|
هل اغتيل الصحفي تاج الدين عرجة.. كما اغتيل زميله من قبل محمد عبده محي الدين..؟. خالد ابواحمد
|
and#8195;
كلاهما هتف في وجه الطاغية عمر البشير..!! هل اغتيل الصحفي تاج الدين عرجة.. كما اغتيل زميله من قبل محمد عبده محي الدين..؟. خالد ابواحمد تتوارد الأخبار من الخرطوم بأن مصيرا مجهولا يواجهه الزميل الصحفي البطل تاج الدين عرجة ومصادر ترجح اغتياله من قبل جهاز الأمن والمخابرات السوداني الذي اقتاده إلى مكان مجهول بعد أن هتف في وجه ديكتاتور السودان عمر البشير، وديكتاتور تشاد ادريس دبي في آخر زيارة له للسودان، وفي أثناء اللقاء الكبير وفي حضور الرئيسيين والجماهير المحتشدة هتف البطل عرجة في وجهيهما وبأعلى صوته قائلا "انتو سبب ازمتنا"، واصفا اياهما بانهما مجرما حرب، ويقفان وراء استمرار القتال في دارفور، فما كان من المسؤول الأمني الكبير الذي تواجد في اللقاء ان أمر زبانيته باقتياد الزميل البطل لجهة غير معلومة وأمام الكاميرات. وكما هومعروف بأن الطغاة لا يستحملون الهتاف ضدهم في الملمات الكبيرة، ووسط اضواء الكاميرات وتصفيق الحشود، ولا يزال المناضل الشجاع تاج الدين عرجة محتجزا في معتقل خاص بجوار مقاطعة البشير بكافوري، ولا أحد يدري شيئا عن حالته الصحية، ولا سيما وأن اجهزة الأمن في مثل هذه الاعتقالات تترك المعتقل فترات طويلة بدون أكل وبدون شُرب وفي أمكنة ضيقة وفي أجواء صعبة، ومع التعذيب اليومي تتدهور صحة المعتقل، ومن تسريبات خاصة وعلى نطاق ضيق عِلم قبل اسبوع من الآن بأن حالة المعتقل البطل تاج الدين عرجة قد تدهورت صحيا، فيما رشحت معلومات أمس عن اغتياله. أن مسألة اغتيال المعتقل تاج الدين عرجة متوقعة لأن هناك سابقة حدثت في اغتيال زميلي العزيز الصحفي محمد عبده محي الدين في أواخر نوفمبر 2011م، والقصة متشابهة في الفعل البطولي، والحقد الأسود لزبانية النظام، عندما كان الرئيس عمر البشير يتحدث في إحدى الفعاليات بنادي الشرطة بالخرطوم هتف الزميل البطل الشهيد محمد عبده محي الدين في وجه الطاغية، وقد تم اسكاته أكثر من ثلاثة مرات، به######## الداوي عن الظلم والفساد في النظام، والتي اعتبرها الرئيس المطلوب للجنائية الدولية إساءة كبيرة في حقه، وبعد يومين فقط احتفى الزميل عن الأنظار وبعد 10 ايام من اختفاءه وجدت جثته في النيل وبملابسه الأمر الذي يدل على أنه لم يذهب بإرادته للنيل..!!. ومن حسن الصدف ان الزميلين العزيزين عرجة ومحي الدين اشتهرا بالنضال ومقارعة النظام والتفوه بعبارات الاستنكار في وجه الطاغية الملعون، وللذين لايعلمون فان تاج الدين عرجة والملايين من الذين لم ينعموا بطفوله هانئة ولاتعليم منتظم أنما عاشوا حياة قاسية في معسكرات اللجوء والنزوح لا لشيء جنوه سوى أنهم ينتمون إلى قبائل رفضت الظلم الذي تعرضوا له من قبل عصابة المجرم المطلوب للقضاء الدولي. ومحمد عبده محي الدين صحفيا شجاعا لا يشق له غبار، وعندما كنا سويا في صحيفة (الأنباء) بقسم الشؤون الدولية كتب مقالا عن الدكتور حسن الترابي في 1998م والترابي حينها في أيام تلألئه طالبه فيها بالتقاعد عن العمل السياسي وفتح المجال للآخرين في مقال بعنوان (دعوة لفصل الأجيال)، والمقال كان مفاجأة قوية وادخلت الدهشة في نفوس الجميع لما فيه من جرأة على شخص الترابي، فرد عليه أمين حسن عمر بسلسلة من المقالات بعنوان (يريدون لظله أن يزول)، واحدث مقال الشهيد محمد عبده محي الدين ضجة في الأوساط الحاكمة وفي مؤسساتها وخاصة بعد رد امين حسن عمر عليها الأمر الذي يؤكد بأن المقال لمس اللحم الحي. والبطل تاج الدين عرجة علي (26 عاما ), من ابناء دارفور ناشط و مدون يسكن مربع 17 بمنطقة المربعات بامدرمان، فإن زبانية النظام الحاكم إن كانت تعتقد بأن اغتيال الصحفي تاج الدين سينهي معاناتها مع الناشطين صحافيا فقد أخطأت لأن قضية الوطن أصبحت الآن تزدحم بها صدور الشباب ومن المجالات كافة الصحفية والاعلامية والقانونية والأكاديمية..إلخ، لذلك نقول ان اغتيال حاملي القضية ليس نهاية المطاف فمع كل روح شهيد تتضاعف الأرواح التي تتوق للشهادة، خاصة وأن مسيرات الرحيل اليومية عن الدنيا قد باتت مشهدا مألوفا لدينا في دارفور وجبال النوبة والكثير من مناطق البلاد. الزميل تاج الدين عرجة طبت حيا وميتا فإن صرختك في وجه السلطان الغاشم والظالم قد دخلت التاريخ الحديث من أوسع الأبواب ويظل السوداني يتداولها جيل عن جيل. 16 يناير 2014م الساعة 1:35 دقيقة صباحا.
دعوة إلي فصل الاجيال..! بقلم الشهيد محمد عبده محي الدين في حوار صحفي أجريته معه في مطلع التسعينات في أديس أبابا … قال لي الدكتور منصور خالد : "إنه والدكتور حسن الترابي عندما افترقا في باريس أرسل له الأخير يخبره بأنه اتجه يمينا … وأردف منصور قوله : إن الترابي يشبه قادة " الخمير الحمر" الذين يدرسون في باريس ويتعطرون بروائحها وثقافاتها ثم يعودون ليتمردوا . ولكن واقع الحال اليوم يكشف إن منصور هو المتمرد ومستشار التمرد بينما الشيخ الترابي والذي يحلو له إطلاق كلمة شيخ بدلا من الألقاب الأكاديمية التي جاء بها من جامعتي لندن والسوربون واللتين يعتبر نفسه نتاجاً ثقافياً لهما، قد طلب شخصيا في كلمة ألقاها العام الماضي أمام تجمع طالبي إنه يفضل كلمة الشيخ .. ولعل الشيخ اليوم يتذكر عندما عاد من باريس ذلك "الشاب" الوسيم الملتحي " .. كيف واجه صراع الاجيال ودهاقنة السياسة من المحجوب إلى الأزهري مرورا بمبارك زروق ولكنه سار في اتجاه اليمين وتمرد وفق طريقته الخاصة الذكية علي الساحة السياسية السودانية من الداخل فدخل تحت عباءة الطائفية مصاهراً ولما اشتد عوده في الساحة خرج منها وتمرد عليها وآلت إليه زعامة الحركة الإسلامية السودانية وسار بها في مسارات كثيرة طورا بعد طور حتى اختار لحزبه بعيد الانتفاضة ماعونا واسع "الجبهة الإسلامية القومية" ولا هو "جبهة" ولا هو "حزب" لان الأحزاب محظورة وحتى وقت قريب قبل تسلم رئاسة المجلس الوطني استظل د. الترابي بمظلة "المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي" والذي يعتبر تجمعاً عالمياً وليس محلياً، وحتى عندما ترشح للانتخابات كـ "مستقل" مجرد مواطن خارج من صفوف الشعب ليس في جعبته سوي الكثير من الذكاء قد فسر انه هو الذي خلق الإنقاذ لإلغاء الخصوم . وقد أدى هذا الفهم والقناعة إلى اشتعال الساحة السياسية وتضخم الغبن السياسي وسط الرموز الحزبية التي كانت حتى وقت قريب تعمل مع د. الترابي وهاج وماج نظراءه من زعماء الأحزاب الأخرى وكيف لا والشيخ يذكرهم بالحزبية التي حظرتها مارشات 30 يونيو 1989م وتملأ أفواههم بالدهشة وهم يرونه حراً طليقاً وقد كان معهم في كوبر بعيد الإنقاذ . إن الشيخ رغم وزنه القانوني … وخبرته السياسية يمثل اليوم رمزاً حزبياً صارخاً مهما تحدث عن الحزبية وأعتبرها جزاء من التاريخ كما يردد دائما ولن يهدأ لكياني الختمية والأنصار بال حتى يختفي هذا الشيخ من الساحة السياسية التي يفتقدون فيها لرموزهم وقياداتهم أولى وأنا كواحد من هذا الجيل أدعو إلى فصل الاجيال علي أعتاب القرن الجديد … لأن وهم الزعيم التقليدي الواحد الأوحد والبطل المنقذ نراه لا ينتشر إلا في البلدان المتخلفة، والشيخ الذي يبدو دائماً مسترخياً ومرحاً ولا يخفي إعجابه بالمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي يعلم تماما إنه بالرغم من أن الأمم تحتاج بين الفينة والأخرى لقائد حازم ونوعي لإخراجهم من أزمة ما، إلا أن ما يجمع عليه المفكرون والمتمرسون في حضارة اليوم هو القيادة والزعامة قد خرجت من ذلك الإطار البدائي وإذا كان لنا أن ننصف الشيخ الترابي فقد بني حزبا معظم كوادره من الحركة الطالبية المستنيرة والمثقفين الانتلجنسيا وقد اصبحوا رجالا في الثلاثينات والأربعينات يناظرهم رجالا ورثوا الطائفية من آبائهم وجدودهم ولم يتحرروا من التبعية العمياء وهناك "البدون" من المستقلين والمحايدين ومن أفرزتهم الحركة الطالبية مؤخراً… فندع هؤلاء وأولئك يتنافسون بدماء جديدة وفي ساحة جديدة غير ملوثه بجرثومة السياسة التقليدية ففي عالم اليوم نجد أن المؤسسات المدنية والقنوات المعلوماتية وضمانات الحرية الشخصية هي الآليات التي تمكن رجالا في الثلاثينات والأربعينات من قيادة دول كبري ومؤسسات عظمي فتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني في مطلع الأربعينات من عمره ويقابله وليم هيغ رئيس حزب المحافظين الجديد البالغ من العمر 26 عاماً. وبيل غيت لم يتعد عمر الأخير وهو يدير اكبر شركة في عالم الكومبيوتر بمدخلات سنوية تتعدى ميزانيات دول كثيرة وأمثلة أخري كثيرة ! ويقول محللو الشخصيات القيادية أن هؤلاء لم يصلوا إلي ما وصلوا إليه لأنهم ولدوا ليحكموا وفي فمهم "ملعقة من ذهب" .. ولكنهم تعبوا علي أنفسهم وتعلموا مهارات القيادة التي مكنتهم من الوصول إلى ذلك المنصب لأنهم بالإضافة لكل مهاراتهم : ناسبوا أوضاعهم ومكانهم وزمانهم بمعني آخر تناسبت أوضاعهم السياسية مع كفاءتهم فارتفعوا لسلم المسئولية وهؤلاء أيضا لا يعني أن كل واحد منهم