|
الشوش و دولة لا يملك المتحدثون باسمها غير كلمات طيبة تقطر عسلاً، ...
|
Quote: علامــات استفهـام محمد ابراهيم الشوش «محاكمة» كافكا ومحكمة اوكامبو أكثر ما يثير الفزع في رواية «المحاكمة» للكاتب الألمانى الشهير كافكا، ان بطلها يتعرض للاعتقال، وتوجه له التهمة، ويقدم للمحاكمة، وفق كل الاجراءات القانونية الشكلية، ويصدر الحكم باعدامه، وينفذ فيه الحكم بالفعل. وكل ذلك يجرى في بساطة وبصورة طبيعية، دون أن يدرى المتهم أو القارىء حقيقة التهمة. ولا يشكل ذلك أي تأثير على سير المحاكمة، الأمر الذى يثير شعوراً بالخلل والقلق وعدم الطمأنينة في نفس القارىء ويجعله صنواً للمتهم ومثله معرضاً لنفس المصير.
وبسبب هذا القلق اكتسبت رواية «المحاكمة» بعداً كابوسياً مخيفاً ظل محور اهتمام النقاد حتى هذه اللحظة. ولقد كان طبيعياً أن تتجه معظم التحليلات الى ربط الرمز في الرواية بقضية القهر والطغيان والاستبداد التى كانت سحبها الداكنة تتجمع حينذاك فوق سماء أوربا والعالم.
وأحسب ان مرمى كافكا كان أبعد من ذلك. كان يغوص في أغوار نفسية أكثر حلكة ورعباً. ولو أراد الطغيان والاستبداد، لكانت التهمة جريمة رأي واضحة أو موقفاً مناهضاً للسلطة. ولكن المتهم في «المحاكمة» يحاكم بواسطة قوى لا يعرفها ولا يفهمها.
وعلى تباين وجهات النظر حول المرامى القريبة والبعيدة التى قصد اليها كافكا فثمة اتفاق لا يرقى اليه الشك انه كان يغوص بخياله الجامح في عالم مظلم كان يراه قادماً، بنفس الصورة التى عبر بها في روايته «التحول» عن مشاعر الفزع والغثيان التى صاحبت تحول انسان الى صرصار. ومع ذلك فلا أحسب أن كافكا كان يتصور حتى في أحلك لحظات تشاؤمه ان المستقبل يمكن أن يحمل صورة طبق الأصل لمصير بطله في رواية «المحاكمة» وان تلك التخيلات وليدة لحظات المرض والسقوط في عالم بشع ستتحول الى حقيقة تجرى احداثها ذات يوم قريب. ومن منبر ما، سيطلق عليه «الأمم المتحدة» في عالم كسيح يطير بجناح نحو أجواء الفضاء وجناح مهيض غارق في الوحل.
ولا أعتقد ان كافكا قد بلغ به التشاؤم واليأس أن يتخيل ان الأمل الذى كانت تتطلع اليه الشعوب ليكون أداتها لعدل يتجاوز قهر الحكومات الى تجسيم للمحاكمة الكابوسية التى تخيلها وفي صورة مسلسل هزلى في حلقات تخرجها الأمم المتحدة في عهدها الظلامى الجديد لصالح قوى هى أولى بالاتهام والتجريم لو كانت عين الدجال الثانية مبصرة.
محققون لا يدرى أحد من هم. واتهامات لا يدرى أحد من نسجها بهذا الجهل الذى لا يشكك في نزاهة وعدالة مؤلفيها بل في سلامة عقلهم، حين تتحدث في انفلات عقلى عن «51» حالة من القتل والاغتصاب في اجرأ عملية للتشهير على نطاق العالم. وضد دولة لا يملك المتحدثون باسمها غير كلمات طيبة تقطر عسلاً، ومعارضون يحذرون من الوقوف ضد ما يسمونه الارادة الدولية وينصحون - كما في قضية التدخل الدولى - بالانصياع والخضوع، وحركات متمردة مسلحة تزغرد وتغنى لاتهاماتها التى وجدت بوقاً دولياً. ومع ذلك تتباكى على بطء اجراءات المحكمة. مسكينة هذه الحركات كان يجب ان يصدر الحكم بالاعدام شنقاً، مصاحباً للادانة. ويا حبذا لو كان المتهمون أعلى درجة ولا داعى لانتظار الحلقة الثانية.
ألم أقل لكم اننا قد دخلنا ذلك العالم الظلامى الهلامى الذى تراءى لخيال كافكا؟ |
|
|
|
|
|
|