ديشاب: كجراي تعرّض للاغتيال مطلع الستينات وفداه جون الجنوبي
جابر: كتابات كجراي غير المطبوعة تفوق كتاباته المطبوعة
ديشاب: البجاوية وحدها آمنة وجميع اللغات في طريقها إلى التلاشي الوشيك
جعفر خضر الحسن
فإذا استيقظ صوت
في أقاصي الأرض يدعو الفقراء
أن يظلوا مثلما كانوا
غداة البيعة الخضراء في ظل السقيفة
ليقولوا للخليفة
أن كل الخطب الجوفاء
في منبره المحفوف بالجند
سخيفة
هذا مقطع من قصيدة للشاعر محمد عثمان محمد صالح كجراي ، والتي اختارها الباحث ميرغني ديشاب ليتلوها على جمهور منتدى شروق الثقافي في الفعالية التي نظمها المنتدى تحت عنوان (في حضرة الشاعر كجراي) السبت الماضي بقاعة عدن .
وقال الباحث ميرغني ديشاب أنّ المدرسة النظامية هي التي طوّرت اللغة العربية في السودان ، وتمكن الذين ليست العربية لغتهم الأم من الإمساك بها ومن ثم التعبير من خلالها . وأضاف ديشاب أنه في الوقت الذي شهدت فيه اللغة العربية انحدارا في البلدان العربية ، شهدت صعودا في السودان . ونوّه إلى أن الأدباء في السنغال وزامبيا ونيجريا يهجرون الانجليزية والفرنسية ويكتبون بلغتهم الأم وضرب مثلا بسوينكا الذي كتب بلغة اليوروبا ، بينما في السودان يحدث العكس حيث يهجر الأدباء لغاتهم الأم ويكتبون بالعربية ، وأن كجراي هو أحد هجروا الذين هجروا لغتهم الأم .
وشدد ديشاب على أن اللغات السودانية الأخرى ستتلاشى في زمن وشيك أمام توسع اللغة العربية ، وقال أن اللغة البجاوية هي الوحيدة الآمنة لأن مجموعات من متحدثيها لا زالت منعزلة ، وأشار إلى أن السكن في المدن يكون على حساب اللغة الأم ، وأن للشعراء والمغنين دور مهم في الحفاظ على لغتهم الأم .
ونبّه ديشاب إلى أن أول من فطن إلى صوت كجراي الشعري هو الناقد العربي إحسان عباس ليتم طبع ديوانه الأول (الصمت والرماد) في لبنان . وأن لكجراي زوايا كتابية أخرى ، مشروعات أبحاث ، وقصص قصيرة ، ومجموعة قصص قصيرة للأطفال ، وشعر للأطفال ، وله دراسات نقدية لم تنشر إلا في إطار ضيق ، كما ترجم رباعيات الخيام .
وأكّد ديشاب أن كجراي هو صاحب فكرة جمعية أولوس الأدبية بكسلا وأحد مؤسسيها ، وأنه كان معلما متميزا ، ومديرا جادا للإعلام التربوي .
وكشف ديشاب عن قصة مأساوية حدثت لكجراي في بداية الستينات بعد أن أظهر توجهاته اليسارية والاشتراكية حيث تعرّض للاغتيال ب"هيا" بخنجر أحد أفراد قبيلته ولكن جون الجنوبي فدى كجراي حين تصدى للمهاجم فتلقى طعنة الخنجر بدلا عنه ، ولكن كجراي لا يتحدث عن هذه الحادثة المأساوية ولم تظهر في شعره .
وقال ديشاب أن كجراي لم يكن مرغوبا من الحكومات لأنه لا يساير تيار السلطة ، وقد تعرض للنقل التعسفي ..
آه يا غربة الروح هذا الظلام يصادر أغنيتي
حين يسقطها من ثقوب الغرابيل
يدفع بي وبها في اتجاه الجدار
ها أنا رغم كل المسافات
يمتد في ظلمة الليل صوتي
قد تعوّدت في زمن الزيف
أن يصبح السجن بيتي
لن يزلزلني الذل في زمن الانكسار
وأضاف الناقد الأستاذ جابر حسين مؤلف كتاب (كجراي : عاشق الحرية والقول الفصيح) ـ في ذات فعالية شروق ـ أن الثورة الارترية جزء من تكوين كجراي إذ لا يوجد فاصل بين الانتماء السوداني والارتري ، وأضاف أن مرحلة أسمرا التي ذهب إليها بحثا عن الحرية تختلف شعريا عن مرحلة السودان فقد كان يحس بالقهر في السودان .
لي جذور هنا .. لي جذور هناك
في ائتلاف السنا .. واقفٌ كي أراك
فافتحي البابَ لون الزمان تغيّر
وازدهر العشق في ليلة قمريّة
هذه شرفتي .. هذه غرفتي
هأنا أتساءلُ يا أسمرا
بنت من هذه الغادة الغجرية ؟
وزاد جابر أن كجراي عندما كتب قصائد ديوان (الصمت والرماد) كانت حركات التحرر الوطني تلقي بظلالها ، وكان صوت الرومانسيات يخفت ، والواقعية الاشتراكية ، التي انتمى إليها كجراي ، تصعد ، ولم يتخلّ كجراي عن قضية الحرية أبدا .
وأكّد جابر أن كتابات كجراي غير المطبوعة تفوق كتاباته المطبوعة وأن مجلة العربي والدوحة نشرت له بجانب الملفات الثقافية بالصحف السودانية . وأن كجراي تميز على شعراء عصره ، بشعره ذي اللغة العالية الذي يجافي الغموض . وقال أن قصائده عن محمود محمد طه ، وعلي عبد اللطيف ، ومحمد المهدي المجذوب ـ مراثي لكنها ليست كالمراثي .
وتم في الفعالية الترويج لديوان الشاعر (أنفاس البنفسج) الذي صدر حديثا لينضاف إلى دوواينه الأخرى : الصمت والرماد ، والليل عبرغابة النيون ، وفي مرايا الحقول .
وقد أشار الأستاذ رمزي يحي المحامي إلى مفارقة مضمونها أن كجراي الذي ابتعد عن الدكتاتوريات الثلاث التي عاصرها وناقضها ، ها هو ديوانه "أنفاس البنفسج" يصدر الآن ويتصدره شكر لأحد رموز الدكتاتورية الماثلة! .
وأكّد رئيس منتدى شروق بالإنابة حسن علي سر الختم على اهتمام منتدى شروق بالشعر والشعراء ونبّه إلى أن المنتدى سيفرد فعالية منفصلة لمسألة اللغة التي أثارت جدلا بين الحضور . جدير بالذكر أن هذه هي الفعالية الثانية التي ينظمها منتدى شروق عن كجراي فقد نظّم من قبل فعالية تحت عنوان (كجراي حضور رغم الرحيل) التي تحدث فيها المرحوم الأستاذ بابكر محمود النور ، وهو جهد المقصرين تجاه هذا الشاعر الكبير الرائد ، الذي ولد بمدينة القضارف في العام 1928 .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة