أيوا: ظلّت المُعارضة السودانية تسير في طريق طويل ملئ بالمطبات تترصّدها كأمئن نظام الجبهة الإسلامية، وفشلت في إسقاطه بالرغم من المسيرة الطويلة للمُعارضة المُكتنزة بالنضالات والتضحيات، إلا أنها، أي المعارضة تشكل جزءاً من أزمة فشلها، واعترافات قوية أشبه بجلد الذات، قدّمتها قيادات المعارضة في المؤتمر السابع لـ (ملتقى أيوا)، كخطوة أولى لخروج المعارضة من مأزق الضعف والشتات، وتحمُّل المسؤولية الأخلاقية تجاه الشعب السوداني الذي يسعى للخلاص من نظام الإنقاذ.. أقوى اعتراف بالفشل تأكيداً لضرورة وحدة المعارضة، قدمه دكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل المساواة لدى مخاطبته للمؤتمر الأسبوع الماضي، وهو فشل العدل والمساواة في إسقاط النظام عبر محاولتين لعمليتن انقلابيتين، والوصول إلى العاصمة بالسلاح والفشل في إسقاط النظام نتيجة للعمل المُعارض الفردي، وأقوى تنازل من أجل وحدة المُعارضة قدمه فاروق أبو عيسى رئيس هيئة قيادات قوى الإجماع الوطني، وهو التعامل مع مكونات المعارضية باستراتيجية جديدة تغلق الباب أمام أي شرخ بسبب مواقف قيادة المُعارضة المُتباينة، وأقوى تهديد وجّهه الصادق االمهدي رئيس حزب لأمة القومي والمجلس الأعلى لنداء السودان للنظام من أجل تطمين دعاة إسقاط النظام وهو الاحتكام إلى الشارع السوداني وتكرار تجربة ثورتي أكتوبر ورجب - أبريل. بينما أعلن علي محمود حسنين أنه لا يريد وحدة في الصف، بل يريد وحدة الموقف بين قوى المعارضة من أجل إسقاط النظام. وسائل التواصل الاجتماعي (ملتقى أيوا) الذي تبنى مشروع وحدة المُعارضة منذ العام 2009م من أجل تحقيق السلام والديمقراطية بالتّغيير الشامل، جعل من قضية وحدة مُكوِّنات المعارضة والتنسيق بينها عنواناً لمؤتمره هذا، وسعى لتجميع كل قيادات الحركات والأحزاب في مدينة أيوا الأمريكية من أجل حل أزمة المعارضة السودانية، وترميم الشروخ التي أصابت بنيانها، حينما تعذّر وصولها، نجح المؤتمر في الاستماع إلى رؤيتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً كبيراً في خدمة النشاط السوداني المعارض. شكُل مُمثلو مُكوِّنات المعارضة بأمريكا حُضُوراً كبيراً، ومشاركة فاعلة شخصّت أزمة المعارضة ومشاكلها التي أخّرت قطار التغيير من الوصول إلى محطة إسقاط النظام. الطريق إلى مدينة (أيوا) التي تقع في المنطقة الغربية للولايات المتحدة (أيوا سيتي)، لم يكن سهلاً ليس لسوء الطريق المؤدي إليها أو العربة، وإنما بسبب طول المسافة المُمتدة بين ولايتي بنسلفانيا وأيوا أي المطلوب قطع( 845) ميلاً تعبر خلالها ولاية بنسلفانيا، أهايو، ميشيغان، إنديانا، شيكاغو، كيما تستقبلك (أيوا سيتي) التي انطلقت منها فعاليات المؤتمر بجامعة أيوا في السادس من أبريل واُختتمت في الثامن منه. المفاضلة عدد من المهاجرين السودانيين الأمريكان بالولايات المتحدة يقاومون رهق الحياة الأمريكية وتفاصليها المضبوطة بإيقاع زمني قاسٍ للتوفيق بالالتزامات اليومية المعيشية، وأداء الواجبات الوطنية بمواصلة النضال بتنظيم المؤتمرات والندوات والتظاهرات الاحتجاجية أمام مبنى الأمم المتحدة، والسفارة السودانية والبيت الأبيض ومخاطبة أعضاء الكونغرس الأمريكي والخارجية الأمريكية للتأثير على صانعي القرار بشأن ملف السودان. للأسف البعض أسقط الوطن من الذاكرة بسبب الانشغال بالهم الخاص وحياة المهجر القاسية التضاريس، بيد أن كل فواتير