|
########يس فارغة !
|
########يس فارغة ! شاذلي جعفر شقَّاق [email protected]
قبل إثني عشرَ عامٍ بدأ صديقي حياته العملية في رئاسةِ شركةٍ بتروليَّةٍ كُبرى ..ثم ضرَب بعد ذلك في أرض المليون ميل مرَّبع – يومئذٍ- من أقصي غربها إلى أقصى شرقها ومن شمالها الأوسط إلى جنوبها عندما كان جزءاً منها .. وها هو ذا يقف اليوم كوقفته الأولى أمام لائحةٍ تقف مسنودةً على حمَّالتَيْها إلى الوراء كإمرأةٍ حاملٍ في عام جدْب ! تحفُّ تلك اللائحة السوداء أعيُنٌ ملهوفةٌ ، وقلوبٌ واجفة ..وما بعد المائتين يقرأ صاحبي اسمه ضمن المفصولين عن العمل كفائض عمالةٍ أو تخفيض ..نسبةً لتدهور صحة الإنتاج بالمؤسَّسة المعنيَّة وفُقدانها المناعة الطبيعيَّة رُغم تقريظها إعلاميَّاً من قِبَل القائمين على أمرِها (على طريقة شكَّارتا دلاَّكتا ..عمَّتا وخالتا ) إذْ لم يعُد ذلك الفتْح الاقتصادي إلى جيب (محمد أحمد ) ولمْ ينعكس على (حلَّة) كلتوم .. وإن شئتَ الدِّقَّة ؛ فقُل (الخوَّاجة فلَّس ) وفقد المنطق ! ابتسم صاحبنا للمقسومِ وازدرد غصَّةَ آليَّةِ الإبعاد المُتوقَّع ونظريَّة الانتقاء المعهود ، كادت أنْ تسدُّ حلقه ..غير أنَّه بدَّدها بضحكةٍ مرحةٍ لا تفارقه حتى في أتعس المواقف ، ثم قال على طريقة العسكريين في إشارةٍ للانتهاء من حيث المُبتدأ : (نلخِّص ونقول الأرض دائريَّة )! ومثل هذه العودة الدائرية إلى المربَّع الأول تذكِّرني بدائريَّة فصول السنة أيَّاً كانت مناخية أو دراسية أو اقتصادية أو سياسية ، فجميعها تلتقي في نقطة البدء الأولى لا تحيد عنها قيْدَ أنمُلة في تكرارٍ ممجوجٍ وببغائيَّة محفوظةٍ عن ظهر قلب مثل (########يس ) ساقية جحا التي تغرف من البحر وتصبّ فيه مشفوعةً بخُوار التور الصبور وأنين (الصَّمَد) في ديمومة دورانه كدرويش هائم في حلقة مديح ..وبكاء (السَّنْدقيقة )المُفْعم بهسيس الشجن والتباريح ! فمثلاً عندما تتوحَّم السماء وتتدلَّى أثداء السُّحب الحُبلى مُعلنةً عن الخريف ؛ تُعلنُ محليِّاتنا جاهزيَّتها لاستقبالالفصل ؛ صحيَّاً وماديَّاً وذلك بفتح المجاري وتحوَّطات الحماية من (مدارك) السيل وهجمات بحر الدميرة غير المرتدَّة ! ولكن في أوَّل مغازلة (طَلٍّ) للأرض الشبقة ؛ تُغرق عاصمتنا الحضارية في شبر ماء ينبعث على إثْرِه نقيقُ الضفادع بعد مواتها الموقوت متناغماً مع طنين البعوض والذباب وأزيز العربات الوحِلة وأصداء المستغيثين من الغيْث في (مالطا) الغوْث !يحدث هذا سنوياً ونعلم نحن ويعلمون هم أنَّ المشهد ذاته سيتكرَّر في العام القادم للأحياء منَّا وإنْ تغيَّر أبطال المسرحية فالدور واحد ٌ لا يأتيه الخروج من النَّص من بين يديه ! وإذا ما أزِفتْ بداية العام الدراسي وتحسَّس الآباء جيوبهم الخاوية على عروشها لتوفير متطلَّبات أبناءهم الطلاَّب من الأأسواق الجهنميَّة الأسعار ؛ أعلنتْ وزارة التربية والتعليم جاهزيتها لانطلاقة عامٍ دراسيٍّ مُستقرٍّ إنشاء الله ..ولكن قبل أن تتلاشى ابتساماتُنا الحائرة نُطالع عبر قنوات الإعلام أخبار النقص الشديد في المعلمِّين في مدارس كذا وكذا .. أو عدم تأهيل بعض مباني المدارس وافتقارها لإمكانية إجلاس طلاّبها أو العجز في الكتاب ووسائل التدريس الأخرى ..هذا إذا لم تشتدّ الحرارة قيتم تأجيل افتتاح المدارس ! يحدث هذا سنويَّاً ونحن نجلس على (كنَب) المتابعة ، لا نجتاج إلى درس عصر مدفوع القيمة ولا ثمن الطباشور ولا مذاكرة مسائية بتكلفة الإضاءة فقط لا غير ..لا نحتاج إلى كلِّ ذلك لنستوعب درس التكرار الذي يعلِّم .....أنَّ هذا التمرين ستُعلِّق عليه الوزارة بكلمة (أَعِدْ) ذات السيناريو في العام القادم !!! أمَّا البشريات الاقتصادية التي تأتينا سنويَّاً - على طريقة (العرَّافات) وهُنَّ يُهنِّئنكَ مُسبقاً بالطرد القادم بالطائرة و(الشقارة) المحمولة على متن السفينة بعبارةِ (أجرُدْ خيرِك) – فحدِّث ولا حرج ! كلٌّ يطمئننا من موقعه ويبيعنا الأمانيَّ والخدر اللذيذ ، فأنت تسمع أنَّ خريفَ هذا العامِ مُباركٌ ومنسوبَ المياه جيِّدٌ والمحاصيلَ ناجحةٌ و .. و.. و لكنَّ الذُرة (الفيتريتة الواحدة دي ) الموسومة تحبُّباً بـ (أمْ بنين) والقمح والدُّخن ترتفع في السماء عزَّةً ومنعةً وتدلُّلاً وتمنُّعاً ، ونظل نطالعهنَّ من سفوحِ الخيبةِ كعقد الثُّريَّا أو بنات نعَش !! وأ،ت تسمع أيضاً الحديث عن الثروات المعدنية والذهب المكنون داخل الأرض الذي سينعش الأقتصاد ويدرّ الفرَج في ضروع البلد حتى تشفق على الخرَّد الحسان من عبء الذهب الذي يرسفن في أغلاله وهو يكبِّلُ سيقلنهنَّ الممتلئة وأزْنُدهنَّ اللائي لا (يحْتملن النَّدى ) ..وأ‘ناقهنَّ الطويلات المطوَّقات بالأحجار الكريمة ونحورهنَّ المزيَّنة بالحُلي والحُلل فوق صدورهنَّ( الشايلات تخا وشايلات رخَا .. شايلات بنات وبنين )! ولكن بعد أن تفيق – يا هداك الله – من غيبوبة بريق الذهب ولمعانه تحكُّ رأسك الأصلع وتهرش لحيتك البيضاء من غير سوء باحثاً عن فكرةٍ تجلب بها كيس رغيف وكمشة فو ل !! وأنت تسمع الوعود المنقولة من الأعوام الماضية بزيادة إنتاج البترول ليبلغ كذا في نهاية العام الحالي ، الأمر الذي ينتج عنه ضخّ الملة الأجنبية في أوردة المالية والتي بدورها ستنعكس على (قِدْرة ) الفول وطبق الكِسْرة وحلَّة المُلاح .. ولكن لاشئ من ذلك حدث أو يحدث منذ أن كان البترول يصبُّ في خزينة دولة واحدة ! ولكن قبل أن تكرِّر خام الوعد العبثي في مصفاة عقلك لمحاولة ايجاد تبريراتٍ مُتنازلةٍ عن مُكابرتها ؛ ترى أمامك طابور العربات المتكدِّسة أمام الطلمبة في انتظار الجازولين ،ولكنا نسمع من المسؤولين غير ما نرى بأنَّ الجازولين متوفِّرٌ جداً ! ومثل ذلك ما يحدث سنوياً في شهر (إبريل) شهر صيانة مصفاة الخرطوم السنوية من نُدرة الغاز وبالتالي مضاعفة سعر الأنبوبة ولكنَّك تسمع من أولي الأمر خلاف ما تدفع بأنَّ الغاز متوفِّرٌ جداً وأنَّ الزيادة مفتعلةٌ يا عزيزي المواطن ! ومثل هذه ال########يس كثيرٌ جداً لا تحصيها هذا الزاوية .. ولكن رغم تكرارها السنوي وبياتها كلٌّ في فصلها لا تعدو أن تكون نقطةً في خضمِّ بحرٍ شاسع متلاطم الأمواج ولكنه مع ذلك لا يأبى زيادة مياه الأمطار والسيول وإنْ غيَّرتْ لونَه وعكَّرتْ مزاجه فاختنقتْ أسماكه وخرجتْ تماسيحه تتشمَّس في العراء ! والساقية لسَّة مدوِّرة وأحمد ورا التيران يخُبْ !!!
الوفاق – اليوم الخميس 6/6/2013م
|
|
|
|
|
|