|
ندوة بعنوان: الواقع العربي المعاصر الإمام الصادق المهدي
|
بسم الله الرحمن الرحيم حزب الوسط الإسلامي – الأردن/ إربد الأحد 16 فبراير 2014م – غرفة تجارة إربد ندوة بعنوان: الواقع العربي المعاصر الإمام الصادق المهدي شكرا أخي الرئيس أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي، مع حفظ الألقاب والمقامات لكم جميعا. السلام عليكم ورحمة الله،، والحقيقة أن مشهدنا العربي محزن، لو رأيناه في المنام فزعنا، كابوس، لما فيه الآن من اقتتال أهلي يكاد بعضنا بعضاً ينفذ كل أجندة العدو. في السبعينيات كتب الرئيس الأمريكي السابق نيكسون كتاباً عن "نصر بلا حرب"، وأشار في ذلك الوقت للحرب العراقية الإيرانية، وقال في الكتاب لو أن حرباً يتمنى الإنسان أن تكون هي هذه الحرب، ولو أن الإنسان يستطيع أن يتمنى، فليتمنى ألا تنتهي هذه الحرب بانتصار أحد المقتتلين. المعنى أن يقتتلوا إلى ما شاء الله: واشغل أعدائي بأنفسهم والآن نحن في كل الجبهات نكاد نطبق هذه الأمنية للعدو الذي يريدنا أن نقتل أنفسنا بأنفسنا كما قال البحتري: شَوَاجِرُ أرْمَاحٍ تُقَطِّعُ بَيْنَهُمْ شَوَاجِرَ أرْحَامٍ مَلُومٍ قُطُوعُهَا هذه هي الحالة، ولا شك أن فيها ما فيها من غيبة الإرادة العربية الموحدة، وهي تعني أن يتحكم فينا غيرنا، والربيع الذي تمنينا أن يحقق بعض الأماني لم يحققها، فالسؤال الآن مع غيبة هذه الإرادة العربية ومع ما حدث للربيع هل من أمل؟ أعتقد نعم، وفي حديثي هذا سأبين لماذا نعم، لأنه مثلما قال ابن زريق: أَضيَقُ الأَمرِ إِن قدّرتَ أَوسَعُهُ. بمعنى أن الحالة من السوء بحيث ليس بعدها إلا إن شاء الله فرج. في مقدمة ما أقول بعد شكري الجزيل للأخ نايف أبو عبيد على الكلمات الطيبة التي حياني بها باعتبارها لسان أهل الشمال هنا (وسماها عروس الشمال)، أشكره شكراً جزيلاً على هذه الأبيات الطبية وأرجو الله أن يوفقني أن أحقق بعض ما تمنى. في مقدمة ما أقول لا للفهم الاتكالي للإرادة الإلهية، فالله سبحانه وتعالى استخلف الإنسان، ونفخ فيه من روحه، وبين كافة الموجودات المبرمجة لأداء مهام محددة الإنسان صاحب إرادة حرة (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)[1]. وهبة العقل توجب استخدامه كما قال الجوزي: (قبيح بمن أُعطِيَ شمعة يستضئ بها أن يُطفِئها ويمشي في الظلام). فاستخدام مواهب الإنسان من إرادة الله كما سُئلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَاتِّقَاءً نَتَّقِيهِ هَلْ يَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ"[2]. الكون قائم على نظام بإرادة الله قال تعالى: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[3]، ولا للذهنية الإستسلامية التي تنسب الأمور للمؤامرات، ففي طبيعة الأمور والأشياء أن يكون الصديق مناصراً، وأن يكون العدو مضارراً، هذه طبيعة الأشياء التي يجب أن نتوقعها ولا تفاجؤنا. فإذا تخلصنا من الذهنية الاتكالية والاستسلامية نتجه لفهم عقلاني لحالنا: الأسباب وإمكانية تغيير هذه الأسباب. في حديث ابن خلدون في المقدمة كل شيء في الوجود الطبيعي والاجتماعي خاضع لقوانين، فما هي القوانين التي تخضع لها حالتنا الآن؟ وما هي الوسائل التي يمكن أن تخرجنا من هذه الظروف؟ في النقاط التالية سأبسط ما أقول: النقطة الأولى: أسباب الجمود: جمود وخمول حضارتنا من مسئوليتنا بسبب عاملين هما الجمود الفكري والاستبداد السياسي، عنوان الجمود الفكري والثقافي ما قاله الشاعر: الْعِلْمُ مَا كَانَ فِيهِ قَالَ حَدَّثَنَا وَمَا سِوَى ذَاكَ وَسْوَاسُ الشَّيَاطِينِ هذه الذهنية نحتت عبارة أن التفكير كالتكفير تطابقت الحروف والمعاني. كذلك عنوان تحكم الاستبداد مقولة الفقيه ابن جحر العسقلاني: "أجمع الفقهاء على وجوب طاعة المتغلب والجهاد معه". الجمود والاستبداد هما سبب تأخرنا عن زحف التطور الاجتماعي الذي حرر الشعوب من استبداد الفرد المتغلب ومكنها من مضاعفة طاقاتها الاستثمارية في التعمير. وحرية البحث العلمي التي مكنت الإنسان من اكتشاف سنن الكون وتسخيرها لمصلحة الإنسان. والمدهش أن أوربا التي حققت هذه المعاني قد خصبها ودفعها في هذا الاتجاه علاقتها بحضارة المسلمين. فتقدموا وركدنا. النقطة الثانية: البلدان العربية من ناحية الحكم الراشد: · في عام 2002م نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريراً عن التنمية البشرية في العالم العربي حرره عدد من الخبراء من البلاد العربية المختلفة وجاء فيه أن المنطقة قد شهدت تطوراً اقتصادياً وخدمياً في مجالي التعليم والصحة، وفي مجال الانفتاح على العالم دبلوماسياً وتجارياً، ولكن في مجال الحكم الراشد الذي يقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون فإن المنطقة متخلفة عن ركب الإنسانية. الصفة الغالبة على نظم الحكم في المنطقة العربية للأسف هي حكم الفرد يدعمه أمن قاهر، وإعلام مضلل، واقتصاد مجند لصالح الحكام، واستعانة بالهيمنة الدولية. · في عام 2006م بعث نادي مدريد وهو نادي نحن أعضاء فيه وهو منظمة تضم 90 من رؤساء دول وحكومات سابقين منتخبين ديمقراطياً، بعث وفوداً لستة دول في العالم العربي للتحري عن مدى المشاركة في الشأن العام في السلطة واتخاذ القرار، وبعد نهاية هذه التحريات عقد النادي مؤتمراً في منتجع البحر الميت في الأردن دعا إليه أحزاباً سياسية ومنظمات مدنية من 19 دولة عربية يمثلون أحزاباً حاكمة وأخرى معارضة. وبعد تداول التقارير أصدر المؤتمر نداء البحر الميت الذي جاء فيه: إن ثمة احتقاناً حاداً بين الحكام والشعوب يتطلب حواراً بينهم، للاتفاق على إصلاح سياسي يحقق المشاركة والمساءلة في الشأن العام. وجاء في النداء: ما لم يحدث هذا فإن الاحتقان سوف يسبب انفجاراً. صدر هذا في يناير 2008م. · النظم الحاكمة لم تعبأ بأية نداءات إصلاح، واستعانت بأساليب القهر الحديثة المستمدة من التجربة الاستالينية والفاشستية بوسائل التكنولوجيا الحديثة، وروضت القوى السياسية الأخرى والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ترويضاً، والكيانات الاجتماعية ذات الولاءات المورثة كذلك، وأبطلت أية حركة معارضة إلا في حدود ضيقة، لذلك اطمأنت النظم الحاكمة في الغالب على استمرارها بل شرعت تحاول أن تتخلى عن الشعارات الثورية التي اتخذتها في البداية وتسعى لتقنين التوريث الذي سنته سوريا الأسد. · الربيع العربي: ولكن خارج نطاق رادارات الاستخبارات حدث تغيير هيكلي في قدرات وطموحات القوى الشعبية في المنطقة بين الشباب، مفرداتها تغييرات اجتماعية ومعلوماتية واتصالاتية أفرزت أجيال جديدة هي رأس الرمح للربيع العربي، وأطيح بالطغاة لأن رأس الرمح إنما وجد احتقاناً واسعاً فتجاوبت معه الملايين الهادرة. إن ما حدث هو: (أ) هبة شعبية وليست ثورة بمعنى الكلمة، لأن كلمة ثورة ليست ترجمة صحيحة لعبارة Revolution)) لأن عبارةRevolution) ) تعني دورة كاملة من نظام قائم إلى نظام جديد يحل محله فهي دورةRevolution) )، ولكن الذي حدث هو جزء منها وهو الإطاحة دون الاستبدال المطلوب. (ب) حيث ما وقعت هذه الهبة سقط طغاة وظهرت هشاشة سلطانهم وانكسر حاجز الخوف، ولكن الحرية التي تحققت رفعت الغطاء عن الواقع الاجتماعي. الحرية اطلقت العنان للتيارات الفكرية المكبوتة، والولاءات الدينية والعرقية والمذهبية المورثة. الحرية كشفت هشاشة التنظيمات السياسية الحديثة من أحزاب سياسية وهشاشة التنظيمات المدنية الحديثة. فالأحزاب السياسية بدت مفككة كمحرمات الطعام (الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة). المنظمات الناجية من ذلك نسبياً كانت القريبة من الوجدان الديني التي تخندقت في أنشطة دينية واجتماعية حفظت بموجبها شبكات اتصالاتها الداخلية والخارجية. النقطة الثالثة: السمات المشتركة: البلدان العربية من ناحية الحكم تظهر صفات مشتركة هي: - تأخر عن الركب الديمقراطي، الديمقراطية في العالم ظهرت في موجات: الموجة الأولى، والثانية والثالثة، والرابعة. وكان ينتظر أن البلاد العربية سوف تحل فيها الموجة الخامسة للديمقراطية في العالم. ولكن المهم أن الظاهرة العامة تأخر عن الركب الديمقراطي، واحتقان حاد بين الحكام والشعوب. - عوامل الربيع المختلفة بالمسائل التي ذكرناها كسرت حاجز الخوف. وظهر ترحيب شعبي عريض في كل منطقة بالربيع، وإعجاب دولي به، حتى أن كثيراً من الدول المتقدمة صار شبابها يحاكي شباب الربيع العربي: احتلال وول استريت واحتلال السيتي في لندن .. الخ. النقطة الرابعة: ما بعد الربيع العربي: بعد الحركات الثورية الأولى في تونس وفي مصر هذه الأحداث نبهت الدول الأخرى وغاب عامل المفاجأة، لذلك تعثرت الموجة الثانية كما كان في اليمن وفي ليبيا وفي البحرين وفي سوريا. في اليمن تدخل مجلس التعاون وأشرف على توافق برعايته، وفي البحرين احتوت السلطة التحركات بدعم من مجلس التعاون الخليجي، وفي لبيبا بسبب عامل البترول وغياب حلفاء ساعد الثوار حلف شمال الأطلنطي، وفي سوريا بسبب التحالفات الإقليمية والدولية تحول الأمر من ثورة سلمية إلى حرب أهلية مدمرة استمرت حتى الآن ثلاث سنوات. النظم الملكية في دولتي الحكم الهاشمي والدول البترولية الأخرى ظهرت فيها تطلعات شعبية للإصلاح قوبلت في المغرب والأردن بإصلاحات دستورية وفي الدول الخليجية بمكاسب خدمية ومالية للشعوب، ولكن الحقيقة هي أنه في كل المنطقة يجمع بين الشعوب وجدان مشترك وتطلعات مماثلة نحو الكرامة والحرية وتوفير أسباب المعيشة والعدالة الاجتماعية، كما أن ثقة الشعوب في قدراتها زادت ما يعني أن الطريق الأمثل للإصلاح في هذه البلدان هو الإصلاح السياسي: في النظم الوراثية يحقق ملكيات دستورية بحيث يكون الحكام يملكون ولا يحكمون، وفي النظم الجمهورية يحقق جمهوريات ديمقراطية. هذا في تقديري التطلع الذي تتجه إليه آمال وعزائم الشعوب. النقطة الخامسة: بين تونس ومصر: البلدان التي سبقت في الربيع العربي عانت من اضطراب، فالحكام الجدد وجدوا أن ولاية الحكم التي نالوها بالانتخاب محدودة يشاركهم فيها: - مؤسسات الدولة المتجذرة. - وممارسات المجتمع المعهودة. - ونفوذ المحيط الدولي. وجدوا أنهم في الواقع مهما كانت الأغلبيات التي حققوها يشاركهم في ولاية الأمر والقرار مؤسسات الدولة المتجذرة، وممارسات في المجتمع الفني والإعلامي المتجذرة، وكذلك وجدوا أن للأسرة الدولية أثراً ونفوذاً في القرار. كذلك وجدوا أن المطالب الاقتصادية ملحة للغاية ولا تنتظر فيما يتعلق بالفقر، والعطالة، وتوفير أسباب المعيشة. في تونس واجه حزب النهضة الموقف بتوسيع المشاركة وحوّل الأمر من ولاية تقوم على التغلب إلى ولاية تقوم على المشاركة. في مصر اتخذ الإخوان نهج المغالبة فخلقوا استقطاباً أدى إلى ما أدى إليه من تطورات ونزاعات واستقطاب حاد في مصر. النقطة السادسة: أهمية المنطقة والتدخل الأجنبي: مهما كانت العوامل الداخلية فإن لهذه المنطقة أهمية خاصة لا تترك لتفعل ما تشاء بإرادة شعوبها، لأن هناك عوامل تشد إليها اهتمام الآخرين، أهمية وصفها الرئيسي الأمريكي الأسبق كارتر بأنها أهم قطعة أرض في العالم، لأسباب معنوية ومادية. أما الأسباب المعنوية فهي مهد حضارات الإنسان، وأنها مهد الأديان الإبراهيمية ديانة أغلبية البشر كأديان عالمية، هناك أديان أخرى ولكنها أقرب إلى أنها مرتبطة بمنطقة معنية مثل الهندوسية في الهند والكونفوشيسية في الصين وغيرها، ولكن الأديان العالمية أديان إبراهيمية قطعاً: الإسلام والمسيحية، وهي موطن الإسلام الذي يتصف بحيوية مدهشة. صار الإسلام مع ضعف المسلمين وضعف دولهم الإستراتيجي يشكل القوة الثقافية الأولى في العالم ويتمدد، يتمدد بحيويته والعناية، يتمدد بصورة مزعجة للآخرين حتى صار هناك هاجس. عدد كبير جداً من الكتب وقد أحصيت أكثر من عشرة كتب كتبت خوفاً من هذه الظاهرة – مثلا- كتب: بات يائور، وباتريك بوكانان، وتوني بلانكي، كل هؤلاء يكتبون كتب أن المنطقة سوف تتحول إلى "يوريبيا: يعني أوربا سوف تتحول إلى رافد من الروافد العربية يوريبيا، وعنوان آخر "فرصة الغرب الأخيرة" هم ينظرون للغرب بأنه يواجه تقزيماً بسبب هذا التمدد، وهكذا عبارات فيها هاجس الخوف. وبابا الفاتيكان مع أن القوة في أيديهم ومصائرنا في أيديهم استراتيجياً وعسكريا واقتصاديا، هو خائف من هذه الأمور، ولذلك في عام 2006م تكلم بلغة فيها الفزع الشديد عن الإسلام، مع أن الفاتيكان كان التوجه الدبلوماسي فيه أن يراعي ويحافظ على العلاقة بين الأديان الأخرى، ولكنه بسبب هذا الفزع ومحاولة منع هذا الانتشار قام بذلك الهجوم. فنحن مثلا لا نسمع أن هناك سفير عربي أو مسلم تنصر أو تهود لم نسمع هذا، ولكن نسمع كثيراً من دبلوماسيين ونحن عندنا في السودان أيضاً وحصل في المغرب وفي مناطق كثيرة دبلوماسيون أمريكان وفرنسيين وألمان يسلمون. هذه ظاهرة مخيفة جداً باعتبار أن هذا الدين عنده حيوية غلابة مع ضعف المسلمين مثلما قال محمد أسد، محمد أسد هذا نمساوي يهودي أاسلم وقال: الحمد لله عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين، وشعر بأن الإسلام يشده ثم قال: مهما يقال عن ضعف المسلمين يظل الإسلام أقوى ملة لتحريك الهمة واستنهاضها. المهم أن هذه الظاهرة صارت تشكل هاجساً وخوفاً من هذه المنطقة. أي كأنه: إني بمَا أنَا باكٍ مِنْهُ مَحْسُود، برغم ضعفنا وذلك بسبب المسائل المعنوية. المسائل المادية أيضا كثيرة: الموقع المتوسط في العالم، البترول، وإسرائيل باعتبار أن الاهتمام بأمن إسرائيل هو هاجس كبير ليس فقط في رأيي للأسباب العاطفية أو الدينية حتى لدى الصهاينة المسيحيين، ولكن لسبب مهم جداً باعتبار إسرائيل منصة تدخل ومنصة حراسة وشرطة في المنطقة لمراعاة المصلحة الغربية، يعني بصرف النظر عن الجانب العاطفي والحديث عن تظلم أو ظلم اليهود على يد هتلر، لكن هناك معنى آخر مهم هو أن تصير هذه قاعدة للحضارة الغربية لحراسة مصالحها في المنطقة. لذلك لهذه الأسباب المعنوية والمادية لن يتركوا أحداث المنطقة تتفاعل ذاتياً بل سوف يحرصون على التأثير فيها مراعاة لمصالحهم، وللأسف كثير من القادة والحكام يستفيدون من هذه المسألة باعتبار أنهم يعقدون معهم صفقات للمصالح المشتركة، هم لمصالحهم الذاتية، والولايات المتحدة والهيمنة الدولية لمصالحها. وطبعاً سوف يكون المدهش في هذا الموضوع أن الذين يرتبطون معهم سيكون موقفهم كما قال أحد الشعراء في علاقته بالحجاج: أُقَاتِلُ الْحَجَّاجَ عَنْ سُلْطَانِهِ بِيَدٍ تُقِرُّ بِأَنَّها مَوْلاَتُــــــــهْ مَاذَا أَقُـوْلُ إِذَا وَقَفْتُ إِزَاءَهُ فِي الصَّفِّ وَاحْتَجَّتْ لَهُ فِعْلاَتُه هذا سوف يبقى الموقف المؤسف ولكن هذه حقيقة سواء الحلف مكتوب أو غير مكتوب فهو قائم. النقطة السابعة: المفاضلة السطحية: كل المنطقة وبصرف النظر عن الحدود القطرية بها الآن وجدان واحد، وتطلعات الشعوب في المنطقة الآن متحدة نحو الكرامة والحرية والمعيشة والعدالة الاجتماعية، وتطلعات