الخرطوم:حسين سعد فرضت (كجورية) و(ناتلينا) اسميهما وشخصيتهما بقوة في صفحات التاريخ الثقافي السوداني حيث تم إختيار الاولي كملكة جمال للمهرجان الثقافي الثاني لجبال النوبة بينما تم إختيار الثانية ملكة جمال في المهرجان الثالث العام الماضي،ومن المنتظر ان يشهد مارس المقبل اعلان الفائزة بمسابقة ملكة جمال المهرجان الثقافي الرابع الذي عقد في الاسبوع الثالث من ديسمبر الحالي بالخرطوم وسط حشود جماهيرية كبيرة وتظاهرة واسعة،وبالنظر لدلالة الاسمين (كجورية) و(ناتلينا) يلاحظ القاري البسيط الهدف والمغزي من تنظيم المسابقة التي لم تشهدها البلاد في تاريخها القريب. وبنظرة فاحصة لمدلولات الاسمان (كجورية )و(ناتلينا) نجد ان تلك الثقافة متداولة في لغة القوم وأدبهم الشفاهي وثقافتهم الشعبية، وعليه يمكن منطقياً إستنتاج حقيقة ان مسألة تحديد اللقب لم يكن عفوياً او من دون جذور موغلة في القدم. ويري مراقبون ان اللجنة المنظمة نجحت في تسليط الاضواء الكاشفة لمحنة الاقليم الذي عاني ويلات الاضطهاد طوال العهود الماضية والقوانيين المهينة مثل قانون (العري والدقنية) فضلا عن المعاناة التي فرضتها الحروب التي إستعرت بالمنطقة ولم تتوقف سوي عقب توقيع اتفاقية نيفاشا في العام 2005م ثم إستوئنفت مرة أخري منذ العام 2011م ومازالت مستمرة حتي اليوم وقتل بسببها الكثير من المواطنيين وشرد الملايين مابين نازح ولاجئي ترفض السلطات ايصال الغذاء لهم بينما يقف العالم متفرجاً علي تلك المحنة التي تزاد يوماً بعد يوم. وطناً وبس:ويشير المراقبون الي نجاح الفعالية في ابراز التنوع الثقافي وحسن ادارته وهو ما فشلته فيه كل النخب السياسية منذ الاستقلال وحتي اليوم لاسيما النظام الحالي فاقم أزمة الهوية أكثر وتسبب في انفصال الجنوب واشعال الحروب في دارفور والمنطقتيين لكن الاحتفالية الثقافية التي بلغت الرابعة منذ انطلقتها مؤخراً جمعت بين المسلم والمسيحي وأصحاب كريم المعتقدات من ابناء وبنات الشعب السودان (المعلم) (عرب وافارقة وزنوج )يجلسون (جنباً الي جنب) ويتناولون الوجبات الشعبية التي تقدم للضيف من صينية واحدة ثم يتضاحكون معاً او يلوحون بأياديهم عالياً الي فرقة غنائية تقدم اهازيج غنائية رائعة او رقصة من رقصاتها ،ايضا كانت هناك اللبسات المختلفة الجلابية (البيضاء مكوية) والعمامة والصديري والثوب السوداني(وسماحة الثوب ماشفت زيو) واللبسات الافريقية والافرنجية والبدل والقمصان،هذا التنوع عبر عنه الشاعر الراحل المقيم محمد الحسن سالم حميد، بقوله وطن صابر-وطن قدّام -عديد أقوام-وطنّا وبس-في جوفنا إندس-ألف-ميم-لام-مسيحيتو وسماحة إسلام-تقول للفوق حويتو سلام-بطن بطراني يا مريام-ويا مريوم هي الأرحام-ويا أدروب وتيّة أمام. وفي ميدان بسيط طرفي العاصمة اقامت اللجنة الاحتفالية وتوجت الملكة(كجورية) في أول مسابقة لاختيار ملكة جمال تلك المسابقة التي تعتبر عن التنوع والتعدد فضلا عن إنها تشير الي مدي الرقي الاجتماعي والثقافي لتلك المجتمعات التي تنشد الجمال وتتيح مساحات لكي تعبر من خلالها المشاعر البشرية المتطلعة للفضيلة التي ينبع الجمال من صلبها، والمجتمع الذي يقدم على الإحتفاء بمراسم لاختيار ملكة الجمال هو بالتأكيد مجتمع يرنو الى الرقي ويخطو نحو التحضر وفق مقاييس العصر، والعملية بحد ذاتها تأتي تقديراً لسمو الانسان الذي خلقه البارئ بـ(أحسن تقويم) فالتعدد الديني كان موجود في الفعالية من خلال افتتاح المهرجان الذي تمت فيه تلاوة القران والكتاب المقدس والكجور هذا التعدد الديني يعيد الي البال كلمات شاعر الشعب مجوب شريف:النفاج فاتح ما بين دين ودين، نفحة محمدية ودفئاً كالضريح. ميضنة كم تلالي. جيداً في الليلي. مجداً في الأعالي.. مريم والمسيح)إحترام التنوع:التنوع بالسودان عبر عنه رئيس اللجنة العليا للمهرجان الدكتور شمسون خميس الذي وصف أحترام وتعزيز التنوع الثقافي بالسودان بأنه العمود الرئيسي للسلام وشدد علي ضرورة الحفاظ عليه، وقال ان التعالي العرقي والاقصاء يؤدي الي الاحتراب والتنازع،وتابع(فقدنا جزء عزيز من السودان بالانفصال بسبب عدم احترام التنوع كما اشتعلت الحروب المدمرة في دارفور والنيل الازرق) وذكر ان الحرب في جبال النوبة أدت الي أثار مدمرة قتلا،ونزوحا،وتشريداً ودعا طرفي المفاوضات الحكومة والحركة الشعبية شمال بالجنوح للسلم ووضع حد للحرب التي تسببت في فقدان ارواح عزيزة وتابع(القاتل والمقتول سوداني لماذا الاحتراب)وأردف(لسنا عنصريين )واوضح ان العنصري هو من يتعالاعلي الاخرين وقال:نحن لسنا خلايا نائمة بل نستحق ان يطلق علينا خلايا صاحية لاننا صحونا مبكراً،وقدمنا ثرات وثقافات متنوعة تجسد تاريخ وتنوع بلادنا. وتابع(ندعو الاخرين للصحيان من نومهم ومساعدتنا في خطواتنا التي نستهدف من خلالها الوحدة) وقال انهم مع الوحدة الحقيقية التي تحترم ثقافتنا المتعددة من الاندثار. وطالب شمسون الجهات المختصة بتوفير سبل العيش الكريم للنساء العاملات في المهن الهامشية مثل بيع الشاي والأطعمة وزاد(يجب احترامهن بدلا من الكشات) غابة الابنوس:وطوال العقود الماضية وحتي اليوم حطمت المراة السودانية جدار الصمت وتقدمت الصفوف وتحملت كل المسوؤلية في أوقات السلم والحرب مقدمة تضحيات نبيلة بالرغم من المحن والاحن.وكانت نصيرة لصنوها الرجل حيث غنت له في الغناء السوداني(يوم طلعت القمرا الخير ياعشايا ودينا لي اهلنا بسألوك مننا،غنيت ليك البنية تمساح أبكبلو يبلع جب وجب لخصيمو جيد لي،وغنت ليك البنات ياضي القبيلة) الحديث عن جدليات الجمال أمر شغل الفلاسفة منذ عصر الاغريق، وعلى مدى نحو(24) قرناً من تأريخ الحضارة والفلسفة بدءاً من العصر الذهبي لفكر الاغريق، قدم الفلاسفة وعلماء الجمال مئات التعاريف للجمال من دون ان يصلوا الى ختام المشوار، مع ان الجمال يبرق كأشعة الشمس المشرقة من خط أفق الصباح الباهي كما تغني الفنان الراحل مصطفي سيد احمد في أغنيته الرائعة(وضاحة) حيث يقول :( الصباح الباهي لونك..وضاحة يا فجر المشارق..غابة الابنوس عيونك..يابنية من خبز الفنادق...شيدتي في جواي صوامع للفرح..وفتحتي في دنياي مسارح للمرح..وبقيتي لي سكة،وعيون..جلبت ليك الغيم رحط ..طرزت ليك النيل زفاف) المراة ليست سلعة تباع:وعندما تحدثت مع القيادي باللجنة العليا الاستاذ الجامعي الدكتورجمعة كندة قال لي في حديثه مع الايام ان تنظيمهم لمسابقة إختيار ملكة الجمال ليس من منطلق (لهو ولعب) أوالتباهي بالمرأة والنظر إليها مثل إي سلعة تباع في السوق وإنما نهدف من خلال ذلك لاحترام المراة السودانية التي تعاني من قوانيين ظالمة ورادعة ، وندعو لوضعها بالتساوي مع الرجل وعدم انتقاص حقوقها نهائيا واوضح ان معاييرهم للمتنافسات كملكات جمال لاتنظر للمراة بمعاييراليوم الخاصة بالعيون والجسد واللون وغيرها مشيرا الي ان المعايير التي وضعتها اللجنة المختصة بذلك تتمثل في عدم استخدام كريمات تفتيح البشرة والشعر المستعار،وغير الحقيقي والتحدث بلغة القبيلة الام وإحدي اللغات الاجنبية لاسيما الانجليزية بجانب مهارات القيادة وان يكون المستوي التعليمي متقدماً،وأردف(هذه مهمة جداً) وتابع(قيم الجمال والنقاء ليست جسدية وانما لديها أبعاد روحية واخلاقية) وأشار الي ان ظهور الازياء والموضات ذات الاغراء واستخدام الكريمات الخاصة بتفتيح البشرة وتفسخ المجتمعات واوضح هذه الخلفية دفعتنا لتذكير مجتمعاتنا بعصر النقاء لذلك جاءت فكرة ملكة الجمال. وقال الاستاذ الجامعي والناشط الحقوقي انهم اضافوا بعض المعايير للمحافظة علي الأرث القديم وتطويره. وذكر ان الملكة الحالية ناتلينا يعقوب التي ينتظر ان تسلم منصبها الي الملكة الجديدة التي من المتوقع اعلانها في مارس المقبل من خلال احتفالية مصغرة يطلق عليها (جني المهرجان)ذكرانها قامت بمهام كبيرة ونفذت عدد من الورش والندوات الخاصة بالدفاع عن حقوق المراة ومحاربة العادات الضارة والامراض مثل الأيدز وغيرها ووصف كندة نتالينا بالمرتبة والشجاعة وانها تمتلك صفات قيادية قدمت تحول كبير وفرضت سقف واسع لاختيار ملكة الجمال. مشيرا الي نجاحهم في محاربة استخدام كريمات تبيض البشرة وغيرها من العادات الدخيلة علي المجتمع السوداني،وردد(كريمات تفتيح البشرة أضرارها كثيرة صحياً وإجتماعياً) واوضح كندة ان المدخل الثاني لهم والخاص من تنظيمهم للمسابقة يأتي في أطار الاهتمام بالفن والجمال وبالثقافة السودانية وتنوعها وتابع(لدينا مشكلة استلاب ثقافي بالسودان والتشبه بالغير وعدم الاعتزاز بالثقافة السودانية المتنوعة ثقافياً ودينياً) وقال ان نظرتهم للاحتفالية الخاصة بملكة الجمال ذات دلالات عميقة لاسيما وان انسان المنطقة -يقصد جبال النوبة- لم يكن يرتدي الملابس (رجال ونساء) وكانوا يعتقدوا بأن من يرتدي الملابس يريد اخفاء عيوب وردد(هذه القيمة النبيلة تكشف عمق النقاء في التفكير) ولفت الي ان الرئيس الاسبق جعفر نميري انشاء قانون أطلق عليه محاربة العراء في جبال النوبة في السبعينات لكن الناس تحايلوا علي ذلك القانون من خلال ارتداء الملابس عندما يكونوا في طريقهم الي كادوقلي العاصمة وعندما يبارحونها (يخلعوا تلك الملابس) وأردف (القيم في ذلك الزمان كانت وفي قمتها)واوضح كندة في وجود العري لم يسجل التاريخ ممارسات غير شرعية وزاد(هذه القيم كانت مقدسة) جسارة ونضالات:من جهته قال سكرتير اللجنة محمد البابو في حديثه مع الايام ان اعلان الفائزة بمسابقة ملكة جمال المهرجان سيكون في (جني المهرجان) الذي ينتظر قيامه في مارس المقبل واوضح البابو انهم من خلال ملكة جمال المهرجان يدفعوا برسالة واسعة المضاميين تؤكد علي إحترام المراة السودانية صاحبت الدور التاريخي في النضال ومواجهة صعاب ومشاق الحياة بجسارة فضلا عن تحملها لتربية الاسرة وتعليمها في ظل الحروب والنزاعات وتدهور الاوضاع الاقتصادية وتابع(هدفنا هو التأكيد علي تنوع وتعدد السودان دينيا وثقافياً)وقال نعمل من أجل وقف الاضطهاد التاريخي والمجتمعي الذي تتعرض له المراة والمفروض عليها من قبل المجتمع الذكوري ومن خلال القوانيين المهينة والمذلة للمراة وشدد علي ضرورة مساواة المراة بالرجل فيما يتعلق بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية.ويشير البعض الي إختلاف الآراء والامزجة في تحديد وتصنيف الجمال وتبيان مفرداته ومكوناته، ولكل زمان ومكان معاييره الجمالية، ونعمة الجمال منثورة في كل مكان، فهي تأبى الحصر والتحديد لانه يتبدى في المظاهر والبواطن على حد سواء وبأشكال شتى لا تعد ولا تحصى، ويخضع من حيث الأسس والموازين لمقاييس متباينة وفق عاملي الزمان والمكان، مضافاً اليهما المزاج البشري بامتداداته الثقافية والعقائدية والاجتماعية. ومهما اختلف الناس في التحديد والتصنيف، فان الجمال يفصح عن نفسه دون حاجة لواسطة اووسيلة، وسيدة الجمال فالمراة السودانية تغني لها الفنانون في اغاني الحقيبة التي وصفت المراة بالادب والحشمة والعفاف مثل(أقيس محاسنك بمن يا الدر الماليك تمن) و(الانوار يتزاحمن—بروق في بروق يتزاحمن دي الدنيا ام جنة عدن—شفنا ملاك لابس عدن) وفي أغنية الاوصفوك نقراء(ادبك هبة وفيك موهبة وطبع الملوك يا جميل لو انصفوك) ونتابع ايضا أغنية (حور الجنان) للشاعر سيد عبد العزيز وهو يقول (من حور الجنان أم انت انسان الكمال وهل انت الملاك جيت توري الناس الجمال) مسابقة عالمية:الجدير بالذكر ان المهرجان الثقافي الرابع كان قد عقد تحت شعار (ثقافتي خلقت لتبقي، قوة الحاضر وضمان المستقبل) اشتمل علي كلمات افتتاحية ورسمية ومعرض تراث ومعرض كتاب ومشاركة 118 فرقة غنائية شعبية بينما أقيم المهرجان الثالث تحت شعار(تراثي أصالتي- لغتي هويتي- أهلي قوتي) حيث إشتمل على معرض كتاب ومعرض صور ومشاركة نحو (70) فرقة غنائية إرتدت ازياء تراثية مختلفة وبعضهم ارتداء القرون والسكسك والكشكوش والحجل وحمل بعض اعضاء تلك الفرق السيوف والحراب حيث قدمت تلك الفرق فنون ورقصات شعبية نالت استحسان الحضور وتصفيقهم الداوي،وعالمياً تعقد مسابقة ملكة جمال العالم سنويا في إحدى مدن العالم حيث تتبارى فيها فتيات من مختلف دول العالم يتم اختيارهن كملكات للجمال في بلدانهن، بحيث تتسابقن للحصول على تاج (ملكة جمال العالم) ونظمت مسابقة ملكة جمال العالم للمرة الأولى في المملكة المتحدة من قبل ايريك مورلي عام 1951 م. وحاليا زوجته جوليا مورلي هي الرئيس المساعد لمؤسسة ملكة جمال العالم التي تعتبر أقدم مسابقات الجمال الدولية التي لا زالت مستمرة حتى الآن، ويشاهد حفلها الرئيسي الكثير من المواطنيين بمختلف أقطار العالم من خلال القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي ،واول مسابقة تم بثها عبر التلفزيون كانت في العام 1959 م. حيث تم بها من خلال تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية(BBC)ووصلت نسبة المشاهدين إلى ذروتها في التسعينيات حيث صار يشاهدها قرابة الملياري نسمة حول العالم من جميع البلدان تقريبا. عموماً ونحن نختتم هذه المقالة لابد من ان نردد كلمات الشاعر مرسي صالح سراج التي أبدع فيها فنان افريقيا محمد وردي وهو يقول: نحن أبناء ملوك في الزمان ..توجوا الفونج وزانو كردفان ..أفسح المجد ليهم خير مكان ...نسباً نعم أجداد بهم يزهو جبين..حين خط المجد في الارض دروباً..عزم ترهاقا وايمان العروبة ..عرباً نحن حملناها ونوبة. أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة