|
جحيمُ الشركات المُستخدِمة للعاملين
|
*جحيمُ الشِّرْكاتِ المُستخدِمةِ للعاملين
شاذلى جعفر شقَّاق
سألتُ أحد شيوخِنا الأجِلاَّء عُقيب محاضرةٍ أقامها فى إحدى أعظم شركات الاستثمار الغنيَّة فى بلادنا بقولى:
- إنَّ الشركةَ – يا شيخنَا – لتستخدم العامل لتسخِّره لخدمة شركةٍ أُُخرى – وفق عقدٍ مبرَمٍ بين
الشركتين – تتقاضى خلاله الشركة الأُولى أكثرَ من ستين بالمائة من راتب العامل المدفوع من قِبَل
الشركة الثانية (المستفيدة من خدماته) ؛ ثم تمنحه ما تبقَّى ، فهل فى ذلك حرمةٌ على المستخدِم
(بكسر الدال) والمستخدَم (بفتحها) ؟
قال الشيخ :
- إنَّ هذا النظام قدم إلينا من دُوَل الخليج ولعلَّك تقصد بسؤالك هذا شركة …..
قلتُ متلهِّفاً الإجابة :
- إنَّ ذكر عدد الشركات العاملة بهذا النظام ليفيض عن سعة هذه السانحة لذلك إنِّى أُريد رأى
الدين !
قال الشيخ وهو يمتطى السيارة :
- (إنَّ فى هذا الأمرِ مظلمة على العامل .. نعم فيهِ مظلمة ).
(2)
فتشبَّثتُ بتلابيب هذا الفتوى المقتضبة كأنِّى استجدى فصلها فى الحكمِ وفى خاطرى أنَّ الواحد الأحد،
الفرد الصمد ، العدل الحكم ، سبحانه وتعالى قد حرَّم الظلمَ على نفسه أوَّلاً ومن ثم على عبادِه ،
توكَّأتُ على تأكيدِ المظلمةِ بـ (إنَّ) والتكرار فى قول شيخنا أعلاه لستُ قانعاً من الغنيمةِ بالإياب إذْ
قال قائلٌ :(العقْدُ شريعةُ المتعاقدين )؛ فماذا يضير العامل – إنْ جنى مستخدِمُه – من وراء ظهره (أى
العامل) بل من عرَق جبينه ؛ ضعفَ أجرِه أوحتى أضعاف مضاعفة ما دام العقدُ بينهما سليماً مصوناً وقد
حُرِّر بناءً على رغبة الطرفين ؟!
غير أنَّنا إذا استصحبنا معنا ظرف هذا العامل اجتماعياً واقتصادياً لوجدناه مضطرَّاً ؛ والمضطرُّ
يركب الصِّعاب فى ظلِّ ظروفٍ معيشيةٍ صعبةٍ للغاية تحفُّها العطالة والبطالة والفاقة ؛ تعوذه أدنى
متطلِّبات الحياة تحت وطأة غلاءٍ يلتهم كلَّ أسبابِ التدبير و (المُباصرة ) ! ورحلة البحث عن لقمة
العيش قطعةٌ من نار ؛ كيف لا والتغزُّل فى عيون الوظيفة المستعصمة بالدلال يزيدها تمنُّعاً ومكابرةً
وإعراضاً عن البسطاء وربما الوسطاء !
