|
اسماء محمود محمد طه:نعم توجد خلافات بين الجمهوريين ولكن ليس حول القناعة بالاستاذ او الفكرة
|
اسماء محمود محمد طه فى حوار تاريخى مع (الجريدة) نعم توجد خلافات بين الجمهوريين ولكن ليس حول القناعة بالاستاذ او الفكرة .. حاورها بامدرمان / حيدر احمد خيرالله 1 تظلنا هذه الأيام الذكرى التاسعة والعشرون لإغتيال المعلم الشهيد الأستاذ / محمود محمد طه الذى ذهب مبغياً عليه ، التقت مصلحة نميري ونظامه مع جماعات الهوس الدينى متلاقحة مع رغائب الاخوان المسلمون , يقف الاستاذ / محمود فى وجه كل هؤلاء ليرسم خطى الأحرار بدمه الطاهر ويجسد الفداء الكبير لكل اهل السودان ، فيمضي وهو مبتسماً الى حبل المشنقة فيضئ وجه التاريخ .. وإذ نلتقي ابنته الاستاذة / اسماء محمود لنجري معها هذا الحوار نجد ان المحاورة ليست بالامر الهين .. فان تكون تلميذاً فى هذه المدرسة وتحاور استاذتك فتنسل من دواخلك عزيز الذكريات وأثيرها ثم ترحل للماضي الجميل.. فتتمثل سنوات الصبا الغض وتتذكرالقامة المفتقدة .. ومن ثم ترتد الى انك هنا محاور عليه مراعاة مهنيته ..فجاء الحوار يحمل الكثير من الافكار والنزاعات والمنازعات والنزعات كذلك .. ففى معية امي اسماء وجدت الحاضر الحي ابواسماء.. فماذا قلنا.. ممانرجو ان يؤنس حضرتكم ؟؟
*تمر علينا الذكري 29 لاغتيال الأستاذ محمود شهيد الفكر وانت تستقبلين حدثين الإحتفال بالذكرى، وتاسيس الحزب الجمهوري مرورا سريعا على تاسيس الحزب ثم الذكرى؟ اشكرالجريدة على إتاحتها هذه الفرصة النادرة وأرجو ان يرى هذا الحوار طريقه للقراء والا يمنع من النشر كما منعت الصحيفة من نشره السنة الماضية. في ما يخص تأسيس الحزب فقد إجتمع عدد من الإخوان والأخوات الجمهوريات ورأوا ضرورة تأسيس الحزب في هذه المرحلة. وقد إنضم لهؤلاء عدد من أصدقاء الفكر الجمهوري. الحزب الجمهوري يستمد مرجعيته من مؤلفات الأستاذ محمود ومحاضراته وهو ليس حزبا كبقية الاحزاب السياسية، ليس لدى أعضاء الحزب مطمع في السلطة، كل ما هناك سيكون هذاالحزب وعاء وآلية لنشر فكر الأستاذ محمود وإدارة الحوار حوله باسلوب متحضر، يعطي الفرص لأصدقاء الفكرة وخصومها للإطلاع والحوار الهادئ الموضوعي. إذ أننا نعتقد أن الأستاذ محمود قد كتب عن التغيير وكيفية الطريق للتغيير، وأن واقعنا اليوم قد إرتفع لاستيعاب هذه الدعوة وتطبيقها. فقد ورد في كتابه "الثورة الثقافية" – 1972 – " هذا كتاب عن الثورة الثقافية، نخرجه للناس، ونستهدف به إحداث التغيير الجذري، في حياة الأفراد والجماعات. وذلك عن طريق اعادة التعليم- اعادة تعليم المتعلمين، وغير المتعلمين..والتغيير الجذري الذي نعنيه هو تغيير لم يسبق له مثيل، منذ بدء النشأة البشرية..هو تغيير تدخل به البشرية المعاصرة مرتبة الإنسانية..وتلك مرتبة يتطلب دخولها قفزة أكبر من تلك التي حدثت لدى دخول الحيوان مرتبة البشرية..وسيحدث ذلك، بفضل الله، ثم بفضل الفكر الصافي". * أستاذة اسماء ؟ تسعة وعشرون عاماً من الغياب المر.. كيف ترين المشهد؟!
ـ (تأوهت وشخصت بعيداً) على صعيدى الشخصي كأن الحدث كان بالأمس لم تمر عليه 29 عاما، هذا الحدث هز كل من له ضمير حي! ولكل محبي وعشاق المواقف الشجاعة الحرة..مواقف الرجال!! يكفيني فخرا أن الأستاذ قد جسد موقفه بشجاعة من الصعب ان تجد شبيهاً لها فى مواجهة الظلم، والإنتصار للحق حتى وإن أدى للمشنقة!! وقد ذهب إليها مبتسما، كعريس زف ! وهذه الصورة المضيئة المشرقة ستظل مدرسة تعلمني درسا كيف ينبغي ان أحيا وكيف أنتقل لأخراي!! هذه المشاعر تتملكني وتدفعني لأكون أكثر إيجابية، وأكثر عطاء.
* (مقاطعة ) ولكن ابناؤه آثروا الإنزواء وإختزال الفكرة فى علاقات اجتماعية وإجترار ذكريات دون دور ملموس فى الحياة العامة؟
ـ لا .. لا أوافق على كلمة اختزال الفكرة، الفكرة لا يمكن إختزالها، ولكني أوافقك على أن الممارسة في المجتمع الجمهوري إتجهت، ولحد كبير إقتصرت، على حفظ المجتمع والإهتمام بالقضايا الإجتماعية حتى كادت المشاركات الفكرية أن تغيب عن واقعنا. وبالرغم من أن الصدمة قد كانت كبيرة علينا جميعاً والحدث نفسه خلّف العميق من الجراح، والكثير من الفراغ وبالرغم من صعوبة إستيعاب الحدث بالمنطق العادي لمجريات الأمور- أعني أن يكفر شخص ما ويحكم عليه بالإعدام وينفذ عليه الحكم في مدة لا تتجاوز الأسبوعين، وفي منشور أخرجه للناس ينتقد فيه النظام الحاكم، يحدث هذا في القرن العشرين، هذا وغيره من ملابسات عمق الحيرة عند كل إنسان عنده قيمة واعتبار لحرية الفكر ولقيمة الانسان.
لكني شخصيا اعتقد ان الحركة والتنظيم لنشر هذه الدعوة واجب تقتضيه ضرورة المرحلة. فالميدان خالي تماما وقد أفلست كل الدعوات السلفية في حل مشاكل الإنسان المعاصر وفي تقديم حلول للمجتمعات المختلفة وقد تهاوى ما يسمى بالإسلام السياسي للسقوط، وبدأت دولته في الزوال. البشرية محتاجة لفكرة تخرجها من واقعها المزري المخضب بالدماء من جراء العنف الذي يمارس باسم الدين فهل سينهض الأخوان الجمهوريون لحمل فكرتهم كبديل؟ إن لم يفعلوافإن الفكرة لن تختزل، لا ولن تتاثر بغياب دعاتها وسيأتي من يطلع عليها، ومن يقتنع بها، ومن يطبقها ويحملها للآفاق ما دامت قادرة على تقديم حلول مشاكل الأفراد والجماعات. أرجو أن تطلع على الأسافير المختلفة لترى ما تحظى به هذه الفكرة من إهتمام خارج السودان وداخله. الفكرة الجمهورية أصبحت تدرس في مناهج الجامعات الأمريكية، بالرغم من صمتنا، فهي لا تحتاجنا ولكنا نحتاجها للقيام بنصرة الحق، وبالإنتصار للمستضعفين والمستغلين.
. واصبحت المشاهد الان فى مجموعات ترى ان تخرج من صمتها وترتفع بصدمتها الى مواصلة المسيرة وآخرون رؤيتهم تتراوح بين المضي فى العمل العام أوالبقاء فى بوتقة العمل السلوكي الداخلي ..
واين انت؟!
ـ انا كما ذكرت أعلاه، ارى مواصلة العمل في نشر الفكرة الجمهورية والمشاركة فى العمل العام ونشاط هذا المركز كمركز ثقافي يقوم بنشر الفكر الواعي المستنير يمكنا ضمن إتاحة الفرص للآخرين لنشر أفكارهم وثقافاتهم. ولكن المركز بطبيعة تكوينه ونظامه الأساسي لا يتيح لنا الفرصة لنشر الفكرة الجمهورية كما نريد. ومن هنا نشأت فكرة الحزب.
· إذن حدثينا عن تاسيس الحزب ؟
أخذ الحزب إسم "الحزب الجمهوري" الحزب الذى قام الأستاذ محمود بتأسيسه في أكتوبر 1945 – وقد اعيد تسجيله فى عام 1951 و1968. ويستمد مرجعيته من افكار وكتب الأستاذ وتسجيلاته ، هدفنا إشاعة أطروحات الفكر الجمهوري وليس السعى وراء السلطة بل سنكون منبر حر يطرح افكار الأستاذ لتقديم بديل حقيقى للتغيير.. ابتداء من تغيير النفس البشرية وتحقيق المساواة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية كما ورد أعلاه.
*هل بدأتم فعلياً اجراءات التاسيس ؟
نعم، ونملك شهادة بموجبها يمكن للحزب كحزب تحت التاسيس أن يعمل لتنوير العضوية بأهدافه حتى نتمكن من تسجيل الحزب. وقد تم الإتفاق بين المؤسسين على دستور الحزب واللوائح المالية والإدارية . ويجرى الآن العمل للتجهيز للمؤتمر التأسيسي.
*الحزب فى تكوينه الرابع .. وفى غياب الأستاذ والجمهوريون متهمين بالغياب منذ انتقال الأستاذ / فكيف تتوقعين الإستمرارية؟
أنا لا أتوقع أي إستمرارية لأي شئ. أحايد تماما في نتائج ما أقوم به من عمل. ولكني أستهدي بما علمني إياه أبي الأستاذ. أن أفكر في اللحظة المعينة وأبحث عن ما هو واجبي المباشر – تعني الواجب الذي يجب ان أقوم بأدائه في هذه اللحظة- ماهو؟ وعندما أجده أجتهد في تنفيذه جهد الإتقان. وبعدها فإن النتيجة عند الله، إن وفقت فالحمدلله، وله المنة، وإن لم اوفق كما احب فقد أرضيت ضميري وعلى أن أسدد مواضع الخطأ. وقد عرف الأستاذ الحرية – الديمقراطية – بأنها "حق الخطأ" ففى الأمر سعة والحمد لله. فالحزب بطبيعة تكوينه – حزب متواضع – هو وعاء او قل آلية توفر فيها أفكار الأستاذ ويدار الحوار حولها. نريد أن نؤسس للحوار الجاد، فالفكرة الجمهورية لم يتسن لها ذلك. شوهت باكثر مما درست ومحصت، وخصومها يعتمدون على الإشاعات وما كتبه عنها معارضوها لمعارضتها، وعندما يعارضونها إنما يعارضون رأيا توهموه، يعتقدون أنه الفكرة الجمهورية وهو صورة مشوه للفكرة الجمهورية بسوء قصد أو سوء فهم. أعتقد أنه قد جاء الوقت لإعطاء هذه الفكرة فرصة دراسة وحوارا. فالحاجة لها ماسة والميدان خال تماما من الأفكار البديلة.
*الحزب وسيلة من وسائل التغير وكان النموذج المجسَّد هو الأستاذ فمن هو النموذج المجسِّد امامنا من بين الكمالات التى كان يدعو لها الأستاذ ؟
الكمالات حققها صاحبها - صاحب الفكرة- ونحن لدينا قناعة كبيرة بالفكرة، كفكرة تحمل المخرج والحلول لمشكلة الإنسان ومشكلة المجتمع. وقد قدمت منهاج النبي صلى الله عليه وسلم، كمنهاج لاصلاح النفس البشرية. أرجو الإطلاع على كتاب "محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد" فقد جاء فيه بتقليد محمد تتوحد الأمة ويتجدد دينها" فما على المقتنعين بذلك إلا التنفيذ والتحقيق كلٌ حسب طاقته ، فاذا اتفقنا ان الأزمة ازمة اخلاق فعلينا ان نغير من انفسنا لتتغير اخلاقنا .. وكل حسب مقدرته يرقى المراقى ويطور من نفسه ومن مقدراته على اكتساب الصفات الرفيعة من كرم وشجاعة وشهامة إلخ والبعد عن مذام الأخلاق.. صحيح ان الاستاذ كان هو التجسيد الحي فى التربية والتسليك ومعيشة مايطرح من منهج حياة .. والان يعود هذا الحزب كمحاولة لنشر الوعي بهذه القيم ومحاولة الدعوة إلى المجتمع السليم الذي يقيم قانونه على المساواة السياسية والمساواة الإقتصادية والعدالة الإجتماعية. وبذلك يعد المسرح لإنجاب الفرد الحر السعيد.
*هل سيشارك الحزب فى الإنتخابات وفعاليات المجتمع العامة؟
لن يشارك الحزب فى الإنتخابات وهذا متفق عليه وسيشارك فى فعاليات المجتمع العامة حسب قرار مؤسسات الحزب المعنية بالموضوع. فالحزب يقوم على الديمقراطية وعلى إتخاذ القرارات بالأغلبية.
*كل دعاة التغيير لا يعرفون طرق التغيير والفكرة تملك هذه المعرفة ، مع صرامة فى التربية السلوكية والممارسات العملية هل نتوقع أن تقوموا بتحالفات مع قوى فكرية وسياسية أخرى؟
أما أن كل دعاة التغيير لا يعرفون طرق التغيير كما ترى أنت، فهذا القول في تقديري يحتاج إلى نقاش مستفيض، لنؤسس لهذه النتيجة. على كل عند الأستاذ محمود التغيير يبدأ من تغيير كل فرد لنفسه. يقول الأستاذ محمود في كتاب الثورة الثقافية:" والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر،ىمن سعة العلم بدقائق الإسلام وبدقائق الأديان، والأفكار، والفلسفات المعاصرة- بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، وعلى كل دين بصورة تقنع العقول الذكية. وأن يكون من سعة الصدر بحيث لاينكر على الآخرين حقهم في الرأي. وأن يكون من حلاوة الشمائل بحيث يألف، ويؤلف من الذين يخالفونه الرأي. وهذه هي الصفات التي لا تكتسب إلا بالممارسة. أعني أن يدعو نفسه أولا، فإن استجابت نفسه للدعوة دعا الآخرين. فإن شر الدعاة هم الوعاظ الذين يقولون ما لايفعلون. ففي حق هؤلاء وارد شر الوعيد. قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبرمقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" ومقت الله شر ما يتعرض له العبد" هذا هو التغيير الذى نريد..
أما في ما يخص موضوع الإئتلاف فقد كان موقف الحزب الجمهوري من الإئتلاف أنه لابد أن يكون الإئتلاف حول فكرة واضحة مدروسة تحقق له العدل السياسي والعدل الاجتماعى. وقد كان ضد التكتل الطائفي جاء في كتاب عبدالله البشير "صاحب الفهم الجديد للاسلام محمودمحمد طه والمثقفون قراءة في المواقف وتزوير التاريخ" نقلا عن الرأي العام العدد 2017 – 1952 الملحق رقم (24) ما يلي: "فإذا ما تكتلت جماعة من المواطنين لتقرير المصير وسط هذا الصراع الطائفي فلن تنجح إلا فكرة طائفة واحدة لن ترضى الأخرى بها ومن ثم انتشار الفوضى والفساد والظلم أو الحرب الأهلية وكل ذلك لن يقود إلا إلى استعمار وطني خيرا منه الاستعمار الأجنبي فبدل أن نحارب الإستعمار عاريا ونسلط عليه الاضواء من كل الجوانب لكشفه ونجند كل فرد لحربه نحكم حكما وطنيا استعماريا نحارب فيه باسم الحكومة الوطنية وعندئذ تنتهى كل فكرة نزاعة إلى الحرية الحقة ونكون بذا قد أطلنا أمد الجهاد". هذه هي الرؤية بصورة مجملة ولكن لكل مقام مقال مناسب. والحزب بما لديه من مراجع ومن فهم لواقعنا اليوم يمكنه إتخاذ القرار بصورة ديمقراطية سلسة.
*هل توجد خلافات بين الجمهوريين ؟
( بدون تردد ) نعم توجد خلافات ولكن ليس فى القناعة بالأستاذ والفكرة. بل فى فهم الفكرة في مستوى، وكنتيجة لذلك جاء الإختلاف في طريقة العمل من أجل نشر الفكرة. فالبعض يعتقد بأن صاحب الفكرة هو الوحيد القادر على حمايتها وتطبيقها.. ومجموعة أخرى ترى أن من واجبها العمل من أجل توصيل الفكرة للناس طالما هي تحمل بين طياتها حلولا لمشاكلهم ترى هذه المجموعة العمل والمشاركة في رفع الظلم عن الناس ومحاولة ايجاد مخرج لحل اشكالياتهم وفق فهمهم للفكرة الجمهورية ومعايشتهم لصاحبها..
*هل يوجد حرس قديم داخل الفكرة ؟
بالطبع أنت حر أن تصل إلى هذه القناعة متى ما استطعت التدليل عليها والدفاع عنها. يمكنك ان تقول ما تراه فانا اعطيتك الخطوط العريضة لواقع المجتمع الجمهوري كما أراه، ولك مطلق الحرية في تحليل التجربة والوصول إلى نتيجة..
*فى ليلة السابع عشر من يناير صفى لنا مشاعرك واحاسيسك كجمهورية و كابنة للأستاذ ؟
كأنها كابوس رهيب! فالاحداث كانت متسارعة والموضوع بسيط وأخذ حيز كبير فالمنشور الذى كتبه ( هذا اوالطوفان ) وطالب فيه بحل مشكلة الجنوب وإلغاء قوانين سبتمبر وفتح المنابر الحرة ببساطته لم نعتقد بانه سيؤدى الى مثل تلك النهايات ، ويبدو ان المؤامرة التى استهدفت حياة الاستاذ قد تم الإعداد لها بعناية لتفضي الى تلك النهاية .
*ليلة التنفيذ هل كنت تنتظرين معجزة ؟
نعم اذا استندت للشريعة فلا يوجد شى يؤدى الى الإعدام لو طبقت بنزاهة وصدق، شئ واحد كان يمكن أن يكون حائلا دون تنفيذ حكم الإعدام إذا كان الغرض هو تطبيق شرع الله. فحسب شرع الله الذي يدعون لا يجِّوز قتل شيخ في السادسة والسبعين من عمره. ثم كيف يتثنى لحكومة عاقلة أن تقوم باعدام شخص في منشور لا يتعدى الصفحة الواحدة؟ وكيف جاز لقضاء أن يستدعى حكما تأريخيا من محكمة غير مختصة أصلا في النظر في مثل هذه القضايا أعني المحكمة الشرعية التي حكمت بردة الأستاذ محمود في عام 1968 وقد رفض الأستاذ المثول أمامها وبما أنها ليست جهة إختصاص فلم تتمكن من إحضاره بل حكمت حكما غيابيا في حقه؟ ولم ينفذ هذا الحكم . كما أنه ليس هناك جريمة منصوص عليها في قانون العقوبات 1983 تنص على حد الردة. كل هذه الأسئلة وغيرها تقود للقناعة بأن هذا الحكم لن ينفذ.
*هل أخبرك الأستاذ فى مرحلة من مراحل عمرك بان النهايات ستكون بهذه الطريقة ؟
في جلسة الجمعة 4/1/ 1985 وقد انعقدت الجلسة في الشارع أمام منزل الأستاذ محمود قال الأستاذ: " أفتكر مؤتمرنا لابد يؤرخ تحول عملي في موقف الجمهوريين زي ما قلنا قبل كدا الناس سمعوا مننا كتير..الكلمة المقروءة والمكتوبة.. نحن عشنا زمن كتير في مجالات عاطفة: الانشاد والقرآن والألحان الطيبة.. جاء الوقت لتجسيد معارفنا، وأن نضع أنفسنا فى المحك ونسمو في مدارج العبودية.. سمو جديد.. الصوفية سلفنا ونحن خلفهم، ورثتهم كانوا بيفدوا الناس: الوباء يقع ياخد الشيخ الكبير، وينتهي الوباء.. دي صورة غيركم ما يعقلها كثير.. (الجدري في قرية التبيب تذكروه؟ كان في كرنتينة في القرية لا دخول ولا خروج.. الشيخ الرفيع ود الشيخ البشير أخو الشيخ السماني مات بالجدري في قرية التبيب.. في شيخ مصطفى خال خديجة بت الشريف هو صديقنا ويزورنا كتير.. قال حصلت وفية ومشيت أعزي.. مر على الشيخ الرفيع قال ليه بمشي معاك..قال مشينا سوا إيده في إيدي كان فيها سخانة شديدة وصلنا محل الفاتحة واحد قال ليهو "الشيخ" المرض دا ما كمل الناس. الشيخ الرفيع قال: "المرض بنتهي، لكنو بشيل ليهو زولا طيب " قمنا من المجلس وصلناه البيت والسخانة كانت الجدري.. مات الشيخ الرفيع ووقف الجدري.. السيد الحسن مات بوباء وانتهى الوباء.. وفي سنة 15 الشيخ طه في رفاعة مات بالسحائى.. كان مستطير بصورة كبيرة، ما عنده علاج وما كان بنجى منو زول.. الما بموت بتركه بعاهة. مات الشيخ طه والمرض إنتهى.. الحكاية دي عند الصوفية مضطردة ومتواترة العلمانيين تصعب عليهم.. انتو هسع لابد تفدو الشعب السوداني، والذل والمهانة الواقعة عليه والجلد..واحد من الأخوان لاحظ قال: "القيمة من المسيرة أن تشاهدوا الجلد الوقع" واحدة من الأخوات قالت" العسكري شاب والمجلود شيخ كبير والقاضي واقف يستمتع" .. هي مسألة أحقاد وضغائن ونفوس ملتوية تتولى أمور الناس.."
ثم إن هناك وصية الأستاذ: الا يكفن في جديد، ولا يناح عليه، ولاتترك على قبري علامة وهذا ما تم..
*هل تعلمين اى مواقف للمثقفين السودانيين اثناء اعتقال الاستاذ ؟
نعم. فقد شهدت أيام المحاكمة بداية تجمع النقابات الوطنية، وهناك بيان الهيئة القومية لأساتذة جامعة الخرطوم،مذكرة نقابة المحامين، سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، كما تحرك عدد لا يستهان به من المحامين والمثقفين كافراد وجماعت، هذه بعض الأمثلة التى حضرتني. ولكن هناك من المواقف ما لا أستطيع حصره في هذه العجالة.
*آخر حديث دار بينك والأستاذ ؟
في زيارة من زياراتي الأخيرة نقلت له ما قمت به من حوارات مع بعض المحامين وأساتذة الجامعة وغيرهم من المهتمين بالشأن العام، وكانوا يتحدثون عن ضرورة عمل شيء لمقاومة ما يجري فقال لي : ما حيجوا معاكم في الجولة دي!
*هل بدأوا خطوات عملية .
نعم بدأوا إجتماعات ومشاورات ولكن كما تعلم لم تكن هناك مساحة واسعة للحراك وقد زادت السلطة من قبضتها الأمنية، وانتشر رجال الأمن في كل مكان.
*هل الترابى مسئول عن هذا الحكم ؟
سيجئ اليوم الذي تتضح فيه كل هذه التفاصيل، وارجو ألا يطول. يكفي هنا أن أقول كان موقف الأخوان المسلمين موقف الشامت الشاعر بزهو الإنتصار، وقد شاركوا نظام مايو مشاركة تامة في حبك وإخراج فصولها. ظهر ذلك في ندواتهم وفي الصحف الحائطية "كآخر لحظة وألوان"، وفي أركان النقاش بالجامعات. وفي الجمع الغوغائي الذي حضر التنفيذ، والمظاهرة التى خرجت مهللة ومكبرة بعد التنفيذ. وفي تصريحات الترابي وتأييده للحكم والتنفيذ "جريدة الهدى بتأريخ 9 جمادي الآخرة 1405 حيث قال "لأن دعوته دينية لأنه رجل له قضية، وقضيته ضد الدين الذي تعرفونه من الإسلام في الضرورة" الأخوان الجمهوريون "ماذا قال العالم عن الأستاذ محمود"
*هل تعتقدين بأن تلاميذ الأستاذ كانوا ادنى منه .؟
طبيعي جدا ألا يكون تحقيق تلاميذ الأستاذ في مستوى تحقيقه. فهو صاحب الفكرة ونحن اقتنعنا بما جاء بها من طرح. فاذا كانت الفكرة سياسية فقط بمعنى أنها تقدم حلولا لمشاكل الناس وتقاوم الوضع السياسي، لقلت نعم ولكن للفكرة جذورها الروحانية – أوقل الدينية بمعناه الإنساني- قبل كل شي والأستاذ صاحب هذا الفهم وجميعنا تبع .
*امنا اسماء مارايك فى الإستتابة ؟
كان القصد منها المذلة والمهانة وكل من كان له ضمير حي استنكرها ورأى فيها ردة للقرون الوسطى. وهي على أي حال خدمت غرضا كبيرا، إذ تجسد لعامة الناس كيف سيكون الحال إذا قدر للهوس الديني أن يكون صاحب الكلمة في أمر السياسة ودفة الأمور. هؤلاء يجهلون سماحة الدين حيث "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" و "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" و "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" وهم بصورة أوكد يجهلون الثقافة المدنية وما توصلت إليه الدعوات الحديثة من مطالبة بالحقوق وما تكفله الدساتير المدنية من حقوق للإنسان- فيا هؤلاء، حرية الضمير، الإعتقاد- أصبحت مطلبا أساسيا كالماء والغذاء
*هل موقف تلاميذ الأستاذ الأستتيبوا مشرف؟
لا استطيع ان اقول بانه غير مشرف .(مقاطعة) استاذة نحن نتحدث للتاريخ .؟
الفكرة لها تعقيداتها استاذ حيدر وانت تعلم ذلك وطبيعى ان تهتز قناعاتك، أن تهتز وانت ترى استاذك مكبل بالسلاسل امامك وينفذ عليه حكم الإعدام. أنا بكل الصدق لا اعلم لو كنت مكانهم كيف سيكون موقفي؟ ولذلك أفضل ألا أحكم على أحد، قل كل يعمل على شاكلته، والله هو المسئول أولا وأخيرا.
*اعود بك الى امنا آمنة كيف استقبلت الخبر ؟
صوتها لم يعلو ابدا ولكن دمعتها لم تجف وحزنت حزنا لو وزع على الأرض جميعها لما احتملته وهى صابرة وصامدة كما كان يقول الأستاذ عنها إنها صبورة دائما في الأزمات.
*ماذا أعطتك من الأسرار ومن الممكن ان تعطينا اياه ؟
هى حافظة اسرار (ضاحكة). فقد قال الأستاذ عنها "كاتمة الأسرار"
*تكوين الحزب حسم الكثيرمن المسافة والأسئلة المطروحة ولكنى كجمهورى لا اتصور شكل البرنامج ؟
البرنامج منبر حر لشرح الفكرة كما أسلفت، ولكن لدينا منشور يحتوى على ملامح الحزب يمكن أن نوفره لك ولمن أراد.
*نموذج الأستاذ وأبوته الروحية والفكرية لا زالت ظلالها اشواق ونفس الأبوة هى الحجاب الذى جعل تجربتنا الفكرية ضعيفة ؟
اوافقك الرأى واعتقد بان المرحلة الحالية مرحلة تحمل مسئولية وكل مالم نستطيع ان نعيشه فى ذلك الزمن سنعيشه الآن. العمل وتحمل مسئولية نتيجة العمل هذا هو الطريق للحرية وللمسئولية الفردية. .
*ماهى مواصفات رئيس الحزب القادم ؟
لا يوجد رئيس للحزب بل امين عام وسينتخب من المؤسسين في المؤتمر التأسيسي حسب المواصفات التي يرونها. أرى أن يكون واسع الأفق، راجح العقل
*ماهى معايير رجاحة العقل عندك.؟
ان يكون ذو فكر قوي، ويمتاز بسعة الأفق، وخلق عالى ومتقبل للجميع .
*غياب الجمهوريين عن الساحة ساهم لحد كبير فى تغذية حركات الهوس الدينى ونموها ؟
اوافقك تماما ..
*فما هى الآليات التى سيقدمها الحزب الجديد لمواجهة الهوس الدينى والطائفية ؟
الهوس الديني والطائفية تقوم وتترعرع في البيئة الجاهلة، سيلعب الحزب دورا كبيرا في التوعية بالفهم الصحيح للدين، وبفضح الممارسات التى تقوم على استغلال الدين للمصالح الخاصة والشخصية.
*هل سمعت من الأستاذ بان الأمر فى الفكر الجمهورى سيأتى من غير ابناءه.؟
نعم سمعت منه بان هنالك جمهوريين لم يلتقوا بالاستاذ ومعنا اناس وهم غير جمهوريين ومن تجربتى وجدت الكثير من الشباب يحمل الفكرة ويدافع عنها بوعي وتفاني وفهم كبير..
*هل تودى ان تقولى بأن هنالك تقبلا للفكرة اكثر من ذى قبل ؟
نعم
*فى الخمسينيات اول خطاب للاستاذ كان بان الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسان القرن العشرين فهل الحزب فى نسخته الرابعة قادر على ذلك .؟
صدر هذا الكتاب في يناير 1969- وقد جاء في اهدائه:
الي الجمهوريين
انتم الغرباء اليوم..
انتم غرباء الحق.. ولكن غربتكم لن تطول.. فأستمتعوا بها، من قبل أن تنظروا فلا تجدوا في الارض الا داعيا بدعوتكم..
استمتعوا بها، فانه في وقت الغربة القرب من الله سريع..
استمتعوا بها، فالتصقوا بالله، واجعلوه انيسها.. واجعلوه عوضا عن كل فائت..
وهو عبارة عن محاضرة قدمها الاستاذ محمود وقد اثارت كثيرا من اللغط حتى تصاعدت الي مهزلة محكمة الردة..اقيمت المحاضرة في ثمانية اماكن وقد جرى تسجيلها جميعا.. كانت اولى تلك المحاضرات في جامعة الخرطوم 7/9/1968م. ومن ضمن الاماكن التي قدمت فيها دار الحزب الجمهوري بالموردة 14/11/1968م. وغيرها من الاماكن وكلها مسجلة وسيصدر الحزب الجديد نشر هذه المادة.. وهذا الكتاب عبارة عن نص المحاضرة التي قيلت بدار الحزب الجمهوري بام درمان – 14/11/1968- نقلا عن الشريط بلا تغير فيها.. وسيجد القارئ الكريم هذا الكتاب في موقع الفكرة
alfikra.org ليحكموا علي محتواه..
ومما ورد فيه:
(الاسلام ما محتاج لتعصب: الاسلام محتاج لفهم.. نحن اذا فهمنا الاسلام ، واستطعنا ان نشرحه ونفسره ونعتنقه هو كاف بنفسه ليدفع عن نفسه وليدعوا الي نفسه.. والتعصب ما بيخدم الاسلام، بل الحقيقة، ما بيخدم اي قضية انسانية، لان التعصب هو تقديم سخائم نفس المتعصب، موش فكر.. ونحن نعتقد أن بلدنا ، في الوقت الحاضر، مواجه فتنة فعلا.. فتنة لان الجهل مطلوق، والعلم مقيد.. الجهل مسلح.. الجهل رسمي عنده سلطة.. أو بيعتقد عنده السلطة.. ولذلك الحركة قائمة ضد العارفين من الجهلة.. وما أعتقد أن عبر التاريخ الا ان الاديان نكبت بادعيائها أكثر من أعدائها...)
ارجو الرجوع الي هذا الكتاب ولكن جملة الامر في المحاضرة ان الاسلام برسالته الاولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين يعني ان للاسلام رسالة ثانية هي التي تصلح لهذة الانسانية.. وهي سنّة النبي صلى الله عليه وسلم وليس شريعته...
*اذا إقتضى الأمر مواجهة النظام وفقا لما يكفله الدستور هل سيشارك الحزب ؟
لا أريد أن أقرر في ما سيقوم به الحزب من إجراءات وهو ما زال تحت التأسيس فلست مخولة من عضوية المؤسسين لاتخاذ قرارات في أمور قد تحدث في المستقبل, فللحزب حسب دستوره أجهزته المؤسسية، وهو يتخذ قراراته وفقا لرأي الأغلبية.
*هل فى عضوية الحزب من هم غير جمهوريين ؟
نعم، فمنذ نشوئه عام 1945 حدد الحزب الجمهوري في دستوره أن عضوية الحزب "لكل سوداني بلغ من العمر 18 سنة" وقد تكرر النص نفسه في كل من دستور الحزب سنة 1951و عام 1968وبالطبع هذا الشرط يتضمن أن يكون الشخص الذي إنتمى إلى الحزب مؤمنا بمبادئه – بدستوره ومرجعيته.*
صورة مضمّنة 1
|
|
|
|
|
|