن تعززها .
    بالطبع، يجب أن تضع الدولة أهدافاً ومُثلاً من أجل ازدهار المجتمع، وتسعى إلى تحقيقها. بهذا المعنى، لا غنى للدولة عن أيديولوجية، أي عن أفكار بنّاءه ومخططات تجعل من الدولة حقل عمر مستمر.
    لكن إذا تجاوز مفهوم الدولة الإنسان، فإنها عندئذ تنزع إلى أن تكون دولة “توتاليتارية” أو كلية أو شمولية . وفي الأشكال المتطرفة للدولة ، هناك مفاهيم صارمة في الدين والاقتصاد والسياسة والفلسفة والفن وبقيّة مرافق الحياة . وتُفْرَض هذه المفاهيم ، عن طريق القوة ، على أنها “الخط الصحيح” أو “الطريق القويم” أو “خط العقيدة” ويُعدّ كل خروج عنها “انحرافاً” خطراً ، بينما يُعدّ المنحرف “خائناً” أو “عميلاً” أو “مأجوراً” أو “عدواً للشعب”، ويدفع ثمن “انحرافه” غالياً.
    لذلك، أي من أجل اجتناب هذه الحالات من الظلم ، كان على الدولة أن تلتزم عقيدة واحدة محتواها الحرية والمساواة والعدالة ، وأن تردع المواطنين الذين يحاولون حرمان سواهم هذه القيم ، عن طريق ممارساتهم أفعالاً تهدّد السلامة العامة ، أو اعتناقهم مبادئ خطرة لا تقيم وزناً لحقوق الآخرين وحرياتهم .
    الدولة ، إذن ، هي مثال الوحدة في التعدّد على الصعيد الاجتماعي. ولكي تكون هكذا بالفعل، يجب أن تجسّد حاجات المواطنين وطموحاتهم، مهما تعدّدت معتقداتهم وحضاراتهم الجزئية، شرط ألاّ تتعارض ممارسة هذه العقائد والقيم الحضارية الخاصة مع سلامة الكيان الاجتماعي العام.
    وكون الدولة وحدة في التعدد يميزها عن مؤسسات المجتمع الأخرى. فلا العائلة ولا القبيلة ولا الحزب تمثّل العناصر المشتركة بين جميع أبناء الشعب. لكن الدولة، لأنها تقوم على العناصر المشتركة بين الناس، تستطيع أن تحمل القيم الاجتماعية الأساسية وتؤمّن الشروط الموضوعية التي تمليها غاية الحياة القصوى، تحقيق الذات.

    (صحيفة الاتحاد الكردستانية )
                  

11-13-2010, 05:38 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    في ما هي الدولة الوطنية - جاد كريم الجباعي

    خاص لمركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية
    "الدولة هي الفكرة الأخلاقية المتحققة بالفعل؛ فهي الروح الأخلاقي من حيث هو إرادة جوهرية تتجلى وتظهر وتعرف وتفكر في ذاتها، وتنجز ما تعرف بقدر ما تعرف. توجد الدولة، على نحو مباشر، بالعرف والقانون؛ وعلى نحو غير مباشر في الوعي الذاتي للفرد ومعرفته ونشاطه، في حين أن الوعي الذاتي، بفضل ميله تجاه الدولة، يجد فيها، بوصفها ماهيته وغاية نشاطه ومحصلته، حريته الجوهرية"[1].

    قد يبدو تعريف الدولة، أو تحديد ماهيتها، على هذا النحو، الذي يذهب إليه الفيلسوف الألماني هيغل، مستهجنا،ً عندنا، وغير مفهوم، وموسوماً بالمثالية؛ لأننا تعلمنا، نحن "اليساريين" و"التقدميين"، في المدرسة السوفييتية أن هيغل فيلسوف مثالي، ومن ثم فإن فلسفته وأفكاره من سَقَط المتاع، لا تنفع "الثوريين" في قليل أو كثير. ولا سيما أن أكثرنا لا يزال متشبثاً بالتعريف الاختزالي، المنسوب إلى ماركس، أن الدولة "أداة قهر طبقية"، وبأفكار فريدريك إنغلز، التي بسطها في كتاب "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"، الذي استند فيه على أنتروبولوجيا مورغان، يوم كان هذا العلم في بداياته الأولى، وتوصل فيها إلى النتيجة ذاتها. في حين يجمع النقاد على أن جميع التيارات الفلسفية ما قبل الهيغلية صبت في فلسفة هيغل، وجميع التيارات الفلسفية الحديثة انطلقت منها، ولا سيما الماركسية. ومن يقرأ عمل ماركس المهم في موضوع الدولة "نقد فلسفة الحق عند هيغل"، فضلاً عن أعمال الشباب الأخرى، سيلاحظ الاتفاق بين هذين العلمين الأكثر شهرة في تاريخ الفلسفة الحديثة في موضوع الدولة. فقد عرف ماركس الدولة بأنها "تجريد المجتمع المدني وتجريد كل فرد من أفراده"، وبأنها "تحديد ذاتي للشعب"، وسنعرض إلى تفصيل ذلك في موضعه.

    العودة اليوم إلى هيغل وماركس، وإلى فلاسفة عصر الأنوار، في موضوع الدولة، تبدو ضرورية وواجبة علينا، نحن الذين لم نعش تجربة الدولة الحديثة، إلا لماماً، (مع أن الدولة الحديثة، الدولة الوطنية أو القومية، ولا فرق، هي الظاهرة الأبرز على الصعيد العالمي، ما يشير إلى مدى تأخرنا عن جميع الشعوب والأمم التي تعيش تجربة الدولة)، وليس في ثقافتنا ما بفيد في هذا الموضوع من قريب أو بعيد، سوى السياسة السلطانية والآداب السلطانية، مما يتعلق بميدانين: الحرب والمال، ويؤدي معنيين: الغلبة والتناوب. الغلبة في الحرب تؤدي إلى الاستيلاء على المال والاستقلال به، لكن الحرب سجال، ولا دوام لسلطة جماعة واحدة، لا بد أن تضعف وأن تخلفها جماعة أخرى. وما تحليلات ابن خلدون المتشعبة إلا تعيينات لفكرة القهر والاستئثار من جهة، وفكرة التداول من جهة أخرى، كما لاحظ عبد الله العروي. وليس لدينا من ثم سوى أدلوجة عن الدولة، كما لاحظ العروي أيضاً. و"أدلوجة الدولة تسبق نظرية الدولة". ولكننا لا نزال في أدلوجة الدولة، ولدينا تصورات وهمية مئة بالمئة عن "دولة قومية" للأمة العربية، من "المحيط الهادر إلى الخليج الثائر"، وعن دولة إسلامية تستعيد ألق الخلافة الإسلامية، الراشدية ونضارتها، وعن دولة اشتراكية تقوم على دكتاتورية البروليتاريا الثورية، وتقضي على البورجوازية وعلى استغلال الإنسان للإنسان.

    مراوحتنا المزمنة، في زمانية أدلوجة الدولة، أو يوتوبيا الدولة، وعجزنا المزمن عن الانتقال إلى نظرية الدولة والتساؤل عن أصلها وماهيتها وبنيتها ووظيفتها ينمان على جهلنا ما هي الدولة، وعلى نفورنا من الدولة القائمة بالفعل، هنا والآن، منذ قيامها، لأسباب شتى، يتعلق بعضها بظروف نشوئها أو إنشائها. وينمان أيضاً على عدم اعترافنا بها، وعدم منحها أي مشروعية سياسية وأخلاقية، وحذفها إلى دائرة المعيب التفكير فيه، لأنها دولة قطرية، بل دويلة، "قطرية" هزيلة وذميمة أنتجتها مؤامرة غربية على الأمة العربية (اتفاقية سايكس بيكو). وعلى تعلقنا ثقافياً وروحياً بمثال دولة متخيلة، بل وهمية، كتلك التي كانت لنا ذات يوم؛ مع أن "ما هو عقلي متحقق بالفعل، وما هو متحقق بالفعل عقلي. عند هذا الاقتناع يلتقي الإنسان البسيط والفيلسوف، ومنه تبدأ الفلسفة دراستها لعالم الروح ولعالم الطبيعة على حد سواء. ولو كان التفكير أو العاطفة أو أي صورة شئت من صور الوعي الذاتي تنظر إلى الحاضر على أنه شيء باطل، وتسعى إلى تجاوزه بمنظار حكمة أعلى (من حكمة العقل ذاته) فإنها تجد نفسها في فراغ، ولأنها لا تكون موجودة بالفعل إلا في الحاضر فحسب[2]، فإنها هي نفسها مجرد عبث باطل[3]". (الحاضر، عندنا، ابن زنا ذميم وغير معترف به، لذلك تجدنا في غالبيتنا ممعنين في ازدراء الدولة القائمة بالفعل وفي ازدراء القانون، وغير مبالين بضرورة الإصلاح السياسي، ومنحازين إلى المشاريع المعادية للدولة صراحة أو ضمناً، كمشاريع الجماعات الإرهابية التي تسمي نفسها ويسميها معظمنا مقاومة إسلامية، أو المشاريع القومية العربية ذات المضمون العرقي والمذهبي، أو المشاريع المذهبية أو الطبقية، التي تنم جميعها على ولعنا بالاستبداد). نقول ذلك اليوم، لأننا نعتقد أن الدولة الدستورية الحديثة، ونميل إلى تسميتها الدولة الوطنية هي المخرج الضروري والوحيد من عالم الاستبداد، ومن البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تحمل بذوره وتعيد إنتاجه، وقد كانت كذلك منذ بزوغ الأزمنة الحديثة، وأنها، في الوقت نفسه، الشرط الضروري والمقدمة اللازمة للديمقراطية.

    بالعودة إلى تعريف الدولة يحسن أن نحدد نقاط ارتكاز أولية وضرورية لفهم ماهية الدولة. نقطة الارتكاز الأولى والأساسية سنستمدها من أحد تعريفات ماركس للدولة بأنها "الإنسان مموضعاً"[4]، أي الإنسان / الفرد، الواقعي، أو الفرد الطبيعي، الذي ينتج ذاته في العالم وفي التاريخ بتوسط العمل. إذاً نقطة الارتكاز الأساسية هي الإنسان الواقعي، الفرد، بوصفه كائناً عاقلاً وأخلاقياً، في المقام الأول. (والأخلاق لا تنفصل عن العقل ولا تنفك عنه، بل هي العقل نفسه بصفته أخلاقاً ذاتية وموضوعية، أو بصفته الفكرة الأخلاقية، أي العقل في إحدى ذرى تطوره العليا). الإنسان عند هيغل معرف بالفكر أو بالعقل والأخلاق، الفكر هو الذي يخلق العالم، عالم الإنسان، بناء على الكوجيتو الديكارتي: "أنا أفكر إذاً أنا موجود. وهو أي الإنسان، عند ماركس معرف بالعمل. ولكن العمل البشري فكر متحقق بالفعل، فإذا حذفنا عنصر الفكر من العمل، لا يتبقى منه سوى عمل الطبيعة أو عمل الحيوان. وإذا كان العمل فكراً متحققاً بالفعل، فإن الفكر هو عمل بالقوة، أي عمل لم يتحقق بعد، ولكنه قابل للتحقق على أي وجه من وجوه التحقق، بحسب أنواع العمل البشري المشخصة. يبدو لنا أن هيغل وماركس ينطلقان من نقطة واحدة هي الإنسان الواقعي أو الفرد الطبيعي، بوصفه كائناً عاقلاً وأخلاقياً ومعرفاً بالعمل.

    ومن ثم فإن الدولة هي تحقق، أو تموضع، الإنسان العاقل والأخلاقي في الواقع، أي تحقق الروح الأخلاقي للفرد، (بالمفرد والجمع) تحققاً فعلياً. ولما كان الروح الأخلاقي للفرد إرادة جوهرية، أي إرادة الاتحاد بالكل الاجتماعي والإنساني، وإرادة الحرية والعدالة والمساواة، وإرادة الخير والحق والجمال، لا مجرد إرادة الأمن وحماية الملكية الخاصة وتحقيق المنفعة الخاصة والمصلحة الخاصة العمياء، فإن الدولة هي تحقق هذه الإرادة الجوهرية. ما يعني أن الدولة ليست كائناً غريباً عن الفرد وليست سلطة خارجية مفروضة عليه عنوة وقسراً، بل هي تعيُّن ماهيته الإنسانية، أي تعيُّن إرادته الجوهرية، في القانون، الذي هو قوام الدولة. فالقانون هو تجلي الإرادة العامة، التي تعرف وتفكر في ذاتها، وتنجز ما تعرف، بقدر ما تعرف. (لاحظ الارتباط الوثيق بين الإرادة والمعرفة، الإرادة معرفة تعي ذاتها على أنها كذلك، وتعمل على الانعتاق من جميع القيود. ويقابله ارتباط وثيق بين الفكر والحرية؛ الفكر أيضاً هو حرية تعي ذاتها على أنها فكر، وتعمل على الانعتاق من جميع القيود).

    الدولة من هذه الزاوية كائن حي قابل للنمو والتطور والتحسن بنسبة نمو المعرفة والفكر وتطورهما، وبنسبة نمو الوعي الاجتماعي، في المجتمع المعني، ولذلك تختلف الدول، وتختلف الدساتير والقوانين، باختلاف المجتمعات التي تنتجها. الدولة تتجلى، بصورة مباشرة، في القانون بصفته إرادة عامة. وتتجلى، بصورة غير مباشرة، في الوعي الذاتي، الذي يجد في الدولة تعبيراً عن ماهيته الجوهرية وتجسيداً لحريته. فغاية نشاط الفرد الجوهرية هو أن يكون عضواً في الدولة، ثم عضواً في الجماعة الإنسانية أو الجماعة المؤنسنة.

    نفترض، هنا، أن الفرد الذي يعي ذاته كائناً إنسانياً حراً ومسؤولاً، ويرى في الآخر تجلي ماهيته الإنسانية، لا مجرد منافس أو غريب أو عدو، لأنه مختلف، هو الذي يعي ذاته مواطناً، أو عضواً في الدولة الوطنية، ويرى في الآخر المختلف تجلي ماهيته الوطنية. ومن ثم فإن الإنسانية هي رافعة الوطنية وشرطها الضروري. الذات الإنسانية، والذات الوطنية، على السواء، هي التي تؤسس ذاتها في الآخر المختلف، على أنه تجلي ماهيتها، فليس ثمة ذات بلا آخر. هذا الأساس المكين الذي تنهض عليه الوطنية هو نفسه الأساس الذي تنهض عليه الديمقراطية، وسوف نرى أن الدولة الوطنية تحمل في ذاتها عوامل نموها وتحولها إلى دولة ديمقراطية، بقدر ما تكون تعبيراً عن الإرادة العامة وتجسيداً فعلياً لحرية مواطنيها.

    ولكن الفرد الطبيعي لا يعطى لنا إلا في إطار جماعة ما، وفي إطار جملة علاقاته الاجتماعية، أي إنه لا يعطى لنا إلا بصفته كائناً اجتماعياً معيناً ومحدداً بالأسرة التي ولدفيها وبالديانة التي تدين بها أسرته وباللغة التي يتكلمها وبالعمل الذي يمارسه وبالأفكار والتصورات التي يحملها عن ذاته وعن العالم وبالشروط الموضوعية التي تتكون فيها شخصيته وبوعيه الذاتي في المحصلة. ومن ثم فإن أي عمل يقوم به الفرد هو ذو طابع اجتماعي وأخلاقي، وكذلك العقل أو الفكر أو الروح المضمَّن في العمل والمكثف في منتجاته. عند هذه النقطة لا بد أن نقرر أن الفرد الطبيعي، بصفته الاجتماعية هذه، هو أساس الجماعة وأساس المجتمع، وأساس المجتمع المدني الحديث، الذي هو أيضاً إنسان مموضع.

    الفرد الطبيعي مسوق دوماً بسائق حاجاته ومصالحه ورغباته وأهوائه ونزواته وإرادته الذاتية ووعيه الذاتي، الذي يحدد ذاته ويحدد موقعه في الجماعة أو في المجتمع وفي العالم، والأهم من ذلك أنه نزَّاع إلى بسط إرادته الذاتية على كل ما يعتقد أنه قادر على امتلاكه، وحرمان الآخرين منه. في مثل هذه الحال لا بد أن تصطدم إرادته الذاتية (الأنانية) بإرادات ذاتية مماثلة لآخرين مسوقين مثله بالسائق ذاته، وينزع كل منهم إلى بسط إرادته الذاتية المتعسفة على كل ما يعتقد أنه قادر على امتلاكه وحرمان الآخرين منه. ما يؤدي إلى ما سماه هوبز حرب الجميع على الجميع. وإلى ما يجعل من الإنسان ذئب الإنسان. (مثل هذه الحالة نلاحظها اليوم، حيثما يضطرب حبل الأمن، ويسقط اعتبار القانون، وتختفي الدولة أو تكاد، كما هي الحال في العراق ولبنان وفلسطين والسودان والصومال وغيرها كثير)

    حالة الحرب هذه لا يمكن أن تفضي إلى حياة اجتماعية، ولا يمكن أن تؤدي إلى حفظ حياة الفرد وتحقيق أمنه وصون حقوقه، فضلاً عن واقع أنه لا يستطيع تلبية حاجاته إلا بالتعاون مع آخرين والاعتماد عليهم، لذلك ينشاً بين الأفراد "عقد اجتماعي" ضروري، لحفظ حياتهم وتحقيق أمنهم وصون حقوقهم جميعاً، على قدم المساواة. قوام هذا العقد جملة من المبادئ العامة تنظم حياة الأفراد وعلاقاتهم بما يحفظ وحدة الجماعة وسيادتها على أرضها ويوفر لها شروط النمو والتحسن والتقدم، وينظم علاقاتها بغيرها من الجماعات أيضاً (الدستور). فالعقد الاجتماعي، وهذه الحال، هو تلبية لضرورة داخلية وضرورة خارجية، في الوقت ذاته. والحرية، في أحد معانيها، هي وعي هذه الضرورة. فالدولة لا تقوم إلا بالعقد الاجتماعي، الذي مبدؤه الحرية والاختيار، والحرية هنا هي وعي ضرورة العقد. والغاية من العقد الاجتماعي هي نفي الحرب من حياة الجماعة وحل النزاعات والتعارضات الملازمة بالوسائل السلمية، والحيلولة دون الوقوع تحت نير الاستبداد، إذاً غاية الدولة التي تنشأ بالتعاقد هي السلم والحرية. وينبغي أن نلاحظ مباشرة أن العقد الاجتماعي هو أساس نشوء الدولة السياسية، أو الدولة الدستورية، وهو نفسه أساس تحولها إلى دولة ديمقراطية. الدولة الدستورية هي دولة تعاقدية، بحكم ماهية الدستور ذاته.



    بيد أن الغاية التي ينشدها المتعاقدون لا تقتصر على حفظ الحياة وتحقيق الأمن وحماية الملكية الخاصة، على نحو ما يرى الحقوقيون، والوضعانيون بصورة عامة، بل تتعدى ذلك إلى اتحاد الأفراد بماهيتهم الكلية المتعينة في الآخرين، (الاكتمال بالآخر، بتعبير أبو حيان التوحيدي)، وسعيهم من ثم إلى أن تصير الدولة تجسيداً لهذه الكلية، أي تجسيداً للعقل أو للفكرة الأخلاقية الشاملة وتجسيداً للحرية. الحرية هي الغاية الجوهرية للإنسان، لأنها ماهيته، لذلك نرى عشاقها يضحون في سبيلها بالغالي والنفيس، والدولة الدستورية، دولة القانون تجسيد للحرية، وقد غدت موضوعية. وعلى أساس الحرية الموضوعية، التي يجسدها القانون، تقوم العدالة والمساواة. ولذلك آثر سقراط تجرع السم على مخالفة قوانين بلاده.

    الفرد الطبيعي الذي ذكرنا بعض خصائصه أعلاه هو مجرد فرد طبيعي منعزل وأناني ومتوحد ومتوحش أيضاً، ومفترس إذا شئتم، قبل الدخول في عقد اجتماعي مع الآخرين من نظرائه. ولكنه هو نفسه، بعد الدخول في العقد الاجتماعي، يغدو كائناً اجتماعياً، في نظر نفسه وفي نظر المجتمع، وكائناً سياسياً وأخلاقياً، هو المواطن، في نظر نفسه وفي نظر الدولة. البعد الطبيعي والبعد الاجتماعي والبعد السياسي والبعد الأخلاقي والبعد الإنساني هي أبعاد شخصية الفرد ذاته وقوام هويته. وهي ذاتها أبعاد هوية الجماعة السياسية (الأمة) التي ينتمي إليها والدولة التي هو أحد أعضائها. (لا بد أن نلاحظ، هنا، الارتباط الوثيق بين مفهوم الدولة ومفهوم الأمة، فليس ثمة أمة بلا دولة، وليس ثمة دولة بلا أمة. الأمة ليست جماعة سياسية فحسب، بل جماعة أخلاقية أيضاً، ولذلك كانت الدولة تعبيراً عن الحياة السياسية وعن الحياة الأخلاقية لجماعة معينة ارتقت إلى مستوى مجتمع مدني)

    بموجب العقد الاجتماعي ينزل كل واحد من الأفراد المتعاقدين عن حريته طوعاً واختياراً، ويفوضها إلى شخص اعتباري، هو كل واحد منهم، وليس أي واحد منهم. هذا الشخص الاعتباري، المجرد بامتياز هو الدولة، وموضوع العقد الذي تنشأ الدولة بموجبه هو القانون أو الدستور. ينتج من ذلك، نظرياً، أن الدولة هي ملكوت الحرية، لأن جميع أعضائها قد نزلوا لها عن حريتهم طوعاً واختياراً، والتزموا دستورها وقوانينها طوعاً واختياراً أيضاً. الحرية التي نزلوا عنها للدولة يستعيدونها حرية موضوعية بموجب القانون، حرية يعترف بها كل واحد لكل واحد، ولا يتخطاها، ويحتفظ كل منهم، إضافة إلى ذلك، بحريته الذاتية. فالدستور والقوانين هي تعبير عن الحرية الموضوعية نظرياً وعملياً. أعضاء الدولة الذين نزلوا لها عن حريتهم لا يخسرون حريتهم بل يتمتعون بها بالتساوي في رحاب الدولة وبموجب القانون، أي إن الدولة، التي ماهيتها القانون، هي تجسيد للحرية الموضوعية، وتجسيد للأخلاق الموضوعية، وتجسيد للعقل.

    "الدولة، (كما يحددها هيغل)، عقلية على نحو مطلق، من حيث هي التحقق الفعلي للإرادة الجوهرية، التي تمتلكها (الإرادة) في وعيها الذاتي بصفة خاصة، بمجرد أن يرتفع هذا الوعي إلى مرحلة الوعي بكليته، وهذه الوحدة الجوهرية هي غاية في ذاتها مطلقة وثابتة، تصل فيها الحرية إلى حقها الأعلى وقيمتها العليا، ومن ناحية أخرى فإن هذه الغاية النهائية لها حق أعلى أو أسمى من الفرد، ذلك لأن واجب الفرد الأسمى هو أن يكون عضواً في الدولة".

    الدولة عقلية على نحو مطلق، أولاً ، لأنها تعبير عما هو عام ومشترك بين جميع أعضائها، وتعبير عما هو عام ومشترك بين مصالحهم المختلفة؛ ما هو عام ومشترك بين الأفراد بصورة جلية هو العقل والأخلاق وموضوعية المصالح الخاصة والعلاقات التي تعينها (العقل العملي)، ولا مناص من الاعتراف بها. فهي، أي الدولة، من هذه الزاوية، تجسيد للعقل والأخلاق وتجسيد للمصلحة العامة، التي تحدد جميع المصالح الخاصة وتحد من تطرفها. (العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس، بتعبير ديكارت. الاجتماع البشري والنظام السياسي من إنتاج العقل، أي من إنتاج الإنسان، لا من إنتاج الطبيعة، وليسا تجلياً لعقل أعلى أو لحكمة أعلى من عقل الإنسان وحكمته، هنا يكمن المغزى العلماني للمجتمع المدني والدولة الوطنية). ولأن ما هو مشترك بين جميع أعضاء الدولة هو الحرية، بوصفها ماهية الفرد الجوهرية، فهي من هذه الزاوية تجسيد للحرية الموضوعية، التي لا تستنفد الحرية، ما يجعل من الدولة بنية مفتوحة على النمو والتحسن، لكي تظل تجسيداً للحرية، التي لا ضفاف لها، وذلكم ما يقتضي صيرورتها دولة ديمقراطية، وسنبسط ذلك في موضعه.

    والدولة عقلية على نحو مطلق ثانياً لأنها تجسيد للإرادة العامة أو تحقيق فعلي لها في صيغة الدستور والقانون، والإرادة العامة ليست جمعاً حسابياً، كمياً، لإرادات الأفراد، بل هي عنصر العمومية أو جرثومة (أصل) العمومية، في الإرادة الفردية ذاتها، العنصر الذي بفضله يخرج الفرد من شرنقته الذاتية الخالصة أو الأنانية، ويرتقي إلى مستوى الكلية الاجتماعية، الوطنية، وإلى مستوى الكلية الإنسانية. كل فرد على الإطلاق هو فرد خاص معين، وماهية إنسانية كلية وعامة، تعبر عن ذلك الجملة الخبرية البسيطة: سقراط إنسان؛ المسند إليه (المبتدأ) فرد معين ومعروف ومشهور، (سقراط) آثر تجرُّع السم على مخالفة قوانين بلاده؛ والمسند (الخبر) عام وكلي ومطلق ومجرد (إنسان). لو جردنا سقراط من جميع صفاته الفردية ومن جميع محمولاته ومن جميع تعييناته لا يتبقى لنا منه سوى الإنسان؛ ولكن، لو جردناه أو جردنا أي فرد آخر من إنسانيته فلا يتبقى منه شيء. الكلية الإنسانية العامة والمطلقة هي ماهية الفرد وجوهره، الكلي والعام والمطلق هي ماهية الجزئي والخاص والنسبي. الإرادة العامة، التي تجسدها الدولة هي عنصر الكلية والعمومية في جميع أفرادها. وحين يعي الفرد عنصر الكلية والعمومية في ذاته يتحد بهما مجسدتين في الدولة وفي الجماعة الإنسانية، ويعي ذاته كائناً كلياً، وتبلغ حريته حقها الأعلى. هذا المستوى من الوعي الذاتي هو ما يجعل غاية الفرد أن يكون عضواً في الدولة وعضواً في الجماعة الإنسانية، وهو ما يدفعه إلى المشاركة الإيجابية في الشؤون العامة وفي حياة الدولة. ذلكم هو وعي المواطنة في بعدها الإنساني، الذي من دونه تتحول الوطنية إلى تعصب قومي وإلى إمبريالية وإلى عنصرية مقيتة.

    والدولة عقلية على نحو مطلق ثالثاً لأنها كائن سياسي وأخلاقي مجرد إلى النهاية، ولأنها قيمة أخلاقية في ذاتها ولذاتها، فضلاً عن طابعها الحقوقي والمؤسسي؛ فنحن لا نرى الدولة، بل نرى مؤسساتها، ونستفيد من وظائفها، ونخضع لسلطتها طوعاً. ذلكم، في اعتقاد الكاتب، سر جهل أكثريتنا بما هي الدولة، وسر خلط مفهومها بمفهوم السلطة المشخَّصة. معرفة الدولة تحتاج إلى قدرة على حدس المجرد وحدس المطلق والاعتراف بقيمتهما المعرفية والأخلاقية وأثرهما في وعينا وفي جميع تفاصيل حياتنا، من حيث كون كل منهما حداً على المشخَّص وعلى النسبي[5].

    رأينا أن الفرد، الإنسان المتعيِّن، كائن اجتماعي هو عضو المجتمع المدني وأساسه، وكائن سياسي وأخلاقي هو عضو الدولة السياسية أو الدولة الوطنية وأساسها. الفرق بين الكائن الاجتماعي والكائن السياسي هو ذاته الفرق بين المجتمع المدني والدولة السياسية، فلا يجوز خلط أحد هذين المستويين بالآخر.

    الفرد في المجتمع المدني يعرِّف نفسه ويعرفه أقرانه ونظراؤه ويعرفه المجتمع بصفاته الفردية وملامحه الشخصية وانتماءاته العائلية والدينية والإثنية وانحيازاته الفكرية والسياسية وبمهنته وبموقعه الاجتماعي (الطبقي) إلى آخر هذه التعيينات، وهو إلى ذلك يتمتع بالحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يتمتع بها الآخرون، ويمارس حريته الذاتية في نطاق القانون، ويوجه حياته الشخصية الوجهة التي يريد. ذلكم هو أساس المجتمع المدني.

    أما الفرد بصفته عضواً في الدولة فهو المواطن فحسب، أي الكائن السياسي والأخلاقي. المواطن من طبيعة الدولة ذاتها، أي فرد مجرَّد من جميع تعييناته الفردية والاجتماعية، ارتقى وعيه الذاتي إلى مستوى الكلية الوطنية، فهو ينعم بالمساواة مع جميع أقرانه ونظرائه (وأقرانها ونظرائها بالطبع) أمام القانون. هذه المساواة هي مساواة في الحقوق والواجبات وفي التمتع بالحريات العامة، فقط، لأن الدولة السياسية لا تزال تجريداً للمجتمع المدني القائم على الملكية الخاصة والعمل الأجير، والذي لا يزال التفاوت الاجتماعي من أبرز سماته. الدولة السياسية لا تستطيع أن تمنح مواطنيها سوى المساواة السياسية، ولكنها تفسح في المجال لجميع أشكال النضال السلمي من أجل المساواة الاجتماعية، ما يعني أن الدولة السياسية تحمل في ذاتها عوامل نموها وتحولها إلى دولة ديمقراطية تصير فيها المساواة تعبيراً فعلياً عن العدالة، من خلال مشاركة جميع المواطنين في انتخاب أعضاء المؤسسة التشريعية مرة تلو مرة. فدورية الانتخابات من جهة، وتأليف حكومة جديدة، بعد كل دورة انتخابية ووفق نتائجها (التداول السلمي للسلطة) من جهة ثانية، يعبران عن تغير نسبة القوى الاجتماعية وعن وتيرة تضيُّق الشقة بين مالكي وسائل الإنتاج والأجراء، وبين الأغنياء والفقراء أو اتساعها.

    منذ القدم، فرق أفلاطون وأرسطو تفريقاً حاسماً بين الفرد الطبيعي، أو الكائن الاجتماعي، وبين المواطن؛ الأول، الفرد الطبيعي، مسوق بسائق حاجاته ومصالحه ورغباته وعواطفه وأهوائه ونزواته. هذا الفرد الطبيعي هو أي واحد منا، في وجوده الفردي، المباشر، وفي حياته اليومية، في المجتمع المدني. والثاني، المواطن، هو من يعي ذاته كائناً سياسياً وأخلاقياً متساوياً مع مواطنيه، ويتطلع إلى الحرية والعدالة والمساواة، ويتعلق بقيم الخير والحق والجمال، في المجتمع السياسي. وهذا أيضاً هو أي واحد منا، في وجوده الاجتماعي / الإنساني، الموسَّط، الفعلي، حين يخرج من قوقعته الفردية، الأنانية، أو من درعه المصفحة، كدرع السلحفاة، أو من جلده المغطى بالأشواك، كجلد القنفذ، ويرى ذاته في الآخر كائناً عاقلاً وأخلاقياً[6] ومواطناً فحسب. الفرد الطبيعي، أو الكائن الاجتماعي، هو أساس المجتمع المدني؛ والمواطن هو أساس الدولة السياسية، أو الدولة الوطنية.

    وقد حذر هيغل من خلط المجتمع المدني والدولة السياسية قائلاً: "إذا خلطنا بين الدولة والمجتمع المدني، وإذا جعلنا الغاية الخاصة من الدولة الأمن وحماية الملكية الخاصة والحرية الشخصية، لكانت مصلحة الأفراد، بما هم كذلك، الغاية النهائية التي اجتمعوا من أجلها، وينتج من ذلك أن تكون عضوية الدولة اختيارية. غير أن علاقة الدولة بالفرد شيء مختلف عن ذلك أتم الاختلاف. فما دامت الدولة هي الروح وقد تموضعت (عند ماركس الدولة هي الإنسان / الفرد الواقعي وقد تموضع) فإن الفرد لن تكون له موضوعية، ولا فردية أصيلة، ولا حياة أخلاقية، إلا بوصفه عضواً من أعضائها ..[7]". (الأمن وحماية الملكية الخاصة والحرية الشخصية هي غاية المجتمع المدني، لا غاية الدولة، غاية الدولة تتجاوز ذلك جدلياً إلى تحقيق ماهية الإنسان في واقع الحياة الاجتماعية، أي تحقيق الجماعة المؤنسنة، بتعبير ماركس، وتلكم هي وظيفة الدولة الديمقراطية (الدولة المادية) بتعبير ماركس أيضاً، وهذا ما يجهله كثير جداً من ماركسيي بلادنا). هنا ينبغي الالتفات إلى الفرق بين الدولة السياسية، التي لا تزال تناقضاً في ذاتها، إي لا يزال ثمة اختلاف وتعارض بين شكلها ومضمونها، وبين الدولة الديمقراطية، التي هي، عند ماركس، وحدة الشكل والمضمون، والتي هي كلية عينية عند هيغل، إي وحدة الحرية الذاتية والحرية الموضوعية.

    قد يستهجن القارئ رفض هيغل أن يكون انتماء الفرد إلى الدولة مسألة اختيارية، ذاتية صرفة، ويرى في ذلك تناقضاً مع قولنا أن الأفراد يدخلون في العقد الاجتماعي المؤسس للدولة طوعاً واختياراً. ولكن المسألة ليست كذلك. العضوية في الدولة ضرورة موضوعية، وحرية الفرد، التي يقوم عليها الاختيار، هي وعي هذه الضرورة، لأنها تتعلق بالغاية الجوهرية التي ينشدها الفرد في حياته المحدودة، وهي في نظر هيغل وفي نظرنا غاية أخلاقية، تتجاوز الأمن وحماية الملكية الخاصة والحرية الشخصية. هذه الغاية تبدأ بالعلاقة الأخلاقية بين أفراد الأسرة، بدءاً بعلاقة الحب والمشاركة بين الأبوين إلى علاقة أبنائهما بهما بعد أن يبلغوا سن الرشد ويستقلوا مادياً. وقد لاحظ جان جاك روسو، من قبل، أن علاقة الأولاد الصغار بالأسرة هي علاقة حاجة واضطرار (علاقة نفعية بالمعنى الضيق للكلمة) أما بعد أن يكبروا ويوجه كل منهم حياته الوجهة التي يريد، فيتحررون من سلطة الأبوين ويحررون أبويهم من عبء الإنفاق عليهم والاهتمام بهم، تتحول العلاقة، إذ ذاك، إلى علاقة أخلاقية، علاقة محبة واحترام، أساسها الحرية. وكذلك العلاقة بالدولة. هذه العلاقة الأخلاقية تتصل بماهية الفرد وبنزوعه الأصيل إلى الحرية، التي هي ماهيته وجوهره، بدءاً بحرية التفكير والتعبير. الحرية هي غاية أخلاقية في ذاتها ولذاتها، والدولة، على ما يفترض هيغل، هي ملكوت الحرية الموضوعية، والحضن الدافئ للحرية الذاتية، ومن ثم فإن غاية الفرد الجوهرية أن يكون عضواً في الدولة. العضوية في الأسرة والعضوية في المجتمع المدني مقدمتان ضروريتان للعضوية في الدولة، وعضوية الفرد في هذا أو تلك ليست اختيارية، بحكم طبيعة الإنسان، فليس ثمة فرد إنساني خارج الأسرة وخارج الجماعة وخارج المجتمع المدني. (يمكن لأي شخص أن يغير جنسيته باكتساب جنسية دولة أخرى، ولكنه لا يستطيع العيش خارج الدولة. الغجر السعداء استثناء يؤكد القاعدة.)

    غاية الفرد ليست الأمن وحماية الملكية الخاصة والحرية الشخصية فقط، أي ليست غاية نفعية وأنانية فحسب، بل غاية أخلاقية لا تتحقق إلا بعضوية الفرد في الدولة، ثم في الجماعة الإنسانية أو الجماعة المؤنسنة. فكرة الحب، بجميع المعاني التي ينطوي عليها الحب، من الحب الجنسي (الإيروس) إلى حب الحكمة (الفلسفة) مروراً بحب الأبناء وحب الآباء والأمهات وحب الوطن وحب الله وحب العدالة وحب الإنسان ..، تؤكد هذه الغاية الأخلاقية، فضلاً عن النزوع الأصيل إلى الحرية، الذي يخترق التاريخ البشري منذ استوى الإنسان على عرش المعرفة بستانياً للعالم حتى يومنا، وإلى ما لا نهاية. وإلى ذلك فإن الغاية النفعية ذاتها لا يمكن تحقيقها على نحو ثابت ومؤكد سوى في نطاق الدولة وفي ظل القانون، وإلا فإن البشرية ستنتكس إلى حرب الجميع على الجميع. هنا تكمن خطورة مفهوم "الأمن الذاتي" خارج نطاق الدولة، الذي يطرح اليوم في غير مكان، ولا سيما في العراق ولبنان وفلسطين وغيرها، بحجة "حماية المقاومة".

    "إن الاتحاد الخالص والبسيط (اتحاد الفرد بكل من تتجلى فيه ماهيته الوطنية / الإنسانية، ثم الإنسانية) هو المضمون الحقيقي والهدف الصحيح للفرد. فمصير الفرد أن يعيش حياة كلية جماعية، والإشباع الجزئي الأبعد من ذلك والنشاط ونمط السلوك تتخذ من هذه الحياة الجوهرية والمشروعة على نحو كلي نقطة البداية والنهاية". ذلكم، كما ترون، هو الرهان التاريخي على تحسن الإنسان، الذي يحمل في ذاته هذه الإمكانات والقابليات، بحكم ماهيته ذاتها. الدولة الوطنية هنا هي الشكل أو الصيغة، التي تتظاهر فيها ماهية الأفراد. وهي صيغة مفتوحة بالضرورة على أفق إنساني، ما يدعونا إلى القول: إن الإنسانية هي أساس الوطنية ورافعتها وغايتها، وما يضع حداً عقلياً وأخلاقياً على جميع مظاهر التعصب والانغلاق، ويؤكد حقيقة أن التعصب هو حصيلة الجهل وضمور الروح الإنساني أو غيابه، ووليد المصالح الخاصة العمياء.

    تركيز الاهتمام على الفرد ليس من قبيل التزام المذهب الفردي، على أهميته، بل من قبيل الحفر على أساس المجتمع المدني والدولة السياسة، وتأكيد حقيقة أن حق الدولة أعلى من حقوق أعضائهاً فرادى ومجتمعين، لأنها "كلية عينية"، أي لأنها وحدة الكلي والفردي الجدلية. فـ "العقلانية، إذا ما أخذت بصفة عامة، وعلى نحو مجرد، تقوم على الوحدة التامة والكاملة بين الكلي والفردي، وتعتمد الدولة العينية، من حيث مضمونها، أولاً على وحدة الحرية الموضوعية (أعني حرية الإرادة الكلية والجوهرية) والحرية الذاتية (أعني حرية كل فرد في أن يعرف، وأن يريد غايات جزئية) وبالتالي، ثانياً من حيث صورتها، فهي تحدد ذاتها عن طريق القوانين والمبادئ التي هي أفكار، ومن ثم، كلية. وهذه الفكرة هي الوجود الأزلي على نحو مطلق للروح"[8]. الدولة إذاً هي وحدة الحرية الذاتية (حرية الفرد) والحرية الموضوعية (القانون)، والصيغة التي تتحقق فيها هذه الوحدة هي الدستور والقانون. هذه العلاقة الجدلية بين الحرية والقانون هي التي تؤدي إلى تطوير القوانين وتحسينها لتتسق مع مطالب العقل ومطالب الروح الإنساني الحر.

    وكما هو واضح للقارئ فإن الانطلاق من الفرد كان يهدف إلى غايتين: أولاهما تأسيس فكرة العمومية أو الكلية، التي هي ماهية الدولة، على أنها بعد أصيل من أبعاد شخصية الفرد، بل هي ماهية الفرد الجوهرية. والثانية تأكيد حقيقة أن هذا البعد ذاته هو ما يسمح بنشوء نمط تواصلي جديد على المستوى الأفقي في المجتمع، يقوم على أساس المواطنة، ولا يلغي أنماط التواصل الرأسية أو العمودية، بل يحصرها في مجال المجتمع المدني، ويحول دون انتقالها إلى المستوى السياسي. وذلكم ما يميز المجتمع المدني الحديث من المجتمع التقليدي؛ فالمجتمع المدني يقوم على ثلاثة مبادئ عامة هي: استقلال المجالات الاجتماعية، واستقلال المجال السياسي عنها جميعاً بوجه خاص؛ وتفريد العلاقات الاجتماعية، الذي يضفي على المواطنة قيمة أولية ومركزية؛ وأفقية العلاقات داخل المجتمع، التي تمنح الأولوية للمنهج الترابطي على البناء الجمعي (تراصف الجماعات) مما يؤدي إلى تنحية الهويات الخصوصية، ما قبل الوطنية، لمصلحة هوية جامعة جديدة هي الهوية الوطنية أو القومية.

    نود هنا أن نؤكد مرة أخرى أن فكرة الوطنية أو القومية (وهما بمعنى واحد سيميائياً) كانت ولا تزال ملازمة لفكرة الدولة الحديثة، وكذلك فكرة الأمة وفكرة الشعب، بل إن تبلور مفهوم الشعب، مفهوماً سياسياً، المفرد منه هو المواطن، يحيل على المواطنين الأحرار والمتساوين في الحقوق والواجبات وفي عضوية الدولة، كان عامل الانتقال الجدلي من الدولة الدستورية، الليبرالية، (الدولة السياسية) إلى الدولة الديمقراطية، انطلاقاً من حق الاقتراع العام، الذي هو مصلحة مباشرة لكل فرد بالغ من أفراد المجتمع المدني، لكي يؤكد عضويته في الدولة وحقه في المشاركة في حياتها. وقد عرف الياس مرقص الديمقراطية تعريفاً لافتاً بأنها الليبرالية مضافة إلى مفهوم الشعب. وقد أكدنا مراراً أن الشعب ليس معطى كمياً وليس جمعاً حسابياً لجماعات إثنية ودينية وطبقية، بل هو مفهوم سياسي من طبيعة الدولة ذاتها، وكذلك مفهوم المواطن.

    ولما كانت الدولة السياسية كلية عينية، أي وحدة الحرية الذاتية والحرية الموضوعية، أو وحدة الإرادة الفردية والإرادة العامة، ووحدة المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، ولما كانت الكلية أو العمومية هي الماهية الجوهرية للأفراد، الذين لا يسعون وراء مصالحهم الخاصة وحاجاتهم الشخصية فحسب، بل يسعون إلى ما هو عام وكلي مما يتسق وجوهرهم الإنساني، فإن التجلي الواقعي لهذه الكلية العينية هو الدستور والقانون اللذين هما وحدة الحقوق والواجبات، الجدلية، وتجسيد للحرية الموضوعية. حقوق الأفراد هي واجبات الدولة؛ وحقوق الدولة هي واجبات الأفراد. مع ملاحظة أن حق الدولة أعلى من حقوق جميع أفرادها. ويفترض، وهذه الحال، أن تكون واجباتها، تجاه مواطنيها، وتجاه مجتمع الدول، أعلى من واجبات جميع أفرادها. ومن ثم فإن القانون (الدستور وسائر القوانين المشتقة منه والمتسقة معه) هو ماهية الدولة وحقيقتها الواقعية. فإذا حذفنا القانون من الدولة لا يتبقى منها شيء سوى التعسف والاعتباط والاستبداد.

    تجدر الملاحظة هنا إلى أن العرف (الوضعي) هو "قانون" الجماعة العشائرية (عشيرة أو قبيلة أو تحالف قبائل)، وأن الشريعة أو "الناموس" هي قانون الجماعة الدينية، وأن القانون الوضعي العام هو قانون المجتمع المدني الحديث وماهية الدولة الوطنية. ومن ثم فإن مفهوم الدولة الحديثة ملازم لمفهوم الوطنية أو القومية الحديثة، وهما بمعنى واحد. العرف لدى قبيلة معينة قد لا يوافق قبيلة أخرى، كلياً أو جزئياً، والشريعة الخاصة بدين معين أو مذهب معين أو طائفة دينية معينة لا يوافق أدياناً ومذاهب وطوائف أخرى، ذلك لأن العرف والشريعة كليهما جزئيان. القانون الوضعي في صيغته العامة والمجردة، وحده، يناسب جميع أفراد المجتمع المعني على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الجزئية، لأنه عام، فليس من مجتمع حديث وليس من دولة حديثة بلا قانون وضعي يسري على جميع المواطنين بالتساوي، وليس من وحدة وطنية راسخة بلا قانون وضعي يلتزمه جميع المواطنين. لذلك يعرض الدستور على الشعب قبل سريان أحكامه.

    لا يتسع المجال هنا لتتبع المسار التاريخي لنشوء الدولة الدستورية ودواعي الانتقال من الملكية المطلقة إلى الملكية المقيدة أو الملكية الدستورية وإلى الجمهورية، للوقوف على اختلاف أنظمة الحكم واختلاف الدساتير والقوانين باختلاف تجارب الأمم والشعوب وتفاوت مستويات نموها وتمدنها. وقد بين مونتسكيو ذلك في كتابة الشهير "روح القوانين"، وخلص إلى أن روح القوانين لدى كل شعب هو أو هي روح الشعب ذاته وخلاصة تجربته التاريخية. المدخل التاريخي والمدخل الحقوقي والمدخل السياسي (علم السياسة) مهمة جداً لتتبع مسار نشوء الدولة الدستورية وتطورها ولمعرفة أسباب اختلاف الدساتير والقوانين من دولة إلى أخرى والآليات الاجتماعية السياسية، التي تقبع في أساس هذا الاختلاف، حتى بين الدول المتقاربة في مستويات التطور الرأسمالي، وتحكم، من ثم، لا العلاقات الاجتماعية السياسية، في كل دولة على حدة، فقط، بل تحكم العلاقات الدولية أيضاً. ما يعني أن هنالك عدة مداخل لمقاربة هذا الموضوع، وهي مداخل متكاملة بالضرورة. لكننا آثرنا المدخل الفلسفي، الذي ندعي أنه أساس جميع المداخل الأخرى.

    في رسالته عن ديمقريطس وأبيقور قال ماركس:"إنه في أوقات الأزمات الكبرى يجب على الفلسفة أن تصبح عملية. ولكن ممارسة الفلسفة هي ذاتها نظرية، والنقد هو الذي يزن الموجود الفردي بميزان الوجود، والواقع الخاص بميزان الفكرة". والفكرة التي اتخذها ماركس ميزاناً لواقع الدولة البروسية، في زمنه، ليست الفكرة الهيغلية عن الدولة فقط، بل فكرة الدولة الديمقراطية أيضاً، كما كان يتصورها يعاقبة الثورة الفرنسية (روبسبيير ودانتون ومارا وصولاً إلى بابوف الذي قاد أول محاولة شيوعية في التاريخ الحديث (1797) ،أي وصولاً إلى القطيعة مع البورجوازية[9].

    وفي نقده فلسفة الحقوق عند هيغل وضع ماركس أساساً منهجياً لما هي الديمقراطية، أو لرؤيته للدولة الديمقراطية، قوامه: "المجتمع المدني ليس انعكاس الدولة، بل الدولة هي تعبير المجتمع المدني". الدولة الديمقراطية ستغدو عنده الدولة السياسية، الليبرالية، التي ينتجها المجتمع المدني على أنها شكل وجوده السياسي، والتي تصير دولة مادية (ديمقراطية) يتحد فيها الشكل السياسي والمضمون الاجتماعي. كما أن مسعى ماركس، في الحوليات الألمانية، كان يذهب إلى "توحيد الروح السياسية الفرنسية والنظرية الألمانية" ولا سيما الهيغلية.[10]

    فقد ثمن ماركس نقد فلسفة الحق الألمانية، التي لقيت في أعمال هيغل الصياغة الأوفر انسجاماً والأكثر غنى واكتمالاً، والتي هي، في الوقت نفسه، نقد للدولة المعاصرة، نقد يعرب عن نقصها وتناقضها في ذاتها؛ إذ "الصورة الفكرية الألمانية عن الدولة المعاصرة المنصرفة عن الإنسان الفعلي لم تكن ممكنة، على العكس، إلا لأن الدولة المعاصرة نفسها تنصرف عن الإنسان الفعلي، أو لا ترضي الإنسان كله إلا بصورة وهمية" [11]. ماركس، هنا، يشاطر هيغل نقده للدولة المعاصرة، التي، وإن اعترفت بالفرد الطبيعي أساساً لها، وفق المنطوق الليبرالي من هوبز وجون لوك إلى جان جاك روسو وفكرة العقد الاجتماعي ..، إلا أنها لا تعترف بهذا الفرد إنساناً فعلياً وكائناً كلياً. لا تعترف بماهيته الإنسانية، بل بفرديته العضوية فحسب. ولا تعترف بجميع الأفراد مواطنين متساوين في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ولا بحقوق متساوية للرجال والنساء. بيد أن نقد ماركس ينصب، في هذه المسألة، على أن النقد الهيغلي لا يُستغرق في نفسه، بل في مهمات لا يتوافر لأجل حلها غير وسيلة واحدة هي الممارسة (البراكسيس) ويتساءل: "هل تستطيع ألمانيا أن تتوصل إلى ممارسةٍ، أي إلى ثورة بمقدورها أن ترفع ألمانيا لا إلى مستوى الشعوب المعاصرة الرسمي وحسب، بل أيضاً إلى المستوى البشري الذي سيكون مستقبل هذه الشعوب الأقرب؟"[12] أي إنه لا يريد لألمانيا أن ترقى إلى مستوى الدول المعاصرة لها فقط (هنا فرنسا وإنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية) بل أن تتخطى نقائص هذه الدول إلى دولة ديمقراطية. فالدولة الديمقراطية هي دولة جميع إفرادها، بلا تمييز، وعليها أن تقوم بوظائفها، التي هي وظائف اجتماعية، لا تتعلق بالصفات الفردية لكل فرد، بل بصفته الاجتماعية، على نحو يرضي مواطنيها، لأنها كما يصفها دوماً "تحديد ذاتي للشعب".

    لم يستطع ماركس، بحكم منهجه النقدي، أن ينظر إلى الفكر السياسي الألماني إلا نظرة راديكالية، جذرية، والجذرية عنده بالتعريف: معرفة الأشياء أو فهم الأشياء من جذرها؛ وليس من شيء أكثر جذرية للإنسان من الإنسان ذاته. فالدولة الديمقراطية هي التي تصفي جميع العلاقات التي تجعل من الإنسان كائناً مهاناً مستعبداً عاجزاً ومحتقراً. لذلك رأى في نقد الدين الذي يعمل وفق هذا التعليم مدخلاً إلى نقد السياسة. الناس لم يخطئوا الجنة، والعالم ليس قابلاً لأن يصير جنة وفردوساً، ولكن ما دامت "دولة سياسية"، ليبرالية، قد تحققت في الجوار فإن "دولة مادية"، ديمقرتطية، تتجاوزها جدلياً يمكن أن تتحقق في ألمانيا، هذه الدولة المادية هي الدولة الديمقراطية بألـ التعريف، وهي محمولة على نمو المجتمع المدني وإمكانات تجاوزه إلى مجتمع مؤنسن. (قارن هنا موقف ماركس بمواقف من يقولون عندنا أن الديمقراطية لا تناسب خصوصيات مجتمعاتنا العربية أو الإسلامية)

    عند ماركس ووفق منهجه، الدولة السياسية (الدولة الدستورية، الليبرالية) شرط الدولة المادية (الدولة الديمقراطية) الضروري، الثانية لا توجد من دون الأولى ولا تقوم إلا بتجاوزها جدلياً. والمجتمع المدني شرط المجتمع المؤنسن، الثاني لا يوجد من دون الأول، ولا بقوم إلا بتجاوزه جدلياً. والانعتاق السياسي الجزئي شرط الانعتاق الإنساني الكلي ومقدمته اللازمة. (راجع كتابه المهم "في المسألة اليهودية"، ترجة الياس مرقص) هكذا هي التاريخانية أو منطق التاريخ. فقد قال ماركس، في هذا الصدد: "إن الحلم الطوباوي بالنسبة لألمانيا (إن حلم ألمانيا) ليس الثورة الراديكالية، وليس التحرر الإنساني العام، بل بالأحرى الثورة الجزئية، الثورة السياسية فقط، الثورة التي لا تمس دعائم الصرح (صرح المجتمع المدني) ذاتها. علام ترتكز هذه الثورة الجزئية، الثورة السياسية فقط؟ على أن قسماً من المجتمع المدني يتحرر ويبلغ السيادة العامة، على أن طبقة معينة تعمد، انطلاقاً من وضعها الخاص، إلى تحرير المجتمع بأسره. إن هذه الطبقة تحرر المجتمع بأسره، ولكنها لا تحرره إلا إذا افترضنا أن المجتمع بأسره يوجد في وضع هذه الطبقة، أي إنه يملك مثلاً المال والتعليم أو يستطيع الحصول عليهما إذا شاء. ما من طبقة من طبقات المجتمع تستطيع أن تضطلع بهذا الدور من دون أن تثير الحماسة للحظة في نفسها وفي الجماهير، وهذه اللحظة هي تلك التي تتآخى فيها الطبقة المعنية، وتمتزج مع المجتمع بأسره، ويخلطونها فيها مع المجتمع، ويتقبلونها فيها، ويعترفون بها ممثلته العامة، تلك اللحظة التي تكون فيها ادعاءات هذه الطبقة فعلاً عقل المجتمع وقلب المجتمع.."[13] إن حلم ألمانيا أن تتبرجز وأن تبني دولتها السياسية وأن تسعى إلى تجاوزها جدلياً.

    غير أن تأخر ألمانيا، الذي كان يتجلى في تأخر نظامها السياسي وطبقتها السياسية ذات الوعي الأيديولوجي، وفي عجز البورجوازية الألمانية قياساً بالفرنسية والإنكليزية، جعله يراهن على دور البروليتاريا الألمانية أو على دور ما لما سيسميه غرامشي الكتلة التاريخية في كسر حلقة التأخر وعلى دور ما لألمانيا في افتتاح مشروع التحرر الإنساني الذي رأسه الفلسفة وقلبه البروليتاريا. وهذا الرهان ولنسمه كذلك، لم يكن تأملاً نظرياً صرفاً، ولا رغبة محضة، بل كان ينطلق من رؤية تاريخانية ديالكتيكية مفادها أن أمة ما يمكن أن تتعلم في مدرسة الأمم الأخرى وان بمقدورها عندما تعي ذاتها وعالمها أن تختصر آلام الولادة "فقط، لا أن تقفز فوق مراحل التطور، وذلك انطلاقاً من وحدة التاريخ البشري وكونية العقل الإنساني. وهو رهان حكم عليه التاريخ، لا بانهيار التجربة "الشيوعية" بل بمبدأ قيامها نيابة عن المجتمع، من دون توافر الشرط الذي وضعه ماركس نفسه على البورجوازية في الفقرة السابقة، ولا سيما اعتراف جميع فئات المجتمع أن البروليتاريا هي عقل المجتمع وقلبه. (يجب أن نلاحظ هنا أن البروليتاريا الروسية، التي قامت باسمها الثورة البولشفية، كانت لا تزال بلا عقل وبلا قلب، بحكم تأخر روسيا. قيمة فكر ماركس تكمن في أخطائه أيضاً).

    إشكالية التأخر هذه، وكيفية تجاوزه واقعياً، يمكن أن تساعدنا اليوم في تفسير نمو النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، (والتطرف القومي العربي وقيام النظم التسلطية على أشلاء جنين الدولة الوطنية عندنا) وهذه، أي النازية والفاشية والتسلطية مرض القومية الخبيث وعاهة الرأسمالية المتوحشة وتعبير عن ضمور المحتوى الديمقراطي الإنساني في الفكر والسياسة. والولايات المتحدة الأمريكية اليوم نموذج معاصر لمرض القومية الخبيث وعاهة الرأسمالية المتوحشة وضمور المحتوى الديمقراطي الإنساني في الفكر والسياسة، وهو ما يضع الفرق بين الديمقراطية والليبرالية من جهة، وبين الليبرالية الكلاسيكية و"الليبرالية الجديدة" الأمريكية الطابع، من جهة أخرى.

    بعد توكيد أولوية الإنسان العياني، الفرد الحقيقي، أو الإنسان الفعلي، يؤكد ماركس أن العائلة والمجتمع المدني هما المقدمتان الأساسيتان للدولة، وهما "يحولان نفسيهما إلى دولة وهما بالذات القوة المحركة[14]". ينطلق ماركس هنا من ديالكتيك الخاص والعام، (كل خاص هو عام) المجتمع هو العام الذي يحدد الخاص (الدولة)، لا العكس، لأن الدولة هي دولة خاصة بالمجتمع الذي ينتجها، دولة وطنية خاصة، في مجتمع الدول، وشكل سياسي خاص لوجود اجتماعي معين. ثم من ديالكتيك الفردي والخاص والعام. الفردي هو العام متعيناً: سقراط إنسان، سقراط يستمد ماهيته وقوامه من العام والكي فقط. والفرد، الإنسان الفعلي، ليس شيئاً ما خارج العالم الذي هو عالم الإنسان: المجتمع والدولة. الفرد الواقعي هو الإنسان وقد صار مجتمعاً موضوعياً (الإنسان مُجتْمعاً) أي مموضعاً ومتحققاً واقعياً في العلاقات الاجتماعية السياسية وفي علاقات الإنتاج. في هذا المستوى، المجتمع هو العام. الدولة هي الخاص، لأنها أحد أشكال الوجود الاجتماعي، لأنها الشكل السياسي للوجود الاجتماعي؛ الوجود الاجتماعي الكلي هو المضمون، الدولة شكل سياسي خاص. ديالكتيك الشكل والمضمون هو ديالكتيك الديمقراطية. لذلك يتفق ماركس مع هيغل في أن وظائف الدولة ومجالات نشاطها مرتبطة بالأفراد، ولكنه يؤكد أنها مرتبطة بالأفراد بصفاتهم الاجتماعية السياسية، لا بخصائصهم الفردية البدنية والذهنية والنفسية ولا بانتماءاتهم الدينية أو الإثنية. فالفرد ليس عضواً في الدولة إلا بصفته السياسية فقط. والسياسة بصفتها الشيء العام المشترك بين جميع مواطني الدولة وجميع أفراد المجتمع وفئاته متأصلة في فاعلية الإنسان الحرة الواعية والهادفة، وبصفته العام متعيناً، لذلك كانت السياسة فاعلية اجتماعية ومجتمعية. والدولة غير الديمقراطية هي استلاب هذه الفاعلية. والدولة الاستبدادية هي "الاستلاب الناجز" بتعبير ماركس.

    الدولة السياسية، غير الديمقراطية، عند ماركس، هي تناقض في ذاتها، بين مضمونها الاجتماعي الإنساني وشكلها السياسي. يقول في ذلك: "الديمقراطية هي حقيقة المَلَكية (سواء كانت ملكية مطلقة أم دستورية، (وحقيقة الجمهورية أيضاً، والملكية هنا هي المثال الأكثر شيوعاً أولاً، وواقع الدولة البروسية التي عدها هيغل تجسيداً للعقل ثانياً)، ولكن المَلَكية ليست حقيقة الديمقراطية. الملكية (وقل الجمهورية) هي بحكم الضرورة أيضاً ديمقراطية كتناقض حيال ذاتها. بينما العنصر الملكي (أو الجمهوري) لا يوجد كتناقض في الديمقراطية. الملكية لا يمكن فهمها من ذاتها، بينما يمكن فهم الديمقراطية من ذاتها. في الديمقراطية لا يكتسب أي من عناصرها أهمية غير التي تعود إليه، وكل عنصر هو عنصر فعلي من ديموس (الشعب) بكليته. أما في الملكية فإن الجزء يحدد طابع الكل، وكل نظام الدولة ملزم هنا بالتكيف لنقطة جامدة واحدة. إن الديمقراطية هي نظام الدولة كمفهوم أعم. أما الملكية فليست غير نوع من أنواع نظام الدولة، ناهيك بأنه سيئ. إن الديمقراطية هي مضمون وشكل، أما الملكية فكأنها ليست سوى شكل، بينما هي في الواقع تزييف المضمون.



    في الملكية يوضع الكل، الشعب، تحت أحد أساليب وجوده، تحت نظامه السياسي. أما الديمقراطية فإن نظام الدولة ذاته يبرز واحداً من التحديدات، عنينا بذلك التحديد الذاتي للشعب.

    في الملكية نواجه شعب نظام الدولة، في الديمقراطية نواجه نظام دولة الشعب. الديمقراطية هي لغز لجميع أشكال نظام الدولة. هنا نظام الدولة ليس في ذاته فحسب، ليس من حيث جوهره فحسب، بل أيضاً من حيث وجوده، من حيث واقعه، يتفق دائماً، المرة تلو المرة، مع أساسه الفعلي، مع الإنسان الفعلي، مع الشعب الفعلي، ويتأكد كقضيته الخاصة، إن نظام الدولة هنا يبرز كما هو كنتاج حر للإنسان …"[15].

    الديمقراطية عند ماركس، كما هي في الواقع، نظام للدولة يحمله الوجود الاجتماعي، المجتمع والمجتمع المدني في مجرى الصيرورة التاريخية، نظام ممكن وواجب، من وجهة نظر الفكر والسياسة والأخلاق. وهي جوهر نظام الدولة. ولا بد للدولة أن تتوافق مع جوهرها. وكل نظام للدولة هو إنسان مُجَتْمَع (أي إنسان صائر موضوعياً في صيغة مجتمع. والإنسان المُجَتْمَع هو أساس المجتمع المؤنسن، هو مقدمة المجتمع المؤنسن وأسّه وقوامه، لأن التفتح الإنساني الحر غير ممكن إلا في المجتمع المؤنسن، الذي يحرر أفراده من جميع أشكال الاستغلال والقهر والعبودية ومن جميع أشكال الاستلاب، المقدس منها وغير المقدس. في الديمقراطية، كما يقول ماركس، لا يوجد الإنسان من أجل القانون، بل يوجد القانون من أجل الإنسان، والوجود الإنساني، هنا، هو القانون. في الديمقراطية المبدأ الشكلي هو نفسه المبدأ المادي. هكذا ينبسط مفهوم الدولة المادية (الديمقراطية) بما هي الوجود المادي للمجتمع الفعلي والشعب الفعلي والإنسان الفعلي والشكل السياسي لهذا الوجود الاجتماعي ذاته أو لهذه الكينونة الاجتماعية ذاتها.

    تتعين الدولة بصفتيها: الحقوقية والسياسية. صفتها الحقوقية هي جوانيتها أو صفتها منظوراً إليها من داخلها. وصفتها السياسية خارجية، أي منظوراً إليها من الخارج. فالدولة السياسية إزاء الدول الأخرى هي الدولة الوطنية أو القومية أو الأمّوية (الدولة / الأمة). وإزاء شعبها أو مجتمعها هي دولة الحق والقانون. ولنقل إن الحق هو مضمون القانون ومحتواه؛ والحقوق كلها: الحقوق المدنية والسياسية والدستورية والاقتصادية والثقافية ..الخ تندرج تحت مقولة الحق التي تنفك دوماً إلى مقولتين: الحق الخاص الشخصي، والحق العام، ولاحق بلا قانون.

    عند ماركس، يمكن أن يكون شكل الدولة ملكياً مطلقاً أو ملكياً دستورياً أو جمهورياً أو ..الخ وهذه الأشكال جميعها باستثناء الدولة الديمقراطية هي أشكال الدولة السياسية التي ليست بعد الدولة المادية، أي الدولة الديمقراطية، لأنها لا تزال تناقضاً في ذاتها. أبرز مظاهر هذا التناقض، وأهم مضامينه أن سلطة الدولة، في ظل الملكية الخاصة، هي بالأحرى سلطة الملكية الخاصة، أي سلطة المالكين على غير المالكين، وهؤلاء الأخيرون هم المنتجون.

    يتساءل ماركس:"فيم تتلخص سلطة الدولة السياسية على الملكية الخاصة؟ ويجيب: في سلطة الملكية الخاصة بالذات. في جوهرها الذي دفع إلى حد الوجود (أي اغتراب العامل عن منتوج عمله وعن عملية الإنتاج). وماذا يبقى للدولة على نقيض هذا الجوهر؟ يبقى الوهم الزاعم أن هذه الدولة تحطم إرادة العائلة والمجتمع، ولكنها لا تفعل ذلك إلا لكي توفر الوجود لإرادة الملكية الخاصة، التي لا تخضع للعائلة والمجتمع، ولكي تعتبر هذا الوجود الوجودَ الأخلاقي الأسمى للدولة السياسية .أعتقد أن مفهوم الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، ومن ثم لنتاجات العمل الاجتماعي وللثروة المادية هو مفهوم ديمقراطي بامتياز، إذا أدركنا أن ماركس لم يقل بإلغاء الملكية على الإطلاق، بل بنفي الملكية الخاصة جدلياً، وإذا استوعبنا درس التجارب الاشتراكية المحققة التي جعلت ما يفترض أنه ملكية اجتماعية ملكية الدولة السياسية، بل ملكية ما هو دون الدولة السياسية، أي دولة الحزب الواحد أو الحزب القائد، ومن ثم جعلتها ملكية لا أحد؛ فأنتجت الفساد والإفساد. ومن البديهي أن الدولة ليست شخصاً طبيعياً كي تملك. وكل ملكية لشخص اعتباري أو رمزي هي نزع ملكية لأفراد طبيعيين ونزع الملكية هو نزع الحق والحرية. ومن ثم فإن جدل الملكية الخاصة التي ظهرت إلى الوجود، بحكم التاريخ، أي بوصفها ضرورية، والملكية الاجتماعية العامة التي تفترضها الملكية الخاصة نفسها ضرورة تاريخية، هو أيضاً جدل الحرية والضرورة. ويبدو أن هذه المسالة لا تزال على جدول أعمال التاريخ تحددها الصيرورة التاريخية أكثر مما تحددها التصورات. هل ما تزال الآلام التي أنتجتها الملكية الخاصة غير كافية للإيذان بتجاوزها جدلياً؟‍ الله أعلم

    ربما كان مفهوم المشاركة السياسية الفعلية في حياة الدولة أحد المداخل لحل المعضلة الآنفة الذكر فالمشاركة السياسية الفعلية التي تفترضها عضوية الفرد في المجتمع المدني، ومن ثم في الدولة هي السبيل الوحيد لتحويل الدولة السياسية إلى دولة ديمقراطية. إذ ماذا تعني العضوية سوى المشاركة والمسؤولية؟. في الدولة السياسية القائمة حولنا والمفترضة عندنا تعبر السلطة التشريعية عن حضور المجتمع في الدولة. فالدولة لا توجد بادئ الأمر إلا بوصفها دولة سياسية، وإن كلية الدولة السياسية (أو عموميتها أو كونها شيئاً عاماً) هي السلطة التشريعية. ولهذا، كما يقول ماركس، يعني الاشتراك في السلطة التشريعية الاشتراك في الدولة السياسية. يعني أن المرء يبدي وجوده ويحققه، بوصفه عضو الدولة السياسية، بوصفه عضو الدولة. ومن هنا ينجم أن رغبة الجميع كلاً بمفرده، في الاشتراك في السلطة التشريعية ليس سوى رغبة الجميع في أن يكونوا أعضاء للدولة فعليين (نشطاء)، رغبة بلوغ الوجود السياسي، أو أن يبدوا وجودهم بوصفه وجوداً سياسياً، ويثبتوه بنشاط. ومن هنا ينجم أن سعي المجتمع المدني إلى التغلغل في السلطة التشريعية بكل كتلته، كلياً قدر الإمكان، هو سعي المجتمع المدني الفعلي إلى وضع نفسه في مكان المجتمع المدني الوهمي للسلطة التشريعية، ليس سوى سعي المجتمع المدني إلى بلوغ الوجود السياسي، أو إلى جعل الوجود السياسي وجوده الفعلي. إن سعي المجتمع المدني إلى التحول إلى مجتمع سياسي أو سعيه إلى جعل المجتمع السياسي مجتمعاً فعلياً، يتجلى بوصفه سعيه إلى الاشتراك بصورة أعم قدر الإمكان في السلطة التشريعية"[16] إذاً:

    آ ـ لا توجد الدولة، بادئ الأمر، إلا بوصفها دولة سياسية، ولكن حقيقتها هي الدولة المادية. الدولة السياسية، الليبرالية، تناقض في ذاتها ما لم تعترف بأساسها الفعلي، أي بالعائلة والمجتمع المدني. وإن حل التناقض ليس حذف أحد حديه، لذلك فإن السلطة التشريعية في الدولة هي تعبير عن كليتها وعموميتها، أي تعبير عن حضور المجتمع المدني فيها. لكن السلطة التشريعية لا تزال بعد تعبيراً وهمياً عن حضور المجتمع المدني الفعلي فيها، بحكم تراتبية المجتمع المدني الطبقية من جهة، وبحكم الطابع المزدوج لأعضائها، من جهة أخرى؛ إذ يفترض أن أعضاء المؤسسة التشريعية هم ممثلو الأمة، ممثلو الشعب. ولكن كل واحد منهم لا يزال ينتمي إلى طبقة اجتماعية خاصة، ويميل إلى خدمة مصالحها. ولذلك كانت الانتخابات التشريعية الدورية تعبيراً عن تغير نسبة القوى الاجتماعية.

    ب ـ لكي يصبح هذا الحضور فعلياً لا بد من المشاركة الفعلية كلياً قدر الإمكان، وهنا تطرح مسألة التمثيل الحقيقي للكلية الاجتماعية، بدءاً بقانون الانتخاب وتحديد الدوائر الانتخابية وإعداد جداول الناخبين وتوفير الشروط القانونية والأخلاقية لصحة الانتخابات ونزاهتها وصولاً إلى انعقاد الهيئة التشريعية وتأليف الحكومة.

    ج ـ إن جميع "أعضاء الدولة" يميلون إلى أن يكونوا أعضاءها فعلاً، وأن كلاً منهم يرغب في بلوغ وجوده السياسي الفعلي، أي أن يكون مشاركاً نشطاً حراً ومسؤولاً. أي إنهم يرغبون في توكيد وجودهم السياسي أو جعل وجودهم الاجتماعي سياسياً وجعل وجودهم السياسي هو وجودهم الفعلي، قدر الإمكان.

    د ـ سعي المجتمع كله، قدر الإمكان، إلى التغلغل في السلطة التشريعية هو سعيه إلى إحلال وجوده الفعلي الحقيقي محل وجوده الوهمي الذي تدّعيه الدولة السياسية، المحدَّدة بالملكية الخاصة. إذ لا تزال طبقة أو فئة اجتماعية بعينها تدّعي لنفسها صفة الكلية الاجتماعية، صفة تمثيل الشعب والأمة والنيابة عنهما. وهو ما يحمل إمكانية النكوص إلى الاستبداد. فالاستبداد، في نهاية التحليل، هو إحلال الخاص محل العام والجزء محل الكل وإلغاء العام والكلي من دون أن يدري الجزئي والخاص أنه بذلك يلغي ذاته؛ فإلغاء العام هو إلغاء الخاص وهنا تكمن أسباب الانفجارات الاجتماعية وأسباب الخراب وحروب التدمير الذاتي، التي ينتجها الاستبداد.

    هـ ـ في سعيه إلى إحلال وجوده الفعلي محل وجوده الوهمي يسعى المجتمع المدني إلى بلوغ وجوده السياسي العام والكلي أو جعل وجوده السياسي هو وجوده الفعلي. أي يسعى إلى التحوّل إلى مجتمع سياسي أو جعل المجتمع السياسي مجتمعاً فعلياً. وتلكم هي الديمقراطية، في نظر ماركس.

    المدخل إلى ذلك هو التمثيل، مع اخذ العدد بالحسبان. التمثيل الذي محتواه جعل السلطة التشريعية تنبع من المجتمع المدني وتكون هي وظيفته السياسية بالمعنى الواسع للكلمة. والتمثيل يفترض الانتخاب. "والانتخابات هي علاقة المجتمع المدني المباشرة، الصريحة التي ليست تمثيلية وحسب، بل موجودة فعلاً، بالدولة السياسية. ولهذا من المفهوم بديهياً أن تشكل الانتخابات مصلحة سياسية في غاية الأهمية للمجتمع المدني الفعلي. وفي الحق الانتخابي غير المحدود النشيط والهامد ارتفع المجتمع المدني فعلاً للمرة الأولى إلى التجرد من نفسه بالذات، إلى الوجود السياسي، بوصفه وجوده الحقيقي العام الجوهري. ولكن السير بهذا التجريد إلى النهاية في الوقت نفسه هو إلغاء له. إن المجتمع المدني إذ أكد وجوده السياسي بوصفه وجوده الحقيقي، إنما جعل، بالتالي، من وجوده المدني، فيما يميزه عن الوجود السياسي، غير جوهري، وبسقوط أحد العنصرين المفصول أحدهما عن الآخر يسقط نقيضه. ومن هنا ينجم أن الإصلاح الانتخابي يمثل في إطار الدولة السياسية المجردة إلغاء هذه الدولة، ولكن مع مطلب إلغاء المجتمع المدني"[17].

    يبدو لنا بوضوح أن ماركس يضع مسألة الديمقراطية في مجرى الصيرورة التاريخية، ويبين ضرورة نفي المجتمع المدني جدلياً أي تحوله، مع كل ثروة التطور المحرز، بل بفضل هذا التطور ذاته إلى مجتمع سياسي مؤنسن تكف الدولة فيه عن كونها شكلاً سياسياً مخارجاً أو معارضاً لمضمونها، فتتحول هي الأخرى إلى دولة مادية، ديمقراطية. ومثلما لم يتصور ماركس إلغاء الملكية، بل تغيير شكلها فحسب، أي تحويلها من ملكية خاصة إلى ملكية اجتماعية، فإنه هنا لا يتصور إلغاء الدولة بما هي شيء عام فعلياً وموضوعياً وشكل خاص ذاتياً، إذ لابد من تحديدات ذاتية للوجود الاجتماعي المتعين أو للكينونة الاجتماعية. ولعله واضح هنا ارتباط إلغاء الدولة السياسية بإلغاء الملكية الخاصة التي هي عماد المجتمع المدني وحقيقته الفعلية المقنّعة بالوجود الوهمي للإنسان الموضوعي أي للمجتمع. إن ماركس لا ينشد أكثر من إحلال الوجود الواقعي للمجتمع محل وجوده الوهمي، وإطلاق سيرورة تاريخ الإنسان.

    ولا أعتقد أن ماركس يغلق بذلك دائرة الديالكتيك أو أنه يضع نهاية للتاريخ، بل إنه يفترض نهاية لهذا التاريخ الذي لا يزال، حتى اليوم، تاريخ اغتراب الإنسان. آية ذلك انه يفترض أن عوامل نمو المجتمع المدني وتحوله جدلياً إلى مجتمع إنساني أو إلى إنسانية اجتماعية إنما تتولد من داخله بفعل تناقضاته أو تعارضاته الملازمة. وكذلك عوامل نمو الدولة السياسية الشكلية وتحولها إلى دولة مادية (دولة ديمقراطية) مع توكيد مفهوم الدولة. المجتمع المدني ليس نهاية التاريخ، وليس هدف التاريخ وغايته، وكذلك الدولة السياسية، الدولة الوطنية أو القومية، بل الجماعة المؤنسنة. الديالكتيك البادئ بالعلاقة الأولية البسيطة علاقة الإنسان بالعالم أو الذات بالموضوع لا يمكن أن يتوقف إلا بحذف أحد الحدين الجدليين: النوع البشري أو العالم، وهو افتراض لم يغب عن بال إنغلز الذي قال ما معناه: حتى لو افترضنا فناء النوع البشري، لسبب من الأسباب، فإن الطبيعة ستعيد إنتاج ذاتها الواعية، ربما في مكان غير هذا الكوكب. وليس لهذه "الطبيعة الواعية ذاتها من اسم آخر سوى الإنسان.
    نود أن نؤكد أن الديمقراطية هي مضمون الدولة الوطنية الحديثة، وأن العبرة في جميع الأحوال هي مدى اتساق أو عدم اتساق الشكل مع المضمون. الدولة هي الشكل، الشكل السياسي للوجود الاجتماعي، والمجتمع المدني، ثم الأمة، ثم الشعب، هو المض
                  

11-13-2010, 05:45 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    هل فكرت وعملت نخبنا السياسية التي كانت موجودة قبل وعند الاستقلال في قيام دولة سودانية ام حكومة او سلطة سودانية بدلا عن سلطة محتلة (بريطانية مصرية ) ؟؟؟
                  

11-13-2010, 05:57 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    مفهوم الدولة: بين الفكر الغربي والمنجز الحضاري


    د. توفيق شومر

    يحتاج تأصيل مفهوم الدولة إلى إحداث مقاربات ومقارنات في البعد الفكري وفق ما أنتجته الحضارات باعتبار المفهوم هو حصيلة نمو في الأفكار على المستوى الحضاري الذي يشكل الدين احد ركائزه الفكرية على الأقل بالنسبة لنا نحن العرب والمسلمين، وقد تناولت في مقال سابق المقارنة بين الدولة "المرومنة" في العهد الأموي وما بين البوادر التي كان يمكن أن تتطور بها الدولة في العهد الراشدي إلى ما أسميته "الجمهورية الإسلامية"، لا لأنني من المؤيدين لقيام الخلافة الإسلامية بل لكي أوضح أن التفكير بمفهوم الدولة من منطلق الفكر العربي الإسلامي يمكن له أن يوصلنا إلى أشكال من الحكم تختلف عن تلك التي سادت لعقود في التاريخ العربي الإسلامي. وأريد أن أطرح هنا تساؤلا كبيرا مفاده: لماذا يجب علينا اليوم أن نفكر بشكل الدولة ضمن الأشكال السائدة عالمياً الا يمكننا أن نتخيل أنماطا أخرى من الدولة تختلف في بنائها عن الأشكال السائدة اليوم؟

    هذا السؤال إنما يفتح آفاقا كثيرة للشكل الذي نريد به للدولة الحديثة أن تكون عليه. يجري النقاش اليوم حول دور الدولة، فيؤكد البعض الدور التقليدي في الحماية والتدخل لصالح المصالح الطبقية التي تمثلها الدولة، بينما يطرح مفكرون آخرون فكرة الدولة المحايدة، والتي تعمل على تنظيم العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية دون التدخل في فحو هذه العلاقات.

    كانت نتيجة تبني الفكر الروماني في بناء الدولة العربية - الإسلامية الدور الأكبر في انفصال الحاكم عن المحكومين، لتصبح العلاقة في اشتراكها مع العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة علاقة غريبة في تركيبتها عن مثيلتها في التطور التي سارت عليه الدول الأوروبية. وبشكل أساسي في علاقة الملكية للأرض والتي بقيت ضمن الدولة العربية الإسلامية من حق الخليفة الذي يمنح حق استخدامها لمن يشاء، وترسخ كنتيجة لذلك مفهوم اقتصادي خاص هو ما يعرف "بنمط الإنتاج الآسيوي".

    التحول في مفهوم الدولة في أوروبا بدأ مع القرن السابع عشر، ويمكن القول بأن ميكافيلي في سعيه للعودة بإيطاليا إلى أمجاد روما ساهم في إعادة تقديم تعريف جديد لمفهوم الدولة بحيث يتناسب مع الأغراض الجديدة لها، وكما نعرف بأن ميكافيلي أبو علم السياسة البورجوازي الحديث وإليه تعود نظريات عظمة الدولة وهيبتها.

    والدولة بحسب أبسط تعريف متداول لها هي المنظمة التي تخضع مصائر الأكثرية لمشيئة الأقلية الحاكمة. ومنذ بداية القرن الماضي كان هناك صراع شديد بين نظريات الدولة: النظرية الكلاسيكية، والتي تدعي أنها تطالب بدولة القانون، ودولة الحقوق والواجبات، أو دولة العقد الاجتماعي، والتي انتقدها الفيلسوف البريطاني الشهير توماس مور بقوله أنها "مؤامرة من الأغنياء الذين يدعون بأن مصالحهم قوانين وتشريعات". أما عالم الاجتماع الشهير ماكس فيبر، فقد وضح كيفية تحول مؤسسات الدولة الرأسمالية إلى مؤسسات بيروقراطية ودور هذه البيروقراطية في جمود الدولة.

    وأيضاً برز هناك الموقف الفوضوي والذي يرفض سيطرة الدولة على الإطلاق كونها، لأن الدولة تفتقد للشروط الأساسية التي تسمح لها أن تنظم المجتمع، فالدولة بكونها ممثلة لمصالح الأقلية تعمل ضد المجتمع لا لصالح المجتمع.

    ثم هناك الموقف الماركسي والذي يقول بأن الدولة تمثل مصالح طبقية معينة ولا تكون منفصلة عن الطبقة فإما أن تكون دولة بورجوازية تمثل مصالح الطبقات الغنية وإما أن تكون اشتراكية تمثل مصالح الطبقة العاملة. وفي الرد على النظرية الماركسية كما تجلت في الدولة السوفيتية حاول بعض المنظرين البورجوازيين القول بأن النظرية الماركسية لم تأت بجديد في نظرية الدولة كمفهوم، فبقي هناك إمكانية لوجود بيروقراطية حاكمة، وبقي هناك مجال للقول بأنها تمثل مصالح مجموعة ضيقة من المتنفذين تتمثل في قيادة الحزب الحاكم. ومن خلال هذا الرد ظهر ما أصبح يعرف بنظرية النخبة أو الصفوة السياسية والتي تمثل مصالح معينة بعينها بالرغم من أنها لا تنتمي بالفعل للمجموعات المستفيدة من تلك المصالح.

    التنوع في مفهوم الدولة لا يقتصر على اعتبارات الفئات المسيطرة على الدولة ومن تمثل هذه الدولة بل يتعداه إلى الحديث عن الدولة المركزية في مقابل الدولة اللامركزية، والدولة الاتحادية وتآلف الدول وغيرها من الأشكال التي تمثل علاقة الدولة مع أقاليمها.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أن أشكال الدولة هذه لا تتأثر بالقول بديمقراطيتها أو لا ديمقراطيتها. أي أن الديمقراطية تصبح أداة من أدوات الدولة، لكن الدولة تبقى معبرة عن مصالح معينة اعتماداً على التركيب السياسي الذي تتبعه. على الرغم من أن الدولة البورجوازية بتعريفها الكلاسيكي، دولة العقد الاجتماعي، بدأت متمسكة بمفهوم الديمقراطية السياسية، وبمفهوم المواطنة.

    أما الدول العربية التي نشأت بعد خروج الاستعمار، فقد تبنت في الغالب أما النمط الاشتراكي أو نمط العقد الاجتماعي. ولكن في كلا الحالتين لم تتبن هذه الدول النمط بشكل يتناسب مع احتياجاتها، بل كان على الأغلب التطبيق تطبيقا ممسوخا لهذا النمط أو ذاك. وفي المجمل فقد تمكن الشكل الاجتماعي المسيطر (الشكل الأبوي البطرياركي) أن يفرض نفسه على نمط الدولة المطبق، وبالتالي فقد كان النمط الاشتراكي هو نمط "أبوي اشتراكي" ونمط العقد الاجتماعي نمط "أبوي – عقد اجتماعي". مما أدى بالفعل إلى أن تكون الدول العربية بكل أشكالها "دولا رعوية" تعمل الدولة على أن تكون رب العمل الأساسي للقوى العاملة.

    اليوم نرى أن الدولة الحديثة على الرغم من استمرارية التشريعات التي تحدد الديمقراطية كأساس للدولة إلا أنها بدأت بالابتعاد عن المفهوم الكلاسيكي. فهناك توجه اليوم نحو تحول الدولة إلى مراقب مستقل عن العلاقات الاقتصادية الموجودة، لكن هذا الاستقلال هو في الواقع استقلال شكلي. فدولة المصالح التي مثلتها الدولة الليبرالية البورجوازية ما زالت مستمرة من خلال القوانين التي تضمن استمرارية الدولة. بينما الذي تأثر فعلاً من خلال التحول في شكل الدولة هما: دولة الرفاه، والتي بدأت بالاضمحلال بحجة استقلالية الدولة؛ والدولة الرعوية، والتي يعتبر رأس المال المالي القضاء عليها واحداً من أهدافه الأساسية. وذلك من خلال عمليات الخصخصة التي انتشرت في الدول الرعوية، والتي بدأت منذ التسعينيات من القرن الماضي وتحولت من خلالها المؤسسات المملوكة للدولة إلى مؤسسات مملوكة لرأس المال. مما أدى إلى نهاية الدولة الرعوية.

    لست آسفاً كثيراً على نهاية الدولة الرعوية، لكنني أرى في أن التحول في البلدان التي كانت تتبنى النظام الرعوي يتجه بشكل مباشر نحو تحويل السواد الأعظم من شعوب هذه البلدان والتي كانت تعتمد في حياتها على الدولة الرعوية، إلى مجموعات تعيش تحت خط الفقر وعلى هامش العملية الاقتصادية في تلك البلدان، وفي هذا تحول خطير لا يمكن القبول به.

    هنا نقول بأن استنساخ أنماط للدولة من هنا وهناك من العالم لتطبيقه في الدول العربية، لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانفصال بين الدول وبين الشعوب التي تدعي هذه الدول تمثيلها. المهمة أمامنا من النوع الذي يحتاج إلى تضافر جهود كثيرة لدراسة تطور المجتمع العربي وتطور تفكير المواطن العربي لنعرف مدى علاقة هذا المواطن الفعلية مع مفهوم الدولة، أي دولة، وبعد ذلك أن نبحث في مدى إمكانية تطبيق المفاهيم السائدة في مناطق أخرى على الوضع القائم هنا.

    فعلى سبيل المثال، مفهوم "المجتمع المدني" هو واحد من هذه المفاهيم المستنسخة من الغرب والتي يحاول الكثيرون أن يقولوا أنها تشكل المخرج من مشاكل المجتمعات العربية والطريق نحو الديمقراطية. لكن هذا المفهوم نشأ وترعرع ضمن تحولات اجتماعية خاصة كالتي حدثت أبان الثورات البورجوازية في أوروبا وبالتالي وبما أن هذه التحولات الاجتماعية لم تنجز، أو لنقل بتعبير أدق أن المجتمعات العربية لم تمر بهذه التحولات، مما يعني أن مفهوم "المجتمع المدني" هو مفهوم غير موائم لها، مهما كان النمط المختلف من التحول الاجتماعي الذي دخلته.

    نحتاج فعلاً إلى تطوير مفهوم الدولة في المجتمعات العربية والإسلامية، وقد يكون من المفيد أن ندرس أنماط الدولة في المجتمع العربي الإسلامي كنقطة انطلاق لمعرفة ما إذا كان تطوير هذه الأنماط ممكنا لكي يتلاءم مع البناء الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع العربي في عالم اليوم. ومن الممكن أيضاً أن يبرز بعد الدراسة أن بعض الأنماط الموجودة في الغرب يمكن تحويلها لتتلاءم مع احتياجاتنا. لكن المهم أن لا يكون المنطلق هو الاقتناع بنمط محدد ومحاولة حشر الواقع ليأخذ شكل هذا النمط، ولكن أن ندرس الواقع ونبحث عن أنماط ملائمة له.

    السياسة علم لا ينحصر في معرفة العلاقات السياسية الدولية بين الدول ولكن هو علم يجب البحث في نظرياته وفلسفاته بحيث نتعرف على الجذور الحقيقية للأفكار المطروحة، ولكن، للأسف، في العالم العربي هناك انفصال وابتعاد عن الفلسفة بشكل عام، وعن الفلسفة السياسية بشكل خاص، لما في هذه الفلسفة من جوانب كانت تعتقد الدول الرعوية بأنها تؤثر على وجودها وعلى استمرارها كدول رعوية. ونظريات الدولة لا يجب بالتالي أن تدرس فقط من منطلق ما قدم من نظريات عالمية وإنما أن تدرس أيضاً من منطلق الحاجة الاجتماعية لنمط الدولة، أي بالارتباط والتداخل بين الاجتماعي والسياسي.

    رئيس قسم العلوم الإنسانية/ جامعة فيلادلفيا
                  

11-13-2010, 06:04 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    دولة المدنية الديمقراطية ضمان لوحدة السودان

    تاج السر عثمان بابو
    [email protected]

    أشار بيان المكتب السياسي للحركة الشعبية الصادر عن اجتماعه رقم(8) ، جوبا: 13- 16/8/2010م، الي أن الخيار المفضل الذي ظلت الحركة الشعبية تدعو له خلال ربع قرن من الزمان، وأكدته في مانفستو الحركة في عام 2008م، هو قيام سودان ديمقراطي وعلماني موحد طوعا في ظل التنوع، ولكن رؤية المؤتمر الوطني اصبحت حائلا دون ذلك. وبالتالي اصبحت الدولة العلمانية أو المدنية الديمقراطية مطروحة كضمان لوحدة السودان، ولابديل سواها.
    وهذا يقودنا الي أن نطرح علي طاولة البحث العلمانية كمفهوم ومصطلح، وسمات وخصوصية التجربة السودانية في علاقة الدين بالدولة:
    أولا: العلمانية المفهوم والمصطلح:
    كما هو معروف أن عصر النهضة في اوربا كان نقطة تحول من ظلمات العصور الوسطي التي اتسمت بالجمود ومصادرة حرية الفكر والابداع باسم الدين، علي سبيل المثال: محاكمة جاليليو لأنه اكتشف دوران الأرض حول الشمس ، عكس ماكانت تعتقد الكنيسة التي كانت تتدخل في كل العلوم السياسية والاجتماعية والطبيعية وتحتكر تفسيرها ، وتصادر حرية الفكر والابداع، وتعطي صكوك الغفران وغير ذلك من استغلال الدين لخدمة مصالح طبقية ودنيوية.
    في عصر النهضة استطاعت اوربا أن تنفتح علي حضارات العالم ، وبعثت وتمثلت منجزات الحضارات الاسلامية والآسيوية، واستطاعت أن تكتشف وسائل تقنية جديدة مثل: صناعة الطباعة(جوتنبرج)، وصناعة الورق ، واكتشاف السلاح الناري ، واختراع البوصلة، والاتجاه للخارج( الكشوفات الجغرافية) لتهب شعوب المستعمرات في الاراضي الجديدة والقديمة.
    وبدأت الثورة التجارية والتراكم البدائي لرأس المال الذي ادي الي تحسين الزراعة وتحقيق فائض من الانتاج الزراعي في انجلترا وفرتسا مهد للثورة الصناعية وانتصار نمط الانتاج الرأسمالي(ثورة في قوي الانتاج)، وتبع تلك الثورة في قوي الانتاج ثورات سياسية مثل: الثورة الفرنسية التي دكت حصون الاقطاع والجمود وحل النظام العلماني محل الدولة الدينية والحكم بالحق الالهي، وتم اعلان ميثاق حقوق الانسان.
    ولكن ماهو مفهوم العلمانية؟
    تعرض مفهوم العلمانية الي تشويه وتزييف من جماعات الاسلام السياسي السلفية، وصورته بمعني الكفر والالحاد والانحلال، ومؤامرة صهيونية تستهدف الاسلام ..الخ.
    ولكن هذا غير صحيح، فالعلمانية هي اجتهاد في ميدان التنظيم السياسي للمجتمع والابقاء علي هذا الميدان بشريا تتصارع فيه برامج البشر ومصالحهم الاجتماعية والاقتصادية.
    ومعلوم أن أصل لفظ علمانية في اللغة الانجليزية( Secular ) مشتق من كلمة لاتينية تعني القرن( Saeculum ) بمعني الزمانية. العلمانية اذن ترتبط في اللغات الأجنبية بالامور الزمنية، اي بما يحدث علي هذه الأرض.
    كما أن العلمانية لاتعني استبعاد الدين عن ميدان قيم الناس الروحية والأخلاقية، ولكنها تعني التمييز بين الدين والممارسات السياسية المتقلبة، باعتبار أن الممارسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية اجتهادات وممارسات بشر قابلة للتعديل والتطوير.
    وبالتالي ترتبط العلمانية بحرية العقيدة والضمير وحرية العبادة والشعائر ، وبصورة عامة ضد فرض ايديولوجية دينية أو نتاج فكر انساني كنظرية للدولة، كما لا تتعارض العلمانية مع قيام احزاب دينية تؤمن بالتعددية السياسية والفكرية، علي سبيل المثال النظام السياسي في المانيا نظام علماني وبه الحزب الديمقراطي المسيحي، اي ضد سلطة رجال الدين ولكنها لاتصادر حقهم في النشاط السياسي.
    وبهذا المعني ليس هناك فرق بين مصطلحي الدولة العلمانية الديمقراطية والدولة المدنية الديمقراطية، طالما لكل معتقده الديني والسياسي والفكري والفلسفي والدولة للجميع تعترف بسيادة حكم القانون واستقلال القضاء والمساواة بين المواطنين غض النظر عن المعتقد أو العرق او اللغة أو الثقافة، واتساع مصادر التشريع لتمزج بين عطاء الفكر الانساني والمصادر الدينية والعرفية وسوابق القضاء، واحترام التعددية السياسية الفكرية والدينية.
    ثانيا: التجربة السودانية في علاقة الدين بالدولة:
    ولكن من المهم في تناولنا للعلمانية أن لانكتفي بنسخ التجربة الاوربية واسقاطها علي الواقع السوداني دون دراسة باطنية لتطور علاقة الدين بالدولة السودانية.فالدولة السودانية عمرها حوالي 3000 ستة ق.م ، عندما قامت أول دولة سودانية(مملكة كرمة) والتي كان فيها الكهنة يشكلون عنصرا حاسما فيها، حيث كانوا يمتلكون الأراضي الزراعية والمعابد الواسعة، كما اوضحت آثار تلك الحقبة. كما عرفت ممالك (نبتة ومروي) حكم الملوك الآلهة، حيث كان الكهنة يتحكمون في الدولة والملوك من خلال انتخاب الملوك وعزلهم، اي كان حكما بالحق الالهي. علي سبيل المثال: صراع الملك (اركماني) ضد الكهنة الذي رفض أمر الكهنة بقتله طقسيا وثار عليهم واحرقهم وبدل في الديانة المروية القديمة.
    وفي ممالك النوبة المسيحية(نوباطيا، المقرة، علوة)، حدث تطور في علاقة الدين بالدولة، حيث جمع ملوك النوبة بين وظيفة رجال الدين والملك(كانوا حكام وقساوسة في الوقت نفسه).
    وفي سلطنة الفونج(السلطنة الزرقاء) كان شيوخ الطرق الصوفية مستقلين عن الملوك في سنار والحلفايا(عاصمتي الفونج والعبدلاب علي الترتيب)، وان كانت لهم روابطهم مع الحكام التي كانوا يعيدون بها انتاج النظام الاقطاعي الذي كان سائدا بها. ويمكن القول أن سلطنة الفونج شهدت البذور الأولي للدولة المدنية.
    ثم جاءت فترة الحكم التركي التي اتسعت فيها دائرة المدنية حيث شهد السودان بذور التعليم المدني والقضاء المدني والتوسع في الدولة المدنية رغم أنها كانت استبدادية تقوم علي قهر المواطنين وجباية اكبر قدر من الضرائب منهم، ولكن الحكم التركي لم يستبعد الدين، بل وظفه لخدمة جهاز الدولة بانشاء القضاء الشرعي وفئة العلماء الذين كانوا يباركون ويدعمون سياسة النظام، كما شهد السودان غرس بذور الثقافة الحديثة( الطباعة، المسرح، الصحافة..الخ)، كما ارتبط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي من خلال تصدير سلعتي (الصمغ والعاج) الي اوربا ، كما تم غرس بذور نمط الانتاج الرأسمالي من خلال التوسع في اقتصاد السلعة- النقد والعمل المأجور، وشهد السودان ايضا بدايات دخول منجزات الثورة الصناعية الاولي مثل: النقل النهري والتلغراف، والسكة حديد (جزئيا)...الخ، اضافة لحملات التبشير المسيحي في الجنوب وجنوب كردفان لنشر الدين المسيحي والتعليم والخدمات الصحية، اضافة لحملات اكتشاف منابع النيل.
    ثم جاءت دولة المهدية والتي كانت دولة دينية استمدت تعاليمها من ايديولوجية الامام المهدي، والتي الغت التعليم المدني والقضاء المدني ورفعت المذاهب الاربعة وحرقت الكتب(عدا القرآن وكتب السنة)، واصبحت ايديولوجية المهدية هي التفسير الوحيد والصحيح للاسلام وماعداها كفر، كما اتخذت قرارات اجتماعية مثل حجر وجلد النساء في حالة خروجهن ومنعت الغتاء والتدخين والتنباك..الخ، وكانت دولة المهدية انتكاسة مؤقته في التطور الموضوعي للدولة المدنية في السودان.
    وجاءت دولة الحكم الثنائي(الانجليزي- المصري) التي اتسعت فيها دائرة المدنية وقامت المؤسسات الاقتصادية الحديثة مثل السكك الحديدية ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع المروية وخزان سنار وميناء بورتسودان وكلية غردون والمستشفيات والنقل النهري ، وقامت الأسواق وتوسعت المدن وتطورت الحياة الاجتماعية والمدنية، كما تطور التعليم المدني والقضاء المدني والدولة المدنية وأن كانت تقوم علي قمع الحركة الوطنية ونهب خيرات البلاد ومواردها الاقتصادية لمصلحة الشركات والبنوك الأجنبية، كما تطورت وتوسعت منظمات المجتمع المدني السياسية والنقابية والخيرية والفنية والرياضية ، كما تطورت حركة تعليم ونهضة المرأة السودانية.
    وبعد الاستقلال حدثت تقلبات في انظمة الحكم، بدأت بفترة الديمقراطية الأولي(1956- 1958م)، والتي كانت فيها الدولة مدنية ديمقراطية تحكم بدستور 1956 الانتقالي الذي كفل الحقوق والحريات الأساسية والتعددية السياسية والفكرية، جاء بعدها نظام عبود(1958- 1964م) والذي كان مدنيا أو علمانيا ديكتاتوريا صادر كل الحقوق والحريات الديمقراطية.
    ثم جاءت ثورة اكتوبر 1964م والتي كان نتاجها دستور السودان الانتقالي المعدل الذي كفل الحقوق والحريات الديمقراطية واستقلال الجامعة والقضاء وحرية تكوين الأحزاب الانتقالية. وبعد اكتوبر برز الصراع حول: الدستورهل يكون مدنيا ديمقراطيا ام اسلاميا؟، الجمهورية الرئاسية ام البرلمانية؟ وكان خرق الدستور بمؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، ومحكمة الردة للاستاذ محمود محمد طه، ومحاولات من ( الأخوان المسلمين والأمة والوطني الاتحادي) لاقامة دولة دينية تحكم بالشريعة الاسلامية، وحدثت أزمة، وتعمقت حرب الجنوب حتي قام انقلاب 25 مايو 1969م.
    استمر نظام مايو شموليا ومدنيا او علمانيا حتي اعلان قوانين سبتمبر 1983م لتقوم علي أساسها دولة دينية تستمد شرعيتها من قدسية السماء وبيعة الامام، وكانت النتيجة قطع الايادي في ظروف مجاعات وفقر ومعيشة ضنكا ومصادرة الحريات الشخصية واعدام الاستاذ محمود محمد طه الذي عارضها، وتعمقت حرب الجنوب بعد اعلان حركة تحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق. حتي قامت انتفاضة مارس – ابريل 1985م، وتمت استعادة الحقوق والحريات الديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية التي كفلها الدستور الانتقالي لعام 1985م.
    وبعد الانتفاضة استمر الصراع: هل تبقي الدولة مدنية ديمقراطية ام دينية؟ ودافعت قوي الانتفاضة عن مدنية وعقلانية الحياة السياسية والدولة ضد اتجاه الجبهة الاسلامية لفرض قانون الترابي الذي يفضي للدولة الدينية، وتمت هزيمة قانون الترابي، واصلت قوي الانتفاضة مطالبتها بالغاء قوانين سبتمبر 1983م، حتي تم الوصول لاتفاقية الميرغني قرنق والتي علي اساسها تم تجميد قوانين سبتمبر وتم الاتفاق علي حل سلمي في اطار وحدة السودان بين الشمال والجنوب وتقرر عقد المؤتمر الدستوري في سبتمبر 1989م.
    ولكن جاء انقلاب 30 يونيو 1989م ليقطع الطريق امام الحل السلمي الديمقراطي، واضاف لحرب الجنوب بعدا دينيا عمق المشكلة وترك جروحا غائرة لن تندمل بسهولة، وفرض دولة فاشية باسم الدين، الغت المجتمع المدني وصادرت الحقوق والحريات الأساسية وتم تشريد واعتقال وتعذيب وقتل الالاف من المواطنين، وامتدت الحرب لتشمل دارفور والشرق. وعمق النظام الفوارق الطبقية ، من خلال اعتماد الخصخصة وتصفية القطاع العام واراضي الدولة والبيع باثمان بخسة للطفيلية الرأسمالية الاسلاموية، وتوقفت عجلة الانتاج الصناعي والزراعي، ورغم استخراج البترول وتصديره الا انه لم يتم تخصيص جزء من عائداته للتعليم والصحة والخدمات والزراعة والصناعة، وتعمق الفقر حتي اصبح 95% من شعب السودان يعيش تحت خط الفقر، اضافة للديون الخارجية التي بلغت 35 مليار دولار. وتوفرت فرصة تاريخية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا لضمان وحدة السودان من خلال التنفيذ الجاد للاتفاقية وتحقيق التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية والتنمية المتوازنة والحل الشامل لقضية دارفور وبقية الاقاليم الأخري من خلال التوزيع العادل للسلطة والثروة، ولكن نظام الانقاذ استمر في نقض العهود والمواثيق، مما كرس دعاوي الانفصال.
    ولابديل لدولة المواطنة الدولة المدنية الديمقراطية التي تحقق المساواة بين الناس غض النظر عن ادياتهم ولغاتهم واعراقهم، وهي مقدمة ضرورية لضمان وحدة السودان من خلال تنوعه.

    صحيقة الراكوبة - ىنشر بتاريخ 01-09-2010
                  

11-13-2010, 07:15 AM

بدر الدين احمد موسى
<aبدر الدين احمد موسى
تاريخ التسجيل: 10-03-2010
مجموع المشاركات: 4858

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    الاخ ابوبكر

    والله مقالات ثمينة وسمينة
    مجهود مقدر
                  

11-13-2010, 07:37 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: بدر الدين احمد موسى)

    الموسوعة العربية

    الدولة
    أولاً: تعريف الدولة وأركانها

    الدولة l’etat هي شخص معنوي يمثل قانوناً مجموعة من الأفراد يقطنون أرضاً معينة، وبيده مقاليد السلطة العامة، ومن هذا التعريف يمكن القول إن هناك ثلاثة عناصر لابد من توافرها لوجود دولة ما، وهذه العناصر هي:

    1- الشعب population: تذهب غالبية الفقه إلى أن الركن الأول لأي دولة هو وجود «جماعة من الناس» ولا يشترط أن يبلغ عدد هؤلاء الناس مبلغاً محدداً للقول بتوافر هذا الركن، حيث يبلغ عدد سكان الصين مثلاً ما يزيد على مليار نسمة، في حين توجد بعض الدول لا يتعدى عدد سكانها عشرات الآلاف كما هو الحال في دولة بالاو Palaw مثلاً.

    ولكن من الواضح أن كثرة عدد السكان تعدّ عاملاً في ازدياد قوة الدولة ونمو إنتاجها وثروتها وبسط سلطاتها، ولكن ذلك ليس قاعدة مطلقة بل نسبية فالكثرة العددية لشعب من الشعوب لا تعني دائماً الرفعة والتفوق، فقد كانت هولندة تستعمر إندونيسية مع أن عدد سكان الأولى أقل من عشر سكان الأخرى، كما قد تؤدي ظروف الدولة إلى تبني سياسة وتنظيم النسل وتحديد التزايد السكاني، وقد حصل خلاف فلسفي حول طريقة وجود شعب الدولة، فطرحت فكرتان، محتوى الأولى أن الإنسان يعد كائناً اجتماعياً بالطبيعة، وأن الجماعات البشرية والشعوب تمثل ظواهر اجتماعية طبيعية تنشأ تلقائياً، وخارج إرادات الأفراد، أما محتوى الأخرى، أن المجتمعات البشرية ليست إلا ظواهر صناعية أرادها الإنسان، ووضعها على عينة لخدمة متطلبات حياته الحاضرة والمستقبلية، وأياً كان التفسير الفلسفي لحقيقة نشأة الشعوب والجماعات البشرية، فلا يزال السؤال المطروح، يلح في معرفة الأساس الذي جرى ويجري عليه حتى اليوم توزيع جماعات الأفراد والشعوب بين الدول المختلفة، ولعل استقراء التاريخ قد يجعل المرء يقرر أن هذا التوزيع يجري تارة بالغزو العسكري في صورة احتلال وضم، ويجري تارة بتأثير الموازنات الدبلوماسية بين مختلف القوى العالمية في شكل معاهدات أو تحالفات، ولكن نادراً ما يتم على أساس استفتاءات شعبية حرة، وعلى كل حال، فإن شعب الدولة لا يكون مجموعة منعزلة من الأفراد، بل هو في الحقيقة جماعات من الأفراد مرتبطين معاً جسدياً، ومعنوياً، اقتصادياً واجتماعياً، عقائدياً، وفكرياً، بمجموعة متشابكة من علاقات التضامن والتشابه والاحتكاك وتناول المنافع، وتقسيم العمل. ولا يصح، في ظل التقسيمات المعاصرة للدول، الخلط بين فكرتي الشعب والأمة، فالأمة حقيقة اجتماعية مفادها أن مجموعة من الأفراد تم انصهارهم واتحادهم تحت تأثير عوامل متعددة خلقت منهم جماعة لها بين الجماعات القومية ذاتها وتاريخها وأهدافها ورسالتها، ويجمع بين أفرادها في علاقاتهم المتبادلة واجبات متبادلة أيضاً بالمحبة وتبادل المعونة والتزامات لحماية الترابط القومي وتنميته، أما الشعب فلا يعدو أن يكون عنصر «السكان» في الدولة، وهو قد يكون أمة واحدة، حين تكون الأمة قد حققت استقلالها وكونت دولة قومية مستقلة وهو ما تجري عليه القاعدة، في بعض دول أوربة الغربية خصوصاً، ولكن الشعب قد يكون جزءاً من أمة موزعة بين أكثر من دولة، وصورتها الأمة العربية التي لا تزال تبحث عن طريق لتحقيق وحدتها السياسية واستقلالها في دولة قومية ذات سيادة كما قد يكون خليطاً من قوميات متعددة، وهذا ما كانت عليه الامبراطوريات القديمة كالامبراطورية الرومانية، أو ما كانت عليه الحال في الاتحاد السوڤييتي السابق.

    2- الإقليم le territoire: وإذا كانت الدولة في تعريفها الصحيح تفترض وجود مجموعة من الأفراد يعيشون معاً عيشة دائمة ومستقرة، فإن هذا الاستقرار والدوام لن يتحقق دون توافر الإقليم، بوصفه رقعة الأرض التي اختارها الأجداد وارتضاها من بعدهم الأبناء والأحفاد في أجيالهم المتتابعة مستقراً ومقاماً، ويجمع رجال القانون الدولي العام على أن من المعالم الرئيسية للنظام الدولي الحاضر، انفراد كل دولة برقعة محددة من أرض المعمورة تعرف بإقليم الدولة ولها وحدها عليه حق السيادة، بحيث يخضع لسلطانها كل الأشخاص والأشياء الموجودة عليه، بعكس ما كان في الماضي من سيطرة لنظام شخصية القوانين، فالدولة المعاصرة إذن منظمة سياسية إقليمية، لذلك لم يعترف الفقه للكنيسة الكاثوليكية بصفة الدولة، على الرغم من الاعتراف لها بالشخصية القانونية، إلا بعد معاهدة لاتيران سنة 1929، حين تحدد لها نطاق إقليمي معلوم، أصبحت بمقتضاه مدينة الفاتيكان بحدودها المقررة دولة ذات سيادة، وقد ثبت أيضاً لدى فقه القانون الدولي أن زوال إقليم الدولة يؤدي بالنتيجة إلى انقضاء شخصيتها الدولية، ولكن زيادة الإقليم أو نقصانه لا يؤدي إلى النتيجة نفسها، وإن كانت التزامات الدولة تتأثر زيادة ونقصاناً جراء ذلك.

    وليس من الضروري أن يكون إقليم الدولة منطقة أرض متصلة، فقد يتكون إقليم الدولة من عدد من الجزر، كما هو الحال في إندونيسية. ويفصل إقليم الدولة عن أقاليم الدول المجاورة حدود، ذات أهمية خاصة يحدد على أساسها امتداد سيادة الدولة، والأساس المعتمد في تعيين حدود الدول هو في الغالب المعاهدات والاتفاقات الدولية التي تبرم بين الدول المعنية صاحبة المصلحة، وقد تكون هذه الحدود طبيعية أنشأتها الطبيعة كالجبال والأنهار والبحار، وقد تكون الحدود غير طبيعية (صناعية)، وهي التي تلجأ إليها دول لا تفصلها حدود طبيعية، وتقام هذه الحدود عن طريق وضع علامات خاصة كالأعمدة والأبنية والأسلاك الشائكة أو جسم عائم فوق الماء وغير ذلك.

    وفي داخل هذه الحدود يتكون إقليم الدولة من مساحة من الأرض معلومة بكل ما تحت سطحها من طبقات لا نهاية لعمقها، وما تشتمل عليه من ثروات طبيعية، وما يعلوها من مجالات حيوية إلى ارتفاع معين، بحيث يكون ما يعلوه جواً حراً لجميع الدول، وكذلك تدخل المياه الإقليمية[ر: البحار(قانون -)]، للدول المطلة على البحار في نطاق الإقليم، وللدولة إقليم مائي داخلي يتضمن جميع الأنهار والبحيرات الموجودة داخل حدودها. وللإقليم بمفهومه المتقدم أهمية كبرى فيما يتعلق بممارسة سلطة الدولة، فهو يحدد النطاق الإقليمي الذي يمكن للدولة أن تحدد شعبها على أساسه تحديداً مادياً واضحاً، ومن ثم تجسيد العلاقة الرعوية، بين الدولة وأفراد الشعب، كما يساعد على تحديد نطاق اختصاص الدولة، فكأنه قاعدة الأساس في استقلال الدولة، والمدخل إلى حقها في السيادة.

    3- السلطة الحاكمة la puissance: يجب أن تقوم بين الشعب القاطن في الإقليم هيئة حاكمة ومنظمة لتشرف على الإقليم ومن يقطنونه، وتمارس هذه الهيئة سلطاتها باسم الدولة، ويتميز هذا الركن بأهمية خاصة لدرجة أن فكرة الدولة توحي أولاً وقبل كل شيء بفكرة السلطة العامة العاملة والمنظمة، ويجمع الفكر السياسي على أن وجود السلطة يتحقق حين ينقسم أفراد المجتمع إلى فئتين، فئة قوية تحكم أياً كانت مظاهر قوتها (اقتصادية، أو دينية، أو عسكرية، أو فكرية)، وفئة أخرى محكومة تخضع وتتطلع، وبهذا وحده تتحول الجماعة إلى مجتمع منظم، تسيطر عليه فكرة القانون الملزم، وتتحقق فيه فكرة الصالح العام، ويتم بها التصالح بين الغرائز الفردية والغرائز الاجتماعية في الإنسان، ويجمع فقه القانون الدستوري على أن السلطة السياسية ظاهرة اجتماعية لا مكان لها خارج النظام الجماعي، كما أنها ظاهرة نفسية تقوم على الرضا، فهي إن أخذت في الحياة الواقعية مظهر القوة المادية، فإنها قبل كل شيء، تعتمد في وجودها وفي شرعية تصرفاتها، على مدى ارتباطها بالضمير الجماعي وصدق تعبيرها عنه، ومن ثم، فهي تستقر في الأساس على رضا المحكومين بها وقبولهم لها، ولكن هذا لا يعني أن السلطة السياسية، كثيراً ما تعتمد في الدولة المعاصرة، على أساليب مختلفة، بعضها للضغط، وبعضها للإقناع، حتى تحمل الأفراد الخاضعين لها، على الرضا بها وتقبلها، وإضافة إلى ذلك فإن السلطة السياسية ظاهرة قانونية، إذ إن الصالح الجماعي المشترك الذي تتجمع حوله الحياة الجماعية ويحدد أهداف الأفراد وآمالهم المستقبلية لا يتحقق تلقائياً، فهو يتطلب من الأفراد أن يسلكوا فيما بينهم أنماطاً معينة من السلوك لا تهدد الصالح العام، وهو الأمر الذي يوجب أن يتوافر في المجتمع السياسي نظام سلوكي محدد يحيط بالأنشطة الفردية ويوجهها، وليست قواعد هذا النظام السلوكي في النهاية غير القانون، بيد أن هذا القانون الذي ينشأ مع نشأة المجتمع الإنساني، لا بد له من قوة عاملة تقوم على وضعه موضع التنفيذ، عن طريق وضع قواعد سلوك محددة ومعلنة رسمياً للناس، وتسهر على تنفيذها وحمايتها ضد كل محاولة للخروج عليها من جانب الأفراد.

    وقد ثار نقاش شديد حول القيمة التي يحملها الاعتراف بالدولة من جانب الدول الأخرى في المجتمع الدولي، ومدى تأثيره على الوجود القانوني للدولة، إذ انقسم الفقه في هذا المجال إلى اتجاهين، الأول: من أنصار النظرية المنشئة، وخلاصتها أن اجتماع العناصر الدولية الثلاثة (الشعب والإقليم والسلطة)، لا يكفي وحده لاكتساب الدولة الشخصية القانونية، ولا لدخولها بالتالي في المجتمع الدولي، بل يلزم الاعتراف بها كشرط إضافي من جانب الدول الأخرى، أما الاتجاه الآخر، فهو من أنصار النظرية المقررة، وخلاصتها أن الدولة توجد تلقائياً بمجرد اكتمال العناصر المادية الثلاثة المعززة لوجودها، وأنها على هذا الأساس، تدخل المجتمع الدولي بوصفها شخصاً قانونياً مسلماً به نشأ تلقائياً وذاتياً، ومع ذلك، فإنه لا يزال للاعتراف أهميته، لا بوصفه منشئاً للدولة، بل بوصفه الطريق الطبيعي لإيجاد علاقات تعاون عادية ومستمرة بين الدول والاعتراف بالدولة الجديدة قد يكون مشروطاً أو خالياً من الشروط، والشروط قد تكون صريحة، وقد تكون في تحفظات، وإذا كان الاعتراف غير المشروط هو الأصل، فقد يحدث أن تشترط الدولة المعترفة على الدولة الجديدة شروطاً معينة يلزمها احترامها حين تمارس سيادتها في المجال الداخلي، أو حين تتعامل مع الدول الأخرى، أو المنظمات الدولية، في مجالات السياسة الخارجية.

    ثانياً: التقسيمات القانونية للدول

    تذهب أغلبية فقه القانون الدولي العام، وكذلك أغلبية فقه القانون الدستوري، إلى أن الدول صاحبة السيادة الكاملة تنقسم إلى دول بسيطة simples أو موحدة ودول مركبة أو اتحادية mixtes، والدولة البسيطة، والموحدة هي الدولة في أبسط صورها، حيث تبدو كتلة واحدة وسيادتها موحدة ومستقرة في يد حكومة مركزية واحدة، دون مشاركة أو توزيع فهي تمتاز بوحدتها السياسية، أو بوحدتها الدستورية، ووحدتها في التشريع، حتى ولو لم تتحقق وحدتها الإدارية، أما الدولة الاتحادية أو المركبة، فإنها توجد فيها كتلة دستورية واحدة، إنما تتعدد فيها الدساتير، كما تتعدد سلطات الحكم على مستوى كل دويلة من الدويلات الداخلة في الاتحاد، ولعل أشهر أنواع الدول الاتحادية إنما يتمثل في الاتحاد المركزي أو الفيدرالي le federalisme والذي يتكون من مجموعة ولايات أو دويلات تضمها دولة اتحادية تكون لها كقاعدة عامة، كل مظاهر السيادة الخارجية، أما السيادة الداخلية فتوزع بين دولة الاتحاد والدويلات الأعضاء، وأمثلة هذا النوع من الدول كثيرة منها الولايات المتحدة، وسويسرا، ودولة الإمارات العربية المتحدة.

    ثالثاً: التشخيص القانوني للدولة

    نظر الفقه إلى الدولة على الدوام على أساس تمتعها بالشخصية القانونية، بحيث تظهر كوحدة قانونية مستقلة عن الأفراد المكونين لها، على أن يكون معلوماً أن الدولة، ككل الأشخاص المعنوية العامة والخاصة، لا تتمتع بالوجود المادي الذي يتمتع به الشخص الطبيعي (الإنسان العادي)، وهو ما يجعلها غير قادرة على أن تمارس بنفسها مظاهر وجودها القانوني، وإنما يتكفل قانون الدولة الأساسي (الدستور)، بتحديد الأشخاص الآدميين (الحكام)، الذين يملكون قدرة التعبير عن إرادة الدولة وتمثيلها في كل ما تقتضيه مصالحها من علاقات وروابط، لذلك يصح القول إنه لا يُحس بالدولة ولا تُرى في واقع الحياة اليومية إلا من الحكام فهؤلاء هم الذين يحوزون سلطة الدولة ويتولون نيابة عنها حق الأمر والنهي في الجماعة، ويعد الفقه الألماني، هو المصدر التاريخي لهذا التكييف القانوني[ر] المستقر اليوم، والذي امتد خارج ألمانيا، حتى صادف قبولاً لدى أغلب فقه القانون العام المعاصر، ولاسيما في فرنسا، إلا أنه يفصل بين الفقه الألماني والفقه الفرنسي خلاف عميق في فكرة تشخيص الدولة، ذلك أن جماعة الفقه الألماني تنظر إلى الدولة نظرة مجردة عن الأمة وتراها كائناً قانونياً مستقلاً وشخصاً عاماً يملك وحده حق السيادة، أما جماعة الفقه الفرنسي فتخلط بين الدولة والأمة، ولا ترى الدولة شيئاً غير الأمة منظوراً إليها نظرة قانونية، وإنها بهذه الصورة تعتبر التشخيص القانوني للشعب، وتكون سيادتها وسلطتها العامة، المظهر القانوني للسيادة الشعبية، كما أن الفقه الفرنسي ذاته قد انقسم في مجال مناقشة هذه الشخصية، فقد ذهب فريق إلى الاعتراف بشخصية الدولة المعنوية في مجال القانون الخاص والحقوق المالية فقط، أما في مجال القانون العام، وما يتصل به من الاعتراف للدولة بامتيازات السلطة العامة، فلا مكان لفكرة الشخصية المعنوية ولا لفكرة الحقوق إطلاقاً لأن، كل ما تتمتع به الدولة في هذا المجال لا يعدو أن يكون مجرد اختصاصات أو وظائف يمارسها عمال الدولة، وموظفوها لتحقيق الصالح العام في إطار القانون، وعلى مقتضاه. في حين ذهب فريق آخر من الشراح إلى تأكيد ازدواج شخصية الدولة القانونية، بمعنى أن للدولة شخصيتين قانونيتين متميزتين، فهي في مجال القانون الخاص والحقوق المالية شخص من أشخاص القانون الخاص ولكنها في مجال حق السيادة وامتيازات السلطات العامة شخص من أشخاص القانون العام بفروعه المختلفة، والرأي الراجح في فقه القانون العام المعاصر، يجمع على أن الدولة ليست إلا شخصاً قانونياً معنوياً واحداً، يتصرف في إطار أكثر من نظام قانوني وتتمتع في مجال كل نظام منها بحقوق وامتيازات تتفق مع طبيعته وأهدافه، وتأسيساً على ذلك فإن الدولة حين تتصرف في مجال علاقاتها مع الدول الأخرى، تكون شخصاً من أشخاص القانون الدولي العام، ولكنها حين تتصرف داخل إقليمها، ومع رعاياها، فإنها تظهر بصفتها من أشخاص القانون الوطني، على أن تحكمها في هذا المجال قواعد القانون العام تارة، وقواعد القانون الخاص تارةً أخرى، وذلك في ضوء طبيعة العلاقات التي تكون طرفاً فيها، طبقاً للمعيار المستقر للتمييز بين موضوعات كل من القانونين، مع الإشارة إلى أنه وجد رأي فقهي مرجوح في فرنسة كان ينكر إطلاقاً الشخصية القانونية للدولة، وأبرز من مثل هذا الاتجاه العميد دوجي Duguit الذي برّر رفضه للشخصية القانونية للدولة على أساس أن الدولة ليست إلا ظاهرة اجتماعية طبيعية تنشأ تلقائياً حين يحدث ما سماه الاختلاف السياسي diferenciation politique بين أفراد المجتمع، بحيث تظهر فيهم فئة حاكمة يتعلق بها أمر السلطة العامة، وفئة محكومة يقع عليها واجب الطاعة والخضوع، وذلك بغض النظر عن الوسيلة التي يعتمد عليها الحكام في فرض أوامرهم، أي سواء أكان بالإقناع أم بالقوة. وعلى كل حال، تترتب على الاعتراف بالشخصية القانونية للدولة، عدة نتائج هي غاية في الأهمية:

    1- الأهلية القانونية: يؤدي القول إن الدولة تعتبر كائناً قانونياً قائماً بذاته ومستقلاً عن الحكام والمحكومين، في وقت واحد إلى ضرورة التسليم لها بقدرات مستقلة كذلك، تمكنها من إتيان التصرفات القانونية المختلفة، وهو ما يعرف بالأهلية القانونية، إلا أن أهلية الدولة القانونية وإن كانت تسمح لها أن تمارس كل أنواع التصرفات القانونية، كالاتفاقات والعقود وتصرفات الإرادة المنفردة إلا أن ما تتمتع به الدولة من سلطة عامة مرصودة لخدمة الجماعة قد اقتضى لها في القانون الوضعي المعاصر، كثيراً من الامتيازات الاستثنائية التي لا تعرفها غيرها من الأشخاص القانونية.

    2- ذمة الدولة المالية وحقوقها: وتأسيساً على ما تقدم، ثبت لدى فقه القانون العام، أنه لا بد لكل الأشخاص المعنوية والدولة أحد هذه الأشخاص من ذمة مالية خاصة ومستقلة عن الذمة المالية للأعضاء المكونين له، ولممثليه الذين يتصرفون باسمه، ومن ثم فإن الحقوق والالتزامات التي ترتبها تصرفات حكام الدولة باسمها ولحسابها، لا تعود إلى ذمة هؤلاء الحكّام المالية ولكنها تكون حقوقاً والتزامات لحساب الدولة ذاتها.

    3- وحدة الدولة: والدولة باعتبارها شخصاً قانونياً، مستقلاً ومتميزاً عن أشخاص الحكام والمحكومين على السواء، تمثل وحدة قانونية واحدة ودائمة، أما أن الدولة تمثل وحدة قانونية، فهذا يعني أن تعدد سلطاتها العامة من تشريعية وتنفيذية وقضائية وكذلك فإن تعدد ممثلي الدولة، وتعدد الأجهزة والأشخاص التي تعبر عن إرادتها وتعمل باسمها، لا يغير من وصفها كشخص قانوني واحد، وتفريعاً على ذلك فإنه يلزم في الدولة مهما كان مدى الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات، أن ترتبط السلطات العامة والتشريعية والتنفيذية والقضائية فيما بينها بنوع من التدرج الهرمي يسمح بالتعاون فيما بينها. وأما أن الدولة تمثل وحدة قانونية دائمة، فهذا يعني أن وجود الدولة كشخص قانوني واستمرارها، لا تتأثر بتغيير الأشخاص الممثلين لها أو بتغيير نظام الحكم فيها، ويبرر استمرار الدولة ودائميتها، اعتبارها شخصاً قانونياً مستقلاً ومتميزاً في وجوده وحياته عن وجود الأفراد المكونين له، أو الممثلين له، وأنها تستهدف أغراضاً تتجاوز عمر جيل بذاته من أجيال شعبها، وهذه الأغراض تبقى على الرغم من زوال الأفراد وتغير الحكام، وتطور الشكل الدستوري، مما يجعلها حقيقة باقية مستمرة ودائمة.

    رابعاً: خضوع الدولة للقانون

    لم تعد الدولة المعاصرة، تلك الدولة الاستبدادية التي يختلط فيها القانون بإرادة الحاكم ومشيئته، وإنما هي أساساً دولة يسودها مبدأ سيادة القانون والشرعية، ومقتضى هذا المبدأ أن أعمال السلطات العامة في الدولة وقراراتها النهائية، على أي مستوى كانت من التدرج لا تكون صحيحة ولا منتجة لآثارها القانونية المقررة، في مواجهة المخاطبين لها، إلا بمقدار مطابقتها للقاعدة القانونية الأعلى التي تحكمها، وكذلك فإن إجراءات السلطات العامة، وأعمالها، وتصرفاتها كافة، لا تكون صحيحة، ولا منتجة لآثارها القانونية المقررة إلا بمقدار التزامها بما يقضي به القانون، فإن صدرت هذه أو تلك على غير مقتضى القانون الواجب التطبيق، فإنها تكون غير مشروعة، ويكون لذوي الشأن حق طلب إلغائها والتعويض عنها أمام المحاكم المختصة، ومن هنا كان استقلال القضاء ودعم هذا الاستقلال، من ألزم الضمانات لإقرار مبدأ سيادة القانون وتوكيده، وفي الحقيقة، فإن نقطة البدء في فهم الدولة القانونية وتصورها، تتمثل في قدرة التمييز بين فكرة السلطة السياسية pouvoir politique، والحكام governamts، فإذا كنا لا نحس بالسلطة في واقع حياتنا العملية إلا من خلال الحكام، وما يملكونه في مواجهتنا من قدرة الأمر والنهي، إلا أن هؤلاء الحكام لا يمارسون السلطة، بوصفها امتيازاً أو حقاً لهم، بل يظهرون في موقع السلطة من خلال وظائفهم، واختصاصاتهم المحددة لهم سلفاً في القانون، ويمثل الدستور قاعدة الأساس في هذا المجال، لأنه حين يحدد الاتجاهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العامة التي تعيش في ظلها أوجه النشاط الفردي والحكومي على السواء، وحين يعين الأشخاص والهيئات العامة التي يكون لها حق التصرف باسم الدولة في نطاق من هذه الاتجاهات العامة، فإنه يحدد طاعته فكرة القانون واجبة الاتباع التي يجب أن يلتزم بها الحكام إذا أرادوا لتصرفاتهم أن تكون مشروعة ونافذة.

    مهند نوح
                  

11-13-2010, 07:40 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    شكرا بدرالدين ..وعيدك سعيد ....الغرض هو مساهمة في فتح نافذه حتي ولو صغيرة لتعريف اشياء لا نتعنق في معرفتها وبالتالي نتعامل معها شكلا لا مضمونا فتتعرض حياتنا الي كثير من تعقيدات ...
                  

11-13-2010, 07:58 AM

بدر الدين احمد موسى
<aبدر الدين احمد موسى
تاريخ التسجيل: 10-03-2010
مجموع المشاركات: 4858

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    حل أزمة السودان يتمثل في دولة مدنية


    محمد ابراهيم نقد
    الحوار المتمدن - العدد: 425 - 2003 / 3 / 15
    المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع

    محمد ابراهيم نقد

    خلال الفترة 1990م ـ 1991م، وما بين الاعتقال والاقامة الجبرية، اصدر محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني ثلاث اوراق ارفقها باثنتين اخريين في منتصف 1994م، واعتبرت في مجموعها تدشينا لأطول مناقشة عامة من نوعها انتظمت الحزب بقرار صادر من لجنته المركزية في اغسطس 1991م، ولاتزال مستمرة حتى الان. وتتناول المناقشة جملة قضايا مهمة بالنسبة للشيوعيين السودانيين، ابتداء من مستقبل الاشتراكية ـ في ظروف الزلزال الذي تعرضت له بانهيار حائط برلين،
    واختفاء الاتحاد السوفييتي وما كان يعرف حتى مطالع تسعينيات القرن المنصرم بالمعسكر الاشتراكي ـ وانتهاء باسم الحزب نفسه في السودان. وحسب مصادر «بيان الاربعاء» فقد ساهم نقد، المختفي في قيادة العمل السري للحزب منذ ثماني سنوات، في هذه المناقشة العامة مرتين: المرة الاولى بإصداره عام 1998م ورقة بعنوان «مباديء موجهة للمناقشة العامة»، اما المرة الثانية فبهذه الورقة حول موقف الحزب من مفهوم «العلمانية»، اضافة الى تصوره لمفهوم «الدولة المدنية ـ المجتمع المدني ومنظماته».
    وقد حصل «بيان الاربعاء» على نسخة من هذه المساهمة، ونشرها فيما يلي، وذلك نظرا، من جهة، للمكانة السياسية والفكرية المتفردة التي يشغلها كاتبها بين القيادات التاريخية للحركة السياسية في السودان والمحيطين العربي والافريقي، ومن الجهة الاخرى لما يشكله موضوعها نفسه من أهمية بالنسبة للمحللين والباحثين حول مستقبل هذا الحزب، بحكم موقعه من خارطة القوى السياسية الفاعلة، وكذلك حول اجندة الصراع السياسي ومساراته ومآلاته في هذا البلد خلال المرحلة المقبلة.
    طرحنا مصطلح وتصور «الدولة المدنية» لأول مرة عام 1988م خلال المشاورات التي اجراها مجلس رأس الدولة مع الكتل البرلمانية بعد ان اقال الصادق المهدي حكومته الثانية، تمهيداً لتوسيع الائتلاف بإشراك الجبهة الاسلامية في الوزارة وفق شروطها بإجازة قوانين الشريعة خلال شهرين.
    استقبل هيئتنا البرلمانية باسفيكو لادو، عضو مجلس رأس الدولة، انذاك، بمكتبه بالقصر الجمهوري، وخلال المناقشة حول مصطلحات «دولة دينية، دولة علمانية، دستور اسلامي، دستور علماني» اكدنا للادو الحقائق التالية، لينقلها لمجلس رأس الدولة:
    ـ اننا لا نتقيد بحرفية المصطلحات، او بما اذا كان مصطلح «علمانية» بكسر العين ام بفتحها، وأننا نعطي الأسبقية للديمقراطية كحقوق وحريات وكنظام حكم ومؤسسات، وأننا نعارض الدولة العلمانية عندما تصادر الديمقراطية، مثل معارضتنا لدكتاتورية عبود، من جانب، ودخولنا، من الجانب الاخر، في صراع وصدام مع نظام مايو، سواء عندما بدأ يسارياً وعلمانياً، او عندما اعلن نميري قوانين سبتمبر عام 1983م ونصب نفسه اماما منذ ذلك الحين حتى اطاحت به الانتفاضة الشعبية في ابريل عام 1985م.
    ـ اننا لا نوافق على مشروع حكومة الوفاق، ليس رفضاً لمبدأ الوفاق، انما لكون المشروع يلتف حول شعار الانتفاضة الداعي لالغاء قوانين سبتمبر بدعوى الالتزام بقوانين بديلة تقدمها الجبهة الاسلامية لن تختلف عن تلك القوانين.
    ـ اننا نقدر حرص وجهود رأس الدولة لحل الازمة الوزارية، وتقريب وجهات النظر لنزع فتيل الاشتعال عن استقطاب «دولة علمانية، دولة دينية»، ونقترح مصطلح «دولة مدنية»، على اعتبار تعامل المجتمع السوداني في الشمال والجنوب مع القانون المدني والمعاملات المدنية، والقانون الشرعي والمحاكم الشرعية.
    لم تسفر جهود مجلس رأس الدولة عن تقارب او توافق في وجهات النظر، وشاركت الجبهة الاسلامية في الحكومة، وقدمت مشروع قانون الترابي وتداعت الأحداث حتى انقلاب يونيو 1989م.
    بعد تكوين «التجمع الوطني الديمقراطي» وتوقيع «ميثاقه» في اكتوبر 1989م، ثم انضمام الحركة الشعبية اليه عام 1990م، عقدت هيئة قيادة «التجمع» في الخارج دورة اجتماعاتها الثانية بلندن «26 يناير ـ 3 فبراير 1992م» بمشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي، حزب الامة، الحزب الشيوعي السوداني، المؤتمر السوداني الافريقي، النقابات، الحركة الشعبية، القيادة الشرعية للقوات المسلحة، وشخصيات وطنية.
    اجاز ذلك الاجتماع الدستور الانتقالي الذي يحكم به السودان، عقب الاطاحة بحكومة الجبهة الاسلامية القومية، خلال فترة انتقالية. وتقوم بمقتضى هذا الدستور هيئة تشريعية لوضع الدستور الدائم. كما أمن الاجتماع على بنود ميثاق التجمع التي تلزم الحكومة الانتقالية بعقد «المؤتمر الدستوري» لحسم قضايا «الهوية، وتحديد العلاقة بين الدين والدولة، واقتسام السلطة والثروة.. الخ».
    اشتمل الدستور الانتقالي على مواد وفقرات حول علاقة الدين والدولة والدين والسياسة تعبر عن الحد الادنى لاتفاق وجهات نظر الاطراف التي شاركت في الاجتماع، حيث تنص المادة «10» على أن: ـ تعامل الدولة معتنقي الاديان السماوية وأصحاب كريم المعتقدات الروحية دون تمييز بينهم فيما يخص حقوقهم وحرياتهم المكفولة لهم في هذا الدستور كمواطنين ولا يحق فرض اي قيود على المواطنين او مجموعات منهم على اساس العقيدة او الدين.
    ـ يهتدي المسلمون بالاسلام ويسعون للتعبير عنه.
    ـ يهتدي المسيحيون بالمسيحية ويسعون للتعبير عنه.
    ـ يحظر الاستخدام المسيء للأديان وكريم المعتقدات الروحية بقصد الاستغلال السياسي.
    في 17 ابريل عام 1993م أصدر التجمع اعلان نيروبي حول علاقة الدين بالسياسة، وقد نص على أن: ـ تعتبر المواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان جزءا لا يتجزأ من القوانين السودانية، ويبطل اي قانون يصدر مخالفاً لها ويعتبر غير دستوري.
    ـ يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيسا على حق المواطنة واحترام المعتقدات وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الذين او العرق او الجنس او الثقافة، ويبطل اي قانون يصدر مخالفاً لذلك ويعتبر غير دستوري.
    ـ لا يجوز لأي حزب سياسي ان يؤسس على أساس ديني.
    ـ تعترف الدولة وتحترم تعدد الاديان وكريم المعتقدات، وتلزم نفسها بالعمل على تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمساواة والتسامح بين الاديان وكريم المعتقدات، وتسمح بحرية الدعوة السلمية للاديان، وتمنع الاكراه او اي فعل او اجراء يحرص على اثارة المعتقدات الدينية والكراهية العنصرية في اي مكان او منبر او موقع في السودان.
    ـ يلتزم التجمع الوطني الديمقراطي بصيانة كرامة المرأة السودانية ويؤكد على دورها في الحركة الوطنية السودانية ويعترف لها بالحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الأديان.
    في يونيو 1995م انعقد مؤتمر القضايا المصيرية في اسمرة، وأجاز قراراً حول الدين والسياسة في السودان على النحو الآتي: ـ اعترافا بأن العلاقة بين الدين والسياسة تؤثر مباشرة على عملية بناء الامة السودانية.
    ـ وادراكاً لحقيقة التعدد الديني والثقافي والقومي في السودان.
    ـ واعترافاً بدور الاديان السماوية وكريم المعتقدات كمصادر للقيم الروحية والاخلاقية التي تؤسس للاخوة والتعايش السلمي والعدل.
    ـ وادراكاً لفظاعة انتهاكات نظام الجبهة الاسلامية لحقوق الانسان، والابادة الجماعية والتطهير العرقي باستغلالها للدين وباسم الجهاد زوراً.
    ـ وتصميماً لاقامة سلام عادل ودائم ووحدة وطنية مؤسسة على العدل والارادة الحرة لشعب السودان.
    ـ والتزاما بمبدأ عدم استغلال الدين في السياسة.
    يقر التجمع الوطني الديمقراطي التدابير الدستورية الآتية: ـ كل المباديء والمعايير المعنية بحقوق الانسان والمضمنة في المواثيق والعهود الاقليمية والدولية لحقوق الانسان تشكل جزءاً لا يتجزأ من دستور السودان، واي قانون او مرسوم او قرار او اجراء مخالف لذلك يعتبر باطلاً وغير دستوري.
    ـ يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيساً على حق المواطنة واحترام المعتقدات والتقاليد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين او العرق او الجنس او الثقافة، ويبطل اي قانون يصدر مخالفاً لذلك ويعتبر باطلاً وغير دستوري.
    ـ لا يجوز لاي حزب سياسي ان يؤسس على أساس ديني.
    ـ تعترف الدولة وتحترم تعدد الاديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمل على تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمساواة بين الاديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للاديان وتمنع الاكراه او اي فعل او اجراء يحرض على اثارة النعرات الدينية او الكراهية العنصرية في اي مكان او منبر او موقع في السودان.
    ـ يلتزم التجمع الوطني الديمقراطي بصيانة كرامة المرأة السودانية ويؤكد على دورها في الحركة الوطنية السودانية ويعترف لها بكل الحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الأديان.
    ـ تؤسس البرامج الاعلامية والتعليمية والثقافية القومية على الالتزام بمواثيق وعهود حقوق الانسان الاقليمية والدولية.
    في مايو 1999م اصدر مندوبو الحزب في التجمع في الخارج ورقة بعنوان «قضايا استراتيجية» عالجت عدة قضايا، من بينها فصل الدين عن السياسة، وذلك على النحو الآتي: ـ السودان متعدد الديانات والمعتقدات، حيث توجد اغلبية مسلمة، وكذلك مسيحيون ومعتقدات افريقية، من هنا شرط التسامح والاحترام في المعتقد الديني كمقدمة للمساواة في المواطنة، حيث لا تخضع المعتقدات لمعيار وعلاقة الاغلبية والأقلية، ومن هنا ايضا شرط اقرار حقيقة ان الدين يشكل مكوناً من مكونات فكر ووجدان شعب السودان، ومن ثم رفض كل دعوة تنسخ او تستصغر دور الدين في حياة الفرد، وفي تماسك لحمة المجتمع وقيمه الروحية والأخلاقية وثقافته وحضارته.
    ـ السودان على تعدد أديانه ومعتقداته سادته روح التعايش والتسامح الديني الى ان فرض الديكتاتور نميري قوانين سبتمبر ونصب نفسه اماما جائرا على بيعة زائفة، وما تبع ذلك من ترسيخ لدولة الارهاب والفاشية تحت حكم الجبهة الاسلامية الراهن. على خلفية هذا الواقع الموضوعي، وتأسيسا عليه، تستند الديمقراطية السياسية السودانية في علاقتها بالدين على مباديء النظام السياسي المدني التعددي، والتي تشكل في الوقت نفسه فهمنا لمعنى العلمانية. فمصطلح النظام المدني اقرب لواقعنا من مصطلح النظام العلماني ذي الدلالات الاكثر ارتباطا بالتجربة الاوروبية.
    ـ مباديء النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي هي: المساواة في المواطنة وحرية العقيدة والضمير بصرف النظر عن المعتقد الديني.
    المساواة في الاديان.
    الشعب مصدر السلطات، ويستمد الحكم شرعيته من الدستور.
    سيادة حكم القانون، واستقلال القضاء، ومساواة المواطنين امام القانون بصرف النظر عن المعتقد او العنصر او الجنس.
    كفالة حرية البحث العلمي والفلسفي وحق الاجتهاد الديني.
    ضمان الحقوق والحريات الاساسية، السياسية، المدنية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية، وضمان حقوق الانسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية.
    الالتزام التام بما اجمعت عليه الحركة السياسية السودانية في اعلان نيروبي بالنسبة للتشريع، ووفق هذه المباديء يمكن ان تتسع الاجتهادات لكي تشمل مصادر التشريع الديني، وعطاء الفكر الانساني، وسوابق القضاء السوداني.
    في السرد التوثيقي «1»، «5» اعلاه فقرتان محوريتان هما: ـ «.. من هنا ايضا شرط اقرار حقيقة ان الدين يشكل مكوناً من مكونات فكر ووجدان شعب السودان، ومن ثم رفض كل دعوة تنسخ او تستصغر دور الدين في حياة الفرد، وفي تماسك لحمة المجتمع وقيمه الروحية والاخلاقية وثقافته وحضارته».
    ـ «.. على خلفية هذا الواقع الموضوعي وتأسيساً عليه تستند الديمقراطية السياسية السودانية في علاقتها بالدين على مباديء النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي، والتي تشكل في الوقت نفسه فهمنا لمعنى العلمانية، فمصطلح النظام المدني أقرب لواقعنا من مصطلح النظام العلماني ذي الدلالات الاكثر ارتباطاً بالتجربة الاوروبية».
    هكذا اكتمل تصورنا لمفهوم الدولة المدنية ومحتواه من خلال الجهد الجماعي المشترك للحركة السياسية السودانية، ومعاناتها للانعتاق من الاستقطاب العقيم المغلق «دولة دينية ـ دولة علمانية». وكانت اللحظات الفارقة في ذلك الجهد مؤتمر لندن فبراير 1992م، واعلان نيروبي ابريل 1993م، ومؤتمر القضايا المصيرية ـ اسمرا يونيو 1995م. ويمكن تلخيص وطرح العناصر والمكونات الاساسية لهذا التصور على النحو التالي: ـ لسنا ملزمين بنماذج العلمانية في انجلترا او اميركا او فرنسا، او نموذج العلمانية من فوهة البندقية في تركيا، انما نتعامل معها من حيث التعامل مع تجارب شعوب العالم، فضلا عن ان الترجمة العربية لمصطلح العلمانية ملتبسة: «بفتح العين» غيرها «بكسرها».
    ـ نركز في طرحنا لتصورنا على اسبقية الديمقراطية، وتأكيد أن العلمانية ليست بالضرورة ديمقراطية، مثال دولة ستالين، موسوليني، بيونشيه.. الخ.
    ج ـ نركز على تجربة الدولة السودانية ونماذجها الدينية او التي اقحم عليها الدين: ـ الدولة المهدية وليدة ثورة وطنية استعادت للسودان سيادته لكن مذهبية التدين، اقصت طرقا صوفية مؤثرة وقبائل ذات شوكة بسبب عدم اقتناعها بمهدية المهدي من منطلق فقهي محض وعن حمية قبلية ان تخضع لكيان قبلي اخر، دون ان تكون تلك الطرق وهاتيك القبائل موالية للتركية ابتداء.
    تجربة مايو الامامية وقوانين سبتمبر والقطع والبتر والصلب والتشهير واسلمة النظام المصرفي لاثراء الفئات الطفيلية ونسف الوحدة الوطنية والسلام المستعاد بعد حرب دامت 18 عاما بخرق اتفاقية اديس ابابا والتجريم والتكفير فيما اجاز فيه الشرع الاجتهاد كاعدام محمود محمد طه.
    تجربة الانقاذ وويلاتها الماثلة.
    لا نتخذ من قضية الجنوب تكأة او ذريعة رغم الاهمية الحاسمة لوحدة الوطن واستعادة السلام فالدولة العلمانية الفيدرالية او الكنفدرالية في الجنوب كحل مفاضلة للوحدة مع دولة دينية في الشمال، ليست ضمانة للديمقراطية في الجنوب بدليل دول افريقيا المجاورة وجامع الديكتاتورية العلمانية في كل تواصل طرحنا للدولة المدنية حتى لو انتصر اتفاق فرانكفورت في الجنوب.
    محصلة تجارب الحركة السياسية السودانية منذ الاستقلال اثبتت وباغلى التضحيات والزمن المهدر استحالة ان يفرض اتجاه فكري او سياسي واحد تصوره للدستور حتى لو توفرت له الاغلبية البرلمانية، امام معادلة الفارق القومي والاثني والديني او توفرت له السطوة العسكرية الشمولية (راجع مضابط لجنة الدستور الاولى 1957م واللجنة الثانية 1968م، ودستور نظام مايو لسنة 1973م ودستور نظام الانقاذ لسنة 1998م).
    ـ لقد شهد السودان حالتين استثنائيتين الاولى دستور ستاتلي بيكر للحكم الذاتي والاجماغ الوطني حوله كامتداد للاجماع الوطني حول الاستقلال من داخل البرلمان والثانية في ثورة اكتوبر والاجماع الوطني حول تعديل ذلك الدستور.
    ـ اما تجربة الانتفاضة 1985م فقد شابتها سلبيات تدخل المجلس العسكري الانتقالي والتفافه على ميثاق الانتفاضة الذي نص على دستور 56 المعدل 64 بتعيين لجنة لوضع دستور انتقالي انتقاها من حزبي الامة والاتحادي اضافة للقضاء العسكري كما انتقى لها ميرغني النصري من التجمع النقابي وتحايل على اختيار ممثل للجبهة الاسلامية بان اختار حافظ الشيخ الزاكي من مكتب النائب العام وكان الهدف من كل ذلك التحاليل هو ضمان النص على الشريعة في الدستور وفق تصورات الجبهة الاسلامية القومية واول ما يفصح عن (النوايا المبيتة) الاهمال المتعمد لتمثيل الجنوب في تلك اللجنة التي مارست مهامها بعيدا عن الرأي العام حتى اجيز الدستور الانتقالي في القصر بحضور المجلس العسكري ومجلس الوزراء، ثم ادخلت الجمعية التأسيسية، في وقت لاحق، تعديلات على ذلك الدستور الانتقالي، قبل ان يطيح به انقلاب الجبهة الاسلامية القومية في الثلاثين من يونيو 1989 ـ عينت حكومة الانقلاب «الانقاذ» لجنة قومية لوضع دستور دائم للبلاد، انجزت اللجنة مهمتها وسلمت المشروع للقصر، ولكنه خرج منه على سحنة غير التي دخلها بها، وقد اجازه المجلس الوطني لاحقا بهذه السحنة.
    اعد التجمع الوطني مشروعه لدستور الفترة الانتقالية في حالة انتصاره واقصاء الانقاذ ريثما تقوم بمقتضاه هيئة تشريعية لوضع الدستور الدائم «وثائق، مؤتمر لندن، فبراير 1992».
    اعلنت الانقاذ استعدادها، في حالة نجاح مساعي حل الازمة الوطنية بالتفاوض، لادخال تعديلات على دستورها دون مساس بالثوابت، وافق حزب الامة على ذلك، واقترح العمل بمسودة دستور الانقاذ التي اقرتها اللجنة القومية مع ادخال بعض التعديلات.
    اقترح التجمع الوطني وضع دستور تتفق عليه الاطراف التفاوضية، فلا هو بالدستور الانتقالي للتجمع ولا هو بالدستور الدائم للانقاذ.
    طرحت المبادرة المصرية الليبية المشتركة، من جانبها، تصورها او مقترحاتها للفترة الانتقالية ولاجراء تعديلات على دستور الانقاذ.
    هكذا نستطيع ان نرى بوضوح كيف ان قضية الدستور مازالت في قلب قضايا الصراع السياسي الاجتماعي حول حاضر ومستقبل السودان، وستظل حتى حل القضايا المصيرية، والاتفاق على الدستور الذي يقننها، لهذا علينا ان نواصل ونطور قدراتنا السياسية والفكرية في قضايا الدستور، وان نحرص على العطاء المسهم في الاجماع الوطني حول اساسيات الدستور، وكسر حاجز الاستقطاب المطلق، العقيم، والانطلاق الى فضاءات الحوار الحر، والقواسم المشتركة.
    التربية والأخلاق والقوة ثم القانون نزيد تصورنا للدولة المدنية وضوحا، وكذلك ما يميزها من العلمانية المنبثقة عن عصر الاصلاح الديني اللوثري وعصر التنوير في غرب أوروبا. إنها، مثلا، لا تصادر او تمانع تدريس مادة الدين في مناهج التعليم، مع مشروعية الاختلاف حول المنهج كيلا يتحول الى امتداد لبرنامج حزب سياسي بعينه، الجبهة الاسلامية مثلا.
    الدولة المدنية لا تتخذ موقف اللامبالاة تجاه مظاهر التفسخ والانحلال في المجتمع، ولا تسمح بأن يتحول المجتمع الى خمارة أو ماخور، أو أن ينحدر الشباب الى مهاوى الضياع. لكن اداتها لضمان ذلك ليس قانون ومحاكم وشرطة النظام العام، حسب النهج الذي يتبعه حاليا نظام الانقاذ، وانما واعز التربية ا السياسية والثقافية، واعز الدين والاخلاق ومثال القدوة الحسنة في الأسرة والمجتع، ثم من بعد ذلك، وليس قبله بأي حال، واعز القانون وعقوباته.
    لسنا ملزمين، ولا حتى مهتمين بالانشغال بالدفاع عن مجتمعات العلمانية الغربية، لكن بعض الحجج التي يسوقها دعاة الهوس الديني والتطرف والدولة الدينية، تتمادى في تشويه الواقع وانكار الحقائق. مثال ذلك الادعاء العريض حول طرد الدين من الحياة والمجتمع في الغرب، مع انهم يعلمون ان ملكة بريطانيا تحتل منصب رأس الكنيسة، مما كثر اجتراره في معرض التدليل على خطل ذلك الترويج الشائه، ويعلمون قوة ونفوذ اللوبي الكنسي في الولايات المتحدة الاميركية وصوته الراجح في انتخابات الرئاسة والكونغرس وقد نشرت مجلة نيوزويك نتاج المسح الذي جرى عام 1991م لمستوى التدين في اميركا حيث 42% من البالغين ينتمون الى كنيسة و42% يؤدون صلاة الاحد في الكنيسة، اما الاحزاب السياسية الاوروبية ذات الطابع الديني ـ مثل الديمقراطي المسيحي في ايطاليا أو المانيا ـ فقد شاركت في وضع الدستور العلماني الديمقراطي والتزمت به، وبما يتفرع عنه من تشريع في الممارسة كما يعلمون ان فرنسا بكل زخم ثورتها 1789م فصلت الدولة عن الكنيسة ثم تبنت دولتها الكنيسة حتى نالت لقب طفل الكاثوليكية المدلل، ولم يصدر تشريع الفصل إلا في العقد الاول من القرن العشرين عام 1905 بعد اكثر من قرن على الثورة، وفي المقابل لم تعترف الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية بوثيقة حقوق الانسان والمواطن الصادرة عن الثورة الفرنسية إلا في عام 1966م اي بعد 168 عاماً.
    فصل الدولة عن الكنيسة لا يعني اقصاءها عن المجتمع أو مصادرة دورها الروحي، لكن مناخ الديمقراطية اجبر الكنيسة ان تحد من غلوائها وتتصالح مع التاريخ، وتصحح بعض احكامها الجائرة، مثال لذلك ان الكنيسة قد راجعت، في عام 1920م ادانتها لجان دارك في القرن السادس عشر بالهرطقة والسحر، بل وعمدتها قديسة بعد 500 سنة، كما راجع الفاتيكان، في عام 1992، ادانته للعالم غالليلو غاليليه، وذلك على ضوء تأويل او تفسير معاصر للكتاب المقدس، اقراراً بالحقيقة العلمية القائلة بأن الارض تدور حول الشمس، كذلك اصدرت الكنيسة الكاثوليكية في فبراير عام 2000م اعتذاراً عن حرق محاكم التفتيش للعالم جوردانو برونو، وربما كان من المناسب الاشارة، ضمن هذا السياق، الى ان قائد الحركة الاسلامية التونسية راشد الغنوشي كان قد اقترح في منتصف تسعينيات القرن الماضي رد الاعتبار للفكر المعتزلي ورواده، مما يعد فكرة جديدة في الفكر السني الاشعري باطنه بالتعديلات الملحقة بمتنه، ولكن ما تراكم من تجارب وماتبعها من تطور يتجدد في الدساتير المتعاقبة يشكل رصيداً لا يستهان به، ولعل التعامل معه افضل من الازدراء العدمي، دعاة التعصب والاقصاء يهابون الحوار، ولان ديدنهم الاملاء ويسارعون لسد منافذ تجديد الفكر مهمتنا فتح منافذ الحوار لهزيمة التعصب في حلبة الصراع الفكري.
    لا ديمقراطية مستدامة مع مظالم اجتماعية وقومية مستدامة، ولا ديمقراطية مستدامة مع جماعات التطرف والارهاب، سواء من منطلقات دينية او علمانية، يمينية او يسارية.
    منذ اعلان نيروبي ابريل 1993م تواترت وجهات نظر وتصورات عدة حول الدستور والدولة، «دولة المواطنة، دولة مدنية، دستور محايد تجاه الاديان ان لا ينص الدستور على دين الدولة» وكلها محاولات جادة لحل تجاوز ازمة الدولة الدينية في وطن متعدد الاديان والمعتقدات، حيث لا تخضع المعتقدات الدينية لمعيار الاغلبية والاقلية.
    الحوار الجاد المستنير مع هذه الاجتهادات يلزمنا ان نطور طرحنا وتصورنا للدولة المدنية وعناصرها ومكوناتها «حقوق طبيعية، حقوق مدنية، مجتمع مدني، دستور مدني، دولة مدنية» من حيز الشعار او البيان السياسي الى مستوى المعالجة النظرية عمقا واتساعا، كيلا يضاف الى ركام الشعارات التي تزحم الآفاق ثم ما تلبث ان تنزلق من ذاكرة المواطنين دون ان تستقر في وجدانهم.
    تصورنا لمفهوم الدولة المدنية ليس تصوراً اكاديمياً معزولاً عن هموم المجتمع وصراعاته الماثلة، او عن مهام التغيير الاجتماعي نحو الديمقراطية والسلام والوحدة والتنمية. لهذا لابد من متابعة ودراسة التشوهات التي اضافتها شمولية الانقاذ على جهاز الدولة وصوغ منهج لاصلاحها. وفي ذات الوجهة لابد من ان نشرح ونوضح تمايز تصورنا للمجتمع المدني ومنظمات المجتمع المدني عن التصور الذي تطرحه المؤسسات الاميركية والاوروبية التي تمول وترعى منظمات المجتمع المدني في السودان ودول العالم الثالث، وتسعى لاستنساخها على نماذج جماعات الضغط والمصالح الخاصة (اللوبيات) في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، دونما اعتبار لخصائص وسمات مجتمعاتنا المتخلفة.
    نستند في توضيح تصورنا الى واقع وتاريخ المجتمع السوداني وتجربة شعب السودان الذي بادر، منذ سنوات باكرة، بتأسيس وتنظيم الاندية والفرق الرياضية والمسرحية والجمعيات التعاونية والخيرية والمدارس، والصحف والنقابات والاتحادات والاحزاب ولجان الدفاع عن الحريات ولجان التضامن مع شعوب العالم، ومارس حقه في التظاهر والاعتصام والاضراب، وتوسل بزخم هذه التنظيمات، على تفاوت قدراتها ونال استقلال الوطن، ومارس بكفاءة مشهودة العصيان المدني، واسقط الدكتاتورية العسكرية الاولى والثانية، وما زال مشتبكاً في صراع مع الدكتاتورية الثالثة، لقد راكم شعب السودان كل هذا الرصيد من التجربة والمعرفة قبل ان يدخل مصطلح المجتمع المدني في التداول شفاهة او كتابة، وانجز شعب السودان تشييد هذا الهيكل المهيب من التنظيمات والمؤسسات بالتضحية، والعمل الطوعي، وتنظيم يوم العمل الطوعي، وجمع التبرعات النقدية والعينية.. الخ. وهذا تقليد يتعارض مع العمل (الطوعي) مدفوع الاجر الذي تمارسه منظمات المجتمع المدني في البلدان الرأسمالية المتقدمة.
    وتتصور المؤسسات الاميركية والاوروبية، ان منظمات المجتمع المدني تمثل البديل المستقبلي للاحزاب والنقابات والمنظمات الجماهيرية وانها تؤدي وظيفة تطويق وتلطيف الصراعات الطبقية والقومية، وحماية السلام الاجتماعي في المجتمع الرأسمالي.. الخ. وقد ساد هذا التصور خلال فترة (دولة الرفاه) التي تحملت بعد الحرب العالمية اعباء الضمانات الاجتماعية، وخدمات التعليم، والصحة، وحق العمل.. الخ. ولكن تلك التصورات بدأت تتراجع منذ نهاية السبعينيات وصعود برنامج الليبرالية الجديدة للسلطة (تاتشر في بريطانيا وريغان في اميركا)، حيث انتصر برنامج حرية السوق، وتراجع الدولة عن التزاماتها الاجتماعية، وتصفية المكاسب الاجتماعية التي حققتها النقابات، وكان من نتائج سياسات الليبرالية الجديدة ان تصاعدت حدة الصراع الاجتماعي في اوروبا واميركا، واتسعت موجة الاضطرابات وحركة الاحتجاج ضد العولمة وآلياتها ونتائجها. واذا سلمنا جدلاً بأن منظمات المجتمع المدني في اوروبا واميركا يمكن ان تلعب دور تطويق الصراع الطبقي وحماية السلام الاجتماعي، فهل تستطيع ان تلعب ذات الدور في المجتمعات المتخلفة؟ المنظمات التي نشأت في السودان خلال عقد التسعينيات وما بعدها تحت اسم منظمات المجتمع المدني، يمكن ان تقدم خدمات للمجتمع السوداني في حدود تخصصاتها واغراضها، اذا التزمت اسلوب الديمقراطية والشفافية في نشاطها، وفتحت صفوفها لكل الراغبين في المشاركة، كيما تبعد عن نفسها اتهامات وشبهات (الشللية) وكونها مجرد مشروعات (للاعاشة) او مطايا لكورسات (السفر والسياحة).. الخ.
    موقفنا واضح ومحدد ويتلخص في ان منظمات المجتمع المدني التي نشأت كامتداد للمنظمات والمؤسسات في اميركا واوروبا ليست مجالاً للصراعات الحزبية او الاستقطاب الحزبي، ولكنها ايضاً ليست بديلاً للاحزاب والنقابات والمنظمات الجماهيرية او النشاط الجماهيري السياسي والنقابي والاجتماعي والثقافي.
    من أراد ان يؤرخ لميلاد منظمات المجتمع المدني في السودان، ويستخدم المصطلح بأثر رجعي، فليبدأ بشهادة نادي الخريجين عام 1918م وهي شهادة ميلاد اصلية ليست تسنينا او بدل فاقد، ثم ميلاد جمعية الاتحاد السوداني، وصحيفة الحضارة، وجمعية اللواء الابيض والمظاهرات التي مهدت لثورة 1924م وما تلاها من تداعيات وأحداث حتى يومنا هذا. وكل من يؤرخ للمجتمع السوداني بحيدة وأمانة لابد ان يلحظ الحيوية الكامنة في كيانه، ونزوعه وقدراته في تأسيس التنظيمات، سياسية كانت ام نقابية، ثقافية ام اجتماعية او حتى لاشباع الهوايات وتطوير المواهب. واذا كان مصطلح المجتمع المدني ومنظماته قد نشأ وتبلور مع نشأة المجتمع الرأسمالي في غرب أوروبا، فإن الكيانات التقليدية السابقة للرأسمالية في السودان، قد افرزت تنظيمات تندرج في اطار منظمات المجتمع المدني، فالطوائف الدينية افرزت احزابا سياسية، والقبائل افرزت الروابط التي بادرت برفع شعار تصفية الادارة الاهلية في ثورة اكتوبر عام 1964م.
    من جهة اخرى، فإن كل من يؤرخ للمجتمع السوداني بعين فاحصة لابد ان يصل الى نتيجة مفادها ان ترسانة القوانين القمعية المتراكمة والمتوارثة منذ عهد الاستعمار، وما اضافته اليها الدكتاتوريات المتعاقبة، لم تفلح في اقتلاع تلك التنظيمات من جذورها، بل ظلت تبقى دائما في حالة كمون مؤقت ريثما تبحث عن اساليب مناسبة للنشاط والصراع، حتى تفرض وجودها، وتستعيد حريتها، وتتخطى تلك القوانين. غير انها كثيرا ما تغفل او تتناسى ضرورة المتابعة والمثابرة والاصرار على الغاء تلك القوانين واستبدالها بتشريعات تضمن حرياتها. وربما كانت هذه الظاهرة هي احدى سلبيات ثقافتنا السياسية القانونية التي ادت الى تراكم قوانين قمعية عدة في حالة (تجميد) او تسربها الى تشريعات جديدة. ام لعل المسألة برمتها ناتجة عن ان السودان لم ينعم بعد بدستور دائم! تلك معضلة يستفتى فيها رجال القانون الدستوري، ولكن واقع الحال يشير الى ان اتحاد عام نقابات عمال السودان، ظل منذ تأسيسه عام 1951م غير مسجل، ولم تعترف به الحكومات المتعاقبة الا في عام 1966م، ولكن عدم التسجيل لم يحرمه من ممارسة دوره المشهود في الحركة النقابية والسياسية.
    تصنيف الدولة (دينية ـ علمانية ـ مدنية) لايعفينا من تطوير ثقافتنا ومعرفتنا بنظرية الدولة، في حد ذاتها، كظاهرة تاريخية اجتماعية، بدلا من القناعة الكسولة بتوصيفها او تصنيفها. ولعل افضل مدخل يتناسب وقدراتنا النظرية الاولية والمتواضعة، ان نبدأ بدراسة الدولة السودانية ونشأتها وأطوار تجلياتها المتعاقبة، دون ان نحشرها قسرا في قوالب وأطوار الدولة الاوروبية الحديثة (القرون الوسطى، عصر النهضة، عصر التنوير، ثم الثورة البرجوازية).. الخ
    لا ننفي او ننسخ ما هو عام في ظاهرة الدولة في تاريخ المجتمع الانساني، لكن لكل دولة ما هو خاص تنفرد به، وواجبنا ان نستخلص تفرد وخصوصية الدولة السودانية، ولا نحولها الى مسرح تستعاد عليه مسرحية الدولة الاوروبية، مأساة كانت ام ملهاة وفق تفسير كارل ماركس للقول الشائع: التاريخ يعيد نفسه؟!
    جريدة البيان 28 أغسطس 2002
                  

