|
دقش يحكى لنا عن الشاعر الزين عباس عمارة
|
كان عقد السبعينات فى السودان عقد حزين فقد سالت الدماء ولم يفرق الرصاص المتطاير ما بين ملكى وعسكرى -فى مثل هذه اجواء وغيوم من الحزن والاحباط والتوجس زارنا دقش فى داخلية دقنة وانساب حديث الذكريات -حدثنا دقش عن ايامه فى السوكى حى الدريسة حيث انهم اتوا من ضواحى دقش بمنطقة الرباطاب وتوافق هذا مع مجىء مبدع اخر من ضواحى شندى -الزين عباس عمارة -شاعر اوعدينى بكلمة لعثمان حسين وغيرها من الدرر -حيث ان والديهما كانا متعاقدين مع الحكومة فى سكك حديد السودان -حدثنا دقش عن ناظرهم بالسوكى الاولية الطيب بابكر دلاقين -ومدرس الدين الشيخ محمد حامد وشيخ على البشير وشيخ بشرى وشيخ خالد ادم ابن الخياط--حدثنا دقش يوم ركوبهم موج بحر العاديك المحمر ذلك الازرق العاتى الذى يمعن فى تعميق مجراه كلما امعن فى السير -بحر ازرق-فى مركب خشبى متهالك يسمى المعدية لتعبر بهم البحر الى الضفة الغربية الى غابة حمرانى واقلتهم عربة البريد من الغابة الى مدينة سنجة حيث امتحان اللجنة للدخول للمدرسة الوسطى وكان ذلك عام 1950م واعتقد انهم اول دفعة فى سنجة الوسطى -كان التلاميذ ياتون لسنجة الوسطى من كل اركان سلطنة الفونج من الكرمك ومن فازوغلى ومن الروصيرص وكركوج -من السوكى والدندر وسنار والحاج عبد الله وحتى ود الحداد--حدثنا دقش عن البعبع المخيف المتمثل فى سمعة مدرسة سنجة الاولية وناظرها الفذ المربى حسن نجيلة صاحب الذكريات فى البادية ودار العروبة وايام فى الاتحاد السوفيتى وعضو دار فوز-جدثنا دقش عن يوم اللجنة الذى هو اشبه بيوم الحشر -يومها كان اولاد سنجة الاولية هم اوائل اللجنة -محمد احمد حسن الشيخ-السائح-على الطيب الفوراوى -بكرى عبد القادر مكى -وكان من ضمن الدفعة عبد الرحمن دوكة وعبد العزيز مجدوب ومامون على العوض-حافظ الشهاوى وكان من اولاد السوكى من نفس الدفعة عبد العزيز محمد احمد وجعفر عوض يوسف ومحمد خير عبد الماجد -ومن الروصيرص اتى صلاح السيمت متابطا معه محمد مالك حسين ومن سنار زكريا ابوجودة ومن كركوج عثمان محمد على المبشر وبابكر جرورة وعلى احمد السيد- الداخلية كما يذكر دقش عبارة عن عنابر زنك وقش وكان السير حوالى الاربعة كيلومترات اربع مرات من والى المدرسة فى جلاليب بيضاء تسر الناظرين وعمامات تغطى الهامات -الحضور زرافات ووحدانا فى الصباح والعودة للافطار ثم العودة للداخليات فى نهاية اليوم الدراسى -كان ناظر سنجة الوسطى احمد فرح والاساتذة شيخ على ابو الزين وهاشم محمد عبد الله ويحيى زكريا وميرغنى نجيلة وعبد العزيز على محمد صالح وميرغنى شكاك - حدثنا دقش عن زميله الزين عباس عمارة الذى جمعه خلاف الادب والشعر اعجاب مبكر بفن عثمان حسين وكلاهما دخل حنتوب دقش فى داخلية دقنة والزبن فى داخلية عنجة -وتبلور التفاوت العلمى بين الطرفين التزم دقش جانب الادب مع عداء سافر وقطيعة كاملة للرياضيات والعلوم واتجه الزين للعلوم متفوقا فيها -حدثنا دقش عن ذلك الدرويش الذى كان بالسوكى ويدعى عبد الله السائح -وهو يسمى نفسه عبد الله السائح فى درب الله والذى تنبا للزين بان يصبح طبيبا وتنبا لدقش بان يصبح شيئا اشبه بالمحامى وما هو بمحامى واظن ان ثقافته ومعرفته خذلته فى ان يقول اعلامى --وكلاهما يحتاج لسرعة البديهة والذكاء وطلاقة اللسان -حدثنا دقش عن زميله الزين عباس الذى كان اديبا حتى النخاع فى الستينات فكيف وانى له ان يصبح طبيبا -كيف يمكن لاديب وشاعر ان يختار طريق المشارط والعمليات والجروح وكيف لشخص مثله ان يبتعد عن الازاهر والعصافير والغيم والرزاز والوجدانيات الى حجرة العمليات وطلاسم الروشتات -لكن الزين فعلها وتخرج طبيبا وعاد من جديد يمازج بين الشعروالادب من جهة والطب من جهة اخرى لانه تخصص فى الطب النفسى وهو مجال فيه رقة وفيه تعامل مع الانسان على درب شفاف مثلما هو شديد الحساسية فهى ايضا يمر عبر الاحاسيس والمشاعر الانسانية - اخر مرة قابلته فيها كان فى المنامة وهو مشغول بابتعاث ابنه لانجلترا ليدرس تخصص والده -
كل هذه اللمحات حاكت فى الذاكرة لان صورة الزين تتلالا فى صدر البورد - طول الله عمره
|
|
|
|
|
|