|
عودة العكودابي وتكريمه
|
عودة العكودابي وتكريمه شاذلي جعفر شقَّاق [email protected]
عاد مثل السيل الذي لا يُغيِّر مجراه – وإنْ طالتْ السنين – هدَّراً موَّاراً فوَّاراً يقتلعُ جذور سنط الصمت العقيم .. يعصف بجذوع سيَّال الدوغمائية الواهن الضعيف ..عاد كأقمار البوادي الصيفيَّة ..كأنسام السَّحَر ..كحفيف الأصائل كثُغاء المغارب وخُوارها .كمناغاةِ الأواني للضروع ..كرائحة اللبن المحروق ..كهدْهدات العشيَّات ..كقهْقهات الأُنس و وابِل الترحيب وفيْضِ الجود في سوح الدواوين الفسيحة ..كموسيفينيَّات السواقي في هزيع الليل الأخير ..كحنين النوق ..كرائحة الطمي والبرم والصفصاف والطرفاء والدهاسير ..كأنفاس النيل الخالد المعبَّقة بالجروف .. جاء على صهوة القصيد – مثلما ارتحل – شاعراً أصيلاً عذباً جمَّاح القوافي ، تسمع لشعره خريراً وهو يفور !! هوى يا وليد حصل جربتا كبَّ السارية فى القلعة وخلا العتمور وشفتا بروقه تترقص وتتحرقص تقول مطويه فى قرقور وعاوى الزيفة ينفخ فى جبال النقعة زى الصور والحصحاص يجرفوا السيل يكنسوا على مهاوى الخور وقلب الصاقعة يتطرقش يكب النار دمار وشرور وشفتا الحال عرق مقلوع جبل متروم فرع مكسور جمال غرقانة بى حالا وحد المويه فى الغرغور ! عاد الشاعر العملاق د. محمد ودبادي العكودابي بعد ما يُقارب ربع القرن من مهاجَره الجسدي إلى أرض الوطن عودة الطائر المغرِّد لعُشِّه ..عودةَ الأوراق للغصن اليابس .. عودة الرمال إلى الوديان بعد جفاف حلوقها ..لتحتضنه شركة زين في مبادرة أُخرى من مبادراتها المُبدعة النبيلة لتكرِّمه يوم الأحد الماضي 21/4/2013مفي ليلةٍ تنضح عطراً وشعراً اقشعرَّ له بدن قاعة الصداقة بالخرطوم وسائر الأبدان التي تعهَّدتها قناةُ النيل الأزرق بالسُّقيا على امتداد بثَّها ! تشَّكلتْ القاعة بمختلف ألوان طيفها الثقافي والسياسي ، رسمياً وشعبياً ، رفقاء الحرف من جيل الثمانينيَّات الأساتذة : محمد طه القدَّال ، أزهري محمد على ، محمد المهدي حامد ود . عمر محمود وآخرين ..ولمَّا كانت شاعرية د. محمد بادي مُستمدَّة من وحي الجداول والطواري والتناقير والطنابير والمطامير والشَّتَمْ والدلاليك ؛ فقد هَفَتْ أفئدةٌ من قلون (الترابلة) والغُبُش الكادحين تسبقهم خطاهم إلى ناطقهم الرسمي وحادي أشواقهم و (روَّاسي) أحلامهم ومُطبِّب أوجاعهم و نطَّاسي أجسادهم وأرواحهم د. محمد ود بادي الذي ودَّ لو عانقهم فرداً فرداً . وتلقى هناك بنات بلدك ولاد بلدك يعلو الصفقة تقدح فى القلوب الشوق ونغم الفال ابشرن يا بنات بالخير والجنيات تطير لا فوق وكم زغرودة تتفجر تفور بالناس بعد ما تروق يعوم الوز صدورو تشابى للمجهول وما بتضوق تميل زينوبة زى البان يمين وشمال تودى الطوق واخوان ام شلخ ينكبو جوه الداره زى صقرا نزل من فوق ضرب السوط والركزة بيفرق الناس عشان زينوبة ما بتحوق وعاد تتحزم الجنيات وتتنظم تقيف في روق وكل واحد يهز