تُسكرنى حتى الثمالة تلكم الأقلام التى تمزج الحبيبة بالوطن والقضية فى قارورة القصيدة السودانية المعتَّقة التى تخرج معبَّقة بشذى المفردات الرشيقة والمعانى الأنيقة والايحاءات العميقة فى ثوبها السودانى القشيب الذى يجمِّل جمالُه قوامَها الممشوق وشَعرها المعتوق وطلحها المحروق,فكلما تمر أمامى احدى هذه القصائد الفتَّانة أراها تلوِّح بكفها المخضوب تحت طرف ثوبها بمستقبلٍ آت وغدٍ مرقوب وهو ما يُسمَّى (بشعر البشارة). ومن هذه الأقلام الخضراء -مثلاً-الشاعر محمد الحسن سالم حميد وازهرى محمد على و مدنى النخلى و عاطف خيرى و..و..وكثيرين رائعين يسكبون ضوء البشريات فى عتمة الضجر ويربِّتون على أكتاف الكادحين الصابرين بأكُف الحلم المرتقب,ويلوِّحون بأغصان الغد المشرق من وراء الغيوب,ويتبرَّعون بمصل التفاؤل ضد اليأس والقنوط. فقد قراتُ حواراً صحافياً بصحيفة( المشاهد) قل عام تقريباًمع الشاعر الكبير محمد الحسن حميد يقول فى هذا الخصوص (السُلطة لا تخشى الشعر الهتافى لكنها تخشى الشعر البشارة ونحن مع بعضنا نظل نبشر وهى ليست بشارة كذب واشاعة فنحن نبشر ببشارة نعلم انها قادمة وهى التى سوف تسود)). ونرى ذلك جلياً فى اشعاره -أى حمّيد-مثلاَ فى قصيدته (قلت اندهك): يا بت فى ايام تنتهك حلم الغفارى وتسفهك شان انحيازك للغُبُش حبك ضراعه الماب يغش عشقك شعاعه الوين يخُش شايل بشارات الدغش لى أىِّ حتة بتشبهك واذا دخلنا رياض الشاعر الرائع ازهرى محمد على فهى حبلى بهذه الثمار اليانعة نرى مثلاً فى ديوانه (وضَّاحة) من قصيدته (بحبك بحر): معاى وغشيتك اسلِّم عليك اتكِّل قصادك هموم الحراز اطمِّن طيوف الخريف الوشيك ابشِّر دواخلك بوعد الرزاز ويواصل تبشيره بالزمن الآتى فى قصيدته(الخروج من بيت النمل) قائلاً: لكنك بتطلعى من حوافر الخوف تطلعى من حلم مهووس ومن فجة سفر طوَّل يسرِّبك الحنين فينى تعلنى عن زمن آتى تعلنى عن وطن أجمل ولكنك بتطلعى أمَّا اذا تأملنا اللوحات التشكيلية للشاعر المبدع عاطف خيرى نجد مثلاً: طمَّناك انو الدنيا بخشها ضو يجرح جلد العتمة دم الليل قربان فجرك يا بت يا نيل الى أن يقول: جُوّاىَ من جُوّاك غضب سلِّم مفاتيح السؤال جيل الشمس موكب حريق واقف على باب الدخول بيناتو بينات الوصول لحظة شهيق والامثلة كثيرة ولكن السؤال الذى يبحث عن بشارة هو من اى رحم يتمخَّض شعر البشارة هذا ومن اى حبلٍ سرى يستمد غذاءه ؟ومتى يتحقق حلمه على ارض الواقع طفلاً وضَّاح المحيَّا؟أم انه محض سلوى للنفوس الظامئة ومجرَّد مخدِّر للجرح الغائر فى عمق الوطن الحبيبة ,ام انه شعر يحتسى الواقع بكاس الغد ام ماذا؟؟؟؟؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة