|
جعفر محمد على بخيت -بناة الشمولية ومظلة الاستبداد -
|
بدا جعفر بخيت حياته العملية ضابطا بالحكومة المحلية منزويا على نفسه بلا هوايات ولا صداقات ولهذا فقد كان محبا للقراءة ونهما على الاطلاع -كانت مدرسة المامير ونواب المامير ثم مدرسة الادارة والبوليس ومن ثم جامعة الخرطوم تخرج عدد طلابها بالقطارة ولهذا كان عدد الاداريين فى سلك الخدمة قليلا وكانت الفرصة لديهم كبيرة للترقى والتاهيل خارج وداخل السودان -فى مثل هذه الظروف اتيحت فرصة لجعفر محمد على بخيت للابتعاث لبريطانيا للدراسات العليا فى الادارة العامة ونسبة لقلة الاداريين كما ذكرنا انفا لم يخضع لامتحان او منافسة مع اخرين علما بان الدرجات التى تخرج بها كانت متواضعة والتى انعكست على ضعف تحصيله فى البعثة حيث امتدت فترة التحضير لما يقارب السنوات التسعة للماجستير والدكتوراة داحضة ما اشيع عن ذكاءه وعبقريته ونبوغه -
فى عام 1966م اتى جعفر جامعة الخرطوم منتدبا من وزارة الحكومات المحلية لتدريس مادة الفكر الاسلامى السياسى وبقى هناك حتى قيام انقلاب مايو 1969م - وهنا بدات مرحلة اخرى -
جعفر بخيت كان قد وصل الى ساحات مايو ضمن موجة الوافدين بعد انكسار الشوكة الماركسية فى النظام الجديد فى فبراير 1971م -تولى جعفر وزارة الحكومة المحلية من الرائد ابو القاسم محمد ابراهيم وذلك فى اطار التغيرات التى فرضتها ظروف ابعاد ثلاثة من مجلس قيادة الثورة فى نوفمبر 1970م وحل ابو القاسم موقع فاروق عثمان حمد الله وزيرا للداخلية - وحقيقة بدا اتصال جعفر بمايو فور اعلانها المدوى بتصفية الادارة الاهلية وهو القرار الذى وجد استجابة واسعة من قطاعات عريضة من المثقفين -خاصة ان شعار تصفية الادارة الاهلية كان شعارا اكتوبريا عزيزا تجاهلته حكومة الاحزاب فى السنوات التى تلت اكتوبر -ولما كا ابو القاسم محمد ابراهيم هو وزير الحكومات المحلية الذى انيط به مهام تنفيذ تصفية الادارة الاهلية فانه وجد من الانسب اعطاء القوس لباريها فكون لجنة من ضمن اعضاءها عميد كلية الاقتصاد وعميد شؤون الطلاب جعفر بخيت وضمت اللجنة من بين اعضاءها اسماء لمعت فى مجال الحكم الاقليمى والشعبى مثل كرم الله العوض وكرار احمد كرار - جعفر بخيت كان له القدح المعلى فى عبور مايو من فوران الثورة الى رزانة الدولة وعلى كتفه قامت هياكل التنظيم السياسى ومن بنات افكاره ولدت كافة مؤسسات الحكم الشعبى وقام الحكم الاقليمى ومن جهده المشارك مع اخرين جاء الدستور - طرح جعفر ارءا جريئة وجذابة لتطوير الادارة الاهلية وحياد الخدمة المدنية وابعادها من التسيس للمحافظة علي فعاليتها وديمومتها معافاة من الهوى والمرض والغرض - لم يلبث ان اصبح هو المركز فى حركة بناء البديل للادارة الاهلية - ضاربا عرض الحائط بكل النظريات العلمية المجربة فى هذا المجال فلم يستند على فكر لورد او خطط مارشال ولم يهتد بسياسات جورج ستيورات سيمز الذى استهدت به كل جهود التخطيط والتنفيذ للحكم المحلى فى السودان منذ استقلاله - اذ لم يهز النظام الجديد الذى اسسه جعفر بخيت المؤسسات القائمة فحسب بل سعى لاقتلاعها من الجذور وكان هذا الامر ثقيلا جدا على الذين تعودوا الثبات والعقلانية والتدرج فى التغيير وتجنب المجازفة والمغامرة فى ادارة مصالح وحياة الناس - كل هذا واكثر من هذا مما سرع برفعه الى مرتبة وزير فى غضون ايام قادمة -
نادى حكم جعفر بخيت الشعبى باستبدال الصفوة القبلية المسيطرة على الارياف والقرى بمجموعة متجانسة من التنفيذيين والشعبيين ومن هنا بدا الانهيار والانفلات - كان نظام الخدمة المدنية مرتبا ومنظما يحفظ لكل حقوقه وواجباته -كان التقييم كالاتى 70 فى المائة اقدمية و 20 فى المائة اداء و 10 فى المائة تاهيل وقد اثبت هذا المنوال جدواه -وجاء جعفر وعكس الاية حيث جعل 70 فى المائة للاداء ومن هنا كانت بداية الانهيار الكامل للخدمة المدنية وجعفر بخيت هو الذى سن هذه السنة السيئة - ويا ليته توقف عند هذا بل اعاد عقارب الساعة للوراء فقام بتعيين الكتبة والمحاسبين فى المجالس - خريجين اولية ووسطى - ضباط ادريين ليضمن وجود كادر يدين له بالولاء فادخل اناس غير مؤهلين فزادوا الطين بله- وحين اعطى نسبة 70 فى المائة للاداء دخلت المحسوبية والمحاباة والتحيز ومن اسف عم المرض كل السودان وهو ما عرف بالقفز بالزانة او بالعمود وكانت قفزة الى الهاوية -
تملق نميرى وحاول اطلاق اسمه على كبرى كوبر ولكن نميرى رفض واطلق عليه كبرى القوات المسلحة - ادخل الفاظا قبيحة فى القاموس السياسى السودانى - الرئيس القائد - جعفر المنصور - الشمولية - الضباط السيارة - القفز بالزانة - الفئوية -
لم يتوقف عند الحكم الشعبى المحلى بل تخطاه الى التنظيم الحاكم الذى اصبح فيه مساعدا للامين العام وكان جعفر من بناة الهياكل وواضعى النظام الاساسى لسىء الذكر الاتحاد الاشتراكى بللاشتراك مع جماعة التنظيم المشهورة -مهدى مصطفى الهادى - خليفة خوجلى - بدر الدين سليمان -احمد عبد الحليم - ومن القوات المسلحة مصطفى عبادى - من اوائل الذين اطروا واصلوا لشمولية مايو وشارك مع اخرين فى وضع دستور مايو الاول ابرزهم سعادة المستشار - منصور خالد- وبدر الدين سليمان وزكى مصطفى وهو الدستور الذى حكم مايو حتى 6/4/1985م- والان مضى واحد وثلاثون عاما على وفاة جعفر بخيت والذى توفى عام 1976م -
|
|
|
|
|
|