|
كلمة الإمام الصادق المهدي في ختام الدورة الدعوية لاستقبال شهر رمضان- هيئة شئون الأنصار
|
بسم الله الرحمن الرحيم هيئة شئون الأنصار أمانة الدعوة والإرشاد دورة الإمام الصادق المهدي الدعوية لاستقبال شهر رمضان الفترة من السبت 16-20 شعبان 1435هـ الموافق 14-18 يونيو 2014م كلمة الحبيب الإمام الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي، أيها الأحباب، السلام عليكم ورحمة الله هذه الغيبة طبعاً كانت غيبة جسوم، ولكن الأرواح مجتمعة، والمفاهيم مجتمعة، ولا شك أنني كنت أعلم أثناء هذه الغيبة أن الدار محروسة، ومشارع الحق محروسة، وقد هب كياننا الديني والسياسي ليملأ الآفاق بالأسس والتعبئة الصحيحة بالصورة التي أشعرتني أن الذين اعتقلوني هم المعتقلون، لأنهم منذ البداية أدركوا أنهم أخطأوا، لأنهم إذ أشعلوا هذه النار ألفونا بولاد يتمدد بحرارته، ونحن قوم تزيد الشدائد من حماستنا واستعدادنا لمواجهتها، هذه هي التجربة التي عشناها في كل تاريخنا، لسنا ناس باردة بل حارة، وكل امتحان تفوق الناس فيه. لذلك كنت مطمئناً أن هذه التجربة ستكون بالضبط من باب المزايا في طي البلايا، ومن باب النعم في طي النقم، ومن باب (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ). وسأتحدث في الصلاة غداً إن شاء الله عن النعم التي ساقها الله لنا في هذه التجربة. إنني في تقييم هذه الدورة للدعاة سررت جداً أن زملائي وأحبابي استطاعوا ان يستنطقوا الأفكار التي كتبتها، لتتحول لتربية ولتوعية للأجيال القادمة، لأنني منذ نعومة أظافري رأيت أن الدين الإسلامي، والعقيدة الأنصارية، وهذه المفاهيم؛ كثيرون منا مرتبطون بها عاطفياً لكنهم لا يستطيعون الحديث بصورة مقنعة عن هذه الدعوة، ولذلك كان همي أن أطور هذه المدرسة في جوانبها المختلفة: - في الفقه، فالفقه الذي درسناه ونعرفه قائمٌ على منطق صوري (قياس وإجماع) ولكنا محتاجين لمنطق جوهري (المصلحة، العقل، التجربة، والإلهام) أي هناك معانٍ أخرى لكي نستطيع بها أن نطور الفقه مع الزمان والمكان ، وهذا هو الأساس في كتاب نحو مرجعية متجددة، مرجعية متجددة تنهل من هذه المصادر لتطور الفقه في قضايا الدنيا، لأننا إذا ارتبطنا فقط بالمنطق الصوري فإن ذلك يجعل الناس يعتبرون الإسلام غير قابل للتطور مع ظروف الزمان والمكان، وهذا ما أشار إليه ابن القيم في أن الذين اعتبروا أن كل شيء ينبغي أن يؤسس على المنقول قتلوا قدرة الاسلام على أن يواجه ظروف الزمان والمكان، لذلك تحدثنا بوضوح تام عن المصادر الأخرى: المصلحة والعقل والإلهام وغيرها، لكي تمكن الفقه من أن يكون حياً، وليس مجرد قصع جرة من الماضي، هذا هو أساس هذه المدرسة وهو الانتقال من الصورية المؤسسة على القياس والإجماع الى هذه المصادر الأرحب. - سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لقد وجدت أن السير والأحاديث كثيراً من القصص التي عاشت في ذلك الزمن أسقطت على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم واتخذت منها القدوة، أي أنهم جعلوا من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة للركود وتجميد الفكر، لذلك هناك ضرورة لمراجعة هذا الأمر، ولذلك فإني مهتم بالسيرة وسأكتب إن شاء الله المرجع الأساسي الذي يتكلم عن السيرة بالصورة التي تستنطق تلك السيرة في القرن الواحد وعشرين وتجعلها نبراساً للقرن الحادي والعشرين والتي تجعل محمد صلى الله عليه وسلم رسول الإنسانية كلها. هذا هو المعني الذي نعمل عليه وسيغير ملامح السيرة النبوية. - التفسير: لا شك أن كثير منا يحفظون القرآن والتجويد وهذا كله مهم جداً، ولكن ينبغي أن نتجاوزه للتدبر (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَاand#64830;. كنت حينما سجنت في سجن طالت أزمانه أسال نفسي هل أركز على الحفظ أم على الفهم؟ وفي النهاية اخترت ان اركز على الفهم، فاطلعت على كل التفاسير الموجودة. وسألت هل يمكن أن أضيف ووجدت نعم يمكن أن نضيف وذلك بأن نتعامل مع التفسير أيضاً بمنهج جديد وهو المنهج المقاصدي، فالشريعة والرسالة لها مقاصد، وينبغي أن نخضع النصوص للمقاصد لا أن نحبس أنفسنا فيها. وهذا يتسق مع هذه المدرسة. - فهم دعوة الإمام المهدي عليه السلام: هذه الدعوة وجدنا أننا لا نستطيع أن نقنع الناس بها، لقد قرأت كل تفاصيل ومنشورات وأحكام وخطب ومجالس الإمام المهدي للبحث عن الحجة التي نستطيع نتحدث عن مهديته بصورة مقنعة للكافة. وجدت أن هناك مدارس حول المهدية، غالب المدارس الشيعية تقول بالامام الغائب الثاني عشر الذي سيبعث هو نفسه وسيأتي مهدياً. هذه هي عقيدة الإثنى عشرية. وعقيدة كثير من أهل السنة أن المهدي يأتي في آخر الزمان. وبالنسبة لنا ومهدية الإمام المهدي، ماذا نقول لتكون لدينا حجة لهذه الدعوة المهدية؟ هناك أحاديث كثيرة وقد جمعت هذه الأحاديث: ثلاثة منها للترمذي وسبعة لابن ماجة سبعة و13 لأبي داؤد أي مجموعها 23 حديثا، لكن هناك خلاف حولها فلا يمكن أن نقنع بها الآخرين ولا بدعوتنا. السؤال: على أي أساس نؤسس هذه الدعوة؟ لقد اجتمعنا في مبادرة رعاها المركز الثقافي للسفارة الإيرانية وآخرين من أهل السنة والصوفية، وتكلموا عن المخلّص والمهدي وطلبوا منا الحديث لكي يدلي كل إنسان بمدرسته ورأيه حول المخلص والمهدي. الموقف الصحيح برأيي هو أننا لن نستطيع إقناع الآخرين بهذه الدعوة، ولكن الدعوة نفسها فيها أسس يمكن أن تقنع الآخرين. أما فيما يتعلق بإنسان غاب وسياتي بعد 14 قرنا مهديا، الرد واضح جداً: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) هذا رد لا يحتاج لنقاش.. وإن كان هناك شخص كتب له الخلد ليكتب لمحمد صلى الله عليه وسلم (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) هذا غير وارد، إنه لا يمنع آخرين أن يؤمنوا كما شاءوا ونحن لا نكفرهم ولكن نقول هذا لا يمكن أن يكون أساسا دعويا لمخاطبة عقل الناس. ومسألة آخر الزمان وانتظار الناس حتى يأتي آخر الزمان: أيضا القرآن واضح (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا and#1750; سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ and#1750;). فحينما يكشف الامتحان لا يكون هناك من ممتحن، وحينما تاتي آيات رب العالمين بالنسبة لآخر الزمن لا داعي ليقول احد آمنت إذن مسالة آخر الزمان لا يمكن ان تكون الأساس. لقد بحثت في اسس المهدية ووجدت الامام المهدي يربط نفسه تماما بالوظيفة: وظيفة ملء مقعد خلافة محمد صلى الله عليه وسلم، واحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما، ودائما يقول: ومهديتي قائمة بهذين، وهناك أسس واضحة جدا في القران لذلك، القرآن يقول: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)، و(وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) و(مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، و(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وكلها دعوة استنهاض لإحياء الدين. دعوة الإمام المهدي هي استنهاض لإحياء الدين، وهي الدعوة الوحيدة بين كل دعوات المهدية التي أجمع الذين كتبوا في الموضوع على أوليتها أي وضعوها في الخانة الأولى: سعد محمد حسن أحد العلماء تكلم عن المهدية في الإسلام ووضع دعوة الامام المهدي في المقدمة قال إنه خير من ادعى المهدي، وعبد الودود شلبي الذي قال إنها دعوة جسدت كل تطلعات أهل القبلة في ذلك الزمان، ومحمد أحمد إسماعيل، وعبد العظيم البستي، ومحمد عمارة، كل هؤلاء من العلماء ركزوا على تفردها وأفضليتها. لا توجد حركة أخرى مرتبطة بالمهدية في العالم الإسلامي، وخاصة في السودان نالت هذا القدر من التقدير والتأييد والامتياز، إذن نحن نتكلم من هذا المنطلق عن شيء نقنع به الآخرين وهو مقنع. فالإمام المهدي استطاع أن يقول كل المجهودات السابقة وما قام ما قام به الصالحون جزاهم الله خيرا وصلوا ووصلوا، ولكن ضروري أن نواصل على أساس جديد منطلق من الكتاب والسنة، فالدعوة بهذه الصورة قوية جداً وفيها تحرير من الدين الوضعي الذي وضعه أئمة كثيرين، وكذلك لم يعتبر الإمام المهدي دعوته محطة نهائية لأنه قال (لكل وقت ومقام حال ولكل زمان واوان رجال). هذا يعني أننا نحرك هذه المعاني لكيلا تكون مباني بل تصير مناهج لتكون قابلة للتطوير والفهم والانتشار. - الاسلام اليوم يتمدد بصورة كبيرة جداً وقد جمعت أفكار الذين يسلمون من إنجليز وأمريكان وفرنساويين ألمان وغيرهم، ووجدت أشياء يعتبرونها مركز قوة بسببها أسلموا وهذه مسالة مهمة فهم الذين تسيطر ذهنيتهم وعقليتهم على الدنيا. يجب أن نخاطب الدنيا بمستواها العقلي وليس بمستوى أدنى من ذلك. - وكذلك المسألة المتعلقة بأن لدينا أديان مختلفة وحضارات مختلفة كيف يكون التفاهم بينها، لقد وضعت لذلك منهجاً، ببساطة شديدة هناك خمسة أسس تلخص حقوق الإنسان كما أرادها الله: الكرامة، الحرية، العدالة، المساواة، والسلام، وهي كلها موضحة، وقد جئت بمصادر تأييدها في القرآن في كتابي الانسان بنيان الله، من هذا المنطلق هذا أفضل ما يمكن الاتفاق عليه، ولا داعي للحوار بل نقول لقيادة كل دين أن تتصالح مع هذه المباديء الخمسة فتكون لنا قاسم مشترك أعظم. لتكن للأديان والحضارات ما تشاء من معتقدات ولكن تجتمع على حقوق الإنسان. وهذا كله عن مناهج ومعاني وليس عن مبانٍ فالمباني جامدة والمعاني متمددة. هذه من ملامح هذه المدرسة، وأنا مسرور لأن هيئة شئون الأنصار أقامت هذه الدورة لتشرح وتفسر هذه المدرسة، وأرجوهم أن يجمعوا المحاضرات التي قدمت لنقراها وننشرها، لأن هذا يساعد ليس في نشر الأفكار فقط ولكن فهم الآخرين لها. كنت ولا زلت أفكر في أن نعمل معهد دراسات لهذه المفاهيم لتكون لديها تعاليم ودرجات علمية ومحاضرات، لنواجه بها تحدياتنا، لأننا كمسلمين نواجه أخطر مرحلة في حياتنا: - الصراع بين الاسلام والمسيحية - الصراع بين الاسلام والعلمانية - الصراع بين الاسلام والفكرويات الاخرى - الخلاف السني والشيعي والصوفي - الخلافات داخل الكيان الاسلامي هذه محتاجة لمدرسة لتتعامل معها لتكون ليست أساسا للتفكيك بل للتسبيك. هذا ما ينبغي ان نشغل به، صحيح للإنسان حاجات مادية مهمة ولكن الإنسان لا يعيش على الخبز وحده بل لديه عقل وروح تحتاج لمخاطبة. مدرستنا إن شاء الله تتصدى لذلك، ولدينا فرصة كبيرة لأن المنطقة كلها محتاجة لأفكار من هذا النوع، فهي في حالة عداء ومشتبكة بصورة محتاجة لما نطرحه. وهو منهاج يمكن أن يطبق ليس عن أمر واحد بل يرجى أن يفهم ليستخدمه كل إنسان بطريقته ما دام قبل المدرسة وأسسها. مسألة أخيرة مهمة جداً هي المنهاج السياسي. لأني اعتقد كثير من الناس يتكلمون عن نظريات وغيرها، لا شك أن افضل نظرة للعمل السياسي هي التي تقول هذا مبدأنا واضح وهذا واقعنا واضح، ونزاوج بينهما. لأن أي كلام عن مباديء خالية من معرفة الواقع ستكون معلقة في الهواء، وأي كلام عن الواقع بعيدة عن الاهتداء بالفكر والاعتقاد عمياء، يجب أن نحرر انفسنا من هاتين المسألتين، ليكون لدينا مصباح لننظر ونسير على ضوئه في الواقع، نستخدم المصباح لنمشي بطريقة فعالة على أرض الواقع. هذا منهاج نستخدمه في العمل السياسي، لدينا مباديء نعرفها ونشرحها وندعو لها، ولكن لدينا واقع لا بد أن ناخذه في الحسبان. هذه المسائل مهمة جداً لنا، ومهم لنا أن نخرج من البناءات الجامدة إلى المعاني المتحركة التي يمكن أن نفهمها ويفهمها غيرنا، وتفهمها الأجيال من بعدنا فالمسألة ليست منتهية عندنا، هذه الأجيال من بعدنا نعطيها هذه المصابيح لتمشي بها. لذلك أقدر للهيئة أنها اتخذت هذه الطريقة في شرح وتفسير ومناقشة هذه الأفكار وأشعر بذلك أنني استنسخت نفسي في غيري: أقسم جسمي في جسوم كثيرة. وهذا مهم جدا لأنه بهذه الطريقة يمكن أن نستنطق هذه المدرسة ونسير بها. والآن القضية الإسلامية صارت بالفعل متطلعة لمصباح وبوصلة، لأنه أمام الغزو الخارجي قامت دعوات كثيرة، منها مثلاً دعوة الشيخ حسن البنا التي قامت بدور مهم جداً ولكنها تكلست، بعد ذلك نشات منها تيارات، بعضها سار في اتجاه يساري كما حدث مثلاً في تركيا، وبعضها سار في اتجاه يميني سارت في اتجاهات سلفية، ونحن برأينا أقدر على أن نعمل عبر استنهاض العقائد والمفاهيم المهدية ، على أن نقدم بوصلة الوسطية الصالحة لأن تعطي كل هؤلاء وسيلة يتعاملون بها في كل المجالات كمجال الصراع بين الإسلام والعلمانية، وبين السنة والشيعة، فاذا لم نقدم هذه البوصلة فإن الاستقطاب سيؤدي للاقتتال والصراع وللفشل. إنني سعيد جداً أنني وجدت أن الكيان ليس فقط استوعب المفاهيم بل صار ينتج كتب ومفاهيم ومؤلفات ودعاة، جزاهم الله خيراً وزادهم الله توفيقاً، وانا شاكر ومقدر لكل المعاني التي سمعتها وتابعتها من مؤازرة قوية لموقفنا فهذا كله هزم جحافل الظلام وهزم الظلم نفسه، واليوم لو تفكرنا نجد أن الامة كلها اتحدت حول تأييد هذا الموقف في داخل السودان وفي إقليمنا حول السودان وعالمياً، ومؤكد أن هذا أمر مهم: وإذا اراد الله نشـر فضيلة طويت أتــاح لــــــــــــها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جــاورت ما كان يعرف طيب عرف العود والسلام عليكم،
|
|
|
|
|
|