|
حلايب... "تيرمومتر" العلاقة بين الخرطوم والقاهرة..(تقرير)
|
حلايب... "تيرمومتر" العلاقة بين الخرطوم والقاهرة
الخرطوم: جمال ادريس مستنداً على "عكازه" وقف الشاب الثلاثيني (اوهاج) وهو يتابع بنصف اهتمام خطاب رئيس الجمهورية أمس الاول بالملعب الرئيس لمدينته بورتسودان، بمناسبة الإحتفال بالعيد (21) لحكومة الإنقاذ الوطني، وكان كل اهتمام (اوهاج) منصباً على إطلاق الرئيس مشاريع خدمية جديدة ينتظر هو وأهله في بورتسودان وضواحيها تنفيذها منذ سنوات، دون أن يملّوا من "لَوك الصبر" والوعود التي ظل المسؤولون يبذلونها لهم دون أن تظهر تباشيرها على أرض الواقع، ويأتي في مقدمة تلك المشاريع بالطبع مشروع مياه بورتسودان، تلك المشكلة التي أرّقت أهالي المنطقة وأحالت حياتهم جحيماً لا يطاق. ولكن (اوهاج) انتفض فجأة وهو يهتف ويكبّر مع الجموع التي تحيط به، عندما لمس الرئيس في خطابه "وتراً حسّاساً" لديهم، وهو يؤكّد بأن "حلايب سودانية، وستظل سودانية".. وهو التأكيد الذي ظل أهل الشرق جميعهم ينتظرون سماعه من أي مسؤول، بعد أن أصابهم اليأس والإحباط، وهم يرون جزءاً عزيزاً من وطنهم يكاد يضيع من بين أيديهم، ويذهب لآخرين، دون أي وجه حق أو مبرر، سوى أن ذلك المثلث يقع على الحدود بينهم والسودان.. وأهل الشرق وحدهم من يشعرون بفداحة الأمر وأيلولة المنطقة ـ شكلاً ـ للمصريين، ووحدهم من يعيشون معاناة أهاليهم داخل حلايب والحصار الذي تفرضه عليهم السلطات المصرية بتقييدها لتحركاتهم في الخروج والدخول من وإلى المثلث، وإذا كان عامة السودانيين يرفضون أي تفريط أو مساس بقضية حلايب، من واقع الإنتماء والعاطفة، فإن أهل الشرق تحديداً هم "أهل الوجعة" و "أياديهم في النار"، فكل أسرة ببورتسودان أو قرى الإقليم المتناثرة، لها أفراد أو أقارب داخل حلايب، وهم يعيشون معهم المعاناة مع كل صباح جديد، دون أن تقوى حكومتهم على التدخّل وإنقاذ أهاليهم. مؤتمر البجا من جانبه رحّب بتصريحات الرئيس حول حلايب واعتبر أنها جاءت مؤكّدة تماماً لنضالهم ودعوتهم المستمرة لإثبات أحقية السودان وسيادته الوطنية الكاملة على حلايب، وقال الناطق الرسمي باسم مؤتمر البجا صلاح باركوين إن حلايب تُعتبر قضية وطنية كبرى، ليس لأهل الشرق وحدهم بل لكل أهل السودان، مؤكداً أن حديث الرئيس أمس الأول جاء "مدعّماً لخطنا وموقفنا الثابت تجاه القضية، ومصدّقاً لحديثنا السابق حول دعوتنا بضرورة الحفاظ على سيادتنا الوطنية، ليس في حلايب وحدها، بل في كل المناطق الحدودية التي تشهد نزاعاً وأطماعاً من الآخرين"، وأضاف باركوين في حديثه أمس لـ (الأحداث) بأن مؤتمر البجا ظل طيلة الفترة الماضية يدعو الشعب السوداني وكافة القوى السياسية للعب دورها في الحفاظ على أراضيها. ووصف ما تم الآن بخصوص حلايب واستئناف الحوار حولها بالإنجاز السياسي الكبير، وحول رد الفعل المصري أشار باركوين إلى أنهم يأملون في أن يكون رداً إيجابياً، متماشياً مع الاسلوب السلس الذي ظل يتبعه معهم السودان في كل مراحل القضية، آملاً في أن ينحازوا في ذلك للحق، ويقروا بأحقية السودان لحلايب. وواقع الأمر أن ما جاء في خطاب الرئيس أمس الأول بخصوص حلايب كان مفاجئاً للجميع، فالحكومة على كافة مستوياتها ظلت طيلة السنوات الماضية تتحاشى الخوض في قضية حلايب، سلباً أو ايجاباً، وكأن هناك توجيهات عليا بذلك، وكانت الإجابة الحاضرة لدى كل المسؤولين عند سؤالهم عن مصير حلايب هو "أن هناك إتفاق بين الجانبين بإعتبار حلايب منطقة تكامل".. دون أي توضيحات لتفاصيل هذا الإتفاق وبنوده.. وكان آخر مسؤول يصرح بذلك هو نائب الرئيس علي عثمان في آخر زيارة له لمصر، في معرض رده على صحفي مصري. إذاً ما الذي جدّ وجعل الحكومة "تنفض الغبار" عن هذا الملف المنسي، أو المقصود تناسيه؟! مراقبون ربطوا بين هذا التحوّل والبرود الأخير الذي أصاب العلاقة بين الخرطوم والقاهرة، إثر استضافة الأخيرة لزعيم حركة العدل والمساواة المتمردة خليل ابراهيم، وما تبعها من احتجاجات حكومية، وأيضاً ما أثارته تصريحات وزير الخارجية السوداني علي كرتي ووصفه للدور المصري تجاه قضايا السودان بالضعيف والسلبي، لدرجة طلب الخارجية المصرية من سفيرها بالخرطوم استفسار الوزير عن تصريحاته.. ويرى المحلل السياسي د. صفوت فانوس أن إثارة موضوع حلايب من قِبل الرئيس يعتبر مؤشراً على أن هناك شوائب وتوترات بين البلدين، خاصة إذا قرأنا ذلك في ضوء تصريحات علي كرتي الأخيرة، مشيراً إلى أن الطرفين يستخدمان قضية حلايب كسلاح في حال توتر العلاقات بينهما، أما أثناء الإنفراج في العلاقات لا يأتي ذكر اسم حلايب لدى أي منهما. ولكن فانوس قلّل في حديثه لـ (الأحداث) أمس من تأثير تلك التصريحات وتسببها خلق أزمة بين القاهرة والخرطوم، قائلاً إنه في الغالب سيتم احتواؤها، لأنه ليس من مصلحة البلدين تصعيد الخلافات بينهما. وفور وصول تصريحات وتأكيدات الرئيس البشير حول حلايب إلى الفضاء المصري، تناقلتها المواقع الإلكترونية المصرية بالرفض والتحليل والقراءة، ورغم أن التعليق الرسمي لم يصدر حتى كتابة هذا التقرير، إلا أن معظم التقارير الإعلامية المصرية اتفقت في رفضها لحديث الرئيس بأن "حلايب سودانية وستظل سودانية"، وتوقعت معظمها أن يثير الأمر أزمة بين الخرطوم والقاهرة، وعنون البعض تقاريرهم بعناوين من شاكلة (البشير يشعل أزمة جديدة مع مصر بتأكيده سودانية حلايب)! هكذا .. وكأن حلايب مفروغ من أمر تبعيتها لمصر! ويبدو أنهم بنوا حكمهم شكلياً، من خلال خضوع المثلث بالكامل للسيطرة المصرية، فيما يتعلق بمنح المواطنين هناك هويّات مصرية، والسماح لهم بالتصويت فى الانتخابات، وآخرها الإنتخابات البرلمانية المزمع عقدها في نوفمبر المقبل. وكانت الحكومة السودانية أكدت على لسان القيادي بالمؤتمر الوطني ابراهيم غندور في تصريحات سابقة بأن حلايب لن تكون سبباً في نزاع بين مصر والسودان، وأنها ستكون منطقة تكامل بين البلدين، مؤكداً أن الحوار بين الطرفين سيستمر حتى يتم التوصل إلى حل، وإلا سيتم اللجوء إلى التحكيم الدولي. إذاً.. بث رئيس الجمهورية تطميناته للجميع بأن حلايب ستظل سودانية، وهو يعلم قبل غيره بأنه يبدأ بذلك أعقد الخطوات مع الجانب المصري الذي يبدو أنه ليس لديه الإستعداد الكافي لمناقشة هذه القضية المعقدة أصلاً.. الكرة الآن في ملعب السياسة الكبير، ملعبٌ الكاسب فيه في النهاية هو صاحب النفس الطويل، والذكاء السياسي المطلوب، وإلى ذاك الحين تظل حلايب سودانية الهوى والهوية.
|
|
|
|
|
|