البطل الوحيد الأوحد الذي لم يولد قبله أحد ولن يولد بعده أحد ، وإنما هم خاضعون للمراقبة والمحاسبة المستمرة التي تسقطهم إذا لم يحققوا النجاحات للمجموعات التي أوصلتهم إلى تلك المكانة، فتلك المجموعات سواء كانت أحزابا أو مؤسسات المجتمع المدني تملك حريتها ولا يمكن لمن استلم المنصب أن يسلبها تلك الحرية مهما كان وريث حسب أو جاه إي نسب ، وأيا كانت الطرق التي أوصلته للزعامة لا يستطيع أن يسلبها حرية الكلمة وحرية المشاركة وحرية الإبداع في تطوير المسيرة . وعودة إلى منصور خالد ، فمتمردو الخارج اصبحوا كثرا والخمير الحمر السودانيون أنضم إليهم السيدان وأحدهما كلمة سره (سلم تسلم) ونحن لن نستسلم لكل هذه الديناصورات فبئس "الطالب والمطلوب" وأنها سوء الخاتمة أن توجه البنادق إلى صدور أبناء الوطن في صراع "حقير" علي السلطة وكأن هذا الشعب قدر له أن يستسلم لهذه البيوتات ، وإنه لا مفر منها إلا إليها أما الشيخ الترابي فهو بين ظهرانينا ومتاح للتواصل السياسي . فالترابي لا يستخدم فقط كلمة الديمقراطية أو الحرية للاستهلاك بل يمضي إلى ابعد من ذاك ليقول لكاتب "الغارديان هيرست" إنه إذا قرر السودانيون عن طريق الوسائل الديمقراطية إباحة المشروبات الكحولية مره أخرى فإنها سوف تباح بيد أنه يضيف إن إيمان السودانيين العميق لن يجعلهم يفعلون ذلك إذا لا إكراه في الدين ونحن كجيل جديد نقول أيضا : ولا إكراه في الطائفية ولا إكراه في الحزبية علي طريقة السيدين ، ولن يرضي هذا الجيل استمرار الوطن حقل تجارب ومصدر كوارث من أبنائه الذين وصلوا خريف لعمر ولكن طار عقلهم خلف السلطة والكراسي … أننا ندعو د. الترابي لاحتلال مكانته كعالم فقه وقانون … وحايز تجربة وممارسة لأن يتفرغ تماما لربط التنظير بالتطبيق والمعاصرة والتأصيل فهذا هو موقعه الطبيعي والقيادي أما إدارة جلسات المجلس الوطني فمئات من أهل السودان يستطيعون .. هذا عصفور والعصفور الثاني قطع الطريق علي القدامى الذين يبحثون عن ملعقة الذهب الضائعة. ومجمل القول أن الدعوة إلى فصل الاجيال علي أعتاب القرن الجديد ليست دعوة للتنكر للقديم أو الماضي .. والكبار سوف يظلون كباراً إذا احترموا أنفسهم وسلوكهم أما من يريدون تكريس المجتمع الأبوي حتى وإن كان الأب سكيراً فاحشاً عربيداً " فهؤلاء مخطئون فالسودان اليوم ما عاد يفهم لغة الإشارة" وستضاف إلى التاريخ الطويل بارقة أمل وتتفجر البراعم في صمت، براعم الزهور أو النيران ولكن شيئا ما لابد أن يزدهر لينمو ويكبر بيننا" . لجنة الفكر الوطني التي أعلن عن قيامها والتي يعتبر الشريف زين العابدين الهندي من اقوي المرشحين لرئاستها جاءت في وقت لا تزال فيه معركة السودان مع التخلف من اجل التقدم علي اشدها، وجاءت في وقت مازلنا فيه علي مفترق الطرق لم نحسم مستقبل الحكم في السودان ولا أدواته ولا قنواته بعيدا عن أسوار الأنظمة الفردية وحساباتها والتعددية الحزبية ومورثاتها وتأتى عودة الهندي كأحد الرموز الحزبية لتؤكد ان أساليب التغيير