|
حوار مع البروفيسور عبدالله علي ابراهيم
|
04:47 PM Sep, 26 2015 سودانيز اون لاين ابراهيم مختار علي-الخرطوم-السودان مكتبتى فى سودانيزاونلاين
البروفيسور عبدالله علي ابراهيم أستاذ التاريخ بجامعة ميسوري بالولايات المتحدة والقيادي السابق بالحزب الشيوعي السوداني.. بروفيسور عبدالله معروف بآرائه الجريئة والعميقة في الشأن السوداني .. وأيضا أرائه في المثقف السوداني وخلفياته التعليمية وادواره المرتجاه من تجاه مجتمعه .. صدر له عدة مؤلفات في قضايا الثقافة والسياسة في السودان منها ( الارهاق الخلاق) ...و (الشريعه والحداثة) ..و ( بئر معطلة وقصر مشيد) ..والكثير من المؤلفات والمقالات الصحفية التي تناولت الهم الوطني باستفاضة ..جلست إليه صحيفة إيلاف ..ضمن سلسلة حواراتها مع المثقفين من اجل بلورة رؤية مستقبلية ..التي من شأنها تحريك التاريخ ..وتغيير الاوضاع المأزومة ..الى اوضاع منشودة ولايتم ذلك إلا برؤية مستقبلية وهي مهمة المثقفين . .فالى مضابط الحوار
حاوره / ابراهيم مختار علي
سؤال: كثر حديثك عن البرجوازية الصغيرة ما هي عند غيرنا وعندنا؟
البرجوازية الصغيرة في الرأسمالية الكلاسيكية هي طبقة بينية، بين طبقة البرجوازية. المالكة لوسائل الإنتاج وبين الطبقة العاملة التي تبيع قوة عملها للبرجوازيين. وعلى خلاف من العمال المجردين من وسائل الإنتاج فالبرجوازية الصغيرة هي طبقة صغار المنتجين مثل تجار السوق والحرفيين أصحاب الورش والمزارعين المالكين لقطع أرض. ويدخل في عدادهم من يبيعون قوة عملهم الذهني من "الأفندية" والمهنيين والطلاب بما سيكنون عليه. وهي تعبر عن ذاتها ومطامحها بلغة مأخوذة من مصطلح الطبقة البرجوازية، أي أنها تقبل النظام الرأسمالي ومنطقة لا تريد لسنته تبديلا. بل لا يطمع الواحد منهم في تحسين فرصه ومعاشه بغير أن يصبح مالكاً كالبرجوازيين. ومتي استقر المجتمع الرأسمالي على وتيرته تميزت البرجوازية الصغيرة بثقافة خاصة بها وعوالم من خيال وحقائق. ووصف نجيب محفوظ عوالم هذه الطبقة في مصر بحرفية أدبية عالية في ثلاثيته.
هذا هي الطبقة في سياقها الأوربي. فما خصائص هذ الفئة المدينية في السودان؟ أصلها في فئة الأفندية التي نشأت في ظروف امتلك الاستعمار زمام الأمر. وتسمي نفسها حالياً "الصفوة". فلم تنشأ في ظروف طبيعية من فوقها برجوازية محلية كما في أوربا. كان فوقها عندنا بالأحرى طبقة تقليدية سميناها قديماً "شبه إقطاعية" من زعماء الطوائف والعشائر. ولما كان الكسب سبباً في وجود الأفندية كان الإرث سبباً في وجود "شبه الإقطاع". وقادت البرجوازية الصغيرة الحركة الوطنية وطمعت في أن تكون لها قيادة الأمة لكي تسوقها في طريق الحداثة والتي هي ثمرة من ثمراتها. ولكن لم تنجح لأنها بلا قاعدة جماهيرية تنافس "شبه الإقطاع". فكان عليها إما أن تطأطيء لها أو تتخلص منها. وبالطبع لا يمكن أن تتخلص منها بالطريق البرلماني الليبرالي ولذلك كان سلطانها لا يأتي إلا بالانقلاب. ولذا قلنا في الحزب الشيوعي إن الانقلاب هو خطة البرجوازية الصغيره للنهضة الوطنية. وهذه الفكرة قد تفسر لنا تواتر الحلقة الخبيثة من ديمقراطية وانقلاب. فالديمقراطية ل"شبه الإقطاع" المعزز بالجماهير والانقلاب للبرجوازية الصغيرة الفقيرة في الجمهور والمخذولة من البرلمان. ولم تأخذ البرجوازية الصغيرة شفقة بالكيان الإرثي السياسي في الطوائف الكبرى. فهدت حيل دوائره الاقتصادية بالتجريد والحراسة والملاحقة تريد دك حصونخ دكاً. وهدمت النظم هذه الطبقة التقليدية في 1969 و1989 ولكنها لم تصنع من نفسها طبقة تأمن إليها البلد وتٌسلم لها زمامها. فمنذ عرفت البرجوازية الصغيرة صناعة الثراء والجاه من عقر الدولة لم يتوقف عنفها بالانقلاب الناجح والفاشل وبالعصب المسلحة. وساد فينا عصر الطغم. وهو عصر الهرج العظيم.
سؤال: المثقف السوداني وتوهانه وتعاطيه مع الواقع وخلفياته التعليمية ( بخت الرضا) ..وتأثير ذلك على عدم قدرته لقيادة عملية التغيير كيف ترى ذلك ؟
صلاح فرج الله، المثقف الحافي، عنده مقولة عذبة وهي أن المثقف السوداني ضيف ثقيل على الواقع. وهذا مردود للطلاق الذي وقع بين المدرسة ومحيطها كما بينت في كتابي "التعليم والاستعمار: بخت الرضا". فخريج التعليم الحديث تخلق في بخت الرضا على عهد الاستعمار الإنجليزي. وهو تعليم سيء الظن جداً في إمكانات الواقع السوداني. فمن رأي قريفث مؤسس بخت الرضا أن الواقع السوداني في غاية الفقر الثقافي حتى اضطرهم للتعويض عنه بمدرسة غنية تتلافى وحشته. فصارت المدرسة مثل خضراء الدمن: المرأة الحسناء في المنبت السوء. بَخّست بخت الرضا الواقع السوداني بما سيجده القاريء في كتاب قريفث الذي أسعدني أن زميلتنا فدوي عبد الرحمن قد عربته ونشرته. فلم تبدأ بخت الرضا تعليمها بثقافة المحيط لتطمئن التلميذ إلى حقائقه وتاريخه. وقامت على الطلاق بين علم المدرسة وعلم محيطها. فالطالب الشكري مثلاً يأتي للمدرسة بحصيلة مقدرة من عيون دوباي البادية ولكنه ما أن يدخل المدرسة حتى يملص ذلك عند بابها ويبدأ ينهق بعد ذلك ب" أشرقت شمس الضحا إلخ". وهذا "تبليه" منقطع النظير. ونبه إلى هذا قبلي كل من عبد الله الطيب ومنصور خالد في "حوار مع الصفوة". وسمى عبد الله الطيب مثل "أشرقت شمس الضحا" نصوص مستكرهة. وكثيراً ما سمعت تزكية بخت الرضا بأهزوجة "في القولد التقيت بالصديق" ولكن لم ار من أشاد بها لأناشيد مثل "لي قطة صغيرة" والخزعبلات الأخرى. إن تعليمنا يفرخ في المهني والمتعلم الإشمئزاز من الشعب والريبة في واقعه. فتراه "واقع نبذ" في أهله: "بدائي"، "متخلف"، "أمي" إلخ. ويري هذا المنبت عن محيطه أرضه كمحض خلاء لا تصلح إلا كمدافن للنفايات الأوربية. ومن المستحيل بالطبع أن ينهض مثل هذا المثقف بمرمي الله، شعبه، كما علموه حتى صار ذلك عند عقيدة.
سؤال: كيف ترى اشكالية الثقافة والسياسة في السودان؟
سأتغاضى عن الثقافة والسياسة في الأحزاب التي تأسست من جماعات دينية صوفية على أهميتها في هذا الجانب. وسأنظر في تجربة الشيوعيين والإسلاميين. فتناطحت السياسة والتربية فيهما في وقت باكر. أهل السياسة مثل أستاذنا عبد الخالق محجوب وحسن الترابي رأوا الخوض في السياسة بالعموميات الفكرية المتوافرة بينما رأى أهل التربية مثل عوض عبد الرازق في الشيوعي وجعفر شيخ إدريس في الإخوان إرجاء الخوض السياسة حتى نضمن حسن ثقافة الأعضاء في فكرتهم. وفي الحركتين انتصر أهل السياسة على أهل التربية. ولم يكن يعني انتصار الممارسة السياسة مدابرة للتربية. في الحزب الشيوعي انعقد العزم على استدراك التربية. مثلاً كان مقصوداً من إرسال عدد كبير من كادر الحزب للدول الاشتراكية منذ بعثة محمد إبراهيم نقد في منتصف الخمسينات رتلاً بعد رتل أن يصقل هذه الكادر معارفه في جوانب الماركسية ليطبقها عن بصر وبصيرة على الواقع السوداني. وظلت أوسع مساعي عبد الخالق بعد ثورة أكتوبر، التي بان فيها فقر الحزب النظري والمعرفي، أن يستدعي الثقافة لتتدارك السياسة التي تقطعت أنفاسها بعد نصرها في أكتوبر. وذكرت مراراً كيف وجد عبد الخالق في مفهوم "المثقف العضوي" للمفكر الإيطالي أنطونينو قرامشي ضالته. ومات المسكين ولم يحقق من هذا المسعى شئياً. ونبهت إلى خطة معاكسة حدثت للجمهوريين. فقد بدأ الاستاذ بالسياسة مثل ثورة رفاعة ومظاهرات الخرطوم ثم تحول إلى التربية بعد خلوته المعروفة وجلوته. وكان أن استغرق في التربية ليوم تنضج فتتسيس. ولكنه في انتظار ذلك النضج وقع في مهادنة نميري مما جلب له المؤاخذة. وكان يوم نهايته يوم سياسته في معارضته لقوانين سبتمبر 1983.
أذا أردنا معرفة شدة الطلاق بين الثقافة والسياسة فأفضل زواية لذلك هي الحركات المسلحة. فاللجؤ للسلاح نفسه ربما عكس ضيقاً بالصبر على التنوير والتحشيد. واستنكرت مرة بقولي إن بلدنا دفعت دم قلبها لينال بعض شبابها شهادة عليا وإذا بهم يفضلون أن يقال لهم "المقاتل فلان" لا "الدكتور فلان". وأقول عرضاً قرأت بالأمس أن الحركة الشعبية شمال قررت إعادة اصدار مجلتها الثقافية بعد توقف عقود. سؤالي: لماذا توقفت أصلاً؟ بالطبع ليس من قل المال لأن ثمن كاتوشا واحد كاف لإصدارها أبد الدهر. إن تفسير ذلك الوحيد أن السياسة بالحرب وبغيرها ظنت أنها لا تحتاج إلى الثقافة وهذكذا صار حالها حديد يأكل حديد. وسيكون مفيداً أن ننظر إلى كساد الثقافة في الحركات المسلحة على ضوء خروج أبكر آدم إسماعيل الأخير من الحركة الشعبية. والرجل مثقف من الطراز الأول وأعطى حركة المهمشين لم يستبق شيئا. وسيكون مفيداً أن ننظر إلى كساد الثقافة في الحركات المسلحة على ضوء خروج المحبوب عبد السلام من المؤتمر الشعبي وأبكر آدم إسماعيل الأخير من الحركة الشعبية. لقد سبق للسياسي في المؤتمر الشعبي تشييع المحبوب. قال عنه إبراهيم السنوسي، الكادر التنظيمي بالحزب، لمحرر سأله عنه إنه يود أن ينشغل بأمهات الأمور عوضاً عن الحديث عن المحبوب. وهذا مثقف قضى نحبه وأبكر، الرجل المثقف من الطراز الأول وأعطى حركة المهمشين لم يستبق شيئا، ممن ينتظرون.
في هذا السياق عجبت لمنصور خالد يتملص من وزر ما يجري في الجنوب في حديثه مع ضياء الدين البلال ويحيلنا إلى مقارنتة بصورة عرجاء مع صراع المعاليا والرزيقات. طيب الهلولة دي كلها، وسودان جديد، وبطيخ وفي الآخر ترتد الحكاية إلى "نزاع قبلي" حول الموارد بين الدينكا والنوير يشبه نزاع المعاليا والرزيقات. إن نزاع الجنوب وقع بين صفوات عسكرية أو متعسكرة في الحركة الشعبية استخدمت أطرافه الدينكا والنوير بصورة فاضحة. وكتب عن صفقاتها التاريخية ومباذلها إلكس دي وال وبندرقاست بتاع الأزمات رأس الفتنة المعروف. ولم يكن هذا أول توظيف مخجل للدينكا والنوير وقع ذلك في 1991 وقرنق حياً في هذه الدنيا. واتخذ منصور موقفه الصارم آنذاك مع قرنق (إذا كان يمثل الدينكا وفي الدينكا دينكا بور). وخلافاً لمنصور وقف جوك مدوت، المثقف الجنوبي، ناقداً بشجاعة لتكيتكات قرنق خلال هذا الصراع. لقد انضم منصور وشماليو الحركة من الصفوة إلى تنظيم هو الحركة الشعيبة اسماً مع أنهم لم يكونوا سوى مستخدمين في مكتب علاقات قرنق العامة. وفوجؤوا بسفك الدماء الجنوسايدي في الجنوب فصمتوا صمتاً رهيباً أو شبههوه تجملاً بالرزيقات والمعاليا. وهذه من طأطأة المثقف للسلاح يصبح بها المثقف بلا إرادة ولا مقبض على الأحداث التي هو طرف أصيل فيها. وربما حمدنا للواثق كمير وحده وقفته أمام النفس المعروفة حيال تجربته الجنوبية.
كيف تفسر فشل الحركة اليسارية في مشروع التنوير في الواقع السوداني؟
لنحسن فهم هذا الفشل (الذي لا نريد له أن يكون عاهة) وجب أن يولي غير الشيوعيين من الصفوة فهم الصراعات داخل الحزب الشيوعي بصورة أفضل مما تجد الآن. فالكثيرون يعتقدون أنها ثمرة استبداد هذا أو ذاك، أو أنها وجه من وجوه الإنتهازية السياسة، ناهيك من نسبوا الفشل دائماً كنتيجة حتمية لغرابة الفكرة عن ما يسمى تراثنا. أما الشيوعيون أنفسهم فنفَّروا الناس من فهم هذه الصراعات لأنهم جعلوها مثل صراع بين الخير والشر، بين المتمسكين بالمباديْ والمنفنسين، صحصح فيها الحق وأنمحق الباطل.
لم يكن الحزب الشيوعي في أي يوم من حياته كتلة واحدة صماء. ظل الحزب ساحة صراع أبدي بين العناصر البروليتارية (وأقولها للفصل بين القوات مع أننا لا نستخدم هذه اللفظة في خطابنا) التي تريد نهضة برلمانية بقيادة الطبقة العاملة والكادحين المتمتعين بما عرف ب"الحقوق الليبرالية البرجوازية". وتجمرت هذه العقيدة من فوق ممارسة الحزب الشيوعي الجوهرية بين الطبقة العاملة والكادحين. فلم ير سبباً لحرق المراحل للاشتراكية متخلصاً من تلك الحقوق في ما سمي ب "الديمقراطية الجديدة أو الموجهة" التي استعبدت الكادحين أول ما استبعدت في دولها عند ناصر ونكروما في غانا وسيكتوري في غينيا. من الجهة الأخرى كان هناك تيار بين البرجوازية الصغيرة في الحزب والمجتمع يدعو لحرق المراحل للتخلص من "الديمقراطية الطائفية" في السودان. وهي الديمقراطية الوحيدة المتاحة في السودان إذا ما قامت على صوت واحد لكل ناخب لنفوذ الطوائف والعشائر. والنتيجة معروفة وسيضطر للانقلاب من ضاق ذرعاً بها ورغب في حرق المراحل وتجريع الشعب غصص السعادة. هذا هو جوهر الصراع في الحزب. وتغلبت البرجوازية الصغيرة في الحزب والمجتمع على البروليتاريين فاصبح حزبنا ينطق في صحوه بلسان كاره للانقلاب ولكنه في الممارسة انقلابي أشر. وتوضيح هذا الصراع في الحزب ولمجتمع يجده القاريء في كتابي "انقلاب 19 يوليو: من دفتر التحري إلى رحاب التاريخ". ومن أراد أن يعرف قوة الضغط البرجوازي الصغير للديمقراطية الجديد من خارج الحزب فليقرأ "حوار مع الصفوة" لمنصور خالد وفيه برنامج دقيق لدولة الديمقراطية الجديدة تُلغى فيها كل الحريات البرجوازية الليبرالية بما فيها استقلال القضاء. قال منصور مرة إنه ليس حارق بخور في مايو مثلي ولكنه صانع مايو. وصدق. إقرأ كتابه "حوار مع الصفوة" وستراه تحيل مايو قبل أن تكون مايو.
أنا اعتقد أن أي تحليل لا يأخذ في الاعتبار هذا الصراع الحزبي والمجتمعي سيفشل في تعيين فشل الماركسية في النهضة القومية. فلسنا نعلق كل الفشل على شماعة تهافت الماركسية العالمي. ولكن كان للسوفيات أدوراهم السلبية (بل المخربة) في ترجيح كفة البرجوازية الصغيرة في حزبنا باسم دعم انقلاب 25 مايو بغض النظر. لقد تطفلوا علينا هذه المرة ولكن لن ننسى لهم يوماً في 1966 حين نصحونا ألا نحل الحزب وندخل في حزب اشتراكي فضفاض نصبح نحن نواته. وكان هذا تمشياً مع ما جرى في مصر حين حل الشيوعيون حزبهم وصاروا طليعة الاتحاد الاشتراكي المصري. لو لم يردونا عن هذا الغي للرماد كال حماد ولماتت "فوانيس البندر البيوقدن".
أما عن مشروع النهضة فهو أمر استراتيجي طويل وصراع الرجال والنساء متنى .
/سؤال: الأولوية في تشكيل الواقع هل هي البنى المادية والأطر الاجتماعية أم الوعي والفكر وبناءً على ذلك كيف تلقى شيوعيّ السودان الفكر الماركسي ووطنوه -بيؤوه في الواقع السوداني؟ وما تأثير الحركة الشيوعية على مسار الوعي السوداني ؟
بتركيز الماركسية على أولوية الأساس المادي في فهم تطور المجتمع شدت بصر وعقل من تبنوها إلى حقائق مجتمعهم. وهذا حدث كبير إذا وضعنا في الاعتبار أن الحداثة الاستعمارية والمشروع الإسلامي، اللذين غلبا على سائر المتعلمين، طبعت الصفوة على الاشمئزاز من واقعهم. فليس لديهم المزاج ولا الوقت لدراسته ثم تغييره. فهو لا يستحق الدراسة. فقد علمتهم المدارس أنه ينبغي تجديد واقعهم (بل إلغاؤه) بسرعة للحاق بالعالم. ولهم ضيق بواقعهم فيصفون السودان ب"الحفرة" وأن أهله مصابون ب"العقل الرعوي" وأنسابهم مختلقة كذابّة وهويتهم منتحلة. أما الإسلاميون فاشترطوا للتعاطي مع هذا الواقع أن "يغلطوا" الدين الذي سبقهم ويبدلوا أهلهم ديناً أفضل من دينهم. فجاؤوا ب"القبض" في الصلاة كعلامة من الدين الحق بدل "البسط" للأميين. للشيوعيين نصيب كبير في ترويج كلمات مثل "بدائي" أو "متخلف" في وصف واقعنا وأهله. وهذا جفاء. ولكنهم يختلفون في شيء هام وهو أن مادة التغيير عندهم هي هذا الواقع المتعين لا أضغاث التشهيات للحداثة الغربية. فاشتهروا بعبارة "التطبيق الخلاق للماركسية على الواقع السوداني". وساقهم هذا إلى جعل دراسة واقع كل جبهة من جبهات عملهم من زاوية قواها الاجتماعية فريضة مرعية. وأصدروا "الشيوعي" بصورة خاصة لتكون منبراً لتبادل الخبرات بين الكادر في الشاغل القيادي للتعمق في الواقع الذي خرجوا لتغييره. وأميز ما في هذا الشغل الشيوعي أنه أعتني بواقع جماعات سودانية لم تخطر لصفوة النادي السياسي مثل الكادحين وقوميات الهامش في جبال النوبة حيث أسسوا اتحاد مزارعي جبال النوبة. وكذلك في الجنوب. ومن أراد أن يعرف هذا النبل المعرفي الشيوعي فليقرأ كتاب الدكتور المرحوم مصطفى السيد "من مشاوير الحياة" ليقف على كيف طوع الشيوعيون لغات الإستوائية لتنطق بأوجاع أهلها. وبالطبع صار شهيراً كتاب كامل محجوب "تلك الأيام" بعد تهجم الرئيس البشير عليه. ورأى الناس من الكتاب كيف ضاق الشيوعيون المرة ليلامسوا الواقع وأهله بقوة وعزيمة وفدائية. وأعدى ذلك الأخوان المسلمين الذين جعلوا حرب الشيوعيين أكبر همهم. فأكثر مواقف الأخوان تقدمية في مسألة المرأة (قبل الانقلاب) كانت محاكاة للشيوعيين ليستدرجوا النساء إلى دعوتهم بعيداً عن "الملاحدة".
ولكن منذ أن تواضع الشيوعيون على أن الواقع الوحيد في السودان هو الكيزان دخلوا في ابلسة الخصم وضلوا ضلالاً بعيدا.
كيف ترى أزمة دارفور والمناطق الثلاث بمنظور سيوسيولوجي؟
وفرت أزمة دارفور فرصة (محزنة ما تزال) لننظر إلى أبعد من العرق والثقافة كالأصل في النزاع في السودان. فجاءت أول ما جاءت وبعنوان كبير بمسألة الحق في الأرض: هل نقبل بمبدأ الحواكير الذي الأرض فيه لمن ورثها كابراً إثنياً عن كابر أثني أم أنها ملك شائع لمواطني الدولة الحديثة ينالون حظهم منه بحسب قوانين تضعها تلك الدولة؟ لم تكن هذه القاعدة المادية واضحة في صراع الجنوب. كانت مسألة الأرض هناك أيضاً ولكن كان الجنوب كله أرضاً وطنية يريد الانفصاليون القوميون بترها من جسد الوطن. فعقدت الدولة الوطنية العزم على إبقائها داخل الوطن الجديد. حدث هذا في الكونغو مع انفصال كاتنقا وفي نيجريا في انفصال شعب الإيبو في الستينات. فلا جديد. ولكن خالط نزاع الجنوب حول قومية الأرض عناصر عرقية وثقافية واضحة غطت على شاغل الأرض. وهكذا جاءت دارفور بعلم اجتماع الأرض في الدولة الحديثة بصورة بارزة مع ظلال الفروق الإثنية (لا الدينية كما في الجنوب). وللأسف ما أن نشأت مسألة دارفور حتى رحّل النادي السياسي مصطلح الجنوب العرقي الثقافي لوصف أزمة الإقليم بغير تفكير أو روية. وكتبت كتابي "أصيل الماركسية: المقاومة والنهضة في ممارسة الحزب الشيوعي" أنعى على الشيوعيين دس عدة الماركسية من تحليل نزاع دارفور من فوق قواعده المادية التي لم تخلق نظرية مثل الماركسية لتحليله بكفاءة. فوجدت الشيوعيين تبعوا "طيرة مبارية السيرة" من فسروا النزاع ثقافيا وكفى. كانت مسألة دارفور تستصرخ الماركسية، عصارة علم الاجتماع، ولكن لا مجيب. وأسمعت لو ناديت فمن بين الشيوعيين من قرر سلفاً أن الماركسية ذاتها زمانها فات وغنايها مات.
سؤال:جوهر الهوية الوطنية هو التراضي والتناسي هل السودانيون مستعدون لذلك حتى يتجاوزوا نزاعاتهم وشقاقاتهم ويصلوا الى الوفاق أو " البوش الوطني " كما تقول أنت في كتابك "الإرهاق الخلاق: نحو الصلح الوطني"؟
إن الذي تتخبط فيه بلدنا هو أزمة سياسية عامة فصعب أن تزعم أي جماعة أو تنظيم أو مؤسسة وطنية أنها الفئة الناجية وما عداها في النار. بالطبع تتحمل الإنقاذ ومن تبعها من الإسلاميين والسلفيين وزر إخفاء كرة هذه الأزمة بالقوة عنا لربع قرن. ولكنهم رأس الجليد الطافي من هذه الأزمة لا كلها. ومن قرأ لسلمان محمد سلمان كلمته جيدة السبك عن من فصل الجنوب لعرف أن دم الجنوب على أيدينا جميعاً بما في ذلك الحركة الشعبية التي اختارت أن تشيل شليتها من الوطن الخاسر خلسة وهي التي كانت رفعت سقف الأماني في الوطن الواحد منذ الثمانيينات. ثم أنظروا ما فعلوا بشليتهم الله لا ينصرهم.
متى أنشبت الأزمة الوطنية العامة ببلد باخت مباراة حكومة ومعارضة في مثل هذه الحالة. فهما ذات الوحش على ضفتين متوهمتين. وكان مأمولاً من المثقف أن يحملنا حملاً بأدواته الساهرة لنرى هذه الأزمة وتبعتنا جميعاً فيها بحيث نبطل الكجار "والشيل فوق الدبر" ونتصالح مع إرهاقنا ونعانقه لنخلق منه خيالاً مبتكراً لممارسة جديدة جدية نستنقذ الوطن من بؤسنا وفترنا. وكان ذلك موضوع محاضرتي "الإرهاق الخلاق: نحو الصلح الوطني" كما أشرت التي ألقيتها في نهاية التسعينات بقاعة الشارقة بدعوة من جريدة الصحافي الدولي ثم نشرتها في كتاب صغير عن دار عزة في 2004. ولكن ترافق مع الشعور النامي بهذا الإرهاق صعود نجم السلاح في التقرير بشأن الوطن. فتراخى المثقف عن المهمة ورهن الخلاص بإسقاط النظام وتسليم مفاتيح البلد. وأصبح بذلك في الذيل يصفق من المصطبة مفرطاً في واجبه بما يعد خيانة للأمانة. فلم تنشأ طوال ربع قرن مدرسة علم أو منبر ثقافة نهضوي (سوى ما رأيناه في مركز حيدر الثقافي وأفسده بضيق خلقه المعروف) يكشف سوءتنا ويطهرنا من لوثة الثوابت والشيل فوق الدبر. لم ينعقد البوش الوطني لأنه لم تخرج "المداعي" من الفئة الوحيدة المؤهلة لانعقاد هذا البوش اي من مهندس النفس اللوامة. وقيل إن الذهن الكسول مرتع أو ورشة الشيطان الراكب بلدنا كما قال المرحوم زين كو..
5سؤال:هل ترى فارقاً جوهرياً بين عقلية المتمركس وعقلية المتأسلم؟
أفضل الماركسي والإسلامي على المتمركس والمتاسلم. ولا داعي ل"تاء" المناتقة في قول عبد الله الطيب التي راج استخدامها كوجهة نظر سياسية في ما يقوم بها خصمك لا لضروة معنى. فأنا مستغرب مثلاً للشيوعيين يقولون إن انقلاب البشير هو انقلاب كيزان. طيب: ألم تقولوا على عهد الرجل النير عبد الخالق إن الانقلاب كتكيتك هو خطة البرجوازية الصغير (كما شرحناها في إجابة سابقة). فكيف بربكم صار الانقلاب يُعّرف بلونه السياسي بعد أن كان يعرف بلونه الطبقي بدون إغفال للون السياسي وغيره. نقول انقلاب عبود لكبار الضباط وقامت به قيادة الجيش الرسمية لا ثلة من الضباط دونها إلخ. لقد وقع هذا الخلط في التحليل عند الشيوعيين منذ انقلاب 19 يوليو. منعهم الحرج البرجوازي الصغير ذاته من تسميته بما سمينا انقلاب مايو فقالوا عنه "حركة". وربما كان هذا نبلاً ولكنه "نبل شيل الدبر" لأنه صادر من مداركنا مباضع تشريح الممارسة الانقلابية للأبد. فبين المتمركسين والمتاسلمين وشيجة قوية هى نسبتهم جميعاً في الطبقة البرجوازية الصغيرة (مع اختلاف فروق اللون السياسي) التي الانقلاب في طرف لسانها السياسي. وقلت في كتابي"انقلاب 19 يوليو: من يومية التحري للتاريخ" أن انظروا لرفيقنا المرحوم أحمد سليمان حامل جرثومة الانقلاب من الشيوعيين إلى الأخوان ولم يشعر بفرق ووجد سوقاً لبضاعته عند كليهما كل في وقته المناسب.
د عبدالله ...ألا ترى أن الجدل الدائر في الساحة السودانية بأسم الشريعه تارة واخرى فصل الدين من السياسة ألا ترى ذلك جدل بيزنطي لا جدوى منه غير المزاودة وشرعنة الاستبداد ..وهل الغرب فصل الدين من السياسة ام فصل المذهبية الدينية من السياسية ؟ ويمكننا ان نشير الى كتابك الشريعه والحداثة ؟
كتاب "الشريعة والحداثة" كان محاولة مني لكي احتل موقعي الشاغر كماركسي في الخطاب الديني(تطبيق الشريعة، علمانية الدولة، مدنية الدولة، المعاش، المعاد، التراث، الغيرة على الرسول الكريم إلخ، ) أصالة. وهي الخطة التي تواضعنا عليها في الحزب الشيوعي بعد حلنا في 1965 بجريرة الإلحاد. فقال لنا أستاذنا عبد الخالق إن بواعث الحملة علينا معروفة ومكشوفة قوامها سياسيون فشلووا في التأقلم في مناخ ما بعد ثورة أكتوبر 1964 الذي ارتفعت به توقعات الشعب من الحكم إلى عنان السماء. ولكن ينبغي أن لا نستهين بكل الحملة. فقد نجحت بكل صفاقتها السياسية في عزلتنا النسبية ونهش فكرنا فعلينا أن نسد الفرج التي يدخل علينا منها شيطان العزلة. فلا يكفينا الان أن نقول إننا نحترم الدين والمتدينن. فسبقنا إلى مثل هذا القول نابليون في تطمين للمصريين بأمنهم الثقافي بعد غزوه بلدهم في 1798. ونابليون كافر ونحن قوم مسلمون.فعلينا إذا أردنا للماركسية أن تتوطن في بلدنا أن ندخل بها عميقاً في تراثنا لنجدده في عصرنا. هذا كان توجيهاً ذكياً عاماً أخذت أنا بركته وأنشغلت منذها بالعوالم الفكرية والوجدانية التي تفتحت لي به. ووصف أستاذنا مثل هذه العزيمة كسباً بالهجوم لا بالدفاع. ومن مثل نهج الدفاع اقتراح قديم متجدد لرفيقنا الشفيع خضر بتغيير اسم الشيوعي للاشتراكي. ولن ترضى عنك اليهود والنصاري ولو سميته حزب بن باز السلفي. وسبب اضطرارنا لهذه الخطة الدفاعية بتغيير الاسم عسانا نرتاح من وجع دماغ الإلحاد هو فشلنا الأعظم أن نصبح طرفاً أصيلاً في الخطاب الديني، بحقنا. ووجدت أنني الذي أحاول تطبيق خط حزب قديم متروك متهماً ب"الدروشة" ولحس عقائد الإنقاذ.
لسنا اولاد اليوم. وكل من عاش فترة الستينات يدرك الآن أن المخرج من الدولة الدينية التي كانت زبدة مشروع الإسلاميين هي الدولة العلمانية المحايدة تجاه الدين وتترك لأهل الدين أو الديانات أن يحملوا عاطفة الدين وربانيته وإنسانيته للمجتمع بصورة مباشرة بغير وسيط الدولة. فعاطفة الصدقة هي من أعظم العواطف قاطبة في الولايات المتحدة. فمنظمة "اليوانايتد وي" الخيرية الصدقية تكاد تبلغ مقام الزكاة. بل هي زكاة علمانية يجمع له متطوعون المال بصورة ساهرة دقيقة. وكنت أدفع ضمن موظفي مؤسستي لها حباً وكرامة. فلم تحتج عاطفة الصدقة للدولة لتقوم بها. وينهض بشغل الجمعية جهاز من الموظفين والمتطوعين بتقوى شهمة وشجاعة.
ظللت أقول للمعارضين إن حكم الإنقاذ لم يرح سدى لو لم ير الناس عن كثب وتجربة ومعاناة لربع قرن أن تديين الدولة وخيم العواقب على الدولة والدين. في الستينات كان الإسلاميون يعتقدون أنهم وجدوا مفتاح المستقبل للوطن المستقل المسلم وهو الدستور الإسلامي. بل كان في جمهرة الناس شوق إلى أن تتحد سياستهم وإسلامهم ملهمين بالخليفة الذي أمن ونام وأدب المال العام في بيت المال. ثم لم يلبث الإسلاميون قليلاً في الحكم حتى علموا أنهم كانوا في أحسن أحوالهم رومانسيين عرفوا عن الماضي (أو تشوقوا للماضي) ما لم يعرفوا عن الحاضر والمستقبل. واعترف أفاضلهم أنهم جاؤوا للحكم خالي الوفاض من فقه الحكم وصار أمرهم إرتجالاً مكلفاً. ولكن بعضهم من مثل الأستاذ حسن عمر يكابر ما يزال. قال من قريب إنه إذا أراد أحدهم جعل الدول علمانية فسيجد شباب الإسلام بالمرصاد. ونقول عرضاً فليبدأ هؤلاء الشباب الكواسر به لأنه جعل الدولة كسروية. بل هو يعرف أن لأفضل هؤلاء الفدائيين رأياً سيئاً فيه وفي رفقته الذين ما زالوا في دولة الإنقاذ أو يكاد. قد كتبت مرة عن من توعدنا مثل أمين لأن يسأل نفسه من فصل الدين عن الدولة؟ من غطّس حجر الدولة حتى لم يعد للدين موضعاً فيها فصار حتى ديوان الزكاة في أعلى قائمة دوواين الفساد بالدولة كمثل نيابات الأراضي. وقلت له ما بقيت جذوة الدين في الناس يصلون الرحم ويتصدقون ويتعبدون إلا لأنهم نأوا بدينهم عن الدولة الكافرة.
يشاع أن ما يريده المعارضون هو دولة مدنية. وهذا أيضاً من الحيل الدفاعية لا الهجومية. يريد أهل الدعوة بها تفادي محمولات "علمانية" مع ثبات مطلبهم في فصل الدين عن الدولة. وهذا إما خداع للنفس او خداع للآخرين او هو معاً. ليس هناك شائنة في العلمانية استدعت عبارة رديفة جديدة. فالمباديء مثل فصل الدين عن الدولة لاتنعقد باللطف القاموسي بل بخلق قاعدة لها مما يسميه الأمريكان "الكتلة الحاسمة" (كرتيكل ماس) لتعبيء العقول والوجدان للتغيير وقبول حقائق الحياة ببينة مما جربناه. وبالطبع هناك علمانيات من مثل علمانية أتاتورك المعادية للدين وعلمانية جيفرسون الأمريكي المحايدة تجاههه ما اتصل الأمر بالدولة. ونقول عرضاً أن كان للرجل مصحفاً مترجماً اطلع عليه حتى حفيت أوراقه. وهو القائل فليأت إلى سدة حكم أمريكا من أراد المواطنون حتى لو كان "محمدياً" اي مسلم.
علاقة الدين بالدولة لا نفاد لمدادها. فحتى في أمريكا التي نظن أن علمانية الدولة قد استقرت فيها للابد تتعاورها رغبات متعددة لأوبة الدولة للدين في مصطلح الترابي. فهناك قاض في "حزام الإنجيل" بالجنوب الأمريكي أقام نصباً في محكمته بالوصايا العشر ويرفض حالياً مع آخرين تزويج المثليين. وأمر بالطريق هنا بمتظاهرين يتناوبون الاحتجاج أمام مركز تنظيم الأسرة الذي تجري فيه عمليات الإجهاض. بل قتل أحدهم طبيباً بأحد هذه المراكز. وها هو البابا يستجيب للكتلة الحاسمة التي تريد للإجهاض أن يكون شأناً تختص به من تريد الإجهاض لا رأي فيه للدولة أو حتى الكنيسة. وما زلت استغرب للشيخ الترابي قال مرة إن فساد تلاميذه في الحكم نتج من نقص تربيتهم. لقد سبق أن قال لك جعفر شيخ إدريس أن تربي قبل أن تسيس. ثم حتاما ننتظر حتى يأتي الكادر الإسلامي حسن التربية ليقيم الدولة المتدينة؟
كلمة اخيرة، للاجيال الجديدة والشباب؟
هذه كلمة للشباب. وأحكي لهم نادرة. كنت بين جماعة الرباطاب حين استنكر أحدهم على شاب أن لا يرى منه ما يفعله الشباب مثله. فقال له:"يا فلان إنت شبابك شيتاً جا وراح واللا شيتاً حيجي لسه". أذكر هذه الكلمة الحكيمة كل ما سمعت الشباب يستنكر خمول القيادت العجوز (القاعدة بره) ومكنكشة وبقية الصفات.
