|
الحسكنيت المقيت !
|
* الحسكنيت المقيت ! شاذلى جعفر شقَّاق
لا شئَ سوى صوت (النجَّامة) التى تجوس بين صفوف البَصَل الناضرة غِبَّ سُقياها ، تستأصل الأعشاب الطفيليَّة المتغوِّلة على الخِصْب والماء والسَّماد ، وصوت تقافُز حمَلٍ كان يتلاعب جوار (إدريس ود عمر) المُنهَمِك فى فلاح أرضِه ؛ حينما لاح (حسن حسكنيتة) وهو يهشُّ على معيزٍ له بعينٍ وعينٌ على الحمل الصغير .. مسح (حسكنيتة) شاربَ غطرستِه المعقوف .. تحسَّس مُديةَ تبجُّحِه الرابضة على ذراعِه الأيسر .. أحكم قبضتَه على عصاه .. نفخ أوداجَه واحمرَّت عيناه وارتعش حتى اصطكَّت أسنانُه و واصطفقتْ (شلاديمه) ، ثم أعلن ملكيَّته للحَمَل ! ولكنَّ (إدريس ود عمر) لم يَعِرْه اهتماماً .. أرغى وأزبد الرجلُ ، ثم انقضَّ على الحمل ، وأعناقُ البَصَل الغضَّة تتكسَّر تحت قدمَيْهِ الضخمتين ..أشار (إدريس) – دون أن ينطق ببنت شفة- بسنَّة (نجَّامته) نحو الحمل ونحو أُمِّهِ المربوطة هناك على حافة الجدول .. أفلت (حسكنيتة ) الحمَلَ لينطلق فزِعاً نحو أُمِّه وقد قطعتْ – بدورها- حبلَها مُلبِيَّةً نداءَ صغيرها ركْضاً وثُغاء ثم رضاعة وملاعقة وحميميَّة ومُناغاة .. اعتقد (إدريس) أنَّه أفحم (حسكنيتة) بهذا الدليل القاطع ، غير أنَّ (حسكنيتة) تهجَّم مرَّةً أُخرى على الحمَل المسكين ..فما كان من (إدريس) إلاَّ أن يغرس (نجَّامته) على حافة (التَّقْنَتْ) ليحمل (حسن حسكنيتة) كطفلٍ صغير ويتجه به نحو البحر .. هناك يغمسه فى الماءِ حتى تنقطع أنفاسُه أو تكاد ، ثم يترك له فرصةَ شهيق ..مرَّة ومرَّتان .. وهو يستغيث بصوتٍ مغصوص : - يـا وَدْ عُمَر أكبر .. يـا وَدْ عُمَر أكبر !! أى تحلَّى بالعقل والحكمة واللِّين . ولمَّا لم يجد أُذناً صاغيةً مِن (إدريس) ؛ صاح صاحبُنا صياحاً تجشَّأتْه الضَّفتان : - يابو مروَّووووووه ..ألْحقنى!! هذا هو حال الحركة الشعبية عُقيب هزيمتها النكراء أمام قوات الشعب المسلَّحة السودانية فى معركة أبيي الأخيرة ، حتى الآن ! فرغم إلحاح الحركة الشعبية على نزع فتيل الحرب بين الدولتين مع سبق الإصرار والترصُّد ونصب كمين الغدر المبين إلاَّ أنَّها رفعتْ عقيرتها - فى أوَّل ردَّة فعل مِن قِبَل القوات المسلَّحة - تستجدى المَدد الخارجى وتستنجد بطاغوت المجتمع الدولى : يابو مرووووه ..ألحقنى!! هذا طبعاً على الصعيد العسكرى فى ميدان الحرب ، حيث يحقُّ القولُ للجيش الشعبى : أنتَ مَن أوكى ومَنْ رَتَق ! .. أمَّا على الصعيد السياسى فجنينُ التكسُّبِ لا زال يتخلَّق فى رحم الأيام القادمات ، إذا لم يسقط فى امتحان القدرات التكنيكيَّة ومضَّاداتها المسنودة بايمان مطلَقٍ وعميق بشمالية أبيي ؛ فسيقفز إلى أسفل مستجيباً لصافرة (الكبْسة) أو (الجَمَعون السريع) بلغة العسكريين ، هذا ما يشى به وِحامُ المرحلة الحٌبلى بالقديم الجديد ، الظاهر الخفى ، البعيد القريب والمتوقَّع المباغت .. ممَّا يعنى أنَّ التصعيد العسكرى من جانب الحركة لم يكن سوى خادمٍ مُطيعٍ للتصعيد السياسى الدَّوْلى والعسكرى أيضاً – إذا ما وُجد إلى ذلك سبيل- ضد حكومة السودان .. هذا ما تتطلَّع إليه الحركة الشعبية وهى تضع كفَّيها على خاصرتيها وتتلمَّظ مُفشعرَّةً حموضةَ الهزيمة النكراء ! أمَّا إنْ أنتَ نظرتَ إلى حال المعارضة الشمالية التى لا يحسدها عليها أحد وهى تكابد الحرج السياسى وتتجشَّم رعونة الحركة الشعبية ؛ لتذوَّقْتَ أمرين أحلاهما مرٌّ ؛ إمَّا أنْ تُساند بلداً أجنبيَّاً – نكايةً فى حكَّام بلدك- على بلدك ، أو تؤازر – بدافع الواجب الوطنى والضمير السليم – مَن لا تحبُّ ولا ترضى .. بل مَن تعمل ليلَ نهار لجعله خبر كان ! أوليس هو الجاعلُ مِن فكرةِ الوطن الواحد المستقر الآمن المتساوى الاضلاع عدْلاً ومحبَّة فى خبر كان ؟!! أيهما أنكى داء المؤتمر الوطنى العقام أم حرج الشعبية مِن لدنِّ الملايين التى استقبلتْ قرنق بعد نيفاشا ثم لم تلبث حتى تناثرت هذه الملايين أدراج الرياح عقب موته فى أحداث الاثنين الدامى .. ثم دغدغة مشاعر قطاع الشمال فى الانتخابات الرئاسية السابقة قبل أن تنزع يدها كالملدوغة من مرشحها عرمان وسائر الحالمين بالسودان الجديد.. هذه هى الحركة التى تحرج نصيرها المسكين فى ظل الدولة الواحدة وفى ظل الدولتين كلما سنحت لها سانحة ، بل وتطالبه برسم ابتسامة عريضة حتى يتلاشى الحرج فى حرجٍ جديد .. هى الحركة الشعبية التى لا تتردَّد فى امتطاء نصيرها وإن ترجَّل( الحسكنيت) عن الوبر ما ترجَّلتْ! .. ومتى ما وصلت مُبتغاها ؛ طلبتْ إليه دلْكَ ظهرِها ورجليها من وعثاء السَّفَر والطريق الطويل ، ريثما عنَّت لها دابةٌ أُخرى !!*
نُشر بالوفاق
|
|
|
|
|
|