|
في مديح الظل العالي ---- فاطمة أحمد إبراهيم
|
فاطمة القصب الأحمر
{ قبل حوالى القرن والنصف إفتتح كارل ماركس إنجيله المقدس (البيان الشيوعي) بجملته المشهورة (هناك شبح يحوم في أوروبا···) ويعني بأن الشيوعية وقتها كانت بعبعاً مخيفاً للقوى المترفة في أوروبا، واليوم بعد أن عبرت مياه، بل ودماء كثيرة من تحت الجسر فإن مقولة ماركس تتحول من مجاز الى حقيقة حرفية، فالشيوعية ماتت، ولكنها تحوم كشبح لأن بعض أنصارها يصرون على عدم مواراة الجثة·
ماتت الشيوعية لأن عظم ظهرها إنكسر، وعظم ظهرها كما قال لينين ديكتاتورية البروليتاريا، بمعني ان تؤول السلطة إلى الطبقة العاملة الصناعية، والديكتاتورية بحسب التصور الماركسى سلطة مطلقة خارج القانون ولا تحدها أية قواعد، وذلك نموذج للسلطة يعافه كل ديمقراطى، أينما طبق فرخ الطغاة أنصاف الآلهة ومآسي ومعاناة إنسانية - حوالى الـ 20 مليون ضحية في الاتحاد السوفيتى، و5 مليون قتيل في الصين، وحوالي نصف المليون في شرق اوروبا، وإبادة نصف الشعب في كمبوديا، إلى آخره من طواحين العنف والدم·· ثم إن الثورة العلمية التقنية جعلت من الطبقة العاملة الصناعية كنسبة من السكان لا تزيد عن 20% في أى مجتمع صناعى متقدم، وهكذا فإن ديكتاتورية البروليتاريا تنسحب من التداول كعملة سياسية موثوقة، ومكانها الطبيعى إما المتاحف أو ألبومات هواة جمع العملات التاريخية··· وإنّ مرآها اليوم لا يثير الفزع عند أي كان وإنما ذات المشاعر التي يثيرها الحنطور في عصرالفضاء!
{ لقد تجاوزت البشرية مفاهيم الماركسية المركزية، واذ ماتت الشيوعية فإنه يجب التذكير بأن صبوات الانسانية للعدالة الاجتماعية لم تنتظر ميلاد كارل ماركس، كانت قبل ماركس ومات ماركس وتظل هي حية لا تموت، لأنها بعض من خصائص الكائن الإنسانى الجوهرية، خاصية فى التطلع الدائم نحو الأفضل، ونحو المثال·· فالماركسية لم تعدُ سوى أنها إحدى تجارب تحقيق العدالة، والانسانية التقدمية لا تستقيل من التاريخ يأساً بضغط هزائمها، كما لا تعلن التوبة إحباطاً من اخفاقاتها، وإنما على العكس يتجدد إصرارها على المسير بالدروس والعظات والحكم·
{ ربما يستدعى موت الشيوعية صيوانات العزاء فى الماركسية، ولكنه قطعاً لا يستتبع الترحم علي طلب العدالة الاجتماعية، كما لا يعنى نصب المحاكم الجائرة، المحاكم التى تعتمد الحكمة المتأخرة، أو تلك التى تساوى بين الجلاد والضحية،، فلا يمكن المساواة بين السفاحين الطغاة في الاتحاد السوفيتى وشرق اوروبا - أولئك المنتفخون بالإدعاء وسحت الإمتيازات، وبين المناضلين لاجل العدالة فى العالم الثالث، هؤلاء الذين اختاروا الشيوعية كراية للكفاح - ربما عن جهل اوخطأ او بمحدودية فرص الإختيار حينها، ولكنهم ظلوا مخلصين فى انتمائهم لشعوبهم يقدمون لاجلها الواجب وأكثر، أثماناً باهظة وتضحيات عزيزة من أمانهم وحريتهم ومعاشهم، وربما حتي من أرواحهم··· أولئك وهؤلاء ليسوا سواء·
{ وفى السودان إنتمى للشيوعية أناس من بوابات شتى، جذب البعض من مترفى البلاد طابع الماركسية المادى فأختاروها تكأة وذريعة لحرية الأهواء والنزوات الشخصية، وآخرين كثيرين جذبتهم الروحية العامة والشعارات لأجل العدالة الاجتماعية، وفاطمة احمد ابراهيم على قمة هؤلاء، لم تأت للشيوعية من مواقع التأمل الفلسفي، ولا من مواقع التفسخ البرجوازي، وإنما من واقع ان الحزب الشيوعي ظل ومنذ طأطأة الوطنى الإتحادى للطائفية واستمر كذلك حتى كارثة 19 يوليو - الحزب الحقيقى الوحيد في البلاد، الأقرب لمصالح الشعب، والأكثر إحساساً بنبضه ومطالبه·· وفاطمة أحمد ابراهيم هي التي حلت باكراً التناقض الانفصامي بين الانتماء الحميم للشعب من جهة، وبين تبني الماركسية كأيديولوجية للتغيير بطابعها الفلسفي الخاطئ والمعادي لوجدان الشعب من جهة اخري·
فاطمة وحدها التي كانت قادرة علي تخطي ذلك الفصام بصورة حاسمة وجذرية، كانت قادرة علي ذلك بخصائصها الشخصية الفريدة: بتربيتها المعافاة السمحة، وبوجدانها الخير، وروحها المتسامي، وبانتمائها الصادق للمظلومين من أهل البلاد، بإرادتها الإستثنائية علي قهر الأهواء، وبمسلكيتها الطاهرة العفيفة، وهكذا اختارت فاطمة الشيوعية ليس كفكرة مستلفة غريبة، وإنما كتواصل حميم مع إرث سوداني راسخ، إرث الهمة في خدمة الخلق وطلب الحق، ومثل هذه الشيوعية أقوى من الموت·
{ فاطمة احمد ابراهيم رئيسة الإتحاد النسائي السوداني، ورئيسة الإتحاد النسائي العالمي، رمز تحرير المرأة السودانية، ورمز حركة تحرير المرأة المعافاة، فمرحباً بعودة فاطمة، عودتها لنساء السودان، وكمفخرة للشيوعيين، وللقوى الحديثة والديمقراطية، وللسودان· الحاج وراق عمود مسارب الضي جريدة الحرية -------------------------------------------- سلمت يداك يا أخي وليسلم قلمك فيصل
|
|
|
|
|
|