من أين أتت كلمة ( الإنفصال ) في قاموسنا السياسي ؟؟

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 01:42 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-22-2010, 10:31 PM

صلاح شكوكو
<aصلاح شكوكو
تاريخ التسجيل: 11-19-2005
مجموع المشاركات: 4484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
من أين أتت كلمة ( الإنفصال ) في قاموسنا السياسي ؟؟

    ...
    Quote: التجمع الوطنى الديمقراطى
    مؤتمر القضايا المصيرية
    البـيــــان الخـتــــامى
    ديباجة
    عقدت قوى التجمع الوطني الديمقراطى مؤتمرا تاريخيا بمدينة اسمرا عاصمة دولة اريتريا تحت شعار مؤتمر القضايا المصيرية وذلك في الفترة من 15 الى 23 يونيو 1995، وقد شاركت في المؤتمر كافة القيادات السياسية والنقابية والعسكرية والشخصـيات الوطنية المنضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي وهي الحزب الاتحادي الديمقراطي، حزب الامة، الحركة الشعبية / والجيش الشعبي لتحرير السودان، تجمع الاحزاب الافريقية السودانية، الحزب الشيوعي السوداني، النقابات، القيادة الشرعية، مؤتمر البجة، قوات التحالف السودانية، وشخصيات وطنية مستقلة.

    تداول المؤتمرون في قضايا الوطن الاساسية والتي جاءت كما يلى : -

    ايقاف الحرب واحلال السلام في السودان؛
    حق تقرير المصير؛
    علاقة الدين بالسياسة؛
    شكل الحكم خلال الفترة الانتقالية؛
    برامج وآليات تصعيد النضال من أجل اسقاط نظام الجبهة الاسلامية القومية؛
    ترتيبات ومهام الفترة الانتقالية؛
    مقومات سودان المستقبل؛
    هيكلة التجمع الوطني الديمقراطي؛
    القضايا الانسانية.
    ان التجمع الوطني الديمقراطي وهو يعقد مؤتمره في ظروف عصيبة وقاسية يعيشها شعب السودان من جراء تسلط الجبهة القومية الفاشية وسياساتها التي اهدرت كرامة المواطن السوداني ودمرت الاقتصاد الوطني واساءت الى علاقــات السـودان الخارجية بتهديده للامن والاستقرار اقليميا ودوليا وبتصدير الارهاب والفتنة لدول الجوار وللعديد من دول العالم، كما كشف النظام عن طبيعته العدوانية برفضه لكافة مبادرات السلام وتأجيجه لنيران الحرب الدائرة في جنوب بلادنا. وعليـه يؤكـد التجمع المضي في العمل الدؤوب بكافة وسائل المقاومة السياسية والعسكرية والشعبية.

    وانطلاقا من مبادئ واهداف التجمع الوطني الديمقراطي المعلنة وتتويجا لنضال شعبنا المتواصل ضد الدكتاتوريات المتعاقبة واستلهــاما لتجاربــه فــي تحقيــق ودعــم الوحــدة الوطنية.

    وايمانا منه بتوحيد دعائم نظام ديمقراطي جديد قائم على التعددية السياسية واحتــرام حقوق الانسان قرر المؤتمر : -

    اولا : ايقاف الحرب واحلال السلام في السودان: -
    أ - حق تقرير المصير

    تأكيد مبدأ حق تقرير المصير كحق اصيل واساسي وديمقراطي للشعوب.
    الاعتراف بان ممارسة حق تقرير المصيـر توفر حلا لانهاء الحـرب الاهلية الدائرة، وتسهل استعادة وترسيخ الديمقراطية والسلام والتنمية.
    ان يمارس هذا الحق في مناخ من الشرعية والديمقراطية وتحت اشراف اقليمي ودولــــي.
    ان المناطق المتأثرة بالحرب هي جنوب السودان ومنطقة ابيي وجبال النوبة وجبال الانقسنا.
    ان مواطني جنوب السودان ( بحدوده المعتمدة في 1 يناير 1956 ) لهم الحق في ممارسة حق تقرير المصير قبيل نهاية الفترة الانتقالية.
    ان يتم استطلاع رأى سكان ابيي حول رغبتهم في الاستمرار في اطار الترتيبات الادارية داخل جنوب كردفان او الانضمام لبحر الغزال عبر استفتاء يتم خلال الفترة الانتقالية. واذا ما أكد الاستفتاء أن رغبة الاغلبية من مواطني منطقة ابيي هي الانضمام لبحر الغزال فانــه يصبح من حقهم ممارسة حق تقرير المصير كجزء من مواطني جنوب السودان.
    فيما يخص مواطني جبال النوبة وجبال الانقسنا، يؤكد على المعالجة السياسية الهادفــة الى ازالة كافة المظالم القائمـة في هاتين المنطقتين على ان تنفـذ تلك المعالجــة الحكومة الانتقالية، ويستتبع ذلك اجزاء استفتاء يتم عبره التأكد من المستقبل السياسي والاداري خلال الفترة الانتقالية.
    8- تأكيـد التزامه بتحقيق السـلام العــادل والديمقـراطي والوحـــدة القائمـة على الارادة الحـــرة للشعب السوداني وحــل النزاع المسلح الحالي بالوسائل السلمية مـن خــلال تسويــة عادلة وناجزة. وفي هذا الصــدد يؤكـد قبــوله لاعــلان المبادئ الذي اقرته مجمــوعة دول الايقاد ويرى في هذا الاعلان اساسا عمليا ومعقولا لتحقيق السلام الدائم والعادل.
    تأكيد ان السلام الحقيقى في السودان يستحيل رؤيته في اطار مشكلة الجنوب وانما من خلال ادراك الجذور القومية للمشكلة.
    التأمين على ان قضايا السودان الوطنية لا يمكن حلها الا عبر طريق حوار صريح، جاد ومستمر بين كل المجموعــات الوطنيـة السـودانية وعلى ان طبيعـة وتاريخ النزاع السـودانى قــد برهن على ان الســلام العـادل والاستقرار في البلاد لا يمكـن تحقيقهما عن طريق حل عسكري.
    واكد المؤتمر ان على قوى التجمع الوطني الديمقراطي ان تعمل بجدية من اجــل اتخاذ موقف موحد من الخيارين اللذين سيطرحان على الاستفتاء وهما : - أ. الوحدة ( فيدرالية / كونفدرالية ) و ب. الاستقلال
    ان تعمل سلطة التجمع الوطني الديمقراطي، خلال الفترة الانتقالية، على بناء الثقة واعادة صياغة الدولة السودانية حتى تأتى ممارسة حق تقريــر المصير دعما لخيار الوحدة.
    واذا يقر التجمــع بان حق المصير حق انساني وديمقراطي وحق للشعوب فهــو كذلك آلية لوضع نهاية فورية للحرب الاهلية وفرصة تاريخية متفردة لبناء سودان جديد يؤسس على العدالة والديمقراطية والارادة الحرة. ويلتزم التجمع بقيادة الشعب السودانى ليمارس هذا الحق التاريخى بنجاح.

    ب- الدين والسياسة في السودان
    ان كل المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الانسان والمضمنة في المواثيق والعهود الاقليمية والدولية لحقوق الانسان تشكل جزءا لا يتجزأ من دستور السودان واي قانون او مرسوم او قرار او اجراء مخالف لذلك يعتبر باطلا وغير دستوري.
    يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيسا على حق المواطنة واحترام المعتقدات والتقاليد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين او العرق او الجنس او الثقافة ويبطل اي قانون يصدر مخالفا لذلك ويعتبر غير دستوري.
    لا يجوز لاي حزب سياسي ان يؤسس على اساس ديني.
    تعترف الدولة وتحترم تعــدد الاديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمـل على تحقيق التعــايش والتفاعــل الســلمي والمسـاواة والتسامح بين الاديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للاديان وتمنع الاكراه او اي فعل او اجراء يحرض على اثارة النعرات الدينية والكراهية العنصرية في اي مكان او موقع في السودان.
    يلتزم التجمع الوطني الديمقراطي بصيانة كرامة المرأة السودانية ويؤكد على دورها فى الحركة الوطنية السودانية، ويعترف لها بالحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الاديان.
    تؤسس البرامج الاعلامية والتعليمية والثقافية القوميــة على الالتزام بمواثيق وعهود حقوق الانسان الاقليمية والدولية.
    ج- شكل الحكم
    ان يحكم السودان خلال الفترة الانتقالية على اساس الحكم اللامركزي، ويحدد الدستور الانتقالي السلطات والصلاحيات وتوزيعها بين المركز والكيانات الاقليمية.
    اعداد قانون للحكم اللامركزي.
    ان يؤسس الحكم اللامركزي على توزيع السلطات والصلاحيــات المتفق عليها بين المركز والكيانات الشمالية والكيان الجنوبي على ان يتم الاتفاق على المسمـيات في وقت لاحق.
    ان يؤخذ في الاعتبار دور الحكم المحلي ووضع الادارة الاهليـة عند صياغة قانون الحكم اللامركزي.
    ان يراعي في التقسيم الاداري الانتقالي الاتي:-
    ازالة المظالم واسباب الحرب وتهيئة الظروف الملائمة لاعادة بناء واعمار الوطن.
    تلمس رغبات اهل المناطق المختلفة وذلك في سياق تطور العملية الديمقراطية في البلاد.
    ان يراعي في تنفيذ الحكم اللامركزي الـــظروف الاقتصاديـــة وسياسات التقشف بغرض تقليل النفقات مع ضرورة التركيز على تعبئة الجماهير واتاحة الفرصة الكافية للمشاركة الشعبية في اطار ديمقراطية الحكم اللامركزي.
    ثانيا : حول برامج وآليات تصعيد النضال لاسقاط النظام القائم.
    مشروعية العمل المسلح الذي تقوم به فصائل التجمع الوطني الديمقراطي من اجل اسقاط النظام وفق الآليات التي اتفق عليها.
    توفير الدعم اللازم.
    تشكل لجنة سياسية عسكرية عليا تقوم بالتنسيق والاشراف عـلى تنفيذ برامج تصعيد النضال واسقاط النظام.
    ثالثا : حول الترتيبات العسكرية والامنية للفترة الانتقالية.
    اقر المؤتمر كافة التوصيات التي تقدمت بها اللجنة الفنية المختصة.

    رابعا : سودان المستقبل:
    لارساء دعائم السودان الجديد اعتمد المؤتمر المشاريع الآتية: -

    البرنامج الاقتصادي للفترة الانتقالية.
    برنامج للسياسة الخارجية وسياسات التعاون الاقليمي والدولي.
    برنامج ازالة اثار نظام الجبهة الاسلامية
    قانون لتنظيم الاحزاب السياسية.
    ميثاق العمل النقابي.
    قانون الصحافة والمطبوعات.
    خامسا: القضايا الانسانية:
    فاقمت السياسـات الاقتصـــادية الخاطئة للنظام وتصعيده للحرب الاهليــة من ظواهر الهجرة الداخلية والنزوح واوقعت اضرارا بالغــة بالبيئة مما افرز وضعا مأساويا يعــيش في ظله المواطن السوداني، خاصة المرأة. كمـا دفعت الحرب وعدم الاستقرار والاضطهاد السياسي وانتهاك حقوق الانســان باعــداد كبيرة من خيــرة ابناء الشــعب للجوء خــــارج البلاد.

    وتأكيدا لحرصه على سلامة اهل السودان وحرية حركتهم في الداخل والخارج، ونسب للضرورة العاجلة لرعاية ابناء شعبنا من النازحين في الداخـل واللاجئين في الخارج، اقرا المؤتمر برنامجا عمليا لاغاثة المـواطنين داخل البــــلاد، ابان الحــكم الانتقالي، وتقديم الخدمات الضرورية للاجئين السودانيين خارج البلاد، وازالة مـــا لحق بحياة الضحايا والمنكوبين من المعاناة على المدى الآني والمستقبلي وفي تعاون لصيق مع المجتمع الدولي والاقليمي وبالتنسيق مع المؤسسات المعينة بهذا الامر في داخل السودان.

    سادسا : هيكلة التجمع وتعديل الميثاق
    اقر المؤتمر الهيكل التنظيمي الجديد للتجمع الوطني الديمقراطي والذي يتكون من المؤتمر، هيئة القيادة المكتب التنفيذي والامانة العامة، امانات متخصصة ومراكز للفروع. كما اقر المؤتمر بعض التعديلات المقدمة على الميثاق التي رؤى انها تواكب التطورات التي طرأت على الساحة السياسية.

    التوقيعــات
    الحزب الاتحادي الديمقراطي
    حزب الأمة
    الحركة الشعبية / والجيش الشعبي لتحرير السودان
    تجمع الاحزاب الافريقية السودانية
    الحزب الشيوعي
    القيادة الشرعية
    النقابات
    مؤتمر البجة
    قوات التحالف السودانية
    الشخصيات الوطنية



    http://www.umma.org/09.htm
                  

10-22-2010, 10:39 PM

صلاح شكوكو
<aصلاح شكوكو
تاريخ التسجيل: 11-19-2005
مجموع المشاركات: 4484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أين أتت كلمة ( الإنفصال ) في قاموسنا السياسي ؟؟ (Re: صلاح شكوكو)

    Quote: الآثار السياسية المترتبة على انفصال جنوب السودان (1-2) .
    الإثنين, 12 تموز 2010 21:27 . .السبيل - في 9 كانون الثاني 2005 وقعت الحكومة السودانية على اتفاق سلام مع الجيش الشعبي لتحرير السودان في نيفاشا بكينيا، لوضع حد للحرب الأهلية السودانيه الثانيه 1983- 2005. وتتمثل أهم معالم الاتفاقية في إعطاء أهل الجنوب حق تقرير المصير بنهاية الفترة الانتقالية في 2011، وتمكين الحركة الشعبية من السيطرة تماماً على إدارة الولايات الجنوبية أثناء الفترة الانتقالية (2005-2011)، ومشاركة أبناء الجنوب في الحكومة الاتحادية بنسبة 28 في المئة، وفي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الشماليتين بنسبة 45 في المئة لأن بعض أبنائها كانوا قد حاربوا مع الحركة الشعبية، إضافةً إلى احتفاظ الحركة الشعبية بمليشياتها المقاتلة إبان الفترة الانتقالية وخروج القوات المسلحة من حدود جنوب السودان، كما أعطتهم فرصة اقتسام عائدات البترول من الحقول الموجودة في الجنوب مناصفة بين حكومة الجنوب والحكومة المركزية، واستثناء الجنوب من تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية وكذلك أبناء الجنوب غير المسلمين في العاصمة القومية، وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب.
    وقد حظيت اتفاقية نيفاشا بتأييدٍ كبيرٍ من كل القوى السياسية في الشمال والجنوب رغم أنها كانت ثنائية بين المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) والحركة الشعبية، وتم اقتسام السلطة على المستوى الاتحادي والإقليمي والولائي لمصلحة الحزبين. ولعل السبب في ذلك التأييد هو إيقاف الحرب الدامية بين الشمال والجنوب، وأن الاتفاقية كانت شاملة لكافة القضايا المتنازع عليها بين طرفي الوطن.

    إعداد: د.آدم محمد أحمد

    لم يراع الاستعمار في تقسيمه للدول الأفريقية العوامل الموضوعية في ذلك التقسيم، حيث قسم الدول الأفريقية جزافا،ً الأمر الذي أدى إلى تقسيم قوميات وقبائل إلى عدة دول، وترك بؤراً للنزاع بين الدول الأفريقية بهدف إثارة الفتن بينها في المستقبل، وضم أقاليم تابعة لدول إلى دول أخرى، وقد كان ذلك إرثاً ثقيلاً أثقل كاهل الدول الأفريقية بعد الاستقلال، وسبباً في الكثير من النزاعات والصراعات بينها.
    وقد تنبه الآباء المؤسسون لمنظمة الوحدة الأفريقية لخطر ذلك التقسيم على مستقبل الأمن والاستقرار في أفريقيا فنصُّوا في ميثاق المنظمة على ضرورة إبقاء الحدود بين الدول الأفريقية على ما هو عليه بعد خروج الاستعمار وعدم السماح لأي قومية بالمطالبة بالانفصال أو حق تقرير المصير، وأن ترضى كل الدول الأفريقية بالحدود الموروثة.
    حق تقرير المصير في اتفاق نيفاشا:
    انفجر الصراع في جنوب السودان في فترة ما قبل استقلال السودان، وقد لعب الاستعمار الإنجليزي دوراً كبيراً في اندلاع الحرب هناك، كما أسهمت الحكومات الوطنية المتعاقبة بدورها في استمرار الحرب، وقد انحصرت مطالب الجنوبيين في فترة ما قبل الاستقلال في منح الجنوب الحكم الفدرالي، وقد اشترط الجنوبيون ذلك ورفضوا التصويت للاستقلال من داخل البرلمان إلا بعد إقرار الأحزاب الشمالية بمنح جنوب السودان حكماً فدرالياً بعد الاستقلال، وقد وافقت الأحزاب الشمالية على ذلك الطلب فصوت الجنوبيون للاستقلال.
    بعد نيل السودان الاستقلال نكثت الأحزاب الشمالية وعدها، وحركت تظاهرات جابت شوارع بعض المدن السودانية تندد بمطالب الجنوبيين بالحكم الفدرالي، ورفعت شعارات ورددت هتافات مثل «لا فدرالية بين شعب واحد» وقد كان ذلك سبباً في أزمة الثقة التي صاحبت علاقة الشمال بالجنوب، وأدت إلى استمرار حرب الجنوب طوال تلك السنوات.
    خلال فترة الحرب الطويلة برزت بعض الأصوات الجنوبية التي تدعو لانفصال جنوب السودان عن شماله إلا أنها ظلت أصواتاً معزولة، وفي سنة 1983م كون العقيد جون قرنق ديمبيور الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي وضعت ميثاقاً للنضال المسلح بهدف إزالة تهميش أطراف السودان وقد وجد جون قرنق صعوبة بالغة في إقناع بعض قادة الحركة بضرورة شمول شعـارات الحركة كل الهامش السوداني وعدم الاقتصار على الجنوب السوداني، حيث يرى هؤلاء ضرورة العمل على تحرير جنوب السودان وربما فصله عن السودان إذا اقتضت الضرورة.
    وفي نهاية التسعينيات من القرن الماضي انفصلت مجموعات الحركة الشعبية وكونت حركات جديدة بقيادة لام أكول وريك مشار، وقد طالبت تلك الحركات الجديدة بانفصال جنوب السودان عن شماله وأنه لا مجال لوحدة السودان في ظل توجهات حكومة الإنقاذ الوطني، وأن الجهود يجب أن تنصب تجاه تحرير الجنوب، ورفض هؤلاء شعارات الحركة الشعبية الداعية للوحدة مع الشمال وتحرير كل الهامش السوداني، وأن ذلك يكلف الجنوبيين أكثر مما يطيقون، وأن الهامش السوداني الذي تسعى الحركة الشعبية لتحريره لا يدرك مصلحته وأنه نفسه يقاتل الجنوب بصورة أكثر ضراوة.
    بدأت مسألة حق تقرير المصير في الظهور بشكل جدي علي مسرح الحياة السياسية السودانية منذ عام 1991م «قبل عشر سنوات من توقيع اتفاق مشاكوس الإطاري»، ثم أخذ يتعمق بصورة أكبر ويكتسب أبعاداً إضافية لدي القوي السياسية السودانية بمختلف أنواعها الحاكمة والمعارضة، حتى تم النص عليه بشكل صريح في دستور عام 1998م، حيث اكتسب حق تقرير المصير قوة ملزمة وأصبح من الصعب التراجع عنه بعد أن تلاعب به الجميع، كل حسب مصلحته وأهدافه الخاصة. حيث شكل إعلان حق تقرير المصير في اتفاق مشاكوس الإطاري صدمة كبيرة ومفاجأة لبعض دول العالم العربي القريب من الشأن السوداني وتوالت ردود الأفعال والتحفظات.
    هناك العديد من وجهات النظر تري أن الطرح الوحدوي للحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، ليس أصيلاً، بل إن التمسك بشعار الوحدة يعود منذ البداية لأسباب تكتيكية، وإن الدعوة الصريحة للانفصال سوف تضيّق من مجالات المناورة والحصول علي الدعم وذلك في الإطار الإقليمي والدولي. فالدول الأفريقية لن ترحب بمثل هذه الدعوة طبقاً لمبدأ الحفاظ علي الحدود السياسية الموروثة من الاستعمار الذي أقرته منظمة الوحدة الأفريقية كما ذكرنا. ثم خوف تلك الدول من انتقال العدوى لها إذا انفصل الجنوب وذلك بسبب التداخلات الإثنية والقبلية العابرة للحدود السياسية، هذا فضلاً عن أن نظام منقستو هيلا مريام الحليف والداعم الرئيسي لقرنق لم يكن ليقبل المناداة بالانفصال أو بحق تقرير المصير.
    وعليه فقد كان الطرح الوحدوي لقرنق وفقاً لوجهات تلك النظر يرتكز علي الحاجة إلي الدعم السياسي والمادي والعسكري المطلوب لاستمرار حركته، وتحقيق مكتسبات متزايدة على الأرض، فإذا كان هو المطلوب وإن لم ينجح في الوحدة فسوف يضمن السيطرة على الجنوب في كيان مستقل.
    عقدت الحركة مؤتمرها العام في أيلول 1991م، في مدينة توريت التي كانت تسيطر عليها آنذاك، حيث أكدت الحركة أن الاستقلال وحق تقرير المصير نتيجتان محتملتان إذا تعذر الوصول لاتفاق حول سودان علماني ديمقراطي موحد، وأصبح ذلك المؤتمر علامة بارزة في تاريخ الحركة الشعبية بعد أن صدر عنه ما عرف بإعلان توريت، والذي ورد فيه حق تقرير المصير لأول مرة كخيار ضمن خيارات الحركة التي ظلت قبل ذلك تعلن أنها تحارب من أجل الوحدة وترفض الانفصال.
    ثم كانت وثيقة فرانكفورت في كانون الثاني 1992م، بين حكومة الإنقاذ التي يمثلها في تلك المفاوضات الدكتور على الحاج محمد، وبين الدكتور لام أكول، وهي الوثيقة التي اعترفت فيها ولأول مرة حكومة سودانية بحق تقرير المصير.
    اجتمعت مجموعة من المثقفين الجنوبيين على رأسهم بونا ملوال وفرانسيس دينق وجوردون مورتات، وبيتر نيوت كوك، في مدينة أدير بأيرلندا، لمناقشة الوضع في السودان، وأصدر المجتمعون بياناً أطلق عليه إعلان أدير وحددوا فيه ثلاث خيارات هي:
    1. الفيدرالية.
    2. الكونفيدرالية.
    3. الانفصال.
    علي أن يتم الحسم بين هذه الخيارات عن طريق استفتاء الجنوبيين لكي يحددوا الخيار الأفضل بالنسبة لهم.
    وعاد شعار تقرير المصير للظهور بصورة أكثر وضوحاً لدى الحركة الشعبية في ندوة واشنطن التي عقدت في تشرين الأول 1993م، وذلك في محاولة لاحتواء الآثار الناجمة عن انشقاق رياك مشار ولام أكول، ولتفادي انقسام القائد كاربينو كوانين نائب جون قرنق في قيادة الحركة الشعبية حيث كانت ملامح هذا الانقسام قد أخذت في التبلور آنذاك، وقد أكدت الحركة الشعبية في هذه الندوة معارضة حكومة الجبهة الإسلامية في الخرطوم، وأية حكومة قادمة لا تحترم حق شعب الجنوب وجبال النوبة والمناطق المهمشة في تقرير المصير.
    كما ظهر بعد ذلك في المنبر الانفصالي الذي يقوده الوزير السابق بونا ملوال، الذي يتخذ من لندن مقراً له، حيث يقوم بونا ملوال بنشر مقالاته التي تنادي بحق تقرير المصير باعتبار هذا الحق تعبيراً عن طموحات غالبية شعب جنوب السودان، وتنبع أهمية هذا المنبر من أن بونا ملوال هو أحد أهم الشخصيات التي لعبت دوراً بارزاً في اتفاقية أديس أبابا كما كان وزيراً للإعلام في عهد الرئيس نميري عدة سنوات، ما يكسبه وضعاً مميزاً في الأروقة الدولية.
    وهكذا بدأ حق تقرير المصير يأخذ طريقه كأحد الحلول الرئيسية المقترحة لحل مشكلة الجنوب، نتيجة للمناورات والانقسامات الحزبية، فالفصائل المنشقة في الجنوب وجدت فيه تعبيراً سياسياً مناسباً لتغطية انشقاقاتها التي تعود في جزء مهم منها إلى الصراعات القبلية والصراعات علي السلطة والنفوذ في الحركة.
    مبادرة الإيقاد وترسيخ حق تقرير المصير:
    طلب الرئيس البشير من قمة الإيقاد المنعقدة في تشرين الأول 1993م، أن تتدخل لحل المشكلة السودانية، الأمر الذي رحبت به المنظمة خاصة بعد فشل محاولة منظمة الوحدة الأفريقية للتوصل إلى حل، والتي جرت برعاية الرئيس بابنجيدا في أبوجا الثانية في أيار 1992م ونيسان 1993م على الترتيب.
    وشكلت على إثره لجنة دائمة للسلام في السودان في سبتمبر 1993م، تكونت من رؤساء أربعة من الدول الأعضاء، هي كينيا، أوغندا، إريتريا وإثيوبيا، وبادرت هذه اللجنة إلى دعوة الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان إلي أول لقاء بينهما تحت مظلة الإيقاد في آذار 1994م، ثم عقدت الجولة الثانية بعد ذلك بشهرين في أيار 1994م في نيروبي، وهي الجولة التي شهدت إعلان منظمة الإيقاد عن تصورها في شأن حل النزاع السوداني، والذي عرف فيما بعد باسم إعلان المبادئ.
    حق تقرير المصير في مقررات القضايا المصيرية في أسمرا 1995م:
    قامت فصائل المعارضة الشمالية بتكوين التجمع الوطني الديمقراطي من أجل تكثيف جهودها، والتنسيق فيما بينها، وقد سعت القوى السياسية المكونة للتجمع المعارض إلى جذب الحركة الشعبية إلى عضويته.
    أعلن التجمع الديمقراطي المعارض في حزيران 1995م ما عرف فيما بعد باسم مقررات القضايا المصيرية في أسمرا، والتي جري الاتفاق من خلالها على المبادئ المتعلقة بإنهاء الحرب الأهلية، وقد أقرت هذه المبادئ حق تقرير المصير كمدخل أساسي لإنهاء الحرب. وهكذا، وافقت القوى السياسية الشمالية، على حق تقرير المصير واعتبرته بنداً أساسياً في مواثيقها، رغم أن ذلك الإعلان كان قد وجد معارضة واستهجاناً من قبل الحكومة حينها.
    اتفاقية الخرطوم للسلام وحق تقرير المصير:
    بعد فترة وجيزة من إعلان مقررات القضايا المصيرية في أسمرا وقعت الحكومة على اتفاقية الخرطوم للسلام في نيسان 1997م. غير أن هذه الاتفاقية لم تكن في إطار رد الفعل على مقررات أسمرا 1995م، بل تعد في الحقيقة تتويجاً للمسار الذي كان قد بدأته حكومة الإنقاذ في محادثات فرانكفورت في كانون الثاني 1992م، وقد مرت الاتفاقية من الناحية الإجرائية بعدة خطوات، بدأت بالتوقيع على ميثاق للسلام في نيسان 1996م، الذي كان بمثابة إعلان للمبادئ وقعت عليه كل من الحكومة وحركة استقلال جنوب السـودان بقيادة الدكتور رياك مشار، والحـركة الشعبية لتحـرير السودان: «مجموعة بحر الغزال» بقيادة كاربينو كوانين.
    وتضمنت اتفاقية الخرطوم ديباجة وثمانية فصول، إلا أن أهم فصولها هو ذلك المتعلق بحق تقرير المصير لمواطني جنوب السودان، بعد فترة انتقالية تمتد لأربعة أعوام من تأريخ إنشاء المجلس التنسيقي للولايات الجنوبية التي تم تحديدها بعشر ولايات، ويجري في نهاية الفترة الانتقالية استفتاء على خياري الوحدة والانفصال، على أن يجري هذا الاستفتاء تحت رقابة المنظمات الإقليمية والطوعية الوطنية والأجنبية. فقد منحت الاتفاقية لمجموعة الفصائل المكونة للجبهة الديمقراطية للإنقاذ، حق تقرير المصير والانفصال إذا شاء أهل الجنوب، وحكماً فيدرالياً واسعاً ذا سلطات واسعة يكون الجنوب بموجبه موحداً وشبه مستقل حتى قبل الاستفتاء.
    كانت حكومة الإنقاذ تراوح في موقفها السياسي من هذه الفصائل وتوظفها كأداة في إطار الاستراتيجية الخاصة بإضعاف قوات قرنق، حيث كان معلوماً للجميع أن الوصول إلى اتفاق مع هذه الفصائل وحدها لن يكون كافياً لجلب السلام أو إنهاء الحرب الأهلية، وقد تطورت الأوضاع بعد ذلك ببطء صاحب المبادرة المشتركة التي قدمتها كل من مصر وليبيا في 1999م وعدم قدرتها على تحقيق تقدم يذكر، إلى أن تبدلت السياسة الأمريكية تجاه السودان مع تعيين السيناتور جون دانفورث كمبعوث رئاسي لواشنطن في السودان الأمر الذي تمخض عنه اتفاقية جبال النوبة في كانون الثاني 2002م لتنطلق بعدها عملية التسوية في كينيا والتي أحدثت اختراقاً هائلاً بتوقيع اتفاق مشاكوس الإطاري.
    حق تقرير المصير في إطار
    اتفاق ماشاكوس الإطاري:
    نص الاتفاق الإطاري الذي جرى توقيعه في ماشاكوس في 20 تموز 2002م، على منح حق تقرير المصير لجنوب السودان بعد مرحلة انتقالية قدرها ست سنوات، ذلك من خلال استفتاء تحت رقابة دولية. وقد نص الاتفاق الإطاري أيضاً على اتفاق الطرفين على العمل سوياً على إعطاء الأولوية للوحدة وجعلها جاذبة لأهل جنوب السودان.
    ويرى الدكتور هاني رسلان الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ملاحظتين أساسيتين:
    الملاحظة الأولى:
    تتعلق بوجود نوع من التعارض في بنية الاتفاق الإطاري نفسه فيما يتعلق بمسألة الوحدة والانفصال، إذ يمنح الجنوبيين الحق في إدارة شئون إقليمهم، الأمر الذي يقتضي إنشاء هياكل مؤسسات وأجهزة إدارية خاصة بالإقليم الجنوبي لتمكين حكومة هذا الإقليم من إدارة شئونه، وهذه خطوة قد تشجع على الانفصال في وقت لاحق، وفي الوقت نفسه ينص الاتفاق على تشجيع الوحدة وجعلها جاذبة بمعني أنه يدعو إلى التركيز على الآليات المفضية إليها، والتي تقتضي إنشاء ودعم الهياكل والمؤسسات والأجهزة ذات البعد القومي والتي تشجع الطرفين على التفاعل والعمل سوياً بشكل منفتح من أجل مستقبل مشترك، مع محاولة التقارب وتخطي المشاكل الناتجة عن الحرب طويلة الأمد التي أفرزت مناخاً عاماً من التوجس وعدم الثقة. وعلي ذلك فإن المحصلة النهائية للفترة الانتقالية ستكون رهناً لعوامل غير منظورة، وقد لا يمكن السيطرة عليها، إذ أنها تعتمد على ظروف وأسلوب تطبيق الاتفاق التي تعتمد بدورها على فهم الطرفين لنصوصه والمناخ الذي سيجري التطبيق من خلاله وكيفية تجاوز المشاكل المعقدة التي ستنشأ خلال التطبيق.
    الملاحظة الثانية:
    يؤكد هاني رسلان أنها تقود إلى المشاكل التطبيقية لحق تقرير المصير لجنوب السودان والتي يمكن إيجازها فيما يلي:
    أ- قضية حدود الجنوب:
    نص الاتفاق الإطاري علي أن حدود الجنوب هي الحدود المعروفة عند استقلال السودان في كانون الثاني 1956م، إلا أن الحركة الشعبية ومنذ الشوط الأول في الجولة الثانية للمفاوضات طرحت تصوراً مختلفاً لحدود الجنوب، وذلك بأن ضمت المناطق الثلاث المتعارف عليها، مناطق كل من أبيي وجبال النوبة وكلاهما تقع في ولاية جنوب كردفان الحالية، وجبال الأنقسنا جنوب ولاية النيل الأزرق.
    وقد رفضت حكومة الإنقاذ النظر في هذا الطرح باعتبار أن حدود جنوب السودان معروفة بالضرورة وأن هذه مسألة محسومة في الاتفاق الإطاري إلا أن الحكومة السودانية ولعديد من الاعتبارات رضخت جزئياً لمطلب الحركة الشعبية وأجرت مفاوضات حول هذه المناطق في مسار منفصل ومواز لمسار مبادرة الإيقاد في محاولة لتحاشي الاعتراف بحق تقرير المصير لهذه المناطق، وذلك طبقاً للتصور السائد آنذاك بأن الحركة الشعبية تتمسك بمطلب التفاوض في المناطق كمطلب تكتيكي بالنظر إلى انتماء جزء من قواتها العسكرية إلى هذه المناطق، إلا أن التجربة العملية ومسار المفاوضات أثبتتا خطأ الاعتقاد، فرغم الوصول إلى تفاهم عام حول حكم ذاتي بصلاحيات كبيرة لجبال النوبة وجبال الأنقسنا، إلا أن الموقف أصبح معقداً للغاية بخصوص أبيي وتحول إلى أزمة كبيرة في المفاوضات بسبب إصرار الحركة الشعبية على موقفها بضم أبيي إلى بحر الغزال، ورغم محاولة الولايات المتحدة الأولية لاتخاذ موقف ضاغط على الطرفين لدفعهما إلى التوصل إلى اتفاق، إلا أنها انحازت في النهاية إلى موقف الحركة الشعبية من خلال اقتراحها جعل المنطقة تابعة إدارياً لكل من حكومتي ولاية كردفان وولاية بحر الغزال في الوقت نفسه إلى أن يجري تحديد وضعها النهائي بعد ست سنوات عبر الاستفتاء، وهذا الأمر ستقابله مشكلة أخرى في حينها وهي من هم الذين يحق لهم التصويت على مستقبل منطقة أبيي؟، فالحركة الشعبية تصر علي أن حدود أبيي تقف عند خط 10 شمالاً، وهذا يعني أن الدينكا نقوك هم المعنيون وحدهم بالتصويت، في حين أن الحكومة ترى أن حدود المنطقة هي خط العرض 11.5 شمالاً، وهذا يعني أن قبائل المسيرية التي تتمركز في بابنوسة والمجلد وترتحل إلى الجنوب صيفاً يحق لها التصويت. بالنظر إلى الأغلبية العددية للمسيرية، فإن النتيجة ستكون في هذه الحالة لصالح الشمال، وهو الأمر الذي ترفضه الحركة الشعبية بالطبع.
    وقد جاء توقيع الاتفاق بعد مخاض عسير من المفاوضات وبرعاية دولة أفريقية تحت مظلة الإيقاد وبضغوط أمريكية للطرفين عبر قانون سلام السودان.
    في عام 1995م وقعت الحركات المنشقة التي رفضت شعار الانفصال اتفاقية مع حكومة الخرطوم عرفت باتفاقية الخرطوم للسلام وعادت للخرطوم. ومع تعثر تنفيذ الاتفاق انهارت اتفاقية الخرطوم للسلام وعاد قادتها لام أكول ومشار والتحقا بالحركة الشعبية، حيث عادا بعد توقيع اتفاق نيفاشا ضمن ركب الحركة الشعبية لتحرير السودان.
    نص اتفاق نيفاشا على منح الجنوبيين الحق في تقرير مصيرهم بعد 6 سنوات من توقيع الاتفاق، وذلك إذا فشل الشريكان طوال السنوات الستة في إرساء دعائم الوحدة وأن يستفتي شعب جنوب السودان حول تقرير المصير.
    أوجه القصور في الاستفتاء على حق تقرير المصير:
    تمثلت أوجه القصور في الاستفتاء المزمع في عام 2011م في ثلاثة جوانب هي:
    أ- عدم مشاورة الشماليين في شمال السودان:
    حيث بقي دور الشماليين في الشمال دوراً هامشياً، ودور المتفرج لمصير الوطن وهو يتمزق دون أن يكون له الحق في الإدلاء برأيه بأي شكل من الأشكال.
    ب- الشماليون في الجنوب:
    الشماليون في الجنوب رغم إقامة بعضهم هناك منذ فترة ما قبل الاستقلال لا يشملهم الاستفتاء حيث يقتصر الاستفتاء على قبائل الجنوب فحسب، ولا شك أن ذلك يعتبر أكبر انتهاك لحقوق المواطنة التي تكفلها كافة القوانين والصكوك ذات الصلة لهؤلاء.
    ج- الجنوبيون في الشمال:
    وقد نص الاتفاق على خلاف ذلك على منح الجنوبيين في الشمال حق التصويت في الاستفتاء حتى لو أقام أحدهم خمسين عاماً في شمال السودان.
    دور منطقة أبيي في عملية السلام والوحدة:
    تعتبر منطقة أبيي من المناطق المتنازع عليها بين الجنوب والشمال، وقد ضمنتها اتفاقية نيفاشا ضمن المناطق الثلاث التي تُرك أمر حسمها لمرحلة لاحقة، وقد جرت عدة محاولات بعد توقيع الاتفاقية لترسيم أبيي إلا أنها جميعها باءت بالفشل منها تقرير الخبراء الذي ووجه بالرفض من قبل الحكومة «المؤتمر الوطني» وقد زاد من حدة الخلاف أن منطقة أبيي من أكثر مناطق السودان غنىً بالثروة النفطية، الأمر الذي جعل الصراع حول أبيي بمثابة قنبلة موقوتة قد تشق اتفاق السلام نفسه.
    جاء تقرير الخبراء الذي باعد بين أهل المنطقة من دينكا نقوك والمسيرية، ووضح بما لا يدع مجالاً للشك أن مشكلة أبيي تعقدت، ويمكن أن تهدد الأمن القومي السوداني ووحدة البلاد. فقد دُولت المشكلة وأصبحت مثار اهتمام دولي، وصارت من وجهة نظرهم مشكلة بين الإسلام والمسيحية، وبين العروبة والزنوجة، وبين أنصار الحكومة وأنصار الحركة الشعبية، وبين المركز والهامش، وبين الشمال والجنوب، ومعركة تقرير المصير ومعركة منظمات المجتمع المدني الدولي، ومعركة تصفية حسابات قديمة، وكانت نتاجاً لإفرازات لحرب الجنوب، وأخيراً يمكن أن نقول إنها معركة وثائق وبروتوكولات اكتنفها الغموض، ولعبت دوراً سالباً وترك الباب مشرعاً للاجتهاد في غياب النص الواضح.
    من إفرازات بروتوكول أبيي وتقرير الخبراء ظهرت العديد من الحركات المسلحة وغير المسلحة التي تتبع للمسيرية، كحركة شهامة التي تكونت من قوات الدفاع الشعبي في المنطقة من المراحيل الذين يعتبرون أنهم قد همشوا، وأن المنطقة فقدت الولاية وأبيي، كذلك ظهور العديد من الحركات في الفولة وبابنوسة وغيرها من المدن بغرب كردفان وتعمل بعضها في تنسيق تام مع حركات دارفور وخاصةً حركة العدل والمساواة.
    فالمجتمع الدولي في شبه خصومة مع النظام السوداني، ويسعى لهزيمته وإزاحته واستبداله نظام ديمقراطي علماني به، على حد زعمهم. ويعتقد الكثيرون أن اشتراكهم في اتفاقية السلام الشاملة جزء من هذا المخطط.
    كل المبعوثين الدوليين من المجتمع الدولي ينادون بتنفيذ قرار الخبراء دون الدخول في تفاوض ونقاش مع الحكومة لتفهم وجهة نظرها، فالاتحاد الأوروبي ودول أخرى أيضاً والكثيرون يرون ما ترى أمريكا هذا التقرير.
    وقد بدأت نذر ذلك الخطر تبرز للسطح بعد صراع الشريكين حول المنطقة في منتصف 2008م الأمر الذي أدى إلى احتراب داخل المدينة أدى إلى حرقها بالكامل وتشريد مواطنيها، لذلك فقد اتفق الشريكان على تحويل ملف أبيي لمحكمة التحكيم الدولية حيث أدلى الطرفان بإفاداتهما أمام المحكمة في مطلع 2009م.
    وقد صدر قرار التحكيم في 17 تموز 2009م بعد طول انتظار وترقب، وقد جاء التحكيم بحسب المراقبين متوازناً أرضى الطرفين شريكي نيفاشا اللذين أكدا التزامهما بتطبيق كل بنود قرار التحكيم، وقد وجد تجاوب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية مع قرار التحكيم الترحيب من المجتمع الدولي خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية النافذة علاوةً على بعض الدول العربية والإسلامية والإفريقية.



