يجب أن لا نستصغر مطلقا مثل هذه الأحداث المفصلية ولا أن نركن لـ(انتظارية مقيتة وقاتلة) حيالها . لقد قسمت اتفاقية نيفاشا المعارضة الرسمية لنظام الخرطوم إلى نصفين نصف داخل النظام ومستفيد من الاتفاقية ونصف خارج الاتفاقية وخارج النظام ومهمش من قبلهما . مع ذلك حظيت الاتفاقية بمباركة الجميع تقريبا (حتى مع التحفظات( طمعا في الحصول على منطقة وسطى بين الإنقاذ وما بعد الإنقاذ .... وظلت دارفور تغلي وتلتهب !!
لم تكن العواصف التي مرت بعد توقيع الاتفاقية وحتى هذه اللحظة بالشيء الهين على مقاتلي الحركة الشعبية الذين كتب الله عليهم أن لا يشهدوا موت قائدهم وملهمهم (في ملابسات خسيسة) وحسب . بل أن يشهدوا أيضا ثمارا ومآلات مخيبة للأمال بدأ بالتشكيل المجحف لما سمي بحكومة الوحدة الوطنية وليس انتهاءا بأحداث ملكال التي مثلت نقضا صريحا لاتفاق نيفاشا.
وعلى صعيد التحول الديمقراطي المنشود .. قدمت الأقلية الحاكمة باسم المؤتمر الوطني براهين كثيرة على عدم جديتها وصدقهافيه يقف أبرزها التنكيل بالمعارضين السلميين الذي خرجوا في تظاهرات سلمية احتجاجا على تعديل غير دستوري للموازنة العامة . وأضحت الحصيلة في الشارع اللاسبيل مجددا والاحباط المزدوج من صدق النظام في التحاكم للأدوات والطرائق الديمقراطية في التعبير ومن قدرة التنظيمات الديمقراطية على إنتاج أفعال قوية تكسب تعاطف العامة .
دارفوريا أنجزت السلطة الشمولية وبمساعدة دولية اتفاق سلام جزئي كان يمكن أن يتم توسيعه وتعميقه ليجنب النظام دفع استحقاقات الأخطاء الانقاذية القاتلة في دارفور ويضمد جراح مواطني الإقليم للأبد لو توفر في النظام ذكاء ومصداقية بالحد الأدنى ولكن بدلا من ذلك أدت روح المناورة والتعنت إلى تطاول الأزمة وتفاقمها بل وإلى توسيع رقعة المواجهة المسلحة لتشمل أجزاءا من كردفان . كان واضحا من أحداث مدينة الفاشر أيضا أن السلطة لا تريد أو لا تستطيع احتواء ظاهرة الجنجويد .
إزاء كل هذا ينهض تساؤل مشروع ... لأي شيء يستحق نظام الخرطوم سكوت (بنادق) المقاتلين السابقين في الحركة الشعبية والتجمع الوطني الديمقراطي وغيرهم ... لماذا يجب استبعاد العودة لمحاورته عسكريا ؟؟
ظهر جليا أن الأمور تسير بشكلها هذا إلى (إعادة تمكين) الفئة الباغية من إنقلابيي الإنقاذ وشمولييهم من البلاد مجزأة كانت أو موحدة وذلك بتدابير نزقة تقول خلاصتها أن الاتفاقيات الموقعة لا تفتقر إلا إلى من ينوى الوفاء بها فعلا . وسيظل عامة المواطنين [غير المنضويين إلى (العلب) الحزبية الملحقة بالنظام أو المحيطة به بحسب هذه الاتفاقات والتي ستلتقط بعض الفتات بهذا الشكل أو ذاك] بعيدين عن استمتاع بموارد الوطن ومستحقات المواطنة . إزاء ذلك ليس سوى أن يقوم جيش وطني جرار مكون من المقاتلين الشرفاء في الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية ومفصولي الجيش بالزحف نحو الخرطوم من كل الجهات وما تصريحات القائد هاشم بدر الدين إلا بداية ذلك . يجب أن لا نستصغر مطلقا مثل هذه الأحداث المفصلية ولا أن نركن لـ(انتظارية مقيتة وقاتلة) حيالها.
(عدل بواسطة فتحي البحيري on 12-26-2006, 12:13 PM)