|
كـراهــــية
|
(كلام عابر)
حدث قبل أسابيع قليلة أن جاء أستاذ في إحدى الجامعات الشهيرة في مدينة عربية والذي يحمل لقب شيخ بجانب لقبه العلمي ، جاء لإلقاء محاضرة تتناول الأخلاقيات الطبية من منظور إسلامي، وذلك ضمن ندوة عالمية يستضيفها مرفق علاجي وبحثي مرموق في نفس المدينة التي تقع فيها الجامعة. دلف المحاضر إلى قاعة المحاضرات وتلفت يمنة ويسرة ثم قفل راجعا وقال للقائمين على الندوة إنه لن يدخل القاعة ما لم "تطهر" من النساء. كان جمع النساء الذي يعنيه المحاضر الشيخ يضم محاضرات مشاركات في نفس الندوة وباحثات وطبيبات متخصصات وصحفيات وإعلاميات جئن لتغطية أخبار الندوة. حدث هرج ومرج لكن الأمر في النهاية انتهى بمغادرة النساء للقاعة حسب "تعليمات" المحاضر، وغادر القاعة معهن بعض الحاضرين من الرجال استهجانا لمسلك المحاضر ومسلك القائمين على الندوة الذين رضخوا لمثل هذا الهوس والإبتزاز. قبل سقطة المحاضر الشيخ الشنيعة كانت هناك سقطة أخرى في سيدني العاصمة الإقتصادية لأستراليا، فقد وقف تاج الدين الهلالي إمام أكبر مساجد سيدني خطيبا يشبه السافرات اللائي لا يتحجبن، في كل المجتمع الإسترالي ، المسلمات منهن وغير المسلمات، باللحم المكشوف وقال في تشبيه سمج إن الكلب إذا وجد لحما مكشوفا في حديقة عامة أو في شارع فلن يتردد في التهامه ولن يلام الكلب على ذلك بل يلام صاحب اللحم الذي تركه مكشوفا للكلاب. ونفس هذا الرجل المجرد من الإحساس وقف والناس في قلب الكارثة والدموع ليصف إعصار تسونامي المدمر الذي أودى بحياة عشرات الآلاف بأنه غضب ومقت من الله تعالى. وسقوط سبق ذلك تمثل في كلمات بابا الفاتيكان الذي وصف الإسلام بالدموية وأنه انتشر بالقتل وسفك الدماء. قداسة البابا لم يعتذر عن كلماته فيما بعد بل بررها بما هو أقبح وقال إن كلماته قد أسيء فهمها، مع إن السوء ليس في عقول المستمعين ، إنما في عقل البابا ونهج تفكيره وتجاوزه ما تعورف عليه من خطوط حمراء. قبل هذه السقطات الثلاث التي حدثت كلها في عام 2006م كانت سقطة رئيس أكبر دولة في العالم جورج بوش عندما كان ما يزال تحت تأثير الصدمة والرعب الذي أحدثته تفجيرات برجي نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وتوعد على الهواء مباشرة بحرب صليبية ، لكن تلك الكلمات الساقطة حذفت من التسجيل عندما أعيد بث خطابه مرات ومرات فيما بعد. كان إمام مسجد سيدني هو "الحيطة القصيرة" من بين هذه النماذج القبيحة، فهو وحده الذي طالته المساءلة والمحاسبة والإيقاف، أما الحالات الثلاث الأخرى، فقد مرت دون أن تجد رد الفعل الذي تستحقه. وهي جميعها حالات متفرقة متضادة لا يجمع بينها سوى هذه السطور مثل لحد المعري الضاحك من تجاور الأضداد وتزاحمها، ويجمع بينها كذلك نمط التفكير الأحادي المتطرف القائم على كراهية الآخر، والكراهية مثل التطرف، لا دين لها ولا وطن، وترفضها الشرائع والمجتمعات في كل زمان ومكان، لأنها بالضرورة ستولد، طال الزمن أم قصر، رد فعل مضاد مماثل لها في القوة أو أكثر قوة منها، وهذا هو الخطر الحقيقي والمهدد الأكبر لسلم المجتمعات، ولهذا السبب برزت في العالم مؤخرا منظمات عديدة طوعية غير حكومية وغير ربحية أعضاؤها من مختلف الملل والأعراق لإشاعة ثقافة التسامح بين البشر ومحاصرة منابع الكراهية التي تولد الفعل المتطرف. القاسم المشترك بين بيندكت السادس عشر وأبي حمزة المصري وتاج الدين الهلالي وجورج بوش والملا عمر وبرلسكوني ومقتدى الصدر وغيرهم هو قلوبهم التي تنضح حقدا على الآخرين وكراهية لهم. قبل الختام: جاء في الأخبار أن ثري كويتي يسعى هذه الأيام بشتى السبل لشراء الحبل الذي شنق به صدام حسين بأي مبلغ كان إرضاء لعدة أشياء فيه من بينها التباهي أمام زواره، مثلما تباهى أمامهم من قبل بقطعة اقتناها من حطام تمثال صدام حسين الذي كان يتوسط بغداد ، وقد كلفته تلك القطعة مبلغا كبيرا من المال. صدام وجلادوه يتساوون في نظري دموية وقبحا، وهذا وجه واحد للعملة، أما الوجه الآخر فهو دعوة أوجهها لهذا الثري الذي غلبت عيه الكراهية الممزوجة بالسفه المبدد لأنعم الله ، أدعوه ليقرأ مرة ثانية كلمات المولى عز وجل (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل صوب فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) الآية 112 من سورة النحل "صدق الله العظيم".
(عبدالله علقم) khammma46@yahoo.com
|
|
|
|
|
|