|
الحدُّ الأدنى للكجور !
|
الحدُّ الأدنى للكجور ! شاذلي جعفر شقَّاق [email protected]
وصولُ أوِّلِ دفعةٍ من نفط دولة جنوب السودان إلى بورتسودان خبراً وصورةً في بداية هذا الاسبوع عبر صحافتنا وفضائيَّاتنا ؛ يُعيد إلى الأذهان صورةَ تدفُّق النفط الأُولى ؛ نفط السودان (قبل الإنفصال) أواخر التسعينيَّات .. وتلك البشريات والأفراح التي كستْ أوجه الشعب الكالحة بأقنعة الرِّضاء والأمل والحبور بذلك الفتح الإقتصادي الكبير الذي طالما حلموا به مُنقِذاً مِنْ تحت الأرض لمَنْ فوقهــا ! بدءاً لا بُدَّ من مُباركة مصفوفة التعاوُن المُشترَك بين البلدين ، التي أعادتْ إلى أذهاننا صورةَ الأمل الأولى .. وهي – أي المصفوفة – إنْ حقنتْ دماء الحرب فقط وأوقفتْ العدائيَّات ؛ فقد حقَّقتْ فوزاً عظيماً فضلاً عن العوائد الماديَّة المرجوَّة لتحقق الإستقرار والعيش الكريم لشعبَيْ البلدين اللذين عانا الأمرَّين جرَّاء رعونة العقليَّة السياسية المتحجِّرة والمُكابَرةِ الجوفاء التي لم ولن تخدم قضيَّة البلدين ولا النظامين القائمين على أمريْهما ولا الشعبين ! فلتكن خطوةً في طريق السلام والمصلحة لفقءِ عين الشيطان ونبش (الكجور) السياسي الكامن تحت لسان الحرب أو زناد الفساد ، والمزيد من البذْل في سبيل تجاوز ما بقي من عقبات لترسيخ دعائم جيرة آمنة ، يجني ثمارها الطرفان ! وبهذا تكون زيارة السيد رئيس الجمهورية إلى دولة الجنوب قد قطعتْ قولَ كلِّ خطيبٍ كان ينسج أحابيل السيناريوهات ويغرس الفزَّاعات في طريق الرحلة أو أيِّ تقارب يُفضي إلى تهدئة الأوضاع ..إذن قد وُضعتْ العربةُ تماماً أمام الحصان ! بقي أن تنعكس هذه الجهود انعكاساً مباشراً على حياة الناس التي فيها معاشُهم ..على الشعب الذي لعق الصبرَ حتى لم يُبقِ منه شيئاً .. المواطن الذي تجرَّع الفاقةَ والكفاف ايماناً منه بسداد فواتير الحرب اللعينة ..المواطن الذي شدَّ مئزر الجوع والخصاصة حيالَ خيار الوحدة المُسمَّاة بالجاذبة في ذلك الزمان المُنفِّر .. المواطن الذي هو في البئر وسقط عليه (فيل) الانفصال الضخم ..ولكن لا بأس فهاهي تلوح مرَّةً أُخرى بوادرُ انفراجٍ في سماءِ الضيق الملبَّدة بالتضخُّم والغلاء الطاحن . نقول هذا ونحن نتابع غبطة الخزائن فبل الأنابيب باستئناف ضخِّ بترول الجنوب عبر خطوطنا ومنشاءاتنا وميناءنا و ( أنبوبة الغاز المنزلي ) عرفتْ نُدرة الغاز فتدلَّلتْ ، وقنعنا منها بوعد الإغراء مضاعفةً لثمنها ؛ فتمنَّعتْ ! والمعروف أنَّ صيانة مصفاةِ الخرطوم ( حاوية المخزون الإستراتيجي ) تتمُّ في شهر إبريل من كلِّ عام ، ولكنها مع ذلك تفاجئنا كالخريف ووقفة العيد ، في كلِّ إبريلٍ (تتعزَّز ) أنبوبة الغاز و (تتوِّرْ ) نفَس العباد ..وبالمقابل في كلِّ إبريل تلوك وزارة الطاقة عبارة السنين الخوالي عينها أن (شُح الغاز مفتَعل وعلى المواطن ألاَّ يدفع أكثر من ثمن العبُوَّة المعروف ) ! .. يا سلام .. غير أنَّ الحقيقةَ التي لا تغيب على أحدٍ هي أنَّ المواطن المسكين ليس بوسعة أن يُقاطع الغاز - على طريقة الدعوة لمقاطعة اللحوم التي هي مَن تقاطع المواطن وليس العكس - وإن تضاعف ثمنه لأنَّ البديل (الفحم) أغلى وأعزَّ وأشرف ! أمَّا دعوة الوزارة للمواطن المغلوب على أمره فيما يتعلَّق بعدم الإستجابة لزيادة الثمن لا تعدو كونها فقاعة كلام على صهوة سيل تحرُّر السوق الجارف ! فإذا كان للمواطن سلطانٌ – يا هداكم الله - على البائع ؛ لما وصل الحال إلى هذا المآل !! فإذا ما نفضنا يدنا بعد ربط أنبوبة الغاز إذا ما وجدنا إليها من سبيلاً ، وأدخلناها (يدنا) في جيبنا ؛ سوف لن نجد فيه قيمة أُجرة الركشة التي طفقتْ تذرع الطُرقات ومحال توزيع الغاز ذهاباً وإياباً وتساءل (الغاشي والماشي ) عن ذات العينين السوداوين ( أنبوبة الغاز ) !ومردُّ ذلك الخلّو الجيبي ليس لتسلُّل يدُ لصٍّ ماهرٍ - حاشا لله - لسرقة النقود أو تغلغُل جرذٍ ماكرٍ لالتهامها ..إنما لِقَصرِ أرجُل مستوى الدخول العامة وطول لحاف منصرف (أبجد كسرة هوَّز مُلاح ) لا الرفاهية طبعاً (الرفاهية تطير في السماء ) ! يسئلونك عن (المائة) جُنيه التي وجَّه رئيس الجمهورية بصرفها – لذوي الدخل المحدود – فقل : لا زالت تهرب إلى الأمام من يناير الماضي إلى راتب إبريل المنتظر هذا لصرفها بأثر رجعي كما وافتنا الأخبار ! فهذه الحال رغم عسرها ؛ أفضلُ بكثيرٍ من أحوال إخوةٍ لنا لا زالت تُمطر سماواتهم دُخاناً وباروداً ! فإذا باركنا بدءاً مصفوفة التعاون المشترك بين السودان ودولة جنوب السودان ذلك الطرف المبتور الذي بدأتْ تدبُّ فيه عافية التقارب ولو على سبيل تحقيق تبادل المصالح ؛ فإنَّ لدينا أطراف أخرى لم تُفصل ولكنها ما فتأتْ تقطُر دماً وأشلاء ونزوح ، في جنوب كردفان.. ودارفور .. والنيل الأأزرق ..أملنا أن تُعالج مشاكل هذه الأجزاء العزيزة من الوطن حتى لا يأتي يومٌ نحتفي فيه بمصفوفة نعاون مشترك بين أيٍّ منها !
الوفاق - الخميس 18/4/2013م
|
|
|
|
|
|