11-13-2010, 08:00 AM

بدر الدين احمد موسى
<aبدر الدين احمد موسى
تاريخ التسجيل: 10-03-2010
مجموع المشاركات: 4858

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: بدر الدين احمد موسى)

    الدولة المدنية صورة للصراع بين النظرية الغربية والمُحْكَمات الإسلامية‏

    محمد بن شاكر الشريف
    http://www.saaid.net/Doat/alsharef/37.htm
    ‏(1-2)‏
    مقدمة: ‏
    منذ عهد الاستعمار الحديث الذي حل بربوع المسلمين، الذي سموه زورا وبهتانا بعصر التنوير، ‏بدأت تطرق آذاننا ألفاظ لمسميات لم نسمع بها من قبل ذلك نحن ولا آباؤنا، من ذلك كلمة "الدولة ‏المدنية" التي يبشر القائلون بها والداعون إليها، بأن كل أزمات المسلمين في العصر الحاضر من الاستبداد ‏السياسي إلى التخلف التقني، إلى الفقر والبطالة وتدني الخدمات، أن كل ذلك سيزول بمجرد أن تتحول ‏دولنا إلى دول مدنية، ولما كانت المنافع المعلقة على هذا التحول منافع كبيرة يحرص كل إنسان يريد الخير ‏لأمته ومجتمعه على الحصول إليها، كان لا بد لنا من معرفة مدلول هذا اللفظ حقيقة قبل قبوله والدعوة ‏إليه، حتى لا نذهب إليه ثم يتبين لنا ما فيه من الفساد العريض، لكن بعد أن يكون فات القطار، فماذا ‏تعني الدولة المدنية؟
    هل يراد بالدولة المدنية، التعليم الحديث واستخدام التقنية المعاصرة في شتى مناحي الحياة ‏والإدارة الحديثة، والتوسع في العمارة وإنشاء الطرق السريعة؟ قد يكون هذا بعض المطلوب، لكن هل ‏هذا هو المطلوب أو كل المطلوب؟ وهل يكفي أم لا بد من شيء آخر؟ وهل الشيء الناقص يعد جوهريا ‏أو ثانويا؟ ولما كان الحديث طويلا متشعبا لكثرة المتكلمين في ذلك فقد لا نتمكن من إيراد كل ما قيل في ‏الموضوع، لكننا نأمل أن تكشف لنا هذه الورقة عن حقيقة ذلك الأمر

    الدولة المدنية في التراث الإسلامي: ‏
    بالتقليب في كتبنا السابقة التي تحدثت عن الأحكام السلطانية أو السياسة الشرعية لا نجد لهذا ‏المصطلح وجودا مع أن مفرداته "الدولة" و"المدنية" هي من مفردات لغتنا، مما يتبين معه أن المصطلح ‏مستورد من بيئة غير بيئتنا-وهذا في حد ذاته ليس عيبا، لو كان لا يحمل مضمونا مخالفا لما هو مقرر في ‏ديننا-وعليه فإن محاولة البحث عنه في تراثنا لن تجدي شيئا، وعلينا أن نبحث عن معناه في البيئة التي ‏ورَّدته إلينا ثم ننظر في معناه في تلك البيئة هل يناسبنا فنقبله أم يتعارض مع ديننا فنرفضه؟ .‏
    ولعل هذا ما دعا بعض الكتاب إلى القول: "بما أن مصطلحات‎ ‎الدولة‎ ‎المدنية، والدينية ‏‏(الثيوقراطية)، و(الأوتوقراطية) مصطلحات نشأت في الغرب‎ ‎أساساً، فلا بد قبل أن نسعى إلى تطبيقها ‏على واقعنا، أو نقرر رفضها وقبولها اجتماعياً ودينياً، أن نستوعب معانيها كما هي في الثقافة التي أنشأتها، ‏وأي منها يتعارض مع‎ ‎الإسلام ويتفق معه"‏ ‏.‏

    لكن عدم وجود المصطلح نفسه في تراثنا، هل يعني أن المضمون الذي يحمله-سواء بالسلب أو ‏الإيجاب-لم يكن موجود أيضا؟.‏
    ‏ الدَّوْلة تعني في اللغة الغلبة، والغلبة يترتب عليها سلطان للغالب على المغلوب، ومن هنا يمكن ‏القول أن العامل الأساس في تعريف الدولة هو السلطان أو السلطة، فإنه راجع إلى أصلها اللغوي، وفي ‏كثير من كتب القانون الدستوري يعرفون الدولة عن طريق بيان أركانها دون الحديث عن ماهيتها، ‏وأركان الدولة كما يجيء في هذه الكتب ثلاثة: ركن جغرافي يطلق عليها لفظ إقليم وهو متمثل في قطعة ‏محددة من الأرض ، وركن إنساني يطلق عليهم شعب وهو متمثل في مجموعة من الناس تعيش في هذا ‏الإقليم ، وركن معنوي يطلق عليه السلطة العامة المستقلة ذات السيادة وهو متمثل في الحكومة التي تملي ‏إرادتها على ذلك الإقليم وما حواه من مخلوقات أو موجودات، وهذا الركن الأخير يتفق مع المعنى ‏اللغوي في الدلالة على الدولة.‏

    ‏ وإذا كان كثير ممن كتب في السياسة الشرعية يقتصرون في كلامهم على ما يتعلق بالدولة في ديار ‏الإسلام، ولا يتعدون ذلك إلى تفسير تنوع الدول، فإننا نجد ابن خلدون رحمه الله تعالى يقدم تفسيرا في ‏ذلك حيث يبين أنه نظرا لاختلاف الإرادات والمقاصد بين الناس وملوكهم فقد يجر ذلك إلى هرج ‏وتقاتل فكان لا بد للتغلب على هذا الاحتمال من " أن يرجع في ذلك إلى قوانين سياسية مفروضة يسلمها ‏الكافة، وينقادون إلى أحكامها كما كان ذلك للفرس وغيرهم من الأمم، وإذا خلت الدولة من مثل هذه ‏السياسة لم يستتب أمرها، ولا يتم استيلاؤها: " سنة الله في الذين خلوا من قبل"، ثم يبين أنواع السلطة في ‏الدولة فيقول: " فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء وأكابر الدولة وبصرائها كانت سياسة ‏عقلية، وإذا كانت مفروضة من الله بشارع يقررها ويشرعها كانت سياسة دينية نافعة في الحياة الدنيا وفي ‏الآخرة" فهو يفرق هنا بين سياسة عقلية وهي الأشبه بما يدعونه الدولة المدنية، وبين سياسة دينية ثم ‏يقدم رحمه الله تعالى أصول التنوع الكامل للدول فيقول: "أن الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى ‏الغرض والشهوة، والسياسي هو حمل الكافة على مقتضي النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع ‏المضار، والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة ‏إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن ‏صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به"‏ ‏ فكانت الدولة عنده ثلاثة أنواع: فدولة قائمة على ‏حمل الناس على مقتضى الغرض والشهوة وهي ما يمكن أن نطلق عليه الدولة المستبدة، أو الديكتاتورية، ‏ودولة قائمة على حمل الناس على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار، وهي ما ‏يمكن أن نطلق عليه الدولة المدنية، ودولة قائمة على حمل الناس على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم ‏الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الدولة الإسلامية أو الشرعية ‏

    الدولة المدنية في الثقافة الغربية: ‏
    الدولة المدنية: "هذا مفهوم مترجم ومعرب من الثقافة الغربية الحديثة ويقصد به الدولة التي ‏تستقل بشئونها عن هيمنة وتدخل الكنيسة، فالدولة المدنية هي التي تضع قوانينها حسب المصالح ‏والانتخابات والأجهزة والتي في نفس الوقت لا يخضع لتدخلات الكنيسة"‏ ‏ والكنيسة في الغرب كانت ‏هي راعية الدين والممثلة له، فاستقلال الدولة المدنية عن تدخل الكنيسة ووضعها للقوانين حسب ‏المصالح، معناه عند القوم استقلالها عن الدين ‏ وهو ما يعني أن الدولة المدنية هي الدولة العلمانية.‏
    ‏ ويقول كاتب آخر: "فمن الناحية التاريخية إذا رجعنا إلى أصل اصطلاحها الغربي، نجد أن للدولة ‏المدنية مفهوما فلسفيا- سياسيا، مناقضا للدولة الدينية (الثيوقراطية)، والتي يتأرجح مفهومها (نظريا) ‏بين حكم رجال الدين وتحكيم الدين نفسه في السياسة، بغض النظر عن طبيعة من يحكم به ! ويتمثل ‏مفهومها عمليا بتنحية الدين عن السياسية مطلقا، باعتبار الدين هو مجموعة قوانين إلهية مميزة للدولة ‏الدينية... فكانت الدولة المدنية بمبدئها الرافض لتدخل الدين في السياسة دولة علمانية.. وأنها تمثل عبر ‏التاريخ سواء في الشرق أو الغرب عند دعاتها إطارا سياسيا للعلمانية قابلا لتوظيف أي اتجاه فلسفي ‏إيديولوجي في الحياة بشرط تنحية الدين عن السياسية"‏ ‏. "الحكومة المدنية في الفضاء المعرفي الغربي تعني ‏تنظيم المجتمع وحكمه بالتوافق بين‎ ‎أبنائه بعيدا عن أي سلطة أخرى سواء دينية أو غيرها، أي إن شرط ‏‏(العلمانية) أساسي في‎ ‎تلك الحكومات"‏
    ‏ وإذا رجعنا إلى الوراء ثمانين سنة إلى أول من أدخل هذه المصطلحات إلى بيئتنا أو من يُعد من ‏أولهم نجد الكلام نفسه حيث يقول: "طبيعي ومعقول إلى درجة البداهة أن لا توجد بعد النبي زعامة ‏دينية، وأما الذي يمكن أن يتصور وجوده بعد ذلك فإنما هو نوع من الزعامة جديد ليس متصلا بالرسالة ‏ولا قائما على الدين، هو إذن نوع لا ديني، وإذا كانت الزعامة لا دينية فهي ليست شيئا أقل ولا أكثر من ‏الزعامة المدنية أو السياسية، زعامة الحكومة والسلطان لا زعامة الدين وهذا الذي قد كان"‏ ، فالدولة ‏‏(الزعامة) المدنية عنده هي دولة (زعامة) لا دينية .‏

    والمتابع لما يكتب هذه الأيام عن الدولة المدنية يمكنه رصد اتجاهات أربعة في بيان ما تعنيه الدولة ‏المدنية ، كلها تدور حول ما تقدم من معنى سواء بالموافقة عليه أو المخالفة له
    الاتجاه الأول: وهو يمثل من قَبِل هذا المصطلح كما جاء من الغرب:‏
    وهذا الاتجاه يمكن تقسيمه إلى فئتين:‏
    فئة قبلت اللفظ ومفرداته لكن لم تصل به إلى غايته، أما الفئة الثانية فقد وصلت باللفظ إلى غايته ‏وصرحت بأن الدولة المدنية هي الدولة العلمانية:‏
    الفئة الأولى: فإذا ذهبنا إلى من قَبِل هذا المصلح في بيئتنا العربية لننظر كيف تلقوه عن الغرب ‏وكيف يفهمونه، فإننا نجد من يقول مبينا خصائص هذه الدولة: والدولة‎ ‎المدنية هي الدولة التي تقوم ‏على المواطنة وتعدد الأديان والمذاهب وسيادة القانون ، ومن يقول: الدولة المدنية هي الدولة التي يحكم ‏فيها أهل الاختصاص في الحكم والإدارة والسياسية والاقتصاد ... الخ وليس علماء الدين بالتعبير ‏الإسلامي أو " رجال الدين " بالتعبير المسيحي"‏
    ومن يقول: الدولة المدنية هي دولة المؤسسات التي تمثل الإنسان بمختلف أطيافه الفكرية ‏والثقافية والأيدلوجية داخل محيط حر لا سيطرة فيه لفئة واحدة على بقية فئات المجتمع الأخرى، مهما ‏اختلفت تلك الفئات في الفكر والثقافة والأيدلوجيا ‏.، ‏
    لكن هذا الكلام إذا أُخذ مفصولا عن لواحقه فقد لا يتبين منه شيء، فهو كلام محتمل يسهل ‏التخلص من لوازمه، لذا لو رجعنا إلى تفصيلات الكلام فإنها تكشف كثيرا من هذا الإجمال أو ‏الغموض، ففي تفصيلات الكاتب الأول ، نجده يضع الدولة المدنية في مقابل ما يسمونه بالإسلام ‏السياسي، ما يعني أن علاقة هذا المصطلح في فهمهم بالإسلام ليست علاقة توافق، وإنما هي علاقة ‏تعارض.‏
    ‏ والحقيقة أنه ليس هناك ما يمكن أن يسمى إسلاما سياسيا وإسلاما غير سياسي، فتلك مسميات ‏ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، فالإسلام هو الدين الذي رضيه رب العباد للعباد، بما فيه من عقائد ‏وعبادات وتشريعات ومعاملات، فتقسيم الإسلام إلى سياسي وغير سياسي ونحو ذلك من ‏المصطلحات، وقبول ما يزعمونه بأنه إسلام غير سياسي وينعتونه بالإسلام المعتدل، ورفض ما يسمونه ‏بالإسلام السياسي وينعتونه بالإسلام المتشدد، هو مناظر لفعل المشركين من قبل: "الذين جعلوا القرآن ‏عضين"، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا ‏بِبَعْضِهِ "‏ ‏.‏
    يقول الكاتب المذكور: "فالخوف على‎ ‎الدولة المدنية‎ ‎قائم، والسؤال عن مستقبلها مطروح، في عدد ‏متزايد من الدول التي يتنامى فيها دور حركات الإسلام السياسي"‏ ، ويعلق على محاولة الملك فؤاد-بعد ‏سقوط الخلافة في تركيا-أن يجعل من نفسه خليفة فيقول: "عندما أغرى سقوط الخلافة العثمانية عام ‏‏1924الملك الراحل فؤاد بأن يحمل اللقب الذي بات بلا‎ ‎صاحب، لم يكن واضحاً حينئذ لكثير من ‏المصريين مدى التغيير الذي يمكن أن يحدث في‎ ‎طبيعة الدولة إذا نجح فؤاد في تنصيب نفسه خليفة، لم ‏يدرك الخطر على‎ ‎الدولة المدنية‎ ‎إلا قسم في‎ ‎النخبة السياسية والثقافية. ولكن هذه النخبة في مجملها كانت ‏مؤمنة بأن الخلط بين‎ ‎السياسة والدين هو نوع من الشعوذة التي تسيء إلى كليهما، على نحو ما أبلغه الزعيم‎ ‎الوطني الراحل مصطفى النحاس بعد ذلك بسنوات إلى مؤسس جماعة "الإخوان" حسن البنا"‏ ‏ ، ‏ويقول أيضا :" وسجل التاريخ لرجال مثل علي عبد الرازق وطه حسين وعبد العزيز فهمي وغيرهم، ‏دورهم المقدر في حماية‎ ‎الدولة المدنية "‏ ‏.‏
    ‏ ومعروف ماذا كان دور علي عبد الرازق الذي يعد أول من أنكر علاقة الدين بالحكم أو السياسة، ‏وأنكر أن تكون خلافة الصديق رضي الله تعالى خطة دينية، وكذلك دور طه حسين التغريبي وغيره ممن ‏ذكرهم الكاتب أو أشار إليه، وهذا الاعتراف يعني أن الدولة المدنية هي الدولة العلمانية، وإن كان بعض ‏الناس يفضل استخدام لفظ المدنية على العلمانية من أجل الخداع والمراوغة.‏
    ويقول الكاتب الثاني: نريد أن نتجاوز التسميات إلى المضامين أي أن المضمون للفكرة هي: قيام ‏الدولة على أساس مدني، وعلى دستور بشري أيا كان مصدره، وعلى احترام القانون وعلى المساواة وحرية ‏الاعتقاد، ويزيد الأمر تفصيلا فيضيف: نقبل وننادي وندعم الدولة المدنية الحديثة القائمة على سلطة ‏الشعب في التشريع وكما ورد بالنص في برنامج حزب الوسط الجديد في المحور السياسي " الشعب ‏مصدر جميع السلطات التي يجب الفصل بينها واستقلال كل منها عن الأخرى في إطار من التوازن العام ، ‏وهذا المبدأ يتضمن حق الشعب في أن يشرع لنفسه وبنفسه القوانين التي تتفق ومصالحه.. ويؤمنون ‏بأساس المساواة التامة في الحقوق والواجبات بكافة أشكالها ومنها السياسية بين الرجل والمرأة والمسلم ‏وغير المسلم على أساس المواطنة الكاملة ، ويؤمنون بالتعددية الفكرية والدينية والسياسية والثقافية
    ويقول الكاتب الثالث: في الدولة المدنية يضع الإنسان قوانينه التي تنظم حياته كونه أعرف بأمور ‏دنياه، ويستمد من قوانين دينه القوانين التي تنظم علاقته بربه، ليكون مؤمنا لا يمنح لنفسه الحق أن ‏يكون مدعيا لامتلاك الحقيقة ومفسرا‎ ‎وحيدا لمفاهيم الدين، مما يجعل الدولة كهنوتية تخضع لحكم ‏الكهنوت وليس لحكم القانون ، فالدولة المدنية في فهمه تعني استقلال الإنسان بوضع التشريعات التي ‏تحكم أمور الحياة، وحصر الدين في المفهوم العلماني الذي يقصر الدين على الشعائر التعبدية في معناها ‏الضيق
    وإذا كان ذلك الكاتب الأول والثاني من دولة والثالث من دولة أخرى فإن هنا كاتبا آخر من دولة ‏ثالثة يردد المقولة نفسها، فعلى بعد ما بينهم من المسافات وافتراق الديار وحدت بينهم الأفكار، فيقول: ‏‏"إن مصدر السلطة في‎ ‎الدولة‎ ‎المدنية‎ ‎هو الأمة والشعب، فالأمة باب الشرعية الوحيد لها ... وللسلطة في‏‎ ‎الدولة‎ ‎المدنية‎ ‎ثلاثة أنواع مستقلة عن بعضها تمام الاستقلال، ولكل منها مؤسساتها‏‎ ‎واختصاصاتها، ‏وهي: السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ... والمواطنة في‏‎ ‎الدولة‎ ‎المدنية‎ ‎حق لكل من توافرت فيه ‏شروطها، بغض النظر عن دينه وعرقه، ومن حصل عليه كفلت حقوقه باسم القانون، فلا طبقية ولا ‏طائفية ولا عنصرية "‏ ‏.‏
    وهناك من يقابل بين الدولة المدنية والدولة البوليسية فيزعم أن كل دولة ليست مدنية هي دولة ‏بوليسية قائمة على القمع والظلم بغض النظر عن أي انتماء عقدي، وكلامه هنا يعني أن الدولة الإسلامية ‏دولة بوليسية لا يمكن القبول بها، لأنها من وجهة نظره ليست دولة ديمقراطية فيقول: والدولة المدنية : ‏نقيض الدولة العسكرية، وكل حكم سلطوي قمعي لا يقوم على الأسس الديمقراطية، هو حكم بوليسي ‏سواء كان متسميا باسم الدولة الدينية أو بغيره من الأسماء التي مهما تنوعت فإن السلطة التي تحتكر ‏الحكم عن طريق فئة واحدة وفكر واحد هي سلطة لدولة بوليسية استبدادية متخلفة... ليس هناك دولة ‏دينية، وإنما دولة مدنية أو دولة بوليسية، لان الدولة المدنية كفيلة باحتضان كل الأديان والأفكار، أما ‏الدولة البوليسية. فإنها دولة لا تقبل الآخر وتستعدي التعدد والتنوع مرة تحت مظلة الحكم العسكري ‏المعلن ومرة تحت مظلة الحكم الديني، وكلاهما حكم بوليسي لا علاقة له بمبادئ الدين ، فكل حكم لا ‏يقوم على الأسس الديمقراطية-عنده- هو حكم بوليسي استبدادي متخلف، سواء كان يستمد مرجعيته ‏من الإسلام أو من غيره، ‏
    ‏ الفئة الثانية: وهناك من يصرح تصريحا دون مواربة أو تلاعب بالألفاظ أن الدولة المدنية تعني ‏الدولة العلمانية، فهذا كاتب يقول في مقال له بعنوان لماذا ننادي بالدولة العلمانية؟: "ومن هنا حرصت ‏البلاد التي انتهجت الديمقراطية الليبرالية الحقة، وأقامت الدولة المدنية الحديثة على عدم تضمين ‏دساتيرها ما يفيد بديانة الدولة،... إن إقامة الدولة المدنية العلمانية وفق الصورة المنوه عنها، باتت ضرورة ‏لإخراج مجتمعاتنا المتخلفة من شرنقة الجدل وحالة اللاحسم حول الكثير من القضايا الصغيرة والكبيرة ‏التي لا تزال تراوح مكانها بسبب إقحام الدين فيها وبالتالي الاختلاف المرير حولها"‏ ، وهذا كاتب آخر ‏يقول: " لا يمكن بناء الدولة المدنية في ظل الدولة المذهبية أو الدينية المجردة من العلمانية، لأن العقيدة، ‏أية عقيدة كانت لا تؤمن بحق جميع المواطنين على قدم المساواة طالما أن القانون الديني يميز بين العقائد. ‏ومن هنا تبرز أهمية حرية العقيدة في المجتمع المدني...إلى أن يقول: وأخيرا نؤكد أن الدولة المدنية العلمانية ‏الليبرالية الدستورية ليست شكلا مجردا إنما مضمونا يساهم في تقدم المجتمع بكل مكوناته وقومياته ‏وأديانه "‏ ، وهذا كاتب آخر يضع الشروط الأساس لبناء الدولة المدنية فيقول : "استكمال بناء الدولة ‏المدنية الحديثة بما يتطلب من خلو المجال العام من كل الإِشارات والرموز الدينية، حتى يصبح من ‏الرحابة إلى الحد الذي يسع فيه كل المختلفين. وأن تجرى السياسة على أساس المصلحة، وأن يكون ‏التشريع تعبيرا عن تنوع الأمة"‏ ‏.‏

    الدولة الثيوقراطية ليست من مصطلحاتنا:‏
    يحلو لكثير من الكتاب في هذا الموضوع من أصحاب الاتجاه التغريبي المقابلة بين ما يسمونه دولة ‏مدنية ودولة ثيوقراطية، أي الحكم بمقتضى التفويض الإلهي للحاكمين مما يضفي عليهم صفة العصمة ‏والقداسة، ويذكرون ما في الدولة الثيوقراطية من المثالب والعيوب والآفات، ويسقطون ذلك على الدولة ‏الإسلامية، وهذا ليس من المنهج العلمي الذي يتبجح به هؤلاء فإن هذا اللفظ (ثيوقراطية) ليس من ‏الألفاظ العربية، وهو لم يأت في أي كتاب من كتب المسلمين فكيف يحاسبوننا عليه؟ وهل هذا إلا كمثل ‏من يتهم غيره بتهمة من عند نفسه ثم يحاسبه عليها وهو لا يعلم بها؟، فإذا كانت الدولة الثيوقراطية ‏ليست من مصطلحاتنا أو مفرداتنا، لم يجز لأحد أن يحاكمنا إليها، ومن أراد فليجأ إلى ألفاظنا ‏ومصطلحاتنا حتى يكون النقاش علميا. ‏
    إن الدولة الثيوقراطية التي يتحدثون عنها بالصفات التي يذكرونها لا نعلم عن وجودها إلا ما ‏كان في بلاد الغرب النصراني الذين نشأ فيهم هذا المصطلح، حيث تسلط علماء اللاهوت على كل شيء ‏حتى على قلوب الناس بزعم تمثيلهم للإرادة الإلهية، فهذه خبرة نصرانية لا علاقة لها بالإسلام من قريب ‏أو بعيد، فما الذي يدعو هؤلاء إلى محاكمتنا إلى لفظ ليس من عندنا ولا يحاكموننا إلى ألفاظنا ومصطلحاتنا ‏الثابتة في كتب أعلام هذه الأمة؟ وهل هذه إلا دليل على أن هؤلاء يحاكمون تاريخنا وهم في الوقت نفسه ‏ينظرون إلى تاريخ الغرب النصراني؟ وهو يعني اختزال الخبرة السياسية في العالم كله في الخبرة الغربية؟ ‏وهذا في منتهى التبعية واحتقار الذات، يقول أحد الكتاب: "ثقافتنا الإسلامية لم تعرف دولة مدنية ‏وأخرى دينية، فهذا التقسيم أفرزته حركة التنوير في الغرب المناهضة لسلطة الكنيسة المطلقة، والتي كانت ‏تمثل نمط السلطة الدينية غير المرغوب فيها، وهو المعنى الذي يعنيه مصطلح (ثيوقراطية) الذي هو نظام ‏حكم يستند على أفكار دينية في الأساس مستمدة من المسيحية واليهودية، وتعني حكماً بموجب الحق ‏الإلهي المزعوم، وهو نظام كان له وجود في العصور الوسطى في أوروبا، نتجت عنه دول دينية مستبدة ‏ولكننا في الشرق الإسلامي لم نعرف هذا اللون من الحكم، فليس في الإسلام مؤسسة دينية كالكنيسة، ‏التي فيها التراتيبية المعهودة بين رهبانها ولا يجب أن يسمح بقيامها
    لقد نعى القرآن الكريم على أهل الكتاب، ما يحاول هؤلاء بافتراء واضح أن يلصقوه بأمة ‏المسلمين، فقال تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله" وقد بين أهل التفسير أن تلك ‏الربوبية كانت في استقلال الأحبار والرهبان بالتشريع حتى إنهم ليحلون ما حرم الله تعالى ويحرمون ما ‏أحل الله تعالى، وهذا لم يكن بحمد الله تعالى في أمة المسلمين

    الاتجاه الثاني: وهو يمثل من حاول المواءمة بين الدولة المدنية في مفهومها الغربي وبين الإسلام ‏
    يرى هذا الاتجاه أن المسألة هينة وأنها مجرد اصطلاح والاصطلاح لا مشاحة فيه كما يذكر أهل العلم، ‏وعلى ذلك فهم يقررون إن الدولة في الإسلام مدنية ليست دينية، بينما دستورها من القرآن والسنة،: "إن ‏الدولة مدنية لا دينية، أما مصدر الدستور والقانون فيها فحتما هو الكتاب والسنة ومورث الأمة فقهاً ‏وفكراً، والدولة المدنية في عصرنا هي دولة المؤسسات التي تحكم من خلالها"‏ ،‎ ‎وهذا لا شك فيه محاولة ‏للتوفيق بين الأفكار المعاصرة وبين ما هو مستقر في الشريعة بلا خلاف بين أحد من الأمة، إذ لم يدَّع أحد ‏أن للأمة أن تشرع بمحض إرادتها وفق ما تراه مصلحة من دون التفات إلى موافقة الشريعة أو مخالفتها، ‏لكن هذا الكلام في الحقيقة يحمل التناقض في ثناياه، إذا كيف نقول عنها إنها لا دينية ثم نقول في الوقت ‏نفسه إن دستورها هو الكتاب والسنة، فمعنى كونها لا دينية أنها لا ترتبط بالدين، وكون دستورها ‏الكتاب والسنة أنها ترتبط بالدين، وهذا تناقض، وهذه المشكلة يقع فيها من يحاول التوفيق بين المختلفات ‏في الظاهر، من غير إزالة أسباب الخلاف الحقيقية.‏
    ‏ والحقيقة أن المشكلة لا تكمن في التسمية أو الاصطلاح، فقد كان بالإمكان أن تُسمى الدولة في ‏الإسلام دولة مدنية أو غير ذلك من الأسماء، لو لم تكن تلك المصطلحات ذات استعمال مستقر مناقض ‏للشريعة، ومن ثَمَّ يصير استعمال هذا المصطلح لوصف الدولة في الإسلام سببا في اللبس وخلط الأمور، ‏لأن هذا الاصطلاح لم يعد اصطلاحا مجردا وإنما صار اصطلاحا محملا بالدلالات التي حملها من البيئة ‏التي قدم منها.‏
    فإذا كان بعض المتكلمين بهذا المصطلح والآخذين به يقولون بمرجعية الشريعة، فما الذي يحملهم ‏على الإصرار على استعمال مصطلح أقل ما يقال فيه أنه مصطلح مشبوه، يدعو استعماله إلى تفرقة الأمة لا ‏إلى جمعها، كما يمثل نوعا من التبعية الثقافية للغرب، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي مسوغ مقبول ‏للإصرار على هذا الاستعمال. ‏
    ومما هو مقبول في العقل السليم أن الكلمة ذات المعنى الصحيح إذا كانت تحتمل معنى فاسدا فإنه ‏يعدل عنها إلى كلمة لا تحتمل ذلك المعنى الفاسد ، وهذا الأمر المعقول قد أرشد إليه القرآن حينما قال الله ‏تعالى: [‏‎ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ] [البقرة: 104 ] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في ‏مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يُعَانُون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص -عليهم ‏لعائن الله-فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا. يورون بالرعونة"‏ ‏ وقال القرطبي رحمه الله ‏تعالى: "في هذه الآية دليلان: أحدهما - على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص ‏والغض... الدليل الثاني - التمسك بسد الذرائع وحمايتها... والذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه ‏يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع"‏ ‏.‏

    الاتجاه الثالث: وهو يمثل من يرى أن الدولة المدنية هي جوهر الإسلام وحقيقته
    يرى أصحاب هذا الاتجاه أن مصطلح الدولة المدنية تعبير عن حقيقة الإسلام وجوهره، "فالدولة ‏الإسلامية كما جاء بها الإسلام، وكما عرفها تاريخ المسلمين دولة‎ ‎مَدَنِيَّة، تقوم السلطة بها على البَيْعة ‏والاختيار والشورى والحاكم فيها وكيل عن‎ ‎الأمة أو أجير لها، ومن حق الأمة ـ مُمثَّلة في أهل الحلِّ والعَقْد ‏فيها ـ أن‎ ‎تُحاسبه وتُراقبه، وتأمره وتنهاه، وتُقَوِّمه إن أعوجَّ، وإلا عزلته، ومن حق كل‎ ‎مسلم، بل كل ‏مواطن، أن ينكر على رئيس الدولة نفسه إذا رآه اقترف منكرًا، أو ضيَّع‎ ‎معروفًا، بل على الشعب أن يُعلن ‏الثورة عليه إذا رأي كفرًا بَوَاحًا عنده من الله‎ ‎برهان"‏ ‎.‎‏ لكن أصحاب هذا الاتجاه لم يقدموا شيئا ‏يدعمون به تلك المقولة، فمن حيث اللفظ فإن هذا المصطلح جديد، فلا يمكن البحث عنه في التراث ‏الشرعي للتدليل على تلك الفرضية، ومن حيث المعنى فإن هذا المعنى المذكور لا يوافق عليه جميع ‏القائلين بالدولة المدنية الموافقين عليها، فضلا عن اشتمال هذا المصطلح لمضامين مناقضة للعقيدة ‏والشريعة.‏
    على أن هناك ممن يدعي هذه الدعوى لا يقدم مشاريع وأطروحات واضحة مفصلة تبين بها تلك ‏المسألة، بعيدا عن الكلام المجمل الذي يمكن صرفه إلى عدة معاني محتملة غير قاطعة في المراد منها ‏

    الاتجاه الرابع: رفض هذا المصطلح لما اشتمل عليه من مفاسد ولعدم الحاجة إليه:‏
    ‏ يرى هذا الاتجاه أن الدولة المدنية التي يجري عنها الحديث هي دولة علمانية، "هذا الاصطلاح ‏‏(الدولة المدنية) هو مطاطي ينكمش في أحسن حالاته ليحاكي الغرب في كثير من مناهجه السياسية في ‏الحكم مع الحفاظ على بعض الخصوصيات، ويتمدد حتى يصل إلى أصل استعماله دولة علمانية صرفة"‏ ، ‏‏"ومن وصف الدولة الإسلامية بأنها دولة مدنية وقع في خطأ ... ذلك أن الدولة المدنية الحديثة تنكر حق ‏الله في التشريع، وتجعله حقاً مختصاً بالناس، وهذا بخلاف الدولة الإسلامية، بل إن هذا يخرجها عن كونها ‏إسلامية، ويُسمّى هذا النوع من الحكم في الإسلام بحكم الطاغوت. وكل حكم سوى حكم الله هو ‏طاغوت"‏ ‏ ‏
    وفي هذا الجانب يتفق هذا الاتجاه مع الاتجاه الأول ولكن بفارق جوهري جدا، وهو أن الاتجاه ‏الأول لا يظهر منه رفض واضح لعلمانية الدولة المدنية، بل منهم من يصرح بعلمانيتها ويدعو إلى ذلك، ‏وأما هذا الاتجاه فيظهر منه الرفض الواضح لعلمانية الدولة ويحذر منها، ويرى أن الدين والعلمانية ‏نقيضان لا يجتمعان معا، وأما الاتجاه الثاني فيحاول أن يوائم بين الأمرين فيقبل شيئا من هؤلاء وشيئا من ‏هؤلاء، وأما الاتجاه الثالث فهو يجعل الدولة المدنية من صميم الإسلام .‏
    ومن هنا يتبين أن القابلين لهذا المصطلح مختلفون فيما بينهم فيما يظهر من كلامهم، فإن كان ‏اختلافهم هذا حقيقيا، فهو دليل منهم على غموض هذا المصطلح وعدم وضوحه، واشتماله على كثير من ‏الأمور التي يناقض بعضها بعضا، فهم مدعوون لتنقيته من تلك التناقضات، واللائق بمثل هذا المصطلح ‏في هذه الحالة تركه وعدم التعويل عليه، والبحث-إن كان لا بد-عن مصطلح آخر بريء من هذه ‏التناقضات والغموض الذي يحيط به
                  

11-13-2010, 08:02 AM

بدر الدين احمد موسى
<aبدر الدين احمد موسى
تاريخ التسجيل: 10-03-2010
مجموع المشاركات: 4858

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: بدر الدين احمد موسى)

    من العلمانية إلى الدولة المدنية، و من الديمقراطية إلى الشورى.. تحليل الانحدار و الارتباط

    محمد حسبو
    الحوار المتمدن - العدد: 1721 - 2006 / 11 / 1
    المحور: العلمانية , الدين , الاسلام السياسي
    راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
    "حُجّة الله على أهل الشام. لكن الفتى مقتول"
    الحسن بن الحنفية متحدثا عن غيلان الدمشقي و متنبئا بمصيره..
    لقاءات قيادة الحزب الشيوعي "المتوالية" مع قيادة المؤتمر الشعبي، لا تقف عند حد التواصل السياسي غير المبرر و "التفسّخ الأخلاقي" الممض، بل و فيما يبدو أنها تتعداه إلى التقاء فكري و عدوى "منهاجية" يمكن مقاربتهما دون عناء، بمراجعة الورقة الموسومة بـ مسألة الدين و الدولة، ضمن أوراق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي، و مقارنتها مع مُؤلّف الدكتور حسن الترابي، حول الشورى و الديمقراطية، كما سيتبيّن

    و قد تنصّلت الورقة المقدمة لمؤتمر الحزب الخامس و المنشورة على الرابط ادناه بموقع الحزب الشيوعي السوداني

    http://www.sudaneseonline.com/nm/private/news/religion_state.htm

    تنصّلت من مفردة العلمانية و اقترحت الدولة المدنية بديلا لها، ذاهبة كل مذهب لإقناع القارئ أن هذا مجرّد تحوّل لفظي لا يمسخ المضمون، بل يطوِّره، و أن هذا التحوّل إنما يجري مسوقا بثلاث حجج (تُقرأ أُحجيات)، حجة ثقافية، و حجة سياسية و ثالثة –كـ مُناة- توسُّلية

    دحض الحجة الثقافية:

    1/أ

    تدس الورقة طرف حجتها الثقافية في حقائب وثيقة الماركسية و قضايا الثورة السودانية كي تفاجئنا بضبطها في طياتها، و تنتزع من تلك الوثيقة اعترافا لم تضمره، إذ تحملنا ورقة الدولة المدنية هذه، على الاعتقاد بـأن ما طُرح في تلك الوثيقة هو "طرح تحويلي" يحتوي على أمرين في غاية الأهمية: أولهما كما قالت:

    الأمر الأول: الاستخدام المنتبه لمصطلح (العلمانية) ، لا بمدلولاته التى استقرت فى الفكر الغربى منذ حقبة التنوير ، إحدى الحقب الثلاث لعصر الحداثة ، وإنما كمرادف لمفهوم (العقلانية) فى الفكر الإسلامى.

    هذه فرية، و قراءة قصدية، يُنتجها القارئ و يستخرجها من النص، طبعا نفهم دافعها، و هو استثمار القيمة التي تحظى بها وثيقة الماركسية و قضايا الثورة السودانية، بل و قيمة كاتبها نفسه، في "قلوب" الشيوعيين، لتزيين هذا الفعل النكوصي، مؤقتا، أنبِّه إلى بعض أشارات وثيقة الماركسية و قضايا الثورة السودانية، كما يلي:

    أولا: الوثيقة لم تُشِر من قريب أو بعيد إلى تيار عقلاني في الفكر الإسلامي، بل تحدثت عن القوى الرجعية التي ظلّت "تعمل في إطار الحركة السياسية العقلانية على الرغم من استنادها بين جماهيرها على الدجل باسم الدين". و لعل اللحظة التاريخية التي كُتبت فيها الوثيقة، بل و فكر كاتبها، تمنعان من احتمال أنّه كان يستلهم أو يقدّر موقفا لما وصفه بالرجعية، التي نعلم أن حواشي وثيقة الدولة المدنية المقترحة هذه، تنصِّب بعض رموزها، على أنهم يمثِّلون العقلانية الإسلامية، المفترى عليها، كما سنشرح

    ثانياً، أو ثم أنّ: الوثيقة –الماركسية و قضايا الثورة السودانية- من بعد، تتمسّك بموقف في غاية التقدم و الاتساق مع الروح العلمانية، حين تصف لجوء الثورة المضادة إلى سلاح الدين على أنه "يُوكِّد إفلاسها السياسي" الذي عبّرت عنه بـ"ترك الحياة السياسية العلمانية، و نشر جو من الدجل اليميني"، مضمون هذا الموقف الذي سنثمنّه لاحقا و نبيّن اتصاله بموضوعنا، هو أن اللجوء إلى سلاح الدين هو تعبير عن "الإفلاس" في الصراع السياسي

    كذلك أو ثالثاً: نلتقط إشارة هامة، أهمية فائقة، من تلك الوثيقة نفسها، فهي مع تأكيدها أكثر من مرة على أنه "أصبح على حزبنا أن ينمي خطّه الدعائي حول قضية الدين الإسلامي و علاقته بحركة التقدّم" إلّا أنها، لم تترك طبيعة ذلك الجهد (المطلوب لتنمية الخط الدعائي) نهبا لقراءات الشلة الفكرية المعتمدة لدى قيادة الحزب الحالية، بل إنها حددت طبيعته في أنه جهد فلسفي، (و ليس فقهيا) يهدف إلى "وضع الدين –كظاهرة- في مكانه بين حركة الشعوب" (كظاهرة دي مني أنا)، و هذا لعمري –أي تحديد طبيعة الجهد بكونه جهدا في المستوى الفلسفي- موقف أكثر أهمية و جوهرية مما ذهبت إليه ورقة الدولة المدنية في انتباهتها المدّعاة

    أخيراً في هذه النقطة المتعلقة بما قالته وثيقة الماركسية و قضايا الثورة السودانية، أقول أن معالجتها لموضوعة الدين، لا ترقى لأن تسمّى طرحاً تحويلياً، إلا لو أراد قارئها ذلك، فالوثيقة من بين صفحاتها التي تفوق المائة و الثمانين، لا تعالج الموضوعة إلا في حيز لا يزيد عن ثلاث صفحات، نقول هذا، رغم دقة و حساسية القضية في الوقت الذي كُتِبت فيه الوثيقة، أي ما بعد حل الحزب الشيوعي بأثر حادثة معهد المعلمين..

    1/ب

    لماذا العلمانية بالذات؟
    إنّ المفرزة اللغوية - الثقافية هذه، ، و البحث في شحن و تفريغ الكلمات من دلالاتها التي أضفتها عليها التجربة و الممارسة، ليست ضرورية في شأن العلمانية، بأكثر من ضرورتها في شأن كافة مفردات الصراع السياسي، و أولها الديمقراطية نفسها، التي كانت مبتدأً تعني ائتمار الشعب –الرجال دون العبيد أو النساء أوانذاكـ- كلية و مباشرة لتقرير مسائله العامة كما حدث في المدينة الاثينية القديمة، و هي صورة الديمقراطية التي صارت رمزا لحكم الهمج و الرعاع = عامة الشعب، مقابل سلطة النخبة و الحكماء لدن النموذج الافلاطوني. ثم آلت –الديمقراطية- الى هيئات نيابيات و مؤسسات تمثيليات لم تمنع صانع القرار السياسي المتنفِّذ من استعمار نصف شعوب الكرة الأرضية في مطلع القرن العشرين و إعادة احتلال بعض بؤره مرة أخرى في مطلع القرن الحادي و العشرين، فلو حاكمنا الديمقراطية نفسها بمعيار المحمول التاريخي، لما استقرّت في خاطر البشرية المتلقية لاضطهاد المركز الاستعماري، لما استقرّت مفردة الديمقراطية بعد مطلع القرن العشرين، أو حتى بعد احتلال العراق و نماذج ديمقراطية أبو غريب، لأن الديمقراطية ببساطة، تمثِّل الايدلوجية –أي نعم أيدلوجية- الرسمية لذلك المركز

    إنّ الشحن الدلالي للكلمات بأثر التفاعل مع الواقع "جدل الثقافة"، هو أمر لا يقع الشك في أهمية اعتباره، بل إنه مبحث هام في علوم الإشارات أو السيموطيقيا، و لكنه لا يحدث هكذا بحسن خاطر، فالثقافة نفسها، المتفاعلة مع المفردة اللغوية ليست مركباً جاهزاً، بل إنها حلبة صراع بين المصالح و التيارات المختلفة داخل المحيط الاجتماعي، وبين المجتمعات كلها، هناك جهات متباينة تسعى كل منها لشحن المفردة بما تريده من معانٍ، و القارئ مثلا لكتاب أنور الجندي حول العلمانية، يجد كل هدفه هو إثبات أنّ العلمانية هي الإلحاد و حظر الدين، و هو رأي يجد اسانيده في التجربة الشيوعية في روسيا، لكن لا يخفى أنه رأي متحيّز و انتقائي في أمثلته، و لو خُلِّي بينه و العامة، لساووا العلمانية بالكفر. كلنا متحيزون، و حين يُحسَن استقبال مفردة أو تُلفظ، فإن ذلك يعود بقدر كبير، إلى تحصيل جنودها و حملتها في مضمار الصراع الثقافي و الاجتماعي، أما حين تخليهم عنها على هذا النحو القهقري، الذي تمارسه قيادة الحزب الشيوعي السوداني، فإنها تكرّس لتصور السلفية الجهادية عن العلمانية، و تدمغ العلمانية بأنها خادشة، لإيمان المستعربين المستعلواتيين من الشمال السوداني المسلم

    1/ج

    العلمانية و موت المؤلِّف

    كيف تقع هذه الورقة في فخ الاحتراز الثقافي هذا، و حزبها نفسه يناضل لأجل الديمقراطية لا الشورى، يدعو إلى الاشتراكية لا التكافل الاجتماعي و يعلن تمسّكه بالماركسية لا نهج السلف، إن هذه الانتباهة من جانب الورقة "و ورقات أخريات" لدور اللغة و الثقافة و الخصوصيات ضمن الصرعة الجديدة في الكتابات الحزبية، تتجه إجمالا إلى المجال الخطأ، بسبب من تقاعس الجماعة الناشرة في الحزب عن مخاطبة التغييرات المطلوبة، و اكتفائها بالتنازلات غير المطلوبة للثقافة العربسلامية المتفشية و غير المنقّحة، فالمجال الصحيح و الشجاع لو أرادت الورقة بذل جهد في هذا الجانب -المباحث اللغوية- هو البحث في مجال النظريات النقدية الحديثة، التي افترعت مسألة اللغة كأساس للتحليل الاجتماعي و التاريخي، من لدن والد البنيوية فرناندو سوسير مُؤسّس التعامل مع اللغة كنظام وظيفي Functional system لا كألاغيز فردية، النظريات النقدية الحديثة التي تحفر بصبر لإعادة رؤية العالم عبر منظار نقدي ثقافي مجتاز للتحليل الاقتصادي الماركسي، تلك هي ثورة المباحث اللغوية الجديدة التي تعافها ورقات الحزب لأنها تفكك الرطانة الشيوعية و اليسار التقليدي و وجهات نظر الحتمية و العامل التحتي

    يكفينا في حيّز مفهوم اللغة الذي تخصخصه ورقة الدولة المدنية، بحجة عدم استساغة المجتمع الاسلاموعروبي لكبد مفردة العلمانية، و تجاوب ورقة الدولة المدنية مع هذا الاتجاه، يكفينا استدعاء إسهامات قديمة، لتوضيح الصلة بين مقاربات بعض المدارس النقدية و بين دفاعنا عن "مصطلح" العلمانية، منها مقولة فيكتور شكلوفسكي صاحب الـ De-familiarization : حول اكتساب المعاني

    Meaning is dialogic in nature, that is, a series of encounters between individuals
    و نزيده بكلمة من عندنا and societies

    و استكمال ميخائيل باختين للمُراد في مقولته:
    There is no fixed meaning to any narrative, therefore, and it is always open to multiple interpretations

    يعني: إننا في الواقع –على خلاف ما ذهبت اليه الورقة- معنيون بالدفاع عن العلمانية، عن تجلّيها في الواقع و أمثليتها للمجتمعات المتحضرة و للخليط البشري، ليس كدفاع الورقة الخجول عن بعض إشراقات المدنية الغربية، بل دفاعا اصيلا و مستميتا، عن أن العلمانية هي النظام الوحيد، الذي يبرهن و يضمن إمكانية الاختلاط البشري ضمن أي رقعة من الأرض، و إذا كان السيد ابراهيم نقد، في سرده لأسباب تحالف الحزب الشيوعي مع الحركة الشعبية، قد أكّد أن حجر أساس التحالف، هو تأكيد الحركة على وحدويتها، فإن علينا أن نعلم، أن العلمانية هي تميمة الوحدة، و سرها المكنون و بالتخلي عنها، عبر فلسفة المضامين، المبتسرة هذه، أو تحيّزاً لفئة، تصبح توجهاتنا الوحدوية، زعما لا يسنده دفع من تنظير سياسي مكين

    و نعني: إننا معنيون أكثر بالتمسّك بمصطلح العلمانية، و بخوض الصراع لجعله جزءا من عائلة خطاباتنا المحلية، لكونها تمثّل نظاما أفضل لحل مشكلات العلاقة بين الدين و الدولة، و استغرب الا تشير مصادر و وثائق الحزب عن العلمانية، خصوصا بعد موضة التأصيل اللغوي هذه، إلى أن تاريخ مصطلح العلمانية secularism العملي يبدأ مع معاهدة صلح وستفاليا التي وضعت حدا لحرب الثلاثين عاما الدينية، بين البروتستانت و الكاثوليك أساسا، و بين كيانات سياسية أوروبية إجمالا، كانت كلمة السر في إنهائها و في رسم بنودها، هي العلمانية، كمفهوم ساعد في فض الاشتباك الديني الدموي، لا العكس، و لا كما يُشاع عن أول ظهور العلمانية كمصارع للدين، بل كحل للصراع الديني، و استغرب أيضا، من ورقة تبحث معجمة مصطلح العلمانية ألا تستصحب اجتهاد جون هوليوك الذي في نهاية جدال مترام حول مجال العلمانية، ميّز في النهاية ما بين العلمانية كإطار للنظام القضائي و القانوني و معاملات الدولة التي بطبيعتها لا تحتاج للدين، و بين ضرب آخر من العلمانية المطلقة التي تعني موقفا من الوجود و ظاهراته، لينحصر الجدل بعده، ليس حول وجهة العلمانية، بل حول أشكالها و تصريفاتها

    و مفهوم الصراع لإسكان العلمانية، يعني أننا معنيون بتوضيح و شرح معنى و مضمون العلمانية لجماهير شعبنا، بالتمييز بين النماذج السيئة و تلك الحسنة، تأكيد ربط العلمانية بالديمقراطية –كما فعلنا للدولة المدنية ملاطفةً-، و حصرها في حيز الدولة و تشريعاتها و نظامها القضائي، اغناؤها بالإشارة إلى الحياة المدينية في الدول الاوروبية، التي يفيئ المسلمون إلى حمايتها، حتى الأصوليون منهم و الاكثر تشددا، حين تضيق بهم دول الثيوقراطية الاسلامية، أو تطردهم الخلافات المذهبية، لهم مساجدهم هناك في الغرب، و جمعياتهم و منظماتهم، و إذا كان لابد من الإشارة إلى علمانية تركيا الاستبداية، فلابد من الاستقامة و المصداقية، و تأكيد أن نموذجها مرفوض من جاراتها العلمانيات في اوروبا قبل أي كيان آخر، و أنهم يعطلون انضمامها للاتحاد الاوروبي لأسباب على رأسها موضوعة الحريات في تركيا، في حين أنها، أي تركيا، عضو مؤسّس في منظمة المؤتمر الإسلامي، كان ينبغي قول هذا كله، بدل هذه المناولة المضللة، للحالة الاتاتوركية

    1/د
    البيلقى الهبوب بيضرِّي عيشو:

    كان كل تحسين و تقييف ممكنا في اطار مصطلح العلمانية، فنحن يحق لنا ضبطه و ما يتلائم أكثر مع خصوصياتـنا (بجواز التعبير)، دون حاجة إلى اختراع مصل جديد، نلبسه ما نشاء من تطلعات، إذ ما هو الفرق بين الدولة المدنية و الدولة الشقطيرية مثلا، فبإمكان أيّا كان، أن يصك مصطلح الدولة الشقطيرية، و يحشوه بما يشاء من مفاهيم، مثلما فعلت ورقة الحزب مع مصطلح الدولة المدنية، الذي لو بذلت ربع جهدها معه، لتحقيق و ضبط مصطلح العلمانية، لأنصفت تجربة مشرِّفة، تستحق كما كل التجارب البشرية المشرقة، تحسينات و إعادة توجيه، لكنها بالأساس سليمة و موفّقة

    محاولات صك مصطلحات مثل العقلانية و المدنية الخ، كمساومة مع المجتمعات المتخلفة في المنطقة، ليست جديدة، و قد سبق ورقة الحزب اليها مفكرون مستقلون قناعة أو إنصياعا، و إن يكن الدافع هو تنقيح ما لحق بتجربة العلمانية من شوائب فإننا بالمثل، يمكن أن نخبر عن فظاعات الدول التي يمكن تسميتها مدنية، رغم انبهام المعنى و انبهاله، ليس الآن فقط، بل و الأهم على صعيد الحضارة الإسلامية نفسها، التي تسعى الورقة لتجذير ارجلنا في وحلها السياسي، فمنذ القرن الرابع الهجري، و أحيانا قبله، توقفت التسلطيات الأسلاموية، عن استجلاب شرعيتها من الله و استخلافه، و اصبحت دكتاتوريات مدنية لا تحكم بشرع الله و فعلت ما فعلت من جرائم تئن من حبرها صفحات التاريخ

    1/هـ

    تحليل الارتباط

    و لعله كما قلنا بعاليه، تكون ورقة الحزب قد استلفت منطقها من مدافعة حسن الترابي عن الشورى و رفضه للديمقراطية لما تنطوي عليه من ردّة، و اتباع للغرب، لقد استعمل الترابي ذات الاحتيال الثقافي و اللغوي حين ابتدر هجومه على الديمقراطية: منبهاً إلى "وجوه استعمال المسلمين للمصطلح السياسي الأوروبي مثل الديمقراطية" /معتبراً، أي الترابي/ "أن اللغة اداة للاتصال و التفاهم، و لكنها قد تنقلب أداة لسوء التفاهم، لأن الكلمات لها من وراء المعاني الأساسية أبعاد اجتماعية، تعلق بها من عرف الاستعمال الخاص في كل بيئة اجتماعية" ثم يقرّر منهاج الإسلام الناهض في التماس حضارة الغرب: "أما المسلمون في حال التحرر و لأول عهد النهضة فقد يجديهم كما قدمنا أن يتحفظوا و يميّزوا في تقوّم الأعراف و استعمال الكلمات السائدة، فاللغة سلاح في صراع الحضارات..../يواصل الترابي/.... يود الكفار أن يميلوا على المسلمين بفرض لغتهم عليهم ليبثوا عليهم المفاهيم اويحملوهم على التي تمثلها اللغة عند الكافرين، و على المسلمين أن يأخذوا حذرهم و يجتنبوا التلبيس و الإنسياق للقيم المتمكنة..."

    بهذا المنطق، بهذا المنهاج، يلخص الترابي مثالب التجربة الديمقراطية و يعددها، ثم يفصِّل ما ينافي هذه المثالب على مقاس ما أسماه نظام الشورى، و هو كما نلاحظ أيضا أقرب إلى الفقه الإسلامي الذي تحفل به ورقة الحزب و تذبح العلمانية على بابه، فمن باب أولى، و استقامة على المنهج، أن تلي ورقة الحزب هذه، أخرى تقتبس من منهاج حسن الترابي هذا، ما يجعلنا نستخدم مصطلح الشورى بدل الديمقراطية، كونها مشتقة من المدعو (انتقاصاً) الفكر الإسلامي و نابعة من الوجدان العربي!

    و أنا أسأل بجدية: ما المانع في أن لو قبلنا منطق هذه الورقة، منطق التزلّف إلى الفكر الإسلامي العقلاني، أن نتحوّل إلى الشورى نحن أيضا، و للدوران السرمدي، في هذا اللولب الاسلاموعروبي؟

    1/و

    ثم، كيف تجروء الورقة نفسها، على التمسُّح بما أسمته "مفهوم العقلانية" في "الفكر الإسلامي"، و الايادي التي كتبت هذه الورقة، قد تعلم كم ينطوي عليه هذا اللبوس من زيف و إذعان، إذ أن الفكر الإسلامي الموصول إلينا نفسه هو فكر بترت ساقه العقلاني بالذات، منذ صدره الأول، إن تعبير الفكر الإسلامي ليس محل اتفاق، فهي ترمز في العرف العام وسط سواد مسلمي بلادنا إلى الفكر الجبرى الاشعري السني، و هو بالذات، تيار الفكر الإسلامي الذي وأد العقلانية الإسلامية في مهدها، فكل عقلانية لاحقة، ينتجها بعض سلالته، هي عقلانية الجبرية الأشعرية السنية، التي تلقّحت جنيناً بسفك دماء التيار العقلاني منذ معبد الجهني و غيلان الدمشقي، و يبدو أن الأزهر كان أشجع في الاعتراف بالفكر المعتزلي –أبرز تيار عقلاني تم قبره في الفكر الإسلامي- و محاولة رد الاعتبار إليه، في الوقت الذي تبارك فيه ورقة كهذه، انتصار التيار الأكثر انكفاءً في الفكر الإسلامي، و تعمِّد بعضه عقلانياً، بدل هذا، كان على المتسامحة، الذين يُداولون هذه الورقة، أن يستبقوها بجهد معقول، لرد اعتبار التيار العقلاني في الفكر الاسلامي و التعريف به، حتى لا يزيغ القارئ اللكيك، و هو جهد أولى بمن يريد تنوير مجتمعات حُجِب عنها، بشكل متعمّد، و خلال قرون، كل محاولات بناء نسق فكري أكثر عقلانية و اسئلة، أكثر قدرة على الفعل، أكثر إرادة و حُرّية

    2/

    دحض الحجة السياسية:

    2/أ

    تمثيل بالجثة

    لكأنما السياسة السودانية هادية، أو لكأن السياسيين السودانيين ليسوا الأكثر اضطرابا بين خبرات الشعوب، لقد حارب حزب الصادق المهدي و أنصاره، و الأزهري بحزبه و الطائفة التي تثقله، حاربا العلمانية و دعيا عبر برامج مُعلنة إلى دولتين ثيوقراطيتين سميتا الصحوة الإسلامية و الجمهورية الإسلامية، و قاما بحل الحزب الشيوعي ضمن نظام "مدني" يدّعي الديمقراطية في معركة همجية على أساس نسج الفتنة في خام المشاعر الدينية لدى العامة و الدهماء الشماليين، إن ورقة مؤتمر الحزب الشيوعي كما قالت هي نفسها، إنما تطرح الدولة المدنية

    "تجاوزاً للجدل والمماحكة حول مصطلحات (دولة دينية ، دولة علمانية ، دستور اسلامي ، دستور علماني)."
    أي جدل و أي مماحكين؟ ها قد أُدخلت الأفكار الكبرى في الحضارة، إلى سوق الجهلة و تجار المواقف، لقد شهدت السياسة السودانية خلال العقد الماضي فقط، احداثا لا تترك لعاقل سبيلا لموالفة افكاره لتناسب رموزها ذات المبادئ المسافرة أو كياناتها المنقسمة، منها على سبيل المثال:

    - أمين عام التجمع المعارض ينضم للنظام
    - إثنان من أبرز القيادات الجنوبية (مشار و أكول) يذرعان المسافة بين حركة ثورية علمانية و نظام شمولي إسلامي جيئة و ذهابا
    - اثنان من القيادات العسكرية للتجمع الديمقراطي تحتل مناصب تنفيذية بالنظام القمعي (عبد الرحمن سعيد و الهادي بشرى)
    - حسن الترابي عراب النظام يقف في اقصى المعارضة، بل و يصدر فتاوى تناقض ما أشرف عليه طوال عشر سنوات ممارسة لأسلمة قسرية للمجتمع
    - الصادق المهدي أول من هرول لتوقيع مشروع تسوية سياسية مع النظام (جيبوتي) يعود ليتمسك بموقف قوي مضاد للدخول في مؤسسات النظام
    - الحزب الشيوعي و قوى شمالية أخرى تمثِّل بجثتها في برلمان النظام
    - الحركة الشعبية التي رفعت السلاح لأجل المهمشين (في الجنوب على ما يبدو) و عبر قيادة منكفئة و ضعيفة تشارك في السلطة التي تقتل إلى اليوم، مواطنيي دارفور المهمشين
    - أمين عام آخر، لأكبر حزب سياسي بالبلاد هذه المرّة "الاتحادي" ينقسم عن حزبه ثم يدمج فريقه في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، رحمه الله – الهندي، زين العابدين
    - فنانون و رموز معارضة الفنادق، يمجدون العمل العسكري و اقتلاع النظام، و يغنون من بعد في بيوت الوزراء و ساحة جهاز الأمن مثل وردي وسيف الجامعة

    إن سياسة كحال السودانية منها، و بمثل أمثلتها التي سقناها لعقد مضى، أتت من التقلبات ، مالم يحدث سوى مرات محدودة في تاريخ بقية ارجاء العالم، و قد شفع لتشرشل حين كان يتنقل بين قيادة حزبي المحافظين و الاحرار، مثلما يفعل امناؤنا العوام، حصوله على جائزة نوبل للآداب، أما سياسيونا هؤلاء، فلبابهم أفرغ من فؤاد أم موسى، و لم يحصلوا على أي جوائز لقاء إبداع ما، سوى بعض الرشاوى و الإغراءات لتغيير و بيع مواقفهم، فهل يجوز التخلي عن كسب انساني عام لتفادي المماحكة مع هؤلاء؟ ما هو الصراع السياسي إذن؟ فلتترك لنا الطائفة المُجازة من قيادة الحزب التنظيمة و مؤخِّرته السياسية، أمر المماحكة مع هؤلاء و أمر رد اعتبار التيار العقلاني في الفكر الاسلامي، بدل رصف الطريق لسطوة الجهل و التخلف بدعاوى التقرّب للمجتمع و خصوصياته

    إن سياسة كحال السودانية منها، أزمتها الأولى هي عوز التنظير السياسي، و بناء المواقف على غير هدى، لا يجوز بأي حال، أن يتم تقصيص المبادئ المستخلصة من جماع التجربة الإنسانية، لكيما تحشر في قميصها الضيق و الملون بكل الوان الهرج ومستلزماته

    2/ب

    ثم إن الواقع يقول بغير ما تقوله ورقة الحزب، إن كل هؤلاء التجار و المرابين السياسيين، في نادي/ حظيرة السياسة السودانية، هم الذين يقتربون كل يوم خطوة بإتجاه العلمانية، بعد أن أكّدت التجربة السياسية السودانية، أن لا بديل لضمان وحدة الوطن، و احترام تنوعه سوى بتحقيق نظام ديمقراطي علماني، لماذا حين عليهم في الجانب الآخر من البئر اتخاذ الخطوة الأخيرة، يقفز الحزب الشيوعي إلى مواقعهم و لا يبلغها، و يمحق إرادته للتغيير و طبيعته الناقدة، ليتسق مع قطيع التحالفات السودانية المِسراح؟

    ليس هذا كل ما يقوله الواقع و التاريخ، بل يقولان إن الحزب الشيوعي السوداني، الذي عبّر –مؤخراً- عن رفضه لتنصيبه "عرّابا لليسار"، كان هو صاحب الفضل، كأعرق مؤسسة سياسية سودانية بين ظهرانينا، تطرح شعار العلمانية، و تتمسّك به إزاء موجات عاتية، على شاكلة ما فخرت به وثيقة الماركسية و قضايا الثورة السودانية المفترى عليها، حين قالت: "فعلى الرغم من كل العقبات، استطاع الحزب الشيوعي بدفاعه عن الحياة السياسية العلمانية، و اعتماداً على ذاته في النضال دفاعا عن مصالح الجماهير، و تجارب هذه الجماهير معه، أن يواجه الموجات العاتية و أن يحسر هذه الهستيريا الرامية لتضليل الجماهير"

    بل يقول التاريخ السياسي، و الواقع أيضا، إن الحزب الشيوعي الذي وقف وحيدا شاهرا علمانيته، بوجه الفوران اليميني، لم يعد كذلك، لم يعد وحيداً، فهو و إن تبرأ –مؤخراً- من كونه عراب اليسار السوداني، فإنه و بفضل من مثابرته هذه، قد ألهم قوى و قطاعات أخرى بين صفوف الجماهير، في الشمال و الجنوب، الشرق و الغرب، لتلتف حول راية العلمانية و تستبسل فكريا و سياسيا -بل و عسكرياً- تحتها، مكوِّنة ما بات يعرف بحركة اليسار في بلادنا، بجامع الدعوة لعلمانية الحياة السياسية، ليس هذا فحسب، بل لو كان الله قد منّ على الحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة ناطقة، و ذات حس، لكانت ردت على اطروحة الحزب الشيوعي هذه قائلة: إن استجابتكم للموجات العاتية، فوق أنها مؤلمة، فهي أيضا متأخرة، فقد جعلنا من العلمانية أحد مقومات النظام السياسي لنصف البلاد، و بتوقيع و إقرار السلطة الأكثر تشددا و رجعية بالبلاد، بل و قد صارت العلمانية بفضلنا و فضلكم و آخرين، و أخيرا، فردا مقبولا ضمن عائلة الخطابات السياسية السودانية، كما تمنيتم أنتم أول مرة، و إن كان ما يعجبكم في حركتنا هو خطها الوحدوي فإن ما أعجبنا في حزبكم، هو لمعات فناره العلماني، المنبعثة من ظلام الشمال اليميني..

    2/ج

    و الغريب، إصرار خطاب الحزب الرسمي، على التمسُّك بالماركسية نهجا، و هو يعاف الصراع بل و أقل، إنه يعاف الجدل و المماحكة مع اليمين! و الماركسية ليست فقط فلسفة الصراع و التغيير إن جاز تلخيصها بكلمتين، و منهجها هو الجدل إن جاز تلخيصه بكلمة، بل إن بعضا من سيرتها يقول إنها صارعت حتى ابنائها و شركاء النضال، لقد فاصل ماركس نفسه ميخائيل باكونين قائد الفوضويين في كيفية إدارة الأممية الأولى، و خاض لينين منافسة محمومة مع المنشفيك حول مفهوم العضوية –عضوية الحزب-، و صارع ستالين زامنوف و كامينيف و بوخارين و تروتسكي حول القيادة بل و صرعهم جميعا
    و الحزب السوداني نفسه، خبر الصراع و الجدل و المماحكة و هو بعد غض الإهاب، فعج قاموسه بالانتهازية و اليمينية و الإنقسامية تطلق هكذا على كل من ناهض القيادة حقا أو باطلا، فكيف يأتي اليوم، الذي تتقلب فيه القلوب، و يعاف الحزب الماركسي السوداني، الجدل و المماحكة مع خصومه الفكريين و السياسيين حول مبادئه التي لم يثبت خطلها، بل العكس؟

    لماذا حين يعيد مؤتمر الحزب الشيوعي كتابة خطابه، و يقيّم لغته، لماذا يلتفت لليمين لا لليسار، لماذا ينشغل بالتسوية مع مقولات الكم المضطرب من سلالة الرجعية الدينية و يحرص على ايجاد صيغة مقبولة لديها، و يغض الطرف عن الدفع المتنامي من حوله و اسفل منه، من الحركات المسلحة، و المثقفين، و الاحزاب السياسية، و الـ Sub-cultures، ممن ائتلفوا حول العلمانية، يمثلون جزءا من الواقع السوداني، من غير ذوي الشوكة الثقافية، لماذا يدّعي الحزب الشيوعي الجنون كهاملت، و ينكر معرفة رفيقته أوفيليا

    دحض مناة الثالثة:

    3/أ

    و هنا نتولى أمر تنبيه الورقة، تحذيرها إن شئت، الورقة و مثيلاتها، من خطرين، صادرين عن التحذلق الفقهي، و المداهنة الأخلاقية

    3/ب

    و نعني بالتحذلق الفقهي كل محاولة لاستنباط حكم شرعي للموقف العام الداعي لفصل الدين عن الدولة، أو للموقف الخاص الجديد المسمى بالدولة المدنية، و مصدر الغفلة هنا، هو توقع أن يرُدّ ما أسمته الورقة مجازفةً بـ "تيار العقلانية في الفكر الإسلامي"، أن يردد المجاملة بمثلها، و يقابل التشجيع بمزيد من العمل. هذه تعويلات لا تجدي، لأن هذا التيار المستحدث كما قلنا قائم على أساس التيار غير العقلاني في الفكر الإسلامي، و ما بدر من رموزه محليا أو اقليميا من تساهل مع مشروعات الديمقراطية و العلمانية، مرده إلى غلبتها الظاهرة و جاذبيتها الخاصة –أي هذه المشروعات- لا إلى إيمان متأصل لديه، بل العكس، مثل هذا الاستشهاد المتعجِّل، بحديث منسوب للنبي "أنتم أدرى بشئون دنياكم" لن يصمد دائما و بمثل هذه السطحية في معالجة الفتوى الدينية، أمام ممثلي التيارات الراديكالية للبعث الإسلامي الجديد محليا أو عالميا، و الاستشهاد بمثل هذا الحديث النبوي، حائط فقهي قصير، يهدمه سيل تحقيق علم الحديث، و هراوة النص القرآني، و علاقات الخصوص و العموم في الفقه الإسلاموي السني و أحابيله

    و للعلم، و للمواجهة، فإن التأويل السائد للنص الديني، لا يترك مجالا لاستصدار مثل هذه الفتوى، فتوى الدولة المدنية/ العلمانية، سوى للكسالى و متلقيي الحجج، و هم إذ يقبلون الاحتكام إلى الاجتهاد الفقهي، و محاكاة عمر بن الخطاب في عام الرمادة، فإنما يزجون بالفكرة كلها، في شرَكٍ قابض

    المصيبة الأزرط، هي أن ممثلي هذه المحاولة الدؤوبة، ليسرَنَة الإسلام (و لا أقول أسلمة اليسار) يولغون في بحر لا عدة لهم لسبره، لأن شذوذ الفقيه، لا يعصمه من سوط إجماع جمهور الفقهاء، على فقهاء الدولة المدنية، التريّث و بداية الشوط من أوله، من استنهاض و بعث الفكر الفلسفي ضمن الحضارة الإسلامية، و إثارة الأسئلة القديمة، في لا وعي التكلّس الراهن، وصولا إلى حالة حضارية، تسمح ببسط التفكير العقلاني ضمن رتابة المشهد المتوارث

    إن تحرير الدين و وضعه في مجرى تطوره الحقيقي، و السير بالحضارة الإسلامية إلى عالم القرن العشرين كما نادت "الماركسية و قضايا الثورة السودانية"، سواء تمت مقاربته من داخل الدين أو خارجه، ليس قضية مخففة يكفي فيها حديث تأبير النخل و تعطيل عُمَر للحدود، في مواجهة أصولية شرسة و تقف على سند مالي و سلطوي، اجتماعي و تاريخي، تدعو إلى الخلافة و الزب عن بيضة الإسلام و لا تتوانى عن تكفير مجتمعاتها، و قطع ايديها و ارجلها و السنتها، أو دفنها حيّة، إن رأت منها اجتهادا ثوريا يهز ايديلوجيتها الزائفة

    هذا عن الإسلام، هل سنتّبِع نفس النهج بالتفقه في كل معتقد لاستخراج أحكام تبيح العلمانية؟ في الحقيقة، ليس علينا أن نفعل، ما دمنا حزبا غير قائم على أساس ديني، من عليه فعل ذلك، هو من يريد لحزب مسلم، أن يعيش في دولة علمانية و ذات قانون وضعي

    3/ج

    الغفلة و التبسيط الذان تقارب بهما هذه الورقة الفقه الإسلامي لاصطياد موقف داعم لمشروع الدولة المدنية أو العلمانية، لن يعودا إلا بالوبال على مجمل المشروع كما نؤكِّد، لأنه من جهة أخرى، و حين تقبل بالاحتكام إلى ساحة الفقه الديني لشرعنة توجهك، و إن يكن زمانيا دنيويا، تكون من حيث لا تدري قد أسست للزج بالدين في السياسة، و في إتيان ما تنهى عنه، إذ أن الافتاء بجواز العلمانية، يمثّل موقفا دينياً يستخدم ضمن الصراع السياسي، مثله مثل الموقف التكفيري للديمقراطية أو العلمانية، و قد لا يُرضي القارئ من وجهة نظر دينية، إسلامية أو مسيحية أو غيرهما، أن نقول أن إيمانه بتحليل العلمانية ليس مطلوبا، بل المرجو اقتناعه بها كصيغة للتعايش و أساس لعقد المجتمع، و لذلك قلنا بعاليه، ضمن الإشارات إلى محتوى وثيقة الماركسية و قضايا الثورة السودانية، في الفقرتين 1/أ ثانيا و 1/أ ثالثا بالأخص، إن تلك الوثيقة اتخذت موقفا متسقا مع التنظير العلماني، لأنها دعت إلى تنمية الخط الدعائي حول قضية الدين الإسلامي ضمن المستوى الفلسفي و ليس الفقهي، قائلة بصريح العبارة "و نحن في حاجة إلى هذا الخط في المستوى الفلسفي إذ تجري محاولات دائبة في معاهد التعليم للتخلي عن الحياة العلمانية و تربية جيل بتزوير الأفكار الإسلامية ضد التقدم الاجتماعي و الاشتراكية" انتهى نص الوثيقة و فيه نلمح –إلى جانب تحديد طبيعة الخط بالفلسفي- نلمح ما يشبه المهمة التي قلناها، إنعاش التراث الثوري للفكر الإسلامي كأولوية، مضادة للتبلّم الحاصل و ما أسمته الوثيقة، المجنيّ عليها، بالتزوير

    3/د

    الشق الآخر من مناة، هو التوسّل بالتطمينات الأخلاقية، لمخاطبة مجتمع المسلمين المحافظين، حين تعلن في فقرتها 7-ب أنّ:

    "(الدولة المدنية) لا تتخذ موقف اللامبالاة تجاه مظاهر التفسخ والانحلال في المجتمع ، ولا تسمح بأن يتحول المجتمع الى خمارة أو ماخور ، أو أن ينحدر الشباب الى مهاوى الضياع"

    لو حاولنا رسم خط بياني لخطاب هذه الورقة حول الدولة المدنية، يبيِّن العلاقة بين مادتها الفكرية (افقيا)، و طاقتها التغييرية التقدمية (رأسيا)، لوصلنا عند هذه النقطة بالتحديد، إلى تماس المحور الأفقي، و أي كلام بعدها، ينزل بالخطاب، الذي بدأ مقنعا و قويا و عاليا، في تفسيره للهجمة على الماركسية من مواقع دينية، ينزل به إلى مسايرة ما عرف بتبرير الهيمنة الثقافية للمجموعة الاسلامية المستعربة، المشهورة بروح الوصاية الثقافية و الأخلاقية، على من سواها

    3/هـ

    من نحن؟

    قياسات الاسطرلاب:

    قلنا مائة مرة، على الحزب الشيوعي السوداني، أن يحسم أولا توجهاته الفكرية قبل معالجة قضاياه البرامجية أو اللائحية، لكن من يجيب؟

    و ها هي مسألة الأخلاق تُعالج في إطار سياسي بدل الإطار الفكري الأشمل، و لو واصل الحزب معالجة ما ينطرح وفقا لمتطلبات الحالة السياسية و من طابعه المائي هذا، فسيجرفه التيار إلى مواقع الشورى و التكافل الاجتماعي و حماية العقيدة، واجبنا هو الاقتراب من واقعنا، هذا صحيح، لكن بالدراسة و التحليل و أحيانا التغيير و ليس بالتماهي دائما، و لو قرأنا كامل الورقة من وجهة نظر علم الأخلاق، نجدها تنطق بلسان مدرسة نسبية الأخلاق حينما يتعلق الأمر بالآخر غير السوداني- الأوروبي تحديداً، فتصر على خصوصياتـ(نا) –من نحن؟- أما حين تغلق بابها عليها، تتحول النبرة إلى خطاب الاخلاقية المطلقة من موقع ثقافة المركز المسلم، فتقع في التعميم الأخلاقي و تصدير القيم، إن مسألة الأخلاق، ماهيتها و معياريتها، علاقتها بالقانون و حق البعض في تحديد الأخلاق و حمل البعض الآخر عليها، الخ هذه المسائل، لا يمكن حله استلافا من صورة الأخلاق في ذهن الثقافة السائدة و المطوّرة جينيا بعد مشروع الجبهة الإسلامية، إذ تصبح اندلاقات مثل "مظاهر التفسخ و الانحلال في المجتمع" تصبح شراكا منصوبة بلا تحقُق أو غاية، تصيد الطيور و الأفيال، ما دام التفسّخ و الانحلال يقعان ضمن التعريفات التي تنتظر التفاعل الثقافي الذي لم يعبر عن نفسه بعد بفعل الهيمنة العربسلامية، و ما دامت شعوب السودان المهمشة و حضاراته الملحقة لم تدل دلوها في مسائل الأخلاق و الجمال و الفن و الزي و العمارة، و هي مخاوف تصبح مبررة بقدر أشد حين نعلم أن الخمارة و رديفاتها تمثِّل جزءا من مؤسسات مجتمعات محلية داخل رقعة السودان السياسية، لا يجوز الهزء بها مثلما لا ترضى ورقة الحزب أن يقال: حتى لا يتحول المجتمع إلى مسجد. و أن عدم الاتفاق حول مفهومات التفسّخ و التحلّل، هو مربط كبير لخلافنا مع مشروع الجبهة الإسلامية الاجتماعي، و ما دونه، ممن يرون في الاختلاط في وسائل المواصلات تحللاً، و في بيع النساء للشاي تفسّخا، أما ما يحدث في المناسبات الاجتماعية فهو لديهم الكفر الصراح

    3/و

    ثم يا ورقة، أين أفضت العلمانية إلى تحويل المجتمع إلى ماخور أو خمّارة لكيما تحادثي نفسكِ بهذا، لقد أورثت العلمانية شعوبها مجتمعات متقدمة، خصوصا متى ارتبطت بالديمقراطية، و تركت التبطُّل و الاستهلاك و حويصلات القهر لشعوب العقلانية الإسلامية المدّعاة، لماذا تقدّم الورقة المرشّحة لمؤتمر الحزب الشيوعي العلماني، هذا التبرّع المجاني و غير الإنساني، لماذا تدفع عن نفسها تهمة، هي أبعد ما تكون عنها، و لأجل من نُغرم هكذا، بتبرير انفسنا؟

    الذي يعيش قناعاته و معرفته، الذي يحفظ مبادئه في ذاته لا خارجها، لا يبرِّر نفسه..

    أبداً.. لا يبرِّرها
    ..

    3/ز

    و تصبح المخاوف مفزعة حين نرى خطاب الوصاية على الشباب ذو الخصوصية المتناهية، وليد الواقع المنفصم ما بين تناقضي الأصولية الإسلامية الحاكمة، و إعلام البرجوازية الغربية المتعدّي، الشباب الذي خلافا لمن بايعوا الماضي جوار قيادة الحزب، ليسوا امتدادا اخلاقيا أو ثقافيا لمن سبقهم من أجيال، و هذه معلومة يغمرها كثير من السابقين بماء التعميم، الشباب الذي واجه تناقضاته دون سند أو مرجعية، لا يصح تسييجهم من ضياع افتراضي بلغة الماضي و قياساته، خصوصا ممن كانوا وقوفا حين اختطفت الجبهة الإسلامية السلطة، سلميا و دون مقاومة، و الذين اختاروا إما منهج الفيلسوف ديوجين رائد الفلاسفة ال######يين (الذي أمضى حياته في برميل) في مقاومة الكسندر، أو تفادي الاحتكاك و المماحكة مع المنافس السياسي، إن التفسّخ الإخلاقي الممكن الاتفاق عليه الآن، هو ذاك التواصل مع المؤتمر الشعبي الذي قلناه في مطلع هذه الورقة، و هو المشاركة في برلمان النظام، المعيّن الأنصبة بغير هوى الشعب و شرعيته

    إن يكن من ضياع يهدّد الشباب أو يعصف به، فهو حصرياً، نتيجة التوازن الذي ترك الجبهة الإسلامية سيّداً و بات يكسبها شرعية اليوم، و لا يحق لمن تساهل معه، أن يزجي لنا النصح أو يصوننا من ضياع لا نراه، أبدا لا يحق و لا نقبل، و الحساب ولد، لتعلم كل نفس ما قدّمت

    الاستاذ نقد في كلمته في البرلمان ابان أزمة حل الحزب الشيوعي، نافح عن الحزب ضد الخطاب الديني و الاخلاقي الطافح، و قال في مرافعته ما معناه: إن كثرة الحديث عن الأخلاق في الأزمات، تُبيّن أين تكمن الأخلاق الجريحة

    3/ح

    أما الحرج الأكبر فمصدره أنه لم يكن من داع لهذا الخطاب الأخلاقي و التطمين المداهن إلا من باب الانبطاح السياسي الذي اضحى سمة مزعجة في خطاب و مواقف الحزب الشيوعي السوداني
                  

11-13-2010, 08:14 AM

بدر الدين احمد موسى
<aبدر الدين احمد موسى
تاريخ التسجيل: 10-03-2010
مجموع المشاركات: 4858

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: بدر الدين احمد موسى)

    الاخ ابوبكر
    ونحن في رحاب كرمك, رايت ان ارفد بوستك ببعض مقالات في نفس الموضوع, كان بعثها لي الاخ عبدالرحمن ابوالحسن.
    طبعا الراي والراي الاخر من اهم محفزات النقاش المثمر, لذلك اوردت ايضا مقالة الاخ محمد حسبو, للمقارنة!
    اعتقد ان محمد حسبو انساق وراء العاطفة ولم يمحص -كان متوقعا فيه- في اصل مفهوم الدولة المدنية, وانه من دعامات الفكر الماركسي وليس هفوة من الحزب الشيوعي السوداني كما صور محمد حسبو الامر!

    --
    اتمنى ان يساهم كل من له مقال في الموضوع او رابط ان يدرجه هنا ليتحول هذا البوست لمكتبة و مرجع لكل باحث في امر الدولة والديمقراطية

    تحياتي
                  

11-13-2010, 08:35 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: بدر الدين احمد موسى)

    الف شكر يا بدرالدين ...الاضافات مهمة فربما هناك من يقرء فقط.. الغرض كما قلت هو بعض من تعريف لاشياء نراها بديهية شكلا ولا تعنق في موضوعها .. امل ان تواصل رفدك لهذا الموضوع بخياراتك المفيدة فهذه ساحة عامة والغرض نفع عام ...
                  

11-13-2010, 09:32 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    Quote: وهناك حرية المواطنة التي تتيح للفرد إسقاط جنسيته واستبدالها بجنسية أخرى. ويمكن أن نتكلم عن حرية “عالمية”، تقضي بألاّ تتدخّل الدولة في شؤون الأمم الأخرى من ناحية سلامها وطموحاتها التي لا تهدد سلام الآخرين.
    إن برنامج الحريات هذا يحتّم على الدولة ألاّ تكون صاحبة “أيديولوجية” ، لأنها عندئذ تصير خصماً للمؤسسات الأخرى وتكبت الحريات التي لا تناسب خطها بدل أن تعززها


    اذا اخذنا هذا الي التجربة السودانية منذ 1-1-1956 فنجد ان النخب السياسية كانت صاحبة "ايديولوجيات " اهمها "قومية عربية اسلامية " الغت كل القوميات والديانات والعقائد حتي صار الامر جهادا لتثبيت هذه الايدولوجية
                  

11-13-2010, 09:42 AM

مامون أحمد إبراهيم
<aمامون أحمد إبراهيم
تاريخ التسجيل: 02-25-2007
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    بوست مهم جداً ..

    شكراً عزيزنا أبوبكر .. واصل

    متابعين .

    وكل عام وأنت بألف خير .
                  

11-13-2010, 10:26 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: مامون أحمد إبراهيم)

    شكرا عزيزي مامون وعيدك سعيد ...
    ساوصل ما تيسر فامر بلادنا جلل ...
    ونا اتصفح دساتير السودان منذ الاستقلال وجدت ان القول عند النخب السودانية الحاكمة والساسة والجيش والاحزاب غير الفعل ....كما لاحظت في كتابات اخري استعلاء شماليا سياسيا بحيث اهمل تماما رؤي ومقترحات النواب والساسة من جنوب السودان والذين ابدو وعيا ومعرفة حقيقية في وقت مبكر جدا بمشاكل منطقتهم بالاضافة الي المناطق المجاورة لهم فلو كانت هنالك دولة بالمعني الحقيقي لالتزمت بالدساتير واخذت بما هو يصلح للجنوب والاطراف في وقت مبكر وتفادينا هذا التمزق والبؤس الاقتصادي والاجتماعي والعسكري والفكري .....وربما في ما كتبه اخونا ابراهيم الكرسني في مقال نشر في سوداناي(اقتبسه ادناه ) ل قبل شهريين مؤشر لفشل النخب والساسة السودانيين وفشلنا جميعا ...

    (عدل بواسطة abubakr on 11-13-2010, 10:30 AM)

                  

11-13-2010, 10:27 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    الدولة السودانية... و إنسان القرن الأول !! ... بقلم: إبراهيم الكرسني
    الخميس, 02 أيلول/سبتمبر 2010 22:13

    حينما كنا طلابا بالمدارس الإبتدائية تم تعريفنا بماهية إنسان القرن الأول، حيث قيل لنا بأنه، "الشخص الذي يعمل طوال يومه لتأمين الغذاء و الماء له، و لأفراد أسرته". تأملت هذا التعريف مليا و أنا أنظر الى الإنسان السوداني هذه الأيام، ثم سألت نفسي هل ينطبق هذا التعريف عليه أم لا؟ و حينما تفحصت الأمر، وقلبته من جميع جوانبه، تبين لى بأن بعضهم ينطبق عليه التعريف تماما، و البعض الآخر، و ربما يشكلون الأغلبية، لا ينطبق عليه هذا التعريف، ذلك أنه يظل لاهثا طوال يومه، و لكنه يعجز عن توفير الغذاء و الماء له كفرد، ناهيك عن بقية أفراد أسرته... فتأمل!!
    إذن هنالك قلة قليلة من عامة الشعب تعيش فى مستوى إنسان القرن الأول، أما الغالبية العظمي من أفراد الشعب فهي تعيش دون ذلك المستوي!! إنه لأمر محزن و مدهش فى ذات الوقت، و لكن ما هي أسباب هذا الوضع الغريب و المخالف للتطور و نمو المجتمعات الطبيعي، وفقا لجميع الشرائع المعروفة، دينية كانت أو دنيوية؟ السبب الرئيسي فى هذا الحال البائس يرجع، فى تقديري، الى دور الدولة السودانية، و مدي قيامها بوظائف الدولة المتعارف عليها عالميا، و أداء مهامها الأساسية، و تحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها. و لكن قبل الخوض فى مناقشة هذا الأمر دعونا نورد تعريف الدولة و الفرق بينها و بين الحكومة، كما ورد فى الويكيبيديا، الموسوعة الحرة، وهو كالتالي:
    " الدولة هي رابطة سياسية ذات سيادة فعلية على منطقة جغرافية معينة. وهى سيطرة لمنظومة حكم (ملك أو رئيس) مع حاشيته وأعوانة على الحكم على رقعة من الأرض بما تحتوية من مقيمين وموجودات مادية وقيم معنوية لفترة زمنية قد تطول أو تقصر. وإشكالية الدولة هي توازن المصالح بين منظومة الحكم والرعية فإذا غلبت مصالح الأولى (المنظومة) عدت دولة استبدادية وهو غالب الحال أما إذا غلبت مصالح الرعية ووجدت مرجعية (قانون أساسي) لخلق حالة الترجيح أو كحد أدنى التوازن وتكريس حقوق الرعية في مواجهة المنظومة فإن الدولة ستكون أقرب إلى الديموقراطية بالمفهوم الحديث. ومنظومة الحكم في الدولة الحديثة قد تكون أعقد مما ذكر حيث تتكون من مؤسسات وليس أفراد ومنها المؤسسات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
    أو:
    الدولة هي تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة.و بالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي الحكومة والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة و الاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية منها. وتتسم الدولة بخمس خصائص أساسية تميزها عن المؤسسات الأخرى :
    1- ممارسة السيادة : فالدولة هي صاحبة القوة العليا غير المقيدة في المجتمع، وهي بهذا تعلو فوق أية تنظيمات أو جماعات أخرى داخل الدولة.وقد دفع ذلك توماس هوبز إلى وصف الدولة بالتنين البحري أو الوحش الضخم (Leviathan).
    2- الطابع العام لمؤسسات الدولة: وذلك على خلاف المؤسسات الخاصة للمجتمع المدني.فأجهزة الدولة مسئولة عن صياغة القرارات العامة الجمعية وتنفيذها في المجتمع.ولذلك تحصل هذه الأجهزة على تمويلها من المواطنين.
    3- التعبير عن الشرعية : فعادة (وليس بالضرورة دائما) ما ينظر إلى قرارات الدولة بوصفها ملزمة للمواطنين حيث يفترض أن تعبر هذه القرارات عن المصالح الأكثر أهمية للمجتمع.
    4- الدولة أداة للهيمنة : حيث تملك الدولة قوة الإرغام لضمان الالتزام بقوانينها، ومعاقبة المخالفين. ويُبرز ماكس فيبر أن الدولة تحتكر وسائل "العنف الشرعي" في المجتمع.
    5- الطابع "الإقليمي" للدولة: فالدولة تجمع إقليمي أي مرتبط بإقليم جغرافي ذي حدود معينة تمارس عليه الدولة اختصاصاتها. كما أن هذا التجمع الإقليمي يعامل كوحدة مستقلة في السياسة الدولية.
    التمييز بين الدولة والحكومة:
    ينبغي التمييز بين الدولة والحكومة، رغم أن المفهومين يستخدمان بالتناوب كمترادفات في كثير من الأحيان. فمفهوم الدولة أكثر اتساعا من الحكومة.حيث أن الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين، وهو ما يعني أن الحكومة ليست إلا جزءا من الدولة. أي أن الحكومة هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها وهي بمثابة عقل الدولة. إلا أن الدولة كيان أكثر ديمومة مقارنة بالحكومة المؤقتة بطبيعتها: حيث يفترض أن تتعاقب الحكومات، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، مع استمرار النظام الأوسع والأكثر استقراراً ودواماً الذي تمثله الدولة. كما أن السلطة التي تمارسها الدولة هي سلطة مجردة "غير مشخصنة" : بمعنى أن الأسلوب البيروقراطي في اختيار موظفي هيئات الدولة وتدريبهم يفترض عادة أن يجعلهم محايدين سياسيا تحصينا لهم من التقلبات الأيديولوجية الناجمة عن تغير الحكومات. وثمة فارق آخر وهو تعبير الدولة (نظريا على الأقل)عن الصالح العام أو الخير المشترك ،بينما تعكس الحكومة تفضيلات حزبية وأيديولوجية معينة ترتبط بشاغلي مناصب السلطة في وقت معين."
    فلننظر الى الدولة السودانية الراهنة و نقيمها وفقا للتعريف الوارد أعلاه، لنري هل هي دولة بالمعني الوارد أم شي آخر؟ و سنجري هذا التقييم من خلال إعادة طرح التعريف الوارد أعلاه في شكل أسئلة، ثم نترك الإجابة عليها لفطنة القارئ الكريم.
    ورد فى التعريف أعلاه أن :
    - " الدولة هي رابطة سياسية ذات سيادة فعلية على منطقة جغرافية معينة". فهل ياتري أن هذا التعريف ينطبق على الدولة السودانية الراهنة فى ظل وجود عشرات الآلاف من الجنود الأجانب المنتشرين على أراضيها؟
    - "إشكالية الدولة هي توازن المصالح بين منظومة الحكم والرعية فإذا غلبت مصالح الأولى (المنظومة) عدت دولة استبدادية". هل يا ترى تغلب مصالح الفئة الحاكمة ( المنظومة) أم مصالح الرعية فى دولة التوجه الحضاري، و بهذا المعني هل يمكن إعتبار الدولة السودانية الراهنة دولة إستبدادية؟
    - "أما إذا غلبت مصالح الرعية ووجدت مرجعية (قانون أساسي) لخلق حالة الترجيح أو كحد أدنى التوازن وتكريس حقوق الرعية في مواجهة المنظومة فإن الدولة ستكون أقرب إلى الديموقراطية بالمفهوم الحديث". هل يا تري يوجد قانون أساسي (دستور) عادل ليرجح كفة غلبة مصالح الرعية على كفة مصالح الفئة الحاكمة حتى يمكننا أن نطلق على الدولة السودانية الراهنة بأنها أقرب الى الديمقراطية؟
    - "منظومة الحكم في الدولة الحديثة قد تكون أعقد مما ذكر حيث تتكون من مؤسسات وليس أفراد ومنها المؤسسات الأمنية والاقتصادية والسياسية". هل من يحكم السودان فى الوقت الراهن مؤسسات و أنظمة راسخة أم مجموعة أفراد تكون طائفة سياسية واحدة؟
    - "الدولة هي صاحبة القوة العليا غير المقيدة في المجتمع، وهي بهذا تعلو فوق أية تنظيمات أو جماعات أخرى داخل الدولة". هل تعلو الدولة السودانية الراهنة فوق أية تنظيمات سياسية أو جماعات فئوية، أم أن هناك تنظيم واحد أحد يسيطر عليها لأكثر من عقدين من الزمان؟
    - "أجهزة الدولة مسئولة عن صياغة القرارات العامة الجمعية وتنفيذها في المجتمع.ولذلك تحصل هذه الأجهزة على تمويلها من المواطنين". على الرغم من أن الدولة السودانية تأخذ تمويلها كاملا غير منقوص( و بالزايد شويه) من المواطنين المغلوب على أمرهم، فهل هي مسئولة عن صياغة القرارات العامة و تنفيذها لمصلحة المجتمع دون تمييز؟
    - "أن الدولة كيان أكثر ديمومة مقارنة بالحكومة المؤقتة بطبيعتها: حيث يفترض أن تتعاقب الحكومات، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، مع استمرار النظام الأوسع والأكثر استقراراً ودواماً الذي تمثله الدولة". هل حصل تغيير أو تبديل فى الحكومة السودانية خلال العشرين عاما الماضية، حتى نعتبرها سلطة مؤقتة، كما هو الحال فى معظم بلاد العالم، مقارنة بالديمومة و الإستقرار الذي تتصف به الدولة؟
    - "كما أن السلطة التي تمارسها الدولة هي سلطة مجردة‘غير مشخصنة‘". هل السلطة فى السودان فى الوقت الراهن "هي لله .. هي لله.. لا للسلطة.. و لا للجاه" أم هي سلطة للشخوص و الجاه و الفلوس؟
    - " أن الأسلوب البيروقراطي في اختيار موظفي هيئات الدولة وتدريبهم يفترض عادة أن يجعلهم محايدين سياسيا تحصينا لهم من التقلبات الأيديولوجية الناجمة عن تغير الحكومات". هل ينطبق هذا التعريف على الدولة السودانية الراهنة التي فصلت عشرات الآلاف من موظفي الدولة و شردتهم، داخل و خارج السودان، وفقا لتوجهات آيديولوجية محددة وعلى قاعدة "الولاء قبل الكفاءة"؟
    - "وثمة فارق آخر وهو تعبير الدولة (نظريا على الأقل)عن الصالح العام أو الخير المشترك ،بينما تعكس الحكومة تفضيلات حزبية وأيديولوجية معينة ترتبط بشاغلي مناصب السلطة في وقت معين". إذا ما تأملنا أن الدولة السودانية الراهنة تعكس تفضيلات حزبية و آيديولوجية معينة ترتبط بشاغلي المناصب، ألا يحق لنا أن نصف السلطة الحاكمة فى السودان بأنها قد عكست الآية تماما، و حولت جهاز الدولة بمؤسساته جميعها الى صالح فئة حزبية بعينها، و بالتالى حولت الدولة السودانية من دولة الوطن الواحد الى دولة الحزب الواحد التى لا تعبر عن الصالح العام أو الخير المشترك؟
    و إذا ما عرفنا أن الدولة السودانية الراهنة قد إحتلت المرتبة الثالثة فى قائمة الدول الفاشلة، التي أصدرتها مجلة السياسية الخارجية “Foreign Policy” الأمريكية المحترمة الصادرة بتاريخ 2/9/2010، و لم يتفوق عليها فى هذا "الشرف" سوى الصومال و تشاد، فى المرتبتين الأولى و الثانية على التوالي، و حينما تتخلي الدولة السودانية عن مسؤولياتها الأساسية فى توفير التعليم و الخدمات الصحية المجانية للمواطنين، ناهيك عن بقية الخدمات الأخرى من كهرباء و ماء... الخ، لأدركنا تماما لماذا يعيش معظم أفراد الشعب السوداني مستوي حياة أدني بكثير من مستوى حياة إنسان القرن الأول!!
    2/9/2010
    سودانايل



    Ibrahim Kursany [[email protected]]
                  

11-13-2010, 10:33 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    الدولة السودانية و حتمية الانهيار
    نجم الدين جميل الله
    سودانيزاونلاين


    تمر الدولة السودانية هذه الايام بمرحلة يسميها بعض النائمين بالحرجة و يسميه الاخرون بالمرحلة المفصلية لكن فلنعرف جميعا دون تردد بانها بداية الانهيار الفعلي للدولة السودانية الاحادية

    ستنهار الدولة السودانية الحالية تلقائيا للاسباب الاتية :-

    1 – تاسست الدولة السودانية على اساس هش من الوطنية و بني على ارضية عنصرية من يومها الاول

    عندما همش دور علي عبد اللطيف البطل الحقيقي للإستقلال فقط لانه اسود و تم إبراز دور المناضلين من اصل عرب و جعلهم رموز وطنية و تزوير التاريخ لإبراز مهيرة بائعة الخمر لكتشنر في جلباب بطلة ناضلت من اجل الاستقلال

    2 – تاسست الدولة السودانية على ايدي عميلة تخابرت للمستعمر و ادخلتها و تعاونت معها في سياساتها فصار من جاء جدهم ضابطا في جيش المستعمر المصري باحثا عن الذهب و العبيد رجال دولة و قادة يجب احترامهم بل اصبح لهم مكانة دينية و وطنية و بنوا الدولة السودانية وفقا لمصالهم و اهدافهم فاصبح

    الدولة السودانية بلا هدف

    3 – تأسست الدولة السودانية على مشروع التعريب و تدمير ثقافات و لغات الاخرين مقابل لغة

    الحاكمين و ظهر المفتاح في المدارس ليعلق على رقبة كل من نطق كلمة غير عربية ليتم محاسبته في اليوم التالي لا لذنب اقترفه إنما فقط لانه تحدث بلغته الاصلية و تنكر للعروبة المفروضة عليه لانه اخر فضاع التنوع و ضاع معها الدولة السودانية ليحل محله دولة التعريب التى رفضها اهل الارض

    الاصليين ليكون بذلك العيش في دولة واحدة من المستحيلات و تفتيت دولة التعريب من اهم الاهداف

    4 – تأسست الدولة السودانية باهداف اثنية بحتة كانت تنفذ في سرية تامة من ابرزها ان يظل الحاكم عربي من الشمال النيلي مهما كانت الاسباب فضاع اهداف الامة عندما وضع اهل الشمال اهدافهم فوق

    اهداف الشعب و سعوا في جعل السودان مملكة سرية يتبادلون الادوار فيه

    5 – تأسست الدولة السودانية على الاستعلاء العرقى و التمييز العنصري فكانت الحملة العنصرية ضد

    ابناء الغرب بعد المحاولة الانقلابية التى سماها اهل المركز استفزازا لهم بمحاولة المرتزقه و تم الترحيل

    القسري من العاصمة عبر القطار و تم التعامل معهم كانهم من كوكب اخر و مواصلة لتلك السياسة تم ما عرف بالجهاد ضد ابناء الجنوب فارتكب المجارز و التطهير العرقي ضد الجنوبيون باسم الدين فكان لزاما على اهل الجنوب و الغرب الفرار من دولة التمييز إلى دويلات صغيرة يتمتعون فيها بحقوقهم

    المشروعة فضاع السودان ليحل محله دولة البحيرات و دولة الغرب و دولة كوش

    6 – سيطر على مفاصل الدولة السودانية منذ ايام الاستقلال شرزمة من الشمال لا تمثل سوى 7% من

    سكان السودان و من اصغر مجموعاتها السكانية لكنها فرضت نفسها بالقوة و كلما احست بالخطر

    قامت المجموعة بانقلاب جديد ياتي باحد ابناء الشمال حاكما و زج بالاخرين في القبور ليوطد اركان

    الدولة القبلية فتكونت في السودان اكثر من 500 حزب عبر التاريخ كان 99% من رؤساء تلك الاحزاب شماليون من اثنية واحدة و جاء على سدة الحكم 50 رئيسا كان جلهم من الشمال ومن اثنية

    واحدة و كل قادة الانقلابات الناجحة من نفس الاتجاه في حين ان معظم الانقلابات الفاشلة كانت قادتها

    من اهل الهامش , و بما ان دولة الظلم لن يبقى و ان القوة تنجلي يوما ما فان الدولة السودانية ستنهار

    تلقائيا عندما يرفض اهل الهامش الانصياع للمستعمر الوطني

    7 – غياب رؤية وطنية خالصة لبناء امة عظيمة و جعل السودان بلدا للجميع عند الحكومات المتعاقبة فقد

    سعى كل الحكومات إلى فرض اللغة العربية و طمس هوية السودان الحقيقة و محاولة جعلها دولة عربية دون التفكير في الثروة الهائلة من الثقافات فكان لزاما على تلك الثقافات البحث عن موقع اخر يقبلها و يتعامل معها

    8 – التغييب الكامل لدور المثقف السودانى في بناء الدولة و تشريد العقول السودانية بسياسة ممنهجة

    هدفها تغييب الوعي من الشعب و الحيلولة دون تاثير المثقف في المجتمع فسعى جميع الحكومات

    من ازهرى حتى بشير إلى تشريد العلماء السودانيين فكان من واجبات المثقف المبعد ان يحاول

    توسيل رسالته بشتى السبل حتى لو ادى ذلك إلى تمرد صريح ضد السلطة

    9 – غياب دستور قومي سوداني يتناول كل الحقوق و يعدد القوانين و التشريعات في شكل يراعي

    التنوع الديني و الثقافي و الاثني و ينظم العلاقة بين الحاكم و المحكوم مما ادى إلى وضع دساتير

    إنتقالية تراعى مصالح الاحزاب و الحكام و تم تغييب دور الشعب في وضع الدستور او حتى الاطلاع

    عليها كانت نتائجه بائنة للعيان في جيل من السياسيين الذين لا يعرفون حتى معنى الدستور ناهيك عن وضعها

    10 – عدم وجود قائد وطني بارز و مؤثر يتخذه الاجيال التالية كمثل اعلى في خدمته للوطن و خلاصه

    للامة فكان دائما السعي لخلق زعيم من العدم و جعله بطلا في محاولة يائسة لتزوير الحقائق و تزييف التاريخ فسقط امام الحقيقة الابطال المزيفه و صار الاجيال على نهج نحن الافضل من ذي قبل و حصاده ما نعيشه اليوم من جيل يفقد اقل مقومات الوطنية و يضع مصالح الاحزاب فوق المصالح العامة و عندها

    إنهار الدولة المسماة بالدولة السودانية

    ما ذكرناه من الاسباب تكفي لسقوط المملكة التى لا تغيب عنها الشمس ناهيك من دولة سودانية تغيب شمسها كل يوم , و انهيار الدولة امر واقع يجب ان نتعامل معها و نستعد للملمة الحطام و إعادة بناء

    امة سودانية تؤمن بالاخر و تحترم القانون و تشكل نواة للسودان المتعدد ثقافيا , اثنيا , لغويا و تحتكم إلى

    الدستور عند الخلاف , اما ان نبكي مثل غندور و نافع في تجمعات حاشدة دون إبداء اي نية للتغيير نكون

    كمن يبكي و جثة اباه يتعفن

    نداء :

    على الشعب السوداني ان يواجه الحقيقة و يعترف باخطائه و يتصالح مع ذاته و الاخرين و ينبذ العنصرية

    و على الشماليين الاعتذار لشعب الهامش و الاقليات لما حاق بهم من ظلمات في سنين حكمهم الخمسين



    نداء اخير :

    دولة الظلم البغيضة ,,,, ستنهار يوما في دقيقة

    و يبقى كل الشعب حر مافي عبدا مافي سيدا

    كفاية حكما كلو عربي كفاية حكما كلو نوبه

    خلونا نحكم بالتساوي كل حزب و كل قبيلة

    نبني سودان متعدد فيهو رملة و فيهو طينة
                  

11-13-2010, 02:13 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    من موقع "الشامل"

    مفهوم الدولة


    تقديـم إشكالـــي :

    بما أن السياسة هي السعي إلى امتلاك السلطة و فرض الطاعة و تدبير الشأن العام و تنظيم العلاقات بين الأفراد بواسطة هيئات و مؤسسات تستخرها لذلك و بما أن السياسة ترتبط بالدولة باعتبترها أعلى سلطة فمن أين تستمد الدولة إذن مشروعيتها؟ هل من الحق أم من القوة؟ وهل تنحصر السلطة السياسية في أجهزة الدولة أم تشمل المجتمع ككل؟و كيف تمارس سلطتها ؟ هل باعتماد العنف و البطش أم باعتماد القانون و الحق؟ و ماهي طبيعة العلاقة بين القانون و العدالة ؟ هل ترتبط العدالة بالحق الطبقي أم بالحق الوضعي؟ هل العدالة أساس الحق أم الحق أساس العدالة؟ هل تستطيع العدالة تحقيق المساواة و الإنصاف لجميع أفراد المجتمع ؟

    مشروعية الدولة و غاياتها:

    من أين تستمد الدولة مشروعيتها و ماهي غاياتها؟

    نص : ماكس ڦيبر:

    إشكال النص: ماهي الأسس التي تستمد منها الدولة مشروعيتها ؟

    أطروحة النص : يحدد ماكس ڦيبر ثلاثة أسس تستمد منها الدولة مشروعيتها : مشروعية مستمدة من سلطة الماضي أي السلف .

