|
شرموط فى ضَهَر مَرْفعين !
|
ضَهَر المَرْفعين ! شاذلي جعفر شقَّاق [email protected]
كثيرٌ من المفردات تنتفض – فى زمانٍ ومكانٍ مُعيَّنَيْن – كالطير لمَّا بلَّل ريشَه القطْرُ لترنِّق وربما حلَّقتْ عبر كلِّ وسائل الإعلام بمختلف ألوانها محليَّاً وإقليمياً ودوليَّاً .. وممَّا أصابنا فى مَسْمَعٍ حدَّ الوقْر فى زماننا هذا كلمةُ (المفاوضات) التى تسلَّلتْ من خِدْرِها السياسى كما ولدتها أُمُّها لتضربَ فى كُلِّ اتِّجاهٍ لا تلوى على شئ ، حتى بات الرجلُ مِنَّا كلَّما خلع عُمامتَه ( على كيفِه) ؛ وجد شجرةً نبتتْ لتوِّها على رأسه الأصلع لتُقامَ على أرائك سجْسجِها الوارفِ مفاوضةٌ ما ! ربَّما تفرَّق أهلوها أيدى سبأ مُثيرين نقْعاً فى سماء المرتجى والمسعى الذى غالباً ما يعود (حانف وشيهو ) ! غير أنَّ الذى دفعنى لمفاوضة هذه الكلمة (المفاوضة) بلا زعل أو بى زعل هو نوع خاص من التفاوض بين صاحب العمل (أبو شنب) والأجير (أبو ضنب ) ، وهذا التفاوض يكاد يكون دوريَّاً إن لم يكن سنويَّاً بأجندته ذاتها ونتائجه نفسها وتوصياته ومآلاته عينها .. فقط باستبدال لون (الشنب) و (الضنب) فى كلِّ جولة تفاوضية بالتنسيق مع قسْم المراسم طبعاً !! لكن الذى لا خلاف عليه هو الشعار الموحَّد لكل الجولات بين الطرفين والقائل : (كأنَّنا يا عمرو لا رحنا ولا جئنا ) ! فى مثل هذه الأيام ذات التقلُّبات المناخية والمزاجات العكرة حتى يكاد اليوم الواحد (يخمش) من كلِّ فصلٍ حفنةً من طقوسه وربَّما مزَجَ رطوبةً ، بغيظٍ ، بسموم ٍ، بشمألٍ ، بهبباى لتنتجَ مارداً يبحث عن اسمٍ له فى قاموسنا المناخى فلا يجد ، ولكنه يتعملق كلما باضتْ الحيرة فى أفواه المنهزمين ليُعلِنَ عن نفسِه مُسمَّىً لا اسما ! فى مثل هذه الأيام من العام الماضى ، وقبل الماضى ، وما قبلهما جلس الطرفان داخل أروقة ذى خمس نجوم يطرحون مظالمهم و مطالبهم ذاتها بدءاً بالأجور وعدد ساعات العمل والعلاج و فوائد ما بعد الخدمة (المدغمسة ) وغيرها من الضرر والضرار الواقع على أُمِّ رأس الأجير الذى وصل مرحلة التهديد بالإضراب عن العمل – سابقاً- ثم تنفيذ الإضراب ، ثم الفصل الإدارى لبعض المُضْربين أو التفريق بينهم من خلال تنقَّلاتهم بين مواقع العمل المتباعدة .. وُضعت كلُّها على طاولة الحوار كما وضعت – قبلاً- أمام القضاء الذى حكمها أولاً لصالح الأجير ، ثم أيَّد هذا الحكم محكمة الاستئناف ..لتتبخَّر - بعد ذلك - كلُّ أحلام الغلابة عند المنعطف الأخير للقضية الذى حقَّقه جوادُ صاحب العمل بمهارة أو غير مهارة ، فالأمر سيَّان ! ولكنَّ السؤال الذى ينتصب هنا كوتد أرعن فى أرض جديبة هو : لماذا يفاوض صاحبُ العملِ الأجيرَ وقد قال القضاءُ قولتَه لصالح الأول ؟ هل لأنَّه يُحس أنّ للأجير حق مستلَب ينبغى أنْ يُرَدَّ إليه ؟ أم شفقةً ورحمة من لدنِّ الكبير على الصغير ؟ أم مجاراة للعبة المفاوضات المكرورة كأساطير الأوَّلين وأحاجى الحبّوبات فى مسرحيَّة هزلية مهترئة القِدَم تقدِّمها فرقة (الوعود العرقوبيَّة) على مسرح (التسويف الوطنى ) فى ضاحية اللامُبالاة حيث تملأ إعلاناتُها الأعمدة و الجدران أنْ هلمَّوا إلى مسرحية (الكـلـب ينبح والجمل ماشى ) ؟ أم هى محاولة لامتصاص حركة الواقع تماشباً مع الوضع العام بالتزامن مع نشوء بعض النتوءات لمظالم جديدة على أطراف الأجير اليابسة ربَّما جعلته يزحف زحفاً ؟ أم سعياً لاقتناص رأس الحية المتمثِّل فى لجان التفاوض من قِبَل الأجير منذ الانطلاقة الأولى وإلى يوم الناس هذا (لجان تجى ولجان تغور) ، فمنهم مَن قضى ومنهم مَن لا يزال يكابد الظلم ، ومنهم مَن خرج من تلك التجربة براغماتيَّاً واضعاً الخمسة فوق الإثنتين متمترساً خلف لا فتةٍ بائسة كُتب عليها (أضان الحامل طرشاء ) وهو يتبوَّأ وثيراً وخلف ظهره لوحة سريالية لماضٍ قارَعَ حتى استكان إلى مضارعٍ مؤلَّف القلب ، مُدجَّنٌ داخل إطار اللوحة الذاتى جداً ! وذلك بلا أدنى مقابل ..فقط مقابل الضمير ,,فهل هذا كثير ؟! ومنهم مَن عضَّ طرف جلبابه بالقواطع وأطلق ساقَيْهِ للريحِ فى (إرخاءِ سِرحانٍ وتقريبِ تَتْفُلِ ) مُبتعداً عن الشر لا ينتوى الغناء له أبداً ! بيد أنَّ منهم مَن امتشق غبينتَه ودخل الغابة (عديييل كده) ليأكل من خشاشِها أو يأكله خشاشُها !! كلُّ ذلك وساقِيةُ المفاوضات لم تتوقَّف .. فقط يتغيَّر لونُ (الشنب) و (الضنب) فى كلِّ جولة ..فقط يدخل صاحب العمل بـ (حمد) ويمرق بـ (خوجلى) وعلى رأسه تتقرفص عمامة ٌ كقلعةٍ حصينة تمدُّ زيلها ساخرةً من (قنابير ) الأجراء المطأطأة كأراجيز من عصرٍ سحيق .. وعلى الصدر وشاحٌ مطرَّزٌ بأحرف من نور ونارٍ تقول : (محْميّون إلاَّ من القضاء الربَّانى )!! والأمرُ – يا هداكم الله – فى غاية البساطة ، فإذا كان لهذا الأجير حق فأعطوه حقَّه قبل أنْ يجف عرقه ، واذكروا يوماً يحمل فيه المرْءُ أبراجاً شاهقةً على ظهره أو فِلل فاخرة أو مطايا مسوَّمةً فارهة أو مزارع شاسعةً وناضرة أن ْ (أنَّى لك هذا )؟.. يوم لا ينفع مالُ ولا بنون ولا سلطان إلاَّ من أتى الله بقلبٍ سليم .. واعلموا أنَّ الله قد حرَّم الظلمَ على نفسه ومن ثمَّ على عباده .. وأنَّ دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب .. أمَّا إذا لم يكن لهذا الأجير حقٌ فما الطائل من وراء هذا التكرار السمج المُمل المقيت الذى يُتلف الأعصاب ويفرِّخ الضغائن ويُثير شهوة الاتِّجار بالقضايا المشروعة لصالح (الأنا) البغيضة .. فلا يتوقَّف لعابَ الاستمراء السائل من فمِ الانتهازية المُثرَّم ، وفضلاً عن ذلك يُهدَرُ الوقتُ والمالُ والسخريةُ المُرَّة أيضاً لدرجة أن يقول أحدُ الأجراء الذين يتلصَّصون خارج قاعة المفاوضات ينتظرون الفرج الوشيك (الـ جاء وما وصل ) عقيب تمخُّض الطود العظيم ليلد فأراً صغيراً (أم سيسي ) ، يقول وهو يخلِّل لحية حسرة : (ما قلتَ ليكم انتو بتحلموا بى شرموط فوق ضهر مرفعين )!! و .. و الكلام ليك يا الـ منطِّط عينيكـ !
|
|
|
|
|
|