|
مسرحيَّة الخِداع !
|
مسرحيَّة الخِداع ! *
شاذلى جعفر شقَّاق
بقدر ما كان (عبد القهَّار) مِزواجاً ؛ فقد كان متسلِّطاً جبَّاراً عِتيَّا ، يبطش بنسائه بطْشَ الموتور الحانق الغضوب ؛ يصفعهنَّ ، يركلهنَّ ، يخنقهنَّ ويخبطهنَّ بكُلِّ ما تقع عليه يدُه اللامُبالية ثم يبصق بعد ذلك كلمة (الطلاق) على شقيَّة الحال كأنَّه يتخلَّص من (سَفَّة) تمباك ترهَّلتْ داخل فمه المُتطاير سَبَّاً وقذْفاً وإهانة .. وهو مع كلِّ ذلك لم يرجع خائباً قط فى أىِّ غارةٍ من غارات زيجاته - التى يدخلها مُدجَّجاً بالمال والنفوذ والسُلطان على قريتِه والقُرى المجاورة – إلاَّ هذه المَرَّة ! فقط ؛ طلب إليه والد العروسة – الذى قنع مِن غنيمة الرفض الثمينة بإياب الوعود العُرقوبيَّة العجفاء – أن يقول لها قولاً ليَّناً وهيَّناً وأنْ يَعِدها – مجرَّد وعْد – بمعاملةٍ طيبةٍ وكريمة ! .. ارتجف خَدَّا (عبد القهَّار) واحمرَّتْ عيناه وتحسَّس خاصرتَه وشدَّ قبضتَه على عصا الخيزران لهذا الطَلَب الذى ينال من سطوتِه وهيبتِه ولكن ما باليد حيلة ؛ فقد كان حبُّه للعروسة الحسناء أكبر ، فها هو يقوم إليها وقد استبدل عباءتَه الخضراءَ العتيقةَ ببيضاءَ قشيبةٍ .. جلس على رُكبيتَيْهِ أمام العروسة ..هشَّ فى وجهِها .. رسم ابتسامتَه الصفراء .. ربَّت على كَتِفَىْ تمنُّعِها .. مضغ فى حضرتها بضعَ كلماتٍ ليستْ كالكلمات التى تجرى على لسانِه مَجرى العادة الرتيبة والتكرار المقيت والاستهلاك المُمِلِّ ؛ إنَّما كلمات تتقاطع ساخرةً مع لسانِه القديم ، متمرِّغةً بالنوايا والوعود الهشَّة .. وهو يعلم يقيناً أنَّ ماضيه القريب وحاضره الآنى إنما يقف سدَّاً منيعاً أمام ترَّهاتِه تلك ، ولكن( فقه المرحلة) يجعله ينحنى للعاصفة تحت جدار لِينِ الجانبِ السياسى الموقوت ليسوسَ مُهرتَه الجامحة ريثما يُحكم اللجامَ على شِدقَيْها فيركبها فى مضمار الرِّهان المضمون ، عفواً أردتُ أنْ أقول ريثما يفرغ المأذون من صيغة عقد النكاح قيزيِّلها بقوله : مبروك زواج مُبارك ..حينها سينتفض (عبد القهَّار) مثل الديك االبلدى وهو يلملم جناحَىْ عُباءتِه الخضراء العتيقة مرَّةً أُخرى ثم يصيح فى زوجته الغشيمة وسطَ زغاريد صُويْحباتِها : - هوووى آ مَرَه ، على الطلااااق تَلِفِّى شمال تَلِفِّى يمين ، تقومى تقُعْدى ، تفتحى خشْمِك تصمِّيهو ؛ إلاَّ البسطونة دى تاباك!! .. أنـا منو؟ أنـا (عبد القهَّار) الـ لا بِخاف ولا بِعاف !! (القيدومة) أعلاه كانت مقدِّمةً لطلب يد العروسة (السُّلطة) من ديناصورات التسلُّط التى لم تهزمْها السنون ولم تصدم شهيَّتها تُخْمةُ التغوُّل والفساد والعبث الإدارى ؛ الإرادى منه واللا إرادى ! ولم تمَل التمثيل على خشبة مسرحٍ عقيم لم يُنجبْ سوى مسرحيَّةٍ هزليّةٍ واحدةٍ اسمها (الخِداع) ..حفظها الجمهورُ عن ظهر قلب ، لدرجة أنَّه بات يقهقه حتى التبوُّل قبل أن ينكشف السِّتار ! ثم ترتفع الأكُفُّ فى الهواء ، وتنطلق الشِّفاه بالصفير ، والحناجر بالهُتاف الذى لن يأتى بلُقمة عيشٍ ولا جُرعة دواء ولا يفرِّج كُربةَ هيمان فى صحارى التشريد الوظيفى ولا يُقيل عثرةَ وحلان فى طين العطالة والبطالة اللازب ، ولا يهيب بإخصاءِ الرأى وإقصاءِ الآخر ..ولا يُعيد ملياراً واحداً من جوفِ تماسيح المال العام المتشمِّسة على جُزُر الحماية السُّلطويَّة ! فى برنامج (حتى تكنمل الصورة) عبر قناة النيل الأزرق سأل مقدِّم البرنامج الأستاذ الطاهر حسن التوم -فيما سأل- مُرَّشحَ المؤتمر الوطنى لرئاسة الجمهورية المُشير عمر البشير عن الفساد فى عهد الإنقاذ ولكنَّ السيِّد الرئيس طفق يعدِّد أنواع الفساد ؛ فساد الجريمة العادية ، فساد العقودات ، فساد المؤسّسات المُقنَّن وفساد الأجهزة الأمنية والعدلية المحمِى أو كما قال الرئيس !! وبذكر رئيسنا لأنواع الفساد ؛ انتهتْ الإجابة على السؤال المطروح ونحن لمَّا نزل فاتحين أفواهً كزغبِ أفراخٍ جائعة لتتمَّة الحديث ؛ فى انتظار بيت القصيد دون جدوى ، والغريب فى الأمر أنَّ المحاوِر نفسُه قد اكتفى بهذا القدر ! فنحن – يا سعادة الرئيس – لا نُريد تشريح الأمراض الى تفتك بجسد الاقتصاد الوطنى فى عهدكم فحسب ؛ إنما نُريد حديثكم عمَّا تمَّ فى سبيل تداركها مِن وصفات طبيَّة أيضاً !! لكى تكتمل الصورة ، أليس كذلك؟ ونحن – يا سعادة الرئيس – نُريد أنْ نُصحِّح درسَ البارحة قبل أنْ نُلقَّنَ درْساً جديداً !!
*نُشر بالوفاق
|
|
|
|
|
|