    البنية الحجاجية : يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية العرض والتفسير و التميز بالإضافة إلى التأكيد و الإثبات حيث يؤكد أن الدولة تستمد مشروعيتها من ثلاثة أسس )الماضي، كاريزمية الحاكم، و الشرعية القانونية (.

    نص : طوماس هوبس :

    الإشكال : كيف نشأت الدولة و ما هي غاياتها ؟

    أطروحة النص: يؤكد طوماس هوبس أن نشأة الدولة نتيجة لميثاق و تعاقد إداري حر بين الأفراد تم بمقتضاه تنازلهم عن بعض حقوقهم الطبيعية و حريتهم المطلقة مقابل تحقيق الأمن و استقرارهم و ضمان حريتهم من طرف شخص أو مجلس يجسد إرادات الجميع ينظم شؤونهم و يضمن السلم و الامن و يحافظ على حقوق الجميع و يشترط فيه أن يكو ن قويا مستبدا كالتنين حتى لايجرؤ أي أحد على خرق الميثاق المتعاقد عليه و عصيان أوامره خشية منه ، وبذلك نشأت الدولة بهدف ضمان الأمن والإستقرار و السلم.

    البنية الحجاجية: يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية التأكيد و الإثبات و المقارنة بين حالة الطبيعة المتوحشة حيث سيادة الخوف و العنف و حالة التمدن حيث سيادة القانون و الأمن و الإستمرار.

    نص: باروخ سبينوزا:ماهي غاية الدولة و مقاصدها؟

    أطروحة النص: يؤكد سبينوزا أن غاية الدولة القصوى هي تحرير الأفراد و الحفاظ على أمنهم و تمكنهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية و حمايتهم من كل أشكال العنف و التسلط و تنمية قدراتهم الجسدية و الذهنية شريطة عدم إلحاق الضرر بالآخرين و الإمتثال لسلطة الدولة و عدم الخروج عن التعاقد و المواثيق المتفق عليها و يشترط في هذه الدولة أن تكون ديموقراطية تضمن العدل و المساواة و الحرية للجميع و تحافظ على الأمن و السلم.

    البنية الحجاجية: يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية العرض و التفسير و التوضيح و التأكيد و الإثبات فهو يؤكد على أن الهدف الأساسي للدولة و الغاية من نشأتها هو تحرير الناس من خوفهم و ضمان أمنهم و حريتهم و الحفاظ على حقوقهم و تحقيق العدل و المساواة فما هي إدن طبيعة السلطة و مرتكزاتها و ما هي طبيعة السلطة السياسية؟

    طبيعة السلطة السياسية:

    ماهي طبيعة السلطة السياسية ؟ و ماهي أسسها و مرتكزاتها؟

    نص: مونتسكيو:

    الإشكال: ما هي أنواع السلط ذاخل الدولة و ما هي طبيعة العلاقة بينهما؟

    أطروحة النص: يبين مونتسكيو أن الدولة الحديثة تتوزع فيها السلط إلى ثلاثة أنواع:

    سلطة تشريعية: تشرع القوانبن أو تعدلها أو تبطلها.

    سلطة قضائية: تنظر في الخلافات بين الناس و تسهر على ضمان حقوقهم.

    سلطة تنفيدية: تقوم بتنفيد القوانين و تطبيقها ، ويشترط مونتسكيو لضمان أسس الدولة و استمراريتها و للحفاظ على حقوق المواطنين الفصل بين هذه السلط و استقلالية كل منهما عن الآخر لأن احتكارها من طرف شخص أو مؤسسة يهدد استمرار الدولة و أمنها كما يهدد حقوق المواطن .

    البنية الحجاجية : يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية العرض و التفسير و التوضيح .

    الإشكال: هل تنحصر السلطة في مؤسسات و بنيات أم أنها تتخلل جميع مجالات المجتمع ؟

    أطروحة النص: ينتقد فوكو التصور الذي يحصر السلطة في مؤسسات و بنيات ليؤكد أن السلطة ملازمة لعلاقات القوى المتعددة ذاخل المجتمع فهي تعم جميع مجالاته و بذلك فهي مجموع استراتيجيات معقدة داخل المجتمع.

    استنتاج تركيبي: إدا كان مونتسكيو قد انطلق من تحديد أنواع السلط التي تتوزع داخل المجتمع و حددها في ثلاثة أنواع: السلطة التشريعية، التنفيدية و القضائية و أكد على أن العلاقة بين هذه السلط يجب أن تكون علاقة انفصال و استقلال ضمانا لأمن الدولة و حقوق المواطن لأن احتكار هذه السلط يؤدي إلى الطغيان و تدمير الدولة و تهديد أمن المواطن لذلك فالسلطة في رأيه تتجسد في مجموعة من المؤسسات و الهيئات ) المحاكم ، الشرطة، الجيش.......(أما بالنسبة لفوكو فهو ينطلق من منظور سياسي اجتماعي ليفند و ينتقد هذا التصور و ليؤكد خلافا لذلك أن السلطة لا تنحصر في مؤسسات و هيئات و بنيات بل تتجسد في مجموع العلاقات بين القوى المتصارعة داخل المجتمع و في جميع مجالاته فهي وضعية استراتيجية معقدة فمن أين تستمد الدولة سلطتها إدن و تمارسها هل اعتمادا على القوة و العنف أم على الحق و القانون؟

    الدولة بين الحق و العنف:

    كيف تمارس الدولة سلطتها ؟ هل استنادا إلى القوة و العنف أم الحق و القانون؟

    الإشكال: ما هي الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها الدولة لتمارس لسطتها و تحافظ عليها؟

    أطروحة :يؤكد ماكياڦيل أن السياسة هي مجال الصراع بين الأفراد و الجماعات مما يؤدي إلى اللجوء إلى جميع الوسائل المشروعة و غير المشروعة فالحاكم أو الأمير يجب أن يكون على أهبة الإستعداد لتوظيف جميع الأساليب، فعليه أن يكون قويا كالأسد و ماكرا كالثعلب حسب مقتضيات الظروف و مجريات الأحداث، كما يمكنه أن يلجأ إلى القوانين و الأخلاق إدا كان ضمان السلطة يتطلب ذلك، و هكذا تصبح جميع الوسائل مباحة لضمان السلطة و ممارستها فالغاية تبرر الوسيلة.

    نص: فريديريك انجلس:

    الإشكال: هل يمكن اعتبار الدولة نتاج للصراع الطبيعي و هل تمثل الطبقة المسيطرة؟

    أطروحة: ينطلق أنجلس من منظور مادي تاريخي ليبين أن الدولة ليست مفروضة من طرف سلطة خارج المجتمع، بل هي نتيجة للصراع الطبقي داخله فهي تعبير عن تضار ب المصالح بين الطبقات الاجتماعية ووجود الدولة ضرورة للتخفيف من حدة هذا الصراع و الحفاظ على النظام إلا أن الدولة تجسد مصالح الطبقة السائدة المهيمنة القوية اقتصاديا و سياسيا، مما يجعلها تلجأ إلى أساليب القمع و الإضطهاد و الإستغلال للحفاظ على داتها و استمراريتها

    استنتاج: إذا كان ماكياڦيل قد اعتبر أن السياسة مجال للصراع من أجل السلطة و بالتالي فالحفاظ على هذه السلطة و ممارستها يحتم على الأمير أو الحاكم أن يلجا إلى جميع الأساليب و الوسائل المشروعة أو غير المشروعة فعليه أن يختار الأسلوب المناسب لكل ظرف كالقوة و العنف و الحكم و الخداع و الحق و القانون لأن الغاية تبرر الوسيلة.

    -أما أنجلس فإنه قد انطلق من تصور تاريخي مادي ليبين كيف أن الدولة هي وليدة الصراع الطبقي و أن وجودها يحتمه الحفاظ على النظام و التخفيف من حدة هذا الصراع إلا أن الدولة تظل مجسدة لمصالح الطبقة السائدة المهيمنة التي تملك وسائل الإنتاج و أن زوالها مشروط بزوال الطبقات الإجتماعية و تحقيق المساواة و العدل و الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج.
                  

11-13-2010, 03:56 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)


    عن مقياس الدولة الفاشلة!

    اخبار مكتوب
    بقلم : خالد محمود 2010/7/28

    للعام السادس على التوالي أصدرت دورية السياسة بالتعاون مع وقفية السلام - وهو مركز أبحاث أميركي يهتم بالصراعات الدولية، وسبل إدارتها وحلها وأسباب اندلاعها- المقياس السنوي السادس للدول الفاشلة، والذي
    يقوم بترتيب الدول بحسب درجة إخفاقها في أداء الوظائف المنوطة بها.

    وكما هي العادة، تم تقسيم الدول وفقاً للفئات الفرعية ذاتها للفشل التي تعكس درجة ما تمثله الدولة من تهديد للسلام والأمن الدوليين، وهي وفقًا للموقع الإلكتروني لوقفية السلام كما يلي: فئة الدول المستنفرة Alert States (وتشمل هذا العام 37 دولة) وفئة الدول المنذرة بالخطر (92 دولة)، وفئة الدول المتوسطة (35 دولة)، وفئة الدول المستقرة (13 دولة) ، وتأتي التقسيمات الفرعية بتسميات مختلفة على الموقع الإلكتروني لدورية السياسة الخارجية.

    الدول العشر الأولى في مقياس هذا العام 2010 هي (الصومال، تشاد، السودان، زيمبابوي، كونغو، أفغانستان، العراق، أفريقيا الوسطى، غينيا وباكستان) هذه الدول لم تخرج عن دائرة أول 15 مركز للفشل على مدار عمر المقياس، بمعنى آخر منذ عام 2005 وهي تنتمي إلى فئة الدول المستنفرة. واعتبرت الدورية أن الفشل في هذه الحالات هو حالة مزمنة تعاني منها الدولة.

    وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع هذا المقياس، إلا أنه لا أحد يختلف على أن الدولة الفاشلة تلك التي لا تستطيع أن تقوم بوظائف أساسية، وتحديداً التعليم والأمن والحكم. لكن بالمقابل فإن نظرة في العمق تكفي للقول بأن الدول العربية التي احتلت القائمة خاصة الصومال والسودان والعراق لم تكن فاشلة كما هي الآن ، وذلك قبل التدخل الخارجي في شؤونها .فالصومال إبان المحاكم الإسلامية شهد أمناً واستقراراً . لكن بعد اجتياح القوات الإثيوبية لأراضيه، ليمارس الاحتلال بالنيابة عن القوات الأمريكية، فقد الأمن والاستقرار، وباتت أرضه تعج بمسميات التنظيمات المسلحة المقاتلة للاحتلال، علاوة على قطاع الطرق والقراصنة الذين يمتهنون خطف الرهائن لمبادلتهم بالدولارات ، وأصبحت حركة الشباب المجاهد من أقوى التنظيمات المسلحة بالصومال، وحلت محل المحاكم الإسلامية المشهود لها بالاعتدال.

    أما السودان فلا يختلف الحال فيه عن الصومال، فما الذي حوله إلى دولة فاشلة سوى التدخل الخارجي بجنوبه وفي دارفور، فتحولت هاتان المنطقتان إلى مرتع للجماعات المسلحة ، وأصبح حرق مدن وقرى بأكملها خبراً يومياً.

    ولم يكن العراق قبل احتلاله دولة فاشلة، وكان ينعم بالأمن والاستقرار، ولم يكن به لا مليشيات ولا حتى أحزاب، غير الحزب الحاكم آنذاك، وأصبح الآن يعج بعشرات المليشيات من مختلف الطوائف المتصارعة. هذه النماذج الثلاثة تؤكد أن التدخلات الخارجية هي التي حولت تلك الدول إلى دول فاشلة.

    مرة أخرى نقول إننا لا ننكر أنّ "دليل الدول الفاشلة" خاضع للنقاش من نواح عدة من بينها: عدم كفاية المؤشرات، تغليب عناصر سياسية وتغييب أخرى، التركيز على المشكلات العابرة أكثر من المشكلات المزمنة،... إلا أن الواقع يشير إلى أن ثمة دولاً تحتدم المنافسة فيما بينها مستقبلاً على احتلال المزيد من المراتب الأولى في قائمة الدول الفاشلة. وتتصارع على مواقع متقدمة على "مقياس الفشل"، فيما دول أخرى تتحضر للانتقال من الأصفر إلى البرتقالي، ومن البرتقالي إلى الأحمر، وربما من الأخضر إلى الأصفر وفقا لألوان التدرج التي تعكس درجة خطوة الفشل ومدى تفشيه.

    إننا نلاحظ كافة شعوب الدول والأمم تسارع لتبني التجديد والتطوير بهدف تحقيق التقدم بأسرع وقت ، وقد حقق كثير من الشعوب التجديد والتطور وبالتالي التقدم . وتدعي معظم الدول العربية بأنها تسعى للتجديد والتطور ، ولكن الواقع يظهر غير ذلك . فالملاحظ هو البطء الشديد في التطور والتقدم لدى غالبية الدول العربية ، وأن المحافظة على الموروث الاجتماعي والثقافي غير المناسب هي الغالبة . وكلما تباطأنا في المسارعة إلى تجديد الحقيقي والفعلي وبشكل خاص بتجاوز الموروث الاجتماعي والثقافي والفكري غير المناسب ، كلما كان تقدما أصعب وأبطأ .

    نأسف أن تتصدر الدول العربية رأس هذه القائمة ، ولكن المعطيات الراهنة المتعلقة باستمرار ارتفاع أسعار النفط والغذاء، وتفاقم حالات الاحتقان والتوتر والغضب في أوساط شعبية متزايدة وسواء الادارة والحكم ، وتفاقم عجز الكثير من الدول عن توفير "الخدمات الأساسية" لمواطنيها، فإن الأنظار تشخص لمقياس 2011 لمعرفة الأعضاء العرب الذين سيتوزعون على أندية الفشل بدرجاته المتفاوتة. "والله يستر من اللي جاي"!
                  

11-13-2010, 04:08 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    من موقع "الفكر الاسلامي :

    تغير وظيفة الدولة

    السبت 02 يونيو 2007


    اقتصرت وظيفة الدولة في العصور الأولى على مرافق الدفاع والبوليس والقضاء ، وأصبحت علاقة الحكومة بالأفراد علاقة استثنائية محضة ، وكانت كل مسئولية الحكومة تنحصر في : تهئية الأمن الداخلي والخارجي والعمل على سيادة الطمأنينة والاستقرار .

    وأصبح دور الحكومة بذلك مقتصر – كما يقول آدم سميث – على ثلاث وظائف رئيسية :

    1) الدفاع .

    2) المحافظة على النظام .

    3) إنشاء وإدارة بعض المشاريع والمؤسسات العامة التي لن يكون من مصلحة أي فرد أو عدد قليل من الأفراد أن ينشئوها إذا لم يقوموا بإدارتها .

    وأصبح آدم سميث على رأس " المذهب الفردي " والذي لا يؤمن بضرورة تدخل الحكومة ويؤمن بضرورة ترك الأفراد أحرارا.

    ويؤمن أصحاب المذهب الفردي :

    1) أن الإنسان خلق حراً طليقاً .

    2) أنه لا يصح للحكومة إعانة الفقير أو تعليم الجاهل فالبقاء للأصلح .

    3) أن عدم تدخل الحكومة يزيد من الإنتاج .

    وقد كان للحرب العالمية الأولى أثر كبير في تغير مفهوم وظيفة الدولة لدى كثير من الفقهاء والفلاسفة بسبب الدمار والتدهور الذي حدث حينئذ .

    وتبلورت هذه الأفكار لدى كثيرين خصوصا بعد الكساد الكبير 1929-1934 ، حيث ساد الكساد والبطالة مختلف البلدان, ومن المفكرين الذين نادوا بالوظيفة الحديثة للدولة مينارد كينز وظهرت أفكاره في كتابه المشهور " النظرية العامة للتوظف " .

    وقد استعمل مينارد كينز (1930) نهاية مبدأ الحرية التجارية قائلا : إن أهم ما يجب أن تمارسه الدولة ، ليست الأعمال التي يقوم بها الأفراد بإدارتها عادة ، بل الأعمال التي تقع خارج حدود طاقة الفرد والقرارات التي لن يتخذها أحد إذا لم تتخذها الحكومة . إن المهم بالنسبة للحكومة ليس أن تقوم بالأعمال التي يقوم بها الأفراد فعلا ، بشكل أحسن أو أسوأ قليلاً ، بل أن تعمل في تلك الأشياء التي لا يقوم بها أحد في الوقت الحاضر " .

    وتقوم نظرية كينز على أن : الانفاق الأهلي الكلي = الانفاق الاستهلاكي الكلي + الانفاق الاستثماري الكلي + الانفاق الحكومي الكلي .

    فإذا كان مجموع ما ينفقه المستهلكون في عام واحد 300 مليون جنيه ، وجميع ما ينفقه المستثمرون 200 مليون جنيه ، وجميع ما تنفقه الحكومة (الهيئة الحاكمة ) 100 مليون جنيه ، كان مجموع الانفاق الكلي 600 مليون جنيه . فإذا لم يكن هذا المستوى من الانفاق الكلي (للمجتمع ككل) يحقق التوظيف الكامل لحدثت البطالة .

    والنتيجة المنطقية لذلك أنه يجب على الحكومة أن تتدخل في الاقتصاد القومي لكي تؤثر على مستوى الانفاق الكلي بشكل يحقق التوظيف الكامل ، وإلا ساد الكساد وتدهورت الأحوال .

    وقد ظهرت نظرية كينز للتوظف في وقت " الكساد الكبير " الذي اجتاح أمريكا 1929-1934 وقد تبنى هذه النظرية فرانكلين روزفلت مباشرة وآمن بضرورة تدخل الحكومة لتحقيق زيادة الانفاق الحكومي وتحقيق التوظف الكامل عن طريق المشروعات العامة ، وكان ذلك حجر الأساس في اتجاه الحكومة الجديدة .

    وقد أثرت حوادث الحرب العالمية الثانية على هذه الاتجاهات العامة . فالشعور بضرورة الإقلال من المخاطر التي يتحملها الأفراد وقبولهم تولي الحكومة الوظائف الجديدة ظهر بشكل واسع .

    وهكذا ظهر الاتجاه الجديد نحو الدولة الإيجابية أو دولة الرفاهية ، وقد أدى هذا الاتجاه إلى اتساع نطاق العمل الحكومي وامتداد نشاط الدولة إلى المجالات كافة لتنظيم النشاط الاقتصادي وتوجيهه ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وذلك بقصد توفير الخدمات الضرورية للمواطنين وتحقيق رفاهيتهم ورخائهم في شتى المجالات .

    لقد أصبحت الدولة مسئولة عن ترسيخ الأمن في الداخل ، وتعزيز الدفاع عن المواطنين ، وتوفير التعليم والصحة والإسكان المناسب ، وتأمين العيش الكريم لهم ، والحفاظ على معدل مرتفع للنمو الاقتصادي عن طريق تنمية الموارد الاقتصادية ، وزيادة الرفاهية لجميع فئات المجتمع ، ودعم الاستقرار الاجتماعي في مواجهة التغيرات الاجتماعية السريعة .

    ولا يقتصر دور الإدارة في مجتمعنا المعاصر عند هذا الحد بل يتعداه إلى مسؤوليتها الضخمة من إحداث التنمية الشاملة ، وهذا هو دور الإدارة الجديد وهو أعظم تحدياتها ، وهذا الدور وذلك التحدي يؤديان إلى النمو المطرد في نشاط ومهام الإدارة ، وهذا ما أدى إلى ظهور ما يطلق عليه في وقتنا الحاضر " دولة الإدارة " .


    أهم المراجع :
    2. الإدارة العامة : إدارة الأعمال الحكومية وشبه الحكومية المبادئ والنظريات . د.سيد محمود الهواري .

    1. الإدارة العامة : الأسس والوظائف . د.سعود النمر وآخرون .
                  

11-13-2010, 05:45 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    مقومات الدولة الحديثة
    الاثنين, 20-سبتمبر-2010
    مأمون سلطان الربيعي -
    "الدولة هي إطار لشعب ولها حدود معترف بها ولها قانون" . ولم تكن اليمن قبل الوحدة ذات حدود آمنة ولم تكتمل الدولة بما فيها إلا بعد (22مايو1990م) إذ تم ترسيم الحدود مع عمان ومع المملكة العربية السعودية وبهذا تكون اليمن قد خطت الخطوة الأولى نحو بناء الدولة الحديثة أما قبل الوحدة فقد كانت اليمن ذات نظام شطري يسعى كل شطر لإسقاط الآخر ولكن بفضل الله سبحانه تعالى وقدرته وبحكمة اليمانيين انتصرت الوحدة اليمنية وتحققت بدون حرب أو إلغاء لأي منهما وتعد خطوة أخرى لقيام الدولة الحديثة.
    من مقومات الدولة الحديثة التماسك الفعلي الاجتماعي وتطور مفهوم المواطنة والوعي الكامل لمفهوم الحقوق والواجبات لكل فرد من أفراد المجتمع المتجسد بالفهم العقلي السليم لكل خطوة تخطوها الدولة نحو التحديث.
    إن تطور وسائل العمل والمشاركة العملية لفئات المجتمع من أجل ترسيخ المسار السليم نحو التطور الذي يفضي في الأخير على إقامة الدولة على مستوى متكامل بين البناء التحتي والبناء الفوقي المتميز.
    إن الحرب العالمية الثانية كانت قد قضت على ما تبقى في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى ولكن كان هناك تفاعل حتمي داخل المجتمعات الأوروبية التي استطاعت في خلال فترة وجيزة إعادة ما انهار خلال تلك الحربين العالميتين لأن أسس المعرفة العلمية في تلك البلدان كان قد تأسس صرحه عند قيام الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر أي أن وسائل العمل المتطورة كانت أحد وسائل أوروبا التي حكمت العقلانية وحسمت قضايا التسامح بين تلك البلدان التي دخلت الحربين بغرض لمن الغلبة ومن ذا الذي يستطيع أن يسيطر على العالم ويتحكم بتطور الحركة الصناعية عالمياً؟.
    إن المواد الخام والأيدي العاملة كانتا المبرر لخروج أوروبا على عالم ثالث بغية الاحتواء على مقدراته التي من شأنها أن تدفع بعجلة التقدم نحو البناء الحضاري الجديد القائم على أساس قواعد علمية أفضت إلى مسلمات بديهية لمن تعوزه التواجد خارج الحدود المتحكم بالداخل والخارج.
    أن التوظيف الشامل لأفراد المجتمع ذكوراً وإناثا أسهم في عملية التسارع الفعلي لظهور هذا العالم المتعدد في امتلاك الآلة المحركة للتطور الاقتصادي والاجتماعي واستطاعت البلدان الرأسمالية أن تعيد بناءها المحدد وتأخذ شكل التصالح دون التصادم الدامي الذي وقع في الحربين العالميتين وكانت المصالح المشتركة للبلدان الرأسمالية تحتم التقاسم للعالم الثالث الذي دفن تأريخه وظل يبحث عن مخرج من هذا التخلف بغض النظر على يد من؟.
    وظهر النظام العالمي الجديد – بعد انتصار الثورة الروسية عام 1917م – الذي أقام نفسه وصياً على البلدان المستعمرة والتواقة للتحرر من التبعية الرأسمالية وتبنت هذه البلدان نظرية الاشتراكية الماركسية اللينينية والتي انحسرت بعد سقوط النظام السوفييتي عام 1990م.
    إن المبادئ الخاطئة للنظرية الماركسية اللينينية قد أدت إلى السقوط الفعلي للنظام الاشتراكي المتمثل لتلك النظرية وانتصرت الرأسمالية التي انفردت بالقرار السياسي لمصير الكثير من بلدان العالم وألحقت الهزيمة بالنظام الاشتراكي وفندت مقولاته الفلسفية وحاصرته بعد أن كان منتشراً في معظم بلدان العالم.
    كان النظام الاشتراكي قد أقام دولة بدون عقيدة دينية وحارب التفكير المثالي وأقام بديلاً عنه التفكير المادي الذي لا يؤمن إلا بما هو ملموس أما في علم الغيب فلا مكان له على الإطلاق.
    وهناك خطوة تعد من أهم الخطوات وعليها ترتكز مقومات الدولة الحديثة وهي "الاقتصاد" إنه رأس المال الذي يقيم التعليم والأمن ويقضي على ترسبات الماضي المتخلف وصمام أمان تفكك المجتمع يقول أحد الحكماء "ومن يملك المال يملك العلم ومن يملك المال والعلم يملك القوة ومن يملك المال والعلم والقوة هو الذي يسيطر" إن أوروبا في العصور الوسطى كانت تعيش حالة من التخلف والفقر وتدني مستوى الحياة المعيشي وحتى تنهض كان لابد لها من التعرف على الحضارة العربية الإسلامية التي بلغت مستوى عالياً من الرقي والتقدم وتكفل الفلاسفة "كانت" و"هيوم" و"هيجل" و"لابتز" في وضع فلسفة الدولة وهؤلاء جميعاً كانوا فلاسفة وعظماء فكر كذلك أطلع الفكر الأوروبي على شرح الفلسفة اليونانية لابن رشد والفارابي وابن سيناء وقاموا بترجمة هذه العلوم الفلسفية والطبيعية والرياضية والطبية وكان أي عالم لا يجيد اللغة العربية من الأوروبيين لا يسمى بعالم مثل ما هو اليوم أي عالم لا يجيد اللغة الانجليزية ليس بعالم واستطاع الغرب خلال فترة وجيزة أن ينجز حضارة وثورة صناعية أذهلت المفكرين العرب الإسلاميين منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم.
    ولقد ترجم المفكرون الغربيون كتاب التعاريف لـ"عبد القاهر الجرجاني" وهو أضخم عمل علمي قام به العبقري "عبد القاهر الجرجاني" لقد ترك كل شيء له علاقة بالفكر والمجتمع والطبيعة والعقيدة وأزاحوا سيطرة الكنيسة على الدولة وقاموا بعملية ربط بين الدين والعلمانية ومن يقول: بأن الكنيسة كانت هي السبب في تخلف المجتمع الأوروبي فهو خاطئ وحاقد على الدين وإنما العقيدة تطور مفهومها وأسسها بشكل كبير وعظيم إذن كان الفلاسفة مثل هيجل وهيوم وديكارت كانوا على عقيدة عظيمة بالنسبة للجانب الروحي والجانب الروحي يعني الجانب العقائدي الرباني نسمع اليوم من يقول من بعض من يسمون أنفسهم علماء الفكر العربي: بأن المسجد هو سبب تخلف الأمة العربية والإسلامية وهذا خطأ إذ تخرج ابن رشد وابن خلدون من المسجد وتخرج المعتزلة والأشاعرة والغزالي من المسجد هناك حصر قد يطول عندما نريد أن نستعرض كل اللذين تخرجوا من المسجد من أولئك العظام ولم تفشل الأمة العربية والإسلامية إلا عندما حددت موقفاً إلغائياً من المسجد في قيادة الأمة العربية والإسلامية.
    نحن نعلم اليوم أنه قد فتحت المدارس والمعاهد والجامعات وسدت مهام العملية والتعليمية ولكن لا يمكن أن نلغي دور المساجد إلغاء كلياً ووفقاً لقانون وحدة صراع الأضداد لا يمكن أن نقيم حضارة علمية دون الأخذ بالجانب الديني والجانب العلماني وهذه الثنائية هي التي صنعت مقومات الدولة الحديثة في أوروبا.
    إن أول بعثة مصرية إلى فرنسا كان الإمام الشيخ رفاعة الطهطاوي مرافق لهذه البعثة لكي يصلي بها ويذكرها بدين الله تعالى إلا أنه تعلم اللغة الفرنسية وترجم إلى العربية أهم المؤلفات الدستورية وعن ضرورة التعليم للفتيات ووسع من تخصص الأزهر وهو الوحيد الذي ذكر وذاع صيته ولا نعرف شيئاً عن بقية أعضاء تلك البعثة.
    ويذكر تأريخ مصر العلمي ثلاثة فقط ممن درسوا في فرنسا وكانوا من المبرزين وهم "رفاعة الطهطاوي" وأمير الشعراء "أحمد شوقي" وعميد الأدب العربي "طه حسين".
    وكما تعلم الأوروبيون منا وأنجزوا هذه الحضارة العظيمة ينبغي أن نتعلم منهم وأن نترجم عنهم العلوم الطبيعية والاجتماعية والرياضية والطبية وأن نشرك المسجد مع المدرسة والمعهد مع الجامعة من أجل استيعاب أفضل للعلم الذي لا يتم إلا بعون الله تعالى.
    لقد تخرج إسحاق نيوتن العالم الرياضي المعروف من كلية الثالوث في جامعة كامبردج ومؤلفه العظيم "المبادئ الفلسفية الرياضية" وهو أضخم مؤلف في تأريخ العلم كما قلنا سلفاً بأنه تخرج من كلية الثالوث وهي كلية تدار برعاية من الكنيسة.
    وكما أشرنا سابقاً فإنه ينبغي أن نقوم بترجمة العلوم بجوانبها الطبيعية والإنسانية عن الغرب لكي نقوم بنقلة نوعية نحو التطور ولا نقوم فقط بنقل الملابس والسجائر والسيارات الفاخرة والأغاني نحن لنا من الجانب الذوقي في الملابس ما يكفي ويظهر الجمال والاحتشام ولدينا أيضاً أغاني راقية تخاطب الوجدان ولها وقع تأثيري في قلوبنا.
    يجب أن لا نقوم بنقل القشور التي تثير الغثيان ولكن يجب أن نقوم بنقل حضارة ذات ثوابت اقتصادية تنمي فينا الاعتزاز بالنفس واستقلالية القرار والاكتفاء الذاتي.
    هناك مسألة مهمة لا بد من الإشارة إليها وهي وجود مجالس للنواب في البلدان العربية الإسلامية هذه المجالس التي هي نتاج انتخابات تستهلك أموالاً كثيرة نحن بحاجة لها من أجل تحسين وضع الفئات الفقيرة وتحسين وضع التعليم والصحة هذه المجالس جاءت نتاجاً لتقليد أعمى للغرب.
    شريعتنا الإسلامية مليئة بالمراجع والمصادر عن نظام الحكم في الإسلام على سبيل المثال لا الحصر هناك كتاب "علي عبد الرزاق" تحت عنوان "نظام الحكم في الإسلام" في هذا المؤلف مراجع عدة ومصادر عن نظام الحكم في الإسلام ففي الدولة الإسلامية لا وجود لمجالس النواب لأن لدينا مجلس الشورى وهو كافٍ لكي يسير دفة الحكم والتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعلمي واللوحة التي نراها مرفوعة في مجالس النواب في البلدان العربية والإسلامية قال الله تعالى:"وأمرهم شورى بينهم" هذه اللوحة يجب أن تكون مرفوعة في مجالس الشورى.
    ومن مقومات الدولة الحديثة أيضاً العلنية للنشاط السياسي والسماح بتشكيل الأحزاب وحرية النقد الصحفي لنظام الحكم النقد الموضوعي الأخلاقي الصادق لا النقد الذي يكون الغرض منه الشتم والتجريح تحت مبرر الحرية الصحفية وحرية الأحزاب ليست بفكرة أوروبية وإنما جاءت من صميم الفكر العربي الإسلامي فقد جاء في القرآن الكريم سورة الأحزاب وجاء ذكر الحزبية في القرآن الكريم في حدود علمي ست مرات قال الله تعالى :"ألا إن حزب الله هو الغالبون" كما جاءت هذه الآية :"ذلك حزب الشيطان".
    إذاً تلخص من هذا بأن الأوروبيين أخذوا فكرة حرية الأحزاب من الفكر العربي الإسلامي وهناك مسألة مهمة تدخل ضمن مقومات الدولة الحديثة هي إلغاء ظاهرة التسول وظاهرة التسول موجودة منذ القدم حتى في أيام الرسول عليه وآله الصلاة والسلام وقال الله تعالى:"فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر" ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :"لا خير في صدقة يتبعها أذى" كما قال الرسول عليه وآله أفضل الصلاة والسلام :"أعط السائل ولو جاء على خيل" وهناك بحث كامل للإمام أبو حامد الغزالي في مؤلفه الرائع "إحياء علوم الدين" عن (الصدقة).
    إذاً الدولة الحديثة هي التي تكفل حقوق الإنسان وتوفر له حقه في العيش الكريم والتعليم والصحة وعندما كنت في الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي سابقاً ولم أرَ متسولاً واحداً لماذا؟! لأن الدولة كفلت له حق المأكل والملبس والمأوى أي المسكن.
    ونحن أيضاً في نظام الحكم الإسلامي لدينا هذا وقد تعلم منا الأوروبيون إذ كان من بيت مال المسلمين ينفق على الفقير وطالب العلم والمعسر في الزواج كان هذا قديماً أما الآن نسمع عن الزواج الجماعي الذي تقوم به بعض الأحزاب والله تعالى يعلم هل هي لوجه الله تعالى أم للدعاية الحزبية.
    هذه رؤيتي عن مقومات الدولة الحديثة آمل أن أكون قد وفقت ولله الحمد في البدء والختام.


    المصدر:قراءات أدبية(مركز الدراسات والبحوث اليمني)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de