|
الاستكتاب .. رعاية أقلام أم صناعة أدب ؟!
|
الاستكتاب .. رعاية أقلام أم صناعة أدب ؟!
شاذلى جعفر شقَّاق
عندما تُنيخُ قُصواءَ الكتابةِ جهةٌ ما – أىُّ جهةٍ كانت وتحت أىِّ مُسمَّى – حيثما شاءتْ ؛ إمعاناً منها فى تحديد مسارِ أغراضِ الكتابة وموضوعاتِها و
توجُّهاتِها ، لتصُبَّ فى مواعين تلك الجهة الفكريَّة وقوالبها الثقافيَّة ومرجعيَّاتها الأيدولوجيَّة – مثلاً – يحدث الاختلالُ فى رُكنٍ أصيلٍ مِن أركان
العمل الأدبى ؛ أيَّاً كان جنسه وهو الصدقُ العاطفى .. الأمر الذى يجعل مِن أرباب الكتابة المُدَّعين حيَّاكين فى سوق الترتيق بين أزِقَّة المُداهنة
والتقرُّب زُلفى لأضواء الزيْفِ الشاردة فى سراديب الخواء !
ولربَّما هيَّأ عزوفُ الأقلام الحُرَّة عن الخوضِ فى هذه الحياضِ الآسنة بيئةً خصبةً ومُناخاً ملائماً لنمو طفيليَّات الكَلِم ؛ فَجِّهِ وركيكِه ، وتكاثُرِ
آفاتِ التجنِّى على حاضرِ المنتوجِ الأدبىِّ وبالتالى على مُقبل أيَّامِه !
ظلَّتْ المسابقات الادبيَّة الرشيدة على مرِّ الأزمان شُرُفاتٍ تهفو إليها نواضرُ الالهام لكُلِّ جيل ؛ حيث تُعلنُ عن ذواتِها حُرَّةً وأصيلةً متجرِّدةً عن
الصنعةِ والتكلُّفِ .. هذا فضلاً عن تشجيع بوادر تلك النواضر بدءاً .. غير أنَّ هذه الشُرفات قد تستحيل إلى وهادٍ ترزحُ فيها الكتابةُ مشلولةً و
كسيحةً إذا ما تقمَّصتْ الجهات المُنظِّمة لتلك المسابقات دورَ المُرشِد الروحى أو المُلهم الوجدانى أو (التَّعْلَمْجى ) إنْ شئتَ ! بل ربَّما صارتْ
القلم الذى سيستعيره الكُتَّاب المعنيَّون عندما تختار لهم تلك الجهات عناوين الموضوعات التى يكتبون تحتها ، وذلك بإعلانها عن مُسابقات وفق
التقويمات السنويَّة لبعض المناسبات التى توافق خطابها المطروح ، بل ربَّما أُعلن عن مسابقةٍ فوئدتْ قبل فرزها لأنَّ الغرضَ الأساسى هو مجرَّد
الإعلان عنها لتحقيق كسب أو مأرب فى نفس يعقوب السياسى !
ولأنَّ سطوة السياسة السامقة تُلقى ظلالَها دوماً على كافَّة مناحى الحياة المختلفة ؛ فقد شهد تاريخنا الحديث إسرافاً فى تعاطى المكتوب على
مائدة (يسوس) .. وتطاول الكثير مِن المنابر البتراء الزنيمة ، وتهافت المُثير عبر فوهات الهُتاف المصطنع .. ونحن فى ظِلِّ تمديد إقامة
نظام الحكم فى بلادنا أو قُل فى بعضها – إذا أنَّ قبولَها القسمة على أثنين واردٌ بل راجح – يُصيبُنا طفو البُقع الجلديَّة المُتسلِّلة من بين
خصاص الأيَّام الخوالى (الإقامة الأولى ) ! .. فها قد نُفِض الغبارُ عن بعض ملامح الخطاب المندثر وعادتْ كثيرٌ من المياه إلى غير مجاريها
الطبيعيَّة .
تقول الأديبة غادة السمَّان فى هذا الخصوص : ( كما لا يشفع التقيييمُ النقدىُّ للمنتوجِ هشاشتَه وابتذالَه وإن جلَّتْ مقاصدُه الوطنيَّة ... لا
يكفى أنْ يكون المرءُ فرداً فى حزبٍ أو منظَّمة ليتمَّ تسليمه بابَ النقد الأدبى فى المنشورةِ التى تموِّلها تلك المنظَّمة ..يستطيع كلُّ وطنىٍّ أنْ
يكتب منشوراً أو خطبةً أو يخطِّط للأجيال الصاعدة ، ولكن ما كلُّ وطنى شاعرٌ بالضرورة ! الشاعرُ يجب أن يكون موهوباً ، وحسن الاتِّجاه السياسى
ليس بديلاً عن حسن الموهبة ! هل التهاون فى مجال القيم الشعرية لأجل القيم السياسيَّة يُفيد الجيل الذى يقرأ هذا الشِّعر ؟ أقول : لا ، بل
يُساهم فى تتفيه وتضحيل القضايا الوطنيَّة ) انتهى .
أوليس ما قالته غادة السمَّان مُنطبقاً على حال الأدب وشئونه بالبلاد فى يومنا هذا ؟ .. ليس بمثل هذا التطفيف – يا أهلَ العَقْدِ والحَلِّ –
فى كيلِ العناية ببعضِ الأقلام على حساب الأُخرى ؛ تزدهر آدابُ الأُمَم .. وليس بالإسرافِ فى الإقصاءِ تُخرَسُ ألسنةُ الآخرين ، فأمَّا الزبَد فيذهب جُفاء
ويبقى ما ينفع الناس ! .. فاتعظوا وارعووا – يا رعاكم الله – وأدركوا ما يُمكن إدراكه .. دعوا التقوقُعَ داخل الكهفِ القديم ، ولتُسئلُنَّ
يومئذٍ : كم لبثتم على مُتَنفَّسِ الأدب الشريف باسطين أذرعاً غير مغلولاتٍ لذوى الولاءِ مِن بطانةِ الطبَّالين وماسحى الجوخ ، قاذفين بفتاتِ الترغيب
لاؤلئك المغفَّلين النافعين الذين يحرِّكون أذنابَهم بالوصيد ؟!!
|
|
|
|
|
|