الغربة تتضاءل أمام من يحملون لواء المقاومة بالداخل ويقدمون أرواحهم فداءً للحرية والسلام والديمقراطية، لأنهم لا يفاضلون بين الوطن والهم الخاص، فمواقفهم البطولية تشكل الدينمو المحرك للانفعال بقضايا الوطن، وتعطي الطاقة الإيجابية لتنفيذ الأنشطة التي ينظمها بعض سودانيي المهجر حرصاً على تكامل الأدوار. المعارضة - الآفاق والتحديات القتل اليومي في مناطق الحروب، وضنك العيش الذي فرضته الإنقاذ على الشعب السوداني وكبت الحريات، دفع سكرتارية ملتقى أيوا لتنظيم مؤتمر يحمل عنوان (تجميع المعارضة السودانية - الآفاق والتحديات).. عدد من السودانيين الأمريكان قطعوا مئات الأميال المتباينة من حيث الأرقام حرصاً على المشاركة في إيجاد حلول لأزمة المعارضة السودانية.. من واشنطن دي سي كانت مشاركة عمر قمر الدين من منظمة كفاية الأمريكية ودكتور محمد رجب من مدينة (فرجينيا بيتش) وجمعة هيري ممثل حركة التحرير جناح مناوي بأمريكا من مدينة فلادلفيا بولاية بنسلفانيا ونفيسة سليمان وإيمان الخواض من ولاية (مينيسوتا) وسط غرب أمريكا وعثمان أبو جنة ممثل حزب الأمة القومي ومحمد آدم صالح وأسامة خلف الله ممثل الجبهة الوطنية العريضة من مدينة (نيويورك) والكاتب والصحفي فتحي الضو وأواب فتحي الضو والمهندس علي محجوب من لاية (شيكاغو) وهشام هباني مرتضى الباشا من ولاية (تكساس) ودكتور علي النصري من ولاية (كومنولث كنتاكي).. المشاركة القوية في مؤتمر (أيوا) كانت عنواناً للمسؤولية الوطنية للمعارضة والنشطاء السودانيين بالخارج. سنوات الدم والرصاص إيجاد حل للمشكل السوداني وضع قضية أزمة المعارضة في معامل التشريح السياسية، لتحديد داء الشتات الذي لم تتعاف منه المعارضة السودانية منذ فترة التجمع الوطني الديمقراطي التي نطلق عليها (سنوات الدم والرصاص)، الوثائق لسان حالها يقول إن المعارضة نجحت في تشكيل عدد ليس بالقليل من التحالفات، ووقعت على جملة من الوثائق للعمل المشترك إلا أنها فشلت في استمرارية تلك التحالفات أو تطبيق ما ورد في وثائقها، وعليه ظلت وحدة الموقف المعارض تشكل هماً بين جميع الكيانات السياسية بالرغم من اتفاقها على الهدف الكبير (إسقاط النظام)، وهو القاسم المشترك في دالة النشاط المعارضة المدني والمسلح. وحدة الموقف والتنسيق الهدف الاستراتيجي لملتقى (أيوا) للسلام والديمقراطية، هو تحقيق الحوار والتنسيق بين أطراف المعارضة.. فعقد مؤتمره بتنظيم من الجمعية السودانية الأمريكية والطلاب السودانيين بجامعة (أيوا).. فالملتقى يتطلع إلى إيجاد حلول للمشكلة السودانية التي تتدحرج ككرة الثلج ولا أحد يدري أين ستنتهي؟ مسألة الشتات والمعارضة السودانية وجهودها المتفرقة شكلت أزمة حقيقية، ووضح بما لا يدع مجالاً للشك أنّ المُعارضة السودانية تُعاني من مشاكل جعلتها عاجزة تماماً عن الوصول إلى موقف مشترك بالرغم من وحدة الصف المعارض، بل فشلت حتى في الخروج بصيغة تضمن الحد الأدنى من التلاقي وهو التنسيق، وأثبتت أنّ اتفاقيات المعارضة تنتهي قبل أن يجف مداد توقيعات أطرافها.. وعليه جاء عنوان مؤتمر ملتقى أيوا هذا العام يحمل (هم وحدة المعارضة)، وركز المؤتمرون على حتمية (وحدة الموقف والتنسيق). بدأت فعاليات المؤتمر بكلمة رئيسة الجمعية السودانية الأمريكية بمدينة أيوا المهندسة وصال حسين التي تحدثت عن ذكرى ثورة أبريل المجيدة باعتبارها وقوداً يحرك عجلة دوران المقاومة السودانية، وتناولت