القضارف .. والتزكية المقلوبة !!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 02:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-01-2010, 11:02 PM

جعفر خضر

تاريخ التسجيل: 08-09-2008
مجموع المشاركات: 1600

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
القضارف .. والتزكية المقلوبة !!

    بسم الله الرحمن الرحيم

    القضارف .. والتزكية المقلوبة
    جعفر خضر
    اعتمد في هذه الورقة المقدمة لفعالية شروق المعنونة (تزكية المجتمع .. القانون وآليات التنفيذ) على مقال كتبته ونُشر جزئيا بصحيفة الأيام يوم 29/7/2008 . وتأتي أهمية الموضوع من أن الأول من رمضان المقبل 1431هجرية الموافق الأربعاء 11/8/ 2010 يبدأ تطبيق قانون تزكية المجتمع بولاية القضارف ، علما بأنه كان قد أُعلن قبل أكثر من سنتين أن تطبيقه سيبدأ يوم الجمعة 17/8/2007م . ورغم أن تطبيقه لم يبدأ بعد إلا أن حملة شعواء ـ استنكرها الكثيرون ـ نُفذت ضد بنات القضارف الشريفات ، ولا ندري تحت أي قانون نُفذت الحملة ؟ قانون التزكية أم قانون النظام العام أم ماذا ؟
    جهات سياسية/أمنية تتبع للمؤتمر الوطني أسهمت في صياغة قانون تزكية المجتمع لولاية القضارف بجانب ـ ربما ـ أفراد ذوي نوايا حسنة ، وهذا ما سيتم توضيحه في هذه الورقة . ومما يجدر ذكره أن الولاية أوقفت إعداد قانون الثراء الحرام الذي كنا نأمل أن يتضمن مادة (من أين لك هذا ؟) التي تحاسب الحاكم وتطبق عليه عملياً لتؤكد أن الناس أمام القانون سواء ، وأنه ليس هناك (أشراف) يُتركوا وإن فعلوا السبعة وذمتها وضعاف تُقام عليهم الحدود وإن لم يُذنبوا ، وهي المادة التي التي لم ير واضعو قانون التزكية أنها جديرة بأن تضمن في القانون . ولن تسعى الورقة إلى تتبع مواد قانون التزكية بالتفصيل ، ولن تعمد إلى تأييد بعض المواد كالتي تتعلق بإدارة الدعارة التي لن يختلف عليها اثنان ، وإنما ينظر للقانون نظرة كلية تربطه بواقع ممارسة "الإسلاميين" القابضين على زمام السلطة .
    أتى قانون تزكية المجتمع بولاية القضارف ليضع العربة أمام الحصان . ففي الوقت الذي ذاعت فيه قصص فساد كثيرة من مسئولي الحكومة علي مستوى الولاية إلى درجة أن قال رأس المجلس التشريعي السابق أن رأس السلطة التنفيذية السابق/ والي القضارف قد اشترى ما قيمته مليار جنيه فقط ب 4 مليارات من الجنيهات على رؤوس الأشهاد ؛ فلم نر عربة شرطة واحدة تداهم منزل عبد الرحمن الخضر موجهة له تهمة نهب ثروات البلاد ، كما لم تداهم منزل كرم الله بتهمة ترويج أكاذيب ؛ ولكنها داهمت سوق القضارف لتقبض على بنات القضارف الشريفات في الأيام الماضيات ، في حين سبق وأن تم تعيين أحدهما واليا على القضارف ، وتمت ترقية الآخر واليا على الخرطوم .
    ممنوع النوم :
    جاء القانون مستهدفا مواطني الولاية البسطاء من ترزية وحلاقين وسائقي ركشات وبائعات شاي ومحلات اتصال وسابلة في الطرقات ؛ ولم يلق بالاً للحكام والولاة كأنهم ليسوا جزءا من المجتمع أو كأنهم شريحة لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها .
    والقانون في إطار تساهله مع الحكام المترفين غض الطرف عن عبثهم بأموال العباد ، وفي إطار تشدده على عامة الناس تضمن ما لا يرقى لأن يكون جريمة مثل السكن في المنازل المهجورة أو تحت التشييد(المادة 25) وهذه لن [يرتكبها] إلا مضطر منعه البرد أو الخريف من النوم في مجرى المياه فلجأ إلى ذلك البيت باحثاً عن الدفء والأمان ، ليجد في انتظاره 100 ألف جنيه غرامة والسجن لمدة أقصاها شهر ! وأظنه سيسعد بالأخيرة ، مهما يكن فالسجن مأوى من لا مأوى له ! وكأنّ الغرض من هذه المادة جعل القانون خفيراً يحمي عماراتهم تحت التشييد . واعتبر القانون فتح محل للألعاب الالكترونية جريمة يُعاقب عليها (المادة30) ، ولا يمكن أن تكون هذه جريمة بتركها يتزكى المجتمع ، وإن رافق الممارسة مظهر سالب فينبغي ترك الأمر للإدارات المحلية والتربوية لتداركه .
    نكورك ليكم ما تجو :
    قد جاء في معرض شرح اللجنة القانونية [إذاعة القضارف ،برنامج استوديو المنتصر] للعبارات المنافية للعرف والذوق (المادة 20) التمثيل بعبارة (نكورك ليكم ما تجو نجيكم تكوركو) ولم يدر القانوني الموقر أنّ هذه العبارة دخلت معظم البيوت بلسان الكوميديان المحبوب محمد المهدي الفادني وعبر تلفزيون السودان ؛ وهذا يشير إلى العبارات الفضفاضة غير المنضبطة التي يتضمنها القانون ، والتي يسهل توظيفها ضد الآخرين . وقد تساءل وطرح مع هذه الورقة [في ذات الحلقة عبر الهاتف] على رئيس المجلس التشريعي وقتها كرم الله عباس ورفاقه القانونيين تضمين قانون التزكية مادة [من أين لك هذا] لمساءلة أي مسؤول يظهر عليه غنى مفاجئ .. فدللوا على عدم الحاجة لذلك ، واتهم أحدهم السائل بسوء الظن ! وقرأ هو أو الآخر قوله تعالى [(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة)] .
    تركيز سلطات :
    يركِّز هذا القانون السلطات في يد الوالي ووزير الرعاية الاجتماعية ؛ فالوالي هو الذي يعين وزير الرعاية الاجتماعية كرئيس لمجلس إدارة تزكية المجتمع وبقية أعضاء المجلس وبالتالي فهم مسؤولون أمامه . ورئيس مجلس الإدارة (الوزير) يعين بقرار منه المكتب التنفيذي الولائي ، والتسلسل التلقائي كان سيفضي إلى أنّ رئيس المكتب الولائي هو الذي يعين المكاتب التنفيذية المحلية ، ولكن هذه أيضاً منحت لوزير الرعاية الاجتماعية (رئيس مجلس الإدارة) وبالتالي هم جميعاً مسؤولون أمامه ، ومن ثم يعين رؤساء المكاتب المحلية اللجان في القرى والأحياء والفرقان .
    ولتأكيد السلطات الواسعة التي يتمتع بها وزير الرعاية الاجتماعية فقد نصت المادة 16 التي تتعلق بالوحدة الدعوية (16ـ1ـ أ ـ تنشأ بقرار من رئيس مجلس الإدارة وحدة دعوية لتزكية المجتمع ودعوته دون استعلاء عليه أو مصادرة لوظائفه [هنا يوجد لعب بالضمائر] علي أن تسخر كل إمكانياتها المادية والمعنوية لتهيئة المناخ المناسب لحركة المجتمع وقيامه بوظائفه الشاملة التي تنميه كيفا وكما. لذلك فإنّ وزارة الرعاية الاجتماعية من الوزارات التي لن يفرط فيها حزب المؤتمر الوطني .
    مواد مفخخة وغريبة وطريفة :
    من المواد المفخخة التي وردت في هذا القانون المادة 20 . فقد عُرّف الزي الساتر في الفصل الأول بأنه ( الزي المغطي لجميع الجسد عدا الوجه والكفين لا يصف ولا يشف وفضفاض واسع ) ثم نصت المادة ( 20ـ1ـ أ يجب على الكافة ارتداء الزي الساتر ) فهل ترى تم تضمين هذه المادة كرد فعل لما حدث من منع للطالبات ـ في ذلك الوقت ـ في ولاية بحر الغزال بقرارت رعناء من ارتداء الحجاب ؟! ومن ثم فتح الباب لردود أفعال جديدة ؛ الشيء الذي يتعارض مع روح اتفاق السلام . أم هي محاولة أخرى لدغدغة المشاعر واتخاذ المادة وسيلة لوصف المعارضين للقانون بالانحلال وسيئ الخصال ؟! على العموم هذه المادة غير قابلة للتطبيق طالما أنها ضربت بالأعراف عرض الحائط ، ولكنها ستنفذ تنفيذاً انتقائياً ـ عند الحاجة ـ لإذلال الآخرين . فكان ينبغي أن يشتمل التعريف على ما تعارف عليه الناس من زي والذي قد لا ينطبق على التعريف الوارد ذكره تطابقاً تاماً . والأفضل من ذلك الاكتفاء بمادة قانون العقوبات الاتحادي لعام 1991 المادة 151 التي جرّمت من يرتدي (زي فاضح) يسبب مضايقة للشعور العام ، وقد جاء في ذات المادة (يعد الفعل مخلا بالآداب العامة إذا كان كذلك في معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل.) . وفرق شتى بين زي غير فاضح وبين الزي الساتر بتعريف قانون التزكية ، في ظل تفسيرات على شاكلة نكورك ليكم ما تجو [أخشى أن أكون قد ارتكبت جريمة للتو] . وبدلاً من جلد من لم يلتزم بالزي المعرّف أعلاه 40 جلدة أو الغرامة أو السجن ، كان من الأفضل للقائمين بالأمر وعظ الناس بلسان الحال ، أولاً بالتزامهم بذلك وبعفة اليد واللسان ، وثم ـ بعد ذلك ـ الوعظ بلسان المقال موعظة حسنة يتحسن بها سلوك الناس باختيارهم .
    ومن الملاحظ في سياق قريب وغريب أن القانون قد منع تظليل الركشات (المادة 20ـ 2ـ هاء)ومنع تظليل محلات الاتصالات (المادة 31ـ1ـ ج)ومحلات خياطة ملابس النساء (39ـ1ـ ج) ولكن القانون لم يعر اهتماماً لعربات الحكام المظللة ! أهؤلاء ليسوا من البشر ! فإذا عقدنا مقارنة بين الركشة وعربة أي مسؤول كبير [ثمنها 300 مليون ـ أقترح بيعها لشراء دواء الأزمة الذي تفتقر إليه مستشفى القضارف الآن !!] الركشة التي لا أبواب لها الفاتحة من جوانبها لا يكفي مقعدها الأمامي لغير سائقها الذي ينشغل ذهنه بالتوريدة وحق البنزين ، أمّا تلك الفارهة فوثيرة ومحجبة ومكندشة ! فأيتهما أولى بإزالة التظليل ؟! قد يقولن قائل : إنّ تظليل عربات الحكام من أجل تأمينهم ، وهي حجة منكودة ، فطالما حكموا فليعدلوا فيأمنوا وليناموا تحت أغصان الشجر !
    ومن المواد الطريفة في هذا القانون المادة 36 والتي حظرت من ضمن ما حظرت (عرض الأزياء غير الشرعية) .. ماذا يقصد بذلك ؟! هل المحظور الزي غير الشرعي أم العرض ؟! إذا كان المحظور الأول ، فالزي غير الساتر يكون غير شرعي في الطريق العام ، ولكنه شرعي في البيت ؛ فلا يوجد زي غير شرعي بهذا المعنى ، وينطبق نفس القول إذا كان المقصود بالعرض التجار . أما إذا كان المقصود بعرض الزي غير الشرعي عروض الأزياء كالتي تحدث في الفضائيات ، فهل يوجد مثل ذلك بولاية القضارف ؟! ـ وإذا سلمنا جدلا بذلك فإن منطوق المادة قد منع عروض (الأزياء غير الشرعية) ، إذاً فهو يجيز عروض (الأزياء الشرعية) !! ولك أن تتخيل عارضة أزياء شرعية تمشي جيئة وذهابا !!
    سؤال : لماذا يقدم تلفزيون القضارف مسلسلات لا تلتزم بالزي الساتر حسب قانون التزكية ؟
    يبدو أنّ القانون ـ من فرط كرمه في التشدد على عامة الناس ـ يعاقب على "المافيش" ! وكان الأحرى بالمسؤولين إذا كانوا جادين في مسألة التزكية أن يبدأوا بأنفسهم مثلما فعل سيدنا عمر بن عبد العزيز لحظة أن تولى الإمارة حين أعاد النظر في طريقة وصوله للسلطة وصحح الأمر بمعايير ذلك الوقت ، من هنا يبدأ الإصلاح ، ثم بتبني سياسة تقشفية ، تخفض المناصب التي تضخمت كالسرطان ، وتلغي المخصصات الكثيرة التي أرهقت أموال الولاية (شهدت القضارف تقدما في تقليل المخصصات مؤخرا) ، ومحاسبة المعتدين على المال العام ، واسترداد الأموال التي نهبها المسؤولون ، وتوجيه الموارد للضروريات ؛ وبعد ذلك فليطرحوا على الناس قانون تزكيتهم .
    المال .. المال :
    ولمكافحة الرزيلة جاء في (المادة11ـ و- رفع التوصيات الخاصة بمكافحة الرزيلة عبر تقديم الدعم المالي والمادي المجزي والمستمر للأسر الفقيرة.)وهو أمر محمود يتطلب توجيه الموارد لتحسين وضع الفقراء صحة وتعليماً وتوفيراً لسبل كسب العيش ، وهذا من أوجب واجبات الحكومة . ولكن ما هي آليات تنفيذ ذلك ؟ وهنا يبرز وجهان للمشكلة : الوجه الأول أنّ أموال الغرامات لن تكفي لقتل الفقر في الولاية لأنّ معظم من يستهدفهم القانون فقراء .. ترزية.. حلاقون.. ستات شاي.. سائقو ركشات ... ولأنّ القانون لم يلزم[أكرر لم يلزم] المسؤولين أصلاً بتوجيه مال الغرامات لاجتثاث الفقر ، فقد نصت (المادة 44ـ 2- تصرف الأموال المذكورة في البند (1)[أي أموال الغرامات وثمن بيع المنقولات والعقارات المصادرة] بواسطة وزارة المالية الولائية .) وبالتالي فهي تعطي وزارة المالية حق التصرف في الأموال . وحتى عندما أشار القانون إلى مراعاة معالجة الظواهر السالبة وإعادة الجانحين إلى جادة الطريق بتوفير سبل العيش الكريم لهم ، وتوفير وسائل الحركة والاتصال والتسيير للمكاتب التنفيذية والشرطة ولجان تزكية المجتمع ؛ فقد سبق ذلك (44ـ 3- دون الإخلال بعموم ما جاء في البند (2)) لتأكيد حرية وزارة المالية في التصرف . فإذا وجهت وزارة المالية 20 % من تلك الأموال إلى اللجان والشرطة ، وصرفت الباقي لإقامة مسيرة مليونية ! فمن من العاملين بتزكية المجتمع ، حسبة أو بأجر ، يقول البغلة في الإبريق ! .
    والوجه الآخر أن القانون لم يحرص على تقديم الدعم للفقراء رغم ما ورد ذكره في هذا الخصوص ، بدليل أنّ أكثر آليتين احتكاكاً بالمجتمع تضمنهما القانون في فصله الثاني هما : لجان التزكية بالقرى والأحياء والفرقان ، والوحدة الدعوية ؛ لم يرد في مهامهما ما يشير إلى ذلك الحرص . فقد جاء في مهام لجان التزكية (المادة 15 ـ ب- رفع تقارير أسبوعية للمكتب التنفيذي المحلي توضح العمل الإداري ومستوى تطبيق القانون داخل الحي أو القرية والظواهر السالبة والموجبة داخل الحي أو القرية ج – رصد أي حالة مخالفة لهذا القانون والتبليغ لشرطة تزكية المجتمع بالمحلية مباشرة لضبطها واتخاذ الإجراءات القانونية تجاهها . د- الاهتمام بأمر الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقويم سلوك مجتمع القرية أو الحي .) وواضح أنّ مهام اللجان لم تتضمن رصد الفقراء لتقديم العون لهم ولا رصد الذين جنحوا بسبب العوز والحاجة لإعادتهم إلى جادة الطريق كما نصت المادة (11ـ و) .
    وقد تضمنت مهام الوحدة الدعوية (المادة 16ـ د رصد الأفراد والأسر المعتادة على ارتكاب المخالفات الواردة في هذا القانون وذلك بالتنسيق مع شرطة تزكية المجتمع ورفع تصور بالحلول المناسبة لهذه الأسر لمجلس الإدارة) ولم تتضمن مهام هذه أيضاً إشارة مباشرة لرصد الفقراء ، فهل تم وضع نص المادة (11ـو) لذر الرماد في العيون ؟؟
