|
التخفيضُ وريثُ التضخُّم !
|
التخفيضُ وريثُ التضخُّم ! شاذلي جعفر شقَّاق Jou_shagag @hotmail.com
رفَّةَ رمْشٍ صباحيَّة لا تنهضوا أعطِنا خُبزَنا .. كفاف يومِنــا يــا سيِّدي ! عظامي كلُّها غربيةٌ عنِّي ربَّما أكون قد سرفْتُها لقد جئتُ لأحصُلَ على ما قد يكون مُخصَّصاً لغيري ! وأظُنُّ لو أنَّني لم أُولَدْ لكان فقيرٌ آخر سيشرب هذه القهوة الآن ! إنَّني لصٌّ سيئٌ أينما ذهبت ! ما أشهى رائحةَ الإيثار في هذه الأبيات من قصيدة (خُبزنا) للشاعر الأسباني قيصر باييخو .. وما أطيبَ مائدته الشِّعْريَّة رُغم خصاصته وكفافه ، ورُغْم فقره النازف أمام تذكرة سفَرٍ بحْريَّةٍ يتمخَّض عنها ذهاباً سوف لن يخلفه إياباً إلى مسقط رأسه أبداً ، غير أنَّ ذلك لم يمنعْه من تقديمِ مُرافعةٍ ضدَّ الذاتِ في كونٍ يجعل من الخيرِ والشَّرِّ فَرَسَيْ رهان كهاتين ..بل يفحص الشاعر إقرار ذِمَّةٍ بكُلِّ تلك الشفافية أنَّ عظامه – لا لحْمه – قد نبتتْ ورَبتْ من سُحتٍ ربَّما ..قبل أن يُعلن لصوصيَّته على الملأ بمِلءِ فيهِ ، ولا يزال صداه يتردَّد إلى زماننا الأغبر هذا في بلدٍ يقول للتضخُّم : أُفٍّ ، ومن ثَمَّ يخفض جناحَ الذُّلِّ للتخفيض ! كُلُّ تضخُّمٍ إقتصاديٍّ أو إداريٍّ أو نفْسيٍّ حتى ؛ يحتِّم ُ عمليَّةَ تخفيضٍ أو تنفيسٍ بُغية لملمة الأطراف لإدراكِ ما يُمكن إدراكُه والمتهدِّلات النابتات كيفما اتَّفَق .. هذا أو الانفجار ! إذ لا يُعقل أن تسبح رِجْلا إوَزَّةٍ عرجاء بجُثَّةِ فرَس بحر أو أ، تطير جناحاها بتمساح (عُشاري) نحو مَراقيه القصيَّة ! سيَّما إذا كانت مُسبِّبات هذا التضخُّم فِعْلاً خالصاً لوجه الفرس والتمساح اللذان ما برحا يُجشِّمان إوزَّة (السجم والرماد )شتَّى صنوف التقشُّف والتقتير مُقابل الترَف والبُحبوحة لوجْهيهما الكريمين ! معلومٌ أنَّ مواجهة المآل أوالتعامل الإنقاذي وفْق مقتضيات الخطر ؛ يُجيز ترتيب الأولويَّات مُقدِّماً الآخِر على الأوَّل ..يُبيح معاقرة غضَّ الطرف من المُسلَّمات وتعاطي المعالجة عن قُرب باللمس ما دام الأفقُ معتكراً والرؤيةُ محجوبةً ..ومعولمٌ أيضاً جواز الخلوة الغير شرعية بالحلول السهلة والساذجة وابتزازها تحت حدِّ الحاجة البتَّار كأن تُستنزَف الإوزَّة حتى تبيض أمعاءها ومن ثمَّ تُحوُّل إلأى مطيَّةٍ سابحةٍ وطائرةٍ على ما بها من نصَبٍ ووَصَبٍ ..إذا ما فارقت روحها الجسد ؛ أصبحتْ بفقه الضرورة لقمةً سائغةً تسُدٌّ الرَّمَق ريثما قيَّضَ اللهُ لُقَيْماتٍ أُخَر يُقِمْنَ الأصلاب ! وبهذا تكون معادلة الحاكم والمحكوم ذات تناسبٍ طرديٍّ ، كلَّما تجمَّل الثاني بالصبر والجلَد ؛ ألْهبه الأوَّلُ بالجَلْد بسياط الضنك والنكد ، ونعْشُ الضمير ممدودٌ ولا بواكي عليه ! وسوءُ المآل عِبرةٌ وضَّاحةً المُحَيَّا ولكن لا تستثير أحَداً ..وال######ُ ينبح والجمل ماشي لا يُعيره أدنى اهتمام .. والأشجارُ تسير أمام زرقاء يمامتهم الساهمة في البُحيرة الزُجاجية لأسماكِ الزينة !وبذلك يحوقُ الظُلم بالمستضعفين مرَّتين ؛ مرَّةً عندما تقرفصوا كُلٌ في مكانه مُفسحين لعملية التضخُّم .. وعندما غشيهم إعصارُ التخفيض وإن شئتَ الفصْل عن العمل وبالتالي التشريد ! التضخُّم في جيوب القابضين على مفاصل الدولة يقابله تضخُّماً في طحال المواطن وكبده وغُدَّته الدَّرَقيَّة جرَّاء اشتعال الأسعار والعجز أمام مُتطَّلبات أبجديَّات الحياة .. والتخفيض الشفويّ سواء كان من حجم المنصرِف الحكومي أو عدد المسؤولين الخُرافي يقابله هو الآخر إحالة العاملين البسطاء في إحدى مؤسَّسات الاستثمار الكُبرى إلى العطالة ! عبر الخضوع لعقلية الأجنبي المستثمر (المقدَّس عندنا) رغم نأيه المتحجِّر عن المساس ببني جلده ضاربين عرض الحائط بوطنية هؤلاء المُبعدين وأهليتهم للأرض وخزائنها التي في باطنها ! ولا يفوت عاشقو الصيد في الماء العكر والانتهازيون توجيه لكمات خبيثة عبر تصفية الحسابات لإقصاء كلِّ صوتٍ مسموعٍ .. وكل لسانٍ يعرف المعنى لكلمة (لا) وكل رأس لا تعرف الانحناء والملَق على سبيل النكاية وتقليم أظافر الهمم وخفاض الرأى السديد وإغلاق كلّ المنافذ أمام دفقة ضوء يُمكن أن تحمل نُطفة الهدى لضمير العتمة العميق فليذهب بعد ذلك ما يخوِّله الدستور أو تقرّه القوانين من حماية نقابة العاملين إلى الجحيم ! وهكذا يتلمَّظون صنيعهم فرحين بما آتاهم من نعيمٍ بضربة لازب بيدٍ أخطبوطية ، سادرين في غيِّهم يهشّون أمامهم غنم إبليس ، ضاربين في مراتع الخريف ..تاركين لأصابعهم الخفيَّة العزْف على أوتار الخلود المتوهَّم مكابرين وساخرين من عودة قيصر باييخو : (حتى اليوم الذي أعود فيه ويمشي الحيوان الذي هو أنا بين قُضاتِه ..سيكون خنصرنا الباسلُ كبيراً وقوراً ..سيكون إصبعاً غير مُتناهٍ بين الأصابع ) ! مهما يكُن من أمرٍ فإنَّ عملية استئصال الناطقين باسم العاملين - الذين آتتْ مجهوداتُهم أُكُلها للبقية الباقية بهذا المهْر النفيس والتضحية الشريفة - المقرَّر مُسبقاً والموسوم بـ لقب (التخفيض) غير كريمةٍ ..وأنَّ صورةَ القُبح المنتصب أمام المرآة متبسِّماً على حساب العبوس لا تبدو جميلة ..وأنَّ المُعطي والمانعَ حفيٌّ أيما حفاوة بعباده المخلصين .. وحقَّاً أصاب الشاعرُ وهو يقول : ينالُ الفتى من عيشِه وهو جاهلُ *** ويكدى الفتى في دهرِه وهو عالمُ ولو كانت الأرزاقُ تجري على الحِجا *** هلكنَ إذنْ من جهلهنَّ البهــائمُ !
الوفاق – اليوم الثلاثاء 4/6/2013م
|
|
|
|
|
|