|
لكِ الحبُّ كلُّهُ يا أُمِّى
|
* لكِ الحبُّ كلُّهُ يا أُمِّى شاذلى جعفر شقَّاق [email protected]
لم أكُن أملك غير إجابةٍ واحدةٍ عندما انتهرنى أستاذى يوماً وأنا فى بواكير دراستى الإبتدائيَّة : - مَن الذى كتب لك يا ولد ؟ فهذا خطٌّ لا يُحسنُ مثله طالبٌ فى الصفِّ الخامس !! ولذلك ستضحك أُمى كثيراً حين أُخبرُها وهى التى لم تدخل مدرسةً قط ! ولكنَّها الآن تستطيع أنْ تقرأ اسم المستشفى واسم الطبيب واختصاصه .. غير أنَّها وبنظرةٍ خاطفةٍ تقرأ دبيب آخر خلجةٍ فى أقصى بقاع نفْسِ وليدها ووحيدها الذى هو أنا ..نعم وليدها رُغْمِ أنْفِ الصلع الزاحف من لدنِّ خصلةٍ كانت تنام على الحاجبين إلى هزيع الشَّعْر الأخير أسفل الجمجمَّة ! كما تستطيع أنْ تلتقط عدستا فراسةِ أُمِّى أمشاجَ فكرةٍ تتخلَّق فى رحم عقلى أو ثرثرة روافد تنداح صوب أودية القصيد .. أو بارقة أملٍ تشقُّ عتمور الضباب ..أو عابرة ألمٍ تكتنفنا بفعلِ الحياة الطبيعى وغير الطبيعى !!وهى بعد كلِّ هذا التشخيص ، الطبيب المواسى ! بدءاً أرضعتنى درساً عظيماً فى التضحية التى لا تُبقى إلاَّ على شئٍ واحدٍ مهما كلَّف الأمر من مراراتٍ وصبرٍ مُضْنٍ .. وذلك عندما أشارت بسبَّابتها للمرَّة الثالثة إلى ساهمِ عينين ، يُناغى خيالَه ، سادرٍ فى تداعيه الملائكى واحتمال الحفيف والشقشقات ؛ كانَنِى يوماً أو كُنْتُه .. ثم قالت لأبيها الواقف أمام بابِ عزمِها : (هو ذا ابنى وزوجى وكفى ) !! واندلقت بنا السنون بغثِّها وثمينها .. تُرضعنا متى وكيفما تشاء ، وتفطمنا حينما تُريد .. وأمِّى تذرع الطريقَ بخُطى لا تحيد .. وعين لا ترى إلاَّ صوىَّ الحقِّ تُبرقُ والحقيقة ، فأصبحت نظرتها تلازمنى وإنْ تغيَّرت الظروف لتشملنى إذا ما همَمْتُ بعابرةٍ من الزَّلات فى دروب الخيال ! كلُّ الدروب – يا أُمِّى – تحملنى إليك ، من مفاوزَ الوحشةِ والخوف .. من مغارات الهزائم والخيبات .. من تلاع اللهفة ومن سهول الأغنيات .. من مدائن الأمنيات .. من رحم القصائد .. من قُصاصات الأصائل .. من غلالات الفجرِ النديَّات كقلبكِ ..جميعاً تهفو إلي حيث نبعكِ الصافى النمير يا مدفأة قلبى وسجسج روحى الوارف .. يا محجَّتى ومبتغاى وسدرة مُنتهاى !! ولكم دعوتِ اللهَ يا أمى فى غَسَق الليل وانبلاج الفجر ، وعند أدبار الصلوات ؛ فاستجاب اللهُ ربُّ العالمين ، منذ الهدهدة الأولى مروراً بكلِّ الأحلام والتقلُّبات و السهر والغفوات ، إلى الهدهدة الثانية عند انبجاس نبْعٍ جديد .. لا شئ فى الدنيا يعدل فرحتى وأنتِ تلاعبين (رواح) الصغيرة وسْط قهقهاتها الصغيرات الشاهقات واصفةً أُذنيها بالماركة المسجَّلة ، وأنا أقف بينكما نصْفَ طفلٍ ونصف أب ! حفظك اللهُ يا أمِّى ومتَّعك بالصحة والعافية و استجاب لدُعاءِك بأنْ يجعلنا مِن زوَّار بيتِه الحرام ، أليس هذا على اللهِ بيسير ؟ هذا ولكِ الحبُّ كلُّهُ وكلِّ عامٍ وأنتِ بألف خير يا ستَّ الحبايب .. كلُّ عام وسائر أمَّهاتنا – على امتداد البسيطة - بألف خير .. والرحمة المُسجاة والمغفرة الواسعة لمن صعدتْ أرواحهنَّ إلى باريها العظيم .
* نُشر بالوفاق اليوم 22/3/2012م
|
|
|
|
|
|