|
لقاء "لايف" مع الروائي محمد جمال الدين حول روايته حرب الأنهار وقضايا أخرى متعلقة.. إعداد ومتابعة ع
|
لقاء "لايف" مع الروائي محمد جمال الدين حول روايته حرب الأنهار وقضايا أخرى متعلقة.. إعداد ومتابعة عازة عمر، إنجلترا.
رواية حرب الأنهار؟. ما سر الإسم ومن اين جاءت فكرة الرواية؟.
الإسم إشارة إلى نهري النيل والراين خلاصة الأمكنة التي دارت بها أحداث الرواية، والحرب هنا رمزية ليست الحرب الفعلية وإنما في جوهرها التلاقي الحار الذي يلد السلام كما هو بائن في المشهد الأخير من العمل. هو خلاصة التلاقي الذي حدث بين سيلفيا الهولندية وأحمد سند السوداني ذاك التلاقي الحار وعلى ما به من صراع وصدام
مع بين شخصيات ذات مرجعيات هويوية وحضارية مختلفة انتج في خاتمته سلام. غير أن السلام في حد ذاته عملية نسبية غير منتهية في تاريخانيتها فالسلام يسير في إتجاه سلام أبدي ودائم وهو الحلم الطوباوي الذي تسير نحوه البشرية قاطبة وكثيراً ما يصورونه بالفراديس في العالم الآخر.
فكرة الرواية وخلفيتها غير متوقعة للكثير حين أقول أن الفكرة في الأساس نبعت من حكاية الرجل الغريب الميت الذي لا إسم له في الرواية في مقابل الرجل الغريب الحي (أحمد سند) وهما في الحقيقة أهم شخصيات الرواية بجانب الشابة الهولندية سيلفيا. فالرواية ليست بالضرورة أقساط رومانسية أو قصة غرامية كما يتراءى من مظهرها بل هي قطعة من الحياة بخيرها وشرها بل هي حياة جديدة مستقلة بذاتها عن الحياة الفعلية ولو إنبثقت منها.
مشهد؟.
أستخدمت كلمة مشهد بديلاً لكلمة "فصل" الجامدة كوني أتصور أن عملي مسرحي، تصويري وتجسيمي وكلمة مشهد تصلح عنواناً دائماً لكل فصول الرواية.
ترتيب المشاهد؟.
الرواية في الغالب لا تسير بطريقة رأسية من القاعدة إلى القمة ولذا كثيرأ ما جاءت مشاهدة متقدمة في الزمن متأخرة في الترتيب السردي أو العكس وهذا أمر معتاد في الفن الروائي وعندك في ثنايا النص مثلاً وللضرورات الفنية موت والد سيلفيا سبق الحديث عن حياته وهناك المزيد من الأحداث جاءت على ذات النسق.
من أنت؟.
أنا زول بسيط ولا أريد أن أكون غير ذلك، من خلفية أسرية صوفية من ناحية والدي وخلفية قبلية فروسية محضة من ناحية والدتي، ناشط في مجال العمل العام وفق طريقتي الخاصة جل عمري. لا اصنف نفسي كاتباً إلا مجازاً إن تحدثنا عن الكتابة، ليس بعد. درست الأنثروبولوجي بجامعة الخرطوم وتخرجت في العام 1993 وخرجت من البلاد في ذات العام بسبب العسف السياسي الذي تعرضت له حيث جئت بعد حين إلى هولندا حيث أعيش الآن وأعمل وأفعل ما بوسعي . وأحلامي تحدثني على الدوام بالرجوع والإقامة الدائمة في بلادي حيث أخطط أن أقيم لي بيتاً متواضعاً (قطية) بجزيرة أم أرضة في جبل أولياء المكان الذي ولدت وعشت به جل طفولتي وصباي وشكل مخيلتي وحدد خيارات حياتي كل الوقت.
حرب الأنهار هل هي رواية أم سيرة ذاتية؟.
هي بالقطع رواية.. ليست سيرة ذاتية ولا رواية سيرة ولا سيرة روائية، هي رواية فحسب.. سيرتي لم تعد سيرتي!.
كنتي أشعرني أكتب رواية منذ اول يوم ولدت فيه وعندما دخلت هذه البلاد هولندا تقمصتني الشخصة الروائية منذ لحظة هبوطي إلى المطار. كنت بلا وعي كامل مني ارتب شخصيتي في الواقع بقدر شخصية الرواية وقدرتها ومزاجها لهذا كثيراً ما رأي بعض أصدقائي غرابة وغرائبية الواقع الذي أعيشه في منزلي حاجياتي، ألبستي، أحذيتي، كتباتي، خطواتي على الأرض صوري هي ليست أنا حتى لأكاد أنا أندثر لأفسح الطريق بالكامل أمام الشخصية الروائية التي تتقمصني. أنا لم أعد أنا!.
ماذا فعلت بك جزيرة أم أرضة؟. هل هي ساحرة إلى هذا الحد؟.
حزيرة صغيرة على الشاطي الشرقي من النيل من جبل أولياء. ساحرة بلا شك عندي ساحرة جداً.
مسافات مفتوحة على الجهات الأربعة الجغرافية وعلى الجهات الأربعة غير الجغرافية وهي الأزل والأبد والفوق والتحت. تحدثت عنها في الرواية بكثافة تستطيع أن ترى ذلك في جميع مشاهد العمل.
الغرب والشرق؟. هل انت مبهور بالغرب كالعديد من الشباب؟.
لا. غير مبهور. عادي. الكلام حول الغرب والشرق كثير وقديم قدم القضية. أنا درست الآنثروبولوجي وعلم الإجتماع وعندما قدمت إلى الغرب كان عندي خلفية كافية ساعدتني على التعامل مع الواقع الغربي على الصعيدين النظري والعملي.
ألم تكن دراستك بجامعة الخرطوم ذاتها إستلاب كونك درست وفق المنهج الغربي؟.
لا يوجد شيء إسمه منهج غربي أو شرقي، المناهج أوعية وليست مفاهيم ولا ثقافة، كل الجامعات في كل مكان بما فيها الجامعات السلفية العقائدية تدرس وفق ذات المناهج التي درسنا بها بجامعة الخرطوم غيرأن المحتوى هو الذي يختلف والمادة التي درسناها ازعم انها كانت شاملة، المادة العلمية مثلاً، فالرياضيات هي الرياضيات في كل مكان كما الطب والفيزيا والفلسفة ومناهجها وإلى آخره.
أنا أزعم أنني معتدل في نظرتي للغرب. نظرتي ليست آحادية بل شاملة علمية وفلسفية وأدبية وأخلاقية وإنسانية كما آيديولوجية.
النظرة الإنسانية لا يجب أن تتجزأ كل الناس وجب أن تكون ضد ظلم الإنسان من أي جهة جاء كما هي الأخلاق وقس على ذلك. أما من الناحية الآيدولوجية فقناعاتي إشتراكية في مجملها مع نزعة ليبرالية وبالتالي فأنا أقف في الضد من العولمة الرأسمالية المتوحشة التي تجتاح العالم في الوقت الراهن من أقصاه إلى أدناه مضرسة بأنيابها ومخلفة تحت مناسمها العريضة ملايين الجوعى في كل شبر من العالم كما مهددة الثقافات الأصيلة بالتشوه والزوال دون أن تكون هي البديل الناجع والعادل. وما يحدث عندنا في السودان في الوقت الراهن ما هو إلا دليل ساطع على مثل هذا الزعم إذ أن منظومة التكافل الإجتماعية التقليدية تفتت وتعرضت للتشوه دون أن يكون لها بديل واضح في أرض الواقع مما ادي إلى إنهيار أخلاقي مباغت نشهده كل يوم في الحياة العملية تبع ذلك إرتداد مباغت بدوره وكأنه الترياق الكاذب إلى القبلية والعرقية والجهوية في الضد من النزعات الشمولية القومية والوطنية و الإنسانية التي كانت تنبت بشكل طبيعي في تربة البنيات القديمة التي تزلزت كما أسلفنا من واقع الرشح الرأسمالي العنيف والمفاجي والذي حدث بفعل فاعل حشره حشراً تعسفياً في السياق التاريخي.
هل أنت أممي؟.
أنا وطني "سوداني" لكنني إنساني النزعة أو هو ما أزعم. لكن دعني أكمل قصة الإنبهار بالغرب. كي لا ننسى. أنا لست بطل الرواية. لبطل الرواية الحق في عالمه الروائي أن يفعل ما يشاء من حق وباطل، إنه شخصية حرة مستقلة عني، أنا لست محاسب على جرائر الآخرين كما لا ينالني الثواب من افعالهم الحسنة سواءاً كانو في الواقع المعاش أو الوقائع الروائية، أنا هو أنا الواقعي وفق مسئولياتي العملية والقانونية وقناعاتي المعاشة. وحتى لو كنت أنا صانع الشخصية الروائية فما أنا إلا كالمصور الفوتغرافي إذ يصور حرب أو إتفاقية سلام لا يهم فهو فقط ناقل للإيمان أو الكفر والرواية في الأأساس هي عملية "إخبار عن وقائع" تلك الوقائع تستطيع أن تكون خيراً بقدر قدرتها على أن تكون شراً محضاً.