    يشغل جنوب السودان حوالي 700 ألف كيلو متر مربع من مساحة السودان البالغة 2.5 مليون كيلومتر مربع تقريبا، أي ما يعادل 28 في المئة. وللجنوب حدود تمتد إلى 2000 كيلومتر تقريبا مع خمس دول هي إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وأفريقيا الوسطى.
    وتشكل المراعي 40 في المئة من الجنوب السوداني والأراضي الزراعية 30 في المئة بينما تشغل الغابات الطبيعية 23 في المئة والسطوح المائية 7 في المئة من جملة المساحة.
    وحسب احصاء 2009 بلغ سكان السودان 39 مليونا و154 الف شخص ونيف بينهم 8 ملايين و260 الف شخص، اي 21 قي المئة، في الجنوب، وبينت النتائج ان 520 الفا من الجنوبيين يعيشون في شمال البلاد.

    http://www.assabeel.net/studies/15738-%D8%A7%D9%84%D8%A...%A7%D9%86-(1-2).html
                  

10-22-2010, 10:47 PM

صلاح شكوكو
<aصلاح شكوكو
تاريخ التسجيل: 11-19-2005
مجموع المشاركات: 4484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أين أتت كلمة ( الإنفصال ) في قاموسنا السياسي ؟؟ (Re: صلاح شكوكو)

    Quote: حق تقرير المصير لجنوب السودان - جدلية المسار والتداعيات (2-3) ... بقلم: هانئ رسلان
    الإثنين, 10 آب/أغسطس 2009 18:10

    -------------------------------------------

    خامسا: القضايا المصيرية ومقررات أسمرا 1995
    على الجانب الآخر للمعادلة، حيث تقف المعارضة الشمالية فى مواجهة نظام الإنقاذ، وجدت القوى الشمالية نفسها فى موقف صعب حيث أنها غير قادرة على التعاطى مع النظام الذى أعلن فى أكثر من مناسبة أنه لن يتفاوض إلا مع من يحمل السلاح، وأن حكومة الإنقاذ جاءت بالقوة، وأن من يريد منازعتها أو مشاركتها السلطة ليس أمامه سوى هذا السبيل، لذا قامت فصائل المعارضة بتكوين "التجمع الوطنى الديمقراطى" من أجل تكتيل جهودها، والتنسيق فيما بينها. وقد سعت القوى السياسية المكونة للتجمع المعارض إلى جذب الحركة الشعبية إلى عضويته، إذ أن هذا الانضمام كان يمثل ولاشك إضافة هائلة إلى التجمع باعتبار أن الحركة الشعبية هى القوة الوحيدة القادرة على مواجهة نظام الإنقاذ وإزعاجه عسكرياً، فالأحزاب والقوى السياسية الشمالية مثل الحزب الاتحادى وحزب الأمة والحزب الشيوعى وغيرها، لا تمتلك قدرة عسكرية تذكر، بل أن بعضها مثل الحزب الاتحادى لا تاريخ له على الإطلاق فى هذا المجال.
    وفى مواجهة سياسات الإقصاء التى اتبعتها حكومة الخرطوم، أعلن التجمع الديمقراطى المعارض فى يونيو 1995 ما عرف فيما بعد باسم "مقررات القضايا المصيرية" فى أسمرا، والتى جرى الاتفاق من خلالها على المبادئ المتعلقة بإنهاء الحرب الأهلية، وقد أقرت هذه المبادئ حق تقرير المصير كمدخل أساسى لإنهاء الحرب كما يلى (2):-
    1-خيار التجمع الوطنى المفضل هو وحدة الوطن المؤسسة على التنوع والاعتراف بأن السودان بلد متعدد الأعراق والديانات والثقافات واللغات، وأن تلك الوحدة ستقوم على حق المواطنة وعلى المساواة فى الحقوق والواجبات وفق المعايير المضمنة فى المواثيق العالمية حول حقوق الإنسان .
    2-الاعتراف بأن حق تقرير المصير يوفر حلاً لقضية إنهاء الحرب الأهلية لتسهيل استعادة الديمقراطية فى السودان وتعزيزها وإتاحة فرص تاريخية فريدة لبناء سودان جديد قائم على العدالة والديمقراطية.
    3-أن المناطق المتأثرة بالحرب هى جنوب السودان ومنطقة إبيى وجبال النوبة والانقسنا.
    4-أن أهل جنوب السودان بحدوده القائمة فى أول يناير 1956 سيمارسون حقهم فى تقرير المصير قبل انتهاء الفترة الانتقالية.
    5-يستفتى أهل إبيى خلال الفترة الانتقالية حول بقائهم ضمن إقليم كردفان أو الانضمام إلى إقليم بحر الغزال.
    6-تسعى الحكومة الانتقالية للتوصل إلى حل سياسى ورفع المظالم التى عانى منها أهل منطقة جبال النوبة والانقسنا.
    7-الخيارات التى تطرح فى الاستفتاء بالجنوب هى:
    أ- الوحدة ب – الاستقلال
    وهكذا وافقت القوى السياسية الشمالية، على حق تقرير المصير واعتبرته بنداً أساسياً فى مواثيقها، ورأى بعض المراقبين أن تقرير المصير قد فرض فرضاً على أحزاب الشمال عبر "البندقية الجنوبية"، لأن تحالف القوى الشمالية غير المسلحة تاريخياً، وضع هذه القوى فى موقف الشريك الأضعف رغم ثقلها الجماهيرى فى الشمال، وأن البندقية الأكثر فعالية فى الصراع مع نظام الإنقاذ كانت هى البندقية الجنوبية، وبذلك أدى فقدان الأمل فى الوصول إلى حل وطنى للأزمة السودانية إلى القبول بهذا الحل، الذى يعرف الجميع أنه قد يؤدى إلى الانفصال، إلا أن الإفرازات المزمنة الناتجة عن طول أمد الصراع و التحولات المتسارعة فى الواقع السياسى، جعلت القوى السياسية الشمالية تلهث وراء مناورات نظام الإنقاذ وتقلباته السياسية، وتسعى ما وسعها الجهد إلى مواجهته ومحاولة إسقاطه بأى وسيلة.
    سادسا : اتفاقية الخرطوم للسلام
    على الجانب الحكومى، وبعد فترة وجيزة من إعلان مقررات القضايا المصيرية فى أسمرا وقعت الحكومة السودانية على اتفاقية الخرطوم للسلام فى إبريل 1997، غير أن هذه الاتفاقية لم تكن فى إطار رد الفعل على مقررات أسمرا 1995، بل تعد فى الحقيقة تتويجاً للمسار الذى كان قد بدأه نظام الإنقاذ فى محادثات فرانكفورت فى يناير 1992، وقد مرت هذه الاتفاقية من الناحية الإجرائية بعدة خطوات، بدأت بالتوقيع على ميثاق للسلام فى إبريل 1996، الذى كان بمثابة إعلان للمبادئ وقعت عليه كل من الحكومة، وحركة استقلال جنوب السودان بقيادة الدكتور رياك مشار، والحركة الشعبية لتحرير السودان (مجموعة بحر الغزال) بقيادة كاربينو كوانين، وبعد أن استمرت التعبئة السياسية حول هذا الميثاق عاماً كاملاً تم توقيع اتفاقية الخرطوم بين الحكومة والأطراف الجنوبية التالية:-
    -حركة استقلال جنوب السودان بقيادة رياك مشار.
    -الحركة الشعبية لتحرير السودان (مجموعة بحر الغزال) بقيادة كاربينو كوانين.
    -تجمع أبناء بور بقيادة القائد أروك طون أروك.
    -الحركة المستقلة لجنوب السودان بقيادة كواج مكواى.
    -قوة دفاع الاستوائية بقيادة توبولوس أوشانج
    وبعد التوقيع على الاتفاقية، كونت هذه الفصائل فيما بينها جبهة موحدة هى الجبهة الديموقراطية للإنقاذ، وتم دمج قواتها فى حركة عسكرية موحدة أطلق عليها أسم "قوة دفاع جنوب السودان" أسندت قيادتها السياسية والعسكرية للدكتور رياك مشار.
    وعقب توقيع اتفاقية الخرطوم بأشهر قليلة، أدت بعض المساعى إلى توقيع الدكتور لام أكول لاتفاقية "فاشودة" مع الحكومة السودانية فى 20 سبتمبر 1997، وذلك بعد الاستجابة لبعض التحفظات التى أبداها وقد تم توقيع الاتفاق بحضور رث "ملك" الشلك، وهو الزعيم الروحى للقبيلة التى ينتمى إليها لام أكول، وقد أجاز البرلمان السودانى اتفاقية الخرطوم التى تم تحويلها إلى مرسوم دستورى هو المرسوم الرابع عشر عام 1997.
    وتنص اتفاقية الخرطوم التى تقع فى ديباجة وثمانية فصول، على قضايا الدين والدولة والضمانات الدستورية وتوزيع السلطة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات، وكذلك توزيع الثروة ومشاركة الجنوبيين فى مؤسسات الحكم الاتحادى، إلا أن أهم فصولها هو ذلك المتعلق بحق تقرير المصير لمواطنى جنوب السودان، بعد فترة انتقالية تمتد لأربعة أعوام من تاريخ إنشاء المجلس التنسيقى للولايات الجنوبية التى تم تحديدها بعشرة ولايات، ويجرى فى نهاية الفترة الانتقالية استفتاء على خيارى الوحدة أو الانفصال، على أن يجرى هذا الاستفتاء تحت رقابة المنظمات الإقليمية والطوعية الوطنية والأجنبية.
    أما فيما يتعلق بقضايا الدين والدولة فقد نصت الاتفاقية على أن المواطنة هى أساس الحقوق والواجبات ويشارك جميع السودانيين بحكم المواطنة، على وجه المساواة فى المسئولية السياسية.
    ومن ناحيتها اعتبرت الحكومة السودانية أن هذه الاتفاقية تمثل خطوة كبيرة فى الاتجاه نحو إنهاء الحرب الأهلية وأنها ستكون نموذجاً لحل المشاكل المماثلة فى القارة الإفريقية، وإنها سبقت بمراحل اتفاقية أديس أبابا 1972، بينما قللت المعارضة من أهمية الاتفاقية، وأن الهدف الحقيقى منها هو تحويل الحرب إلى حرب جنوبية / جنوبية، على نطاق واسع، وأعلن جون قرنق أن المنشقين على حركته وكذلك الحكومة السودانية، كاذبون فى المناداة بحق تقرير المصير. وطبقاً لقرنق فإنه كان ينبغى على المنشقين الذين تحالفوا مع نظام الإنقاذ، أن يكونوا حرباً على النظام بدلاً من الانخراط فى جيشه الذى يحارب أهلهم فى الجنوب، إذا كانوا جادين فى دعواهم التى برروا بها انشقاقهم، وأن الذى يحول دون الانفصال أو الاستقلال ليس الحركة الشعبية لتحرير السودان، أو التجمع الوطنى المعارض، بل نظام الإنقاذ.
    ومن ناحيته أصدر التجمع الوطنى الديمقراطى بياناً أوضح فيه رفض التجمع اتفاقية الخرطوم باعتبارها إطاراً لتكريس انفصال جنوب السودان، وأنها لا تحقق السلام فى الجنوب لأنه تم بين أقلية فى الشمال وأقلية فى الجنوب وفى غياب الشرعية والضمانات الدولية.
    وعلى المستوى الإقليمى والدولى جاءت ردود الأفعال على اتفاقية الخرطوم فاترة، حيث أعلنت إدارة الرئيس كلينتون أنها تتضمن بعض الإيجابيات، إلا أنه لا يمكن اعتبارها حدثاً كبيراً، إذ لم يشارك فيها لاعب رئيسى مثل قرنق، أما الخارجية المصرية فقد أعلنت أن هذا الاتفاق سيكون له تأثير سلبى على عملية الاستقرار وجددت موقفها الرافض لانفصال جنوب السودان لتنافيه مع مبادئ ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية.
    وحين دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ، برزت الكثير من الخلافات وسط القوى الجنوبية الموقعة على الاتفاق حول المواقع السياسية والمناصب الدستورية، ووصلت هذه الخلافات إلى حد الاقتتال الضارى وتبادل اختطاف بعض القادة والمسئولين فى العديد من المواقع بالإضافة إلى الفساد المالى و الإدارى، وكثرت الاحتجاجات وكذلك التذبذب فى المواقف وهو أمر بدا أن حكومة الخرطوم كانت تتوقعه، بل ربما هدفت إليه من البداية، وساعدت حسبما رأى الكثير من المراقبين على تفاقم الخلافات الجنوبية واشتعالها، وقد انتهى الأمر فى نهاية المطاف، وبعد الكثير من التفاصيل إلى إعلان رياك مشار عن انسحابه من الاتفاقية وعودته إلى الحركة الشعبية بقيادة قرنق وذلك بعد أن اهتز موقف مشار تجاه أحد منافسيه "فاولينوماتيب" والذى كان يحظى بدعم غير مباشر من الحكومة، وقد استمر سريان الاتفاقية مع باقى الأطراف، كما تم تمديد الفترة الانتقالية المحددة لإجراء الاستفتاء حول تقرير المصير والتى كان مقرراً انتهاؤها فى مارس 2002، لمدة سنتين آخريتين حتى عام 2004، وذلك بموافقة الطرفين طبقاً لأحد بنود الاتفاقية. وعند نهاية هذا التجديد تم مد العمل بالاتفاقية لعام آخر بطلب من مجلس تنسيق الولايات الجنوبية الذى يرأسه الآن الدكتور "رياك قاى" الذى ينتمى إلى قبائل النوير.
    لقد مثلت اتفاقية الخرطوم بالنسبة للحكومة لبنة أساسية فى استراتيجية "السلام من الداخل"، التى سعت إلى خلق تحالف عريض من القوى السياسية الجنوبية والفصائل المناهضة للقرنق، بهدف تقويض وضع قرنق وتهميشه عملياً، فالشروط السخية التى قبلت بها الحكومة فى الاتفاقية، عبرت عن محاولة جادة لسحب البساط من تحت أقدام قرنق، فقد منحت الاتفاقية لمجموعة الفصائل المكونة للجهة الديمقراطية للإنقاذ، حق تقرير المصير، والانفصال إذا شاء أهل الجنوب، وحكما فيدرالياً واسعاً ذا سلطات واسعة، يكون الجنوب بموجبة موحدا وشبه مستقل حتى قبل الاستفتاء، ولكن الكثير من المشاكل ظهرت فى تطبيق الاتفاقية، حيث بدأت تظهر الانشقاقات والصراعات فى جبهة الجبهة الديمقراطية للإنقاذ، وكان من أبرزها انشقاق القائد "كاربينو كوانين بول"، الذى ينتمى إلى الدينكا وعودته للانضمام إلى جون قرنق، قبل أن ينشق عليه مرة أخرى ويعود إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الحكومية، حيث قتل فى المعارك مع الفصائل الجنوبية الأخرى، كما أن التطبيق أظهر ضعف فاعلية السلطات والصلاحيات التى منحتها الخرطوم للجبهة الديمقراطية للإنقاذ من الناحية العملية، ومن الناحية الأخرى كان نظام الإنقاذ يراوح فى موقفه السياسى من هذه الفصائل ويوظفها كأداة فى إطار الاستراتيجية الخاصة بإضعاف قوات قرنق، حيث كان معلوماً للجميع، أن الوصول إلى اتفاق مع هذه الفصائل وحدها لن يكون كافياً لجلب السلام أو إنهاء الحرب الأهلية. وقد تطورت الأوضاع بعد ذلك بعد البطء الذى صاحب المبادرة المشتركة التى قدمتها كل من مصر وليبيا فى 1999، وعدم قدرتها على تحقيق تقدم يذكر، إلى أن تبدلت السياسة الأمريكية تجاه السودان مع تعيين السيناتور جون دانفورث كمبعوث رئاسى لواشنطن فى السودان، الأمر الذى تمخض عن توقيع اتفاقية "جبال النوبا" فى يناير 2002، لتنطلق بعدها عملية التسوية فى كينيا والتى أحدثت اختراقاً هائلاً بتوقيع اتفاق مشاكوس الإطارى.
    سابعا: حق تقرير المصير فى إطار ماشاكوس
    نص الاتفاق الإطارى الذى جرى توقيعه فى ماشاكوس فى 20 يوليو 2002، على منح حق تقرير المصير لجنوب السودان بعد مرحلة انتقالية قدرها 6 سنوات، وذلك من خلال استفتاء تحت رقابة دولية.
    وقد نص الاتفاق الإطارى أيضاً على اتفاق الطرفين على العمل سوياً على إعطاء الأولوية للوحدة وجعلها جاذبة لأهل جنوب السودان، ولضمان التنفيذ أشار الاتفاق إلى آلية محددة (3) تتمثل فى تأسيس مجلس مستقل وهيئة تقييم خلال الفترة الانتقالية، على أن تقوم هذه الهيئة بإجراء تقييم فى منتصف المدة لترتيبات الوحدة، وتتشكل هيئة التقييم من ممثلين متساوين من حكومة السودان والجيش الشعبى لتحرر السودان، ومما لا يزيد عن ممثلين اثنين من الدول والمنظمات الآتية:-
    أ-الدول الأعضاء فى اللجنة الفرعية حول السودان التابعة لمنظمة الإيجاد وهى جيبوتى وإريتريا وأثيوبيا وكينيا وأوغندا.
    ب-دول مراقبة دولية وهم إيطاليا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
    ج-أى دول أو هيئات دولية أخرى يتم الاتفاق عليها من قبل الأطراف.
    وناط الاتفاق بالأطراف والهيئة العمل خلال الفترة الانتقالية على تحسين المؤسسات والترتيبات المؤسسية طبقاً للاتفاقية والتى تهدف إلى جعل وحدة السودان جاذبة لأهل الجنوب.
    فى هذا السياق يمكننا أن نشير إلى ملاحظتين أساسيتين، الملاحظة الأولى تتعلق بوجود نوع من التعارض فى بنية الاتفاق الإطارى نفسه فيما يتعلق بمسألة الوحدة أو الانفصال، إذ أنه يمنح الجنوبيين الحق فى إدارة شئون إقليمهم، الأمر الذى يقتضى إنشاء هياكل ومؤسسات وأجهزة إدارية خاصة بالإقليم الجنوبى لتمكين حكومة هذا الإقليم من إدارة شئونه، وهذه خطوة قد تشجع على الانفصال فى وقت لاحق. وفى الوقت نفسه ينص الاتفاق على تشجيع الوحدة وجعلها جاذبة بمعنى أنه يدعو إلى التركيز على الآليات المفضية إليها، والتى تقتضى إنشاء ودعم الهياكل والمؤسسات والأجهزة ذات البعد القومى والتى تشجع الطرفين على التفاعل والعمل سوياً بشكل منفتح من أجل مستقبل مشترك، مع محاولة التقارب وتخطى المشاكل الناتجة عن الحرب طويلة الأمد، والتى أفرزت مناخاً عاماً من التوجس وعدم الثقة. وعلى ذلك فإن المحصلة النهائية للفترة الانتقالية ستكون رهناً لعوامل غير منظورة وقد لا يمكن السيطرة عليها، إذ أنها تعتمد على ظروف وأسلوب تطبيق الاتفاق التى تعتمد بدورها على فهم الطرفين لنصوصه والمناخ الذى سيجرى التطبيق من خلاله وكيفية تجاوز المشاكل المعقدة التى ستنشأ خلال التطبيق.
    ولمحاولة فهم هذا التعارض الخفى فإننا نشير إلى النص الوارد فى تقرير دانفورث فيما يتعلق بحق تقرير المصير(4)، الصادر فى أبريل 2002 حيث عرض التقرير حق تقرير المصير للجنوبيين باعتباره وسيلة لحماية أنفسهم من الاضطهاد، وأشار إلى رأى الشمال الرافض لتقرير المصير المؤدى للانفصال، ثم ذهب دانفورث إلى "أن وجهة النظر الممكن تحقيقها أكثر والتى يعتقد أنها الأفضل لتحقيق حق تقرير المصير هى التى تضمن حق الشعب فى جنوب البلاد بالعيش تحت حكم يحترم دينه وثقافته، وذلك فى إطار إعطاء ضمانات جدية داخلية وخارجية بحيث لا يمكن للحكومة أن تتجاهل فى الممارسة أى وعود تقدمها أثناء مفاوضات السلام".
    وهكذا فإنه من الواضح أن الفهم الأمريكى الوارد فى تقرير دانفورث، والذى يحاول جعل تقرير المصير وسيلة وليس غاية مقصودة فى ذاتها، ويستخدمه أداة للضغط والتلويح بإمكانية إنقاذه للحصول على الحقوق، قد يتحول كما هو واضح من التفاعلات الجارية حتى الآن إلى نقطة بدء لمسار جديد فى العمليات السياسية السودانية برمتها، فبمجرد التوقيع على هذا الحق بدأت التفاعلات تأخذ شكلاً جديداً، ومنحى آخر فاحتلت قضية المناطق المهمشة حيزاً كبيراً وبخاصة قضية منطقة "ابيى" التى من المرجح أنها ستتحول إلى "كشمير" جديدة فى السودان، بالإضافة إلى أزمة دارفور الذى اشتعلت إلى حد غير مسبوق وتحولت الآن من قضية داخلية إلى قضية ذات بعد دولى، بمعنى أنها خرجت من حيز التفاعلات الداخلية فى السودان إلى التدويل مع رفع سقف المطالب والمطالبة بحصة من البترول وقوات عسكرية مستقلة وحكم ذاتى واسع النطاق، وكل ذلك على خلفية صراع أثنى وعرقى وجهوى موجه ضد المركز أو الشمال النيلى بالتحديد.
    أما الملاحظة الثانية فتقودنا إلى المشاكل التطبيقية لحق تقرير المصير، لجنوب السودان (5) والتى يمكن إيجازها فيما يلى:
    أ-قضية حدود الجنوب: نص الاتفاق الإطارى على أن حدود الجنوب هى الحدود المعروفة عند استقلال السودان فى يناير 1956، إلا أن الحركة الشعبية ومنذ الشوط الأول فى الجولة الثانية للمفاوضات طرحت تصوراً مختلفاً لحدود الجنوب، وذلك بأن ضمت إلى الولايات الثلاث المتعارف عليها، مناطق كل من إبيى وجبال النوبا (كلاهما تقع فى ولاية جنوب كردفان الحالية)، وجبال الانقسنا جنوب (ولاية النيل الأزرق).
    وقد رفضت الخرطوم النظر فى هذا الطرح باعتبار أن حدود جنوب السودان معروفة بالضرورة وأن هذه مسألة محسومة فى الاتفاق الإطارى، إلا أن الحكومة السودانية وللعديد من الاعتبارات رضخت جزئياً لمطلب الحركة الشعبية وأجرت مفاوضات حول هذه المناطق فى مسار منفصل وموازى لمسار مبادرة الإيجاد فى محاولة لتحاشى الاعتراف بحق تقرير المصير لهذه المناطق، وذلك طبقاً للتصور السائد آنذاك بأن الحركة الشعبية تتشبث بمطلب التفاوض حول قضايا المناطق كمطلب تكتيكى بالنظر إلى انتماء جزء من قواتها العسكرية إلى هذه المناطق. إلا أن التجربة العملية ومسار المفاوضات أثبتا خطأ هذا الاعتقاد، فرغم الوصول إلى تفاهم عام حول حكم ذاتى بصلاحيات معينة لجبال النوبا وجبال الانقسنا، إلا أن الموقف أصبح معقداً للغاية بخصوص "إبيى" وتحول إلى أزمة كبيرة فى المفاوضات بسبب إصرار الحركة الشعبية على موقفها بضم أبيى إلى بحر الغزال، ورغم محاولة الولايات المتحدة الأولية لاتخاذ موقف ضاغط على الطرفين لدفعهما إلى التوصل إلى اتفاق، إلا أنها انحازت فى النهاية إلى موقف الحركة الشعبية من خلال اقتراحها جعل المنطقة تابعة إدارياً لكل من حكومتى ولاية كردفان وولاية بحر الغزال فى الوقت نفسه إلى أن يجرى تحديد وضعها النهائى بعد 6 سنوات عبر الاستفتاء. وهذا أمر ستقابله مشكلة أخرى فى حينها وهى من هم الذين يحق لهم التصويت على مستقبل منطقة أبيى؟ فالحركة الشعبية تصر على أن حدود أبيى تقف عند خط العرض 10 شمالاً وهذا يعنى أن "الدينكا نقوك" هم المعنيون وحدهم بالتصويت، فى حين أن الحكومة ترى أن حدود المنطقة هى خط العرض 11.5 شمالاً وهذا يعنى أن قبائل المسيرية التى تتمركز فى بابنوسة والمجلد وترتحل إلى الجنوب صيفاً يحق لها التصويت. وبالنظر إلى الأغلبية العددية للمسيرية فإن النتيجة ستكون فى هذه الحالة لصالح الشمال وهو الأمر الذى ترفضه الحركة الشعبية بالطبع.
    ب-حق التصويت: السؤال الأساسى المطروح قبل الدخول فى عملية الاستفتاء والمطلوب الإجابة عليه هو: من هو الجنوبى؟ أو بمعنى آخر من يحق له التصويت فى الاستفتاء؟ قد تكون الإجابة على هذا السؤال غاية فى البساطة فى الأحوال العادية، ولكنها فى الوضع السودانى تثير العديد من القضايا الإشكالية، بالنظر إلى المتغيرات التى حدثت فى السودان فى السنوات العشرين الماضية، حيث نزح مئات الآلاف من الجنوبيين إلى وسط وشمال السودان، هرباً من الحرب أو المجاعة. فهل من يحق له التصويت هو الشخص القاطن فى الجنوب؟ وما هى وضعية الجنوبيين النازحين؟ وما هو الوضع بالنسبة للشماليين الذين استقروا فى مدن الجنوب، هل يحق لهم التصويت أم لا؟ وهل إذا صوت الجنوب لصالح الانفصال سيبقى الجنوبيون القاطنون فى الشمال فى أماكنهم؟ أم سيتم ترحيلهم؟ وتجدر الإشارة فى هذا السياق إلى أن مسمى "جنوبى" ليس ذا دلالة قانونية، وإنما هو إشارة إلى انتماء جغرافى إلى جهة من جهات السودان. ويزداد الأمر تعقيداً بالنظر إلى التركيب المعقد للجنوب الذى يتكون من فسيفساء عرقى وثقافى ودينى شديد التنوع، مع عدم وجود سجلات رسمية منتظمة لإثبات الهوية، وبذلك تكون عملية تسجيل وتحديد من يحق لهم التصويت مسألة بالغة الصعوبة.
    وطبقاً لآخر إحصاء تم إجرائه فى عام 1983، يبلغ عدد سكان الجنوب حوالى 5.4 مليون نسمة، أى ربع عدد سكان السودان البالغ آنذاك 22.5 مليون نسمة (عدد السكان الحالى حوالى 38 مليون نسمة)، كما أنه من الصعب العثور الآن على إحصاءات دقيقة للجنوبيين، بسبب الظروف الأمنية الصعبة، إلا أن تقديرات الحكومة السودانية وعدد من منظمات الإغاثة العاملة فى جنوب السودان تشير إلى أن عدد الجنوبيين النازحين إلى الشمال بلغ حوالى 2 مليون جنوبى، فى مقابل حوالى 1.5 مليون مازالو فى الجنوب، وأن اللاجئين إلى دول الجوار فى اثيوبيا وأوغندا وكينيا وأفريقيا الوسطى بلغوا نحو نصف مليون جنوبى، وأن هناك أكثر من 50 ألف جنوبى فى دول العالم الأخرى. وهذه التقديرات قد تزيد أو تنقص بنسبة ما، إلا أنها توضح بكل تأكيد أن نصف الجنوبيين على الأقل يعيشون الآن فى الشمال.
    وقد حددت الحركة الشعبية لتحرير السودان موقفها من هذه النقطة فى الورقة التى قدمتها إلى مؤتمر "قضايا الانتقال إلى الديمقراطية والسلام" الذى عقد فى كمبالا عام 1999، وذلك على النحو التالى:-
    - السودانيون الجنوبيون هم المواطنون الأصليون من أهل المنطقة والذين يقيمون فى أحد الأقاليم الجنوبية الثلاثة (بحر الغزال والاستوائية وأعالى النيل)، وينتمون إلى إحدى المجموعات العرقية أو القبلية من السكان الأصليين من خلال أحد الأبوين أو كليهما.
    - السودانيون الجنوبيون الذين يقيمون فى مدن السودان الشمالية يجب أن يعودوا إلى مناطقهم لكى يستطيعوا الاقتراع فى الوقت المحدد للاستفتاء، ولا يسمح لهم بالاقتراع من مناطقهم فى شمال السودان (بحجة أنهم قد يكونون تحت تأثير حكومة الخرطوم).
    - اللاجئون الجنوبيون فى الخارج، يسمح لهم بالاقتراع خارج السودان فى بلدان اللجوء أو فى مقار البعثات الدبلوماسية السودانية.
    ويلاحظ على هذه الرؤية أنها تهدف إلى إغلاق الطريق أمام حكومة الخرطوم فيما يتعلق بالجنوبيين المقيمين فى الشمال، حيث أن هؤلاء قد يكونوا من مؤيدى الوحدة، بسبب عدم رغبتهم فى التخلى عن حقهم فى العودة إلى مواطنهم الأصلية، فى الوقت الذى قد لا يستطيعون فيه العودة إلى الجنوب لأسباب تتعلق بأوضاعهم المعيشية أو بسبب مخاوف أمنية أو قبلية. كما أن الحركة لا توضح الطريقة التى سوف يتم بها ترحيل هؤلاء إلى الجنوب مرة أخرى، وهل سيتم ذلك طوعاً أو عن طريق الإكراه؟
    قد يكون هذا الموقف من جانب الحركة الشعبية تفاوضياً، بحيث يجرى التنازل عنه فيما بعد، إلا أنه فى هذه الحالة سيحتاج أيضاً إلى الكثير من الترتيبات الخاصة بإثبات الهوية وتسجيل من يحق لهم التصويت بحكم وجود أعداد هائلة أخرى من النازحين من الغرب ومن المناطق الملاصقة للجنوب، وهذا قد يقود إلى إحداث خلافات ومشاكل هائلة فيما يتعلق بالتفاصيل التى تحكم هذه العملية.
    ج-كيفية التصويت: المؤسسة السياسية والإدارية والقانونية الموجودة حالياً فى الجنوب هى "الولاية" مع وجود "القبيلة" كوحدة اجتماعية مهمة داخل الولاية. وحسب التوزيع الحالى فإن الجنوب مقسم إلى 10 ولايات، وكل ولاية منها تمثل تقريباً قبيلة واحدة، أو قبائل مترابطة الأواصر على نحو ما، ولكل ولاية دوائرها الانتخابية الخاصة بالتصويت للمجلس الوطنى (البرلمان)، وبداخل كل ولاية توجد المجالس المحلية كوحدات إدارية وقانونية على مستوى أدنى.
    وبالنظر إلى هيمنة القبيلة على الحياة فى الجنوب، فإن المتوقع هو أن يصوت أبناء كل قبيلة فى اتجاه موحد، غايته نصرة القبيلة أو الولاية فى الاتجاه الذى تريد، فإذا كان سؤال الاستفتاء الموجه لكل جنوبى له حق التصويت كالتالى:- "هل ترغب فى بقاء الجنوب فى الوحدة الحالية أم تريد الانفصال" فإن مثل هذا السؤال قد يقود إلى نتيجة غير عادلة لبعض القبائل، التى قد تجد نفسها فى مواجهة نتيجة (لم تصوت لها)، ولا ترضى عنها أو لا تحقق مصالحها. ويمكن توضيح ذلك كما يلى:-
    - قبيلة الدنيكا هى أكبر قبائل الجنوب من حيث العدد، ولها أربع ولايات من الولايات العشر، تقع ثلاث منها فى إطار بحر الغزال الكبرى، وفى المقابل فإن قبيلة النوير هى القبيلة الأولى فى أعالى النيل الكبرى، وتليها من الناحية العددية قبيلة الدنيكا.
    - أما قبيلة الشلك وهى ثالث أكبر القبائل الجنوبية فهى موزعة بين أعالى النيل والمديرية الاستوائية.
    - هناك مجموعة كبيرة من القبائل المتصارعة فى المديرية الاستوائية وهى قبائل تحمل مشاعر عدائية تجاه القبائل الثلاث الكبرى خوفاً من الوقوع تحت سيطرتها.
    وعلى ذلك فإن قبيلة الدنيكا والنوير لو تحالفتا معاً فإنهما ستحسمان اتجاه التصويت سواء للوحدة أو للانفصال، ومن ثم فإن باقى القبائل ستجد نفسها مضطرة للرضوخ لنتائج هذا الاتجاه التصويتى أو ذاك، وكأن تصويتها لا قيمة له، أو هو من باب تحصيل الحاصل، وهذه مسألة بالغة الحساسية فى الوضع الجنوبى فمن المعروف أن خسائر الجنوبيين نتيجة للقتال الضارى بين بعضهم البعض هى أكثر من خسائرهم فى القتال ضد الشمال، كما أن هناك العديد من القبائل الجنوبية التى ما زالت تقاتل مع حكومة الخرطوم ضد قوات قرنق، حيث قاتلت قوات "فاولينوماتيب" – على سبيل المثال - بضراوة إلى جانب القوات الحكومية من أجل تحرير مدينة "توريت" واستعادتها من قوات الحركة الشعبية، وكانت على رأس أحد المحاور الثلاثة الرئيسية التى قامت القوات الحكومية من خلالها باقتحام المدينة.
    أما إذا كان السؤال المطروح للاستفتاء "هل ترغب فى أن تبقى ولايتك فى إطار النظام القائم أم تكون فى إطار جنوب منفصل" فمن المؤكد أن نتائج الاستفتاء سوف تختلف، ففى هذه الحالة من الممكن أن تصوت بعض الولايات للانفصال عن الشمال فى حين أن بعضها الآخر قد يفضل البقاء فى إطار السودان الموحد، الأمر الذى يعنى أن الكيان الجنوبى المنفصل فى دولة جديدة قد يشتمل على أربع أو خمس ولايات فقط -على سبيل المثال- فى الوقت الذى قد تختار الولايات الأخرى صيغة مختلفة مثل الكونفدرالية مع الشمال، وإن كان من غير المتصور أن يلقى مثل هذا الاقتراح موافقة الحركة الشعبية، لأنه سوف يقود إلى تفتيت الجنوب المعروف بحدوده الحالية، وسيؤدى أيضا إلى فقدان الحركة الشعبية لموقعها كممثل للجنوبيين.
    ومن ثم فإن القضايا الفنية المتعلقة بالاستفتاء والتى ينتظر حسمها فى الاتفاق النهائى ستكون ذات أثر بالغ الأهمية فيما يتعلق بنتائج الاستفتاء ومن ثم وحدة التراب السودانى، أو حدوث الانفصال، وهى فى كل الأحوال تشير إلى أن عملية تطبيق اتفاق ماشاكوس برمتها، ستواجه تعقيدات صعبة.


    • نشرت هذه الدراسة فى سلسلة كراسات استراتيجية الصادرة عن مركزالدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام، العدد رقم 138، ابريل 2004

    http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_content&vi...3-19-03-41&Itemid=55
                  

10-22-2010, 10:55 PM

صلاح شكوكو
<aصلاح شكوكو
تاريخ التسجيل: 11-19-2005
مجموع المشاركات: 4484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أين أتت كلمة ( الإنفصال ) في قاموسنا السياسي ؟؟ (Re: صلاح شكوكو)

    Quote: السودان خيارات الوحدة و الانفصال
    دائرة العلوم السياسية
    د. سراج الدين عبد الغفار عمر
    سؤال الوحدة و الإنفصال – الابعاد التاريخية

    مدخل:
    قبل القرن التاسع عشر إتخذ الجنوب إتجاهاً مغايراً في تطوره العِرقي و السياسي عن شمال السُّودان ، مما كان له كبير الأثر في العلاقات بين الشمال و الجنوب عندما إتصلا ببعضهما البعض في القرن التاسع عشر .
    الا أنه و بالرغم من هذا التطور المنفصل فإن الجانبين كما يقول محجوب الباشا لم يكونا على إنفصال تام بل أن بعض العلاقات قد جمعت بينهما قبل الغزو التركي في القرن التاسع عشر خاصة ما يسمى بمناطق التماس .
    و بإستثناء هذه الاتصالات المحدودة فإن الجنوب ظل في مجمله و حتى منتصف القرن التاسع عشر خارج نطاق الطرق التجارية التي ربطت شمال السُّودان بالشرق الاوسط من جهة ، و بغرب أفريقيا من جهة أخرى.
    وقد كان للعوائق الطبيعية التي تمثلت في المستنقعات وكثافة الامطار و صعوبة البيئة و إنتشار ذبابة التسي تسي ، دوراً سالباً في جعل الاتصال بين الشمال و الجنوب في حدود ضيقة للغاية. و بالتالي ظل الجنوب معزولاً عن العالم الخارجي بصورة شبه كاملة، و على الرغم من أن بعض المؤرخين يرون أن جزءاً من آثار حضارة مروي قد أٌكتشف في عدد من دول وسط أفريقيا إلا أنهم يرون أنها لم تصل الى هنالك عبر جنوب السُّودان ، و إنما بطرق أخرى تفادت بصورة كاملة منطقة المستنقعات.
    و يقول ماكمايل في ذلك " أنه لا توجد أي مؤشرات عن تأثر قبائل جنوب السُّودان بهذه الحضارة العظيمة " . و يؤكد على ذلك فرانسيس دينق من أن الدينكا لا يذكرون الا لماما في رواياتهم الشفهية إتصالهم بالاجناس الأخرى قبل القرن التاسع عشر، و يسمون الجنس الذي إتصلوا به قبل ذلك التاريخ باسم" لويل " و يشير الى أن الحفريات أثبتت أن " اللويل " ، كانوا مهرة في صناعة الخزف الا أنه لا يمكن القطع بأصول اللويل أو موطنهم الأصلي سواء كان في شمال السُّودان أو غير ذلك .
    الا أن أهم الاتصالات التي حدثت بين الشمال و الجنوب قبل القرن التاسع عشر ، كانت بين مملكتي الشلك و الفونج ، فقد ظهرتا معاً الى الوجود في القرن السادس عشر . حيث برزت الأولى تحت قيادة القائد الاسطوري نيكانق ، و بسبب الحدود المشتركة بين المملكتين فقد نشأ تنافس تحول في بعض الاحيان الى عنف خاصة في المناطق الحدودية ، وقد شكل الشلك تهديداً مباشراً لمملكة الفونج بغاراتهم عبر النيل الابيض بين القرنين السابع عشر و التاسع عشر و تمكنوا في بعض الاحيان من السيطرة على مدينة ( أليس ) أحد أهم مدن المملكة و التي تقع في موقع مدينة الكوة الحالية .
    و تذكر بعض الروايات التاريخية أن الفونج إستعانوا بالسلطان بادي أبو دقن ( 1614 – 1642) ضد الشلك ، الا أن العلاقة لم تكن عدوانية في كل الأوقات، إذ أنها شهدت فترات من السَّلام و التعاون خاصة عندما يواجه الجانبان عدواً خارجياً مشتركاً . كما و أن بعض الآراء تؤكد أن أصل الفونج يرجع الى قبائل الشلك ، و نسبة لما ذكره الرحالة اليهودي داؤود رويني من وصفه لسنار عام 1522م إذ ذكر أن ( الملك عمارة دنقس أسود بسط نفوذه على السُّود و البيض على السُّواء) .
    خلاصة القول أن العلاقة في هذه الفترة كانت محدودة ولم تترك أثراً في التكوين العِرقي و السياسي بين جنوب و شمال السُّودان .
    وتعتبر بداية القرن التاسع عشر عند وصول جيوش محمد على باشا فيما يُعرف بالعهد التركي – المصري سنة 1820م ، يعتبر التاريخ الحقيقي لاتصال الشمال بالجنوب بصورة إدارية ، كما أنه أيضا تاريخ خضوع الجنوب لأول مرة لحكومة مركزية إدارية واحدة بسطت نفوذها الاداري على جميع أرجاء السُّودان ، و إمتدت سيطرتها حتى بحيرة فكتوريا و بذلك فُتح الباب واسعاً امام المغامرين والمكتشفين و التجار والرحالة للوصول الى غابات الجنوب الممتدة. المصادر التاريخية أفاضت في الحديث عن هذه الفترة حتى لم تترك وقائعاً مثل وصول الانسة تيرين و والدتها و شقيقتها من هولندا الى غندكرو في عام 1861م ، و ذهاب الشاعر الأمريكي السياسي بيار تيلور في عام 1851م ، الى كاكا، بجانب إكتشافات كل من سبيك و جرانت بمساعدة الجمعية الجغرافية الملكية و لقائهما بصمويل بيكر و زوجته في غندكرو ، و الذين أنهت أكتشافاتهم أي ( سبيك و جرانت و بيكر ) الجدل حول منابع النيل تلك التي أثارت إهتمامات أوروبا خلال مئات الأعوام . إذ تجمعت جراء كشوفاتهم الكثير من المعلومات عن الجنوب .
    ولكن ما يهمنا في هذه الفترة المعاملة السيئة التي لقيتها قبائل الجنوب من الحكم التركي بغرض إكراهها على الطاعة من حملات تأديبية وحشية ، شملت ضرب الزعماء ، و قتل الأبرياء و خطف الماشية و المحاصيل عنوةً هذه الظروف جعلت من الطبيعي أن يرحب الجنوبيون بالمهدي و ثورته ضد طغيان الحكم التركي المصري.
    الأمر الذي نمى الشعور بالوحدة الوطنية و المصير المشترك و قوى أواصر الترابط بين الشمال و الجنوب ، مما حدا ببعض أبناء الجنوب للاشتراك مع المهدي في قتاله ضد النظام التركي – المصري .
    ولكن كما أيدت بعض قبائل جنوب السُّودان الثورة المهدية مثل مجموعات الدينكا و النوير و الشلك و غيرها وقفت القبائل الإستوائية بشدة في وجه جيوش المهدية التي أرسلها الى المنطقة بقيادة الأمير عربي دفع الله مما جعله ينسحب من الرجاف سنة 1897م ، الشئ الذي مكن البلجيك من توطيد حكمهم في المنطقة التي عٌرفت فيما بعد بمنطقة اللادو . وبذلك لم تتمكن المهدية من بسط نفوذها على كل أرجاء الجنوب .
    و إن لم تستطع المهدية من ذلك إلا أن ظلالها قد إمتدت على كثير من أجزو ربطته بالشمال في ظل إدارة مركزية واحدة ، و إنحسر في عهدها نشاط الجمعيات التبشيرية و خلقت نوعاً من الوحدة في السُّودان . لكن مع إنسحاب جيوش المهدية من الرجاف في 1897م ، وكرري 1898م ، عاد الجنوب الى سيرته الأولى و أضحى مصيره معلقاً بيد الجيوش الإستعمارية القادمة من أوروبا من جهة شمال القارة أو جنوبها. و بدخول الجيش الانجليزي المصري فُتحت صفحة جديدة في تاريخ جنوب السُّودان و علاقته بالشمال . و ذلك لأن الإستعمار كما هو معلوم يستخدم أساليب متعددة و مختلفة للوصول الى تحقيق أهدافه القريبة و البعيدة ، ومن هذه الأساليب السيطرة العسكرية و القمع و الإستقلال و نهب الثروات الطبيعية ،و تجزئة و تفتيت الوحدة الداخلية من خلال سياسة ( فرق تسد) و التلاعب بالحدود ، وتشجيع التبشير الغربي و الإستيطان الأجنبي و فرض لغة المستعمر و ثقافته على البلدان المستعمرة .
    و لأن الإستعمار كان يخشى احتمال قيام وحدة قومية تنتظم البلدان المستعمرة إتبع سياسة التجزئة ولقد نال السُّودان نصيب الأسد من هذه السياسة . على النحو الذي جرى على مسرح الاحداث في السودان وتناولته مصادر الدراسات السودانية .

    تقرير المصير : جدل الوحدة و الإنفصال بين الشمال و الجنوب
    حُظيت جدلية الوحدة و الإنفصال بمناقشات و تجاذبات متعددة في أجندة القوى السُّودانية و الاطراف المعنية بالشأن السُّوداني ، فقد إحتلت هذه القضية أولوية متقدمة في مفكراتها.
    و تُعد مسألة تقرير المصير واحدة من أكثر القضايا تعقيداً و إثارة للجدل في السُّودان . و ذلك بجانب القضايا الأخرى المتعلقة بها ، مثل اللامركزية السياسية و الحقوق الثقافية و القومية و العلاقات العِرقية .
    إن مبدأ تقرير المصير الذي بدأ مفهوماً سياسياً قد أصبح قبل نهاية القرن الماضي حقاً كاملاً في القانون الدولي . و لقد كان هذا المبدأ من وراء تفكيك الأنظمة الإستعمارية و بروز عُدة دول جديدة في العالم . إلا أن المعايير القانونية لهذا المبدأ لم توضع في ما يتعلق بممارسة هذا الحق في الدول المستقلة ، لاسيما عندما ساد إتجاه فكرة الإنفصال . فالقانون الدولي لا يسمح نظرياً ولا عملياً بفكرة تقرير المصير الإنفصالي.
    إذ أن القانون لم يستخلص بعد وسيلة لانفاذ تقرير المصير في أجزاء الدول المستقلة، تاركاً الأمر برمته للدول المستقلة لإستخلاص طرق الاجماع السياسي حول هذه القضية وفقاً لقوانينها المحلية الخاصة . ففي غياب المواد الخاصة في المعاهدات الدولية ، يكون حق تحديد الوحدة القطرية شأناً خاصاً بسيادة كل دولة فالقانون الدولي الوضعي لا يقر حقاً للمجموعات القومية من أن تفصل نفسها ضربة لازلب من الدولة التي تكون جزءاً منها لمجرد الرغبة في ذلك. وقد تم تطبيق هذا المبدأ على جزر الآلاند التي تقع على خليج بوثينا الذي يفصل بين السُّويد ، فنلندا ، و يبلغ عدد سكان هذه الجزر 25 ألف نسمة تقريباً في عام 1920م ، 97% سويديون ، و كانت هذه الجزر جزءاً من السُّويد حتى عام 1809م ، عندما أٌلحقت بروسيا و معها فلندا . و فيما بعد أصبحت كلتاهما جزءاً من فنلندا الكبرى . و بقيتا تحت الحكم الروسي حتى عام 1917م . ففي اكتوبر من ذلك العام ( 1917) لدى سقوط الحكومة الروسية المؤقتة , أعلنت فنلندا إستقلالها, و أعلنت أن جُزر الالاند محافظة تابعة لها . و في الوقت ذاته , أعلن سكان الجُزر رغبتهم في الانضمام , و الإتحاد مع السُّويديين تأسيساً على مبدأ تقرير المصير . وقد أشارت عُدة إستفتاءات غير رسمية الى أن الأغلبية الساحقة من سكان الجزر يؤدون ذلك و تم طرح الموضوع رسمياً لعناية عصبة الأمم . حيث رأت لجنة المقرريين التي كُونت للفصل أن الأمر لا يدع مجالاً لتقرير المصير .
    فالبنسبة للجنة المقرريين أن دولة فنلندا الجديدة كانت إمتداداً لمنطقة فنلندا الحاكمة ذاتياً التي تضم جذر الالاند . وعليه فإن سكان هذه الجزر لم يكونوا - شعباً – ولكنهم يشكلون – أقلية – و أوضحت اللجنة أن الاقليات لا يمكن أن تعامل بذات الاسلوب الذي يعامل به – الشعب - وعلى الاخص لا يخول لهم المطالبة بأي حق لتقرير المصير .
    وافق مجلس عصبة الامم على تقرير اللجنة و الحقه بقراره الذي إعترف بسيادة فنلندا على الجزر .
    تغيرت وضعية تقرير المصير بشكل فجائي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من مفهوم سياسي الى حق قانوني منذ عام 1945م ، الا أن هذا التدرج قد شوهه الإستقطاب الحاد للحرب الباردة و المصالح المتضاربة للدول الغربية في مجابهة العالم الثالث.
    وفي خلال كتابة مسودة ميثاقين عالميين حول حقوق الانسان اقترح الإتحاد السُّوفيتي تضمين فقرة حول تقرير المصير في هذين الميثاقين . وقد عارضت ذلك الدول الغربية التي لها ممتلكات إستعمارية كبريطانيا و فرنسا و بلجيكا متعللة بأن تقرير المصير ليس حقاً قانونياً ، بقدر ما هو مبدأ سياسي غامض يمكن الحصول علية عبر الوسائل غير القانونية وهو غالبا ما يفضي للانفصال .
    وفي عام 1952م لجأ الإتحاد السُّوفيتي للجمعية العامة مصحوباً بالدعم التلقائي من الدول الآسيوية و الأفريقية و دول أمريكا اللاتينية التي أكسبته نصراً عندما أصدرت الجمعية العامة القرار رقم ( 4 ) الذي إعترفت بموجبه بحق الشعوب و الأمم من تقرير المصير بإعتباره حقاً إنسانياً أساسياً ، كما ذهبت الى أن المواثيق الدولية حول حقوق الانسان يجب أن تتضمن فقرة حول تقرير المصير .
    أخيراً تبلور حق تقرير المصير في صورته العالمية ليعني في إطار الإستقلال : ( تبقى الوحدات التي لا تمارس حكماً ذاتياً داخل حدودها الإستعمارية المرسومة) . في الدول المستقلة : ( يكون الحق للسيادة الشعبية و الحكومة النيابية . كما أن حق التكامل الإقليمي يقع داخل هذا المفهوم) .
    كما إرتبط حق تقرير المصير تاريخياً في الدول الأفريقية بإزالة الإستعمار فقط، فقد أعلن ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1963م ، في مقدمته : ( إن على الدول الأعضاء أن تعزز و تصون إستقلالها الذي كسبته بمشقة ، و كذلك سيادتها و تكاملها الإقليمي .
    حق تقرير المصير في المناطق لا تمارس حكماً ذاتياً :
    صنفت الجمعية العامة المستعمرات بأنها مناطق لا تمارس حكماً ذاتياً، و ذلك برغم المعارضة الغربية ، تحت الفصل التاسع من ميثاق الأمم المتحدة ، حيث أعدت قائمة بهذه المناطق من قِبل الجمعية ، كما أرغمت المادة ( 73 ) من الميثاق الدول الحاكمة أن تضع بانتظام امام السكرتير العام معلومات حول الظروف الاقتصادية و الاجتماعية و التعليمية لتلك المناطق . ومن ثم خولت شعوب المناطق التي لا تمارس حكماً ذاتياً بأن تمارس حق تقرير المصير بموجب قرارات الجمعية العامة 1514 ( 15) و 2625 (25 ). ففي حالة السُّودان و بحكم القانون الدولي فإن الشعب السُّوداني مثلاً مؤهل لممارسة حق تقرير المصير في إطار السُّودان المستقل الواحد ، كما حدث بالفعل ، و أن المجموعات داخل البلاد كالجنوبيين ليسو مخولين لممارسة حق تقرير المصير منفصلين ، الا في حالة التراضي ، فقد أجبرت الجمعية العامة في حالات كثيرة السلطة الحاكمة لرد قرار يسعى لفصل أجزاء من المنطقة التي تمارس حكماً ذاتياً و ذلك للحفاظ على التدامج الإقليمي لذلك الكيان.
    لقد كان رفض الجمعية العامة قراراً لفرنسا يقضي بإجراء إستفتاء لسكان جزيرة مايوت ذات الأغلبية المسيحية للانفصال عن أرخبيل جزر القمر و غالبيته مسلمون الذي يضم جزر آنجوان و الكومورو الكبرى و ماهيلي مثالاً لما ذكرنا .
    وقد كانت النتيجة أن قرر سكان جزيرة مايوت الانضمام لفرنسا نفسها على الا يكونوا جزءاً من جمهورية الكومورو المستقلة ، الأمر الذي حدا بالجمعية العامة أن تبطل قرار سكان الجزيرة و تطلب من فرنسا الانسحاب عنها فوراً بإعتبار أن مايوت جزءاً من جمهورية جزر القمر ( الكومورو المستقلة ) . القانون الدولي لا يمنع الإنفصال المتفق عليه إجماعاً كما قلنا من قبل ، هنالك أمثلة لذلك من القرن الماضي ، مثل إنفصال النرويج من السُّويد 1905م و ايسلاند من الدنمارك 1944م و السنغال من إتحاد مالي 1960م ، و جامايكا من إتحاد جزر الهند الغربية 1991م ، و سنغافورة من ماليزيا 1965م ، و أخيراً أرتيريا من أثيوبيا 1993م ، . كما أن القانون الدولي يسمح أيضا بتذويب الدولة الواحدة التي تتصدع و تختفي لتخلفها دول جديدة لا تزعم إحداها بوراثة الدولة الأم على المسرح الدولي ، و مثال لذلك الإتحاد السُّوفيتي السابق و جمهورية يوغسلافيا السابقة ، إذ ستتمتع الدول الوليدة بإعتراف الجمعية العامة بها و بعضوية الأمم المتحدة في حالتي الإنفصال و الاختفاء .
    إضافة الى ذلك فإن القانون الدولي يفرض الإنفصال في حالة أن بعض سكان الدولة المستقلة ذات السيادة ليس لهم تمثيل في حكومة البلاد ، حيث ينص قرار الجمعية العامة 2625 (25) على أن الوحدة الإقليمية للدولة تعتمد على وجود دولة تمثل كل الشعب وألا يسمح لأولئك السكان الذين لا يجدون تمثيلاً في حكومة البلاد بالإنفصال هذا برغم الجدل الكبير حول مدى هذا الشكل من الإنفصال .
    أن مجموعة من الدارسيين يؤيدون الرأي القائل بأن الاضطهاد يبرر الإنفصال بناءاً على هذه النظرية فإن القانون الدولي يقر بمجموعة معالجات تتراوح ما بين حماية حقوق الفرد الي حقوق الأقلية ، و إنتهاءاً بالإنفصال علاجاً جزرياً عندما يصبح أمر الحقوق شأناً دولياً . لكن محاولات عُدة لتعريف حجم الاضطهاد الذي يصبح كافياً لتقنيين الإنفصال ، كما أن معايير الاضطهاد التي تقنن الإنفصال يجب وضعها .
    و حتى هذا التفسير الواسع لهذا الحق الجدلي في المطالبة بالإنفصال لا يبرر الإنفصال على أساس المعايير العِرقية ، التي لا يمكن إعتبارها أسباباً كافية للمجموعة العِرقية التي تريد حكماً ذاتياً هكذا .
    وفي عام 1967م ، واجهت الجمعية العامة أولى دعوى انفصال على أساس نظرية الاضطهاد عندما أعلنت بيافرا إستقلالها عن الإتحاد النيجيري و طالبت بالاعتراف ، بعد أن أكدت أن حق تقرير المصير متاح لكل شعب يعاني ضيماً . لذا لها حق الإنفصال . و لكن الأمم المتحدة رفضت حجة بيافرا للاعتراف بها على أساس نظرية الاضطهاد و قبلت حجة نيجيريا . في أن حق تقرير المصير يعني ببساطة إزالة الإستعمار من المناطق التي لا تحكم ذاتياً.
    إذن فالقانون الدولي لم يستخلص بعد وسيلة لانفاذ تقرير المصير في أجزاء الدول المستقلة ، تاركاً الأمر برمته للدول المعنية لإستخلاص طرق الاجماع السياسي حول هذه القضية وفقاً لقوانينها المحلية الخاصة . وكان على السُّودانيين أن يتمعنوا في ما حدث لكوسوفو بحسبانه إعلاناً أخيراً في الوضع الحالي للقانون الدولي . إذ أن جيش تحرير كوسوفو قد نجح في إستصراخ الآلة العسكرية لحلف – الناتو - لتسديد ضربات جوية ضد يوغسلافيا ، مما أدى للقذف الجوي المنظم على المنشأت المدنية و العسكرية ، على نطاق البلاد و لمدة سبعة و سبعيين يوماً متواصلة . و برغم هذا لم يستطيع حلف – الناتو – أن يفرض إرادته على يوغسلافيا ولا موافقته على إستقلال كوسوفو أو إنفصالها و في العاشر من يونيو 1999م ، وبعد تبني قرار مجلس الأمن رقم – 1244 - إستطاع الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبدان مليوزفتش أن يزهو يومها فخراً بأن الأمم المتحدة قد كفلت الوحدة القطرية للبلاد . و إن كانت يوغسلافيا التي ضمنت وحدتها القطرية الا أنها لا تستطيع أن تمارس سيادة على كوسوفو بعد هذا فالالبان إستطاعوا أن يحققوا حكماً ذاتياً ، الا أنهم لم يستطيعوا تحقيق هدفهم فقد صرح زعيمهم السياسي حاسم تازى بمرارة يوم 21 يونيو 1999م بان جيش كوسوفو لم يتنازل عن هدفه الرامي للإستقلال ، فالترتيبات التى انفذها قرار مجلس الامن رقم - 1244- قد خلقت وضعاً لم يرض الصرب او الالبان . فالصرب لن ينسوا الضربات الجوية العشوائية التى طالتهم ، كما ان الالبان لن ينسوا حملات التطهير العِرقى المكثفة التى شنتها اقسام الجيش اليوغسلافى والشرطة الصربية أثناء القصف . فلو ان الصرب والالبان إنصاعوا لصوت العقل ولجأوا الى الوفاق السياسي لما تسببوا في هذه الخسائر المأساوية في الارواح والممتلكات ولكسبوا وأنجزوا أكثر مما جنوه الآن من خسائر .
    فقد حاولت مجموعة الاتصال في مفاوضات رامبولين الحصول على موافقة يوغسلافيا لاجراء إستفتاء في المستقبل في كوسوفو لتحديد وضعها السياسى الحقيقي . ولو وافقت يوغسلافيا وقتها على ذلك لساهمت في تقطيع اوصالها بنفسها وهذا ما رفضت يوغسلافيا ان تقدم عليه ، وعندما تم الإتفاق على التسويه النهائية أسقط موضوع الإستفتاء . فالإنفصال يقتضى توافق رغبات الطرفين بحسبانه عملاً سياسياً يستند للاجماع الذي يقرر طبقاً للقانون المحلى لكل دولة وبانسجام مع الارادة السياسية الحرة لكل الاطراف .
    واذا ما نظرنا الى واقعنا السياسي وفقاً لجدلية. تقرير المصير فإننا نجد ان الحياة السياسية في السُّودان قد إتخذت منعطفاً جديداً بعد توقيع إتفاقية فرانكفورث عام 1992م بعد أن كان التاريخ السياسي للسودان المستقل يسعى في إتجاه البحث عن دستور للبلاد فلقد كانت تلك الإتفاقية التى وقعها د.على الحاج نيابة عن حكومة السُّودان ود. لام أكول نيابة عن الحركة الشعبية لتحرير السُّودان اول آداة تؤكد على تقرير المصير بإعتباره حقاً للجنوبين.
    وبرغم عدم وضعها موضع التنفيذ إلا انها نجحت بفضل تواؤم الآراء في خلق سلسلة من الترتيبات السياسية جعلت من مفهوم تقرير المصير موضوعاً أساسياً . فميثاق الخرطوم وإتفاقية الخرطوم للسلام وإتفاقية فشودة وإتفاقية كوكادام وإعلان اسمرا ونداء الوطن بجيبوتى وإعلان مبادرة الايقاد كلها الزمت القوى السياسية الجنوبية والشمالية بضمان تقرير المصير للجنوبيين.
    واضحى واضحاً اليوم أن النضال السياسي والعسكرى في السُّودان بدا يتمحور حول هذا المفهوم الجديد.
    ورغم أن خيار الإنفصال قد قالت به جميع هذه الإتفاقيات إلا أن الاحزاب الشمالية قد اكدت على ان الهدف الجوهري لتقرير المصير هو إضفاء الوحدوية على البلاد لكن الاحزاب الجنوبية تبدو منتبهة لعدم إسقاط خيار الإنفصال رغم انها لاتؤيده صراحة.
    فمبدأ تقرير المصير لايبدو واضحاً في معناه ومداه ، رغم أنه يوضع على رأس الأجندة القومية السُّودانية . يؤكد على أن الاجماع هو الطريق الوحيد الذي يبقى لصياغة أمة واحدة ولمساعدة السُّودانيين على النهوض من تحت الرماد، هذا اذا وضحت الاوجه القانونيه والسياسية لهذا الموضوع بحيث لا يسهل نقضها ثانية. من الواضح ان كل القوى السياسية في السُّودان ، على الاقل غالب القوى السياسية قد وقعت إتفاقيات ثنائية أو متعددة من نوع أو آخر تعترف فيه بحق تقرير المصير بالنسبة للجنوب ويورد الدكتور بيتر نيوت كوت جدولاً يوضح فيه إلتزامات القوى السياسية المتعددة بحق تقرير المصير.
    جدول رقم (1)يوضح إلتزامات القوى السياسية المتعددة بحق تقرير المصير :
    ملاحظات المستفيدون المباشرون الاطراف او الموقعون اسم الإتفاقية التاريخ
    لم يستخدم اصطلاح ( ح ت م) بوضوح ولكن الكلمات اشارات أنه المقصود
    الجنوبيين الحركة الشعبية وفصيل الناصر و حكومة السُّودان د. لام أكول و د. على الحاج إتفاقية فرانكفورث 25 يناير 1992
    سكان جنوب السُّودان داخل حدوده منذ1/1 1956 الحركة الشعبية والحركة الشعبية كما مثلها د. جون قرنق و د. ريال مشار بالتناوب
    إعلان واشنطن اكتوبر 1993
    اعد بواسطة اربعة أعضاء في لجنة ( الايقاد) للسلام في السُّودان سكان جنوب السُّودان وآخرين الحركة الشعبية و الحركة الشعبية المتحدة و حكومة السُّودان إعلان المبادئ
    أشارة الفقرة الثالثة من الإعلان الى حق تقرير المصير 20 مايو 1994
    رفضت ضم سكان جبال النوبه والانقسنا في مشاورات (ح ت م) السُّودانيون الحركة الشعبية و حزب الأمة إتفاقية شقدم وافقت على تقرير المصير لسكان جنوب السُّودان ديسمبر 1994
    تعديل إتفاقية شقدم والتأكيد على وحدة السُّودان الشعب السُّودانى كل أطراف التجمع الوطني الديمقراطي المعارض و القوى السياسية إتفاقية اسمرا ديسمبر 1994
    فعلاً تقدمت حركة إستقلال جنوب السُّودان الموجودة في الجنوب للانضمام للتجمع الديمقراطى المعارض لأن يدعم ( ح ت م) للجنوب . ولكن رفض الطلب الجنوبيين وكل السُّودانيين عشرة فصائل معارضه سياسية وشخصيات مستقله وطنيه إتفاقية اسمرا المتعلقة بالشئون المصيرية . تأكيد (ح ت م ) ، للجنوب ومده لسكان جبال النوبه والانقسنا اذا لم يتوفر الإتفاق على سودان موحد


    يونيو1995
    إجهاض هذه الإتفاقية هو درس في الاساليب المحبطة للإتفاقيات في السُّودان الجنوبيون ستة فصائل جنوبية وتشكيلات سياسية مع الحكومة السودانية إتفاقية الخرطوم للسلام الفصل السابع الفقرة 10تختص بممارسة (ح ت م ) بالنسبة لسكان جنوب السُّودان

    21/ أبريل1997


    الجنوبيون الحركة الشعبية الفصيل المتحد د/ لام اكول وحكومة السُّودان ممثله في نائب الرئيس آنذاك الزبير محمد صالح إتفاقية فشودة سبتمبر1997
    اول إتفاقية ثنائية مع قائد شمالي يعترف بـ ( ح ت م ) للجنوبيين الجنوبيون حكومة السُّودان وحزب الامة إتفاقية جيبوتى 1999
    النقطة الرابعة في (م ت ) عامة وإدانة الحكومة لمحاولة التنصل من التزاماتها تجاه هذا الحق في الإتفاقيات السابقة الجنوبيون ممثلو الحركة الشعبية ( باقان اموم وياسر عرمان ) وممثلا المؤتمر الشعبى الوطنى عمر الترابى والمحبوب عبد السلام مذكرة التفاهم (م ت ) بين الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبى (م ش) 20/2/2001
    يقترح الإعلان أيضا إجراءات عاجلة لتوحيد الجبهه الداخلية الجنوبيون وسكان المناطق المهمشة الحركة الشعبية / الجيش الشعبي وقوة دفاع الشعب السُّودانى الموقعون هم د/ جون قرنق
    ورياك مشار إعلان نيروبى 6يناير 2002
    * يرمز لحق تقرير المصير في هذا الجدول بالأحرف ( ح ت م )
    ونضيف الى ذلك توقيع الحكومة السُّودانية والحركة الشعبية لتحرير السُّودان على عملية تقرير المصير في اتفاقية نيفاشا .
    واذا حاولنا إستعراض آراء القوى السياسية المختلفة بالسُّودان حول مفهومها لتقرير المصير ومآلاته في إطار جدل الوحدة والإنفصال نجد ذلك على النحو التالى:
    الحكومة السُّودانية :
    فحكومة السُّودان في عهد نظام الانقاذ التى وافقت على مبدأ تقرير المصير إبتداءاً من إتفاقية فرانكنفورث مع الحركة الشعبية – فصيل الناصر – في 25 يناير 1992م ، مروراً بإتفاقية الخرطوم للسلام في 21 أبريل 1997 ، مع سته فصائل جنوبية التى اطلقت على نفسها ( جبهة الانقاذ) واخيراً مع الحركة الشعبية – الفصيل الرئيس – في نيفاشا في 2005م،
    ترى الحكومة إن تقرير المصير هو حقاً سياسياً لحل المشكلة ويجب أن يفضى في نهاية المطاف الى وحدة طوعية بين الشمال والجنوب.وفي أدبياتها المنشورة عرّفت حكومة السُّودان حق تقرير المصير كما جاء في القانون الدولى ، وأشارت الى أن حالة التحرير من الإستعمار لا تنطبق على جنوب السُّودان باى حال من الاحوال ، كما أن وصف شعب مضطهد ومحروم من المشاركة في السلطة لا ينطبق أيضا ، وتأسيساً على ذلك فإن تقرير المصير المذكور في الدستور ينبغى ان يفهم على أنه اعطاء الجنوب وضعاً مميزاً في نظام الحكم بحيث يرتضى ذلك الوضع أبناء الجنوب من خلال إستفتاء عام . فالموقف الذي تراه الحكومة منشوراً في كتيب مطبوع هو أن يفضى تقرير المصير الى ( الوحدة من خلال صيغة تضمن عدالة توزيع السلطة والثروة ومرعاة الخصوصية الثقافية والدينية للجنوب )

    الحركة الشعبية لتحرير السُّودان :
    الحركة الشعبية الفصيل الرئيس ظلت هى الأخرى في مأزق بالنظر الى موضوع حق تقرير المصير لجنوب السُّودان فمن المؤكد انها بدأت في العام 1983م ، بالتزام صارم بسودان موحد ،جديد ، إشتراكى وديمقراطى . لكن بعد سقوط نظام منقستو في إثيوبيا برزت التناقضات الداخلية في الحركة للمقدمة ، احد اهم هذه النتائج كان الانتشار والافصاح العلنى للاجندة الإنفصالية والتحريرية. داخل الحركة الشعبية نفسها مما ادى في نهاية المطاف لانشقاق الناصر الشهير على نحو ما ورد في تلك الفترة . مما جعل الحركة تؤكد في مؤتمرها الوطنى الاول 1994م على الاتى:
    (1- 2-7) (إن هدف الحركة الشعبية لتحرير السُّودان هو التدمير الكامل للنظام القهرى للسودان القديم وبناء سودان جديد علمانى ، ديمقراطى) عادل وحر.
    ( 2- 2-7) تلتزم الحركة الشعبية لتحرير السُّودان بالقتال للحصول على حق تقرير المصير لسكان السُّودان الجديد بعد إنهيار حكم السُّودان القديم أو في أى محادثات سلام مع الحكومة القائمة آنذاك في الخرطوم .
    فيما بعد أصبح مطلب تقرير المصير يتم طرحه في كل مداولات الحركة الشعبية مع الأطراف الأخرى على نحو ماذكرناه آنفاً ، الا أن معظم المحللين و الخبراء لم يستطيعوا القطع بتحديد وجهة جون قرنق زعيم الحركة الشعبية ، بصورة نهائية فتارة يطالب بما يسمى " السُّودان الجديد " في إطار من الوحدة الإقليمية للبلاد ، و أخرى يؤيد فيدرالية تضمن له هيمنته على الجنوب، و ثالثة يدعم فكرة الكونفدرالية ، و رابعة يتمسك بحق تقرير المصير و قبول نتيجته التي من الراجح أن تفضي الى الإنفصال و بطريقته المعروفة في المراوغة السياسية . كان خطابه السياسي يتلون بمختلف ألوان الطيف السياسي وفقاً للدائرة التي يتحدث اليها أو يتناقش معها .
    ويؤكد على ذات المعنى د. بيتر نيوت كوت عندما يتحدث من أن بعضاً من كبار قادة الحركة الشعبية كانوا يتحفظون عند الحديث العلني عن حق تقرير المصير لسكان الجنوب . وفي بعض المنابر خصوصاً في مصر و ليبيا ، كان هؤلاء القادة يتفادون تأكيد مرجعية حق تقرير المصير . و أن تأيدهم للمبادرة المصرية ، الليبية المشتركة في سبتمبر 2000م ، و التي حذفت بوضوح أية إشارة الى حق تقرير المصير للجنوب و إقامة حكم علماني في السُّودان ، يمكن النظر اليها كأسلوب تجنب تكتيكي .
    فيما يؤكد البعض أن جون قرنق ينتسب للمدرسة التي تؤيد السُّودان الموحد الذي تهيمن عليه القوى المتآلفة من الافارقة . لكن الجنوبيين يعولون على إلتزاماته المكتوبة والشفهية لتقرير المصير ، ويلزمونه بالتمسك بها . فعند هؤلاء أن معركة قرنق في السُّودان ليست معركة جنوب وإنما هى معركة هوية تتدثر بالمناطق المهمشة و الاثنيات غير العربية متمنطقة ظاهرياً لسودان جديد و شعارات علمانية و ديمقراطية و إشتراكية ، حيث تنبه الى ذلك السيد بونا ملوال أحد أبرز المثقفين الجنوبيين الى أن قرنق يقود الجنوبيين الى معركة لا تتصل دوافعها بالجنوب و مشكلته بقدر ما تستهدف التعلل و التزرع بالجنوب لتغيير نظام الحكم و الهوية في الشمال . طالب بونا ملوال بالتوجه مباشرة الى ممارسة حق تقرير المصير و الإستقلال و ذلك في افتتاحية في مجلة ( سودان ديمقراتيك غازيت ) لشهر يونيو 2000م في لندن . و كان بونا ملوال في السابق قد طرح تعايش الشمال و الجنوب ضمن نظامين في دولة واحدة في كتابه ( الشعب و السلطة في السُّودان ) الصادر في العام 1981م .
    اما موقف قرنق الحقيقي من نظامين في دولة واحدة أو الكونفدرالية فهو في نظر هؤلاء موقف تكتيكي يأتي على هامش مناوراته لغرض سودانه الجديد ، حيث سبق لقرنق أن مد حدود خريطة الجنوب الجغرافية الى مناطق شمالية حتى خط عرض 13 شمالاً ، وصعد من مطالبته بتقرير المصير الى مناطق الانقسنا و أبيي و جبال النوبا و دفع اليها بقواته حتى إضطر نظام الانقاذ لأن يعقد معه إتفاق وقف اطلاق النار في جبال النوبا تحت إشراف أمريكي – سويسري في بلدة بورغستوك في سويسرا بتاريخ 19 يناير 2002م، كما إنتزع إعتراف التجمع الوطني الديمقراطي السُّوداني المعارض بادخال أي المناطق الثلاثة في حق تقرير المصير و ذلك فيما عٌرف بمؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا بتاريخ 23 يونيو 1995م .
    توجهات الحركة بعد نيفاشا:
    تجدر الاشارة الى أن آخر محاضرة عامة قدمها د. جون قرنق في واشنطن عندما استضافته الجامعة الامريكية بواشنطن مساء الاحد الخامس من يونيو 2005 ابرزت خطاباً سياسياً متزناً اتسم بالواقعية و احتفى بالسلام و اكتسى بمفردات التصالح ونبذ الحرب و تضميض الجراحات حيث خاطب طبيعة المرحلة و تحدياتها و التطلعات المترجاه من انفاذ اتفاق السلام وبيّن مكاسب الجنوب من الاتفاقية و التي حصرها في النقاط التالية :
    أ. اكبر انجاز حققته الاتفاقية لجنوب السودان هو حق تقرير المصير حيث وضع ذلك الحق تحدياً للحكومة و للنخبة في الشمال، وهى انها اذا ارادت ان تحافظ على وحدة السودان لابد ان تجعلها وحدة جاذبة وذلك بتطبيق الاتفاقية و تأسيس سودان المساواة و العدل و اعطاء الجنوبيين حقوقهم و الا فإنه بعد ست سنوات سيجد الجنوبيون أن الانفصال هو الخيار الأمثل إذا شعروا بانهم ما زالوا يرزحون تحت الظلم و التهميش و الاحساس بأنهم مواطنين من الدرجة الثانية .
    ب. تحديد الحدود الفاصلة بين الشمال و الجنوب وذلك لأول مرة في تاريخ السودان.(1)
    ج. سيمتلك جنوب السودان بموجب احكام الاتفاق سلطات حقيقية لأول مرة في التاريخ ولن يكون الجنوب تحت رحمة النوايا الطيبة لحكام الشمال. إذ ستدار البلاد على اساس دولة بنظامين هذا فضلاً عن أن رئيس حكومة الجنوب نائب رئيس الحكومة الاتحادية .
    د. وجود جيش مستقل لجنوب السودان باعتباره ضمانة رادعة ضد الاخلال بالاتفاقية
    هـ. وجود مصادر و مواردمستقلة لجنوب السودان حيث تتوفر له اربعة مصادر للتمويل وهى :
    1. 50% من موارد البترول المنتج في الجنوب
    2. 50% من العوائد غير البترولية
    3. العائدات الضريبية التي تفرضها حكومة الجنوب
    4. الدعم الدولي
    و. سيشارك الجنوب ولأول مرة في الحكومة المركزية مشاركة فاعلة من خلال 10 وزراء اتحاديين و 11 وزير دولة سيتم التوزيع على اسس قطاعية ( 3 وزارات سيادية ، 3 وزارات اقتصادية ، 4 وزارات خدمية )
    شهدت علاقات الحركة بشريكها المؤتمر الوطني عمليات شد وجذب كان التلويح بالانفصال هو العصا التي ترفعها الحركة حتى بلغت ذروتها عندما نسب الى الفريق سلفاكير تصريحه المشهور عندما خاطب المصلين في كنيسة جوبا في نوفمبر 2009 م :" إن مهمتي تقضي بقيادتكم الى استفتاء 2011م إن هذا اليوم قريب جداً ، و أنا على ثقة بأننا سنشارك فيه " و أضاف مخاطباً المواطن الجنوبي " عندما تصل صندوق الاقتراع سيكون الخيار خيارك هل تريد التصويت للوحدة لتصبح مواطنا من الدرجة الثانية في بلدك ؟ الخيار خيارك" و تابع " إذا اردت التصويت للاستقلال فستصبح عندئذٍ شخصاً حراً في بلد مستقل سيكون الخيار خيارك وسنحترم خيار الشعب"
    ويرى ادوارد لينو ان سلفاكير يعكس ما يدور في اذهان الجنوبيين الآن ، ومضى أنهم يرون أن الاوضاع الحالية صالحة للانفصال أكثر من أي شئ آخر ، بينما يرى فرانسيس دينق أن الانفصال قد لا ينهي بالضرورة أزمة الهوية الوطنية للجنوب ويطالب بالوحدة و الحفاظ على الهوية .
    فيما يرى المراقبون للسياسة السودانية أن الحركة و قادتها غيروا من لهجتهم الانفصالية بعد الاتفاق الذي تم مع الشريك الآخر و الذي بموجبه تمت اجازت قوانين الاستفتاء و قانون أبيي وغيرها من القوانين التي كان مختلفاً حولها مؤخراً.
    فيما يؤكد البعض أن هذا موقفاً تكتيكياً للحركة وليس تحولاً في موقفها تجاه الوحدة بدليل أنها اخذت من المؤتمر الوطني ما تريد فيما يتعلق بالقوانين التي تساهم في عملية الانفصال في اشارة الى قانون الاستفتاء الذي يسمح للجنوبيين بتقرير مصير الوحدة و الانفصال بنسبة ضئيلة ( 50+1) و تعسفها في مشاركة ابناء الجنوب النازحين بشمال السودان .
    الممارسة العملية للحركة تؤكد توجهها الانفصالي وكان آخرها عدم سماحها لطلاب الولايات الجنوبية بالمشاركة في الدورة المدرسية المقامة خلال هذا الشهر بالفاشر عاصمة ولاية شمال دار فور
    رحيل جون قرنق وأثره على الوحدة و الانفصال
    اشار تقرير مجموعة الازمات الدولية الصادر في 9 أغسطس 2005م الى أن الحركة الشعبية فقدت الزعيم و المنظر الذي تفاوض على الكثير من بنود اتفاقية السلام الشامل وكان يتمتع بمنزلة فريدة في اوساط الشماليين كسياسي قومي ، و يتمتع أيضاً بالمعرفة و بالنفوذ الادبي للتفاوض المباشر مع النظام . ونظراً للقرارات الكبيرة التي لم تنجز بعد وللسلطات الكبيرة التي آلت الى الرئاسة هناك شك كبير عما إذا كان سلفاكير أو أي مسئول آخر في الحركة سيكون قادراً على الاستمرار في حراسة وتنفيذ اتفاقية السلام دون تعقيدات .
    يبيّن التقرير الى أن تأييد قرنق " لسودان جديد " موحد مؤسس على المساواة و العلمانية و الديمقراطية – واحداً من أعظم الثروات القومية في مقارنة حادة مع المطالبة الواسعة النطاق بالاستقلال بين غالبية الجنوبيين بما فيها الحركة الشعبية .
    شهادات قرنق كوحدوي منحته مصداقية فريدة لتطمين السياسيين الشماليين من ان وحدة طوعية كانت ممكنة اذا تم اصلاح حكم الخرطوم وفي نفس الوقت تؤمن وتؤيد حق تقرير المصير في الجنوب . في هذه المسالة الحاسمة فإن قرنق ببساطة لا يمكن ان يحل محله أي شخص آخر.
    يُنظر الى سلفاكير كانفصالي مع انه منذ ترقيته اعلن تأييده لاحتمال سودان موحد. عُدة قياديين بارزين في الحركة من امثال باقان اموم و نيال دينق نيال ودينق الور يتمتعون بصلات قوية مع الشمال و التجمع الديمقراطي وكما قرنق يعتبرون كلهم وحدويين ولكن تعوزهم الشرعية القومية التي كان يتمتع بها الزعيم الراحل.
    اجتاز قرنق الجنوب و ساعد في تسويق الحركة الشعبية على المستوى القومي بتوقيع اتفاقية السلام الشامل وتحويل الحركة الشعبية لحزب سياسي. ولكن بعد رحيله تم تمييع الحماس للقومية السودانية وعاد مفهوم ان الحركة الشعبية انما هي حركة سياسية جنوبية بالدرجة الاولى ، وهو اتجاه يبدو انه قد تأكد بتكتيكاتها في أواخر مراحل مفاوضات السلام وما يجري على الساحة السودانية اليوم ، واصبحت الحركة الشعبية في وضع صعب بين منح اولوياتها للوحدة ام الانفصال.
    فجون قرنق و الذي كان سقف طموحاته الشخصية يتجاوز الجنوب للتطلع الى حكم السودان الموحد كان يمكن ان يرجح كفة الوحدة ، لكن من المؤكد أن طموحات قادة الحركة الحاليين لا يتجاوز سقفها عاصمة الجنوب ، بدليل ان النائب الاول لرئيس الجمهورية لم يقم بزيارة أي من الولايات الشمالية عدا المناطق الثلاثة المشمولة باتفاقية نيفاشا كما انه يقضي معظم وقته بجنوب السودان ، ولم تبرز للحركة أي مساهمة جوهرية في القضايا القومية الاقتصادية منها و الأجتماعية عدا الجدل السياسي حول القوانين . مما يؤكد حقيقة ان الحركة الشعبية حسمت أمرها واختارت خيار الانفصال .

    التجمع الوطني الديمقراطي :
    إن التجمع الوطني الديمقراطي الذي ضم قوى المعارضة السودانية الشمالية من قبل برئاسة مولانا محمد عثمان الميرغني ، مثله مثل القوى السياسية السُّودانية الأخرى ، أقر بتقرير المصير بالنسبة لجنوب السُّودان في إطار إيجاد حل لهذه القضية و وقع ، في هذا الشأن إتفاقية أسمرا المعروفة بمؤتمر القضايا المصيرية ، إضافة الى إتفاقيات ثنائية لبعض أحزابه مثل حزب الأمة قبل الإنفصال عن التجمع عندما أقر ذلك في شقدوم على النحو الذي ذكرنا. ومن السخرية بمكان أن الموضوع الرئيس الذي تتفق عليه القوى السياسية الان هو حق تقرير المصير ، والذي يفضل غالبية تلك القوى بتأخيره الى أجل غير مسمى في الوقت نفسه . لكن بعض الأخوة الجنوبيين ينظرون الى قبول أحزاب التجمع بتقرير المصير لجنوب السُّودان ، جبال النوبا ، و الانقسنا في إستفتاء تحت إشراف دولي بعد فترة انتقالية لمدة أربعة سنوات بعد سقوط نظام الانقاذ ، كأمر تكتيكي أملته ضرورة النضال المشترك مع الحركة الشعبية و أن تلك الأحزاب من الممكن أن تنكص عن هذه الوثيقة حال الوصول الى السلطة في الخرطوم ، نتيجة لموقف آخر غير الذي خطط له في إعلان اسمرا " . و في ذلك يقول بيتر نيابا أحد قادة حركة التمرد و كتابها ، في كتابه (سياسات التحرير في جنوب السُّودان ، و جهة نظر داخلية) ، : ( يجب أن لا نستكين بحسبان أن الجلابة بمحض إرادتهم سوف يدعون الجنوبيين و شأنهم ، سيفعلون ذلك فقط عندما يتأكدون من أنهم لن يستطيعوا الاحتفاظ بالجنوب دون مجازفة . بفقدان السلطة في بقية الشمال ، يجب على الحركة الشعبية أن تكون مستعدة للقتال ضد حلفائها في التجمع الوطني الديمقراطي في أي وقت مستقبلاً ، و ما يجب عمله الان هو تهيئة عقول المواطنين لذلك الاحتمال ).
    فهو يعتقد أن هذا الاحتمال نابع من أن الجبهة الإسلامية القومية ، الأمة ، الإتحاد الديمقراطي يمثلون المصالح السياسية – للجلابة - و أن إمكانية تحالفهم مرة أخرى وارد . لكنه ينظر من ناحية أخرى الى أن التجمع الوطني ليس منبراً مناسباً لقيام سودان علماني ، بل منبر ملائم للتجزئة السلمية وتكوين كيانين منفصلين ذوى سيادة ،مثل الذي حدث في تشيكوسلوفاكيا بعد إنهيار الإتحاد السُّوفيتى وتكوين جمهورية – الشيك ، وجمهورية – السلوفاك ، وان تحالف الحركة الشعبية يجب أن يٌبنى على أهداف واضحه ومقبولة لدى المواطنين في جنوب السُّودان .
    الاحزاب الجنوبيين المكونه لجبهة الانقاذ:
    إرتكزت القضية المحورية لهذه الأحزاب قبل تحالفها مع الحكومة السودانية علي أن خيارها الرئيس هو إنفصال الجنوب كما هو معلن في ادبياتها وتصريحات قادتها السياسيين ،حيث يقول السفير الأمريكي دونالد بيترسون أنه التقى في قرية تدعى (أولانق) برياك مشار وزملائه ( قبل عودة بعضهم للحركة الشعبية مرة أخرى) وأن مشار أوضح له أنهم في هذا الفصيل لن يتنازلوا عن الفصل التام لجنوب السودان عن شماله وأنه أوضح له أيضا إختلافه مع جون قرنق الذي يسعى-حسب تعبير مشار _الى مجرد تغييرات أساسية في العلاقة بين شطرى القطر ، كما أن أسس التسوية التي قامت عليها إتفاقية الخرطوم للسلام الموقعة مع هذه الأحزاب أقرت بحق الجنوب في تقرير مصيره بعد فترة إنتقالية مدتها أربعة سنوات ، و إن كانت هذه الأحزاب و الحكومة السودانية قالت بأن خيار الوحدة هو الأصل في الإتفاق ، إلا أن الانفصال خيار يظل وارداً إذا تم إستفتاء أبناء الجنوب .
    على صعيد آخر نجد أن زعماء جبهة الانقاذ الذين انضموا الى المؤتمر الوطني ، تقترب آراؤهم بل تتطابق أحياناً مع الحكومة السُّودانية ، لعملية تقرير المصير ، حيث يشير د. رياك قاى كوك رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية السابق في ورقته التى قدمها في مهرجان إستقلال السُّودان الذي اقيم بدبى في الفترة من 2- 8 فبراير 2003م ( ادى الفهم الخاطئ لمطلب الجنوب بالفيدرالية في السابق ، الى تعامل الحكومات الوطنية مع ملف الجنوب بحس أمنى وإعتٌبر مطلب الفيدرالية بمثابة الدعوة الى فصل الجنوب ، ولكن نظام الانقاذ إستطاع بعد منحه للفيدرالية بالجنوب أن يحقق رغبات أهله وبدلاً من أن يعزز ذلك دعوة الإنفصال وسط الجنوبيين ، أدى الى تمتين أواصر الوحدة الوطنية بين الجنوب والشمال بقسمة السلطة والثروة و الآن نلاحظ العديد من الدوائر ، تقع في نفس الخطأ الأول بإعتبار أن حق تقرير المصير دعوة للانفصال .
    إن رفع الجنوب والحديث – لرياك قاى – لشعار حق تقرير المصير ، يأتى لتحقيق الوحدة الطوعية من خلال المشاركة الفعليه في إتخاذ هذا القرار ، وعدم الاحساس بالتغييب في هذا الأمر . ولعل ما تم إنجازه الان في إتجاه الوحدة ، مؤشر يستدعى المراهنة عليه ، فلأول مرة ينخرط الجنوبيون والشماليون في حزب واحد ( المؤتمر الوطنى ) بعد أن نبعت الثقه بينهم ، ففى السابق ، كان الجنوبيون في أحزاب جهوية خاصه مثل ( يوساب) وجبهة الجنوب والتجمع السياسي لجنوب السُّودان والشماليون كانوا في أحزابهم التى لا تستوعب المسيحيين مثل طائفة الانصار والختمية و الاخوان المسلمين .
    ويؤكد د. رياك قاى أن إتجاه النازحين الجنوبين الى الشمال وليس الى كينيا أو يوغندا أو اثيوبيا يؤكد حقيقة عدم وجود مشكلات بين أبناء الجنوب و الشمال تستدعي الإنفصال ، و أن ما يحدث هو بفعل أيادى لا ترغب للسودان أن ينهض و يتطور . و خير دليل على السلام الاجتماعي الذي يٌعاش بين أبناء السُّودان ، إننا لم نسمع عن مشكلات تحدث بين الجنوبيين و الشماليين في المناطق التي نزحوا اليها ، بل يحسون أنهم جزء من المجتمع الجديد الذي إنتقلوا اليه .

    آراء جنوبية و شمالية أخرى حول الموضوع :
    فيما يلي نستعرض بعض آراء السياسيين الشماليين و الجنوبيين حول تقرير المصير و في هذا الإطار لابد أن نبدأ بأحد أهم السياسيين الجنوبيين الذي لعب دوراً هاما في إتفاقية أديس أبابا وهو السيد أبيل ألير . و الذي وجه رسالة مفتوحة في اكتوبر عام 1995م ، مع أربعة من رفقائه السياسيين الجنوبيين الى حكومة الانقاذ الوطني ، القوى السياسية السُّودانية ، القوات المسلحة و الحركة الشعبية لتحرير السُّودان ، و لخص رؤيته في أن :
    1. تجتمع هذه القطاعات في مؤتمر دستوري لبحث الخيارات المناسبة لأنهاء الحرب في البلاد.
    2. إقامة حكومة إنتقالية و وقف إطلاق النار
    3. منح الجنوب حق تقرير المصير بعد إستفتاء عام .
    4. الاشارة الى المناطق المهمشة ( أبيي و جنوب كردفان ) ثم قدم أبيل ألير مبادرة أخرى في يونيو 1999م ، تضمنت:
    - ضرورة تحقيق السلام و المحافظة عليه
    - حق تقرير المصير لجنوب السُّودان
    - فترة إنتقالية مداها عامان بعدها يتم إجراء إستفتاء في جنوب السُّودان و أبيي ، و حدد الرقعة الجغرافية لجنوب السُّودان بأنها الأراضي الكائنة منذ 1يناير 1956م ، بالاضافة الى أبيي و أنقوك.
    - تكوين إدارة إنتقالية في جنوب السُّودان يتم تشكيلها من قبل الحركة الشعبية فقط .
    وقد ردت حكومة السُّودان على هذا المقترح في نقاط عٌدة أهمها :
    - إن المشروع أكثر تشدداً من كل مقترحات الحركة الشعبية
    - أن المشروع لم يقدم أي تصور لوحدة السُّودان .
    كما إنتقد الإستاذ غازي سليمان المحامي طرح الإستاذ أبيل ألير قائلاً ( مؤسف جداً أن يطرح الأخ أبيل ألير البرنامج الذي يتم الترويج له الآن في الولايات المتحدة مما يمزق وحدة السُّودان ، إن الجنوب هو الضمان الوحيد لوحدة السُّودان و إذا إنفصل سوف تتحول بقية البلاد الى دويلات صغيرة .
    الى ذلك فإن د. فرنسيس دينق السياسي الجنوبي و الذي شغل منصباً رفيعاً بالأمم المتحدة ممثلاً للأمين العام للنازحين في العالم ، يرى أن الحركات الجنوبية المتنوعة التي قادت الصراع في الجنوب ترى أن الشماليين يريدون أن يتولوا بأنفسهم مقاليد الأمور في الجنوب مما جعل الأغلبية من الجنوبيين يرون ان الإنفصال أصبح أمراً ضرورياً و حتمياً . مبيناً أن أهداف الحركة الشعبية لتحرير السُّودان الحالية . هي خيار الوحدة ، ولكن في ظل سودان جديد خالٍ من التفرقة أو العنصرية أو سيادة دين أو ثقافة. وأنه من خلال اختلاط العناصر الجنوبية وغير العربية بالشمال يحدث التماذج وتنتهي الفوراق ، ولن يحدث ذلك الا بالتفوق العسكري من قبل الحركة التي تعتقد أن التماذج والانصهار لا يمكن تحقيقها في فترة قصيرة . و أشار الى أن الناس يرون أن قيادات الحركة الشعبية تسعى لحرب طويلة الأمد مع أهداف خفية نحو الإنفصال مضيفاً أن الحقيقة في رأيه تكمن بين الاثنين ، و يضيف فرانسيس دينق أن الإنفصال و إن كان هو الخيار الأول للجنوبيين الا أنه لن يكون مقبولاً دولياً خصوصاً في أفريقيا . مما جعل الحركة الشعبية ترفع شعار القتال من أجل العدالة و المساواة و تحرير كل السُّودان وهو ما يفتح لها طريق القبول الدولي و الإقليمي . وهو هدف تكتيكي ، خاصة عندما تحالفت مع التجمع الوطني و ضمت بعض العناصر من القبائل الشمالية ، ولكن على صعيد الميدان وجد الجنود أنفسهم يحاربون من أجل أجندة أخرى هى الإنفصال . مضيفاً أن من بين الأثني عشراً قائداً في الحركة الشعبية الفصيل الرئيس نجد ثلاثة منهم وهم د. رياك مشار ، د. لام أكول و قوردن كونق قد أنفصلوا في أغسطس 1991م ، مطالبين بفصل الجنوب .
    و يعتقد فرانسيس دينق أن رؤيته لحل المشكلة تتمثل في خيارين
    الأول : التوافق و الوصول الى صيغة للتعايش يقبل بها الطرفين .
    و الثانية : الإنفصال ثم محاولة العمل على مد جسور التواصل بين القطرين على أساس المصالح الاقتصادية و الأمن الإقليمي و العمل على بناء الثقة وفق أسس جديدة للتعاون لا تقوم على هيمنة طرف على الآخر .
    ثم يأتي د. حيدر إبراهيم مدير مركز الدراسات السُّودانية ليصف حق تقرير المصير لجنوب السُّودان سواء المطروح من جانب الحكومة أو التجمع الوطني الديمقراطي بأنه إرتداد و رجعة عن الحقيقة الثابتة مشيراً الى أن العودة بعد أكثر من أربعين عاما من الإستقلال لمسألة تقرير المصير للجنوب ، تعتبر دليل عجز تتحمل مسئوليته كل القوى السياسية السُّودانية بلا إستثناء منذ الإستقلال حتى الآن . إن مبدأ تقرير المصير حق إنساني ولكن ينبغي أن يمارس في ظروف عادية ، لو كان قد مورس هذا الحق عام 1955م ، و لكان حينذاك الإنفصال أمراً طبيعياً و عادياً ، ولو كانت النتيجة حينذاك الإنفصال لكان السُّودان قد تجنب الكثير من الخسائر و الكوارث البشرية و المادية أما الآن فيعتبر جريمة يتحمل مسئوليتها الجميع ، و أتصور أن الطرفين سواء الحكومة أو الحركة في حالة إنهاك من تبعات الحرب ، و أن الإتفاق على حق تقرير المصير بينهما ، يمكن إعتباره إستراحة محاربيين أو فرصة لترتيب الأوراق و جزء من المناورات يقوم بها الطرفان و لكنها لعبة سياسية غير مأمونة .
    و يضم عقد الرفض لتقرير المصير الدكتور عبد اللطيف البوني ، الذي يؤكد بعد أن إتفقت الحكومة و المعارضة الشمالية على خيار تقرير المصير بعد التضحيات الجسام التي قدمها الشمال في سبيل الوحدة مع الجنوب ، أصبح هنالك خيارين : إما أن يصر ( أي الشمال ) على الاحتفاظ بالجنوب و يدفع تلك الفاتورة الباهظة أنفساً و أموالاً ، أو أن يترك الجنوب و ينتظر مع الآخرين المخاطر المتوقعة فإنطبق عليه المثل ( خيار أم خير لا هو خير ولا الموت أخير) اما الشاعر الرقيق الناصري ، أبو آمنة حامد فيبدأ إعتراضه مخاطباً السُّودانيين بقوله : ( أسمعوا جيداً.... إن منح تقرير المصير للجنوب هو بداية تمزيق هذا الوطن ).
    و يسلك ذات الطريق القطب الإتحادي أمين الربيع إذ يقول ، ( إن الحديث الذي يدور حول تقرير المصير للاخوة الجنوبيين سوف ينال من قدرات الأمة السُّودانية و يضعف رصيدها المقدس من العزة و السيادة و الكرامة الوطنية ، لأن دماء الالاف من الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن الأرض و العِرض ، و أن كفاح الشعب السُّوداني و صبره و مثابرته على مدى أربعين عاما من الشدة و العذاب ، كل ذلك ما كان يكافأ بهذه النهاية الحزينة و ينتهي الى هذا الوضع الكئيب .. و يتساءل في نهاية حديثة المنشور لصحيفة الرأي العام السُّودانية – يا ترى هل هنالك فرصة لحل الأزمة برمتها حتى يسلم هذا الجيل من لعنة الاجيال القادمة و حساب التاريخ؟ .
    و كان طرح الحركة الشعبية للكنفدرالية في مفاوضات نيروبي 1997م ، قد أزعج حليفها , التجمع الوطني الديمقراطي الذي أحس بدوره أن الطرح يحمل في داخله بذرة الإنفصال من العمل على تعزيز خيار الوحدة الوطنية ,وقد تجلى لامتعاض التجمع و رفضه لهذا الطرح من شتى التصريحات الصادرة من كبار أقطابه و أحزابه و كان أبرز ذلك ما جاء على لسان القطب الشمالي أحمد السيد حمد الذي أوضح أن ما أتى به قرنق الى إيقاد من طرح كنفدرالي ليس هو رأي المعارضة ، بل هو خروج على مقررات أسمرا و إتفاقيات المعارضة و التجمع يرفض تماما " الكونفدرالية القائمة على نظام دولتين مستقلتين و نحن كإتحاديين أية خط بهذا المعنى مرفوض بالنسبة لنا " .
    أما حزب الأمة فيرى أيضا أن طرح الكونفدرالية يتعارض مع مقررات أسمرا 1995م ، في تحديد الحدود بين الشمال و الجنوب ، و يتعارض معها في المطالبة بذلك قبل تقرير المصير .
    أما الإستاذ عبد الجليل النذير الكاروري الإسلامي البارز يذهب الى القول بأن ( الأفضل للإسلاميين أن يناقشوا أمر الجنوب بهدوء حتى إذا إختار تقرير مصيره بعيداً عن السُّودان الشمالي فلا نبكي عليه ، كما بكي العرب الأندلس بل أكثر ، و الأفضل للإسلاميين أن يقولوا أردنا أن نوقد شموع الهداية في الجنوب ، فإذا رفضها تلاميذ الكنائس و حرضوا أهلهم على رفضها و ساقوهم الى القتال فيكفي ما قدمه الإسلاميون من تضحيات .
    و على ذات المنوال جاء طرح المهندس الطيب مصطفى وزير الدولة بوزارة الاعلام الذي يعد من أبرز المنادين و المطالبين بفصل الشمال عن الجنوب ، إذ يرى أن الفجوة بين الأثنين كبيرة ، معترفاً بأن هنالك إستعلاءاً عرقياً ولكنه على حد قوله موجود في كل العالم ، و إعتبر أن عناصر الوحدة بين الشمال و الجنوب ضعيفة ، و وصف الحديث عن ظلم الشمال للجنوب بأنه فرية .
    إعتبر السيد الصادق المهدي في محاضرة القاها في الجامعة الأمريكية في القاهرة في 20 أبريل 1997م ، أن " هنالك شروطاً لوحدة السُّودان ، و إذا قبلها الجميع ، فستكون للسودان عندئذ فرصة لبعض الوحدة ، محذراً من أن " الحرب إذا إستمرت لوقت طويل فستؤدي الى تفكك السُّودان ، و إذا فشلنا ( في الوحدة) فسنواجه المصير المحتوم .. و عنده أن أية بديل سيكون أفضل من الحرب " في إشارة الى الإنفصال .
    فيما يعتقد د. فاروق كدودة القطب البارز في الحزب الشيوعي السُّوداني إن إنفصال الجنوب كارثة للجنوب و الشمال على السُّواء ، مشيراً الى أن مناطق التماس و الجنوب زاخرة بالمواد الطبيعية ، ففي حالة إنفصال الجنوب يفتقر للبنيات الأساسية و الموارد البشرية المدربة وهى ضرورية لإستقلال تلك الموارد و أفضل مثال على ذلك دولة نيجيريا فهي من أكبر الدول المنتجة للبترول لكنها من أفقر الدول الأفريقية نتيجة لعدم وجود متطلبات بما فيها القدرات البشرية .
    و يشير د. غازي صلاح الدين عتباني مستشار رئيس الجمهورية للسلام في حوار له مع موقع ( Islamonline ) من أنهم ينظرون الى الإستفتاء حول تقرير المصير بعد الفترة الانتقالية المحددة بستة سنوات ، بإعتبار أنه تحدى للسودان و للإسلام بصفة عامة ، و قال " إن الغرب حاول أن يدفع الجنوبيين الى فهم أن الإسلام يصادر حقوقهم و مهمتنا الآن أن نثبت لهم عكس ذلك . لأن الإسلام عندما إنتشر من الجزيرة العربية نظرت اليه الشعوب التي آمنت به فيما بعد مثل أمبراطوريات الروم و الفرس بإعتباره ديناً حررهم من العبودية ، و بالتالي فنحن نسعى خلال الفترة الانتقالية أن نرسخ هذه الصورة في ذهن أخواننا في الجنوب حتى يختاروا طوعاً الوحدة مع الشمال " .
    و أضاف د. غازي صلاح الدين في أول رد فعل حكومي على الدعوة لانفصال الشمال عن الجنوب التي دعا لها عدد من أبناء الشمال في الصحف السُّودانية مؤخراً ، دعا القوى الدولية و الجنوبية التي تعرقل مسيرة السلام الى عدم الإستخفاف بهذه الدعوة التي وصفها بأنها : تعبير عن ضيق الشمال للإستغلال المبالغ فيه لقضية الجنوب لاضعاف السُّودان " و قال د. غازي أنه شخصياً لا يؤيد التيار الداعي لفصل الشمال لأنه يرى أن التسليم بهذه الدعوة تعبيراً عن الهزيمة .
    كما دعا د. خالد المبارك الكاتب السُّوداني و الاكاديمي بالجامعات البريطانية في ندوة مركز دراسات السلام و التنمية بجامعة جوبا التي أقامها تحت عنوان " السلام في السُّودان و مآلات تقرير المصير " فقد دعا الى عدم الخلط بين أفكار اليمين المتطرف و الحكومة الأمريكية ، و طالب باحلال السلام بأية ثمن " حتى و إن كان عبر تقرير المصير " و توقع أن تؤدي ممارسته للانفصال .
    فيما انتقد الإستاذ عبد الله دينق نيال القيادي الجنوبي بحزب المؤتمر الشعبي، الحديث عن فصل الشمال عن الجنوب و وصفه بالعاطفية ، مشيراً الى أن المجتمع السُّوداني ما يزال تحت التأسيس و أشار الى أن الوحدة ممكنة . داعياً لاتاحة الحرية و العدل قيماً تسود .
    اما أنجلو بيدا أحد أبرز القيادة بجنوب السُّودان و نائب رئيس المجلس الوطني (البرلمان ) حالياً ، يشير الى أن طرح الإنفصال غير مقبول ، لأن المستعمر حسب رأيه إذا كان قد رأى فائدة من ذلك لفعله ، وهو في رأيه أي الإنفصال شئ سئ يجب الا يتحدث الناس عنه لأنه مثل من يقفز في النار ، و قال أن تقرير المصير عمل سياسي حيث أن الجنوب في سنة 1947م ، لم يطالب بالإنفصال بل كان يتحدث عن الفيدرالية ، و لكن ظهر حديث الإنفصال عندما رفض الشماليون إعطاء الجنوب حقوقه المتمثلة في الفيدرالية، مؤكداً أن خيار الإنفصال يجب أن يكون آخر الخيارات لأنه خيار الأقلية بالجنوب ، مشيراً الى أن مشاكل الجنوب تتمثل في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و المشاركة في السلطة
    سخر استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم الدكتور صفوت فانوس من خلال مداخلته في الندوة التي اقامتها صحيفة الراي العام في الاسبوع الاخير من العام 2005م . و التي استضافت فيها قادة الحركة الشعبية بعد رحيل قرنق و الذين أكدوا في تلك الندوة تمسكهم بخيار الوحدة : ( أظهر السادة المتحدثون من الحركة الشعبية حساسية ضد الانفصال ، ودافعوا عن الوحدة باعتبارها خيار الحركة ، لكن في النهاية فالحركة هى التي طلبت حق تقرير المصير ، وكما قال المصريون " مافي ناس أدوهم حق تقرير المصير قالوا ما عايزين نفصل نفسنا " ليست هناك سوابق تاريخية أن أية مجموعة اعطيت هذا الحق وتنازلت عنه ، وربما يكون المصريون يشيرون في ذلك لتجربة السودان الذي اعطى هذا الحق في السابق فاختار الشعب السوداني الانفصال ، القضية ليست عاطفية ، فحين تحصل أية مجموعة على حق تقرير المصير تضمن السيطرة على الدولة ، و الدولة هي العامل الأول و المهم في عملية توزيع الموارد فلماذا تتنازل أية مجموعة عن هذا الحق ؟).

    الموقف الأمريكي :
    جون دانفورث – بين الإنفصال و الوحدة:
    يعرض السفير الأمريكي السابق في السُّودان دونالد بيترسون في كتابه السُّودان رؤية من الداخل ) الى حقيقة مهمة عن سياسة الولايات المتحدة تجاه أفريقية عموماً و السُّودان على وجه الخصوص إذ يقول ( قاد ضعف الاهتمام التاريخي تجاه أفريقية من قبل الرؤساء الأمريكيين ، الى إعطاء دور كبير للمختصين في الشئون الأفريقية في عملية رسم السياسة تجاهها و بخاصة أؤلئك العاملين في مكتب الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية ، بيد أن الرئيس و مستشاري الأمن القوميين كانوا يتطلعون في بعض المواقف و الأزمات بدور مباشر في رسم هذه السياسات خاصة في أيام الحرب الباردة ، أما الآن وقد إنتهت الحرب الباردة منذ عام 1990م ، فلم يعد لأمريكا أية إهتمام إستراتيجي بالسُّودان ( فيما عدا الاهتمام بالمعنى السلبي حيث مثل السُّودان وكراً للمنظمات الإرهابية الإسلامية حسبما ذكر السفير و نظراً لأن الاهتمامات لادارتي الرئيسين بوش الأب و كلنيتون كانت مركزة على مشاكل دولية أخرى ، أضطلع مكتب الشؤون الأفريقية بالدور الحاسم في وضع السياسات تجاه السُّودان ، كما أدت السفارة الأمريكية في الخرطوم دوراً هاما من خلال التحليلات و التوصيات التي كانت تبعث بها الى هناك .
    على ضوء ذلك يعد تكليف مبعوث خاص للسودان من الرئيس الأمريكي تطوراً جديداً في سيإستها تجاه السُّودان ، وهو ما تلاحظه من خلال المفهوم الجديد للعلاقة بين البلدين و التي تطورت من سياسة الاحتواء الى سياسة فتح الباب و الحوار مع الحكومة القائمة ، وقد أحدث دانفورث بعد جولاته ثقباً في جدار هذه العلاقة ، من خلال إستعراضنا للتقرير و التداعيات التي أعقبته .
    و الواقع أن التقرير جاء حصيلة للمناقشات التي أجراها جون دانفورث خلال زيارته للمنطقة في خضم إهتمام أمريكي واضح بالمسألة السُّودانية و الرغبة في الاطلاع على تفاصيلها الدقيقة عن كثب . بخلاف الرؤية السابقة التي كانت أثيرة في معظم الأحيان لتقدير بعض الهيئات و المنظمات التبشيرية و جماعات الضغط ، خاصة العاملة في مجال المساعدات الانسانية التي إنحازت مواقفها الى جانب الحركة الشعبية ، و قادت حملة تشهير على السُّودان في الحقل الانساني . لذلك حرصت الحكومة و المعارضة و غالبية القوي السُّودانية الأخرى على الحوار مع دانفورث ، وقد إستشفت بعض المصادر السُّودانية عدم إمتلاك واشنطون لرؤية محددة للتعامل مع السُّودان .
    فقد أختلطت الملفات و تداخلت القضايا ، مما خلق نوعاً من الضباب ، الوضع الذي يفسر التذبذب في الاجندة الأمريكية خلال الفترة الماضية ، حيث كانت الرؤية الأمريكية السابقة تجنح الى إنفصال جنوب السُّودان و تكوين دولة مستقلة . و كان الخيار المفضل للخارجية الأمريكية على أقل تقدير هو إنشاء دولة – بنظامين - مصحوباً بنوع من الاشراف الدولي على الترتيبات . فالشاهد أن هنالك إهتمامات قوية متضاربة داخل واشنطن ، بعضها يهدف لتغيير إتجاه سياسة الولايات المتحدة كلية.
    ففي تلك الفترة نجد أن لجنة واشنطن الخاصة بحرية الاديان ، قد عرضت تقريرها عن السُّودان يوم 29 أبريل 2002م متزامناً مع تقرير دانفورث في سلسله من التوصيات الشاملة الجافة والتى قدمت للدوائر المناهضة للحكومة السُّودانية في واشنطن ، وهذا قصد له أن يتزامن مع تقرير دانفورث حيث يقوم المعلقون بالنظر فيهما سوياً حيث أوصت لجنة حرية الاديان بان تتمسك الولايات المتحدة بإعلان مبادئ الايقاد مشتملاً حق تقرير المصير للجنوب ، وحذر تقرير الحكومة الأمريكية من أنها ستواجه تحدياً كبيراً في ترويج أيه تسوية مقترحه لهذه الدوائر لا تحمل في طياتها فقرة واضحة لتقرير المصير ، إذ أنها ستتهم ببيعها للجنوبيون مدى الحياة لدولة الشمال المهيمنة ، بإعتبارهم مواطنين درجة ثانيه ، الشئ الذي يجعلهم عرضة للإسترقاق والاسلمة ، وبهذا تكون قد اكملت صفقتها مع الخرطوم والقاهرة للمهام الإستراتيجية العظمى.
    وسط هذه الاجواء قدم دانفورث تقريره ، والذي يهمنا فيه الفقرة المتعلقه براية حول الوحدة والإنفصال والتى جاءت تحت البند بـ - تقرير المصير – ( شهد الجنوبيون سوء المعاملة على أيدى الحكومات في الشمال بما فيها الاضطهاد العِرقي و الثقافي و الديني ، كما قيدت تلك الحكومات الإستفادة من الموارد القومية ، فأية إتفاقية سلام يجب أن تتعاطى مع الظلامات التى يعانيها الجنوبيون الذين طالبوا بحق تقرير المصير وسيلة لحماية أنفسهم ضد الاضطهاد ، ولكن هناك رؤى مختلفه عماذا يعنى بتقرير المصير في مستقبل السُّودان.
    فالرأى القائل بان تقرير المصير يشمل خيار الإنفصال لهو راى مودع في إعلان مبادئ الايقاد ويؤيده كثير من السُّودانين ، وعلى أية حال ، فإن حكومة السُّودان ستقاوم الإنفصال بشدة وسيكون من الصعوبة البالغة تحقيقه ، لكن الرأى الأكثر جدوى وتفضيلاً كما أعتقد لتقرير المصير ، هو الذي يؤكد على حق شعب الجنوب في أن يعيشوا تحت ظل حكومة تحترم دينهم وثقافتهم ، فمثل هذا النظام يتطلب ضمانات داخلية وخارجية مشددة تجبر الحكومة على الالتزام بالعهود الواردة فى مفاوضات السلام ووضعها موضع التطبيق).
    هاجمت العديد من الدوائر السياسية الجنوبية تقرير دانفورث لاعتراضه الواضح على فصل الجنوب فيما يتعلق بتقرير المصير ، وكشفت حركة التمرد عن جانب من هدفها في هذا السياق ، فقد أصدرت في الرابع من مايو 2002م بياناً وصفت فيه إستبعاد تقرير دانفورث لحق تقرير المصير بانه ( إهانه لكافة القوى السياسية السُّودانية ). وأضاف البيان أن المبعوث الأمريكي (تجاوز مهامه وفرض رؤاه على المتفاوضين ) والواضح أن تقرير دانفورث وضع الحكومة والمعارضة تقريباً في حرج حيث تزايدت في الاونة الاخيرة معالم تأييد حق تقرير المصير على نحو ماذكرناه آنفاً وبصورة غير مسبوقه تحت تفسيرات متباينه لهذا الشعار ، معظمها أكد أنه لا مفر من تطبيقه في السُّودان ، والمثير أن تقرير دانفورث إستبعد هذا الخيار تماما ، مما يطرح تساؤلات عدة بشأن طبيعة الحسابات التى فرضت على القوى السُّودانية تاييده سلفاً . في إعتقادى ان مجموعة من التقديرات السياسية والحزبية أسهمت بدورفاعل في زيادة الاجماع على خيار تقرير المصير ، في مقدمتها رغبة الحركة الشعبيةالتي تحالفت أو تحاورت مع غالبية القوى في تدشين هذا المطلب الذي وجد قبولاً باشكال و صور و أسانيد مختلفة .
    و الحاصل أن إستبعاد شبح الإنفصال من تقرير دانفورث حقق هدفاً مهماً للحكومة السُّودانية في مجال الحفاظ على وحدة البلاد الإقليمية ، لكنه إنطوي على تكلفة سياسية عالية ، فأية إتفاق مع الحركة الشعبية بشأن مستقبل الجنوب يتضمن مشاركتها في الحكم ، على الخيار النهائي لشكل الوحدة الطوعية أو القسرية ، فإن الحكومة مطالبة بمجموعة من الضمانات كعاملٍ حاسمٍ في الوصول الى إتفاق سلام ناجح . كما أن التقرير إقترح آنذاك ( إنشاء لجنة خاصة ترفع تقريرها الى مجلس الأمن ) بمعنى أن هنالك قيوداً دولية تراقب أية إتفاق سياسي ، ( وهو ما حدث فيما بعد عند توقيع اتفاقية السلام الشامل ) ، و هى إشكالية كرست ملامح التدويل التي بدأت مع إتفاق حماية المدنيين في جبال النوبا الذي وُقع في مارس 2002م ، فمن الواضح أن الحكومة الأمريكية أصبحت الآن اللاعب رقم واحد في شأن القضية السُّودانية و التسوية المرتقبة ، وقد ظهرت ملامح ذلك في الضغط الذي مارسته على الحكومة و الحركة حتى تم توقيع إتفاقية ميشاكوس و نيفاشا و مابعدها من جولات متلاحقة تلت ذلك.
    كما أن الأطراف الأخرى خاصة الأوروبية و دول الجوار و التي كانت تدعم رأي حركة التمرد و الأوساط الجنوبية الأخرى التي تفضل خيار الإنفصال ، عادت و غيرت من رأيها بعد تقرير دانفورث و أصبحت تتحدث ذات النغمة الداعية الى وحدة السُّودان .
    حيث أبلغت بريطانيا عبر مبعوثها ألن قولتي هيئة قيادة التجمع المعارض ، مقترحاً يدعو لعقد مؤتمر الفرقاء السُّودانيين بحضور أطراف من الولايات المتحدة و دول أوروبا بعد الدمج بين مبادرتي الايقاد و المشتركة ، و دعا قولتي الذي إجتمع بهيئة القيادة في القاهرة أطراف النزاع لتجاوز عقبة تقرير المصير ، و عدم ربط إلتقاء الأطراف السُّودانية بالتوصل الى إتفاق بشأنها . و أكد قولتي حسب المصادر أن الجهد البريطاني يسير مهتدياً بتقرير جون دانفورث.
    في ضوء المعطيات السابقة يمكن القول ، أن تقرير دانفورث يظل تقريراً سياسياً ليس من الضروري تطبيقه ، فقد تكون هناك حسابات أخرى داخل بعض دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة ، و المثير أنه يبدو متوافقاً في بعض أجزائه الظاهرة مع تقرير ، مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية في واشنطن الذي صدر في فبراير من عام 2001م ، لاسيما الشق النفطي و آليات الإستفادة منه و ملف الوحدة .. حيث أشار تقرير مركز الدراسات الي صيغة ( دولة واحدة و نظامين ) في السُّودان التي يمكن الوصول اليها من خلال القراءة المتأنية لبروتوكول ميشاكوس الذي وُقع في ذلك الوقت . إن هذا التقرير يؤكد إستمرار التباين بشأن وسائل التعامل مع الملف السُّوداني في الاداراة الأمريكية ، فعلى الرغم من إستبعاده لخيار الإنفصال الا أن بعض الأصوات اليمينية لم تتوقف عن المطالبة به . علاوة على أن زيادة أهمية النفط السُّوداني في التقرير تشير الى إحتمال ممارسة الشركات الأمريكية ضغوطاً جديدة لفتح الباب أمام إستثماراتها في السُّودان و إنهاء القطيعة الحالية .
    وفي إطار الضغوط الأمريكية على السُّودان و دعم الجانب التفاوضي لحركة التمرد، و بضغط من الجماعات اليمينية أجاز مجلس النواب الأمريكي في سبتمبر 2002م ، قانوناً سمى ( قانون سلام السُّودان ) جاء بعد إسترداد القوات المسلحة لمدينة توريت ، إذ أن القانون يضع قيوداً على الحكومة السُّودانية ، إذا رأي الجانب الأمريكي أنها تعرقل المفاوضات فأصدر عليها حزمة من العقوبات من بينها خفض التمثيل الدبلوماسي ، منع السُّودان من إستخدام عائدات النفط ، في شراء السلاح ، فضلاً عن إصدار قرار من مجلس الأمن يحظر تصدير السلاح للخرطوم. الشئ الذي أعده المراقبون في إطار سياسة الجذرة و العصا. ولكن عندما تواصلت المباحثات فيما بعد على نحو ما جرى . أعلن السيد جفِ مللينغتون القائم بالاعمال الأمريكي لدى الخرطوم في فبراير 2003م ، أن هناك شعوراً حقيقياً لدى واشنطن و المجتمع الدولي ، بأن الطرفين الحكومة و الحركة – أكدا عزمهما على وقف القتال ، و الوصول الى تسوية عن طريق المفاوضات من جهته أكد روجر و ينتر نائب مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الذي زار الخرطوم في ذات التاريخ ، أن واشنطن غيرت سيإستها في السُّودان مع مجئ إدارة الرئيس جورج بوش لصالح تقديم العون و المساعدات للسودانيين في جميع أنحاء البلاد ، بعد ما كانت مقتصرة على المتاثرين بالحرب الأهلية في جنوب البلاد ، أو النازحين من الجنوبيين في شمال السُّودان . مشيراً الى أن الشأن السُّوداني مثّل أولوية لدى الرئيس بوش ، و مثار إهتمام شخصي بالنسبة له ، و إعتبر وينتر أنه ما من بلد آخر في أفريقيا يحظى بالاهتمام الذي يجده السُّودان لدى الأمريكيين ، وعزا هذا الاهتمام الذي وصفه بأنه ( مدهش ) ، الى أن السُّودان أكبر أقطار القارة الأفريقية ، و لإعتبارات إستراتيجية و للشراكة الاقتصادية المتوخاة ، و أضاف وينتر أن الاهتمام الأمريكي بالسُّودان ، و الذي وصفه أيضا بأنه ( فوق العادة)، يركز على قاعدة واسعة و قطاع عريض ، يشمل البيت الأبيض ، السُّود ، الجمهوريين ، و الديمقراطيين ، اللبراليين و اليمينيين المسيحيين و غيرهم ، معتبراً ان المحصلة النهائية للاهتمام الأمريكي بالسُّودان ، ستتعزز بتحقيق السلام ، و ستواصل واشنطن مساعداتها للبلاد و التي تعد الآن هى أكبر متلقٍ للمعونات التي تقدمها لأية بلد أفريقي ) . وقال أن واشنطن قدمت ما يربو على مليار و ثلاثمائة مليون دولار مساعدات إنسانية للسودان ( في إطار برنامج شريان الحياة ) منذ عام 1989م للمتأثرين بالحرب في جنوب البلاد ، وقدمت في العام الماضي وحده ( مائة و خمسة و خمسون مليون دولار ، صرفت 12 مليون دولار منها في شمال السُّودان .
    تؤكد المصادر السياسية أن الولايات المتحدة الامريكية ابلغت الحركة الشعبية بواسطة مبعوثها الحالي قريشون انها مع وحدة السودان لان قيام دولة في الجنوب في الوقت الراهن تحيطه العديد من المخاطر ، كالصراع المتوقع بين مكوناته الداخلية و انعدام البنيات و المقومات الاساسية مما يجعلها عرضة لأن تكون افقر دولة في العالم .
    وخلاصة القول فإن الموقف الأمريكي الحالي يخلص الى نتيجة مغايرة وهى أن إنفصال جنوب السُّودان لن يخدم المصالح الأمريكية في أفريقيا . و بخاصة في القرن الأفريقي و منطقة البحيرات . و ذلك للأسباب الآتية :
    أ. تقتضي المصالح البترولية الأمريكية في السُّودان الإستقرار و الإطار الوحدوي للبلاد حيث أن :
    - بترول السُّودان لا يوجد فقط في جنوب البلاد ، بل يحتوي الشمال و الشرق و الغرب على إحتياطي كبير ، ومن ثم تقتضي المصلحة الأمريكية التعامل مع السُّودان وحدة واحدة.
    - تتجه الولايات المتحدة في الألفية الجديدة الى ربط بترول السُّودان بالبترول الموجود في غرب أفريقيا في تشاد و أنجولا و خليج غينيا . لتكون بذلك شبكة بترولية ضخمة تصل الى المحيط الأطلسي ، حيث يضخ مباشرة الى الولايات المتحدة ، مما يعد بديلاً مناسباً لبترول الشرق الأوسط و يجنبها خطر الاعتماد الكبير عليه ، و بما يحتويه من مشكلات سياسية و عسكرية و بيئية أصولية إسلامية تعتبرها الولايات المتحدة الخطر الأكبر على مصالحها حاليا. و نجاح هذه الخطة مرهون بوجود أنظمة قوية و مستقرة .
    - وإنفصال الجنوب ، لا سيما إذا إنتقلت العدوى الى الدول المجاورة ، سيهدد المنطقة باضطرابات قد تؤدي الى التشرذم و تعوق السياسة الأمريكية . هذا بجانب المصالح الأمريكية الاقتصادية الأخرى غير البترول في منطقة البحيرات و القرن الأفريقي .
    ب. إنفصال جنوب السُّودان سيؤدي غالباً الى أحد أمرين ،
    - إما أن يتحالف الشمال المسلم مع مصر ، فيدعم بذلك الوضع الإقليمي المصري في أفريقيا و الشرق الأوسط .
    - أو أن يصبح دولة أصولية في نظر أمريكا و بؤرة للتطرف الديني ، تهدد دول الشرق الأوسط و بعض الدول الأفريقية الشمالية و الشرقية ، و الحالتان تتناقضان مع الإستراتيجية الأمريكية و أهدافها في المنطقة.
    وعلى الرغم من هذا المؤشر العام ، علينا أن نضع في إعتبارنا أن سيناريو الإنفصال ما زال وارداً ، فمن الصعوبة بمكان في العلاقات الدولية التكهن بمسار مستقبلي محدد ، فالمعطيات المتاحة تكون دائماً جزئية ، كما تتحرك الأحداث في حالة السُّودان على وجه الخصوص . و بسرعة كبيرة ، و المناورات السياسية للاطراف كثيراً ما تفاجئنا بمواقف جديدة ، قد تقلب الموازين ، هذا بالاضافة الى بعض الفصائل الجنوبية التي تريد الإنفصال و يؤيدها في ذلك بعض قوى المجتمع المدني في الولايات المتحدة و اليمين المتطرف في مجلس النواب.
    على المستوى الإقليمي :
    كما هو معلوم فمصر لها موقف رافض لمبدأ حق تقرير المصير للولايات الجنوبية ، و حججها في ذلك أن :
    أولاً: تطبيق هذا المبدأ سيؤدي حتماً الى الإنفصال
    وثانياً: ان الإنفصال إذا حدث سيهدد مباشرة تدفق مياه النيل الى مصر
    ثالثاً : أن الشمال يمكن أن تتشكل فيه حكومة إسلامية أصولية لا تتفق و التوجهات المصرية في هذا الإطار .
    من أجل ذلك وغيره فإن مصر إستشعرت الخطر الذي يشكله لها مبدأ تقرير المصير و ألقت بكل ثقلها الدبلوماسي على الصعيدين العالمي و العربي من أجل العمل على وحدة السُّودان ، مما أثار قدراً من الارتياح في أوساط الحكومة السُّودانية ، وكان للمشاركة النوعية و الواسعة للحكومة المصرية في احتفالات السُّودان بعيد إستقلاله السابع و الأربعيين . بوفد ضم أمين عام الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر و وزير الاعلام صفوت الشريف مع نخبة من أبرز القيادات السياسية بينهما د. على الدين هلال وزير الشباب و الرياضة و د. مصطفى الفقيه رئيس لجنة السياسة الخارجية بمجلس الشعب المصري و غيرهم ، ففي ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل حيث أُقيم الاحتفال أعلن رئيس الوفد أن مصر مع خيارات الشعب السُّوداني في شماله و جنوبه على درب الوحدة القومية و الإستقرار و السلام و التنمية ، و أن ما يجمعه و الشعب المصري من الأواصر و لحمة المصير الواحد أقوى و أكثر صموداً في مواجهة التحديات ، تلك كانت مؤشراً له دلالة على رغبة مصرية في تجاوز مرارات الماضي و فتح صفحة مستقبلية تحقق المصالح المشتركة .
    كما تجلى ذلك في الموقف الذي إتخذته الجامعة العربية من دعم لوحدة السُّودان ، ليس بعيداً عن تحرك الدبلوماسية المصرية . و تجدر الاشارة هنا الى إيجابية تحرك الجامعة العربية الأخير نحو تفعيل صندوق تنمية جنوب السُّودان ، فلا شك أنه يشكل بداية طيبة لسياسة عربية نرجو أن تتحول الى إستراتيجية دائمة ، يكون هدفها على المدى الطويل الاهتمام بكل السُّودان . وكان السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية قد خاطب الاجتماع الافتتاحي المخصص لبحث تنمية جنوب السُّودان الذي دُعيت له مؤسسات التمويل العربية بمبادرة من الجامعة العربية ، قد أكد في فاتحة الاجتماع ( أن موضوع تنمية جنوب السُّودان ، هو مسئولية جماعية عربية للاسهام في تحقيق وحدة السُّودان ، وجعل وحدة التراب السُّوداني جذابة لجميع أبناء شعبه من منطلق المصلحة المشتركة . وقال أنه أوضح فيما سبق أن قدرات الحكومة السُّودانية بمفردها لا تمكنها من تنفيذ خطة لتنمية جنوب السُّودان لجعل الوحدة جذابة ، ومن ثم فإن موضوع التمويل العربي ما يزال جوهرياً من أجل المحافظة على الوحدة السُّودانية ، و أضاف موسى أن الاهتمام بالمسألة السُّودانية لتحقيق الوحدة هو نهج جديد للجامعة العربية في تناولها للقضايا الوطنية و المساعدة في علاج المشاكل بعيداً عن الشعارات التي أثرت سلباً على العمل العربي المشترك ).
    تواصل اهتمام الجامعة العربية بدعم برنامج التنمية بالجنوب في إطار سعيها لعامل الوحدة جاذبة إذ دعت الى مؤتمر للمنظمات غير الحكومية العربية لمؤتمر عُقد بالخرطوم في الفترة من 8-9 مارس 2003م و أصدر إعلاناً أسماءه نداء الخرطوم طالب فيه المؤتمرين الدول العربية لإعفاء ديونها على السُّودان مع إنشاء محفظة لتمويل مشاريع المنظمات التطوعية العربية لتتمكن من إنفاذ برامج التنمية الاجتماعية التي تشكل حسب رأي المؤتمر عصب الاندماج و الوحدة الوطنية السُّودانية كما طالب الصناديق العربية للتنمية و البنوك بتوفير الدعم العاجل و اللازم لانجاح ذلك البرنامج .
    الا أن جهود الجامعة العربية اصطدمت بالواقع السوداني المتمثل في تفجر قضية دارفور التي اصبحت القضية المحورية للتحرك العربي بصفة عامة و المصري بصفة خاصة ، وانزوت قضية الجنوب لتأتي في سلم الاولويات في المرتبة الثانية . و اعتقد أن مشكلة دار فور اثرت تأثيراً بالغاً حتى على الاجندة الوطنية التي تجعل من الوحدة جاذبة.
    وعلى العصيد الإقليمي الأفريقي نجد أن دول الجوار ترى أن إنفصال الجنوب سيكون له أثراً سلبياً أيضا إذ سيشجع مجموعات كثيرة مماثلة في تلك الدول المجاورة مثل سكان شمال أوغندا و كينيا ، الصومال ، شرق الكنغو و شرق أثيوبيا ، و يضع سابقة خطيرة في القارة ضد مبادئ الإتحاد الأفريقي بجانب زيادة التوتر في المنطقة وهى تعاني أصلاً من عدم إستقرار يحاول قادة العالم . و من خلال الأمم المتحدة وضع حد له ، هذه الدول نفسها تعاني ذات المشكلات نفسها و هى التعددية العِرقية و الاجتماعية و الثقافية ، و غياب العدالة في توزيع الثروة و السلطة ، و التي وصلت أحياناً الى حد الحرب الأهلية كما يحدث الآن في الكونغو الديمقراطية ، إضافة الى الحالة اليوغندية و الاشتباكات المستمرة بين الحكومة و المعارضة ممثلة في جيش الرب في الشمال على الحدود السُّودانية ، بجانب اثيوبيا التي تعاني من تمرد الجماعات العِرقية خاصة الأورومو الذين يشكلون عُدة فصائل عسكرية تطالب بحقوقهم .
    ومن ناحية أخرى قد يؤدي إنفصال الجنوب الى هجرة أعداد كبيرة من المواطنين نتيجة لعدم الإستقرار ، و في هذه الحالة ستتحمل دول الجوار الأفريقي ، أعباء إقتصادية إضافية ، علاوة على المشكلات الاجتماعية للمهاجرين . وقد صرح زعماء تلك الدول في أكثر من مناسبة أنهم مع وحدة السُّودان ومن ثم يمكن القول أن البيئة الإقليمية المحيطة بالسُّودان ، لاترى مصلحتها في إنفصال الجنوب ، و إن كان بعضها لا يود أن يرى السُّودان دولة قوية حتى لا يحدث ذلك خلل في توازن القوى بالإقليم .
    هنالك أسئلة حتمية لا بد منها في خاتمة الإستطلاعات التي أوردناها للآراء المختلفة حول الوحدة و الإنفصال إذ يجب علينا أن ندرس و ندقق بعناية إن كان الإنفصال سيؤدي الى السلام و الإستقرار المطلوب ، و عما إذا كانت مشاكل الإنفصال أقل أم أكثر من المحافظة على الوحدة ؟ و أخيراً وهو الأهم – إن كان الإنفصال قابلاً للتطبيق من الناحية العملية .
    يجب الدكتور كمال عالم في مقال له حول تقرير المصير ، إن هنالك أسباب كثيرة تجعل من الإنفصال عملية معقدة و غير عملية و ستؤدي الى خلق المشاكل أكثر من تقديم الحلول . كما أنها لن توصلنا الى السلام و الإستقرار المنشود و يمكننا أن نقسم ذلك الى عدة عوامل :
    1. العوامل الديمغرافية :
    - فالترابط و التداخل السكاني يعتبر أهم رابط للجنوب و الشمال و أية محاولة للفصل ستؤدي الى عواقب و خيمة ولن تسهم في إستقرار البلاد . فقبائل البقارة و بقية قبائل التماس من الرزيقات و المسيرية و الحوازمة مروراً بالصبحة و غيرهم أي من أقصى الغرب الى أقصى الشرق تمتلك الملايين من الأبقار و الضأن و الماعز و تأخذها في فصل الجفاف جنوباً بحثاً عن الكلا و الماء الى شمال بحر الغزال و أعالي النيل ، هذه الرحلة السنوية المعلومة تمثل بالنسبة لهذه القبائل و المجموعات مسألة حياة أو موت و أية محاولة لعرقلتها أو منعها ستؤدي حتماً الى نشوب نزاع مسلح بين الجانبين .
    - النازحون الجنوبيون الذين يقدر عددهم بحوالي نصف مليون جنوبي في الشمال و في مناطق مختلفة من حلفا في الشمال و الى نيالا في الغرب و الروصيرص و بورتسودان و كسلا في الشرق و أواسط السُّودان ، فمن غير المتوقع اذا تم الانفصال رجوع كل هؤلاء الى الجنوب بل أن أفضل التقديرات ترجح ألا يرجع من هؤلاء إلا الثلث ، لأن معظمهم قد تم إندماجه في اقتصاد الشمال و يتطلب الأمر فقط مساعدتهم و تدريبهم لتحسين ظروف إستقرارهم ، فإذا حدث الإنفصال لن يقبل هؤلاء بالتحول الى لاجئين في دولة الشمال .
    - كذلك هناك مخاوف حول سلامة و أمن الطرق القليلة التي تربط بين الشمال و الجنوب ، كما أن الجنوب ليس لديه القدرة على استيعاب تدفق اعداد كبيرة من العائدين اليه.
    - هنالك حقيقة مهمة في الصراع الحالي ، فالنزاع لا يقتصر فقط على حرب بين الجيش السُّوداني و الحركة ، بل يوجد نزاع جنوبي – جنوبي كبير ، . و على الرغم من أن البعض يقلل من هذا الموضوع ، الا أن القبائل الجنوبية ترى أن قبيلة الدينكا تريد أن تكون لها السيادة على أرض الجنوب دون الآخرين الأمر الذي تقاومه القبائل الأخرى و خاصة قبائل النوير و الشلك و المنداري و التبوسا و الزاندي و بقية القبائل الإستوائية بصفة عامة ، و كيف أن هذه القبائل طالبت بالحاح بتقسيم الجنوب الى ثلاثة أقاليم لكسر هيمنة الدينكا في مطلع الثمانينييات .
    - إن النزاع الجنوبي – الجنوبي من الخطورة بمكان لدرجة أن إحدى الدراسات تقدر أعداد الذين فقدوا حياتهم في النزاعات القبلية خلال الفترة من 1983م – 1993م ، يفوق عدد الذين فقدوا حياتهم في الحرب بين الجيش السُّوداني و الحركة .
    - بل إن البعض يعتقد أن العديد من أبناء " دينكا بور " و " كونقور" قد إنضموا في بداية التمرد في عام 1983م على أساس الحصول على السلاح لرد إعتداءات قبيلة " المورلي " حيث إمتص هذا الحشد أكثر من عشرة آلاف من شباب بور في مراكز تدريب الجيش الشعبي يومها ليس بقصد الأجندة القومية و لكن لتسوية الخلافات المحلية مع جيرانهم من المورلي أو النوير .
    - تركت هذه الشروخ و غيرها من الأمثلة بصماتها على علاقة قبائل الجنوب و أصبحت هنالك العديد من الثارات التي إنتظر أصحابها الفرصة المواتية للتصفية.على نحو ما جرى على مسرح الاحداث في جنوب السودان خاصة في مناطق جونقلي و غيرها من اقتتال بين القبائل الجنوبية المختلفة ، مما حدا برئيس حكومة الجنوب سلفاكير ان يضع تحديات الامن الداخلي على رأس اولويات حكومته للعام 2010 .
    الأمر الذي لا جدال فيه أن إنفصال الجنوب سيؤدي الى نزاع مستقبلي خطير . ومما يزيد الطين بله أن النفط يقع في منطقة قبيلة واحدة و هي النوير ، و قيل أن أحد قادة النوير حدث بعض أصدقائه أنه لا يصدق أن الدينكا و المندكورو يتنازعون حول بترول النوير.
    2. العوامل الجغرافية و الاقتصادية :
    الى جانب العوامل الديمغرافية هنالك عوامل جغرافية و إقتصادية تجعل من الإنفصال أمراً معقداً أيضا و غير عملي . فنهر النيل و روافده من العوامل الموحدة المهمة و في جانبي الحدود بين الشمال و الجنوب تقطن قبائل لا تتقيد بالحدود الجغرافية في ترحالها و في سبل كسب عيشها ، و من الصعب وضع حدود جغرافية فاصلة بين الإقليمين مع هذا التشابك السكاني مما سيؤدي الى نزاع حدودي من السهل أن يتطور الى نزاع مسلح جديد . إن محاولة ترسيم الحدود على أساس عرقي – على أقل تقدير – أمرغير مرغوب فيه ، وهو حتماً غير عملي.
    ومن العوامل الاقتصادية المهمة النفط – فحقوله الحالية تقع في الجزء الجنوبي من الشمال و الجزء الشمالي من الجنوب ، بينما كل البنى التحتية في الشمال من خطوط الأنابيب الناقلة و المصفاة و خلافه . و يقدر إستنفاد الاحتياطات المؤكدة على أساس مستوى الانتاج الحالي في حوالي عشرة سنوات على أكثر تقدير مما يعني عدم جدوى أي إستثمارات إضافية في بنية تحتية جديدة ، خاصة و أن موقع الحقول يبعد كثيراً عن المنفذ البحري . كل هذه العوامل ينبغى أن تجعل من النفط عامل توحيد و ليس تفريق و الأجدى الإتفاق على تقسيمه بعدالة مثل الثروات الأخرى في البلاد بحيث تستفيد منه مناطق إنتاجه مع الحكومة الفيدرالية .
    بجانب ذلك فإن الجنوب في حالة الإنفصال سيكون دولة مغلقة ليس لها منفذ بحري مطل على العالم و هى تقع في منطقة وسطى . مما يجعلها عُرضة للمساومات في إطار البحث عن ذلك المنفذ و تقع تحت رحمة من يوفر لها ذلك ، فخير لأهل الجنوب الوحدة مع الشمال وفقاً لمعطيات جديدة في العلاقة .
    يتضح مما سبق أن الحقائق الديمغرافية و الجغرافية و الاقتصادية كلها عناصر توحيد و تجعل إنفصال الجنوب أمراً غير عملي على الاطلاق . هذا الى جانب ما سيخلفه من مشاكل إجتماعية و سياسية . كما أنه من الواضح أن الإنفصال سيؤدي الى خلق مشاكل أكثر مما يقدم لنا من حلول ، ولن يوصلنا حسب هذه المعطيات الى السلام و الإستقرار المنشود بل سيؤدي الى توسيع النزاع و نقله الى مناطق جديدة و بأجندة جديدة و مواجهات جديدة .
    و بإستعراضنا للقانون الدولي و السُّوابق التاريخية لعملية تقرير المصير و قراءة واقع دول الجوار و الرأي الأمريكي بإعتباره رأياً محورياً في عالم ما بعد " سبتمبر " بالاضافة الى وجهات نظر السياسيين السُّودانين من أبناء الجنوب و الشمال و المواقف المعلنة للحكومة السُّودانية و الحركة الشعبية بفصائلها المختلفة .
    و على الرغم من أن المعطيات الجغرافية و السياسية و الاقتصادية ترجح كفة الوحدة ، الا أن عملية انفصال الجنوب أمراً غير مستبعد ، فالشارع الجنوبي يطالب بحق تقرير المصير لأنه يرى أنه لم تتاح له فرصة الإختيار الحر ، من خلال المشاركة الفعلية في اتخاذ القرار و لديه إحساس بأنه مغيب في هذا الأمر . هذا ينقلنا للسوال المهم ، إذا كان الإنفصال ليس حلاً كيف يمكن أن نجعل من حق تقرير المصير وسيلة لتحقيق العدل و التنمية للجنوب ؟.
    الا أنه من الأهمية بمكان تبنى إستراتيجية لسودان يتحقق فيه العدل و المساواة بين المواطنين و تكون المواطنة هى الأساس في الحقوق الدستورية ، سودان تتحقق فيه الحرية و تبسط فيه قيم الشورى و الديمقراطية ، و تتحقق فيه المساواة بين مواطنيه بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية أو العِرقية أو الجغرافية أو الثقافية و تتوزع فيه السلطة و الثروة بعدالة بين أقاليمه المختلفة مع إعطاء الأقاليم الاقل نمواً حظاً أوفر في التنمية و يقر فيه بأن للجنوب وضعاً خاصاً.
    إن متطلبات العولمة ومعطيات العصر و الواقع يفرض وضعاً جديداً يجب على الشعوب و الأمم تشكيل تكتلات وفضاءات بشرية ، تحمي بها مصالح واستراتيجيات هذه الشعوب في ظل حمى التكتلات الكبيرة التي تريد الهيمنة على كوكبنا وهذا يتطلب التكيف و التوليف بين مصالح الشعوب و الأمم مع بعضها البعض في بوتقة واحدة بمعطيات عصرية منصفة ، تجنب اصحابها التنافر و التناحر ويضمن لها الاستمرارية .
    النخب السودانية التي ادمنت الفشل سوف تواصل هوايتها في الدولتين ولو انقسمت بشرعية جديدة ، فلذا يجب السعي لايجاد جيل جديد يؤمن بأسس ومبادئ المساواة و الاخاء ، قادر على بناء علاقات اجتماعية وثقافية متعايشة ، ادراك وفهم الاعتقاد و التدين بصورة مستنيرة في اطار الاحترام المتبادل ، كبح جماح المغامرين و مأرب الانفصاليين و يعمل الكل في فضاء السودان الموحد من اجل مستقبل افضل لأجيالنا.(1)

    كلمة أخيرة :
    قال الير لياك : ( عضو المجلس الوطني ) عبارة بليغة "نقتسم الوطن ولا نقسم الوطن

    المصادر:
    1. Ad-Dirdeiry Mohamed – Ahmed – Self – Determination – An Approach. For Building A Sudanese nation –Nairobi – January 2002 – p. 16
    2. Dr. Peter Nyot kot – the politics of Self Determination in the Sudan (Between strategic admission and tactical Avoidance) p. 4-6
    3. رئاسة الجمهورية – إستشارية السلام – الخطة العامة للسلام و الوحدة - مبادئ و موجهات ( 2002- 2005 ) كتيب منشور – 2002م ص ، 21
    4. محمد أبو الفضل – مقالة صحفية – تقرير المبعوث الأمريكي للسودان – قراءة في المضمون و تحليل للنتائج – وكالة الاهرام للصحافة - نشر بترتيب مع صحيفة الرأي العام السُّودانية – بتاريخ 18مايو 2002- العدد ( 1707 )
    5. محمد أبو القاسم حاج أحمد – مقالة – السُّودان مخطط قرنق الإستيلاء على الدولة وليس إستقلال الجنوب – مقال صحفي – الصحافي الدولي – 9 سبتمبر 2002م السنة الثالثة – العدد (862 )
    6. P.A.Nyaba – the Politics of Liberation in South Sudan – An Insider's View – Nairobi, Kenya – June 1997 – p. 176
    7. Donald Petterson Inside Sudan – political Islam, conflict, and catastrophe- west view press – U. S. A. Colorado – 1999 – p. 53
    8. ريال قاي كوك – تحديات السلام في السُّودان في ظل المتغيرات الدولية الراهنة – ورقة مقدمة لمهرجان إستقلال السُّودان بدبي – 2-8 فبراير 2003م – ص 3
    9. الإستاذ بول دينق شول – جنوب السُّودان من دعوة الفيدرالية الى تقرير المصير – ورقة مقدمة الى ورشة عمل حول السلام في ظل المتغيرات الإقليمية الدولية – جامعة جوبا – مارس 2003م ص 2
    10. الطيب مصطفى ،الى متى يظل جنوب السُّودان عائقاً امام إنطلاق الشمال مقال صحفي ، صحيفة ألوان – بتاريخ 24 يناير 2003م ، العدد ( 2379 )
    11. عايدة العلي سرىّ الدين – السُّودان و النيل – بين مطرقة الإنفصال و السندان الاسرائيلي - دار الافاق الجديدة – بيروت – ط1 – 1998م ، ص 280
    12. فاروق كدودة ، حوار صحفي ، صحيفة ألوان ، 22 فبراير 2003م ، العدد ( 2403 )
    13. غازي صلاح الدين عتباني ، حوار صحفي ، صحيفة أخبار اليوم ، بتاريخ 22 فبراير 2003م ، العدد ( 3997 )
    14. صحيفة الصحافي الدولي ، تصريح صحفي غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية للسلام ، بتاريخ 20 يناير 2003م ، العدد ( 968 )
    15. صحيفة الصحافي الدولي ، " السلام في السُّودان و مآلات تقرير المصير " ندوة مركز دراسات السلام و التنمية بجامعة جوبا ، تغطية صحفية ، بتاريخ 20 يناير 2003م ، العدد ( 968 )
    16. أنجلو بيدا نائب رئيس المجلس الوطني ، ملف السُّودان ما بين الوحدة و الإنفصال ، حوار صحفي ، صحيفة ألوان - بتاريخ 20 يناير 2003م ، العدد (2375)
    17. Francis M. Deng – War of Vision – Conflict of Identities in – the Sudan – the Brooking Intuition Washington, D.C.1995. p. 20
    18. تقرير دانفورث الى جورج بوش – الصحافي الدولي 16 مايو 2002م ، السنة الثالثة ، العدد 766 – ترجمة سيف الدين عبد الحميد ، ص 3
    19. لقاء مع غازي صلاح الدين عتباني مستشار رئيس الجمهورية للسلام – بمكتبه بالخرطوم – 1 مايو 2002م
    20. قولتي يدعو التجمع لتجاوز عقبة تقرير المصير ، تصريحات صحفية ، صحيفة الرأي العام ، بتاريخ 29 مايو 2002م العدد ( 1718 )
    21. واشنطن مرتاحة لمردود جهودها في قضيتي السلام و الاغاثة بالسُّودان تصريحات صحفية ، صحيفة الصحافي الدولي ، بتاريخ 24 فبراير 2003 ، العدد 992
    22. إجلال رأفت (كاتب مصري ) ، حق تقرير المصير لجنوب السُّودان .. هل يعادل الإنفصال ، صحيفة الصحافي الدولي ، بتاريخ 26 يناير 2003م العدد 973 ( نقلاً عن الاهرام المصرية)
    23. يوسف الشريف (كاتب مصري ) ، عودة الوعي المصري لأهمية السُّودان ، مقال صحفي ، الصحافي الدولي– بتاريخ 26 يناير 2003م العدد 973
    24. إفتتاح إجتماعات الجامعة العربية بالقاهرة ،حول تنمية جنوب السودان ، خبر صحفي أخبار اليوم - بتاريخ 18 فبراير 2003م ، العدد ( 2993)
    25. شارك الباحث في مداولات المؤتمر بصفته عضواً جاء ممثلاً لمنظمة العون الانساني و التنمية – أحد المؤسسات الطوعية العربية العاملة في جنوب السُّودان
    26. صحيفة الرأي العام، مقال بقلم د.كمال عالم/ تقرير المصير : هو تطلع للعدالة والتنمية أم للانفصال، بتاريخ 19 فبراير 2003م العدد (1979م) ص 8.
    27. The British – Sudan Public Affairs Council – The SPLA. Fit to Govern? School Of Oriental and African Studies – University Of London – 1998, P
    28. لقاء مع السيد بول ليل - أمين عام الأنيانيا (2) السابق وأحد قيادات قبيلة النوير – الخرطوم- 3 مارس 2002م .
    29. لقاء مع العميد كلمنت واني وزير التجارة بمجلس تنسيق الولايات الجنوبية زعيم قبيلة المنداري - الخرطوم – ديسمبر 2002م.

    http://tanweer.sd/arabic/modules/smartsection/item.php?itemid=92
                  

10-22-2010, 10:55 PM

معاوية الزبير
<aمعاوية الزبير
تاريخ التسجيل: 02-07-2003
مجموع المشاركات: 7893

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أين أتت كلمة ( الإنفصال ) في قاموسنا السياسي ؟؟ (Re: صلاح شكوكو)

    صلاح ازيك

    ما عارف قصدك شنو من البوست دا

    لكن كلمة الانفصال (تقرير المصير) أول مرة تدخل القاموس السياسي السوداني

    كانت في اتفاق فرانكفورت بين علي الحاج و لام أكول عام 1992

    ثم تمسكت الحركة الشعبية بهذا الحق (الذي سربه -بخبث- الترابي) في إعلان أسمرا 1995

    هذا للتاريخ القريب جدا
                  

10-22-2010, 11:03 PM

صلاح شكوكو
<aصلاح شكوكو
تاريخ التسجيل: 11-19-2005
مجموع المشاركات: 4484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أين أتت كلمة ( الإنفصال ) في قاموسنا السياسي ؟؟ (Re: معاوية الزبير)

    Quote: كلام عظيم وغريب!
    كان العنوان الرئيسي لجريدة «الأهرام اليوم» في عددها الصادر أمس الأول الأربعاء الموافق 20 أكتوبر 2010م هو «الميرغني يقلب الطاولة: لم نوافق على حق تقرير المصير» وفي تفصيل الخبر جاء ما يلي: فجّر الميرغني مفاجأة داوية في تصريحات صحافية عقب لقائه مع الرئيس البشير بتبرؤ الحزب الاتحادي عن مقررات التجمع بالإلتزام بحق تقرير المصير لشعب الجنوب التي وردت ضمن أدبيات المعارضة خلال وجودها في أسمرا. وقال إن الوثائق التاريخية تؤكد أن ممثل الحزب سيد أحمد الحسين لم يوقِّع على ذلك الاتفاق مع التجمع لأنه كان معترضاً على مبدأ تقرير المصير».
    وهو كلام يُطرب ويُسعد ويليق بحزب الحركة الوطنية الذي أنجز منتصف خمسينيات القرن الماضي السودنة والجلاء والاستقلال.
    وقبل الأستاذ سيد أحمد الحسين فإن أحد أنبل وأصلب القادة الاتحاديين وهو الراحل الدكتور أحمد السيد كان قد اعترض على منح الجنوب حق تقرير المصير عندما طُرح ذلك في العاصمة الأمريكية واشنطن عام 93، فالسودان قرر مصيره منتصف الخمسينيات والشعوب لا تقرر مصيرها مرتين والمستعمرات هي التي تُطالب بحق تقرير المصير وليس الشعوب المستقلة.
    وقد ذكرنا موقف الدكتور أحمد السيد حمد في حينه في جريدة السودان الحديث في عمود (قمم وسفوح) ثم عقد مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية عام 1995م وأُجيز مبدأ تقرير المصير وكان في مقدمة الموقِّعين عليه الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة والحركة الشعبية.
    ومع بعض التحفُّظات وعلى مضض فإنه كان مفهوماً أن تطالب الحركة الشعبية - وهي تنظيم سياسي جنوبي في غالبيتها الكاسحة - بحق تقرير المصير وأن يقتصر هذا الحق على الجنوبيين ولكن لم يكن مفهوماً أبداً أن يوافق الحزبان الكبيران التاريخيان الاتحادي الديمقراطية وحزب الأمة على حق تقرير المصير القاصر على بعض السودانيين.
    وظللنا منذ ذلك الوقت من النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي ندعو بإلحاح الحزبين الكبيرين إلى سحب موافقتهما على مبدأ تقرير المصير، الذي لن يؤدي إلا إلى إنهيار وحدة السودان وتقسيمه إلى دولتين.
    ولكن سعد باشا الله يرحمه قال (إيه، مفيش فائدة)! ولذلك أيضاً ظللنا نقول باستمرار إنه إذا ما انقسم السودان إلى دولتين فإن في مقدمة من يُسألون عن ذلك هما الحزبان الكبيران الحاكمان المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، والحزبان الكبيران التاريخيان الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة.
    ثم فوجئنا وفرحنا وطربنا بقول السيد محمد عثمان الميرغني لم يوقّع الاتحادي على اتفاق تقرير المصير والأسئلة كثيرة منها لماذا صمت الحزب الاتحادي الديمقراطي طوال هذا الوقت؟ ومن الذي زجّ باسم الحزب العظيم الذي كان أيام الكفاح ضد الاستعمار هو حزب الحركة الوطنية، في قائمة الموقّعين على البيان الختامي لمؤتمر القضايا المصيرية الذي عُقد في الفترة من 15 إلى 23 يونيو 1995م وتضمّن حق تقرير المصير؟.

    http://www.alahramsd.com/ah_news/12567.html
                  

10-22-2010, 11:12 PM

صلاح شكوكو
<aصلاح شكوكو
تاريخ التسجيل: 11-19-2005
مجموع المشاركات: 4484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أين أتت كلمة ( الإنفصال ) في قاموسنا السياسي ؟؟ (Re: صلاح شكوكو)

    Quote: المزايدات الحزبية بين الحكومة والمعارضة صنعت الاستفتاء وتقرير المصير للجنوب

    الخاسرون والرابحون في انفصال جنوب السودان (7)

    الخرطوم: محمد سعيد محمد الحسن
    يجب الاعتراف من جانب جميع القوى السياسية السودانية حكومة ومعارضة التي تصرفت الآن وكأنها فوجئت بأن الاستفتاء وتقرير المصير يتقدم بخطوات قوية ويدق الباب بشدة واكتشفت أن احتمال انفصال الجنوب عن الشمال بات وشيكا، بأن هذه القوى السياسية ومهما تعددت مبرراتها ودوافعها تتحمل مسؤولية تاريخية تجاه هذا القرار الخطير والفاصل والناجم عن المزايدات وقصر النظر الذي يقسم السودان إلى دولتين، قد تكونان جارتين شقيقتين لديهما روابط ومصالح مشتركة، وقد تتحولان إلى «إخوة أعداء» على غرار انفصال إريتريا عن إثيوبيا، وتنجم عن ذلك تفاعلات وتداعيات شائكة وحادة يصعب التنبؤ بمداها داخليا وإقليميا. لقد أغفلت القوى السياسية السودانية؛ حكومة ومعارضة، في مزايداتها الحزبية الثوابت الوطنية وخرقت القوانين والمواثيق الدولية التي تحظر استخدام حق تقرير المصير والاستفتاء في دولة ذات سيادة ومعترف بها إقليميا ودوليا. والسودان، بوجه خاص، هي الدولة التي قررت مصيرها استنادا إلى اتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير بين الحكومتين البريطانية والمصرية التي وقعت في 12 فبراير (شباط) 1953 في القاهرة، حيث أعلن الاستقلال من داخل البرلمان المنتخب مطلع عام 1956 وأصبح عضوا في الأمم المتحدة وأسس وشارك في منظمة الوحدة الأفريقية المنوط بها الحفاظ على وحدة وحدود دول أفريقيا.
    كيف أصبح الاستفتاء استحقاقا واجب النفاذ؟

    1- بدأت قضية حق تقرير المصير للجنوب تطرح على مسرح السياسة السودانية منذ عام 1991.

    2- عقدت الحركة الشعبية بقيادة الدكتور جون قرنق مؤتمرا في سبتمبر (أيلول) 1991 في مدينة توريت حيث أكدت الحركة أن الاستقلال وحق تقرير المصير نتيجتان محتملتان إذا تقرر الوصول إلى سودان علماني ديمقراطي موحد وصدر بعده «إعلان توريت» الذي ورد فيه حق تقرير المصير لأول مرة كخيار ضمن خيارات الحركة الشعبية التي ظلت تعلن أنها تحارب من أجل الوحدة وترفض الانفصال.

    3- يناير (كانون الثاني) 1992 وقعت وثيقة فرانكفورت الألمانية بين حكومة الإنقاذ التي يمثلها في المفاوضات الدكتور علي الحاج محمد، والدكتور لام أكول الذي يمثل الحركة الشعبية، وهي الوثيقة التي اعترفت فيها ولأول مرة حكومة سودانية بحق تقرير المصير.

    4- اجتمعت مجموعة من المثقفين الجنوبيين منهم بونا ملوال وفرانسيس دينق وغوردن مورتان وبيتر نيوت كوك في مدينة ادنبرا في آيرلندا لمناقشة الوضع في السودان وصدر «إعلان ادنبرا» الذي حدد 3 خيارات: الفيدرالية والكونفيدرالية والانفصال، على أن يتم الحسم بين هذه الخيارات عن طريق استفتاء الجنوبيين لكي يحددوا الخيار الأفضل بالنسبة لهم.

    5- تحدد شعار تقرير المصير للجنوب بصورة أكثر وضوحا لدى الحركة الشعبية في ندوة واشنطن في أكتوبر (تشرين الأول) 1992 في محاولة لاحتواء الآثار الناجمة عن انشقاق الدكتور رياك مشار والدكتور لام أكول، وقد أكدت الحركة الشعبية في هذه الندوة معارضة حكومة الجبهة الإسلامية في الخرطوم وأية حكومة قادمة لا تحترم حق شعب الجنوب وجبال النوبة والمناطق المهمشة في تقرير المصير.

    6- طلب الرئيس عمر البشير في أكتوبر (تشرين الأول) 1993 من قمة «إيقاد» أن تتدخل لحل المشكلة السودانية.

    7- شكلت لجنة دائمة للسلام في السودان في سبتمبر (أيلول) 1993 تكونت من رؤساء دول كينيا وأوغندا وإريتريا وإثيوبيا ودعت الحكومة والحركة الشعبية إلى أول لقاء بينهما تحت مظلة «إيقاد» في مارس (آذار) 1994 ثم في مايو (أيار) 1994 في نيروبي وهي الجولة التي شهدت إعلان منظمة «إيقاد» عن تصورها في شأن حل النزاع السوداني وعرف فيما بعد باسم إعلان المبادئ الذي أكد على أن كل الأطراف يجب أن تعطي الأولوية للمحافظة على وحدة السودان، والتأكيد على حق تقرير المصير على أساس الفيدرالية أو الحكم الذاتي لكل أهل المناطق المختلفة، فإذا تقرر الاتفاق على هذه المبادئ يكون للطرف المعني الخيار في تقرير المصير بما في ذلك الاستقلال عن طريق الاستفتاء.

    8- أعلن التجمع الديمقراطي المعارض في يونيو (حزيران) 1995 ما اشتهر بـ«مقررات القضايا المصيرية - أسمرة» وتم الاتفاق على المبادئ المتعلقة بإنهاء الحرب الأهلية في الجنوب، وقد أقرت المبادئ حق تقرير المصير كمدخل أساسي لإنهاء الحرب، ووافقت القوى السياسية الشمالية على حق تقرير المصير واعتبرته بندا أساسيا في مواثيقها، وذلك على الرغم من أن اتفاقية «الميرغني/ قرنق» في نوفمبر (تشرين الأول) 1988 تمسكت بوحدة السودان.

    9- وقعت الحكومة مع حركة استقلال جنوب السودان بقيادة الدكتور رياك مشار ومجموعة بحر الغزال بقيادة كاربينو كوانين على ميثاق السلام في أبريل (نيسان) 1996 واعتبر بمثابة إعلان مبادئ وتضمنت اتفاقية الخرطوم حق تقرير المصير لمواطني جنوب السودان.

    10- طرحت مبادرة مشتركة من مصر وليبيا عام 1999 لإنهاء الحرب الأهلية في الجنوب ولكنها لم تتقدم.

    11- تبدلت السياسة الأميركية مع تعيين السناتور جون دانفورث كمبعوث رئاسي لواشنطن في السودان الأمر الذي تمخضت عنه اتفاقية جبال النوبة في يناير 2002 لتنطلق بعدها عملية التسوية في كينيا التي أحدثت اختراقا هائلا بتوقيع «اتفاق مشاكوس» الإطاري.

    12- نص الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه في مشاكوس في 20 يوليو (تموز) 2002 على منح حق تقرير المصير لجنوب السودان بعد مرحلة انتقالية قدرها 6 سنوات من خلال استفتاء تحت رقابة دولية، ونص الاتفاق الإطاري أيضا على اتفاق الطرفين على العمل سويا على إعطاء الأولوية للوحدة وجعلها جاذبة لأهل جنوب السودان.

    13- وفي 9 يناير 2005 وقعت اتفاقية السلام الشامل في نيروبي وبحضور سوداني وإقليمي ودولي، التي أعطت الحركة الشعبية إدارة الجنوب بالكامل والمشاركة في الحكم الاتحادي وفي ولايات السودان، وفي السودان كافة والمجالات الأخرى.

    * الانتخابات العامة والاستعداد للاستفتاء على الرغم من أن اتفاقية السلام الشامل والدستور نصا على إجراء الانتخابات العامة لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب ورؤساء حكومات الولايات الـ«25» في الشمال والجنوب إلى جانب البرلمان الاتحادي وبرلمانات الولايات في منتصف الفترة الانتقالية، أي في عام 2008، فإنها تأخرت إلى أبريل 2010، وبدا وكأن الأحزاب السياسية، خاصة المعارضة، فوجئت بالتوقيت وفوجئت بقيام المفوضية برئاسة قانونية وشخصية ويصعب الطعن في نزاهتها وكفاءتها ونائب رئيس الجمهورية السابق ورئيس أول حكمة للجنوب القانوني ابيل الير، وبجداول التعداد والتسجيل ومراكز الاقتراع وبالتصويت وموعد إعلان النتائج، وبحضور مكثف لمراقبين من أنحاء العالم كافة، وظهرت النتائج التي أعادت المؤتمر الوطني والحركة الشعبية إلى صدارة الحكم مرة أخرى.

    ولفت الانتباه هذا الحراك الكثيف والنشاط السياسي الواسع في مناطق السودان كافة وبوجه خاص في الجنوب، وأن القوى السياسية شمالية وجنوبية أغفلت أو تغافلت عن أهم خطوة لاحقة تتمثل في إجراء الاستفتاء وتقرير المصير لأهل الجنوب بعد أقل من 7 أشهر من إعلان نتائج الانتخابات العامة، أي في مطلع يناير 2011.

    وجاء التساؤل الطبيعي من مراقبين ومحللين: أين الحديث عن الوحدة والانفصال في البرامج الانتخابية وهو، أي الاستفتاء، يمثل الحدث الأكبر والأخطر والاهم في تاريخ السودان الحديث، وعلى الرغم من ذلك فهو لا يشكل رؤية ولا دفعة ولا طرحا في أجندة الحملات الانتخابية للأحزاب المتنافسة في الانتخابات علما بأن الأحزاب الشمالية كافة حرصت على أحاديث مفادها التزامها باحترام خيار الجنوبيين وكل الأحزاب الجنوبية تشير إلى أن المواطن الجنوبي وحده هو الذي يقرر عبر صندوق الاقتراع خيار الوحدة أو الانفصال. لم يطرح أي من الأحزاب سواء كان مع الوحدة أو مع الانفصال المزايا المتوافرة في كل خيار وما هي المخاطر أو المهددات التي تنجم عن الانفصال على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدولي، خاصة أن الحديث عن الانفصال بات مشروعا وإلى حد أن قيادات الحركة الشعبية بمن فيهم الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم شدد على القول بأن قطار الانفصال يمضي نحو خطه المرسوم ومحطته الحتمية.

    * الوحدة لا تعني تقليص مكاسب الجنوبيين:

    ربما تجدر الإشارة إلى أن الرئيس عمر البشير حرص في جولاته على أقاليم وولايات السودان، وبوجه خاص في الجنوب على دعوة مواطني الجنوب للعمل من أجل جعل الوحدة الخيار الأفضل في استفتاء يناير 2011 وأن السلام الذي تحقق في الجنوب سيسهم في توفير الخدمات الأساسية والحيوية والضرورية لكافة المواطنين بكافة المناطق، وأن وحدة الجنوب والشمال لا تعني تقليص مكاسب الجنوبيين.

    * ما المخرج؟

    وفي حين تداخلت الأصوات والرؤى والأفكار في مراكز البحوث وفي الجامعات وفي الندوات، فقد استبان بوضوح أن صوت الانفصال من جانب قادة الحركة الشعبية أصبح مرتفعا وأن مسيرات أخذت تنادي بالانفصال وأن البرلمان المنتخب يتحدث نوابه عن الانفصال وإمكانية اختصار الزمن بإعلانه من داخل البرلمان عوضا عن انتظار ترتيبات وإجراءات الاستفتاء.. وشدد مفكرون وأكاديميون على ضرورة فتح الحوار الشامل باعتباره يمثل المخرج الوحيد، وقاد هذا الاتجاه المفكر والمحلل السياسي محجوب محمد صالح في إطار دعوة رئيس الجمهورية عمر البشير لكافة القوى السياسية لمنتدى جامع ينعقد في هذه المرحلة التاريخية الحرجة والتحدي الكبير الذي يواجه السودان، حاضره ومستقبله، ويتعين تحديد أبعاد وأسباب الأزمة من دون قيود، ووضع المعالجات وآليات الإنقاذ وخريطة طريق متفق عليها للتمهيد لاستفتاء نزيه وحر يؤكد وحدة السودان طوعا وعن قناعة ولسحب البساط من تحت دعاوى الانفصال، «فإن هذا ليس بالأمر الصعب ولا المستحيل ويمثل التحدي الأكبر ورفض التعامل بالمناورات قصيرة الأجل أو المعالجات التجميلية التي لا تنفذ إلى جذور الأزمة».

    الخيار الثالث:

    مع اقتراب موعد الاستفتاء في 9 يناير 2011 وتكوين مفوضية الاستفتاء برئاسة رئيس البرلمان السابق والأكاديمي والقانوني البروفسور محمد إبراهيم خليل ظهرت دعوة لتمديد أو تأجيل موعد الاستفتاء من 9 يناير 2011 إلى 9 يناير 2012 أي إلى سنة أخرى، ولكن ظهر ما يشبه الاستحالة لأن الدستور واتفاقية السلام ينصان على أجراء الاستفتاء قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية وأن من مسؤولية المفوضية ومع قصر الزمن المتبقي، أقل من خمسة أشهر، أن تمضي وتنفذ ترتيبات إجراء الاستفتاء. وفي هذا السياق، قال قانونيون ودستوريون إنه بإمكان الشريكين وهما يملكان الصلاحيات والأغلبية في البرلمان إجراء التعديلات الدستورية التي تجعل تأجيل الاستفتاء ممكنا لاستيفاء المطلوبات كافة بما فيها تحقيق التوعية والحشد الإيجابي لخيار الوحدة.

    ويقول المفكر والمحلل السياسي محجوب محمد صالح في ما يتعلق بطرح خيار ثالث بين الوحدة والانفصال: «اتفاقية السلام الشامل حددت لاستفتاء تقرير المصير خيارين لا ثالث لهما: إما الوحدة على أساس نظام الحكم الذي أنشأته اتفاقية السلام، أو انفصال الجنوب وقيام دولته المستقلة، وأي حديث عن وضع ثالث لا يمكن أن يتم إلا إذا عدلت الاتفاقية، وهو أمر مستحيل حسب الواقع السياسي اليوم ودرجة الاستقطاب الحاد السائدة.

    الحديث عن خيار ثالث تحت هذه الظروف يرسل إشارة بأن وحدة السودان أصبحت مطلبا ميؤوسا منه بحسبان أن الصوت الانفصالي في الجنوب هو الأعلى اليوم، وقد يكون الأمر كذلك، ولكن هذا لا يعني أن يتخلى دعاة الوحدة عن مواصلة جهودهم في سبيلها لأن الموجة الانفصالية الحالية موجة مندفعة بالعاطفة وليس بالعقل أو المنافع المشتركة، ولا بد أن يظل صوت العقل مرتفعا حتى اللحظة الأخيرة، بصرف النظر عن النتيجة المرتقبة حتى يتبصر المقترعون بخطأ وخطل اندفاعهم العاطفي.

    واستبعاد الاتفاقية لأي خيار ثالث عند الاستفتاء القادم لا يعني أن لا يتحاور الناس الآن حول هذا الخيار الثالث وأن يبحثوا إمكانية اللجوء إليه إذا ما صدر قرار بالانفصال وهذا يعني أن نلتزم الآن بإنفاذ الاستفتاء وفق ما نصت عليه الاتفاقية ثم ندير محادثات حول مآلات الأوضاع الدستورية بعد صدور القرار إذا كانت النتيجة وحدة أو انفصالا، لأننا نعتقد أنه حتى لو كان القرار في صالح وحدة السودان فلا بد من تغييرات جذرية تضمن أن تكون تلك الوحدة مستدامة وثابتة القواعد ولا يكون مصيرها مثل مصير النظام الوحدوي الذي أنشأته اتفاقية أديس أبابا. أما إذا كان القرار انفصالا، فإن المحادثات ينبغي أن تتواصل لتصل إلى رؤية مشتركة حول طبيعة العلاقة بين الدولتين الجارتين على أساس الإرث التاريخي المشترك والجوار الجغرافي الفاعل والمصالح والمنافع المشتركة والتمازج التاريخي على طول خط الحدود المشتركة بين البلدين.

    هذه العلاقة المتميزة بين البلدين في حالة الانفصال يمكن أن تعبر عن نفسها في شكل اتفاقات ثنائية أو علاقة تعاقدية أو كونفيدرالية تنشأ بموجب اتفاق دستوري بين دولتين صاحبتي سيادة في هذا الطرح تبنته جماعات سودانية كثيرة في مراحل سابقة وسانده الاتحاد الأفريقي في الخطاب الذي ألقاه رئيس جنوب أفريقيا السابق امبيكي في خطابه عند تدشين مفاوضات قضايا ما بعد الاستفتاء بل وكان قد شرحه بصورة مستفيضة إبان محادثات الشريكين في أديس أبابا الشهر الماضي.

    لا نريد أن نعبر الجسر قبل أن نصله، ولذلك فإننا سنتعامل مع الاستفتاء القادم وفق الخيارين المعتمدين وسنظل نرفع راية الوحدة وندافع عنها ونسعى لإقناع الناخب الجنوبي بها وبما تحققه له من المصالح، ولكننا على القدر نفسه سنهتم بقضايا ما بعد الاستفتاء إذا ما كانت النتيجة انفصالا وهذا هو ما يدفعنا لأن نطالب بأن يكون الحوار الذي تم تدشينه بالأمس حوارا قوميا يشارك فيه الجميع ويسهم بالأفكار والرؤى بالنسبة للقضايا المطروحة».

                  

10-22-2010, 11:34 PM

صلاح شكوكو
<aصلاح شكوكو
تاريخ التسجيل: 11-19-2005
مجموع المشاركات: 4484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أين أتت كلمة ( الإنفصال ) في قاموسنا السياسي ؟؟ (Re: صلاح شكوكو)

    معاوية الزبير
    Quote: صلاح ازيك
    ما عارف قصدك شنو من البوست دا
    لكن كلمة الانفصال (تقرير المصير) أول مرة تدخل القاموس السياسي السوداني
    كانت في اتفاق فرانكفورت بين علي الحاج و لام أكول عام 1992
    ثم تمسكت الحركة الشعبية بهذا الحق (الذي سربه -بخبث- الترابي) في إعلان أسمرا 1995


    الزول الجميل ( معاوية )
    عاطر الود
    قصدت أن أسوح في مكامن الكلمة وأحاول أن أجتر الظروف التي واكبت
    مولدها لتكون حالة وليست أشواقا ..
    ومشكور أخي معاوية على المعلومة المفيدة قطعا .. رغم أن هناك لقط حول
    تاريخ قبل ذلكم التاريخ بقليل جدا .. أحاول الوصول اليه.
    ولعل هناك من سيمد لنا يد العون ليجلي لنا هذه الجزئية :-
    Quote: عقدت الحركة الشعبية بقيادة الدكتور جون قرنق مؤتمرا في سبتمبر (أيلول) 1991 في مدينة توريت حيث أكدت الحركة أن الاستقلال وحق تقرير المصير نتيجتان محتملتان إذا تقرر الوصول إلى سودان علماني ديمقراطي موحد وصدر بعده «إعلان توريت» الذي ورد فيه حق تقرير المصير لأول مرة كخيار ضمن خيارات الحركة الشعبية التي ظلت تعلن أنها تحارب من أجل الوحدة وترفض الانفصال
    .

    لك شكري وكل تقديري
    مع الود

    ..

                  

10-23-2010, 00:00 AM

صلاح شكوكو
<aصلاح شكوكو
تاريخ التسجيل: 11-19-2005
مجموع المشاركات: 4484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من أين أتت كلمة ( الإنفصال ) في قاموسنا السياسي ؟؟ (Re: صلاح شكوكو)

    Quote: جون قرنق دمبيور رؤية لم تكتمل: من الوحدة إلى الانفصال .. بقلم: حسن احمد الحسن/ واشنطن
    السبت, 07 آب/أغسطس 2010 12:12


    طرحت حكومة جنوب السودان مسابقة للشعراء والفنانيين الجنوبيين لاختيار النشيد الوطني الجديد لدولة الجنوب المرتقبة مع اقتراب ساعة انفضاض السامر . الشعراء والأدباء الشماليون المنتمون للحركة الشعبية وحدهم سيكون قاسيا عليهم المشاركة في مثل هذه المسابقة التي تعبر عن هزيمة أحلامهم التي أشعلها الراحل جون قرنق بأطروحة " السودان الجديد " فبموت قرنق ماتت أحلام هؤلاء الأصدقاء وأصبح حالهم أشبه بحال أتباع رحيل الاستاذ محمود محمد طه بعد إعدامه مع اختلاف الظروف والملابسات حيث التشابه فقط يبدو في حالة الضياع والتقهقر . فتحول القتال من أجل الوحدة على تحفز من أجل الانفصال حيث طوى قادة الحركة شعاراتهم وراياتهم القديمة تحت ستار كثيف من المبررات إلى حيث تهزم الحركة شعاراتها القديمة وتحبسها بين أسوار دولة حبيسة. تعود بنا الذاكرة إلى تلك المروج الخضراء في ارض الحبشة قبل ان تزداد أوزان القادة الثوريين وتتضاءل أمامهم الرؤيا .
    فلاش باك
    في صيف مارس 1990 استضافت العاصمة الأثيوبية أديس أباأبا أول لقاء لمعظم أعضاء تجمع المعارضة الذين قدموا إلى العاصمة الأثيوبية مع الدكتور جون قرنق بعد أشهر من انقلاب الإنقاذ في منزل السيد دينق ألور. تم اللقاء خلال جلسة عشاء جمعت عددا من المعارضين بعد انتظام عمل المعارضة السياسية ضد النظام الانقلابي الجديد حيث لعب حزب الأمة بالتنسيق مع الحركة الشعبية في تلك الفترة دورا أساسيا في ترتيب اجتماع مجموعة من القيادات السياسية التي قدمت من القاهرة لتنظيم وتنسيق عمل المعارضة مع الحركة الشعبية .
    وهي النشاطات التي بدأت مباشرة بعد تشكيل التجمع الوطني الديمقراطي في الخارج ، وكان اللقاء في إطار استكمال الإجراءات المتعلقة بانضمام الحركة الشعبية للتجمع. سبق نظيم ذلك اللقاء لقاءات مكوكية بين لندن وطرابلس وأديس أبابا بين ممثلي حزب الأمة والحركة وبعد التوصل إلي خطوط عامة جاء التحضير للاجتماع الذي هيأ لعقد أول لقاء للمعارضة في أديس أبابا بمشاركة الحركة عام 1990 لمناقشة الصيغة المطروحة لتعديل ميثاق التجمع وتضمين ملاحظات الحركة للميثاق .

    في أحد اللقاءات التي جمعتنا بالدكتور قرنق في أديس ابابا تلك الأيام تحدث زعيم الحركة الشعبية بثقة وتفاؤل كبيرين حول رؤيته للتغيير المطلوب في السودان وقد كان حديثه لا يخلو من سخرية وطرفة في بعض الأحيان . تحدث عن التجربة السويسرية في الحكم باعتبارها مثالا يمكن أن يقوم في السودان وهي صيغة تحقق مشاركة جميع الأقاليم في الحكم على مستوي المركز . كما تناول رؤيته لمعارضة النظام على الصعيدين العسكري والسياسي وضرورة تنظيم مساهمة القوي السياسية في ذلك المشوار والتوحد من أجل سودان قوي موحد .
    والحقيقة أن قرنق يتمتع بشخصية كاريزمية وثقافة عالية وتعمق في دراسة التاريخ لاسيما التاريخ الاجتماعي وتاريخ الحضارة النيلية ومع تطور الأحداث تطورت صورة جون قرنق من كونه الزعيم الثوري الماركسي في الثمانينات إلى زعيم وطني في التسعينات يسعى إلى التحالفات مع القوى السياسية في الشمال والجنوب، فيبدو تارة اقرب إلي المفكر والمنظر وتارة أخرى إلي السياسي اللبرالي المناور البارع ، وثالثة إلي سياسي يسعي إلي تطويع خصومه من الحلفاء بإثارة التناقضات مستفيدا من بريقه الإقليمي والدولي الذي بدأ في الظهور تلك الأيام لاسيما بعد تحالفه مع الدوائر المسيحية في الغرب .

    يقول بيتر موسزينسكي، وهو متخصص في تغطية أخبار الحرب الأهلية السودانية لعدة سنوات، إن من الصعب إقامة علاقة شخصية مع هذا الرجل: يقصد جون قرنق ويقول "لديه مظهر بارد، يعطيك الانطباع أنه فوق الآخرين."
    ويصف جيل لاسك نائب رئيس تحرير أفريكا كونفيدينشيال والمتخصص في الشؤون السودانية قرنق بأنه رجل فخور، ويقول إنه "رجل ذو كاريزما وقدراته القيادية واضحة." "هو رجل عسكري محترف. رجل يؤمن بأنه ماهر."
    يري الدكتور جون قرنق في نفسه مخلصا ليس للجنوب فحسب وانما لكل أؤلئك الذين يعتقد أنهم ضحايا لهيمنة الثقافة العربية الإسلامية التي لم تحترم ثقافات الآخرين وقد لعبت ظروف وعوامل كثيرة دورا أساسيا في تشكيل هذه الشخصية التي لعبت دورا دراميا في بداياتها وانتهي دورها أيضا بطريقة درامية في حادث تحطم طائرة بطريقة مأساوية . وكما سبق فالقرب من شخصية العقيد قرنق يعطيك الفرصة لاكتشاف أنه قارئ جيد لتاريخ السودان ، راجح العقل تسري فيه روح الدعابة والإدراك لأبعاد الشخصية السودانية للمواطن الشمالي، وهي معرفة تراكمت مع سني تواصله مع جميع أطياف وقطاعات المجتمع السوداني التي كانت ممثلة في التجمع الوطني سياسيا واجتماعيا . ويزخر خطابه بالنوادر والأمثال الشعبية السودانية .

    في تلك الفترة التي اتسمت بالشفافية الوطنية كانت النظرة للسودان واعدة بالمستقبل العادل لجميع أبناءه دون تمييز. كما شكلت تلك الفترة من عمل المعارضة التي امتدت لعقد من السنوات فرصة حقيقية للتعارف السياسي بين جميع القوي السياسية في الشمال والجنوب ومن خلال التعارف صححت العديد من المفاهيم الخاطئة المتبادلة .
    ورغم قصر المدة التي التئم فيها شمل المعارضة الجنوبية والشمالية إلا ان تحولات هامة حدثت على شخصية زعيم الحركة وعلى فكره حيث أصبح ينادي بأطروحة السودان الجديد او الوحدة على أسس جديدة دون ان يكون مطلب الانفصال حاضرا كما أنه قام بدور اساسي في كبح جماح الانفصاليين في الحركة الذين كان من اهم أعلامهم الدكتور رياك مشار والدكتور لام أكول وهو مادعاهما في نهاية المطاف للاصطدام والمواجهة العسكرية مع د قرنق وتياره الرئيسي في الحركة .
    من الوحدة إلى الانفصال
    ففي صيف عام 1991 وبينما كانت العمليات العسكرية تحتدم في الجنوب مخلفة أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى في صفوف الجانبين قامت إحدى المجموعات التي انشقت علي الحركة بإعلان ما عرف " ببيان الناصر" بقيادة د رياك مشار ود لام أكول وذلك في أغسطس عام 1991 حيث رفعت جماعة الناصر شعار الانفصال فيما أبدت الحكومة آنذاك موافقتها و استعدادها لبحث تفاصيل مطلب الانفصاليين في مجموعة الناصر. وبالطبع كانت الحكومة تهدف من وراء ذلك إلي إحداث مزيد من الانشقاقات داخل الحركة وإضعافها دون أن تدرك أو أن يدرك مهندس مفاوضاتها آنذاك علي الحاج إن الموافقة المتعجلة علي مطلب الانفصال ربما تغري مجموعات أخري لإعلاء صوتها بالمطالبة بتقرير المصير وقد كان الأمر حتي تلك المرحلة لا يعدو المطالبة بفيدرالية ذات صلاحيات موسعة .
    نجحت الحكومة باستجابتها السريعة لحوار الانفصاليين في وضع خصمها الرئيسي " الحركة " في موقع يبدو الأقل دفاعا عن مطالب الجنوبيين حيث تطرح الحركة شعار الوحدة والتحرير للسودان كله وليس الجنوب فقط وحل مشكلة الجنوب في إطار قضية السودان المركزية وليس كجزء منعزل .
    أسهمت سياسات الحكومة في تلك الفترة وإطلاق يد الدكتور علي الحاج في التعامل مع الملف الجنوبي في تعزيز مطلب الانفصال رغم أن هدف الحكومة كان إحداث انقسامات داخل جسم الحركة واختراق الحركة بعمل
    داخلي لإقناع قياداتها بالتفاوض معها والسعي لمساومة مجموعة الناصر من ناحية أخرى وكسب الوقت للإعداد لمواجهات فاصلة مع الحركة في ظروف بدت فيها الحرب تأخذ طابعا دينيا واقصائيا لكن الحكومة لم تكن تحسب أن التطورات ربما تقود إلي نتائج غير التي تريدها بحيث يصبح تقرير المصير أمرا واقعا لا يمكن تجاهله .
    وبالفعل فقد أحدث إعلان الناصر ارتباكا كبيرا في صفوف الحركة مما دعا الدكتور جون قرنق الي الدعوة لعقد اجتماع هام لقادة الحركة في مدينة توريت لبحث تداعيات إعلان الناصر علي مسيرة الحركة في ظل وجود تأييد كبير للرأي العام الجنوبي لمطلب الانفصال . وتداول الاجتماع في كافة المعطيات علي الساحة الجنوبية وفي مستقبل علاقات الحركة مع حلفائها الشماليين إن هي أقدمت علي تبني خيار الانفصال لسحب البساط من تحت أرجل خصومها في مجموعة الناصر وحاولت الخروج بعد جدل دام لعدة أيام بين مناصري الانفصال ومناصري الوحدة إلي الخروج بحل وسط يخاطب مشاعر الجنوبيين ويعمل في نفس الوقت علي عدم إحراج شعارات وتحالفات الحركة وخطابها المعلن مع حلفائها الشماليين وذلك من خلال معالجة مطلب تقرير المصير بما لا يخل بالتزامات الحركة كفصيل داخل التجمع الوطني وأسفرت المداولات عن إصدار ما عرف "بإعلان توريت " والذي تمثل في تبني الحركة لثلاث خيارات محددة هي :
    أ الوحدة المشروطة
    ب الكونفيدرالية
    ج حق تقرير المصير.
    وعلى صعيد مجموعة الناصر وسيناريو مهندس العلاقات الجنوبية الدكتور علي الحاج قام الأخير بترتيب عقد اجتماع سري في مدينة فرانكفورت الألمانية مع وفد المنشقين عن الحركة بقيادة الدكتور لام أكول لمناقشة موضوع تقرير المصير والبحث في تفاصيله وبالطبع فقد أستخدم د علي الحاج كل مهاراته في إتمام التوصل إلي اتفاق مع مجموعة الناصر وإبرام اتفاق يتضمن تزويد الحكومة للمجموعة بأسلحة وذخائر علي أساس قبول الحكومة بحق تقرير المصير وقبول مبدأ الانفصال نهائيا فضلا عن التعاون في تحقيق ذلك لاسيما التنسيق الميداني بين قوات الحكومة وقوات مجموعة الناصر للإطباق علي قوات قرنق وتصفيتها .
    هذا البند من الاتفاق الذي يتضمن التعاون العسكري للإجهاز علي قوات الحركة والذي اعتبره عضوين في الوفد محاولة لإضعاف الجنوبيين بتزكية القتال بينهم دعاهما للاستقالة من المجموعة بصورة مسببة وهما القاضيان
    تيلار دينق ودينق تيل وقد أصدر القاضيان بيانا في فرانكفورت أشارا فيه الي أن د لام أكول قد حرص علي إخفاء كل تحركاته في ألمانيا عن أعضاء الوفد بما في ذلك اجتماعاته السرية مع الدكتور علي الحاج وأضاف القاضيان أن تعامل لام أكول بهذه الطريقة مع قضية الجنوبيين دفعهما للاستقالة من مجموعة الناصر وهما في غاية الأسف كان هذا البيان هو الذي نسف سرية المباحثات في فرانكفورت وفضح الاتفاق قبل أن يجف مداد التوقيع عليه .
    أما عن تفاصيل فحوي الاتفاق فقد نص على التزام مجموعة الناصر التعاون التام مع الحكومة مقابل قبول الحكومة لمبدأ الانفصال التام لجنوب السودان عن شماله وقيام دولة مستقلة في الجنوب وأن يظل ذلك مبنيا علي ترتيبات الفترة الانتقالية المتفق عليها وأن يكتفي بالتوقيع علي الاتفاق في تلك المرحلة تفاديا لأي حرج يمكن أن يسببه بالنسبة للحكومة داخليا إقليميا أو علي صعيد المعارضة في الخارج . وباستقالة القاضيين وكشف تفاصيل الاتفاق ما لبث أن دبت الانقسامات داخل
    مجموعة الناصر نفسها بعد أن تحولت المجموعة الي آلية في يد الحكومة حيث تم التنسيق بين الحكومة والمجموعة في هجوم قاداه علي مواقع حركة قرنق فدارت معارك ضارية راح فيها عدد كبير من الضحايا علي الجانبين الإ أن الفصيل الرئيس قد تمكن من إعادة السيطرة علي عدد من المواقع التي خسرها وأعاد تأمينها .
    وبفشل الهجوم في تحقيق أهدافه تجاهلت الحكومة اتفاقها مع مجموعة الناصر الذي وقعته في فرانكفورت مما حمل مجموعة الناصر كرد فعل علي ذلك التجاهل للقيام باقتحام مدينة ملكال التي تتواجد فيها القوات الحكومية وقال لام أكول الذي عبر عن ذلك في اطار ابتزاز للحكومة أن المجموعة المنشقة لاتزال عضوا في التجمع الوطني المعارض وكنا قد أشرنا سابقا أن الدكتور لام أكول هو الشخص الذي مثل الحركة في التوقيع علي انضمامها للتجمع في القاهرة عام 1990لممارسة مزيد من الضغط علي الحكومة التي تنكرت لالتزامها لهم .
    الآن
    بعد أكثر من عقدين أصبح الحديث عن الانفصال حديثا عاديا وطبيعيا رغم الكارثة التي سيخلفها حدث الانفصال المرتقب برغم إطلاق التصريحات التي تنم عن نوايا حسنة للجانبين في إطار مايمكن أن يطلق عليه "دبلوماسية الضعف المتبادل " لكن حتما سيكون هناك الوقت للجيل القادم لكي يتساءل عن الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها سلطة الإنقاذ حيال معالجتها لملف الجنوب طوال سنواتها والتي ستؤدي إلى حصاد التاسع من يناير العام القادم وبنفس القدر عن الأخطاء السياسية التي ارتكبتها القوى السياسية وهي تقدم التنازلات للحركة الشعبية طوال أيام المعارضة بغية تضييق الخناق على نظام الإنقاذ بكل الوسائل وبأي ثمن ومساهمة كلا الجانبين في تطوير آليات الانفصاليين وطموحاتهم التي ازدهرت مع ظهور مستجدات أخرى البترول ، استعداء المجتمع الدولي ، والتعثر السياسي الداخلي .

    http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_content&vi...7-17-18-17&Itemid=55
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de