مساء أمس كانت تضيق باحة فندق (ريجنسي) بأهالي الزيداب حين إتسعت لهم دعوة خيمة الصحفيين في ذات المكان وهي تعقد ليلة إستثناء من عنوانها (أمريكان في الزيداب) كان الإعلامي ومنتج الأفلام الوثائقية عباس أحمد الحاج يجلس قبالة ال’ستاذة لينا يعقوب مقدمة الليلة التي بدأ وكأنها ليلة نهر النيل فقد صارت المقاعد الأولي محجوزة لقيادات حكومتهم وللأهالي من شندي لا عطبرة وبينهما الزيداب بل أنه حتي الفنانين كانوا هم مصطفي مضوي العطبراوي وحسين شندي. في ست وعشرون دقيقة كانت الشاشة تعرض فيلم (النواة) الذي أنجزه المنتج عباس وفريقه مختاراً الزيداب مسرحاً له دون أن ينسي أن يذكر تفاصيل الحكاية التي بدات نهاية القرن قبل الماضي حين هبط الأمريكي (نيكولا) المغامر مع عدد من الأمريكان في منطقة الزيداب في أوان كانت البلاد تضع خطواتها الاولي في قيد الإستعمار الانجليزي كان نيكولا يبحث عن مكان يحقق فيه أحلامه الزراعية الرجل كان متخصصاً في الزراعة وصل إلي منصب عميد كلية أيوا الزراعية، تقول الحكاية إن الرجل هبط في مغامرته تلك أرض الزيداب التي أكد علي أنها مكان تحقيق الحلم قبل أن يعود إلي بلاده ويحمل معه مزيداً من المغامرين لتحقيق تلك الغاية، مؤكد أن تنفيذ المشروع الذي حددت له حوالي ستمائة فدان كان لا يمكن إنجازه دون اتفاق مع حكومة اللورد (ولسلي) الإنجليزية التي كانت تدير الشأن السوداني. ومن بعدها إنطلق العمل في مشروع الزيداب الزراعي. تمضي تفاصيل الحكاية التي رسمها عباس في فيلمه التسجيلي وهو يوثق لوصول الأمريكان للأراضي السودانية تتبع الكاميرا مشاهد الزراعة، الجداول التي تم شقها والترع ولا تنسي أن تتوقف عند مشاهد بعض طيور الزينة وتتوقف عند خرائب ما تبقي من قصر (نيكولا) الذي إنخرط في المجتمع السوداني وتزوج من سيدة إسمها النعمة وعاش علي طريقة ملاك الأراضي الأمريكين حين بدأ دخول مشروعه للانتاج نيكولا ترك أحفاد سودانيين من جد أمريكي وقد تحدثوا في الفيلم وقد غلبت عليهم لهجة أهالي (الزيداب) والمناطق تلك. يعتبر مشروع الزيداب الزراعي السوداني الأمريكي أول نواة لزراعة القطن في إفريقيا كما يقول المورخون، الذين يقولون انه دخل الإنتاج في العام 1904 وأنه في العام 1906 خرجت أول شحنة للقطن السوداني المستورد الي الخارج وكان ساعتها شحنة من القطن الخام، يشير الفيلم أيضاً إلي مجمل المخاطبات التي تمت بين حاكم السودان في الخرطوم والحاكم الإنجليزي العام في مصر والإشارات إلي إمكانيات تحقيق التحول الإقتصادي في المنطقة وتعظيم المكاسب البريطانية علي أساس ما يمتلكه السودان من موارد وهي إشارات أكدت علي النجاح منقطع النظير اتلذي حققته مغامرة الأمريكي والذي فتح الباب أمام الحكومة البريطانية للإنطلاق في ذات الدرب . كان النجاح في تجربة زراعة القطن في منطقة (الزيداب فتحاً جديد لتجريبه في مناطق أخري أو أن مشروع الزيداب الزراعي كان هو النواة التي قام عليها مشروع الجزيرة أحد أكبر المشاريع المروية في إفريقيا وأن معظم الأعمال تم إيكالها للعاملون في مشروع الزيداب وذلك عبر نقل التجربة والتقنية التي جلبها الأمريكان معهم في ذلك الوقت كما أنه بدأ العمل في خزان سنار قبل أن يتم إيقافه بعد إندلاع الحرب العالمية الأولي في العام 1914 قبل أن يتم إفتتاحه في العام 1925م وبعدها تم شق الترع التي روت قطن مشروع الجزيرة بعد أن وضعت نواة ذلك هناك في (الزيداب). في تقليب أوراق الزمان البعيد حيث فعل المنتج عباس وهو يرسم تفاصيل فيلم (النواة) الذي يتحدث عن الوجود الأمريكي في السودان ذلك الوجود الذي يتجاوز لأكثر من قرن وهو ما يؤكد علي قيمة أن السودانيين يمتلكون القدرة علي قبول الآخر من غابر الزمان وأنهم يفتحون صدورهم لإستقبال القادمين إليهم حتي وإن كان من الأراضي (المتجمدة) وحدها نيران الشمس اللاهبة تجعل لوز القطن يتفتح. في حقول (الزيداب) في نهاية الفيلم كانت الكاميرا تمضي في إتجاه عكس صور متبقي (الخراب) من المشروع الذي تجاوز القرن من الزمان المفارقة أن المزارع التي كانت تقوم بزراعة القطن تحولت الآن إلي مزارع لإنتاج (البستانية) حالياً بعد أن صار المشروع نسياً منسيا، رغم أن السفير الامريكي في زياراته للولاية ومشاهدته للفيلم قال إنه سيعيد تأهيل المشروع وسيفك الحظر عن المنتجات الزراعية القادمة للسودان. الأمريكان الذين وصلوا إلي السودان في تلك الاعوام كان عددهم يتجاوز المايتين أمريكي نجح مستر هيلد في أن يقنعهم بجدوي مغامرته في السودان حالياً فقط الذي تبقي من الامريكان في الزيداب أسرة (نيكولا)، ما زال أهل الزيداب يعتزون بأنهم من وضع البذرة الأولي في حقل زراعة القطن في السودان .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة