|
تميمةُ السّلوان
|
تميمةُ السّلوان
وعَبَرتْنى رُغمِ تعويذةِ التأسِّى وتميمةِ السّلوان ..غَسَلتْنى مثل أنسامِ السَّحَر ..طوَّقتنى بالحنين ؛ ذلك
المزهوُّ بالماضى ، المجبولُ على حُبِّ التسكُّعِ بين الوديان الخوالى ..المحدِّقُ فى مَرايا الأمسِ الشفيف
تسومُه تجعيدةً فيسومها تنهيدة .. لا يغادر من مدينةِ وجهِها ملْهىً صغيراً أو بار ! ذلك المشدودُ –
دوماً – للوراء ، الهائمُ فى ملكوتِ الذكريات .. الممنونُ – أبداً – لشفرةِ البدءِ ورمزِ كان
الأُولى ..!
طوَّقتنى بالأماسى واحتوتنى بالحبور .. نبعُ ذكراها سليلُ العشقِ لم ينضبْ مياهً أو خرير ..فيضُ
ذكراها مروجٌ وفيافى وظلامٌ ونهار .. وحبُّها ؛ يا حُبَّها ..قد ظلَّ - رُغمِ الجراحِ- وقفاً فى شعابِ النَّفْسِ
وقُبَّةً فى تضاريس الشَّجَن .. ظلَّ بهواً فى قصورِ الحُلْمِ يُفضى إلى باحةِ الإلهام .. يسخرُ بالخروجِ .. يمتدُّ
سرْداً شجيَّاً يتغلغلُ فى أعماقِ الروحِ كتغلغلِ التاريخِ فى ملامحِ المُدُنِ القديمة ؛ لحناً يموسقُ
خلوتى ..شيئاً يدغدغُ حلْمتَىْ القصيدةِ الشَّبْقَى .. يغمركَ بمشاعرَ شتَّى توافدتْ من كُلِّ حَدَبٍ وصوب .. تغمسكَ
فى القصيدةِ تارةً .. وتغرقكَ فى القصَّةِ تارةً أُخرى .. تدعوكَ إلى احتفالِ شاعرٍ منفىٍّ بميلادِ قصيدةٍ
جديدةٍ حيناً ؛ وحيناً تُدخلكَ مأتمَ قصةٍ يتيمة .. وأحايين أُخرى تزُجُّكَ إلى دهاليزَ روايةٍ طويلةٍ هى
الحياةُ بأكملها ! فما الضَّيرُ إذن إذا كانت الأجناسُ الأدبيةُ جميعاً عُصبةَ نبْعٍ واحدٍ وأقداح شتَّى ..!
ظمئٌ أنا يا فيضَ ذكراها الذى يجرِّعُنى اللذةَ بكأسِ الألم .. رفقاً أيُّها الحنين ، لماذا تربطنى
إلى جذع لياليه الشاهقة .. فى كُلِّ شِبرٍ من بيداءَ الحاضرِ صوىُّ يُشيرُ إلى الوراء .. فى كلِّ وجهٍ من
وجوه النسيان وشْمٌ أو ثبرةٌ أو خال يشى بمخبأ الذكرى القصى .. آه من ينتشلنى من براثن الماضى ومن
عنكبوت الحنين ؟!
يرنُّ الهاتفُ الهيمان .. أهتف ملءَ قلبى وروحى وصوتى : أمَلِى ! ..لكنَّه لم يكن أملى بل كان
نصيبى ! .. شيئاً ما يسقط بيننا كارتطام الزجاج بالزجاج . تعقبه قعقعةُ وليمةٍ تُقيمها الزلَّةُ
الكُبرى .. وانقطع صوتُ الهاتف .. تحسَّستُ الندوبَ .. ظننتُ أنِّى شفيت .. والحقُّ أنِّى سقطتُ مرَّةً أُخرى فى
فخِّ المقارنةِ الذى لا ينتهى أبداً إلى شطِّ الخيار .. ولكنَّ الحنين يعبر – دائماً – من شطٍّ إلى شطٍّ رُغْمِ
تعويذةِ التأسِّى وتميمةِ السّلوان !!
|
|
|
|
|
|