ماذ تريدون أن تفعلوا بشبابكم ومرت 3 أجيال شابة منذ الإنقاذ غادر أكثرهم الآن مرحلة الشباب إلى الكهولة. وما زالتم تطالبون أن "يتبرع" عجوز ما لكم بفرصة في قيادة حزب أو حركة. طيب وأنتم داخرين شبابكم المفترض فيه المغامرة والتجريب والتمرد وشق الطرق الجديدة، داخرنو لمتين؟ هل شبابكم ولي راح أم أنه في الطريق إلينا ما يزال. كفوا عن الشكوى وتحزبوا باستقلال ومروءة وذكاء ولا تطلبوا أحزاباً مفروشة
On 25 Sep 2015 18:43, "IBRAHIM ALI" wrote: البروفيسور عبدالله علي ابراهيم أستاذ التاريخ بجامعة ميسوري بالولايات المتحدة والقيادي السابق بالحزب الشيوعي السوداني.. بروفيسور عبدالله معروف بآرائه الجريئة والعميقة في الشأن السوداني .. وأيضا أرائه في المثقف السوداني وخلفياته التعليمية وادواره المرتجاه من تجاه مجتمعه .. صدر له عدة مؤلفات في قضايا الثقافة والسياسة في السودان منها ( الارهاق الخلاق) ...و (الشريعه والحداثة) ..و ( بئر معطلة وقصر مشيد) ..والكثير من المؤلفات والمقالات الصحفية التي تناولت الهم الوطني باستفاضة ..جلست إليه صحيفة إيلاف ..ضمن سلسلة حواراتها مع المثقفين من اجل بلورة رؤية مستقبلية ..التي من شأنها تحريك التاريخ ..وتغيير الاوضاع المأزومة ..الى اوضاع منشودة ولايتم ذلك إلا برؤية مستقبلية وهي مهمة المثقفين . .فالى مضابط الحوار
حاوره / ابراهيم مختار علي
سؤال: كثر حديثك عن البرجوازية الصغيرة ما هي عند غيرنا وعندنا؟
البرجوازية الصغيرة في الرأسمالية الكلاسيكية هي طبقة بينية، بين طبقة البرجوازية. المالكة لوسائل الإنتاج وبين الطبقة العاملة التي تبيع قوة عملها للبرجوازيين. وعلى خلاف من العمال المجردين من وسائل الإنتاج فالبرجوازية الصغيرة هي طبقة صغار المنتجين مثل تجار السوق والحرفيين أصحاب الورش والمزارعين المالكين لقطع أرض. ويدخل في عدادهم من يبيعون قوة عملهم الذهني من "الأفندية" والمهنيين والطلاب بما سيكنون عليه. وهي تعبر عن ذاتها ومطامحها بلغة مأخوذة من مصطلح الطبقة البرجوازية، أي أنها تقبل النظام الرأسمالي ومنطقة لا تريد لسنته تبديلا. بل لا يطمع الواحد منهم في تحسين فرصه ومعاشه بغير أن يصبح مالكاً كالبرجوازيين. ومتي استقر المجتمع الرأسمالي على وتيرته تميزت البرجوازية الصغيرة بثقافة خاصة بها وعوالم من خيال وحقائق. ووصف نجيب محفوظ عوالم هذه الطبقة في مصر بحرفية أدبية عالية في ثلاثيته.
هذا هي الطبقة في سياقها الأوربي. فما خصائص هذ الفئة المدينية في السودان؟ أصلها في فئة الأفندية التي نشأت في ظروف امتلك الاستعمار زمام الأمر. وتسمي نفسها حالياً "الصفوة". فلم تنشأ في ظروف طبيعية من فوقها برجوازية محلية كما في أوربا. كان فوقها عندنا بالأحرى طبقة تقليدية سميناها قديماً "شبه إقطاعية" من زعماء الطوائف والعشائر. ولما كان الكسب سبباً في وجود الأفندية كان الإرث سبباً في وجود "شبه الإقطاع". وقادت البرجوازية الصغيرة الحركة الوطنية وطمعت في أن تكون لها قيادة الأمة لكي تسوقها في طريق الحداثة والتي هي ثمرة من ثمراتها. ولكن لم تنجح لأنها بلا قاعدة جماهيرية تنافس "شبه الإقطاع". فكان عليها إما أن تطأطيء لها أو تتخلص منها. وبالطبع لا يمكن أن تتخلص منها بالطريق البرلماني الليبرالي ولذلك كان سلطانها لا يأتي إلا بالانقلاب. ولذا قلنا في الحزب الشيوعي إن الانقلاب هو خطة البرجوازية الصغيره للنهضة الوطنية. وهذه الفكرة قد تفسر لنا تواتر الحلقة الخبيثة من ديمقراطية وانقلاب. فالديمقراطية ل"شبه الإقطاع" المعزز بالجماهير والانقلاب للبرجوازية الصغيرة الفقيرة في الجمهور والمخذولة من البرلمان. ولم تأخذ البرجوازية الصغيرة شفقة بالكيان الإرثي السياسي في الطوائف الكبرى. فهدت حيل دوائره الاقتصادية بالتجريد والحراسة والملاحقة تريد دك حصونخ دكاً. وهدمت النظم هذه الطبقة التقليدية في 1969 و1989 ولكنها لم تصنع من نفسها طبقة تأمن إليها البلد وتٌسلم لها زمامها. فمنذ عرفت البرجوازية الصغيرة صناعة الثراء والجاه من عقر الدولة لم يتوقف عنفها بالانقلاب الناجح والفاشل وبالعصب المسلحة. وساد فينا عصر الطغم. وهو عصر الهرج العظيم.
سؤال: المثقف السوداني وتوهانه وتعاطيه مع الواقع وخلفياته التعليمية ( بخت الرضا) ..وتأثير ذلك على عدم قدرته لقيادة عملية التغيير كيف ترى ذلك ؟
صلاح فرج الله، المثقف الحافي، عنده مقولة عذبة وهي أن المثقف السوداني ضيف ثقيل على الواقع. وهذا مردود للطلاق الذي وقع بين المدرسة ومحيطها كما بينت في كتابي "التعليم والاستعمار: بخت الرضا". فخريج التعليم الحديث تخلق في بخت الرضا على عهد الاستعمار الإنجليزي. وهو تعليم سيء الظن جداً في إمكانات الواقع السوداني. فمن رأي قريفث مؤسس بخت الرضا أن الواقع السوداني في غاية الفقر الثقافي حتى اضطرهم للتعويض عنه بمدرسة غنية تتلافى وحشته. فصارت المدرسة مثل خضراء الدمن: المرأة الحسناء في المنبت السوء. بَخّست بخت الرضا الواقع السوداني بما سيجده القاريء في كتاب قريفث الذي أسعدني أن زميلتنا فدوي عبد الرحمن قد عربته ونشرته. فلم تبدأ بخت الرضا تعليمها بثقافة المحيط لتطمئن التلميذ إلى حقائقه وتاريخه. وقامت على الطلاق بين علم المدرسة وعلم محيطها. فالطالب الشكري مثلاً يأتي للمدرسة بحصيلة مقدرة من عيون دوباي البادية ولكنه ما أن يدخل المدرسة حتى يملص ذلك عند بابها ويبدأ ينهق بعد ذلك ب" أشرقت شمس الضحا إلخ". وهذا "تبليه" منقطع النظير. ونبه إلى هذا قبلي كل من عبد الله الطيب ومنصور خالد في "حوار مع الصفوة". وسمى عبد الله الطيب مثل "أشرقت شمس الضحا" نصوص مستكرهة. وكثيراً ما سمعت تزكية بخت الرضا بأهزوجة "في القولد التقيت بالصديق" ولكن لم ار من أشاد بها لأناشيد مثل "لي قطة صغيرة" والخزعبلات الأخرى. إن تعليمنا يفرخ في المهني والمتعلم الإشمئزاز من الشعب والريبة في واقعه. فتراه "واقع نبذ" في أهله: "بدائي"، "متخلف"، "أمي" إلخ. ويري هذا المنبت عن محيطه أرضه كمحض خلاء لا تصلح إلا كمدافن للنفايات الأوربية. ومن المستحيل بالطبع أن ينهض مثل هذا المثقف بمرمي الله، شعبه، كما علموه حتى صار ذلك عند عقيدة.
سؤال: كيف ترى اشكالية الثقافة والسياسة في السودان؟
سأتغاضى عن الثقافة والسياسة في الأحزاب التي تأسست من جماعات دينية صوفية على أهميتها في هذا الجانب. وسأنظر في تجربة الشيوعيين والإسلاميين. فتناطحت السياسة والتربية فيهما في وقت باكر. أهل السياسة مثل أستاذنا عبد الخالق محجوب وحسن الترابي رأوا الخوض في السياسة بالعموميات الفكرية المتوافرة بينما رأى أهل التربية مثل عوض عبد الرازق في الشيوعي وجعفر شيخ إدريس في الإخوان إرجاء الخوض السياسة حتى نضمن حسن ثقافة الأعضاء في فكرتهم. وفي الحركتين انتصر أهل السياسة على أهل التربية. ولم يكن يعني انتصار الممارسة السياسة مدابرة للتربية. في الحزب الشيوعي انعقد العزم على استدراك التربية. مثلاً كان مقصوداً من إرسال عدد كبير من كادر الحزب للدول الاشتراكية منذ بعثة محمد إبراهيم نقد في منتصف الخمسينات رتلاً بعد رتل أن يصقل هذه الكادر معارفه في جوانب الماركسية ليطبقها عن بصر وبصيرة على الواقع السوداني. وظلت أوسع مساعي عبد الخالق بعد ثورة أكتوبر، التي بان فيها فقر الحزب النظري والمعرفي، أن يستدعي الثقافة لتتدارك السياسة التي تقطعت أنفاسها بعد نصرها في أكتوبر. وذكرت مراراً كيف وجد عبد الخالق في مفهوم "المثقف العضوي" للمفكر الإيطالي أنطونينو قرامشي ضالته. ومات المسكين ولم يحقق من هذا المسعى شئياً. ونبهت إلى خطة معاكسة حدثت للجمهوريين. فقد بدأ الاستاذ بالسياسة مثل ثورة رفاعة ومظاهرات الخرطوم ثم تحول إلى التربية بعد خلوته المعروفة وجلوته. وكان أن استغرق في التربية ليوم تنضج فتتسيس. ولكنه في انتظار ذلك النضج وقع في مهادنة نميري مما جلب له المؤاخذة. وكان يوم نهايته يوم سياسته في معارضته لقوانين سبتمبر 1983.