(3)
فيستغيث العامل – ولا مِن مُجيب – بين مطرقة ضرورة كسبه وبالتالى عيشه ؛ وسندان الشركات
المهيمنة على سوقِ العمل ، إذْ تدفعه حاجتُه الرعناءُ إلى براثن مستخدميه الجشعين الذين لا يحملون
فى قلوبهم إلاًّ ولا رحمةً ولا يخشون فى سبيل كسبهم لومةَ لائم ! ولا أنَّةَ مكروب ولا شكوى منكوب ولا ولا
تقريع عاقل ولا دعوة مظلوم ! بل انهم يستغلون هذا القهر الاجتماعى والتقهقر المعيشى أحسن استغلال
لتوسيع دائرة أرباحهم وانتفاخ أوداجهم إداريَّاً وجيوبهم ماديَّاً ! فما يتقاضاه العاملُ لا يسمن ولا
يغنى من جوع .. والحديث عن تحسين الأوضاع وحفظ الحقوق من المُحرَّمات التى تُفضى بمقترفها إلى
الشارع مع الرحمة والشفقة ! الهياكل الإدارية والسلالم الوظيفيَّة عبثٌ فى عبَث ..والسنين التى
تتساقط من عمر العامل تضيع هدراً ..وحت تضع يدَكَ على هذا الضياع أسألُكَ عزيزى القارئ : هل سمعت
بإجراءٍ يٍُسمَّى (فصْلُ المُدَّة ) ؟ وهل هو إعادة تعيين العامل بعقدٍ جديد بين كلِّ فترةٍ وأُخرى (ثلاثة أشهر
غالباً ) فى نفْس المؤسَّسة النى يعمل بها وبالأجرِ نفسِه ليقومَ بالمهام نفسِها ؛ فقط عليه أن ينسى ما
سلف من عمرِه وكدِّه وجهده وما قدَّمه من خدمات لهذه المؤسسة مُضحيَّاً بفوائد ما بعد الخدمة ، هذا إن
أراد أن يأكل عيش ! وإلاَّ فالباب (يطلِّعْ ) جمل ! فما هو رأيك عزيزى مكتب العمل فى هذا (البُعْبُعْ )
المُسمَّى فصل المُدَّة؟
(4)
أهذا هو العقد الذى يمثِّل شريعةَ المتعاقدين عندما تستغل الشركات المستخدمة حاجة
العامل ..عندما تخيِّره بين (أمرين أحلاهما مُرُّ ) .. عندما تجبره على الرضوخ بِلَىِّ الذراع وهو يُقْدِمُ
على معاقرة فصل المدَّة وهو يعلم يقيناً إنَّما يفصل رأس مستحقَّاته عن الجسد ! ثم يمسح مُدية التأسِّى
على وبَر الصبر الجميل (كرامة وسلامة ) ؛ ثم ينتصب شاهراً (صَرَّة ) وجهه ؛ واضعاً سبَّابتيه فى أُذنيه
من تلك المقولة (الخبزُ والكرامة ) ! وهوإذْ يفعل ذلك لا جاهلاً بحقوقه ولا غافلاً عنها ولكن ما باليد
حيلة !!
تطالعنا صحافتُنا – فى الأيام الفائتة – على لسان الأجهزة الرسمية أنَّ ثلاثمائة ونيف شركةٍ
مخالفةٌ لقانون العمل !!ما شاء الله .. تُرى كم من الشركات المستخدمة للعاملين حُشرتْ مع هذا الكم
الهائل من الفوضى ؟ وكم منهنَّ ولَّتِ الأدبار تاركةً لمنسوبيها الحسرةَ والعجاج ؟!بل كم منهنَّ
(كالعنقاوات ) ؟؟! وكم منهنّ من لا زالت تناطح صخرةَ القضاءِ العصيَّة – تفاصل ضحاياها – فما انفكَّ
الحقُّ أبلجاً وما انفكَّتْ تجادل وتماطل !!!!!!
إنَّ استقلال الإنسان لأخيه الإنسان بل تكسُّبه من وراء ظهره وتجاهله لحقوقه الانسانية والمهنية لشئٌ
ضاربٌ فى القِدَم وإن تطوَّرتْ أدواتُه واستُحدثتْ أساليبُه و وزُيَّنتْ حماقاتُه وتجمَّل دهاقِنَتُه !! ولكن الأدهى
والأمر هو أن يتحايل هؤلاءِ المستثمرون – فى عرَق الفقراء – على القانون فى حضرته !! أما ترى – يا
هداك الله – إنَّ فصلَ المدَّةهذا تحايلٌ على القانون فى وجهه ؟!!
أكثر ما أخشاه أن يأتى يومٌ على خلْقٍ بعدنا تحِلُ فيه كلمةُ ( المحتاجين) محلَّ (المغفَّلين ) إنْ هم
آووا إلى قانون عملٍ يحميهم ويعصمهم مِن جورِ مستخدميهم !!
* نُشر بصحيفة الوفاق
|
|
|
|
|
|