|
مزارعُ تسمينِ الكلام !
|
** مزارعُ تسمينِ الكلام ! شاذلى جعفر شقَّاق [email protected]
بعد أن سُفك دمُ الشمسِ وتفرَّق بين الظــلام ؛ جــاء محمد أحمد من مزرعته مخلِّفاً وراءه فروضاً لم تنقضِ ، وجداولَ لم يرعوِ خريرُها وغرســاً جديداً ينتظر نصيبَه من السُّقــيا .. ودَيْناً من الرَّهقِ المؤجَّل سينتظره عند بوابة الفجــر الجديد .. إنَّها بدايةُ المــوسم الزراعى (البوغة) ...وليس طعم (البوغة) كطعــم الحـــصاد ! كان محمدأحمد- فى ذلك الغروب - دهمةً تبحث عن أصدقاء النهار ؛ الواسوق - المنجل - الطورية - النجَّامــة ليدسَّهـا بين الحشائش و (التقانِت) و(الكركِّى) أمـانةً فى ذِمَّة الليل حتى الصباح ؛ وديعةً فى ضمــير الهمهمة والتحصين .. و لسان الفكر يتنحنح لإلقاءِ خطبة الأحزان .. همَّ أن يخاطب النهر ولكنَّ النهر فى شغل عن حاسة السمع ؛ لأنَّه يمارس الإصغاء نهــاراً ويرفع صوتَه ليلاً .. لتُنشِدَ الأمــواجُ أهــازيج السُّرى وأغنيات الرحيل .. قال وهــو يخلِّل لحيتَه : هــذا العــام الجائعُ أدخل رأسَه فى جُرَّتــى الخاوية ... من يحمل عنى تكلفةَ المــوسم الجــديد ..؟ هــذه الأرضُ الشَّبقة لا يهمهــا من أين آتيها بالبذرة و اللقــاح ونطفة الــوقود بقْدر ما يهمُّها الخــصب و النمـــاء ! آهٍ من أؤلئك الذين يسومونكَ جيبهم بحصادك ..وراحتهم بكدِّكَ وشبابهم بشيخوختك.. وربحهم بخسارتك .. وأضاف مبتسماً : - وأزاوجهم بزوجك !! فلو كانت المقاييس عدلاً لتبدَّلت الأدوار .. آه لو كان إبنى .... وعندما دخل البيت على مَطيَّة الجوع والرَّهَق والهمّ ؛ بادرته زوجه صائحةً : هيا الحاج الليلة ما شفتَ (صديق) وليدنا ! - - هو (صديق) جا ؟ لا ..لا .. عِلاَّ هدا لك .. وهدا لى مدحة فى الرادى ! ..- - مدحـــة ؟ - آ أىْ .. ديك يا المدحة المِى خَمَجْ !! قال بسخرية جائعة : - ملِّحــيها جيبيها .. ملّحيها جيبيهـا !!! لاشئَ أمرَّ من أنْ يصبح سقفُ أحلامِ المواطن – أينما كان- لقمةَ العيش ، فيخرُّ فرِحــاً إذا ما وجد إليها من سبيل ..فواقع الحال في بلادنا الغنيَّة الفقيرة ..السخيَّة الشحيحة في ظلِّ هذه الظروف المترديَّة اقتصاديَّاً ، والتي لا تُخطئها عينٌ مُكابرةٌ أو بها رمَدٌ ؛ يستوجب الوقوف عندها خشوعاً من لدنِّ أولي الأمر مِنَّا ..والوقوف الذي نعنيه بالطبع ليس الوقوف البروتوكولي على المنابر الذي يلهب حماس النفوس متجاوزاً البطون الخاوية على عروشها .. وليس الوقوف المبني على الوعود العرقوبيَّة أو التي صرخ في وجه (كافورِها) يوماً شاعرُ الشعراء أبو الطيِّب المتنبِّي بقولِه : ( أنا الغنيُّ وأموالي المواعيدُ) ليس الوقوف المعني هو قراءة كفِّ باطن الأرض من خلال الخُطط المستقبليَّة وايراد أرقامها التي لا تسمن ولا تُغني من جوع .. ولا هو المعلَّق على أجنحة سحابة ، اللهُ وحدُه هو مَن يعلم إنْ هي تُؤتي خراجَها أو تحشرْه في حوصلة ملفَّات المراجع العام أو تهيم به بين دفاتر المفوضيَّات أو اللجان التي تتناسل فيما بينها غير آبهةٍ بواقع المعاش اليومي لـ محمد أحمد الذي ما عاد في استطاعته عضّ الصبر بالنواجذ في زمان الإنجاز الكلامي ! وذلك – يا إخوة الإيمان – حتى لا يقول قائلٌ : ماذا أعددتَ لهم – سيِّدي- وهم ينتظرونك فاغري أفواههم كمداخل الأكواخ القديمة ؟ ليقول مُتخَماً : أعددتُ لهم خُطبةً مكتنزةً لحْماً وشحْماً من مزارعَ تسمين الكلام ! إنَّما المطلوب – يا هداكم الله – هو أنْ تقرأوا سورةَ( قريش ) بتدبُّر حتى تستطيع زوجةُ عمَّنــا محمد أحمد أنْ تُدبِّرَ (طرَقة كسرة ) وتملِّحها وتجيبها !!!! ** نُشر بالوفاق اليوم الخميس 17/5/2012م
|
|
|
|
|
|