|
مقاطعة اللحوم !
|
** مقاطعة اللحوم ! شاذلى جعفر شقَّاق
لم يترك فى البيت شيئاً ، كما لم يجلب معه شيئاً كالعادة !غدا مُخلِّفاً لأهلِه العدمَ وراح خالى الوفاض إلاَّ من الخيبة .. ولكنه أرغى وأزبد ، وهاج وماج ، وشتم ولعن وهو يُمسك بتلابيب زوجته المسكينة : هذه هى المَرَّة المائة أدخل هذا البيت المنحوس ولم أجدْ ما يُسَدُّ به الرَّمَق .. أىُّ شؤمٍ هذا يا بومة الشقاء ..أىُّ فقرٍ ، أىُّ غباءٍ يا حُثالة النساء..ألم يفتح الله عليك بأىِّ إلهام لصُنْع مصيبةٍ نحشرها فى فمنـا ونُنزلها عبر حلقومنا بُجرعة ماءٍ إنْ وُجدتْ ، لنتكوَّم على هذا الحصير حتى الصباح ؟! ألا تدبِّرين أمرَكِ – يا امرأة- كسائر نساء هذه البلدة اللعينة ؟! .. قالت المسكينةُ وسْطَ شهقاتِها المتشنِّجة وحشرجة روحِها : ألا تصدِّقنى ؟ قلتُ لك لا يوجَد شئٌ .. والله العظيم لا توجَد ذَرَّةُ دقيقٍ واحدة فى هذا البيت !! ..قال صاحبُنـا مُنتفخاً مثل ديك بلدى : (يدقِّق عضامِك ويضرِّيها .. كِسْرة بى مويه مالها ؟ غالْبِك تسوِى لينا كِسْرة بى مويه )؟! مِن عجائب ما قيل فى أيامنا هذه أنَّ بنداً عظيماً – والعظمةُ لله – تُطلقه كتيبة المجاهدين يطلب من الشعب السودانى (الفَضَل) مُقاطعةَ اللحوم مكافحةً لغلاء أسعارها ..فتأمَّل ! هذا الأمرُ – عندنا- إمَّا أنْ يكون مُزاحاً أو حماساً زائداً عن الحاجة !.. لأنَّنا – يا سادتى – نعلم وأنتم تعلمون أنَّ اللحومَ هى مَن قاطعتْنـا – لا نحن- منذ حين .. وهى الآن تتمترس خلف ثلاثين جُنيهاً للكيلو الواحد ..! فمن هذا المنطلق نستبعد المُزاحَ عن هذا السياق لنرجِّح الخيار الآخر !كما لا نملك إلاَّ أنْ نستدين من حماسكم ونُعلن مقاطعتنا ومفاصلتنا فى رابعة نهار رمضان للسُكَّر المُدلَّل أيضاً ..وكُلُّنا ثقةٌ فى أنَّكم لن تستعجلوا استرداد الدَّيْن ، خصوصاً وأننا لم نيأس بعدُ من مائة جُنيهٍ تُضاف على دخل العاملين فى القطاعين (العام والخاص) كان قد وجَّه بها السيد رئيس الجمهوريَّة منذ إبريل المنصرم ! فمصطفى كامل قال لنا قبلاً : (لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة) ! ..كما نطلِّقُ أيضاً كافة وسائل رفاهيتنا الكائنة فى سويداء أحلامنا طلاقاً بائناً بينونةً كُبرى من أمثال : الرغيف والزيت والصابون والطماطم ..الخ بل نُعلن – يا هداكم الله – بكامل قوانا العقليَّة قطيعتنا لعصب الحياة ؛ الماء الزُلال وغير الزلال فى ظلِّ زُهدنا وتقشُّفنا ، فنحن أصلاً صائمون ! كلُّ ذلك إيماناً منَّا بقيمة أنْ تبقوا – يا ولاة أمرِنا – على سنامِ سُلطتكم ويسود فكرُ وجودِكم ..نحن قد تدرَّبنا تلقائياً – دونما وصايةٍ أو توصية – على شظف العيش والغلاء الطاحن .. قد تزوَّدنا بأحزمة شدِّ البطون المُضادة للجوع ..وهيَّأنا أمعاءَنا لأكل وصفة الكسرة بلا دقيق ! فمن السهل علينا جدّاً الطبخ بلا لحوم !!وإدخال أيادينا فى جُرَّة جعجعتنا لنلحسَ أكواعنا أجمعون !! أيتها الكتيبةُ المجاهدة نحمد لك حماسَكِ العالى ومعنويَّاتك التى تغازل صفحة السماء .. هلاَّ تفضَّلتِ مباشرةً لإعلانِ الجهادِ الأكبر (جهاد النفس) تضامناً مع مفوضيَّة الفساد الرئاسيَّة لتطهير النظام من الداخل ، أو بمعنى آخر إعلان الجهاد على الفساد إلى أنْ تحملى رأسَ الفقر على جوَّال خيش إلى الزوجة المطالبة بصنع (الكِسْرة بالمويه) وهى لا تملك ذَرَّةَ دقيق !! الآن استلّوا سيوفكم البتَّارة أيها الأشاوس ولا تأخذكم رحمةً ولا شفقة على هامةِ سُحْتٍ تخال أنها تبلغ الجبال طولا .. أو يدِ لصٍّ تمدَّد ساعدُها ، مهما ادَّعتْ من شرفٍ دنيوىٍّ زائفٍ وزائل ! ولا يثبطنَّ لكم هِمَّةً شانئٌ مغرض .. ولا يخذِّلكم مُقعَدٌ ومنافق .. بل سيروا فى هذا الطريق ولا تبالوا وقولوا لهم بكلِّ كبرياءٍ : (الحسوا كوعكم ) !!
** ُنُشر بالوفاق 13/8/2011م
|
|
|
|
|
|