ضرعاتو والحجبات تزح لافوق جفير الخوسة فايت الكوع وسيرو مع العضل مطبوق والطاقية تحت الحاجب المعقود هدية أم زين وما مشرية من السوق ويتقدم عريس السمحة رافع صوتو كان بسوقوا بيهو النوق والعنجاوى ينزل فوق ضهورن بس تقول منشحطة فيهو بروق ! ثم بعد ذلك يخفض المنبر جناح الذُل للشعر الرصين لفرسان الكلمة المبدعة مبنىً ومعنىً ؛ أزهري – القدَّال – محمد المهدي – جبر الدار مشنِّفين الآذان ببديع فنَّهم ..تليهم (نقْرشات) طنبور الفنَّان عبد القيوم الشريف ودليبه الراقص وصوته الآتي من أغوار الحنين المتدلِّي من (شخاليب) التطريب و السادر بـ (تناقير) الأرواح تبلَّل أكمامه قطراتُ الندى ..وعبد القيوم المُجدِّد المجرِّب ينتقي وينتخب من حُلو الشِّعر الفصيح اينثره عبر الطنبور ، استهلالاً بمقطع من رائعة فاروق جويدة (في عينيك عنواني ) ليصدح بقصيدة إبراهيم بن عوف قافزاً فوق حواجز المحليَّة أو ممازجاً بينها و الفصحى ، غير أنَّ عبد القيوم وإنْ اقترف بعض الهنات اللغوية التي يُمكن تلافيها بقليل من المراجعة بدلاً من أنْ (تضرسْ) ذائقة المتلقِّي للشعر الفصيح ؛ رغم ذلك فقد استطاع التحليق عالياً في فضاءات الدليب الذي (ينقُرْ) في القلوب وهو يراقص ايقاع شعر الفذ ود بادي ! ولكن الأجمل الذي يُحسب لمنظِّمي البرنامج هو التوقيه بالدليب حيث جذور الشاعر والمَنبت والأصل والفصل بالشمالية وايقاع السيرة أو العرْضة حيث المولد والمنشأ بـ (سَلَوى) بنهر النيل . وعندما صعد شاعرنا الكبير المنبر الذي طالما صال وجال عليه قي ثمانينيَّات القرن الماضي قبل هجرته وهو يُخاطب شيخنا ودَّ الشايقي : النجاح مو مِن كتير والكتير البشبه العرزين يطير والبطير من أرض جاعتْ كان أخير ! عندما صعد بعد غيابٍ ما يُقارب ربع القرن ؛ اشرأبَّتْ الأعناق لتُمارس الآذان الإصغاء الطروب مقْشعرَّاً للإلقاء الآسر والأداء المسرحي الذي يُبدع فيه شاعرنا أيَّما إبداع ..طوّف بنا ما بين التذكُّر من دفاتر الماضي التي ردَّدتها معه الشفاه وأمَّنتْ عليها الصدور عن ظهر قلب .. وبين الجديد (القطع الأخضر ) الذي شهدته هذه الأيام بعد عودته من وحي توتي ومقرن النيلين وانشطار المليون ميل مربَّع ! كانت ليلةً تقلَّبتْ فيها كلُّ فصول السنة الشِّعرية لدى محمد ود بادي وسيلها الجارف ..صيفها وهجيرها الحارق .. شتاءها وبردها القارس ، وحتى ربيعها الذي تحسَّر الشاعر على عدم وجوده في بلادنا قد خصَّه بقصيدةٍ حريٌّ بها تحرِّك الصخر الأصم ! أخيراً أهلاً ويا ألف مرحى بك في بلدك وبين أهلك وناسك يا شاعر الأرض والغُبُش الميامين الكادحين الذين لا يعرفون (الحرام) وهم يقتاتون من خدمة اليمين وعرق الجبين المتعايشين في غير ما إقصاء ، ضارببين الأمثلة لساسة الغفلة والدجل..فهنيئاً لنا بك يا شاعراً أهدى تكريمه إلى (الترابلة ) وحقاً (عودة شاعر للوطن عودة الروح للبدن )! الوفاق - اليوم – الثلاثاء 30/4/2013م
|
|
|
|
|
|