    وملاحظة طريفة أخرى .. باستثناء المادة 39 التي تخص الترزية فإنّ القاسم المشترك الأعظم لكل عقوبات القانون هو الغرامة التي تراوحت حدودها القصوى بين 20جنيه و1000جنيه [20ألف ومليون جنيه] ومن الطبيعي أن تتناسب العقوبة مع الجريمة تناسباً طردياً ، ولكن الغريب في الأمر أنه بينما ظلت الغرامة كمتغير تابع تتذبذب علواً وانخفاضاً من جريمة إلى أخرى ؛ ظلت عقوبة السجن ثابتة (كبديل للغرامة أو معها) بمدة أقصاها شهر ، وذلك باستثناء العقوبة الواردة في المادة 23 والتي تخص الحفلات والتي بلغ حدها الأقصى شهرين !!! وغياب الغرامة كعقوبة للترزية ، على ألأرجح ، قد سقط سهواً ، إذ أنّ هذه المادة لم تظهر إلا في النسخة الأخيرة للقانون [انظر النسخة المعروضة على الأنترنت في موقع شبكة المشكاة الإسلامية التي تخلو من هذه المادة] ، ولا يظن الكاتب ـ رغم قلة فقهه ـ أنّ هنالك سبباً شرعياً يقضي بتغريم كل أولئك واستثناء الترزية !!
    عند تطبيق القانون ستكون الغرامة هي المفضلة [للمجرم] في حالة توفرها لديه ؛ فليس هنالك تساوي بين عقوبة الغرامة وبديلها السجن ، كما أنّ الغرامة عقوبة مفضلة لإدارة تزكية المجتمع التي تحتاج لتوفير المال للجان والشرطة وغيرهم . وفضلاً عن أنّ الجباية غرض مهم من أغراض هذا القانون ، فإنّه سيؤدي إلى ازدياد تفشي وباء الرشوة [التسهيلات !] المتفشية سلفاً .. وقد قال لي من ذُهل مما وصل إليه الحال ويئس من إصلاح الأوضاع (عاجلا أو آجلا الجميع سيرتشون) .
    وما أدراك ما الحفلات ؟
    إذا نظرت للغرامة وحدها كعقوبة فإنّ أكبر جريمة هي إدارة الدعارة (المادة 36) التي غرامتها القصوى هي مليون جنيه (1000جنيه) والعقوبة البديلة لها (أو المرافقة) هي السجن لمدة شهر فقط ، أمّا إذا نظرت إلى السجن وحده فإنّ أكبر جريمة تتعلق بالحفلات (المادة23) التي عقوبتها القصوى شهرين كاملين في حين أنّ الغرامة المقابلة 100ألف جنيه(100جنيه) . والمنطق يقول طالما أنّ إدارة الدعارة قابلتها أقصى غرامة كعقوبة فكان يجب أن يرافقها أقصى سجن ، أضف إلى ذلك أنّ من يدير الدعارة هو أولى بالسجن لمدة أطول لخطورة ممارسته على المجتمع ولحاجته الماسة للإصلاح . والسؤال الآن : لماذا ضوعف السجن إلى شهرين في المادة 23 التي تخص الحفلات ؟! هذا ما سترد الإجابة عنه في ثنايا الفقرات التالية .
    تم تفسير حفل في الفصل الأول كالآتي ( حفل عام: يقصد به الحفل الذي يقام في الأماكن العامة التي يرتادها الجمهور سواء كان الدخول إليه بمقابل أو بدون مقابل ويشمل العروض الغنائية والمسرحية والسينمائية وكرنفالات التخريج والتجمعات الثقافية والفئوية والسياسية ). بالرغم من هذا التعريف إلا أن القانون لم يشتمل في فصوله الأخرى علي مصطلح (حفل عام) نهائياً ، ولا حفل ثقافي أو سياسي البتة ، وإنما ورد مصطلح (حفل غنائي) و (الحفل) في المواد 23،22،21 فقط ولم يرد في مادة أخرى نهائياً ، فلماذا لم يقتصر تعريف الفصل الأول على "الحفل الغنائي" طالما أنّ الحفلات الأخرى لا محل لها من القانون ؟!
    جاء في المادة (21/1- لا يجوز إقامة أي حفل غنائي إلا بعد الحصول علي تصديق من المكتب التنفيذي المحلي المختص مع الالتزام بالضوابط ...) وهي فقرة صريحة تعني الحفل الغنائي ، وتضمنت الفقرة اللاحقة21ـ 2 (الحفل) لتحديد المسؤولية المترتبة على الإخلال بالضوابط . وستكون القراءة التلقائية للنص أنّ الحفل بقصد به الحفل الغنائي بالنظر إلى ما يسبقه مباشرة وما يليه . أمّا إذا استُصحب التعريف الوارد ذكره فإنّ الحفلات الأخرى سيدخلن تباعاً تحت معطف أداة التعريف (ال) وحتى تكتمل الطبخة فبدلاً من قضاة السودان الشرفاء يستلزم الأمر الاستعانة بقاضٍ "يغزل شاربه لمغنية الحانة" ! .
    ومن ناحية أخرى نصت المادة (22ـ 2- لا يجوز لأي مسئول حماية الحفلات الغنائية غير المصدق بإقامتها أو تلك التي تجاوزت الزمن المسموح به قانونا ) وهذا يعني أنه يجوز له حماية الحفلات غير الغنائية ، فمن يحمي الحفلات السياسية والثقافية للآخرين ؟! . وطالما أن الحفل ثقافياً كان أو مسرحياً أو سياسياً لم يرد البتة فإنّ تضمين مصطلح (حفل عام) ذلك المعنى الواسع لم يكن عفواً وإنّما ليمكِّن من قراءة (الحفل) الواردة في المادة 21-2 بمعاني تتجاوز الحفل الغنائي ومن ثم تطال عقوبات المادة 23 النشطاء السياسيين والثقافيين ، مما يعرضهم للمكوث في السجن ومصادرة الأشياء والغرامة ؛ فخير عقاب لمعارض مزعج هو أن يصوم عن الجماهير لشهرين متتابعين ، وهذا ما يفسر ما تطرقنا إليه من أنّ هذه هي [الجريمة] الوحيدة في كل قانون تزكية المجتمع التي تصل عقوبتها للشهرين سجناً . وإن لم يكن الأمر كذالك ، فلماذا فسّر القانون مصطلح (حفل عام) ذلك التفسير الواسع ؟!
    إذا رأيت أيها المستمع الكريم أنّ التحليل ههنا استظل بكثير من الخيال ، أذكرك أنّ هؤلاء قوم لهم قدرات عالية وخبرة كبيرة وإرث ضخم في التحايل والتزوير والتلاعب ، وبعضهم لا ينظر إلى ذلك باعتباره خطأ [أو حراما] بل نوع من الدهاء والذكاء السياسي الذي حلله لهم فقه ضرورة ومرحلة رضعوه من أشياخهم ... إنها نصوص مدخرة لحاجة محتملة .
    خاتمة :
    في الوقت الذي صار فيه البون شاسعاً بين الشعار والممارسة لدى هؤلاء [الإسلاميين] ، الشيء الذي جعل العبارة السودانية ـ التي يبدو أنها ولدت اليوم ـ [بالنهار يسبح وبالليل يضبح] تكاد تكون محسوسة تُلمس لمساً و"تتش" العين المجردة ؛ قررت ولاية القضارف أن تهرب من تناقضاتها إلى الأمام بقانون تزكية المجتمع .

    31/7/2010
                  

08-03-2010, 12:02 PM

جعفر خضر

تاريخ التسجيل: 08-09-2008
مجموع المشاركات: 1600

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: القضارف .. والتزكية المقلوبة !! (Re: جعفر خضر)

    مقلوبة
                  

08-03-2010, 12:34 PM

قلقو
<aقلقو
تاريخ التسجيل: 05-13-2003
مجموع المشاركات: 4742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: القضارف .. والتزكية المقلوبة !! (Re: جعفر خضر)

    Quote: جهات سياسية/أمنية تتبع للمؤتمر الوطني أسهمت في صياغة قانون تزكية المجتمع لولاية القضارف

    الأخ جعفر خضر..
    الا توافقنى بأن هذه الجهات السياسية والأمنية هى التى تحتاج الى تزكية واعادة تربية وليس مواطنى القضارف .
                  

08-04-2010, 08:52 PM

جعفر خضر

تاريخ التسجيل: 08-09-2008
مجموع المشاركات: 1600

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: القضارف .. والتزكية المقلوبة !! (Re: قلقو)

    صدقت أخي قلقو
    طبعا ده لو التزكية بتنفع فيها
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de