|
قصَّةُ صيَّادٍأضاع أرنبَه !!!
|
قصَّةُ صيَّادأضاع أرنبَه !!!
شاذلى جعفر شقَّاق
جلس الصيَّادُ الماكرُ أرضاً تحت أيكةٍ وارفةِ الظلالِ وقد توسَّط شريكَيْهِ فى الصَّيد ، ثم قال بلُغةِ الشريك : (الآن سأفصلُ بيننا بالعدلِ
والقسطاس فانظرو ماذا أنا فاعلٌ فى قِسمةِ حصيلةِ صيدِنا المكوَّنة من ثلاثة أرانب ؟) ..تمهَّل جيداً .. تأمَّل الأعشابَ المشوَّهةَ حوله والنباتات
النازفة والشُجيرات المبتورة الأوصال ثم تنحْنَح قائلاً وهو يرفع الأرنب الأوَّل :
- أمَّا هذا ، فهو نصيبى أنا .
وأمَّا هذا ،، قال ،، وهو يُمسك بأُذنَىْ الأرنب الطويلتين :
- ( الـ بِطْراهو ، الله لا طِراهو ) !
ثم وضعه وراء ظهرِه مُلتصقاً بالأرنب الأوَّل .. لعقَ صاحبُنا شاربَه قبل أنْ يشطُرَ نِطاقَ نظرةٍ خاطفةٍ بين شريكَيْهِ ، ليشمِّرَ عن ساعدين قصيرين وهو
يقول :
- وهذا البدين فقد جعلتُه لكم (شُغُل بتاع خَتَفَىْ وخَتَفْتو منَّكم )!
قال الصيَّاد الماكر هذه العبارة سريعاً فى اللحظة التى قذف فيها بالأرنب الثالث أمام عينَيْهِ -فقط- لينقضَّ عليه فى سُرعة حارس مَرمَى !
قبل أنْ يُعلَن انفصال دولة جنوب السودان على المَلأ خَبراً على طريقة (لازم الفائدة )! أو قُل قبل تحصيل الحاصل بعد ليلةٍ أو ضُحاها لمصير
الجنوب ؛ لا بدَّ من وقفةٍ صغيرةٍ على تماس (كان) و(يكون) .. بدءاً : حق تقرير مصير شعب الجنوب – كما هو معلوم – الإبن الشرعى لاتفاقية
نيفاشه .. أمَّا خيار الانفصال الجاذب فهو إناءٌ ولغتْ فيه كثيرٌ من الشهوات ابتداءً مِن لدُنِّ الشريكين نفسيْهِما الذين أضافا معنىً جديداً
لقاموس الشراكة اللغوى وهو : مُناصبة الشِراك أو وإدمان العِراك !.. اللذين ما استطاعا أنْ يفوِّتا الفرصةَ على اليدِ الأجنبية الطُولى التى
لن تجلبَ للطرفين –إنْ عاجلاً أو آجلاً – سوى البلاء الساحق والماحق وإنْ فرحت الحركة الشعبية وضحكت عن آخر نواجذها بأبُوَّةِ هذه القِوى
بالوصاية أو التبنِّى !
فنيفاشا قد منحتْ الحركة الشعبية - مُسبَقاً - (الأرنب الأول) بإعطاءِها حق تقرير المصير الذى ينتج عنه انفصال؛ تذهب على ضوءِه عائداتُ
البترول جنوباً إلى غير رجعة ، مخلِّفةً وراءَها فراغاً اقتصاديَّاً عريضاً لم تملأه حكومةُ الشمال بالكلامِ حتى الآن ! .. حسناً .
ونيفاشا قد منحتْ الحركة الشعبية (الأرنب الثانى ) أيضاً حينما جعلتها تحكم الجنوب حُكماً مُطلَقاً وفى الوقت ذاته (عودها راكب) فى حكم
الشمال تحت بند اقتسام السلطة ! لا بأس .
ونيفاشا قد منحتْ الحركةَ الشعبية الوصفةَ السِّحْريَّة للاستيلاء على (الأرنب الثالث) فى اللحظة المناسبة مثلما يفعل أبطال المصارعة الحُرَّة
تماماً عندما يؤجِّلون صرْفَ بطولة النقود المصرفيَّة تحيُّناً للحظةِ ضعْفِ الخصْمِ المُنْهَك لمنافستِه على بطولة الاتِّحاد نفسها ! وأعنى بذلك قضيَّة
أبيى الموضوعة خنجراً صدِئاً على خاصرة الأمن بين الجنوب والشمال ، والمدعومة لصالح الجنوب بقرار المحكمة الدولية بلاهاى.. وإذا تسلَّلتْ
أبيى جنوباً أو شمالاً وَشَى بها الدُّخان !!
وبذلك يكون حصاد الإنقاذ – التى جاءتْ تكحِّل عينَ السودان فأعمَتْها – بعد أكثر مِن عشرين سنةٍ هو إنفصال ونزاع حدودى وبالتالى عدم أمن
واستقرار و (شيل حال) على ذمَّة التاريخ المُبرَّأة من التحامُلِ والتوطؤ ؛ باختصارٍ ميتة وخراب ديار !!
وذلك لأنَّ الإنقاذ – حكومة المؤتمر الوطنى الحالية - منذ ميلادها الأول يمَّمتْ وجهها شطرَ السُلطة المُباركة وقصورها الشاهقة ومطاياها
الفارهة ونعيمها الزائل لا محالة دونما ترشيدٍ أو تقليلٍ مِن البذخ الحكومى المتقشِّف ! .. فقد كان سعيُها محْضَ اشتهاءٍ لثدْىِ السلطة
الحلوب .. ما ضرَّهم إن كان به (حضاية) تجعله ضخماً مُنتفخاً ومتورِّماً كقربةٍ على متْنِ دابةٍ عرجاءَ فى فيافى الظمأ وصحارى الجوع والفقر
والعدم ؛ أو تدلَّتْ به غريزةُ الدَّرِّ والعطاء – ضرْعاً سخىَّ النوالِ أزلىَّ البذْلِ على قارعة السبيل السائبِ والدروب التائهة – لكُلِّ مَنْ يسمح لنفسِه
بالدُّنُوِّ والملاعقة !
وعندما يضيع الأثر على المؤتمر الوطنى فى قشِّ الدسائس وأحراش المؤامرات وأدغال الضغائن التى له فيها نصيب الأسد إقصاءً للآخر
واستعداءً آناء الليل وأطراف النهار .. عندما يضيع الأثر تحت أشلاء الظلال الواجفة والغصون الراعفة ؛ يجأر الوطنى .. يُرغى .. ربما ..أو
يُزبد .. ثم يلوذ بمواطنيه القانتين على الخصاصة والكفاف .. الصائمين على اليقين وإن كان بهم جزَعٌ مقيتٌ من أغوال الغلاءِ التى تهدِّد
حياتَهم التى فيها معاشُهم ! أيلوذُ المرءُ بالنصيرِ المَنْسى المتذيِّل قائمة الأولويَّات الذى طالما عزَّ عليه النصيرُ ردحاً من الزمان وهو يتلوَّى
تحت صخرة معاناته فى هجير الصيف المُزمن المستوطن المُقيم والمستمتع بحريَّاتِه الأربع أو اللامحدودة ؟! .. غير أنَّهم سيجمعون
أشُدَّهم ..ربما .. إنْ كان بهم رمَقٌ يؤمن بالوعود العرقوبيَّة لاحتمال الكلام القديم !!
ولكنَّ المؤتمر على أية حالٍ لن يترجَّل عن قمة الهرم إلى سفح اللاشئ إرضاءً لحكمةٍ أو إيماناً بمنطق .. حيث تلهج فوهاتُه الجوفاءُ
بالبقاء .. البقاءُ لى ..البقاءُ لى .. ولاشئَ غير البقاء ؛ حتى لو أدَّى ذلك إلى المجازفة بـ (حَماتى) ! ..وما (حَماتى) سوى دولة السودان
كاملة لا منقوصة ، التى زوَّجَتْنى فاتنتَها (السُلطة) والتى بدورها أرضعتْنى صباها الناهد وعشقها الفيَّاض ..ألبستْنى مِن هباتِها جُبَّةَ سُلطانٍ وعزٍّ
وجاه .. سُحقاً إذن !
وإذا ما انسلَّتْ الحكاية هكذا مِن تحت ظُفرِ الواقعِ المُعاش والمُعطيات المُبتَذلةٍ فى سوق الكلام أو مُحتجَزة فى مُستودعات الأفعال أو الأوهام –
لا سمح الله – فإنَّ رُواتَها سيزدردون لا محالة الغصَّة ، ومخرجيها ومُنتجيها ومشاهديها وأبطالها جميعاً ما عدا البطل الرئيس (الشَّعْب) الحاضر
الغائب ، الغائب الحاضر الذى لن تعترض حلْقَه غصَّةُ حكايةِ المسرحية ما دام قابعاً خلف الكواليس يُسدِّدُ فواتير الدخول الأرعن !
إنَّ لكلِّ غصَّةٍ قِصَّة ، وقصَّةُ هذه الغصَّة أنَّها مُرَّةٌ ولاذعة ؛ قِصَّةُ صيَّادٍ أضاع أرنَبَه !!!
|
|
|
|
|
|