|
الهجرة الى الجنوب الأقصى .... مستقبل علاقة مصر وجنوب السودان
|
الهجرة الى الجنوب الأقصى .... مستقبل علاقة مصر وجنوب السودان تقرير / منى البشير تمهيد:- بعد ثورة 30 يونيو الانقلابية المصرية والتى اطاحات بالرئيس المنتخب محمد مرسى وجماعة الاخوان المسلمين بدأ واضحا ان الحكومة المصرية الجديدة عازمة على ضبط تحركاتها الخارجية على ساعة المصالح المصرية العليا هذا طبعا الى جانب تحركاتها الداخلية لفرض الامن وهيبة الدولة ، ولذلك جاءت اول زيارة لوزير الخارجية المصرى نبيل فهمى الى السودان وجنوب السودان ، وقد اختلفت اجندة الزيارتين للبلدين كما اسلفنا ، فزيارة السودان كانت لمعرفة موقف الحكومة السودانية من ثورة 30 يونيو ، اما زيارة جنوب السودان فكانت البداية الحقيقية لمستقبل واعد من العلاقات ومصالح استراتيجية تحرك مصر جنوبا ابرزها ملف مياه النيل ، ذلك ان مصر تطمئن لموقف السودان من الملف ، ولكن يساورها القلق من جنوب السودان التى اعلنت فى وقت سابق نيتها التوقيع علي اتفاقية عنتبى ولكنها تراجعت فى اللحظات الاخيرة فى اجتماع وزراء المياه الافارقة فى جوبا فى 20 يونيو الماضى من العام الجارى 2013 . المصالح المصرية العليا تحتم تقديم اقصى ماتستطيعه مصر لجنوب السودان لاثناءه عن توقيع عنتبى ، بل والذهاب الى ابعد من ذلك ربما وهو اقناع اثيوبيا بالعدول عن سد بناء النهضة ، واقناع الدول الموقعة على عنتبى باعادة النظر فى الامر اجمالاً. وفى اول زيارة لوزير الخارجية المصرى نبيل فهمى الى جنوب السودان قال : انه حرص على أن تشمل أولى جولاته الخارجية دولة جنوب السودان ، مؤكداً على الأهمية الاستراتيجية للعلاقات بين البلدين في مختلف المجالات . مراقبين سياسيين يرون ان علاقة مصر بجنوب السودان ليست تجاوزا للسودان الدولة الام باى حال باعتبار ان لمصر ايضا مصالحها مع السودان ولكن مصر السيسى تحتاج لوقت كبير حتى تطمئن لموقف الحكومة السودانية التى كانت تؤيد نظام مرسى ولذلك ستدخل توازنات جديدة فى هذه العلاقة ربما يكون طابعها الشد والجذب وربما المكايدات السياسية . مصر والسودان :- بعد ثورة 30يونيو الانقلابية دخلت علاقة مصر والسودان فى نفق شبه مظلم خاصة بعد مواقف واضحة ومعلنة لجهات شعبية منسوبة للحزب الحاكم ضد الثورة والسيسى ، وماتبع ذلك من مواقف يبين بجلاء ان مصر السيسى فى الوقت الراهن قد تتخوف من التعاون مع النظام الاسلامى فى السودان رغم تصريحات العلاقات العامة بأن (مصر والسودان حاجة واحدة ومايقدروش يستغنوا عن بعض ) لكن وقائع الحال تقول بغير ذلك ، وتحت تخوف مصر من توفيرالنظام الاسلامى فى السودان الغطاء السياسى لاسلاميى مصر سارعت الاخيرة وبحسب تقارير اعلامية فى الفترة الماضية بالتصديق للحركة الشعبية شمال بفتح مكتب لها فى القاهرة ممايعنى تلقائيا انها توفر الغطاء السياسى للحركة الشعبية شمال لممارسة انشطتها المناوئة للحزب الحاكم فى السودان ، وقد تكون هذه بداية مواجهة معلنة بين الحكومتين فى المستقبل القريب ، وقد أعلنت الحكومة السودانية رسمياً رفضها الخطوة المصرية بالسماح للحركة الشعبية –قطاع الشمال- المتمردة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، فتح مكتب بالقاهرة، واعتبرت أن تلك الخطوة من شأنها تهديد العلاقات السودانية المصرية . وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية السودانية؛ السفير أبوبكر الصديق فى تصريحات صحفية فى وقت سابق إن الخارجية السودانية تعتزم إجراء حوار مع الحكومة المصرية الجديدة في هذا الخصوص، لتوضيح مخاطر فتح مكتب للحركة الشعبية قطاع الشمال في القاهرة. وقال "كنا على اتصال بالحكومات المصرية السابقة حول هذا الموضوع، وسنواصل جهودنا لتكثيف الحوار بشأنه مع الحكومة المصرية الجديدة، لأننا على قناعة بأنها ترغب في إقامة علاقات جيدة مع السودان". لكن الحملة على اسلامييى السودان تقودها ايضا النخبة المصرية التى استهجنت موقف الحكومة من الثورة واعتبرت تاييدها لنظام مرسى المخلوع اضرارا بمصالح الشعب المصرى ، فقد كتبت الدكتورة المصرية اجلال رافت الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ــ جامعة القاهرة ان زيارة فهمى للخرطوم الشهر المنصرم لم تحقق المرجو منها ولم يصدر بيان رسمى بنتائج الزيارة ، وقد رصدت الكاتبة مواقف الحكومة السودانية المتناقضة من زيارة فهمى واستقباله فى الخرطوم بعد ما اسموه بوزير الانقلابيين وقالت : ولكن الحكومة السودانية استطاعت أن تحسم الأمر لصالح الزيارة. ولعل الرغبة فى إرضاء الممانعين لاستقبال وزير الخارجية المصرى، دفعت بالمسئولين السودانيين ــ فى مخالفة لافتة للبروتوكول الدبلوماسى ــ إلى استبدال على كرتى وزير الخارجية بعبدالمحمود عبدالحليم، مدير إدارة العلاقات الثنائية بالخارجية السودانية. الاستاذ هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قال في مداخلة هاتفية مع الإعلامي محمود الورواري، ببرنامج "الحدث المصري" عبر شاشة "العربية الحدث"، أن مصر في حاجة لوقفة مع النفس وإعادة النظر في علاقاتها مع دول القارة عامة وحوض النيل خاصة لاستعادة دورها الرائد كاملاً. وشدد رسلان، على أنه لا يجب أن نشعر بالقلق كثيرًا بشأن تعليق عضوية مصر، بل نهتم ونؤسس للمرحلة القادمة . ماتقدم عاليه جعل مصر السيسى وحفاظا على مصالحها فى حوض النيل تتجه الى اقصى الجنوب خاصة بعد الموقف الواضح لجنوب السودان من ثورة 30 يونيو حيث أكد أنطونى لويس، سفير جنوب السودان فى القاهرة، دعم جنوب السودان للتطورات الجارية فى مصر منذ ثورة 30 يونيو ولعودة مصر العاجلة إلى استئناف نشاطها فى الاتحاد الأفريقى . واكد وزير الخارجية المصرى نبيل فهمى خلال لقاءه لويس فى القاهرة الاسبوع المنصرم التزام مصر بمواصلة الدعم المقدم إلى جنوب السودان فى العديد من المجالات وعلى رأسها المجالين الصحى والتعليمى، بما فى ذلك زيادة المنح الدراسية لجنوب السودان فى الجامعات المصرية، كما أشار فهمى إلى اهتمام مصر بمواصلة إسهام القطاع الخاص المصرى فى تحقيق التنمية فى جنوب السودان. مصر وجنوب السودان :- الحكومات المصرية منذ حسنى مبارك لم تكن تهتم كثيرا لجنوب السودان قبل الانفصال ، ولكن عندما بدأ جنوب السودان يخطو نحو الانفصال بخطى حثيثة بعد اتفاقية نيفاشا 2005 استشعرت مصر خطورة الموقف وبدأت تتحسس قلبها النابض ملف مياه النيل الذى سيضم الى حوضه دولة جديدة بكامل سيادتها هى جنوب السودان ، ولذلك لم يرى الرئيس مبارك وقتذاك بداً من زيارة جوبا لأول مرة فى نوفمبر 2008 وقد مثلت الزيارة حدثا بارزا واعتبرته الاوساط المصرية دعما مصريا لجنوب السودان ولم ينسى مبارك ان يلوح لجنوب السودان بمشروعات تنموية املاً منه فى ان يغض جنوب السودان الطرف عن الانفصال ، وعندما تعذر ذلك لم يكن امام القيادة المصرية الا ان تؤكد فى 26 أكتوبر 2009 التزامها بما يقرره غالبية الشعب السوداني في الجنوب ، ولكنها بدأت تلوح بتخويف جنوب السودان من سلبية النتائج التى تترتب على قيام دولة لا تملك البنية الأساسية والمؤسسات الضرورية لقيام دولة مستقلة قابلة للاستمرار, كما انها لم تنسى التحذير من مخاطر الاقتتال القبلي علي مصير الدولة الوليدة اذا أصبح خيار الانفصال أمرا لا مفر منه ، وبحسب تقارير مصرية فقد شاركت مصر بطريقة عملية فى دفع عجلة التنمية والمشروعات الخدمية ومشروعات البنية التحتية ،فأقامت عيادة طبية مصرية بجوبا ووضعت حجر الأساس لجامعة الإسكندرية بالجنوب، وأقامت محطات للكهرباء فى عدة مدن بالجنوب ،ومنحت أبناء الجنوب 300 منحة سنويا للدراسة بالجامعات المصرية ،إضافة إلى العمل على تطهير النيل من أجل الملاحة والمشاريع المشتركة فى مجال المياه والتعليم والتدريب وتبادل الخبرات والتعاون المشترك فى جميع المجالات. بعد الانفصال والذى تزامن مع حكومة جديدة فى مصر بعد ثورة 25 يناير كثفت الحكومة المصرية تحركاتها جنوبا وقامت اولا بترفيع تمثيلها من قنصلية الى سفارة كما شهدت تلك الفترة زيارات لجنوب السودان على أعلى مستوى حيث قام الدكتورعصام شرف رئيس الوزراء الأسبق بزيارة لجنوب السودان والدكتور هشام قنديل عندما كان وزيرًا للري زار جوبا عدة مرات . وشهد عهد الرئيس المخلوع مرسى اهتماما بجنوب السودان وفى لقاء لمرسى بالرئيس الجنوبى سلفاكير ميارديت على هامش القمة الإفريقية بأديس أبابا مايو الماضى اكدإن مصر تعتزم مواصلة التعاون في مجال المياه والري مع جنوب السودان، مشيرا إلى أهمية دور جنوب السودان في تعزيز التعاون بين دول حوض النيل مستقبلاً ، كما أكد حرص مصر على تعزيز علاقات التعاون بين مصر وجنوب السودان، والبناء على التواجد المصري الحالي بجنوب السودان في مجالات الكهرباء، الصحة، التعليم، والتنمية البشرية . جنوب السودان يلوح بعنتبى :- جنوب السودان تدرك جيداً حساسية ملف المياه بالنسبة لمصر ولذلك اصبحت تلوح بعنتبى لحفظ توازنات سياسية واقتصادية والحصول على مكاسب من خلال هذا التلويح ، ولذلك ورغم التلويح والاصرار والتصريحات المتكررة بان جنوب السودان ستوقع على عنتبى تتراجع عن ذلك فى اللحظات الاخيرة وقال بول مايوم، وزير المياه بجنوب السودان فى تصريح صحفى فى وقت سابق : إن سبب إرجاء التوقيع يرجع إلى مشاكل قانونية، حيث كان من الضروري إدراج الاتفاقية في مسارات قانونية قبل التوقيع عليها، ولضمان عدم تعارضها مع الدستور بجنوب السودان، موضحًا أن وزارة العدل ستقوم بحل هذه الإشكالية القانونية، ثم الموافقة عليها في مجلس الشعب قبل انضمام جوبا لها رسميًّا، ولكن خلف الكواليس وبحسب مراقبين فأن الدور المصرى لم يكن غائبا ، وحتى تثنى مصر جنوب السودان عن عنتبى بذلت فى ذلك مالا كثيرا فى شكل استثمارات ومنح وقروض ، وقد سبق ذلك تصريح للسفير المصرى بجنوب السودان أيمن الجمال الذى قال للشرق الاوسط : إن مصر تسعى لإقناع الدول التي لم توقع على اتفاقية عنتيبى مثل جنوب السودان، بأن من الأفضل فتح باب التفاوض مرة أخرى بين دول المصب والمنبع بحيث يجري الاتفاق على البنود الخلافية، وهى حوالي 2 أو 3 بنود، وبالتالي دخول جميع دول حوض النيل للاتفاقية بشكل متكامل بما يضمن مبدأ المنفعة للجميع وعدم إلحاق الضرر بأحد من الدول الأخرى، وهذا هو النهج السياسي الذي نتبعه مع جمهورية جنوب السودان . وقد استصدرت مصر وعداً من مؤسسة الرئاسة فى جنوب السودان بحسب السفير اكدت فيه عدم اتخاذ أي إجراءات أو مبادرات في مجال المياه من شأنها الإضرار بمصر وأنهم يضعون هذا الأمر في الاعتبار عند تحديد سياستهم المائية، وقال السفير : هم على أتم الاستعداد للعب دور الوسيط بين دول المنبع والمصب لتقريب وجهات النظر. وفندت مصر وجهة نظر جنوب السودان الذى يرى أن انضمامه لاتفاقية عنتيبي سيمكنه من لعب دور الوسيط على نحو أفضل، لكن مصر ترى أنه في حال توقيعهم على الاتفاقية فهم يتبنون نهجا مغايرا لدول المصب وبالتالي يصعب عليهم القيام بدور الوسيط . الاستثمارات المصرية فى جنوب السودان :- بدأت تظهر على مصر اعراض حمى الاهتمام بجنوب السودان فبدات تستثمر اى موقف يقربها من جنوب السودان ، وفى عهد الرئيس مرسى اعلنت مصر عن تقديم 500 منحة دراسية للمرحلة الجامعية لطلاب جنوب السودان . وبحسب تقارير صحفية مصرية فقد استوعبت مصر طلاباً جنوبيين كانوا يدرسون في جامعة الخرطوم ونتيجة للخلافات بين شمال وجنوب السودان اضطر هؤلاء للعودة لبلادهم فكان البديل لهم اكمال دراستهم في دولة تتحدث بالعربية فأبدت مصر استعدادها لاستضافتهم، ويبلغ عددهم حوالي 2400 طالب. وبحسب السفير المصرى فى جنوب السودان للشرق الاوسط فقد وقعت الحكومة المصرية عددا من اتفاقيات التعاون مع الجانب الجنوبي وكان أخر ثمار هذا التعاون هو تقديم مركز القاهرة الإقليمي للتدريب على تسوية المنازعات وحفظ السلام في إفريقيا برنامج رفع الكفاءة والتدريب للحكومة الجنوبية. ويتضمن البرنامج 1350 فرصة تدريبية على مدار 3 سنوات في مجالات حل النزاعات وبناء السلام والتفاوض وإدارة الأزمات. كما وقعت مصر مع جنوب السودان في نهاية شهر مايو الماضي عقد تنفيذ مشروع مزرعة سمكية نموذجية هي الأولى من نوعها في جنوب السودان وتعد البداية لمشروعات أخرى بمجالي الثروة السمكية والحيوانية لا سيما وأن مصر تعتزم إنشاء مجزر آلي لتميكن جنوب السودان من الاستفادة من ثروتها الحيوانية . كما شجعت مصر الرأسمالية المصرية للدخول باموالها الى جنوب السودان فدخلت شركة السويدي للكهرباء التي أعربت عن استعدادها لتمويل مشروعات للكهرباء تقدر بنحو 200 مليون دولار بالتعاون مع وزارة الكهرباء الجنوبية.. الى جانب مشروع إنشاء منتجع سياحي وسوق تجاري تنفذه مجموعة أحمد بهجت ومشروع لشركة لقمة لمواسير الصرف الصحي لبناء محطة لتنقية المياه بطاقة 250 ألف متر مكعب وتطوير شبكتي المياه والصرف الصحي في جوبا وهناك مشروعات لتصدير المنتجات المصرية لمستثمرين صغار في اطار ما يعرف بتجارة الحاويات أو كبار مثل شركة دولي التي تقوم بتصدير المكرونة والصلصة لجنوب السودان وتستحوذ على حصة سوقية تتراوح ما بين 60 إلى 70%. وفي مجال الزراعة دخلت شركة القلعة التي استأجرت مساحة 220 ألف فدان في ولاية الوحدة لإقامة مشروعات زراعية.
أذن اتجاه مصر بقوة نحو جنوب السودان وطلبه منها التوسط مع دول المنبع ، ثم التوسط لعودة مصر لاستئناف نشاطها فى الاتحاد الافريقى يؤكد ان مصر اصبحت تعول على علاقاتها مع جنوب السودان اكثر من السودان ، ومن شأن ذلك خلق توازنات سياسية جديدة فى المنطقة تحكمها المصالح وليس العواطف .
|
|
|
|
|
|