بسم الله القاهر فوق عباده والصلاة وأزكى السلام على نبينا سيد المجاهدين وآله
إنتصار الحركة المهدية المجاهدة على أعتى جيش أعدته وزارة المستعمرات البريطانية في تاريخ عملياتها العسكرية على الأطلاق بقيادة هكس باشا في ضحوة الإثنين من شهر سبتمبر عام 1983م في وادي شيكان بإقليم كردفان بغرب السودان الأوسط ، جيش كونته الحكومة من فلول جيش عرابي المنهزم إذ جمعتهم قهرا من قراهم وقسرا لحرب مجهولة العواقب ، أعدته لسحق الثورة المهدية التي رفعت رايات التوحيد والإستعانة بالله على العدو الغاشم الذي طرق ديار المسلمين لأجل أطماع دنيوية توسعية فيما استعان العدو بعدده وعتاده الحربي الذي لم يسبق له مثيل وقبل ذلك ثقافته وخبراته العسكرية الطويله المتراكمة ، حتى سمى جيشه بالمربع الذهبي بأجنحته الأربعة ( الإنجليزية ، والتركية والمصرية فضلا عن العناصر المحلية المرغمة من الشايقية ) فسار هكس باشا مفتونا مزهوا بقوته قائلا : والله لو سقطت السماء لأسندناها بأسنة رماحنا ولو إهتزت الأرض لثبتناها بأقدامنا !!! بينما نفث الإمام العلامة التقي الورع الشريف الحسيب النسيب محمد أحمد المهدي رضي الله عنه الذي إجتهد في العبادة إجتهادا بليغا لم يعرف لغيره ( المنتسب لجزيرة الأشراف لبب بالشمالية ) نفث في ثواره نفس الإيمان بقوله لهم : إنّ من يتأخر لإصلاح نعله فقد فاته شرف المعركة . وراح مجاهدوه ينثرون آلاف المنشورات في طريق حملة هكس باشا التي إختارت الطريق الأقصر ( الدويم ، الرهد الأبيض ) بنحو 250 ميلا لوفرة المياه به ، وبرغم وجود القبائل الموالية للمهدي به ( الجوامعة والغديات ) وتم ّصرف النظر عن إقامة نقاط حماية ومدد خلف ظهر الحملة نزولا عن رأي القيادي المصري علاء الدين حتى لا تكون هذه النقاط لقمة سائقة في فم المجاهدين . ولكن هكس باشا جمع المنشورات من أيدي جنوده المنهكين الوجلين حتى لا تضرب معنوياتهم ويهزها المهدي يقوارع تحذيراته ورهبة النصرة الإلهية لجنوده ، وقد انضم بعض العرابيين لجيش المهدي بشكل فردي . فبينما كان هكس باشا مستندا على قوته العسكرية الكاسحة وسار مغامرا مفتونا بقوته نحو الأبيض في 27-9-1883م، كانت الجغرافيا أمامه حالكة الشدة فدون الأبيض وادي شيكان المنبسط الذي تحفه الغابات يمنة ويسرة وينتهي إلى غابة غزيرة تسد نهايته ، ومجاهدوا المهدي يتابعون الجيش متابعة الظل للشاخص ليل نهار يمطرونه بوابل الرصاص مما غنموه في المعارك السابقة التي كسبوها في جبال النبوبة بجنوب كردفان وغيرها ويقطعون عنهم المدد تماما ويقودونهم قودا شديدا إلى حتفهم من حيث لايدرون ، فينما يتبتل المجاهدون براتب الإمام المهدي الشهير بآيه القرانية الكثيرة والمنيرة و مناجاته الفخيمة كان الجنود الغربيون يحتسون الخمور ويجترئون بفعل عظائم الأمور بينما الجندي المصري المسلم المسكين غرر به بدعوى طاعة ولاة الأمور ووعدوه ببسط الخير وجر النفع لديار السودانيين وفي ركاب الفتح التركي علماء أزهريون وقضاه ألمعيون ، ولكن دفتردار إسماعيل باشا لم يأبه برؤية علماء السودان حين جردوا له ألسنة الحق في طي رسالة السلطان مسلّم ( سلطان دارفور وكردفان المسلم ) بقوله : إن كنا في بلادنا مسلمين وتابعين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ( نحو سبعمائة عام ) بالأمر والنهي في زمان السلاطين المتقدمين ( أي بسلطنة دارفور ) أنتم أهل بحر ونحن أهل بر وكل سلطان يحكم أهل بلده بما قال الله ..... أما انتم فغير مسئولين عن حكم ديار الغير ... ولا ظهر في زمن السلاطين العثمانيين من خاطبنا بهذا ..وكل راع ومسئول عن رعيته يوم القيامة ...أنتم غاصبين وظالمين وسايلين فجاز دفع السايل ، إن جيت بلادنا أنت سايل وظالم ونحن مظلومين وشهداء بين يدي الله تعالى . وقضي السلطان مسلّم أمام الغزاة كما قضت السلطنة السنارية في وسط البلاد بعد عز وأمجاد طويلة فأنشد شاعرها حزنا دفينا : آه على بلد الخيرات منشؤها أعني بذلك دار الفونج سنار فأوحشت بعد ذاك الإلف وارتحلت عنها بذلك الأماثل بدوانا وحضارا وصار عمرانها المحسون مندرسا يصيح بوم به في الليل صرارا بالمجد كانوا كرام الناس منقبة بسيرة كاملين الفضل أحرارا تبكي مساجد أهل العلم خامدة ترمي عليهم دموع العلم أقطارا تبكي مدارسهم تبكي مواطنهم تبكي القبائل بدوانا وحضارا
فلا غروا فقد إزدهرت في جنبات السلطنة العلوم و عمرت الجيوش وبلغ خيرها الحرمين فكسيت الكعبة ونصب الميزاب من الذهب الخالص – في زمن عجيب المانجلك – وسيرت للحجاز المحفات والزاد .. ولنعود للشيكان التي أوقرت ظهر الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ونكست تاجها . وقد أعد الإمام المهدي عليه السلام لجنود هكس باشا وجبة دسمة في وسط الوادي في غلس ذلك الصبح الجميل من ليلة الإثنين المواتي لليلة مولد المصطفى المبرور قصدا وتيمنا من المهدي الفطن ، وجبة هي كالقصة في حلق دهور المستعمرين بل كالجحيم ، فجهز المهدي لهم تكتيكا من وحي إلهام الله ونصرته بعد ان درب جيشه خارج الأبيض كما يلي :- - جاء التكتيك على إسترايجية مبناها أن لايدخل المهدي المعركة بأسلوب دفاعي لا يتناسب مع قدرات جيشه ولا طابعه الوثاب للنصر أو الشهادة والمتعطش للمجاهدة و الهجوم . على أن يقوم بوثبة قاصمة على جيش هكس في اللحظة المناسبة . - إختيار الزمان والمكان المناسب للمعركة فوقع اختياره على وادي شيكان ،فاسهمت الطبيعة في تهيئة المسرح لتلك الملحمة الكبرى . - مواجهة الجيش الغازي عبر ثلاث محاور كما يلي :- - المرحلة الأولى : تتابع طلائع من جيشه الحملة الغازية ليل نهار وتقوم بتدويخها بالرصاص حتى يترادف عليهم الرهق والسهر عبر مسيرتهم الطويلة على أرض قطع منها المدد خلفهم ( سياسة الأرض اليباب أو المحروقة ) . وحرمانهم من السيطرة على موارد المياه لكيلا تتخذ كمواقع دفاع طويل المدى . - المرحلة الثانية : إذا توسطت الحملة وادي شيكان ليلا وهي تعاني نقصا في المؤن مع السهر والرهق تمطرهم مجموعات من المجاهدين بالنار طوال الليل بقصف مركز لكسر روح المقاومة لدى الجنود وذلك بقيادة القائد المحنك حمدان أبو عنجة فلا تتركهم ينامون ولا يستريحون من عناء الرحلة ، ونفذت هذه الخطوة تنفيذا محكما . - المرحلة الثالثة : تخرج إليهم مجموعات إنتحارية من حفر تحت الأرض فتشتبك معهم إشتباكا خاطفا يهز صفوفهم فيظن الجيش الغازي أن هؤلاء هم حطب المعركة فينشغلون بهم . - ثم ّ تاتي الهجمة القاصمة ككماشة مفاجئة من مئات الألوف من المجاهدين من كل صوب التي فتكت بجيش هكس عن بكرة أبيه ويصير في ساعات محدودة أثرا بعد عين !!! وكانوا قد عجزوا عن استخدام السلاح المتفوق الذي بأيديهم بعد أن جاء الجيش مزودا بالمدافع المتنوعة والبنادق وحتى الصواريخ وبدعم لوجستي قوامه ألفين من الخدم و 550 لمن الجمال لحمل المؤن و500 من الخيالة و3800 من المشاة . جاءوا تحت قيادة بريطانية مصرية مشتركة لمصيرهم المحتوم وفشلهم التاريخي المشهور في ضحوة 5-10-1883م الدامية . فبينا صدمت الإمبراطورية البريطانية بالهزيمة الصاعقة السياسية قبل العسكرية ولم يبق لها خيار سوى الإستنجاد بقواتها من المستعمرات الأخرى أو بريطانيا نفسها وضرورة سرعة تغيير دبلوماسيتها وسياستها تجاه السودان بما يؤثر على علاقتها مع مصر في مثل هذا الجو الحرج ، بينما اتقدت جذوة الثورة المهدية وعلا صوتها وامتدت حتى بحر الغزال ودارفور وشرق السودان وكسب المهدي السلاح والعتاد مما ممكنه هذه المرة من إقامة جيش نظامي قوي وجاءته الوفود من العالم الخارجي مباركة من الحجاز والهند وتونس ومراكش وهلمجرا . وانفسح بذلك الطريق سريعا نحو حصار الخرطوم ثم فتحها . فماذا قال الغرب المتحير المندهش :- كان لسان حالهم المؤرخ العسكري زلفو حين كتب أسطره الشهيرة :- ( على مدار تاريخ الصراع البشري المسلح وحتى يومنا هذا ، لازال الصدام الهائل الذي احتدم على سهول كردفان ضحوة الإثنين من أواخر عام 1883م يبرز مثلا رائعا لإبداع الفن العسكري في مزج الخيال والتخطيط بواقع التنفيذ والتطبيق ، فاختار مسرح الإلتحام المثالي الذي فجر فيه المهدي طاقات جيشه ، والسرعة الخاطفة التي أزاح بها آلافا من الجنود المسلحين والمدربين ( تحت صيحات التهليل والتكبير ) من حيز الوجود . وذلك الختام الخرافي الشبيه بأساطير الأولين ،كل ذلك يدل دلالة لا شك فيها ولا جدال على أنه كان نتاجا لتخطيط دقيق محسوب بلغ قمته في ساعة توهج عقلي في أصيل يوم الأحد عقب مجلسه الحربي الأخير فتمخض عنه ذلك المخطط الفذ ).!!!! - فماذا يترى استفاد أهل السودان بل أهل القبلة أجمعين من دروس وآيات هذا النضال والجهاد الفريد الموشح بأسمى عرى الإيمان والصبر والمتدثر بأروع حمية للأوطان وغيرة على الإسلام شعارا ودثارا ؟ - ولا زال قائلنا يقول في كل الوسائط أننا نقاتل اليوم ( في أفغانستان والعراق وغزة وغيرها )عدوا لانراه ، يقصفنا من علو شاهق آلاف الأقدام بالطائرات بطيار وبدون طيار ؟ عدوا الفارق بيننا وبينه في ميزان القوة والقدرات لا يطاق !! - ولنا في شيكان وغيرها من مغازي السلف العظة والأسوة ، ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة .......) الآيات الكريمات . - مع قوتهم الإيمانية الهائلة قاتل مجاهدو المهدي بجبهة داخلية متماسكة غير منشقة في غالبها العام فكيف نقاتل أعداء الإسلام والعروبة وتحسبنا جميع وقلوبنا شتى . وما اسهل أن يخترق صفنا وتشترى ذممنا !
والسلام وصلاة ربي وسلامه على النبي الهاشمي درة الليالي والأيام وآله.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
الرشيد حسن خضر
Hussein Mallasi
Faris Mohamed
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست