محاضرة الإمام الصادق المهدي بمناسبة حفل تسليم جائزة قوسي للسلام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 03:43 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اخبار و بيانات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-01-2013, 03:47 PM

حزب الأمة القومى
<aحزب الأمة القومى
تاريخ التسجيل: 10-25-2013
مجموع المشاركات: 130

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محاضرة الإمام الصادق المهدي بمناسبة حفل تسليم جائزة قوسي للسلام

    بسم الله الرحمن الرحيم
    27/11/2013م
    محاضرة قوسي
    بمناسبة حفل تسليم جائزة قوسي للسلام 2013
    بقلم: الإمام الصادق المهدي

    مقدمة:
    أتيت لمانيلا بقلب مثقل بالحزن بسبب الدمار الذي أحدثه الإعصار وفقدان الأرواح البريئة وتدمير الممتلكات.
    أرجو أن تتقبل الفلبين شعباً وحكومة أحر تعازيي. ومع ذلك فإن نصف الكوب المملوء قد شرح صدرنا، فأنا أقدر إنجازات شعب الفلبين من حيث التطور السياسي والاقتصادي الأمر الذي يتوج الفلبين نمراً آسيوياً آخر.
    إن الإثابة بجائزة قوسي للسلام أمر يسعد أرواح الفائزين بها. إنني أقدر كثيراً المجهود الذي بذل في تقصي سيرتي الذاتية كأساس للجائزة.
    مثل هذه الجوائز تشجع الحائزين عليها فضلاً عن تأسيسها معرضاً للصور النموذجية تقتدي بها الأجيال وتتمثلها لترتقي لمصافها.
    وفي المقابل فقد سبق أن انتقدت جائزة نوبل. لا شك أن فكرة السيد نوبل تستحق الثناء ولكن هناك انحياز ثقافي في منح الجائزة يدلل عليه منح جائزة نوبل في الأدب للروائي المصري نجيب محفوظ الذي يستحق الجائزة ولكنها لم تمنح تقديرا لأعماله الروائية الجيدة الكثيرة، بل منحت لأسوأ رواياته (أولاد حارتنا) لأنها تنتقص من دور الدين في تطور البشرية بطريقة فجة تفتقر للخيال. كذلك هناك دلائل على الانحياز السياسي وأعني منح جائزة السلام دون ربطها بأية مساهمة حقيقية في السلام على سبيل المثال منح الجائزة لفريق التحقيق في الأسلحة الكيميائية في سوريا قبل بدء مهمته.
    لقد حضرت لهذه المناسبة الميمونة لمخاطبة ضيوف قوسي والمجتمع الدولي حول أربع أطروحات ذوات أهمية عظيمة للبيئة الاجتماعية/ الثقافية لكوكب الأرض وهي:
    الأطروحة الأولى: أهمية الديمقراطية للدولة القومية بعد الاستقلال والمشاكل المتعلقة بذلك
    الأطروحة الثانية: العولمة والنزاع بين الأديان والحضارات ومشاكل الحوكمة العالمية والتفكر في وسائل حلها.
    الأطروحة الثالثة: أسس الأزمة في حضارة المسلمين وكيفية مصالحة الإسلام مع ذاته ومصالحته وبقية أعضاء المجتمع الدولي.
    الأطروحة الرابعة: الأزمة في بلادي – السودان- وكيفية حلها لتحقيق سلام عادل شامل وتحول ديمقراطي ليقدم نموذجاً للعالمين العربي والأفريقي الذين تضربهما الأزمات.
    النقطة الأولى: التحول الديمقراطي:
    الدول حديثة الاستقلال حققت استقلالها قبل تكوين الأمة، فسكانها سلة تنوع ديني وقبلي وثقافي وإثني. مثل هذا التنوع يضع الولاء للهويات الموروثة العتيقة قبل الولاء للمواطنة.
    هناك طريقتان لاتخاذ القرار في المجتمع: طريقة دكتاتورية وطريقة تشاركية. كلا النهجين قد تم تجريبه. التكاليف الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للدكتاتورية فادحة لا تطاق، ففي نهاية مطافها تقود الدكتاتورية للدولة الفاشلة، وعندما يتم إنهاؤها على نحو مفاجئ تصبح البلاد غير قابلة للحكم بسبب تراكم القضايا العالقة والانقسامات ولذلك فليس هناك بديل حقيقي للحوكمة التشاركية.
    والحوكمة التشاركية كذلك هي طريقة الإدارة الوحيدة التي استطاعت الالتزام بحقوق الإنسان وهي الحوكمة الوحيدة التي تتسق مع أجندة حقوق الإنسان الدولية. ولكن لتأسيس إدارة ديمقراطية ذات جدوى في مثل هذه الظروف هناك شروط معينة لا بد من توفرها، أهمها شرطان هما:
    أ‌. ديمقراطية الصوت الواحد للشخص الواحد عجزت عن الوفاء بمتطلبات الولاءات الموروثة الضيقة كما عجزت عن إقناع وإشباع تطلعات قوى اجتماعية جديدة مثل قوى تحرير المرأة. وعليه ولضمان نجاح الديمقراطية هناك حاجة لمفهوم التوازن لاستيعاب متطلبات الولاءات الموروثة الأضيق مثل الهويات الإثنية والدينية والثقافية، ولاستيعاب مطالب القوى الاجتماعية الجديدة. هذه المقاربة للديمقراطية تتطلب تعديلاً في النمط في اتجاه توافقي. وسيكون هذا نوعاً من الديمقراطية النسبية.
    ب‌. الشرط الثاني هو تجنب بروز انقسام اجتماعي نتيجة لاقتصاد السوق الحر الذي يجنح لإنتاج مظالم وتفاوتات اجتماعية وإقليمية تتسبب في التهميش والانقسامات الاجتماعية. نموذج برنامج صندوق النقد الدولي للتقشف ونمط التنمية القائم على حساب الناتج الإجمالي المحلي هما وصفتان للاضطراب السياسي.
    هناك ضرورة ملحة أن يخاطب الاقتصاد مشاكل الفقر والعطالة وعدم التوازن الإقليمي. الاقتصاد الذي يتعايش مع بروز مدن الأكواخ ومعيشة أعداد غفيرة من المواطنين تحت خط الفقر ونقص المساكن سيكون قنبلة عدم استقرار موقوتة. وهنا تبرز الحاجة ثانية لنمط تنمية يربط زيادة الناتج الإجمالي المحلي ببرنامج ذي حساسية اجتماعية. لا ينبغي للمجتمع الدولي أن يغفل عن مثل هذه المسئولية الأساسية. أهداف الألفية الإنمائية خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن يجب أن تكون المعالجات أكثر جذرية. نحن الآن على بعد عامين من الموعد المضروب لتحقيق أهداف الألفية (2015) والأهداف ما زالت بعيدة عن التحقق. في هذا الشأن يجب على الدول المتقدمة أن تضع في أجندتها التنموية تنمية العالم المتخلف. ينبغي أن تلتزم العلاقات التنموية بين الشمال والجنوب بتوصيات (لجنة براندت) التي للأسف تم إهمالها. وبالطبع ينبغي أن يقترن مثل هذا البرنامج بإصلاح جذري في العالم المتطلع للتنمية.
    ومن أجل الوصول للاستقرار ولديمقراطية ذات جدوى، يجب الوفاء بشرطي تثبيت الديمقراطية. الديمقراطية هي الحل ولكن يجب على النظام الديمقراطي أن يستوعب التوازنات والمحتوى الاجتماعي اللازمين.
    النقطة الثانية: العولمة
    ساعدت ثورة تكنولوجيا الاتصالات على بروز سوق عالمي، وأصبحت العولمة آخر مرحلة في تطور البشرية الثقافي. ولكن أثر صدمة العولمة على الولاءات التقليدية للبشر قاد لرد فعل كبير لصالح القيم والأخلاق الدينية التقليدية. والنتيجة هي تمسك ديني عام في كل الأديان. وبحسب كلمات (جورج وايغل) (فإن لا علمنة العالم صارت إحدى الحقائق المهيمنة في النصف الثاني من القرن العشرين). والمفارقة هي أن التكنولوجيا وقوى السوق الحر بعملها كقوى جذب مركزية تجر العالم نحو الوحدة بينما تعمل قوى اليقظة الدينية كقوى طرد مركزية تباعد بين اتباع الديانات. وفيما يتعلق بدور الدين في تكوين الحضارة فقد ناقش الفكرة (برنارد لويس) في مقال نشره في شهرية الأطلنطي (اتلانتك مونثلي) عدد سبتمبر 1990 بعنوان: (جذور الغضب الإسلامي) ثم تم اشهار الفكرة مؤخرا بكتاب (صمويل هنتغتون) (صدام الحضارات) فصعدت للصدارة. ونتيجة لذلك، ورغبة في التعايش السلمي سعى مفكرون ورجال دولة وقادة دينيون لتجنب النزاع بالدخول في حوار بين الحضارات والأديان. وبحسب كلمات (داوسون): الأديان الكبرى هي الأساس الذي قامت عليه الحضارات الكبرى.
    تشترك الحضارات في السمات العامة التالية: الثقافات، القيم الأخلاقية، الفضاء التاريخي والتراث الفكري.
    أثرت الحضارات وتستمر تؤثر في بعضها بواحدة من ثلاث وسائل: المثال، الاقتباس و/أو الهيمنة.
    ليس للحضارات قيادة مركزية مشتركة ولا أيدولوجيا واحدة ولا مصالح اقتصادية مشتركة ولا سياسات أمنية واحدة وهذا هو سبب استحالة دخولها في أي حوار ذي معنى.
    تقوم الأديان على حقائق جامدة خلاصية موحى بها، ولذلك من المستبعد أن تنسب أية قيمة لدين آخر يناقض تلك الحقائق. وعلى كل حال فإن أهم جانب من جوانب التطور الثقافي للإنسان هو القبول العام لأجندة حقوق الإنسان. وإذا بدأت الحضارات والأديان في الإصلاح بحيث تقر أجندة حقوق الإنسان فإنها تكون قد اقتربت من بعضها بمغنطيس حقوق الإنسان.
    العولمة التي توجهها قوى السوق الحر منفردة تميل إلى إلغاء الإصلاحات الاجتماعية التي روضت الرأسمالية المتوحشة في الدول المتقدمة. مثل تلك الإصلاحات كانت الوسيلة التي حفظت الرأسمالية من تنبوءات ماركس القائلة بدمارها.
    آخذين في الاعتبار الانحراف الشديد في توزيع الثروة والدخل في العالم وفي توزيع القوة الاستراتيجية والقدرات العسكرية وفي وسائل المعلومات وغيرها، فإن العولمة ستعرّض ببساطة القطاعات الأضعف في المجتمعات الانسانية لهيمنة الدول الأقوى، وهذه وصفة للاستقطاب ومن ثم عدم الاستقرار. لذلك من المهم أنسنة العولمة وإعطاؤها وجهاً إنسانياً. لقد أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه للدور المهم للنقد وهو المفهوم الذي ردده بعد عدة قرون (عمانويل كانط) القائل: النقد هو أهم وسيلة بناء اكتشفها الإنسان.
    ينبغي علينا مراجعة الأمم المتحدة لتحدد الأسس المطلوبة للإصلاح. الأمم المتحدة إنجاز مهم للغاية أنشأها المجتمع الدولي بعد الحرب الأطلسية الثانية (1939- 1945) لكن المنتصرين في الحرب أخضعوا مجلس الأمن لوضعهم المهيمن بصورة دائمة. ولكنهم سرعانما اختلفوا وعبر قوة الفيتو أصاب المجلس الشلل.
    عامل آخر مهم في العجز عن إيقاف العنف وصنع السلام هو حقيقة أن ما يفرخ العنف في الواقع هو الخلاف الأيدولوجي الذي يضع الشعوب في مواجهة بعضها البعض، وعلى وجه التحديد:
    · الفاشية تتصور أن التقدم يقوم على أساس التخلص من الخصوم.
    · الشيوعية تعرف التقدم على أساس التخلص من أعداء الطبقة.
    · الصهيونية تجحد حقوق الفلسطينيين.
    · الجهاديون يعتبرون أن واجبهم هو محاربة الكفار.
    · الإمبرياليون يسعون للهيمنة على الآخرين وادعاء الحق في العمل منفردين لتحقيق مصالحهم القومية.
    · المستبدون يدّعون الحق في التخلص من المعارضة.
    مثل هذه العوامل أكبر من قدرة الأمم المتحدة بتركيبها الحالي. ومع ذلك فبدون اعتبار هذه العوامل فلن يكون هناك بناء سلام.
    هناك مجالان لإصلاح الأمم المتحدة هما:
    1. إصلاح في اتخاذ القرار في مجلس الأمن يعطي المنظمة شرعية أكبر.
    2. الحاجة للنظر أبعد من حفظ السلام عبر الفصل السابع من الميثاق والنظر في إجراءات وقائية: عبر برامج إصلاح إعلامي وتعليمي للقبول بالتعددية وسيادة حقوق الإنسان والحرية والعدالة، والعدالة المناخية وهكذا.
    في الحقيقة فإن البرامج الإعلامية والتعليمية هي التي تقتلع العوامل الأيدولوجية التي تغذي النزاع العنيف.
    يتطلب الإصلاح الوقائي تأسيس مجلس أمن اجتماعي بيئي يكون مسئولاً عن وقاية البيئة الدولية الطبيعية والاجتماعية.
    الإرهاب: الإرهاب هو استخدام العنف العشوائي لتحقيق أهداف سياسية، وفي حالات كثيرة يتم استخدامه من قبل أتباع العقائد الدينية وعادة ما يستخدم المصطلح لوصف أنشطة عناصر غير حكومية، ومع ذلك فهناك كثيرمن الدول تنغمس في الإرهاب ضد المتمردين أو ضد السجناء والمعتقلين.
    الجهاد في الإسلام هو مفهوم للجهد الواسع وهو يعني بذل الوسع بعزيمة مكرسة لخدمة الله وفي سبيله. وهذا المفهوم ينطبق على جهاد النفس وضبطها، وعلى استخدام القوة الناعمة وفي حالة القمع والعدوان الديني يشمل استخدام العنف.
    ظاهرة الأنشطة الحالية للقاعدة وفروعها هي ظاهرة حديثة بانتشار دولي.
    يستند الجناة في إرهابهم على تفسيرات للجهاد لا أساس لها ولا دليل عليها تحقيقاً لأجندتهم السياسية، ويستمدون كثيراً من غضبهم الذي يغذي أنشطتهم العنيفة من المظالم الداخلية، تحديداً: القمع الاجتماعي والسياسي ومن المظالم الخارجية، تحديداً: الهيمنة الإمبريالية ومصير شعب فلسطين.
    وحيث أن القاعدة بدأت أولاً في أفغانستان فقد ارتبطت بالتحرر من الاحتلال السوفيتي ولكنها منذ ذلك الحين حولت أهدافها ضد الحكومات وضد من تراهم داعمين خارجيين لتلك الحكومات.
    الجديد في أمر القاعدة هو صفتها العالمية ونيتها المعلنة في تغيير الحكومات الحالية في الدول الإسلامية بدولة إسلامية على النمط القديم.
    الحرب الحالية على القاعدة وفروعها فشلت في هزيمتها لأنها تتعامل مع الأعراض لا الأسباب.
    وعلى الرغم من استغلال الحماسة الدينية في التضحية وتسخيرها للعنف إلا أن الهياكل الداعمة للتطرف الحالي هي سياسية وأهمها:
    · فساد وقمع الأنظمة الوطنية.
    · الهيمنة الثقافية الأجنبية المحسوسة إلى درجة ينظر معها للحداثة على أنها استسلام.
    · الاحتلال واغتصاب الحقوق.
    · فشل النظم العلماينة والمعتدلة في الوفاء بوعودها.
    الأرهاب البيئي:
    هناك ممارسات داخل الدول وعلى الصعيد الدولي تمثل اعتداءً على البيئة ولا يمكن وصفها إلا بأنها إرهاب بيئي. هناك سلسلة من المؤتمرات حللت المشاكل البيئية وأرست مسؤوليات بيئية محددة لا سيما مسئولية خفض الغازات المنبعثة من الأنشطة الصناعية، وواجب تعويض ضحايا التلوث البيئي لتحقيق العدالة المناخية. مثل هذه الوعود لم تتحقق بعد وكذا الحال مع العديد من البرامج الوطنية الصديقة للبيئة.
    مثل هذا التعدي الوطني والدولي على البيئة الطبيعية هو دمار زاحف على كوكب الأرض. هذه وظيفة أخرى لمجلس الأمن الاجتماعي والبيئي الذي ينبغي أن يكّون مكتبا للمتابعة وآلية للمساءلة.
    النقطة الثالثة: الإسلام
    في بداية هذه الألفية أقر المتحدث باسم الفاتيكان أنه وللمرة الأولى في التاريخ الحديث لم نعد الدين الأكثر اتباعاً في العالم. (مونيسغنور فيتوري فورمنتي) المتحدث باسم الفاتيكان قال: (لأول مرة في التاريخ لم نعد في القمة، لقد احتل الإسلام ذلك الموقع). وعلى الرغم من ضعف الدول الإسلامية الاقتصادي والاستراتيجي والعسكري إلا أن الإسلام ينتشر في أراضٍ جديدة. وفي الدول الإسلامية تحصد الحركات السياسية التي ترفع الأجندة الإسلامية أغلبيات انتخابية حيثما أُجريت انتخابات حرة نزيهة. ومع ذلك وبالإضافة للانقسامات التاريخية داخل المجتمع الإسلامي بين السنة والشيعة والصوفية، هنالك الآن استقطاب أساسي بين الذين يعبرون عن خياراتهم الإسلامية في صورة بعث للماضي وأولئك الذين يعتقدون أن أي تعبير حديث عن الإسلام هو صيغة جديدة تصالح عقيدتهم مع العصر الحديث. ويعتقدون أن الله الذي وهبنا العقل والفكر والإرادة الحرة قد أراد منا أن نستخدمها في توضيح وإظهار وحيه. ويستشهدون بنصوص صحيحة موثقة لإثبات أن الإسلام يقر الإرادة الحرة والاجتهاد الفكري وحقوق الإنسان والتعددية الدينية وحرية البحث العلمي والديمقراطية وأسس الاقتصاد الحديث والعلاقات الدولية القائمة على السلام والعدالة كأساس للتعاون الدولي.
    وفي مؤلفاتي المختلفة وعلى وجه التحديد الكتب التالية: (نحو مرجعية إسلامية متجددة)، (الإنسان بنيان الله)، (المرأة وحقوقها في الإسلام)، (جدلية الأصل والعصر) قدمت الأدلة الموثقة.
    هناك فريقان من المجتمع الإسلامي يرفضان مثل هذه الحجج: العلمانيون الذين يصرون أن العلمانية شرط للحداثة، وبالنسبة لهم فإن الحداثة تقتضي طرد الإسلام من الحياة العامة. الفريق الآخر: المنكفئون الرجعيون الذين يعتقدون أن فقهاء الأمة الإسلامية قد استنبطوا مقاصد الله اعتماداً على النصوص المقدسة ولذلك لا مجال لاستنباطات جديدة، والحداثة بالنسبة لهم بالضرورة ابتداع غير مسموح به. وعلى ذلك يكوّن الفريقان دون قصد تحالفا غير مقدس يجمّد الإسلام في فترة ماضية بما يخدم أغراضهما: بالنسبة للمنكفئين العودة لتلك الحقبة الماضية، وبالنسبة للعلمانيين: طرد الإسلام باعتباره مفارقا للعصر وباعتباره قد عفا عليه الدهر.
    حجة المنكفئين حجة أيدولوجية ومناقضة لتاريخ الإسلام تماماً. فحتى خلال الأربعين سنة الأولى في الإسلام وهي فترة الخلفاء الراشدين فإن التغيير السياسي والاقتصادي والفكري يظهر بوضوح. بعد تلك الفترة يصدق تعليق (مونتغمري واط) القائل: هناك شيئ أشبه بالسحر في الطريقة التي هضم بها المسلمون معارف الحضارات الأخرى. وعلى نحو مماثل فقد أعمت الأيدودولوجية العلمانيين، قال (بيتر بيرقر) أحد المؤسسين لمفهوم العلمانية (لقد ارتكبنا خطأ منهجياً كبيراً فقد اعتقدنا أن العلاقة كانت بين الحداثة والعلمانية ولكن في الحقيقة كانت العلاقة بين الحداثة والتعددية).
    الدين ضرورة لمواجهة الحالة الإنسانية:
    · فهو يملأ فراغ الغيب الغامض.
    · ويمنح الضمير بوصلة.
    · ويمثل حصناً أخلاقياً.
    · وهو أداة تماسك اجتماعي.
    · ويجيب على أسئلة المصير النهائي.
    ومع ذلك على التعبير الديني أن يتجنب ثلاثة مجالات ذوات أهمية قصوى لتقدم البشرية وهي:
    · تجنب التضارب مع العقل.
    · تجنب التضارب مع التعددية.
    · تحاشي الثيوقراطية.
    في الحقيقة يبقى الدين قوة فكرية وأخلاقية واجتماعية قوية حتى في الدول التي تسمي نفسها علمانية. وبدلاً من أن يشهد الدين تراجعاً يشهد على العكس من ذلك انبعاثاً ونهضة. كلفت جامعة شيكاغو فريقاً لدراسة ظاهرة الأصولية الدينية في الربع الأخير من القرن العشرين، أصدر الفريق تقريرا من ستة مجلدات في 1988م، وثق ظاهرة صعود الأصولية الدينية في كل أديان العالم.
    يربط العلمانيون في العالم الإسلامي –بصورة أيدولوجية- مصير الدين بما صار له الدين في الغرب حسب اعتقادهم. ليس للعلمانيين قواعد شعبية حقيقية فهم يستمتعون بالتمسك بأذيال معاطف الدكاتوريين العسكريين. ومع تحرر الشعوب الحالي عبر الحركات الجماهيرية ضد الدكتاتورية صار هدفهم في طرد الدين من الحياة العامة معزولاً.
    وفي المقابل، للمنكئفين قواعد شعبية ويعتقدون أن ظروفاً معينة ستعمل لصالحهم. في يناير 2003م قابلت واحداً من مؤسسي تيار التطرف الحالي. في تلك المقابلة قال (محمد قطب): " الغرب هو عدو الإسلام اللدود والإسلاموفوبيا (الخوف المرضي من الإسلام) هي مشاعرهم الحقيقية تجاه الإسلام وأي حديث عن قيم الغرب الديمقراطية وعن التسامح والحوار سيساعد على إضعاف هدفنا. ومن الأفضل ترك النفاق. نحن نرحب جداً بالعداء الغربي تجاهنا ونرحب بسياسات الهيمنة وبدعمهم للمحتلين الصهوينيين لأن كل ذلك يدعم أطروحتنا ويثبت خطأ الأطروحة البديلة. العدوان الصهيوني والإمبريالي مفيد للغاية لأنه سيسهم في إيقاظ العملاق الإسلامي النائم ليصحو ويدمر الغرب."
    وبالطبع فإن أفكاره هي الصورة المقابلة للاعتقاد بمعركة أرماجيدون المتوقعة. تشكل الأيدولجيتان الدينيتان وصفة لكارثة عالمية.
    التحالف الموضوعي بين الحضارة الإسلامية المستنيرة والاستنارة المماثلة في الحضارات الأخرى ضرورة لإنقاذ السلام والتعاون العالمي من المعادلة الصفرية التي تدعو لها أيديولوجيات المنازلة النهائية. سيساعد نظام عالمي عادل ومسالم عملية التوفيق بين الإسلام والعصر الحديث. ستملأ الهيمنة والعدوان ببساطة أشرعة قوى الانكفاء في العالم الإسلامي بالهواء.
    النقطة الرابعة: السودان
    بلدي السودان مثال نموذجي لبلد طبق كل متطلبات الديمقراطية المعيارية دون توفر الشروط اللازمة لذلك . وعليه فقد عملت كمغنطيس جذب كل الأيدولوجيات المتنافسة في المنطقة. قام النظام الحالي بانقلاب عسكري في 1989م. وأقام نظاماً شمولياً طبق أيدولوجية الأسلمة المقتبسة بشدة من أيدولوجيا الأخوان المسلمين.
    حفز تطبيق الأيديولوجيا العروبوية الإسلاموية على مجتمع ذي تنوع ديني وثقافي وإثني حفز قوى الطرد المركزية الموروثة (الكامنة) في التنوع وعبر ردود أفعال داخلية وخارجية انفصل جنوب البلاد وتنشط عدة تمردات أخرى الآن.
    تضمّن الاتفاق مع الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان تنازلات محددة اعتبرتها مجموعات إسلامية أخرى خيانة للإسلام. وعليه يواجه النظام الآن معارضة من اليمين الإسلامي.
    أعاد الشركاء الذين كانوا جزءاً من اتفاقية السلام المسماة اتفاقية السلام الشامل 2005 تكوين أنفسهم في الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال بعد تكوين دولة الجنوب.
    ومنذ العام 2002م شهدت دارفور ظهور حركات مسلحة منشقة. تجمعت الحركة الشعبية/ شمال وحركات دارفور المسلحة في 2012م ليكونوا الجبهة الثورية السودانية. أيديولوجية الجبهة الثورية علمانية وهم يشكلون معارضة علمانية تسعى للإطاحة بالنظام بالقوة.
    هنالك سند للجبهة الثورية من بعض الأحزاب السياسية التي تعتقد أنها ستحقق لهم أجندتهم العلمانية. وهذا تكرار لنهج نفس هذه القوى تجاه الحركة الشعبية الأم. هذا الموقف وصفه ببراعة (استيفن واندو) ممثل الحركة الشعبية في واشنطن 1998م حينما تحدث لجمعية الدراسات السودانية في جامعة بنسلفانيا في مايو 1998م قائلا: (بعض النخبة العلمانية السودانية حينما عجزت عن حشد السند الشعبي لموقفها اتجهت للمقاومة الجنوبية لتساعدها في التخلص من التوجه الإسلامي. إنهم لا يدركون أن طريقتهم المتطرفة التي يعبرون بها عن تطلعاتهم تقود للتطرف في الاتجاه المضاد).
    يواجه النظام الآن معارضة من اليسار ومعارضة من اليمين ومجموعات تتكاثر بسرعة بما فيها المجموعات المنشقة عن الحزب الحاكم.
    وعلى الرغم من أن النظام – وبكل المقاييس- قد وصل لنهاياته فإن أية محاولة للإطاحة به بالقوة ستعرض لا محالة وحدة السودان لمزيد من المخاطر وبحسب كلمات المهاتما غاندي (الحكومة المكونة بالقوة ستستخدم القوة للدفاع عن نفسها).
    يطرح حزب الأمة برنامجاً يدعو للدولة المدنية التي تقر المساواة في المواطنة والحرية الدينية وأجندة حقوق الإنسان وأجندة إسلامية تتسق مع المساواة في المواطنة. كل الأحداث التاريخية هي حصيلة توليف بين مفاهيم متناقضة، فمنطق التاريخ منطق جدلي وليس خطاً مستقيماً. لقد اقترحنا ميثاقا وطنيا يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي والتوليفة المطلوبة مع الإسلام.
    نحن نسعى لتحقيق قبول قومي لذلك الميثاق.
    وسائل تحقيق أهداف ذلك الميثاق هي الضغط السلمي عبر التظاهرات الاعتصامية والإضرابات وغيرها.
    نحن نتصور أن يقبل النظام بسيناريو على غرار الكوديسا الذي مكن جنوب أفريقيا 1992م من حل نزاعها سلمياً خاصة مع إدراكه لمدى اتساع المعارضة له وللإخفاقات الاقتصادية والتحديات الأمنية. وهذا السيناريو هو الوسيلة الوحيدة التي تستطيع حل معضلة المحكمة الجنائية الدولية: صيغة قومية توفق بين العدالة العقابية والعدالة التصالحية. إننا نعتقد أن الإجراءات التي قد تقود لفشل الدولة ستقود لمظالم أكثر مما يقود الإفلات من العقوبة.
    وإذا وصلنا لقبول واسع للميثاق الوطني ووصلت التعبئة الشعبية السلمية ذروتها ووجدت الاستراتيجية الأساسية للسلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الحقيقي مباركة دولية فسيكون هناك احتمالان:
    إما انتفاضة شعبية سلمية أو أن يستبق الرئيس ومعاونوه المقربون الاشتباك ويقروا ويصادقوا على مصالحة تاريخية عبر سيناريو الكوديسا.
    ختاما: إنني أقدم هذه المساهمة الرباعية بين يدي المشاكل الأربع المهمة كوسيلة مشاركة مع مؤسسة قوسي في رسالتها، فقد تكون مصدر قيمة مضافة في الطريق نحو عالم عادل ومسالم وديمقراطي.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de