|
يهود السودان ينبشون صندوق ذكريات الخرطوم
|
في تقرير نشرته (هارآتس) الإسرائيلية
تقرير: أوفر أديرتْ - ترجمة: موسى حامد بالرغم من أنّ اليهود المكوّنين لإسرائيل؛ الذين كانوا يُقيمون في بعض الدول العربية والإسلامية معروفون، إلا أنّ يهود السودان (1000) شخص، غير معروفين، حتى الآن. يوشع ليفي، (81) عاماً، مهندس بحري متقاعد، غادر تل أبيب، العاصمة الإسرائيلية، قبل أسبوعين لحضور مؤتمر أقامته جامعة (بار إيلان)، بعنوان: "الغربة، الهجرة، واقتلاع الجذور". وشكّل المؤتمر عيداً وطنياً لليهود اللاجئين في الدول العربية والإسلامية. ليفي، الذي سمع عن المؤتمر قبل يومٍ من إقامته، لم يكن مستغرباً عدم توجيه دعوةٍ رسمية له. باعتباره منتمياً لبلدٍ صغير ومنسي بالنسبة للمهاجرين اليهود، هو السودان! لم يكن لمنظمي المؤتمر أدنى علمٍ به. ولا حتى للباحثين المختصين في تاريخ اليهود. وهو ما دعا ليفي للقول: (كيهود سودانيين، سنموتُ قريباً، ولن يسمع بنا أحد"! بلغ عدد يهود السودان وقتها، أقلّ من (1000) شخص، وهم بمثابة نقطة في بحرٍ، بالمقارنة مع يهود المغرب (260000) شخص. ويهود الجزائر (135000) شخص. أو بالمقارنة مع يهود العراق (125000)، ويهود تونس (290000) شخض، أو يهود مصر (75000)، الذين كانوا يعيشون في مصر، قبل أن تتأسس دولة إسرائيل. تكوّن المجتمع اليهودي السوداني في اسرائيل، بعد (1965م)، وهو العام الذي شهد استقلال السودان، وانضمامه لجامعة الدول العربية. وتقول تقديرات ذلك الوقت، أنّ (500) يهودي غادروا السودان فيما بعد ذلك التاريخ لإسرائيل. فيما تفرّق البعض في بقية أقطار العالم المختلفة. يقول ليفي: "لم نكوّن – كيهود سودانيين - منظمةً تجمعنا، لأنّنا كنا قليلين، ولأنّ الشخصيات اليهودية المؤثرة - في ذلك الوقت - غادرت السودان متجهةً للولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة. أما الذين بقوا في السودان، فضّلوا أنْ يكونوا مثلهم مثل السودانيين". لكن بالنسبة لـ (ليفي)، فإنّ العدد لمْ يكن مهماً، لكن الأهم القصص والموروثات، والعادات والتاريخ للمجتمع اليهودي في السودان، التي كان ممتلئاً بها؛ طوال الـ (65) عاماً من تاريخ مغادرته الخرطوم، ومجيئه إسرائيل وحيداً، وهو ابن السادسة عشرة. جد ليفي لأمه، (فرّاج شوا)، استقل القطار من مصر الى السودان، في العام 1900م، حاملاً معه ماكينة خياطة (ماركة سينجر)، وصار خيّاطاً بالخرطوم. وفي غرفةٍ صغيرةٍ من الغرف التي كان يستخدمها الجنود المصريون والبريطانيون، أيام الحكم الثنائي المصري، كان (فرّاج شوا) يُعلّم الصبية الصغار التوراة، واللغة العبرية، وكيفية الصلاة. كان (شوا)، يزور إسرائيل بانتظام. وفي واحدةٍ من زياراته، لمدينة (تبرياس)، التقى (رابي سلمون ملكا)، ودعاه ليكون حاخاماً على اليهود في السودان. ابنة شوا الصغرى رحمة أو نعمة – والدة ليفي- ولدت بالخرطوم (1901)، وعندما بلغت السادسة عشرة، أخذها والدها الى مصر للبحث عن زوجٍ مناسبٍ لها. يقول ليفي: "في السودان، كان هناك عددٌ محدود من الرجال اليهود، وكان من المناسب أنْ يذهب الى مصر، لأنّ عدد الرجال اليهود كبيراً. وهناك عُرض عليهم عدد من الشباب اليهود، فاختار والد رحمة أحدهم ليكون زوجاً لابنته". "وهكذا اختارت أمي أبي، ساسون ليفي، وبعدها استقرا في الخرطوم" ويضيف ليفي متحدثاً عن والده: "كنا نضحك من لغته العربية، ومن الطريقة التي ينظق بها بعض الكلمات، باعتبارها لغة مختلفةً عن لغة جده". أنجب ساسون ورحمة، ثمانية أطفال، بما فيهم (يوشع)، الذي ولد في العام 1933م. "لمْ تكن حياتنا في السودان جيدة، ولا أحتفظ بذكريات جيدة عنها". يقول ليفي، ويضيف: "في البدء كانت معاداتنا تتم همساً، فحينما أذهب لجيراننا، كان الأطفال يضربونني. وفي بعض الأحيان كنتُ أتشاجر مع خمسة منهم في وقتٍ واحد. كانوا يهددوني في الطريق العام". في العام 1948م، بدأ ليفي سؤال نفسه: "لماذا يهتف الناس في وجهه: أيها اليهودي، غادر الى فلسطين، مالذي تفعله هنا؟" في العام 1949م، قرر ليفي مغادرة السودان عبر طائرة من مطار الخرطوم. وصل عبرها وادي حلفا في الحدود المصرية السودانية، وانضمّتْ له عائلته فيما بعد، وكان آخر من غادر من إخوته؛ شقيقه، الذي بقي في السودان حتى العام 1960م. في إسرائيل، زوّر (ليفي) عمره في بطاقة المهاجرين، حتى يتمكّن من الالتحاق بقوات الدفاع الإسرائيلية. وبعد تسريحه منها، درس ليفي الميكانيكا بمدينة حيفا. ثم عمل بـ (شركة هياما للصيد)، في مجال بناء قوارب الصيد. بعدها حصل على شهادة في الهندسة البحرية من هولندا. وبعد عمله في مؤسسة بناء السفن في إسرائيل، غادر لبريطانيا، للعمل مستشاراً بحرياً. وبالعودة للعام 1882م، تاريخ قيام الثورة المهدية، ضد التركية المصرية في السودان. وبعد هزيمة الجيش المصري البريطاني، ومقتل الجنرال تشارلز غوردون؛ أُجبر اليهود السودانيين على اعتناق الإسلام، وعلى الزواج من نساء سودانيات. بعدها احتلّ البريطانيون السودان مرةً أخرى، في نهاية القرن التاسع عشر، عاد اليهود السودانيين للعيش في مجتمعهم مرةً أخرى. ولما استقلّ السودان في العام 1956م، تبدّل وضع اليهود السودانيين للأسوأ. "كان اليهود يُطالبون بالمساواة، وكان يتم إتهامهم بالتجسس لصالح إسرائيل، وبعدها غادر غالب المجتمع اليهودي السودان، تاركين خلفهم بعض ذويهم وأملاكهم". يقول ليفي: "من الصعب التصديق أنّ بعض الأشخاص في ذلك المجتمع، فعلوا خيراً للعالم"، ويضيف بفخرٍ: "من اليهود السودانيين من صار غنياً، يعقد صفقات تجارية في دول العالم. رجال أعمال يهود سودانيون مثل: تمّام، جون، ساورس، وبعض أقرباء ليفي". ويختم ليفي نبشه في صندوق الذكريات بقوله: "شقيقي مورس ليفي، صار مسؤولاً في واحدة من الشركات الهندسية العالمية، ومصمماً بشركة باسون بيركوف. وابن عمّي إزرا شوا، كان مهندساً نووياً؛ عمل في مشروع سري لصالح البنتاغون، والآن، 90% من الإسرائيليين لا يعلمون أنّ بالسودان يهود!".
|
|
|
|
|
|