أيضاً للتأصيل والارتباط بالعقيدة. في البلدان التي شهدت ربيعاً كانت هذه العوامل محركة، وحتى في البلدان التي لم تشهد ربيعاً هي ما زالت محركة للشعوب ولتطلعات الشعوب ولأشواق الشعوب، لا يستطيع أحد أن يخطي هذه الحقيقة وهي أن المنطقة كلها تتحد في وجدانها وتطلعات وأشواقها نحو هذه الأهداف. ولكن بدا لكثيرين مع هذا، أن مقولة الحكام السابقين، كما كان يقول الرئيس السابق حسني مبارك وغيره، أننا قدركم لأنه لا بديل لنا إلا الفوضى أو الدولة الدينية المغلقة، وبرأيي هذا شيء سطحي، وصار كثيرون يرون في المنطقة أن العودة للوصاية أفضل من النظام الديني المغلق ومن الفوضى. هذه المفاضلة صارت لدى كثير من الناس وتدفع بها أجهزة إعلام كثيرة أن هذا هو القدر إما العودة لنوع من الوصايا أو دولة دينية مغلقة أو فوضى. النقطة الثامنة: تراث الاستبداد طلبا للاستقرار: تاريخنا يؤكد الصلة المباشرة بين التطلع للاستقرار على حساب الحرية، وبين الفوضى والتطلع للاستقرار عن طريق الاستبداد. وفي تراثنا مقولة المغيرة بن شعبة للخليفة معاوية الذي قال له خذ العهد ليزيد خوفاً من الفتنة، وإذا حدث هذا لا فتنة بل استقرار، وأخذت البيعة ليزيد بالقوة: أمير المؤمنين هذا وأشار للخليفة معاوية، وإن هلك فهذا إشارة ليزيد، ومن أبا فهذا إشارة للسيف. هذا صار حقيقة دستور التغلب والتوريث، وهذا الذي جعل أبو العلاء المعري يقول العبارة: طَموحُ السّيفِ لا يخْشَى إلهاً ولا يَرجو القِيامَةَ والمَعادا وحكام معزولون عن الإرادة الشعبية والشورى قال عنهم الخزاعي: خليفةٌ ماتَ لمْ يحزنْ لُه أَحدٌ وآخرٌ قَامَ لم يفرحْ بِهِ أحدٌ وفي التراث الأوربي إيفان الرهيب في القرن السادس عشر، بعد أن ورث القيصرية خرج من موسكو وأعلن أنه استقال بمعني أنه تنحى، فحصلت فوضى، فذهب إليه الأعيان وقالوا له عود، فقال سأعود ولكن بشرط الحكم المطلق. ولذلك عاد ليطبق هذا الحكم المطلق. النقطة التاسعة: التطلع الشعبي للانعتاق: نعم الخوف من الفوضى أو من الدولة المغلقة الدينية أوقف تحولات الربيع، وربما هذان الأمران مهدا لعودة الوصاية بصورة أو أخرى، ولكن وجود تطلع شعبي واسع نحو آفاق الحكم الراشد ووجود حقيقة التغيير الهيكلي المذكور، فهناك قوى اجتماعية جديدة صارت موجودة وعندها إمكانات تحرك، وهناك ثقة للشعوب في نفسها سوف يستمران في العمل من أجل النظام الجديد المنشود. وعوامل التغيير الهيكلي المذكورة وسط الشباب، وما حدث من ثقة الشعوب في قدراتها سوف تساعدها منظومة حقوق الإنسان. فالعالم الآن فيه منظومة حقوق الإنسان تطبق أو تفرض نفسها حتى على بلدان مثل أمريكا وغيرها إذا حصلت تعديات على حقوق الإنسان (امينستي انترناشيونال، وهيومان رايتس ووتش) وهؤلاء جميعا يصيحون بالإدانة. كذلك هناك الإعلام الفضائي. الدكتاتورية في كل مكان تحتاج دائماً للتغطية أي نوع من كشف أو بيان أو معرفة الحقائق وأي نوع من الشفافية يضر بالدكتاتورية. وهناك إذن شفافية بنيوية موجودة في النظام الفضائي الموجود حالياً ووسائل الاتصال المختلفة مثل الثريا وغيرها من وسائل نقل الخبر. إضافة لحقيقة وحدة الوجدان والثقافة العربية. النقطة العاشرة: الحرية في بلداننا كشفت عن التقاطعات الحادة الشائعة في المنطقة الآن وهي مصدر المواجهات الدامية التي دفعت المنقطة لنوع من المواجهات برأيي إذا نظر إليها كشيء معزول كأنما المنطقة تنتحر، وكأنما بلداننا الآن تنتحر في مواجهات بين عوامل مستقطبة ضد بعضها بعضا ومشتبكة مع بعضها بعضا وهي: - الاستقطاب الإسلامي /العلماني. - والسني/ الشيعي. - والأخواني/ السفلي. - والسلفي النظري والحركي. - والإسلامي/ المسيحي/ اليهودي. الديني. - والاستقطاب بين قلة غنية وكثرة وفقيرة. وهذا في حد ذاته قنابل موقوتة لا يمكن أن يستمر هذا العدد الكبير من الفقراء والعطالة يهدد الاستقرار والسلام الاجتماعي. ولا شك أن أي نظام لا يستطيع أن يحمي القلة الثرية من الكثرة الفقيرة إذا لم يستطع أن يعالج تطلعات ومطالب هذه الكثرة الفقيرة. هذه المسألة جزء من هذه المواجهات القائمة. - ثم هناك المواجهة القومية بين القومية العربية وقوميات أخرى تعيش في داخل المنطقة العربية وهذه أيضا مسألة تتطلب علاجاً فيه استيعاب لتطلعات الأطراف المختلفة. - ثم هناك الفكر القائم على المصلحة الوطنية وضرورة الحفاظ عليها، والتطلع القومي الأوسع من التطلع الوطني ولكنه موجود، والتطلع الإسلامي ثم الولاء والعلاقات الدولية. هذه كلها فيها الآن أفكار متضاربة ومتناقضة ومتعارضة. كل النظم سوف تواجه تطلعات شعبية نحو نظام جديد وتواجه هذه التطلعات بدرجات متفاوت وتواجه التدخلات الدولية. هذه التقاطعات لا تستطيع أطرافها القضاء على بعضها بوسائل أمنية. وأي محاولة لأحد أطرافها القضاء على الآخر بالقهر لن تجدي. المطلوب هو تحقيق درجة أعلى من التوازن. اقترحنا على الصعيد النظري ميثاقاً توافقياً أهم بنوده: - معادلة إسلامية/ علمانية. - معادلة سنية/ شيعية. - معادلة سنية/ سنية. - معادلة تعايش ديني. - معادلة قومية عربية: وقوميات. - معادلة اجتماعية للحالة الطبقية. - معادلة وطنية/ الولاءات الأوسع. - معادلة مع الأسرة الدولية. نعم هنالك دول جمهورية كالسودان، والجزائر وموريتاني، لم تدخل حركة الربيع ولكن مع اختلاف الظروف فيها فإن تطلعات شعوبها واضحة ومماثلة لشعوب الربيع ولديها خيار الإصلاح الاستباقي. الخلاصة: إن شعوب المنطقة استيقظت والكبت لا يجدي في احتواء تطلعاتها والحرية بلا بوصلة تقود للفوضى، والفوضى تدفع نحو الطغيان، والطغيان تواجهه التطلعات الشعبية والتدخل الأجنبي مرتبك، والاستقرار مرتبط بدرجة أعلى من التوازن تمثل تحدياً مصيرياً للقيادة الفكرية والسياسية. ملحوظة: ألقيت الكلمة شفاهة وقام المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي بتفريغها من تسجيل الكاسيت
[1] سورة الكهف الآية (29) [2] الترمذي [3] سورة طه الآية (50)
|
|
|
|
|
|