مع الخبير د. عوض عبد الفتاح حول تطورات الاتفاق النفطي مع دولة الجنوب: - بهذه الحلول (...) سنتجاوز أزمة النفط بين الخرطوم وجوبا - جوبا لن توقف ضخ النفط ولا يمكنها التلويح بورقة بناء خط بديل الآن - نفط الجنوب يباع الآن بأقل من رسوم العبور - فتح اتفاق النفط الحالي خط أحمر ينبغي ألا نتجاوزه أبداً لمصلحة الشعب - العائد الآن غير مجزٍ للسودان ولا الجنوب وكلتا الدولتين تعرضتا لخسائر كبيرة - لو نجح باقان والمفاوضون الأمريكان في فرض مقترح الأربعين سنتاً كرسوم للعبور هل كانوا سيزدونها مع زيادة أسعار النفط؟! - لا خيار أمام الجنوبيين غير الاتفاق معنا في إطار أخوي وتصالحي حوار : فتح الرحمن شبارقة عادت قضية الاتفاق النفطي بين السودان وجنوب السودان لتتصدر المشهد في البلدين من جديد، وتلوح في الأفق هذه الأيام بوادر أزمة نفطية بين الخرطوم وجوبا منذ مطالبة وزير خارجية الجنوب برنابا بنجامين بتخفيض رسوم عبور النفط بحجة أنهم أصبحوا يبيعونه بـ(الخسارة) في ظل تفوق رسوم العبور للبرميل على سعره العالمي، وتأكيد وزير المالية بدر الدين محمود تمسك الحكومة بعدم تعديل اتفاق رسوم عبور النفط ، وصولاً إلى تهديد جوبا أمس الأول بإيقاف الانتاج والتصدير عبر السودان ما لم يّعدّل الاتفاق وهو الأمر الذي يجعل المشهد برمته مفتوحاً على كثير من السيناريوهات المغلقة التي تتناقلها مجالس المهتمين، ويتأثر بها عامة المواطنين في البلدين. وعلى خلفية كل ذلك، كان لابد من السعي للحصول على قراءة خبيرة ومتبصرة لمآلات الوضع القابل للإشتعال فيما يبدو. وفي هذه النوع من القضايا المتخصصة دائماً تتجه الإيدي للإشارة إلى الخبير النفطي الباشمهندس عوض عبد الفتاح، الأمين العام السابق لوزارة النفط والمفاوض الحكومي الذي توصل مع باقان أموم لذلك الإتفاق النفطي الذي يمضي الآن نحو نهايته مع الجنوب، وذلك لجهة أن عوض يُعد من أكفأ التكنوقراط والخبراء في هذا المجال لجهة اتكائه على سيرة ذاتية متميزة بالخبرات والتجارب العملية من كبريات الجامعات والشركات النفطية في الولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا والخليج، وهو الأمر الذي يُكسِب قيمة مضافة ومضاعفة لافاداته التالية: *إلى أي مدى برأيك يمكن أن تنفذ جوبا تهديدها بوقف تصدير النفط عبر السودان بحجة أنها ستخسر في ظل الانخفاض العالمي في الاسعار؟ - أعتقد أن جوبا في الغالب لن تنفذ هذا التهديد، لأنها لن تجني أي شىء من قرار الإيقاف. واتفاقية النفط مصاغة بطريقة حتى لو توقف انتاج النفط مؤقتاً فلابد أن يعود فيما بعد، ولابد أن تعود الحقوق المترتبة على هذه الإتفاقية للسودان. وفي رأيي أن حكومة جنوب السودان لن تُقدِم على ايقاف انتاج وتصدير النفط لأن هذا ليس حلاً لأنه سيعقد موقفها الاقتصادي بصورة كبيرة جداً، فهي مهما أغلقته ستضطر لفتحه مرة أخرى وسداد كل الديون التي عليها، وبالتالي إذا كانوا يفكرون تفكيراً منطقياً وفيه فنيات اقتصادية، فلن يُقدموا على هذه الخطوة لأنه لايوجد أي طريق بديل لتصدير نفط دولة الجنوب إلا عبر السودان. *هل صحيح أن جوبا تبيع نفطها بالخسارة الآن؟ - لابد أن تكون هناك خسائر فهي تبيع نفطها الآن في حدود 19 دولارا ورسوم العبور فقط (24) دولارا، لكن الذي ينتج النفط يمكن أن يتحمل خسائر لفترات طويلة لأنه يفترض أن يكون متحسباً لهذه الأشياء.. *إذاً جوبا لن تكسب شيئاً أيضاً في حال صدرت نفطها في ظل هذه الأسعار المنخفضة عالمياً، فهي ليس لديها الآن ما تخسره فيما يبدو؟ - صحيح، ونحن الآن أمام مشكلة فإتفاقية النفط هي بروتوكول موثق ومتفق عليه ويحمل حلولا لكل المشاكل. والآن أسعار النفط وصلت لمرحلة أصبح فيها نفط جنوب السودان يباع بأقل من رسوم العبور. ولكن حل هذه المشكلة ليس في فتح أو مراجعة اتفاقية النفط أو تعديلها، ويمكن أن تكون هناك حلول كثيرة جداً.. *حلول مثل ماذا؟ - من هذه الحلول، أولاً: إن اتفاق النفط بين السودان وجنوب السودان يجب أن لا يختصر فقط في رسوم العبور ، والمناطق المنتجة في جنوب السودان قبل الانفصال كانت تنتج (400) ألف برميل تقريباً، والآن تنتج حوالي (160) ألف برميل وهناك الكثير من فاقد الانتاج ولابد من إعادة الاتفاق في هذه النقطة، وممكن أن تتولى حكومة السودان العمليات في جنوب السودان وتنتقل العمليات للجنوبيين تدريجياً أو يشاركوا بنسبة أقل في إدارة هذا العمليات وحتى في تأمين الحقول وما إلى ذلك حتى يعود الإنتاج إلى ما كان عليه. ثانياً: من المعرف أن أسعار النفط متذبذبة، والآن هي منخفضة ولكن يمكن أن ترتفع بعد قليل، ونحن في فترة الانخفاض هذه لابد من إيجاد بعض المعالجات.. *معالجات مثل ماذا على وجه التحديد؟ - بالرغم من أننا من الناحية النظرية غير مكلفين بإيجاد حلول لمشاكل جنوب السودان أو مراجعة اتفاق النفط عندما تهبط الأسعار لأنه معروف في صناعة النفط أن الدولة المنتجة أو المصدرة تعمل ألف حساب لتذبذب الأسعار كأن تجنب جزءا من المال عندما تكون الأسعارعالية ويسمى مال التركيز الذي يتم اللجوء إليه عندما تنخفض الأسعار على النحو الذي يحدث الآن، والسبب المهم الثاني أن هذه الاتفاقية لم يتبقْ لها الكثير وقبل نهاية السنة مفروض أنها ستراجع وتجدد. وتعديل الاتفاقية في هذا الوقت غير مناسب بالنسبة لنا لأن أي تعديل سيضعف موقفنا جداً. وأنا أعتقد ان إثارة الجنوبيين لهذه المشكلة بصورة قوية الآن لمعرفتهم بأن هناك اتفاقية قادمة ويمكن على ضوء هذه التهديدات الكبيرة المثارة يمكن أن يكون هناك وضع تفاوضي أقوى قليلاً للجنوبيين. والجنوبيون لا خيار لديهم غير أن يتفقوا معنا في إطار أخوي وتصالحي غير قانوني.. * ماذا تقصد بإتفاق أخوي تصالحي وغير قانوني على وجه الدقة؟ - الآن ونحن نتحدث جنوب السودان مدين للسودان بأموال طائلة بموجب الاتفاقية الحالية، فبموجب الترتيبات الاقتصادية التي جاءت نتيجة للترتيبات السياسية للإتفاقية، يفترض أن نكون قد أخذنا حوالي ثلاثة مليارات دولار بنهاية الاتفاقية، وفيما تبقى للإتفاقية شهور نحن لم نحصل حتى الآن غير على نحو (50%) من هذه الأموال المستحقة بموجب الاتفاقية وهي لا تسقط وستكون ديوناً على حكومة جنوب السودان إلى أن (ربنا يسهل وتدفع). وبرأيي أننا يمكن أن نستمر في خط الديون هذا ونتساهل في تحصيل أموالنا من الاتفاقية إلى أجل ما حتى نتيح لهم فرصة لأننا نعرف ظروفهم جيداً فاقتصاد جنوب السودان بالنسبة لنا ورقة مكشوفة وليس فيه أسرار فهو مهدد بالإنهيار، ونحن نعرف أنهم محتاجون ولذلك يمكن أن نقتسم عائد النفط مؤقتاً لكن الحسابات الموجودة في الأوراق والبنوك تكون معروفة وحقوقنا تكون ثابتة ولابد أن يدفعوها لنا في يوم من الأيام... *وما الذي يضمن أن تدفع جوبا ما عليها من ديون مستحقة للخرطوم؟ - نحن عندنا صمام أمان ونستطيع في وقت من الأوقات أن نتحصل حسب رغبتنا على كل الديون من حكومة جنوب السودان. وحتى لو اضطروا لوقف تصدير النفط موقتاً فإنهم إذا أرادوا في أي يوم من الأيام أن يستفيدوا من هذا النفط فلابد من أن يمر عبر الأراضي السودانية، وبالتالي فإن ديوننا على حكومة الجنوب مضمونة لأن الورقة القوية لدى الحكومة السودانية هي أنه مهما يكن من أمر فإن نفط دولة جنوب السودان لابد أن يمر بالسودان. وحكومة الجنوب في المفاوضات الأولى كانت تستخدم ورقة ضغط وهي أنها يمكن أن تبني خطاً ناقلاً بديلاً، والآن هذه الورقة غير موجودة إطلاقاً ولا يمكن أن تلوح بها أو تكون مثار نقاش فقد مرت ثلاث سنوات وهم لم يبنوا خطاً والاحتياطي قلّ وأسعار النفط انخفضت و... *وماذا عن الحلول لهذه الأزمة يا دكتور؟ - أنا الآن أتحدث كخبير ولكن لو كنت المسؤول كان يمكن أن أقترح اقتسام العائد أياً كان حجمه، فإذا تم تصدير ثلاث أو أربعة بواخر هم يأخذون باخرة ونحن نأخذ باخرتين أو ثلاث مثلاً.. *ألا ترى ان القسمة المنصفة هي أن يأخذ الجنوبيون عائدات باخرتين أو ثلاث ونأخذ نحن باخرة واحدة فالنفط ينتج عندهم وليس عندنا؟ - لا تنسى أنهم استفادوا كثيراً عندما كانت أسعار البترول عالية ونحن الآن يفترض أن نأخذه كله، وبموجب الوضع الحالي مفروض يأتوا لنا بكل قروش البترول بل يستكملوا لنا من خزينتهم، ولا تنسى أيضاً أننا عرضنا عليهم على أيام المفاوضات أن نأخذ نسبة (32%) فرفضوا ذلك لأن سعر برميل البترول وقتها كان أعلى من (120) دولارا ولذلك لم يوافقوا عليها واتفقنا على (24-26) دولاراً للبرميل. والآن بالقانون والحسابات مفروض يأتينا كل انتاج الجنوب من النفط و(يدونا معاهو زيادة قروش كمان). لكن لأننا نعرف ما يحدث في جنوب السودان وهم إخواننا في النهاية نتحدث الآن من زواية فيها جانب إنساني. ولو كنت مسؤولاً كنت سأقترح أيضاً أن ندخل في مفاوضات مباشرة للاتفاقية الجديدة التي يجب أن تتم قبل نهاية هذا العام، أي نتفق الآن ولفترة طويلة مثل (10) سنوات أو كذا والمعروف أن هذا النوع من الاتفاقيات يستغرق وقتاً طويلاً. *وما الذي يمكن الاتفاق عليه برأيك في أية مفاوضات يمكن أن تتم في ظل الظروف الحالية أم ربما عدتم للاتفاق على نِسب مثلما طُرِح في المفاوضات السابقة؟ - مثلما قلت لك إن أسعار النفط متذبذبة وهي تعلو وتهبط ويمكن أن نتفق على حزم ويكون هناك مبلغ محدد لكل كمية من الانتاج، مثلاً إذا كان سعر النفط أكثر من (100) دولار للبرميل يكون نصيب السودان من عبور نفط الجنوب كذا ، وإذا كان أقل أو أكثر من ذلك يتفق على أن يأخذ أيضاً نصيب محدد، أو تكون هناك نسبة من الكل وهناك طرق كثيرة جداً يمكن أن نتجنب بها الوضع الحالي. والنفط ليس فقط ترحيل فهناك الكثير من الخدمات، ونحن لسوء العلاقة بيننا والجنوب على أيام التفاوض لم نستطع أن نحقق أي شىء في هذا الاتجاه كأن ندخل مرة ثانية في إدارة الحقول وتقديم الخدمات في الجنوب أو حتى المساعدة في تأمين الحقول لحساسية الوضع بعد الانفصال، لكن الآن الوضع مهيأ لنرجع للتفاوض مع الجنوبيين بصورة أوسع وليس فقط حول رسوم العبور وإنما لتقديم الخدمات لحقول النفط في الجنوب وإعادة تأهيلها بالخبرات السودانية المتوافرة وهذا يمكن أن يأتي بعائد كبير جداً. *ما مدى توثيق وحجية هذا الاتفاق النفطي الموقع مع الجنوب ؟ أي ما الذي يحمل جوبا للإلتزام به ويجعلها لا تقدم على تنفيذ تهديدها بوقف ضخ النفط؟ - هذا بروتوكول عالمي ومودع في الاتحاد الأفريقي والإيقاد، وفرق البروتوكول من الاتفاق العادي أنه اتفاق بين دولتين معترف به عالمياً، يعني لا يمكن أن ينسحبوا منه أبداً. وهناك بنود في الاتفاق تتحدث عن أن جوبا يمكن أن توقف انتاج النفط إذا كان الانتاج غير اقتصادي، لكن الإنتاج الآن اقتصادي، وغير الاقتصادي الآن بالنسبة لهم هو دفع الرسوم المتفق عليها. وحتى لو أوقفوه فمتى ما أصبح اقتصادياً ورجع مرة أخرى فإن كل المستحقات ستدفع لحكومة السودان. وقوة هذا الاتفاق أنه مهما طال الزمن في وضع استثنائي مؤقت، لابد لجوبا أن ترجع وتدفع كافة ما عليها من مستحقات. * ولكن يظل انخفاض اسعار النفط لهذه الدرجة غير المسبوقة ربما حدثاً استثنائياً فوق قدرة جوبا على الاحتمال؟ - طبعاً ارتفاع وانخفاض أسعار النفط وتذبذبها شىء عادي وأنا أثناء فترة عملي لنحو (37) عاماً في مجال النفط حدثت هذه المسألة نحو ست مرات، وانخفضت الأسعار لـ (8-9) دولارات ثم تعاود الإرتفاع مرة أخرى، فهو وضع مؤقت والشركات تصبر عليه مهما كان، وإذا كانوا هم فعلاً سيتوقفون فنحن سنعرف وبالتالي ستكون هناك حلول مؤقتة أيضاً ، لكن فتح اتفاق النفط بالنسبة لي خط أحمر ينبغي ألا نتجاوزه أبداً، ويمكن أن نتفاوض على أشياء أخرى مثل تأجيل دفع الرسوم وكيفية أن تتشارك الدولتين في العائد الحالي بصيغة محددة، والآن إدارة الحقول بالجنوب في أسوأ حالاتها، فهي كانت تنتج حوالي (400) ألف برميل والآن تنتج (150-160) ألف برميل وتمضي في انخفاض مستمر. *بعد الحرب الأهلية من أي المناطق في الجنوب يأتي النفط الآن ؟ وهل صحيح أن القيمة السوقية للنفط الذي يأتي منخفضة ؟ - يأتي من الحقول الشرقية مناطق فلج وشركات بترودار سابقاً، وحقول الوحدة والمنطقة الغربية كلها متوقفة الآن لأن الحرب تسببت في مشاكل كبيرة هناك، ونحن في الاتفاقية كنا نفترض أن يأتينا أكثر من (300) ألف برميل بينما الذي يأتي الآن في حدود الـ (150) ألف. وبترول بترودار الذي يأتينا الآن قيمته منخفضة ، فإذا كان السعر حوالي (25- 29) دولارا للبرميل في السوق العالمي، فإنه يباع في حدود (19-20- 21) دولارا للبرميل. *طيب ماذا إذا ارتفعت الأسعار مرة أخرى؟ - طبعاً الاتفاقية الحالية هذه لن يتم تغييرها، لكن أي اتفاق جديد لابد أن يأخذ في الاعتبار مسألة تذبذب الأسعار، والشىء المهم هو أن نبدأ معهم مفاوضات مباشرة ليس للوضع الحالي ولكن للمستقبلي. ثم هل كان باقان والمفاوضون الأمريكان معه لو نجحوا في فرض الأربعين سنتاً كرسوم للعبور هل كانوا سيزدونها مع زيادة أسعار النفط؟، لا أعتقد ذلك، فما نقترحه الآن أساسه مصالحنا كشعب وحكومة. *لكن السيد وزير المالية قال إنهم لن يتفاوضوا بشأن اتفاقية النفط مرة أخرى؟ - وزير المالية قال لن نفتح الاتفاقية، وأنا في نفس خط وزير المالية ومع ألا نفتح الاتفاقية وننقص الأسعار، لكن يمكن أن يكون هناك تأجيل للدفع لجزء من رسوم العبور لحين ارتفاع الأسعار والأمر في النهاية متروك للمسؤولين وهذه مجرد مقترحات. *أليس من مصلحة السودان مراجعة هذا الاتفاقية كما طالب برنابا بنجامين وزير خارجية الجنوب حتى نتفادى ايقاف التصدير؟ - لا، طلب جوبا مفروض يقدم بصورة مختلفة.. *كيف؟ - مفروض تقول لحكومة السودان أنتم تعرفون الظروف التي نمر بها والانخفاض الكبير في أسعار النفط والخسائر التي نتعرض لها ولذلك نطالبكم بتأجيل الدفع في جزء من ديونكم علينا إلى أن ترتفع الأسعار مرة أخرى، أو دعونا ندخل في مفاوضات شاملة لتجديد الاتفاقية، وهذان أمران يمكن لحكومة السودان أن تنظر فيهما لأن المسألة في هذه الحالة فيها اعتبارات أخوية ومختلفة من أن تقول: (أفتحوا لي الاتفاقية هسا وغيروا لي السعر). وأعتقد أننا عندنا مسؤولية تاريخية في أن ندير مع الجنوبيين صناعة النفط في الجنوب، يعني لو كان الإنتاج الآن (400) ألف برميل ما كانت هذه المشكلة ستكون موجودة وكانت ستكون أخف وطأة لأن العائد سيكون مجزياً، أما الآن فالعائد غير مجزٍ للسودان ولا لجنوب السودان وكلتا الدولتين تعرضتا لخسائر كبيرة. * ألا ترى أنه رغم الانتصار الذي حققه الجانب السوداني في مفاوضات النفط السابقة، إلا أنه اتضح أنها كانت انتصارات ضعيفة بالنظر للعائد القليل الذي يأتي منها الآن؟ - مدة الاتفاقية الكاملة هي ثلاث سنوات ونصف السنة، ونحن في نحو ثلاث سنوات كسبنا من هذه الاتفاقية دخلاً كبيراً للأمانة، ولو كان التحصيل مكتملاً لكنا جنينا أكثر لأن جزءاً كبيراً من المردود والعائد من هذه الاتفاقية نحن أخذناه في البداية. فالاتفاقية حققت جزءاً كبيراً من أهدافها والآن نحن في الرمق الاخير منها حصل انخفاض النفط، وهذه المسألة يمكن أن تساعدنا في أن تكون الاتفاقية الجديدة مجزية بالنسبة لنا أكثر في المستقبل. ونحن نتوقع أن ترتفع أسعار النفط وأي اتفاق يمكن أن نعمله في ظل هذه الأسعار المنخفضة يمكن أن يكون مجزياً جداً خلال سنة مثلاً بعد أن ترتفع الأسعار، ومن فوائد هذا الاتفاق أننا سندخل المفاوضات المقبلة ونحن في وضع تفاوضي أفضل. *لكن بعض المحللين والخبراء يتوقعون أن تواصل أسعار النفط في الانخفاض لنحو عام على الأقل خاصة بعد دخول إيران المتوقع في السوق العالمي؟ -هذه مسألة معقدة ولا أظن أن هناك خبيراً يمكن أن يجزم بما سيحدث تحديداً. لكن يمكننا القول بأن المملكة العربية السعودية صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم هي الدولة الوحيدة التي تتحكم في أسعار النفط انخفاضاً وارتفاعاً، وهذه الأسعار الحالية لن تستمر، صحيح أنها يمكن أن تواصل الانخفاض قليلاً ولكن هذا الانخفاض لن يستمر طويلاً لأنه بموجب هذه الأسعار ستخرج حقول كثيرة من دائرة الإنتاج وسيكون هنالك خروج لجزء كبير من البترول الروسي، وسيخرج معظم البترول الأمريكي عن دائرة الإنتاج ولن يستطيع تحمل هذه الخسائر لفترات طويلة لان معدل انتاج البترول الصخري في أمريكا فوق السبعين والثمانين دولارا ومن غير المجدي اقتصادياً أن يتم بيعه الآن في الأسواق العالمية بـ (24-25) دولارا والإنتاج الأمريكي- الكندي أكثر من (6) ملايين برميل في اليوم. ومسألة إعادة الأسعار إلى طبيعتها لابد أن تحصل لأن هناك لاعبين كبار يعملون على إعادة الأسعار إلى طبيعتها، والسعودية الآن تنتج بقوتها الكاملة، ولو دخلت إيران يمكن للسعودية أن تزيد الإنتاج أكثر، وإيران يمكن أن يكون لها تأثير ولكنها لن تستطيع انتاج كميات كبيرة في زمن وجيز وبأسعار متدنية، فأثرها سيكون محدوداً والسعودية ودول الخليج هي الأكثر تأثيراً.. *إذا كان الاقتصاد يتأثر بمسألة العرض والطلب فإن دخول إيران سيزيد العرض وبالتالي ينخفض السعر مهما تم التقليل من تأثيرها؟ - نعم يمكن لإيران أن تزيد العرض، لكن في المقابل هناك حقول كثيرة جداً ستخرج من دائرة الإنتاج بسبب تدني أسعار النفط، وأنت عندما تخرج من دائرة الإنتاج لن تستطيع أن تدخل مرة أخرى بسهولة لأن هناك تكلفة عالية جداً للدخول في الإنتاج مرة أخرى. * برأيك ماهي قوة الأوراق التي يمسكها المفاوض السوداني في مفاوضات النفط المرتقبة مقارنة بأوراق المفاوض من جنوب السودان؟ - مؤكد الأوراق الآن في يد المفاوض السوداني أقوى بكثير من تلك التي بيد المفاوض من دولة جنوب السودان، فالتفاوض هذه المرة سيكون في حِل من الضغوط الغربية التي كانت تمارس بكثافة في المفاوضات السابقة على الجانب السوداني، وبالتالي فإن المفاوضات حول ملف النفط المقبلة تمثل سانحة طيبة جداً للوصول لاتفاقات في كل ملف النفط وتسويات في القضايا الخلافية المعلقة الأخرى من الحدود وتحديد الخط الصفري والتجارة وحركة الجيوش وكل الترتيبات الأمنية. والآن الوضع الاقتصادي في الجنوب قاتل إذا لم ينتجوا نفطاً وهناك ضغط اقتصادي هائل والعالم رفع يده قليلاً عن مساعدة جنوب السودان. *لكن هذه انتهازية فيما يبدو يا باشمهندس؟ - ليست انتهازية، في المفاوضات بين الدول مافي حاجة اسمها انتهازية، هناك تعاون ومصالح مشتركة، فنحن لا نريد أن نقتلهم، بالعكس نحن نريد أن نتعاون معهم ونكوّن معهم علاقة جوار حقيقي، وحتى هذه اللحظة حكومة جنوب السودان تتعامل مع السودان وكأننا في حالة حرب أو كأنها مازالت حركة تمرد، ونريد تغيير هذه الفكرة ونكون جيرانا مفيدين لبعضنا البعض، يعني نحن لو دخلنا لإدارة حقول النفط وتقديم الخدمات للنفط في الجنوب صدقني المصالح بيننا ستكون أكثر من رسوم العبور، وستكون رسوم العبور مسألة هامشية بالنسبة لها، ولو حلت مشاكل الحدود والحريات الأربع ، فلن يكون هناك فرق كبير فيما يخص النفط بين الوضع قبل الانفصال والوضع بعده وأول من يستفيد من هذا التعاون في صناعة النفط هو دولة جنوب السودان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة