|
(كَدَّاد) الحكومة !
|
(كَدَّاد) الحكومة ! شاذلي جعفر شقَّاق [email protected]
انطوتْ على نفسِها ..على جوعِها ..على وليدِها الذى لم يشهدْ ميلادَ شهرٍ بعد ..ربَّتتْ على فِراشِ صبرِها الوثير ..حدَّقتْ فى السَّعَف المضفور بعنايةٍ فائقةٍ تحتها ، ثم انتشلها صريرُ الباب .. جاء زوجُها (الخزين) مُعفَّراً بطينِ الجروف الخصيب .. (مجرْتَقاً) بترابِ الأرضِ البِكْر ..كان قد حرث أرضَه و (كَمْتَرَها) أى أزال منها جذورَ الحشائش القديمة من نجيلة وسِعْدة ونحوها ..جوَّدها وهنْدَسَ أحواضَها ..نثر البذور(غير الفاسدة) وغمرها بالمياه .. هكذا أمضى (الخزين) يومَه الزراعىَّ الأوَّل ، أو ما يُعْرَف بـ (سدَّ البوغة) ، ثم عاد إلى منزله خالىَ الوفاضِ إلاَّ مِن عشَمٍ وإيمانٍ ويقينٍ وبشاشةٍ بائنةٍ بينونةً كُبرى وصوتٍ مِمْراحٍ يكاد يبتلع صريرَ البابِ خلفه قائلاً : - أبِشْرى بالخير آلمبروكة .. الخُدْرة والكدَّاد ولسان الطير مَرَقنْ تَبْ بعد ده !!! غنيٌ عن القول إنَّ الحال التي يعيشها المواطن المغلوب على أمرِه من سوء الأحوال المعيشيَّة وتدهور الاقتصاد المُريع الذي جعل من لُقمة العيش غاية المُبتغى وسدرة مُنتهى الأحلام لشعبٍ يرزحُ 46% (ستة وأربعين) منه تحت خطِّ الفقر ، فضلاً عن الذين يدهسهم الموت والخوف والنزوح ..أو الهاربين حيث تلتهمهم المنافي والأصقاع البعيدة أو مهاضي الأجنحة الذين تفيض أعينُهم بالدمع لا لفراقِ وطنهم ولكن لعدم فراقه وقد زادتهم سوءاً على سوءِهم - في ظلِّ الهجرة الثانية – وكالات السفر ومكاتب الاستقدام التي تمارس – وفق وزارة التنمية والموارد البشرية - (الهمْبتة) عينك يا تاجر ، لا لسذاجةٍ منهم أو غباء ولكن هروباً من الرمضاء إلى النار ..أو سجن القهر والفقر المُدْقع إلى خشاش أرض الله التي ليس إليها من سبيل تحت مثار هذه الفوضى العارمة والفساد الضارب بأطنابه في شتى مناحي الحياة الكاسدة عطالةً وبطالةً ومخلَّفاتهما المنتشرة انتشارَ النار في الهشيم وهي تفتك بنسيج هذا المجتمع وتقضي على قِيَمِه وما تبقَّى من صبره . غنيٌّ عن القول حاجة المواطن – في بلدٍ يحرز مرتبة تاني الطيش للدول الأكثر فساداً - لاسعافاتٍ أوليَّة عاجلة ، لا وعود عرقوبيَّة معلَّقةً على جناحَيْ سحابة (سوف) الصيفيَّة الخلوب ..أو إشارةٍ من دليل صاحب الحاجة الأرعن إلى (خشم البقرة ) ..أو نخاسة أمنياتٍ ذابلة .. أو (سمْسرة ) لبيع (الشرموط وهو على ضهر المرفعين) لجائعٍ لا يقوى على الوقوف ! غنيٌّ عن القولِ إنَّ الكلام لا يسدُّ الرَّمَق ، والتسويف لن يُجدي فتيلاً مع صراخ الزُّغْب الصغار وأنين المرضى وسعال العجَزة ! أقول هذا وبين يديَّ ذلك الوعد القديم المتجدِّد الذي – رغم محدوديَّة المستفيدين منه – يُمكن أن يُعتبر قشَّةً يتعلَّق بها الغريق في بحر هذا الغلاء الفاحش والتضخُّم المريع وهو (حجوة أم ضبيبينة) زيادة الأجور وهي من كثرة تردادها على المسامع دون الدخول في الجيوب ؛ تناولتها صحافة اليومين السابقين بعناوين على شاكلة :( زيادة الأجور ..المؤمن صدِّيق ) !! وفي لمحة كاراكاتورية يقول الرجل البدين : سنزيد الأجور ! تأمَّل عزيزي القارئ حرف السين في (سنزيد) ! فيقول الرجل النحيف :في انتخابات قريبة ؟ فهذه الزيادة إذا تمَّتْ بأثر رجعي اعتباراً من إبريل الجاري كما يقول الخبر ؛ فإنَّ نائب الاتحاد العام لنقابات عمّال السودان يؤكِّد أنَّ أجور العاملين بالدولة مهما تمَّت زيادتها لن تحل مشكلات العمّال ! غير أننا لا نجد في الجانب الآخر وأعني أولي الأمرِ منَّا غير الانصرافيَّة التي لا تُقدِّم ولا تؤخِّر إذا ما تعلَّق الأمر بأبجديَّات المعاش التي هي بالضرورة أهم من سواها مهما بدا ذلك أو شُبِّه لهم ! ( فالَّلتْ والعجن والمكوار والكمَّامة لا للدقيق في التُكُل والخُمَّارة ) إنَّما على الشفاه والمنابر والورق عن خليفة الرئيس و إن شئتَ الدقَّة مرشَّح المؤتمر الوطني للانتخابات القادمة (يعني أمر يخص الحزب وحده) .. أو محاولة إثناءِ السيد الرئيس عن رغبته في عدم الترشُّح لدورة قادمة .. بل مضتْ ثُلَّةٌ أُخرى للخوض في الدستور وتعديله ..فيا هؤلاء إنَّ المواطن الذي يُعاني الأمرَّيْن في سبيل توفير لقمة عيش لابناءِه لا يهمّه دستور الحكم أو دستور أولاد ماما أو دساتير الأبواب المخلعة بقدْر ما يهمّه ما يُقيم الوأد ويسدّ الرمَق إنْ كنتم تعلمون ! فإذا ما تفجَّرتْ – مثلاً – فضيحة استخدام نساءنا أو تصديرهنَّ كإناث إلى الخارج ؛ صرفونا بالحديث عن الفساد داخل أروقة وزارة التنمية والموارد البشرية كأنَّه نبْتٌ شيطانيٌّ شبَّ عن الطوْقِ فجأةً بالتزامن مع ميلاد الفضيحة ! وإذا ما فغرنا أفواهنا دهشةً – في زمان موات الدهشة – لذلك الفساد المنشور على حبال غسيل الصحف ؛ صرفونا إلى (مُقْنَع ) الوزيرة الذي سقط ولم تُرِدْ أو تُرِدْ إسقاطَه ، فيضيع دمُ مكافحة الفساد ومكاشفة (الخمج) الإداري و(اللبِع) المالي هدراً بفعل نخوة (مُقنع الكاشفات) الذي لم يرَ رأسَ الوزيرة مُسبقاً فيما يبدو إلاَّ عندما هبَّت العاصفة ! كما لاينسوا (انصرافيّونا ) هؤلاء أن يبشِّرونا بـ (كدَّاد) الخير الوشيك و( لسان الطير ) الذي سوف ينبت قريباً أخضراً يانعاً يسرُّ الناظرين ويغيظ أعداء الأمة المأفونين ! وإنهم لا يعدمون مُدخلاً لبثِّ هذه الطمأنينة المجَّانية سواءً كان عبر الكلام عن زيادة الأجور او موارد الأرض الوفيرة من الذهب والبطيخ والفسيخ والكمّونية ! أو استئناف تصدير بترول دولة جنوب السودان ، علماً بأنَّ هذا البترول منذ أن كان السودانُ موحَّداً ويستخرج خمسمائة ألف برميل يوميَّاً لم يصل – إذا تجاوزنا زاهدين قفّة الخضار – إلى طبق (الكِسْرة ) أو حلَّة (ألمُلاح ) في بيت محمد أحمد التعبان !!
الوفاق - اليوم الخميس - 4/4/2013م
|
|
|
|
|
|