للواقع المرير ما زالت تعني مواجهة الأمر الواقع ومعايشته من الداخل وليس من الخارج في وقت يتعرض فيه الكيان السوداني لموجة عاصفة عاتية تهب هذه المرة من الجهات الأربع الأصلية. من المؤكد أنني وجدت في قرار عودته إلى الخرطوم خروجا من الأزمة المحكمة التي تحاصر كل معارض خارج المليون ميل وتشل من قدرته وتغرقه في لجة من الضيق والألم والحزن، رغم إن بعضهم يبدوا ممتلئا بقراره في الابتعاد مرتاحا له . ولا يتذكرون كلمات صلاح البيطار المفكر ورجل الدولة المعروف "أعترف إنني في السلطة ارتكبت أخطاء جسيمة حين كنت أتتصور أن الحقيقة تنحصر في مفهوماتي البعثية وأن الآخرين دائماً علي خطأ " . لقد فقدت كثير من الشعارات مغزاها ومعناها .. وعلينا أن نبحث عن عودة المواطنين إلى الساحة .. ثم فلتكن مشيئتها .. ولنحتكم لها بعد أن سقطت في الامتحان كل المشروعات.. ذات النسيج الواحد .. الذين يحكمون باسم الدين والذين يحكمون باسم الاشتراكية والذين يحكمون باسم القومية ، والذين يتحدثون اليوم باسم الديمقراطية وهي غائبة في أحزابهم نفسها لقد عرف السودانيون كيف يموتون فهل عرفوا كيف يعيشون !!! هذه اللجنة مهما خطط من دور لها إلا إنها تمثل بريق أمل ..وما أجمل الضحكة حتى ولو كانت علي وجه مشوه .. أن ترتيب البيت من الداخل ضرورة دينية لأن الفكر الديني المتحرر يلعب دوره الإيجابي في ظل الحوار والديمقراطية ، ويتجمد وينكمش في ظل الكبت والإرهاب وتتحول قطاعات منه إلي أداة للكبت وتخرج لنا فقهاء الحكام بديلاً عن مفكري الوطن . إننا كجيل يصبو إلي الانفصال عن جيل ديناصورات السياسة السودانية ونتطلع إلي خلق قيادات سياسية جديدة علي أعتاب القرن الحادي والعشرون الذي تبقت له سبعة وعشرون شهرا نريدها لجنة فكر وطني تعيد التاريخ لفترة ما بين أبريل 1924 وديسمبر 1944 فترة الانشقاقات والتجمعات داخل صفوف مؤتمر الخريجين وقد أدت هذه التجمعات بعد نتائج انتخابات المؤتمر لدورة 44/1945م إلي تكوين أول تجمعين سياسيين ضما بينهما أول أحزاب سودانية ولكننا في العام 1997م نريدها أحزابا جديدة وتجمعات فريدة منفصلة عن ذلك الجيل الذي انفعل بالاستقلال وانتهي دوره ونضب ما عنده .. ولابد من انشقاقات التسعينات وخلخلة الديناصورات .. فكيف لنا أن ننتظر ديناصوراً مثل أحمد السيد حمد علي سبيل المثال يتبني المعارضة حتى الآن وكأننا جيل بلا ذاكرة .. ولنعتبر لجنة الفكر الوطني في الواقع امتداداً لنفس تجربة الخرجين في ظروف ومرحلة جديدة لعلها تضع حدا فاصلاً بيننا وبين هذه الديناصورات التي تحولت إلى ملوك غير متوجه همها العودة ولو بلغت من العمر عتياً .. وكأنها لم تسمع بملك كمبوديا الذي ارتضي التنازل عن عرشه مكرها لا بطل . وسنغور الذي اعتزل السياسة ليخلد في الأدب ونيريري الأب الروحي لأفريقيا .. لقد كانت نشأة الأحزاب السودانية التي تتشبث بها ديناصورات السياسة حتى الآن نشأة عفوية أي أنها لم تكن أحزاب بالمعني المفهوم لمصطلح حزب في النظم السياسية لأنها قامت علي أساس شخصي بحت . وحتى الأحزاب التي قامت فيما بعد وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا سواء واضحة أو تحت الأرض وعلي أساس عقائدي صارت أحزابا شخصية ولاؤها شخصي لزعيم الحزب الواحد الأوحد الذي اختير من أصدقائه أو حبه للرئاسة أو التكوين الطبقي أو العائلي أو الديني . ومن الأمثلة أيضا الحزب الجمهوري الاشتراكي الذي كان حزبا يمثل مصالح زعماء العشائر وحزب القوميين الذي كان حزباً عائلياً يمثل عائلة الهاشماب ومصالحها وغير الأحزاب الاستقلالية والاتحادية ظهرت في تلك الفترة أحزاب عدة مثل حزب (الوجعة) وحزب السبعة الذي كونه أبناء الخليفة عبد الله و"حزب الزنج" الذي كونه عثمان متولي (دار الوثائق) السكرتير الإداري وملف 57/22/83-أبريل 1945م) وحزب الوطن الذي كونه الشريف عبد الرحمن يوسف الهندي . وحتى بعد الاستقلال لم تنظم الأحزاب نفسها من حيث العضوية المسجلة والانتماء المنتظم للحزب ولم تخرج برامج ودساتير ودراسات مستقبلية بل أن بعضها لم يعقد مؤتمره العام منذ نشأته وحتى يومنا هذا مما جعل نفور المثقفين والكوادر العليا في المجتمع من الأحزاب شيئاً طبيعياً وأصبح جلوس هؤلاء علي الرصيف هو الشائع . أما الانخراط في تبعية عمياء وجهالة جهلاء فهذا ما رفض من كثيرين إلا من لم يحدثه عقله ولم يستفد من علمه وكان كالحمار يحمل أسفارا . وبعد ثورة اكتوبر 1964م ترك المزيد من المثقفين أحزابهم وقد بدأ ذلك في الأحزاب العقائدية الشيوعيون والأخوان المسلمون حينما رأوا أن القيادة أصبحت ولائية .. وهذا هو الحال في الحزبين الكبيرين الأمة والاتحادي وإن كان في الأمة اقل فقد شكل لجانه في بعض الأقاليم ولكن الاتحادي ما زال يربط في سلاسل التحكم الفردي والجماعة المختارة الطيعة الطائعة للزعيم والراعي الذي سيكمل الثالوث المقدس ليصبح زعيماً راعياً ورئيساً للحزب والطائفة والطريقة . سيما وهذه الأيام يتحدث الصادق المهدي عن الإمامة وأشياء منسية !! هذا الموروث الحزبي الهش يجب أن نتجاوزه مع ديناصوراته ونحن ندق أبواب القرن الجديد ونصطحب شبكة المعلومات الضخمة التي وفرها الإنترنت ونهضة الكمبيوتر ونلج إلي فكر وطني لنخرج من عنق الزجاجة إلي خلق قيادات وتنظيمات جديدة منفعلة ومتفاعلة مع قضايا الوطن الحقيقية بدلا من سيناريو الديناصورات القديم الذي لم يعد فيه من صفات الحداثة والتقدم والحضارة والمدينة إلا بعض الشعارات الكاذبة التي سرعان ما يلتفوا حولها وما سرقة الانتفاضة الشعبية في 1985م ببعيدة عن الأذهان . فما أسهل عند الديناصورات السياسية أن يكون خائن الأمس بطل اليوم ، وعميل الغد مناضلاً فيما بعد الغد وصكوك الوطنية تحت عباءة الطائفية . وختاماً أقول لأبناء الجيل ما بعد الديناصورات :"ابق مكانك رغم كل شئ دع السهام الفولاذية تخترق جسدك والأفكار تغمرك .. ولكن انتظر واقفا كالأشجار .. فلا بد وأن تغمرك الشمس فجاء وبلا حدود ." حتى لا نصبح " ديناصورات في المنفي .. ومنفيون في الوطن".
|
|
|
|
|
|