جهود الجمعية والطلاب السودانيين بجامعة (أيوا) لإنجاح المؤتمر.. كما قدم محمد آدم صالح كلمة سكرتارية الملتقى التي وضعت ملامح المؤتمر وموضوعاته المتمثلة في التحليل الشامل لأزمة المعارضة وأسباب فشل ونجاح الاتفاقيات بين قوى المعارضة، وقال إن المؤتمر يرمي إلى الخروج برؤية تضع العمل المعارض في الاتجاه الذي يدعم الحراك الجماهيري الذي فرض الحصار على النظام.. وأكد اهتمام المُلتقى بقضية دور الشباب والنساء في الحراك الوطني وترتيبات الفترة الانتقالية. تهديد بسلاح الشعب أجمعت كل قيادات المعارضة في كلماتها على ضرورة الوحدة والتنسيق بين مكونات المعارضة، وقالت: "لا خيار للمعارضة سوى الوحدة في الهدف والموقف والتنسيق من أجل إسقاط النظام".. ودعا الصادق المهدي إلى أهمية رفع مطالب الشعب، ونادى بوحدة المعارضة من أجل السلام والتحول الديمقراطي، وقال: "لا حوار مع النظام إلا وفقاً لشروط خارطة الطريق التي تدعمها الآلية الإفريقية من جهة والدول الأوروبية وأمريكا من جهة أخرى"، وقال في حالة عدم الاستجابة لشروط ما اتفقنا عليه في باريس فإن قوى نداء السودان سوف تحتكم إلى الشارع السوداني المجرب في الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية في ثورتي أكتوبر وانتفاضة رجب - أبريل. لوبي سوداني أمريكي قدم دكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة كلمة تناولت جملة من القضايا، أههما أهمية الدور الأمريكي في السياسة العالمية، دور السودانيين الأمريكان، اتفاق قوى المعارضة على برنامج حَد أدنى لإسقاط النظام وممارسات النظام وفساده، تشكيل حكومة ظل، وتطمين المُجتمع الإقليمي والدولي ببرنامج حكومة ما بعد إسقاط النظام، وقال جبريل إن ملتقى (أيوا) يعمل في بلد مهم وصاحب قرار يؤثر على كل بلد في العالم، وأوصى جبريل بضرورة أن يشكل السودانيون لوبٍ يعبر عن صوت الشعب السوداني الذي يعول عليكم كثيراً، لأنه لا صوت غير صوت النظام، ومضى قائلاً لا نريد للسودانيين في أمريكا أن يكونوا ضيوفاً بل نشطاء يشاركون في الأنشطة المحلية والولائية، يُنتخبون وينتخبون، ونحتاج منكم أن تكونوا جزءاً فاعلاً في المجتمع الأمريكي للتعبير عن قضايا شعبكم، وتوصلون صوتكم إلى صانعي القرار الأمريكي بشأن السودان، داعياً السودانيين بأمريكا إلى ضرورة التنظيم من أجل التأثير على صانعي القرار الأمريكي. لوحدنا فشلنا أقر جبريل إبراهيم أن ضعف المعارضة وشتاتها هو سبب بقاء النظام رغم الموبقات التي ارتكبها المتمثلة في فصل الجنوب والإبادة الجماعية في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والفساد والقتل وانتهاك الحريات وتجويع الشعب، ورهن جبريل حل مشكلة السودان بوحدة المعارضة، وقال لن يسقط النظام إلا بوحدة المعارضة، واستشهد بتجارب محاولات حركة العدل والمساواة في القضاء على النظام منفردة، وقال لدينا تجربة عمليتين انقلابيتين وفشلنا، ووصلنا إلى العاصمة بالسلاح وفشلنا في إسقاط النظام وحدنا. وثمن الجهود التي بذلها ملتقى (أيوا). حكومة الظل دعا جبريل المعارضة الى تقديم تنازلات لبعضها البعض، والاتفاق على برنامج حد أدنى لتغيير النظام، ومن ثم تشكيل حكومة انتقالية ذات مهام محددة، وإقامة انتخابات لتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة. ودعا جبريل إلى أهمية إرسال تطمينات للمجتمع الإقليمي والدولي بشأن حكومة ما بعد إسقاط النظام، وقال إن المجتمع الدولي يريد أن يطمئن على مصالحه، وشدد جبريل على ضرورة المضي في خطوات وتفاصيلها، وقال نحن بحاجة إلى (حكومة ظل) تطرح برنامجها للشعب، وأضاف قائلاً إن التنازلات الحزبية والأنانية الحزبية ستظهر في تشكيل حكومة الظل من كل مكونات المعارضة وستظهر مدى جدية المعارضة، ودعا إلى أهمية مواجهة هذه المرحلة والاستجابة لمطالبها، وتقديم "البديل" للشعب والمجتمع الدولي. وقال نحن في نداء السودان خطونا خطوة ووقعنا على الإعلان الدستوري وهو يوفر الحماية للقوى المدنية الموقعة على نداء السودان وخطونا خطوات في هيكلة نداء السودان هيكلة مرنة قابلة للتغيير لتوسيع الكيان، وقال مهما اختلفنا في المعارضة، متفقون حول تغيير النظام ونعطي التغيير هذا الأولوية القصوى. التعامل بطريقة جديدة بينما تحدث فاروق أبو عيسى، رئيس هيئة قيادة تحالف قوى الإجماع الوطني، عن مرارات وشتات المعارضة، وأكد ضرورة التوحيد والتنسيق بين أطرافها لإسقاط النظام بعد التجارب المريرة التي أدت إلى التمزق والشتات، وقال هذه المرة قررنا التعامل بطريقة جديدة، والآن نقود حواراً مع قيادات قوى نداء السودان لترميم ما أصاب بناء المعارضة والوصول إلى مرحلة تنسيق الجهود والعمل المشترك، وقال أبو عيسى إنّ الوحدة هي ضمان لنجاح عمل المعارضة بالداخل. خوفاً من السودان الآخر حركة التحرير جناح مناوي شكلت حضوراً لافتاً وتحدث ممثلها في المؤتمر أحمد كتر داعياً إلى تفويت الفرصة على النظام الذي أجاد لعبة ضرب المعارضة ببعضها البعض، وقال إن البعض يبطئ السير في طريق التغيير خوفاً من السودان الآخر، علينا مواجهة أنفسنا بأننا نخاف من بعضنا البعض. ومضى قائلاً إن النظام فقد مقومات البقاء فهل ننتظر جنازة الدولة السودانية؟ في إشارة إلى ضرورة بناء الثقة والوحدة والعمل من أجل إسقاط النظام. إسقاط النظام هو الخيار خاطب المؤتمر ممثل الجبهة الثورية محمد داؤود، وقال إن إسقاط النظام هو الخيار الأول للجبهة الثورية، وقطع بأن الحبهة الثورية أعلنت التزامها بوحدة المعارضة والالتزام بالهدف وهو إسقاط النظام الذي مارس الإبادة الجماعية في دارفور وجبال النوبة والتهجير في الشمال الأقصى والشرق، وإجبار النوبيين على ترك أراضيهم، وقال داؤود إن الحوار عن السلام لا يعني الاستسلام لأن هناك قضايا تتطلب الحوار لعلاقتها بالأوضاع الإنسانية في مناطق الحروب. الحوار يعني التعايش علي محمود حسنين رئيس الجبهة الوطنية العريضة جدد موقفه المبدئي من الدخول في حوار مع النظام الشمولي، وقلل من قيمته، وشدد على ضرورة وحدة الموقف بين قوى المعارضة بشأن إسقاط نظام الإنقاذ، واعتبر الحوار مع النظام يعني التعايش معه والعفو عن جرائمه، وتمسك حسنين بمبدأ مُحاسبة النظام على كل جرائمه في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وكل الانتهاكات التي مارسها ضد الشعب السوداني. في جلسات المؤتمر التي استمر لمدة يومين قدمت عدة أوارق عمل بشأن أزمة المشكل السوداني وتاريخها، وأزمة المعارضة، وتفعيل العمل المعارض بالخارج، ودور الدولي، وواقع الإعلام، قدمها كل من الكاتب فتحي الضو وعمر قمر الدين والعميد هاشم الخير ونضال عبد الوهاب وأسامة خلف الله مصطفى وعثمان أبو جنة ودكتور محمد رجب ومرتضى الباشا ودكتور صلاح النصري وابازرعة العمدة ومحمد طاهر أبوبكر، سنستعرضها في الحلقات المقبلة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة