دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
الصداقة بين الصفاء والوفاء
|
الوفاء من الشيم الإنسانية النبيلة، وهي أنبل ما تكون إذا سادت مناخ الصداقة وسيطرت على العلاقات بين الأصدقاء، فإذا بكل صديق يشعر بأجواء السعادة والطمأنينة التي تنعشها الابتسامات غير المصطنعة، والبشاشة النابعة من القلب والألفاظ التي تحمل معاني الصداقة الحقة التي تجمع ولا تفرق، وتبني ولا تهدم، وتقرب ولا تبعد. الوفاء إذا ساد بين صديقين جعل كلاً منهما يشعر بالأمان تجاه صاحبه لأنه على ثقة تامة بأنه سيجد صديقه فور الحاجة إليه، بل قد يصل الوفاء إلى درجة تلمس هذه الحاجة فلا ينتظر الصاحب أخاه حتى يصل إلى درجة الاحتياج كي يسجل لديه سبقاً في رصيد معروفه، أو تسلسلاً في أجندة إنقاذه أو سطراً في صفحة (الفزعة) لديه. إن الوفاء هو ترجمة حقيقية لمعنى الصداقة الحقة في الحياة، ولا يعني ذلك تقديم ثمن للصداقة الحقة في الحياة، ولا يعني ذلك تقديم ثمن للصداقة بين الناس، بل يجيء الوفاء ثمرة لتلك الصداقة التي تحمل معاني التضحية والإيثار وتقديم مصلحة الصديق على مصلحته، وليس هذا السلوك ببعيد عن ثقافتنا وقيمنا التي حملت بين ثناياها مازلنا نردده منذ كنا صغاراً في سنوات التعليم من قول القائل: إن الصديق الحق من كان معك ومن يضرُّ نفسه لينفعك ومنْ إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك وإذا لم يكن من غير المقبول في عالمنا المعاصر الذي سيطرت فيه ثقافة (الأنانية) وسلوك (الفردية) والتسابق نحو (التفرد) فإن أدنى درجات الصداقة الحقيقية تستجيب لصفات الوفاء التي ترتبط بسلوكيات التضحية والنجدة وإقامة العثرات والكبوات، إضافة إلى إنصاف الصديق صديقه ولو من نفسه، فضلاً عن إنصافه من غيره، فالصديق الوفي هو الذي يعرف لصديقه حقه في السخط قبل الرضا، وهو الذي يؤثر على نفسه كي يشعره معه بالأمن والأمان والطمأنينة لتستمر الصداقة قوية ومتينة لا تزعزعها الأهواء أو تتلاعب بها أمواج الحياة المادية الطاغية على سلوك البشر. ويندرج تحت صفة الوفاء العديد من السلوك المرتبط بالمشاركة في مواطن المسرات وفي مواقف الأحزان وفي تبادل المشاعر سعادة أو حزناً، فرحاً أو ترحاً فتتعمق بذلك أجواء الصداقة وتنمو أغصانها، وتورق بل وتثمر وفاء بوفاء، وعطاء بعطاء، وهنا يصدق السلوك الوفي الذي يجعل الصداقة شجرة مثمرة بشتى أنواع الخير في عالم الناس. ومن سلوكيات الوفاء في عالم الصداقة أن يسود النصح المتبادل بين الأصدقاء، والإرشاد نحو الخير والمصلحة الحقيقية للصديق التي تحفظ عليه دينه وخلقه وتبعده عن مواطن الزعل والعثرة، وهنا ينبغي على الصديق أن يكون رفيقاً في نصحه، غير غليظ في قوله، صابراً على أن يصل بصاحبه إلى بر الأمان، وأن يكون له مبشراً وليس منفراً، حتى لا يدب اليأس إلى نفسه، فلا تثمر النصائح مهما تعددت، ولا يجدي القول مهما كان بليغاً، فكم من صديق فقد صديقه جزاء نصح غير صبور، وتسرع نحو نجدته وإنقاذه من مواقع الخطأ من غير رفق أو تأن مدروس، وكم من صديق انتزع صاحبه ووقف به على الطريق الصحيح بما تحلى به من عزم على إنقاذه وصبر في نصحه، ورفق في التعامل معه، وزين كل ذلك بوفاء في صداقته. وإذا كان شأن الوفاء في الصداقة يسمو بها نحو الخير بعد أن يرسخ أركانها، ويشيد دعائمها قوية متينة، فإن أجواء الصفاء الذي يجب أن يسود بين الأصدقاء هو ذو شأن بعيد الأثر في تأكيد الصداقة، وتدعيمها فصفاء المناخ بين الأصدقاء، يبعد شبح الاختلاف فيما بينهم، ويؤكد عرى المودة في علاقاتهم فتسود الصراحة أقوالهم، ويهيمن الصدق على أفعالهم، وتتسق الأفعال مع الأقوال في مناخ من الوفاء والصفاء، ولذلك فإن الحريصين على الصداقات الحقيقية يسمون إلى أن يكون الصفاء سمة مميزة لصداقاتهم، فنجدهم يزرعون بذور الصفاء ويرعونها ويتعهدونها بحسهم الوفي، وسلوكهم الصادق، الحريص على نمو الصداقة ورسوخها، فهم ينصحون ويتناصحون، يقيلون عثرة الصديق، يصدقون معه في القول، لا يبشون في وجهه ثم ينقلبون عليه من خلفه، لا يكيلون له المديح إذا رأوه، والذم إذا أدار ظهره عنهم، فالصفاء هو السلوك الذي يدعمون به الصداقة، والصراحة هي السبيل لدوامها واستمرارها، والصفح لديهم عن الصديق هو الذي يرتقي بصداقتهم نحو رسوخ أشد، ومتانة أقوى متمسكين بقول القائل: إذا اعتذر الصديق إليك يوماً من التقصير عذر أخ مقر فصنه عن عتابك واعف عنه فإن الصفح شيمة كل حر وهكذا تثمر الصداقة بالوفاء وتنمو وتزدهر في أجواء الصفاء مودتى
|
|
|
|
|
|
|
|
|