أذا أردنا معرفة شدة الطلاق بين الثقافة والسياسة فأفضل زواية لذلك هي الحركات المسلحة. فاللجؤ للسلاح نفسه ربما عكس ضيقاً بالصبر على التنوير والتحشيد. واستنكرت مرة بقولي إن بلدنا دفعت دم قلبها لينال بعض شبابها شهادة عليا وإذا بهم يفضلون أن يقال لهم "المقاتل فلان" لا "الدكتور فلان". وأقول عرضاً قرأت بالأمس أن الحركة الشعبية شمال قررت إعادة اصدار مجلتها الثقافية بعد توقف عقود. سؤالي: لماذا توقفت أصلاً؟ بالطبع ليس من قل المال لأن ثمن كاتوشا واحد كاف لإصدارها أبد الدهر. إن تفسير ذلك الوحيد أن السياسة بالحرب وبغيرها ظنت أنها لا تحتاج إلى الثقافة وهذكذا صار حالها حديد يأكل حديد. وسيكون مفيداً أن ننظر إلى كساد الثقافة في الحركات المسلحة على ضوء خروج أبكر آدم إسماعيل الأخير من الحركة الشعبية. والرجل مثقف من الطراز الأول وأعطى حركة المهمشين لم يستبق شيئا.
كيف تفسر فشل الحركة اليسارية في مشروع التنوير في الواقع السوداني؟
لنحسن فهم هذا الفشل (الذي لا نريد له أن يكون عاهة) وجب أن يولي غير الشيوعيين من الصفوة فهم الصراعات داخل الحزب الشيوعي بصورة أفضل مما تجد الآن. فالكثيرون يعتقدون أنها ثمرة استبداد هذا أو ذاك، أو أنها وجه من وجوه الإنتهازية السياسة، ناهيك من نسبوا الفشل دائماً كنتيجة حتمية لغرابة الفكرة عن ما يسمى تراثنا. أما الشيوعيون أنفسهم فنفَّروا الناس من فهم هذه الصراعات لأنهم جعلوها مثل صراع بين الخير والشر، بين المتمسكين بالمباديْ والمنفنسين، صحصح فيها الحق وأنمحق الباطل.
لم يكن الحزب الشيوعي في أي يوم من حياته كتلة واحدة صماء. ظل الحزب ساحة صراع أبدي بين العناصر البروليتارية (وأقولها للفصل بين القوات مع أننا لا نستخدم هذه اللفظة في خطابنا) التي تريد نهضة برلمانية بقيادة الطبقة العاملة والكادحين المتمتعين بما عرف ب"الحقوق الليبرالية البرجوازية". وتجمرت هذه العقيدة من فوق ممارسة الحزب الشيوعي الجوهرية بين الطبقة العاملة والكادحين. فلم ير سبباً لحرق المراحل للاشتراكية متخلصاً من تلك الحقوق في ما سمي ب "الديمقراطية الجديدة أو الموجهة" التي استعبدت الكادحين أول ما استبعدت في دولها عند ناصر ونكروما في غانا وسيكتوري في غينيا. من الجهة الأخرى كان هناك تيار بين البرجوازية الصغيرة في الحزب والمجتمع يدعو لحرق المراحل للتخلص من "الديمقراطية الطائفية" في السودان. وهي الديمقراطية الوحيدة المتاحة في السودان إذا ما قامت على صوت واحد لكل ناخب لنفوذ الطوائف والعشائر. والنتيجة معروفة وسيضطر للانقلاب من ضاق ذرعاً بها ورغب في حرق المراحل وتجريع الشعب غصص السعادة. هذا هو جوهر الصراع في الحزب. وتغلبت البرجوازية الصغيرة في الحزب والمجتمع على البروليتاريين فاصبح حزبنا ينطق في صحوه بلسان كاره للانقلاب ولكنه في الممارسة انقلابي أشر. وتوضيح هذا الصراع في الحزب ولمجتمع يجده القاريء في كتابي "انقلاب 19 يوليو: من دفتر التحري إلى رحاب التاريخ". ومن أراد أن يعرف قوة الضغط البرجوازي الصغير للديمقراطية الجديد من خارج الحزب فليقرأ "حوار مع الصفوة" لمنصور خالد وفيه برنامج دقيق لدولة الديمقراطية الجديدة تُلغى فيها كل الحريات البرجوازية الليبرالية بما فيها استقلال القضاء. قال منصور مرة إنه ليس حارق بخور في مايو مثلي ولكنه صانع مايو. وصدق. إقرأ كتابه "حوار مع الصفوة" وستراه تحيل مايو قبل أن تكون مايو.
أنا اعتقد أن أي تحليل لا يأخذ في الاعتبار هذا الصراع الحزبي والمجتمعي سيفشل في تعيين فشل الماركسية في النهضة القومية. فلسنا نعلق كل الفشل على شماعة تهافت الماركسية العالمي. ولكن كان للسوفيات أدوراهم السلبية (بل المخربة) في ترجيح كفة البرجوازية الصغيرة في حزبنا باسم دعم انقلاب 25 مايو بغض النظر. لقد تطفلوا علينا هذه المرة ولكن لن ننسى لهم يوماً في 1966 حين نصحونا ألا نحل الحزب وندخل في حزب اشتراكي فضفاض نصبح نحن نواته. وكان هذا تمشياً مع ما جرى في مصر حين حل الشيوعيون حزبهم وصاروا طليعة الاتحاد الاشتراكي المصري. لو لم يردونا عن هذا الغي للرماد كال حماد ولماتت "فوانيس البندر البيوقدن".
أما عن مشروع النهضة فهو أمر استراتيجي طويل وصراع الرجال والنساء متنى .
/سؤال: الأولوية في تشكيل الواقع هل هي البنى المادية والأطر الاجتماعية أم الوعي والفكر وبناءً على ذلك كيف تلقى شيوعيّ السودان الفكر الماركسي ووطنوه -بيؤوه في الواقع السوداني؟ وما تأثير الحركة الشيوعية على مسار الوعي السوداني ؟
بتركيز الماركسية على أولوية الأساس المادي في فهم تطور المجتمع شدت بصر وعقل من تبنوها إلى حقائق مجتمعهم. وهذا حدث كبير إذا وضعنا في الاعتبار أن الحداثة الاستعمارية والمشروع الإسلامي، اللذين غلبا على سائر المتعلمين، طبعت الصفوة على الاشمئزاز من واقعهم. فليس لديهم المزاج ولا الوقت لدراسته ثم تغييره. فهو لا يستحق الدراسة. فقد علمتهم المدارس أنه ينبغي تجديد واقعهم (بل إلغاؤه) بسرعة للحاق بالعالم. ولهم ضيق بواقعهم فيصفون السودان ب"الحفرة" وأن أهله مصابون ب"العقل الرعوي" وأنسابهم مختلقة كذابّة وهويتهم منتحلة. أما الإسلاميون فاشترطوا للتعاطي مع هذا الواقع أن "يغلطوا" الدين الذي سبقهم ويبدلوا أهلهم ديناً أفضل من دينهم. فجاؤوا ب"القبض" في الصلاة كعلامة من الدين الحق بدل "البسط" للأميين. للشيوعيين نصيب كبير في ترويج كلمات مثل "بدائي" أو "متخلف" في وصف واقعنا وأهله. وهذا جفاء. ولكنهم يختلفون في شيء هام وهو أن مادة التغيير عندهم هي هذا الواقع المتعين لا أضغاث التشهيات للحداثة الغربية. فاشتهروا بعبارة "التطبيق الخلاق للماركسية على الواقع السوداني". وساقهم هذا إلى جعل دراسة واقع كل جبهة من جبهات عملهم من زاوية قواها الاجتماعية فريضة مرعية. وأصدروا "الشيوعي" بصورة خاصة لتكون منبراً لتبادل الخبرات بين الكادر في الشاغل القيادي للتعمق في الواقع الذي خرجوا لتغييره. وأميز ما في هذا الشغل الشيوعي أنه أعتني بواقع جماعات سودانية لم تخطر لصفوة النادي السياسي مثل الكادحين وقوميات الهامش في جبال النوبة حيث أسسوا اتحاد مزارعي جبال النوبة. وكذلك في الجنوب. ومن أراد أن يعرف هذا النبل المعرفي الشيوعي فليقرأ كتاب الدكتور المرحوم مصطفى السيد "من مشاوير الحياة" ليقف على كيف طوع الشيوعيون لغات الإستوائية لتنطق بأوجاع أهلها. وبالطبع صار شهيراً كتاب كامل محجوب "تلك الأيام" بعد تهجم الرئيس البشير عليه. ورأى الناس من الكتاب كيف ضاق الشيوعيون المرة ليلامسوا الواقع وأهله بقوة وعزيمة وفدائية. وأعدى ذلك الأخوان المسلمين الذين جعلوا حرب الشيوعيين أكبر همهم. فأكثر مواقف الأخوان تقدمية في مسألة المرأة (قبل الانقلاب) كانت محاكاة للشيوعيين ليستدرجوا النساء إلى دعوتهم بعيداً عن "الملاحدة".
ولكن منذ أن تواضع الشيوعيون على أن الواقع الوحيد في السودان هو الكيزان دخلوا في ابلسة الخصم وضلوا ضلالاً بعيدا.
كيف ترى أزمة دارفور والمناطق الثلاث بمنظور سيوسيولوجي؟
وفرت أزمة دارفور فرصة (محزنة ما تزال) لننظر إلى أبعد من العرق والثقافة كالأصل في النزاع في السودان. فجاءت أول ما جاءت وبعنوان كبير بمسألة الحق في الأرض: هل نقبل بمبدأ الحواكير الذي الأرض فيه لمن ورثها كابراً إثنياً عن كابر أثني أم أنها ملك شائع لمواطني الدولة الحديثة ينالون حظهم منه بحسب قوانين تضعها تلك الدولة؟ لم تكن هذه القاعدة المادية واضحة في صراع الجنوب. كانت مسألة الأرض هناك أيضاً ولكن كان الجنوب كله أرضاً وطنية يريد الانفصاليون القوميون بترها من جسد الوطن. فعقدت الدولة الوطنية العزم على إبقائها داخل الوطن الجديد. حدث هذا في الكونغو مع انفصال كاتنقا وفي نيجريا في انفصال شعب الإيبو في الستينات. فلا جديد. ولكن خالط نزاع الجنوب حول قومية الأرض عناصر عرقية وثقافية واضحة غطت على شاغل الأرض. وهكذا جاءت دارفور بعلم اجتماع الأرض في الدولة الحديثة بصورة بارزة مع ظلال الفروق الإثنية (لا الدينية كما في الجنوب). وللأسف ما أن نشأت مسألة دارفور حتى رحّل النادي السياسي مصطلح الجنوب العرقي الثقافي لوصف أزمة الإقليم بغير تفكير أو روية. وكتبت كتابي "أصيل الماركسية: المقاومة والنهضة في ممارسة الحزب الشيوعي" أنعى على الشيوعيين دس عدة الماركسية من تحليل نزاع دارفور من فوق قواعده المادية التي لم تخلق نظرية مثل الماركسية لتحليله بكفاءة. فوجدت الشيوعيين تبعوا "طيرة مبارية السيرة" من فسروا النزاع ثقافيا وكفى. كانت مسألة دارفور تستصرخ الماركسية، عصارة علم الاجتماع، ولكن لا مجيب. وأسمعت لو ناديت فمن بين الشيوعيين من قرر سلفاً أن الماركسية ذاتها زمانها فات وغنايها مات.
سؤال:جوهر الهوية الوطنية هو التراضي والتناسي هل السودانيون مستعدون لذلك حتى يتجاوزوا نزاعاتهم وشقاقاتهم ويصلوا الى الوفاق أو " البوش الوطني " كما تقول أنت في كتابك "الإرهاق الخلاق: نحو الصلح الوطني"؟
إن الذي تتخبط فيه بلدنا هو أزمة سياسية عامة فصعب أن تزعم أي جماعة أو تنظيم أو مؤسسة وطنية أنها الفئة الناجية وما عداها في النار. بالطبع تتحمل الإنقاذ ومن تبعها من الإسلاميين والسلفيين وزر إخفاء كرة هذه الأزمة بالقوة عنا لربع قرن. ولكنهم رأس الجليد الطافي من هذه الأزمة لا كلها. ومن قرأ لسلمان محمد سلمان كلمته جيدة السبك عن من فصل الجنوب لعرف أن دم الجنوب على أيدينا جميعاً بما في ذلك الحركة الشعبية التي اختارت أن تشيل شليتها من الوطن الخاسر خلسة وهي التي كانت رفعت سقف الأماني في الوطن الواحد منذ الثمانيينات. ثم أنظروا ما فعلوا بشليتهم الله لا ينصرهم.
متى أنشبت الأزمة الوطنية العامة ببلد باخت مباراة حكومة ومعارضة في مثل هذه الحالة. فهما ذات الوحش على ضفتين متوهمتين. وكان مأمولاً من المثقف أن يحملنا حملاً بأدواته الساهرة لنرى هذه الأزمة وتبعتنا جميعاً فيها بحيث نبطل الكجار "والشيل فوق الدبر" ونتصالح مع إرهاقنا ونعانقه لنخلق منه خيالاً مبتكراً لممارسة جديدة جدية نستنقذ الوطن من بؤسنا وفترنا. وكان ذلك موضوع محاضرتي "الإرهاق الخلاق: نحو الصلح الوطني" كما أشرت التي ألقيتها في نهاية التسعينات بقاعة الشارقة بدعوة من جريدة الصحافي الدولي ثم نشرتها في كتاب صغير عن دار عزة في 2004. ولكن ترافق مع الشعور النامي بهذا الإرهاق صعود نجم السلاح في التقرير بشأن الوطن. فتراخى المثقف عن المهمة ورهن الخلاص بإسقاط النظام وتسليم مفاتيح البلد. وأصبح بذلك في الذيل يصفق من المصطبة مفرطاً في واجبه بما يعد خيانة للأمانة. فلم تنشأ طوال ربع قرن مدرسة علم أو منبر ثقافة نهضوي (سوى ما رأيناه في مركز حيدر الثقافي وأفسده بضيق خلقه المعروف) يكشف سوءتنا ويطهرنا من لوثة الثوابت والشيل فوق الدبر. لم ينعقد البوش الوطني لأنه لم تخرج "المداعي" من الفئة الوحيدة المؤهلة لانعقاد هذا البوش اي من مهندس النفس اللوامة. وقيل إن الذهن الكسول مرتع أو ورشة الشيطان الراكب بلدنا كما قال المرحوم زين كو..
5سؤال:هل ترى فارقاً جوهرياً بين عقلية المتمركس وعقلية المتأسلم؟
أفضل الماركسي والإسلامي على المتمركس والمتاسلم. ولا داعي ل"تاء" المناتقة في قول عبد الله الطيب التي راج استخدامها كوجهة نظر سياسية في ما يقوم بها خصمك لا لضروة معنى. فأنا مستغرب مثلاً للشيوعيين يقولون إن انقلاب البشير هو انقلاب كيزان. طيب: ألم تقولوا على عهد الرجل النير عبد الخالق إن الانقلاب كتكيتك هو خطة البرجوازية الصغير (كما شرحناها في إجابة سابقة). فكيف بربكم صار الانقلاب يُعّرف بلونه السياسي بعد أن كان يعرف بلونه الطبقي بدون إغفال للون السياسي وغيره. نقول انقلاب عبود لكبار الضباط وقامت به قيادة الجيش الرسمية لا ثلة من الضباط دونها إلخ. لقد وقع هذا الخلط في التحليل عند الشيوعيين منذ انقلاب 19 يوليو. منعهم الحرج البرجوازي الصغير ذاته من تسميته بما سمينا انقلاب مايو فقالوا عنه "حركة". وربما كان هذا نبلاً ولكنه "نبل شيل الدبر" لأنه صادر من مداركنا مباضع تشريح الممارسة الانقلابية للأبد. فبين المتمركسين والمتاسلمين وشيجة قوية هى نسبتهم جميعاً في الطبقة البرجوازية الصغيرة (مع اختلاف فروق اللون السياسي) التي الانقلاب في طرف لسانها السياسي. وقلت في كتابي"انقلاب 19 يوليو: من يومية التحري للتاريخ" أن انظروا لرفيقنا المرحوم أحمد سليمان حامل جرثومة الانقلاب من الشيوعيين إلى الأخوان ولم يشعر بفرق ووجد سوقاً لبضاعته عند كليهما كل في وقته المناسب.
د عبدالله ...ألا ترى أن الجدل الدائر في الساحة السودانية بأسم الشريعه تارة واخرى فصل الدين من السياسة ألا ترى ذلك جدل بيزنطي لا جدوى منه غير المزاودة وشرعنة الاستبداد ..وهل الغرب فصل الدين من السياسة ام فصل المذهبية الدينية من السياسية ؟ ويمكننا ان نشير الى كتابك الشريعه والحداثة ؟
كتاب "الشريعة والحداثة" كان محاولة مني لكي احتل موقعي الشاغر كماركسي في الخطاب الديني(تطبيق الشريعة، علمانية الدولة، مدنية الدولة، المعاش، المعاد، التراث، الغيرة على الرسول الكريم إلخ، ) أصالة. وهي الخطة التي تواضعنا عليها في الحزب الشيوعي بعد حلنا في 1965 بجريرة الإلحاد. فقال لنا أستاذنا عبد الخالق إن بواعث الحملة علينا معروفة ومكشوفة قوامها سياسيون فشلووا في التأقلم في مناخ ما بعد ثورة أكتوبر 1964 الذي ارتفعت به توقعات الشعب من الحكم إلى عنان السماء. ولكن ينبغي أن لا نستهين بكل الحملة. فقد نجحت بكل صفاقتها السياسية في عزلتنا النسبية ونهش فكرنا فعلينا أن نسد الفرج التي يدخل علينا منها شيطان العزلة. فلا يكفينا الان أن نقول إننا نحترم الدين والمتدينن. فسبقنا إلى مثل هذا القول نابليون في تطمين للمصريين بأمنهم الثقافي بعد غزوه بلدهم في 1798. ونابليون كافر ونحن قوم مسلمون.فعلينا إذا أردنا للماركسية أن تتوطن في بلدنا أن ندخل بها عميقاً في تراثنا لنجدده في عصرنا. هذا كان توجيهاً ذكياً عاماً أخذت أنا بركته وأنشغلت منذها بالعوالم الفكرية والوجدانية التي تفتحت لي به. ووصف أستاذنا مثل هذه العزيمة كسباً بالهجوم لا بالدفاع. ومن مثل نهج الدفاع اقتراح قديم متجدد لرفيقنا الشفيع خضر بتغيير اسم الشيوعي للاشتراكي. ولن ترضى عنك اليهود والنصاري ولو سميته حزب بن باز السلفي. وسبب اضطرارنا لهذه الخطة الدفاعية بتغيير الاسم عسانا نرتاح من وجع دماغ الإلحاد هو فشلنا الأعظم أن نصبح طرفاً أصيلاً في الخطاب الديني، بحقنا. ووجدت أنني الذي أحاول تطبيق خط حزب قديم متروك متهماً ب"الدروشة" ولحس عقائد الإنقاذ.
لسنا اولاد اليوم. وكل من عاش فترة الستينات يدرك الآن أن المخرج من الدولة الدينية التي كانت زبدة مشروع الإسلاميين هي الدولة العلمانية المحايدة تجاه الدين وتترك لأهل الدين أو الديانات أن يحملوا عاطفة الدين وربانيته وإنسانيته للمجتمع بصورة مباشرة بغير وسيط الدولة. فعاطفة الصدقة هي من أعظم العواطف قاطبة في الولايات المتحدة. فمنظمة "اليوانايتد وي" الخيرية الصدقية تكاد تبلغ مقام الزكاة. بل هي زكاة علمانية يجمع له متطوعون المال بصورة ساهرة دقيقة. وكنت أدفع ضمن موظفي مؤسستي لها حباً وكرامة. فلم تحتج عاطفة الصدقة للدولة لتقوم بها. وينهض بشغل الجمعية جهاز من الموظفين والمتطوعين بتقوى شهمة وشجاعة.
ظللت أقول للمعارضين إن حكم الإنقاذ لم يرح سدى لو لم ير الناس عن كثب وتجربة ومعاناة لربع قرن أن تديين الدولة وخيم العواقب على الدولة والدين. في الستينات كان الإسلاميون يعتقدون أنهم وجدوا مفتاح المستقبل للوطن المستقل المسلم وهو الدستور الإسلامي. بل كان في جمهرة الناس شوق إلى أن تتحد سياستهم وإسلامهم ملهمين بالخليفة الذي أمن ونام وأدب المال العام في بيت المال. ثم لم يلبث الإسلاميون قليلاً في الحكم حتى علموا أنهم كانوا في أحسن أحوالهم رومانسيين عرفوا عن الماضي (أو تشوقوا للماضي) ما لم يعرفوا عن الحاضر والمستقبل. واعترف أفاضلهم أنهم جاؤوا للحكم خالي الوفاض من فقه الحكم وصار أمرهم إرتجالاً مكلفاً. ولكن بعضهم من مثل الأستاذ حسن عمر يكابر ما يزال. قال من قريب إنه إذا أراد أحدهم جعل الدول علمانية فسيجد شباب الإسلام بالمرصاد. ونقول عرضاً فليبدأ هؤلاء الشباب الكواسر به لأنه جعل الدولة كسروية. بل هو يعرف أن لأفضل هؤلاء الفدائيين رأياً سيئاً فيه وفي رفقته الذين ما زالوا في دولة الإنقاذ أو يكاد. قد كتبت مرة عن من توعدنا مثل أمين لأن يسأل نفسه من فصل الدين عن الدولة؟ من غطّس حجر الدولة حتى لم يعد للدين موضعاً فيها فصار حتى ديوان الزكاة في أعلى قائمة دوواين الفساد بالدولة كمثل نيابات الأراضي. وقلت له ما بقيت جذوة الدين في الناس يصلون الرحم ويتصدقون ويتعبدون إلا لأنهم نأوا بدينهم عن الدولة الكافرة.
يشاع أن ما يريده المعارضون هو دولة مدنية. وهذا أيضاً من الحيل الدفاعية لا الهجومية. يريد أهل الدعوة بها تفادي محمولات "علمانية" مع ثبات مطلبهم في فصل الدين عن الدولة. وهذا إما خداع للنفس او خداع للآخرين او هو معاً. ليس هناك شائنة في العلمانية استدعت عبارة رديفة جديدة. فالمباديء مثل فصل الدين عن الدولة لاتنعقد باللطف القاموسي بل بخلق قاعدة لها مما يسميه الأمريكان "الكتلة الحاسمة" (كرتيكل ماس) لتعبيء العقول والوجدان للتغيير وقبول حقائق الحياة ببينة مما جربناه. وبالطبع هناك علمانيات من مثل علمانية أتاتورك المعادية للدين وعلمانية جيفرسون الأمريكي المحايدة تجاههه ما اتصل الأمر بالدولة. ونقول عرضاً أن كان للرجل مصحفاً مترجماً اطلع عليه حتى حفيت أوراقه. وهو القائل فليأت إلى سدة حكم أمريكا من أراد المواطنون حتى لو كان "محمدياً" اي مسلم.
علاقة الدين بالدولة لا نفاد لمدادها. فحتى في أمريكا التي نظن أن علمانية الدولة قد استقرت فيها للابد تتعاورها رغبات متعددة لأوبة الدولة للدين في مصطلح الترابي. فهناك قاض في "حزام الإنجيل" بالجنوب الأمريكي أقام نصباً في محكمته بالوصايا العشر ويرفض حالياً مع آخرين تزويج المثليين. وأمر بالطريق هنا بمتظاهرين يتناوبون الاحتجاج أمام مركز تنظيم الأسرة الذي تجري فيه عمليات الإجهاض. بل قتل أحدهم طبيباً بأحد هذه المراكز. وها هو البابا يستجيب للكتلة الحاسمة التي تريد للإجهاض أن يكون شأناً تختص به من تريد الإجهاض لا رأي فيه للدولة أو حتى الكنيسة. وما زلت استغرب للشيخ الترابي قال مرة إن فساد تلاميذه في الحكم نتج من نقص تربيتهم. لقد سبق أن قال لك جعفر شيخ إدريس أن تربي قبل أن تسيس. ثم حتاما ننتظر حتى يأتي الكادر الإسلامي حسن التربية ليقيم الدولة المتدينة؟
كلمة اخيرة، للاجيال الجديدة والشباب؟
هذه كلمة للشباب. وأحكي لهم نادرة. كنت بين جماعة الرباطاب حين استنكر أحدهم على شاب أن لا يرى منه ما يفعله الشباب مثله. فقال له:"يا فلان إنت شبابك شيتاً جا وراح واللا شيتاً حيجي لسه". أذكر هذه الكلمة الحكيمة كل ما سمعت الشباب يستنكر خمول القيادت العجوز (القاعدة بره) ومكنكشة وبقية الصفات.
ماذ تريدون أن تفعلوا بشبابكم ومرت 3 أجيال شابة منذ الإنقاذ غادر أكثرهم الآن مرحلة الشباب إلى الكهولة. وما زالتم تطالبون أن "يتبرع" عجوز ما لكم بفرصة في قيادة حزب أو حركة. طيب وأنتم داخرين شبابكم المفترض فيه المغامرة والتجريب والتمرد وشق الطرق الجديدة، داخرنو لمتين؟ هل شبابكم ولي راح أم أنه في الطريق إلينا ما يزال. كفوا عن الشكوى وتحزبوا باستقلال ومروءة وذكاء ولا تطلبوا أحزاباً مفروشة أحدث المقالات
- المهدية والانقاذ شبه شديد (5) .. بقلم شوقي بدري 09-26-15, 02:44 PM, شوقي بدرى
- بعد الراكوبة السعودية تتأمر مع النظام للأفلات من البند الرابع بقلم lلفاضل سعيد سنهوري 09-26-15, 02:40 PM, الفاضل سعيد سنهوري
- لا يهمك ياوليد ! بقلم على حمد إبراهيم 09-26-15, 02:37 PM, على حمد إبراهيم
- معركة جنيف.. بين الحق والزيف ! بقلم خضرعطا المنان 09-26-15, 02:34 PM, خضرعطا المنان
- مدارات الاشواق بقلم ايليا أرومي كوكو 09-26-15, 02:31 PM, ايليا أرومي كوكو
- سودانيون يتسابقون للحصول على الفياجرا!! بقلم فيصل الدابي/المحامي 09-26-15, 05:55 AM, فيصل الدابي المحامي
- هل ستكون السعودية اولى ضحايا ممالك الربيع العربى ؟؟ بقلم جاك عطالله 09-26-15, 05:50 AM, جاك عطالله
- الفداء :عيد حزين !! شعر حافظ نعيم 09-26-15, 05:48 AM, نعيم حافظ
- آليات حماية حقوق الإنسان في النظرية والتطبيق..!! بقلم د. محمود شعراني المحامي 09-26-15, 05:44 AM, د. محمود شعراني
- ممارسات خاطئة باسم الثورة..مركز بثوب الهامش... بقلم ادم ابكر عيسي 09-26-15, 05:42 AM, ادم ابكر عيسي
- آخر نكتة (العرسان بشر والشهود حيوانات)!! بقلم فيصل الدابي/المحامي 09-26-15, 05:40 AM, فيصل الدابي المحامي
صورة للفنان محمد السنى دفع الله 09-26-15, 04:11 PM, صور سودانيزاونلاينصورة للفنان راشد دياب 09-26-15, 04:07 PM, SudaneseOnline Imagesصورة للفنان طارق الامين و الشاعر الراحل محجوب شريف 09-26-15, 04:05 PM, صور سودانيزاونلاينصورة للفنانة السودانية فائزة عمسيب 09-26-15, 04:02 PM, SudaneseOnline Imagesشهداء الثورة السودانية الشهيد عبد القادر ربيع عبد القادر 09-26-15, 03:58 PM, صور سودانيزاونلاين
|
|
|
|
|
|