أعرف أن بعض صفوات المجتمع التقليدية تتعامل مع الأخلاق كصكوك للبيع أو كعملة جاهزة يمكن للناس التبضع عبرها في سوق الله واكبر غاضين الطرف عن نسبية الحلال والحرام ودرجاته الغميسة في الحيزات المختلفة المكانية والزمانية.
الجنس في الرواية؟
الجنس معضلة أزلية في الأفهام والمفاهيم الثقافية عبر الأزمان. أنا أنظر له في الإطار الطبيعي والدور الحيوي الذي صنع من أجل.. ولا أرى الجنس عملية جسدانية وإنما هو عملية وجدانية وروحية في المقام الأول. الجنس ليس للمتعة وقل اللذة في جوهره هو عملية حيوية ولا بديل لها حتى الآن من أجل إستمرارية النوع البشري. إن الطبيعة تخضعنا بلذة الجنس الفادحة أو هي رشوة تقدمها لنا الطبيعة في غفلة عنا كي يستمر النوع. الرواية عملية خلق شاملة وإن لم يكن الراوي ملماً باقصى ما يكون بكل شيء في الحياة لن يستطيع أن يخلق عالماً موازياً للعالم الواقعي الذي نراه بأعيننا ونحسه بحواسنا الممكنة. الرواية أصعب عمل يمكن أن يفعله الإنسان، كثيرون يكتبون الرواية لكن في الحقيقة قلة صغيرة جداً هي التي تستطيع أن تكتب شيء نسميه رواية بالمعنى النهائي للكلمة. إنه التحدي الذي يواجه الجميع.
نرجع للجنس والإيروسية.
قلنا أن الجنس مخلوق من أجل هدف هو ليس اللذة وما اللذة إلا رشوة تقدم في لفافة ملغمة بالهدف وهو "البقاء" إستمرارية النوع الحي ومنه الإنسان طبعاً. أنظر مثلاً أن الذكر من الحيوانات يصل لحد النشوة أسرع من الأنثى وعند الإنسان في معظم الحالات يصل الرجل إلى حد النشوة والإشباع أسرع من المرأة بدرجات والسبب أن الكائنات الملقحة للبويضة لا تخرح من خصية الرجل إلا عبر النشوة (الرعشة) بينما عند المراة القصة مختلفة إذ أن المراة تستطيع الحمل دون أن تنتشي (ترتعش) ولهذا فإن الشفرات الجينية الوراثية فعلت ترتيبات خاملة في حق رعشة المرأة كونها غير حتمية لعملية الإنتاج لكن في المقابل فعلت ما هو شديد الإبهار "العواطف الفياضة الممتعة واللذيذة " والحنان. إذ أن دور المرأة لا ينتهي بالنشوة اللحظية إن حدثت أو لم تحدث بل هناك أمر خطير جداً لتواصل النوع البشري وهو الحمل والإنجاب وإطعام الكائن الجديد من حليب الثدي والمزيد إذ أن الرجل إن مات بعد الرعشة مباشرة فإن الحياة تستطيع أن تستعيده في صورة جنين من رحم المرأة التي صب بها مادة اللقاح وإن حدث العكس وأن ماتت الأنثى يموت الجنين فتتوقف الحياة لهذا فالأنثى هي الأصل "الأول" وإن كان لا مناص له من مقابله الذكر "الثاني في التراتبية" من حيث الأهمية.
بهذا الفهم كونت أنا نفسيات بطلي الأساسيين في روايتي وهما سيلفيا الهولندية وأحمد سند السوداني.
تلك هي بعض نظرتي لسؤال الجنس إنه عملية من جوهر الحياة.
يتواصل اللقاء مع الأستاذ الروائي والكاتب والناشط المدني محمد جمال الدين
هذا اللقاء "لايف" ومتواصل عبر الإسكايب كل يوم سبت الساعة الخامسة مساءاً، مرحباً بجميع المهتمين بمثل هذه الأمور، وعلى العموم كل من لديه سؤال متعلق بالأمر يستطيع إرساله عبر البريد الإكتروني التالي: [email protected]
|
|
|
|
|
|