|
السُّخرية من النُّدُوب !
|
* السُّخرية من النُّدُوب ! شاذلى جعفر شقَّاق
انطوتْ على نفسِها ..على جوعِها ..على وليدِها الذى لم يشهدْ ميلادَ شهرٍ بعد ..ربَّتتْ على فِراشِ صبرِها الوثير ..حدَّقتْ فى السَّعَف المضفور بعنايةٍ فائقةٍ تحتها ، ثم انتشلها صريرُ الباب .. جاء زوجُها (الخزين) مُعفَّراً بطينِ الجروف الخصيب .. (مجرْتَقاً) بترابِ الأرضِ البِكْر ..كان قد حرث أرضَه و (كَمْتَرَها) أى أزال منها جذورَ الحشائش القديمة من نجيلة وسِعْدة ونحوها ..جوَّدها وهنْدَسَ أحواضَها ..نثر البذور(غير الفاسدة) وغمرها بالمياه .. هكذا أمضى (الخزين) يومَه الزراعىَّ الأوَّل ، أو ما يُعْرَف بـ (سدَّ البوغة) ، ثم عاد ألى منزله خالىَ الوفاضِ إلاَّ مِن عشَم وإيمان ويقين وبشاشةٍ بائنةٍ بينونةٍ كُبرى وصوتٍ مِمْراحٍ يكاد يبتلع صريرَ البابِ خلفه قائلاًً : - أبِشْرى بالخير آلمبروكة .. الخُدْرة والكدَّاد ولسان الطير مَرَقنْ تَبْ بعد ده !!! وأنا مثلى ومثل الكثيرين انتظر – بفارغ الصَّبر – المنحة الشهريَّة البالغة مائة جُنيه لتسندَ الراتب القاصر عن بلوغ الحدَّ الأدنى من أبجديَّات المعاش ، بوصفى أحد الذين يقتاتون حياتَهم مِن خشاشِ القطاع الخاص ..السيد رئيس الجمهورية وضع إصبعه على موضع الألم حين أمر بصرْف هذه المنحة .. واللجنة الثلاثية (وزارة العمل واتحادى العمَّال وأصحاب العمل ) وسَمَتْ موضع ذلك الألم بالفَحَمة عندما أقرَّتْ ضرورةَ التطبيق واستعجلت مؤسَّسات وشركات القطاع الخاص للتنفيذ اعتباراً مِن إبريل ، بل قدَّمتْ الدعوةَ للعاملين - فى أىِّ جهةٍ لم تطبِّقْ عليهم الزيادة المقرَّرة - إلى مقابلة اللجنة الثلاثية وبلاغها بالأمر .. حَسَناً .. إذا لم تنفِّذ مؤسَّسةٌ ما هذا القرار ، كما لم يُلَبِّ عاملوها دعوةََ اللجنة فى التبليغ عن عدم التنفيذ ؛ هل يعنى هذا تقصيراً مِن لدُنِّ العاملين أم تبرئة ذمَّة اللجنة أم صكَّ غفران للمؤسَّسة وإنْ غرقتْ حتى أُذْنَيْها فى بِرْكة التجنِّى على عامليها وتجاهل مصادر القرار ؟!! رُغْم ذلك انتظرنا إبريل .. غير أنَّ إبريل ولَّى ، ومايو انتصف ولا زالت (الفليتة) تُراوغ تحت الجِلْد بين الكَتِفين والمحاجمُ تتعثَّر فى الطريق !!ولكنَّ السؤال هو : أيُمكن لمائة جُنيهٍ -لا تُسمن ولا تُغنى مِن جوع – أنْ تسدَّ الفجوة الواسعة بين المرتَّبات المسكينة وأسعار السلع الضروريَّة الضارية والمفترسة ؟! ربَّما أجاب على هذا السؤال كاراكتير فى صحيفة الانتباهة عن المرتَّب يقول : (دخل القَشْ وما قال كَشْ )! ..ربَّما قال قائلٌ : (كل زول فى همَّو إلاَّ جحا وعمَّو )! أو (الناس فى شنو وانت فى شنو؟) فما يدور فى الساحة السياسية وما يعترك فى عرصاتها مِن سعيرٍ ؛ حَرىٌّ به أنْ يجعلك ترمى البلحةَ لا نواتَها من بين شفتيك لتُلقى بنفسك فى أوار اللاهثين !..أو ربَّما استعار أحدُهم قول الشاعر :(يا زول أقيف ..القصَّة ما قصَّة رغيف) !..أُمال إيه ؟ أو استعار فيلسوف :( ليس بالخُبز وحده يحيا الإنسان) ..أقول : ههْ !! كلُّ النُّدُوب القابعة على وجه التاريخ السياسى منذ أن خلق الله الأرضَ ومَن عليها ؛ لها أواصر قُربى ورحم ، إنْ لم تكُنْ وشائج أُبُوَّة وأمومة وبُنُوَّة بقضايا المعاش ومتطلَّبات الحياة الرئيسة.. بل ربَّما حادت تداعياتها بكثيرٍ مِن الأنفُس السليمة عن جادَّة الطريق لتجعلها فريسةً سهلةً لهوام العمالة والخيانة وإن كان على سبيل الحقد والنكاية ! ..فما بالكم يا قومُ تتلكَّأون ؟ أم أنَّكم لا تشعرون ! أم قد حقَّ عليكم قول شكسبير على لسان روميو : (مَن لمْ يذُق طعمَ الجِراحِ ؛ يسخرْ مِن النُّدُوب ) !!
نُشر بالوفاق
|
|
|
|
|
|