|
تحول نجل قيادي حمساوي إلى المسيحية بين الدين والسياسة
|
لم يكن خبر اعتناق الشاب الفلسطيني مصعب المسيحية ليثير اهتمام العالم لو لم يكن الشاب نجلاً لحسن يوسف القيادي الشهير بحركة حماس المتطرفة التي يدينها العالم الغربي بالإرهاب. كان الخبر بمثابة المفاجأة العملاقة للمتابعين للأحداث على الساحة الفلسطينية، وبخاصة بين المعارضين والرافضين للمواقف المتشددة لحركة حماس. وقد أبرزت وكالات الأنباء نبأ تحول مصعب عن الإسلام، دين والده، واعتبرته حدثاً مهماً يستحق مكاناً بين الأخبار الدولية المهمة الأخرى التي تشمل الحرب بين روسيا وجورجيا، والوضع الأمني المتدهور في أفغانستان، الإنفجار المروع في مدينة طرابلس اللبنانية، وأوليمبياد بكين، وغيرها من الأنباء المهمة. التناول الإعلامي لمسألة تحول مصعب يوسف عن الإسلام واعتناقه المسيحية له ارتباط وثيق بالمواقف السياسية لحركة حماس، وبالأوضاع الراهنة على الساحة الفلسطينية وبالانهيار الذي تشهده عملية السلام في الشرق الإوسط. فالعالم لم يكن ليهتم بخبر يتعلق بمسألة شخصية لفرد لو لم يكن الخبر يحمل دلالات خاصة. الدلالات التي يحملها تحول مصعب يوسف إلى المسيحية كثيرة وترتبط كلها بمحاولات العالم الغربي فهم الأيديولوجيا المتطرفة التي تتبناها حركة حماس والتي تقود إلى حالة عدم الإستقرار الراهنة في منطقة الشرق الأوسط. ولذا فقد كانت الأسئلة التي وجهتها شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية لمصعب يوسف في حوارها معه تتعلق بنشأته وطريقة تربيته، وعلاقته بأبيه وأسرته، وكيفية تحوله عن الإسلام، والصعوبات الشخصية التي واجهته قبل إعلانه اعتناق المسيحية، والأسباب التي دفعته للبحث في أمور دينية لا يجرؤ الكثيرون من المسلمين على الخوض بها، وأسباب اعتناقه المسيحية بدلاً من تبني تيار إسلامي معتدل، وعلاقته بحركة حماس، والميكانيزم الذي تعمل به الحركة، ومدى إيمانها بالسلام وبالوجود المشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومدى مسؤولية الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي عن انهيار عملية السلام. ولقد حملت إجابات مصعب حسن يوسف على أسئلة شبكة "فوكس نيوز" إتهامات وإدانات واضحة لحركة حماس وقيادييها باستثناء والده الذي أكال له المديح وعبارات الثناء. وقال مصعب يوسف أن نقطة التحول الكبرى في حياته جاءت حين رأى بعينيه عمليات القتل والتعذيب التي يمارسها بعض قادة حركة حماس الذين أكد اننا نراهم بصفة مستمرة على شاشات التلفاز ضد المئات من الفلسطينيين بمن فيهم أعضاء بحركة حماس بتهمة التعاون مع قوات الاحتلال الإسرائيلي. وقال أن وحشية الحمساويين دفعته للتفكير في الكثير من الأشياء التي يعتبرها كل فلسطيني ومسلم مقدسة أو أموراً مسلماً بها. ورغم تأكيد مصعب يوسف على مسئولية جميع قادة الحركة عن أيديولوجيا العنف التي تتبناها الحركة، إلا أنه رفض توجيه اللوم لجميع الحمساويين مشيراً إلى وجود أناس جيدين لم تتلطخ أياديهم بدماء الأبرياء في داخل الحركة. وشدد يوسف على أن الكثيرين من الفلسطينيين قليلي المعرفة يؤيدون حماس لمجرد الاعتقاد بأن حماس تمثل الله والإسلام. ولم يكتف مصعب حسن يوسف بانتقاد قادة حماس، وإنما مضى ينتقد بشدة الدول الإسلامية لمواقفها من الجهل الذي ينتشر بسدة بين شعوبها. وأرجع يوسف الكثير من المشاكل التي تعاني منها الدول الإسلامية ومنها التطرف والإرهاب إلى غياب الوعي بين الشعوب، وهو الأمر الذي تعمل الحكومات بمساعدة رجال الدين على توسيع قاعدته لضمان السيطرة على الشعوب. وانتقد مصعب يوسف سياسة الانغلاق التي تتبعها الحكومات العربية والإسلامية والتي تقوم من خلالها ببناء الأسوار بحجة حماية شعوبها من الحضارات الأخرى بدلاً من الاهتمام بتعليم وتقيف الشعوب. وأوضح أنه في عصر المعلومات لم تعد تجدي الأسوار مشيراً إلى أن السنوات الخمس والعشرين القادمة ستشهد تغيراً كبيراً في العالمين العربي والإسلامي. بعيداً عن تصريحات مصعب حسن يوسف التي تحمل قدراً كبيراً من الصحة، فمن المؤكد أن تحول مصعب إلى المسيحية هو قرار شخصي ينبغي على الجميع احترامه. ورغم أنه يصعب على المرء الحكم على مدى صدق إيمان الشاب الفلسطيني بالمسيحية لأن الإيمان في المسيحية عمل شخصي ينشأ في قلب الفرد، فإنه من المهم الابتعاد عن المهاترات التي تحاول الربط بين تحول مصعب إلى المسيحية ومحاولات إسرائيل اختراق حركة حماس. ولقد كانت محاولات حركة حماس الزعم بأن تحول نجل أحد أبرز قادتها كان مؤامرة صهيونية لزعزعة استقرار الحركة والحط من عزيمة المقاومة عملاً بعيداً عن الموضوعية. ولا شك في أن استخدام حركة حماس هنا لنظرية المؤامرة يهدف إلى إبعاد الأنظار عن الأخطاء الحمساوية الكبيرة التي ذكر مصعب حسن يوسف أنها قادته لإعادة التفكير في أمور كثيرة منها عقيدته التي ترعرع عليها. وقد أكد مصعب الذي يبلغ من العمر الثلاثين على أن قرار تحوله إلى المسيحية جاء بعد سنوات أمضاها في الدراسة والقراءة والتفكير قبل أن يتخذ قراره المصيري. من المؤكد إن تحول نجل القيادي الحمساوي إلى المسيحية سيضع المزيد من علامات الاستفهام حول مستقبل المسيحيين في فلسطين وبخاصة في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس. وقد كان ارتفاع معدل الاعتداءات على المسيحيين ومقدساتهم في غزة في الشهور الأخيرة التي شهدت تداول أخبار غير مؤكدة عن تحول مصعب إلى المسيحية دليلاً على مدى المصاعب التي يعاني منها المسيحيون هناك. وكان من أهم معالم المصاعب التي يعني منها المسيحيون في غزة في الشهور الماضية اغتيال رامي عياد صاحب إحدى المكتبات المسيحية، والاعتداء على جمعية الشبان المسيحيين، والاعتداء على بعض الأديرة والكنائس والمدارس والممتلكات المسيحية، ومحاولة اختطاف عدد من المسيحيين. ومن المؤكد أن إعلان مصعب نجل القيادي الحمساوي حسن يوسف بنفسه عن تركه الإسلام وتحوله إلى المسيحية سيزيد من مصاعب المسيحيين في غزة. إن تحول مصعب نجل الزعيم الحمساوي حسن يوسف عن الإسلام وقبوله بالمسيحية يجب أن ينظر إليه على أنه قرار شخصي يتعلق فقط بحياة الشاب الفلسطيني. ورغم تشابك الدين والسياسة في مسألة تحول مصعب حسن يوسف عن الإسلام، إلا أن قراره اعتناق المسيحية، كما أكد الفلسطيني الشاب، كان نابعاً عن قناعة شخصية ولم تكن هناك مؤثرات أو ضغوط مورست عليه. فالشواهد تقول أن الحمساوي الذي ينشأ على مبدأي الجهاد والشهادة في سبيل الله لا يمكن أن يتخلى عن عقيدته تحت أية ضغوط أو مؤثرات. ولذا فإنه يجب على حماس التوقف عن استخدام المسألة في صراعها مع إسرائيل والغرب عبر اتهامهما بإجراء عملية غسيل مخ لمصعب. وإذا كان من المنطقي مطالبة الحمساويين بالتوقف عن الربط بين اعتناق مصعب حسن يوسف المسيحية والصراع مع إسرائيل والغرب، فإنه من المنطقي أيضاً مطالبة جميع الأطراف المعارضة لحماس داخلياً وخارجياً بالتوقف عن استخدام تحول مصعب حسن يوسف عن الإسلام لتحقيق مكاسب سياسية. وأخيراً فإنه من الضروري مطالبة قادة حماس بالتوقف عن اضطهاد الأقلية المسيحية في غزة والتوقف عن استخدام مسألة تحول نجل أحد قادتها إلى المسيحية للانتقام من المسيحيين الغزاويين. جوزيف بشارة [email protected]
http://gch1.org/ar/news_view_63.html
|
|
|
|
|
|