ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟ مقالات مختارة للخاتم عدلان: عرض وتعليق د. محجوب التجاني

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 01:08 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-09-2007, 02:16 AM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟ مقالات مختارة للخاتم عدلان: عرض وتعليق د. محجوب التجاني

    Quote: ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟
    مقالات مختارة للخاتم عدلان

    عرض وتعليق / محجوب التجاني
    الترجمة العربية /4 يناير 2007




    - 1 –

    نشرت منشورات مدارك ( القاهرة 2006) ما المنفى ؟ وماهو الوطن ؟ ، بالعرفان أطيبه لبكري أبو بكر، المدير العام لموقع "سودانيز اون لاين " على مبادرته ودفعه مع آخرين كُثر فكرة إصدار مجموعة من أعمال الخاتم عدلان الفكرية في كتاب يتبعه أُخر.
    صمم الياس فتح الرحمن للكتاب غلافاً مبدعاً بالأسود والأبيض ، موحياً للقراء صفة رئيسة لشخص عدلان الاجتماعي والسياسي . وأكد الباقر العفيف ، باحث منظمة العفو الدولية أُمنستي في تقديمه المجموعة ما يمثله تسامي عدلان الأخلاقي. بذا ، يبرز الغلاف مع التقديم تذكرة بتوليفة جورج لوكاج المحلقة بجناحي الانسانية والثورة . ولسوف نعود الى هذه الفكرة في تعليقات لاحقة .
    نقدم في هذا العرض بوتقة من حدائق الخاتم الفكرية حول مفكرين سودانيين، فيما حواه ما المنفى ، بمن فيهم عبدالخالق محجوب ، وحسن الترابي ، وجون قرنق، والصادق المهدي . يتصل تعليقنا بأعمالٍ لعدلان في الفلسفة وافكارٍ في قضايا السياسة تشمل اتفاقات مشاكوس للسلام ، واتفاقية القاهرة بين التجمع الوطني الديمقراطي وحكومة السودان، وافكار عدلان بشأن كاتبات سودانيات، ومواضيع هامة أخرى.
    يقول العفيف : " كان الخاتم صاحب فلسفة في الحياة متكاملة . وكان منسجماً مع نفسه ومع رؤيته الكونية ، والمبادئ المنبثقة منها حتى آخر لحظات حياته . " ان هذا التكامل الفردي في كونيته "كان فيه شئ من الغريب جعله ، في نواحَ ٍ معينة ، غير مفهوم حتى بالنسبة لأقرب الناس اليه . فموقفه الفلسفي المتكامل حول الوجود ، ومعنى الحياة ، ومكانة الانسان فيه ، لايجد القبول من الكثير من أهله وذويه ، وكانوا يريدونه ان يتراجع عنه ، وهو على عتبات الموت . "
    كان عدلان على تفهم وود يقدر موقف نقاده ، " لأنه كان يدرك أنه ينتمي لمجتمع معجون من طينة الدين ، وهو مجتمع بسيط ومتخلف اجتماعيا ، يحمل افراده تصورات تبسيطية عن الدين ، وعن الحياة الآخرة ، والجنة والنار وحسن الخاتمة . كان يدرك انهم اناس طيبون يريدون له الخير , ويظنون انه بترديده لبعض العبارات سيضمنون له خلاص روحه . "
    هنا يعلق باقر العفيف قائلا ً : " غاب عنهم ادراك انه انفق عمره كله يعمل عمل الانبياء ، والاولياء ، والمصلحين . وانه كان مثل هؤلاء غيريا ، نذر نفسه ووظف حياته من اجل المستضعفين الذين قَرٌع الله من لايدافعون عنهم ... وأنه مثلهم كان زاهدا ً في حطام الدنيا ، دخلها فقيراً وخرج منها فقيراً . وانه كمثلهم عاش حياته القصيرة نظيفاً ، نقياً ، طاهر الجناب. "
    " حاول جهده ان يصرفهم عنه بالطرق الدبلوماسية الودية " ليفسحوا له الحرية فيما يفضله في مسيرة الحياة؛ ولانه " كان شديد الايمان بحرية الافراد الشخصية ، وحقهم في تحديد خياراتهم ، والامساك بمصائرهم ، لم يكن يرغب في فرض تصوراته الخاصة على الاخرين . وبنفس القدر كان يريد من الاخرين ان يحترموا خياراته . "

    - 2 –

    " لا يوجد في السودان اليوم حزب شيوعي . ليس في السودان اليوم برنامج شيوعي "
    ( ص 226 )

    " كأنما الحزب الشيوعي هو الأرضية الوحيدة الطاهرة لأداء فرائض السياسة ... ارض السودان واسعة ، وانتماءات السودان واسعة . ويمكن أن تكون وطنيا ً ، وان تكون تقدميا ً ، وان تناضل من اجل العدالة من خارج الحزب الشيوعي " (ص 264 ).
    المفتاح لإدراك جوانب أساسية من شخصية عدلان وفكره السياسي عَبٌر عنها خير تعبير غلاف مقالاته المختارة ما المنفى الذي قام بتصميمه الياس فتح الرحمن ، بالأسود والأبيض ، ليعلم عن صورة صافية لتكامل مبدأه ، ورحابة صدره ، ومقدرته في مراجعة جمود الايدولوجيا ، إلى جانب وقفاته الحازمة لدعم سياسات التغيير الاجتماعي سنداً للفقراء في مواجهة تركيبة الدولة ووظائفها الخادمة لملكية الانتاج المحتكرة .
    ان صفاء روحه ، وذهنيته المبتكرة ، ومعرفته الواسعة بالأدب العربي ، والفلسفة الاسلامية ، والفكر الليبرالي الغربي ، اضافة ً الى انشطته اليومية بتواضع العلماء مع سكان السودان الفقراء خاصة ً ، شكلت نظرته الحياتية عناءا ً مقيما ً بالانسانية . وصبغت هذه الخلفية الفكرية الثرة كتاباته بايمان جم التفاؤل في امكانية التحول والتغيير لتحقيق التقدم الاجتماعي للفقراء والمساكين ، قياما ً على العمل الطوعي المنظم المضاد لكل انواع القهر ؛ سيان ماصدر منها من محافظين ام ثوارا ً مركزيين .
    نضع هذه الخلفية المتفردة لعقلانية عدلان المفكر تحت مجهر الرأي ليستبين لنا شيئا ً من الالمام بتنامي الجفوة المتعاظمة بينه وبين قرناء عمره السياسي في الحزب الشيوعي ، وقد عضوا بالنواجز على مايكفل الادارة البيروقراطية الحازمة لابطال سياسات الانظمة السلطوية الاضطهادية ، لاسيما حكومات نميري و الجبهة القومية الاسلامية . فرضت الاخيرة ذكرا على الحزب ، وعدلان فيه، لممارسة النشاط في الخفاء ، كما الاخرى ، سنوات مديدة .
    إقرارا ً صريحا بمسؤليته في هذه المواقف الشائكة ، بوصفه عضوا في اللجنة المركزية للحزب ، ينتقد الخاتم ، مع ذلك ، الاثار الرئسة والجانبية لانغلاق دائرة الحزب البيروقراطية – ذلك الانغلاق المتزمت الذي غاص عميقا ، في رايه ، ليمس كيان الحزب وحياته الكلية وما يتعلق منها " بتجديد حياتها ، تجديد قياداتها ، في جريان الدم في شرايينها ، في اقامة الفرصة لجيل جديد للظهور ، لشباب جديد ، للنساء،... في الاتجاه لاعطاء الناس بدلا ً من الاخذ منهم " ( ص 266 ). ثم انه ليلفظ تواصل هذه المناهج الحمائية ؛ يستقيل ؛ ويدعو الحزب في مؤتمرات صحفية ليطبق " مداخل جديدة " ، " لاشاعة الديمقراطية" في اوضاعه التنظيمية وادائه السياسي .
    ولما كان عدلان شديد الاعتراض على كافة اشكال الادارة السلطوية ، متعلقا في ذلك بفكره الانتقادي المتقد ، كان من الطبيعي ان يقتدي بشخص عبدالخالق محجوب وعقلانيته ، في تشوق ٍ ، منطلقا من ليبراليته الاصيلة ؛ ولاغرو في ذلك ، فقد كان عبدالخالق احب معلم ملهم في الحزب الى نفسه ، ومثلت حياته السياسية بأ َس القيادة والفكر ؛ استحوذت كارزما عبدالخالق خاطره ، فبات مأخوذا بها يجاهد للارتقاء بقامته القيادية على نهجها ليبلغ طولها .
    كَوّرت قدرات عبدالخالق الساحرة بصياغته المجددة ، في تحرر ٍ وانفتاح ومرونة ، نظريات الثورة ، يُنَّظر لها في عروة وثقى بحاجات الشعب الضاغطة - وديناميات المجتمع المتفاعلة . اما ان خلفاء محجوب هم الذين قاموا بتصعيد عدلان ، بكارزميته الفتية ، الى اعلى درجات القيادة الحزبية – عضوا ً في اللجنة المركزية عام 1992 ، فذلكم مما يصب في صالح صانعي القرار في الحزب ، بانصاف .
    في معرض ردهـ على مقابلات صحفية عديدة خلال السنوات التي اعقبت استقالته من حزبه عام 1994 ، اعلن الخاتم في تفصيل ٍ مراجعاته الرافضة للفكر الشيوعي ، وهي مما جرت مناقشته داخل لجان الحزب المغلقة. ومما نبذته مراجعاته ان المعطيات المختبرية العلمية حلت محل فرضيات الفلسفة الشيوعية وجدلياتها الاساسية ؛ توقفت طوباوية الشيوعيين عن الوجود تُقصي نفسها بنفسها حينما ارتأت وجودها "مرحلة " تنهي تطورا ً لانهاية له في عجلة التاريخ الدائرة " – هكذا رأى قائلا ً : " ان الانتقال الى الشيوعية بتحويل [ الرأسمالية ] ، مجرد حلم لشاب الماني ... مفعم بأشواق العدالة المطلقة ... ضغمائي متعصب" (ص 235 ).
    رفض عدلان الشيوعية فروضها وعمليتها ؛ استبعد جازما أي احتمال لنشوء مجتمع شيوعي في القابل ، رفضا ً تقاسمه من الشيوعيين معه جمعٌ عقب انهيار الاتحاد السوفيتي . اما عدلان نفسه ، فقد تمسك ابعد منهم بعدم تحقق صدقية الماركسية السودانية فيما يختص برؤيتها امكانية الانتقال من " مرحلة وطنية ديمقراطية " من التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، الى " مرحلة اعلى من الاشتراكية ، " تتبعها " مرحلة الشيوعية " - لم يحدث ذلك ، يقول ؛ وسوف لا يتم حدوثه على ظهر الارض .
    البديل في منظور عدلان لابد ان يستحضر فلسفة جديدة من الفكر الاشتراكي تؤسس على برامج علمية مفكرة ومختبرة ، واساليب جديدة من الادارة الحزبية بقيادات تنتخب ديمقراطيا (ص 220- 240 ). هذا البديل لايقع " دون مناهج ديمقراطية متقدمة . "
    اكدت مقالات ما المنفى المختارة نأي الخاتم عن التجديدات المقترحة حول فكر عبدالخالق محجوب الذي طرحه حول البرنامج قبل ان يغتاله جعفر نميري وطغمته الديكتاتورية في يوليو 1971 . ومع حدة نَقْد الخاتم لاخفاق الشيوعيين " في مجال استعادة العلاقات التي تربطها بجماهيرها ، في تجديد حياتها ، في تجديد قياداتها " الخ ، ينبئ تحليل متمعن ان قربا " موضوعيا" ربما يتوافر بين مفكري الحزب المرموقين محجوب ، ونقد ، وعدلان . نناقش هذه النواحي فيما يلي من حلقات .


    - 3 -

    مقاربات بين محجوب ، وتجديدات نقد وعدلان

    ربما ان هناك اسبابا عديدة هي التي دفعت بالخاتم عدلان للمرابطة على مفارقات هامة باعدت به عن خطوط حزبه . فلونية نشاطه السياسي بلونيها الاسود والابيض ما كان لها سوى ان تدفع به دفعا للتعامل في ليبرالية ، بعيدا ً عن الاحكام البيروقراطية ، لشن انتقادات جماهيرية عن حالة الحزب وايديولوجيته ، واداءه السياسي . وكما كان متوقعا ، انتهت مواجهاته تخليا ً عن عضويته الحزبية ، ثم انها لتستجلب حركة حق الجديدة ، تفرعا ً من " المرحلة الوطنية الديمقراطية " ، في مفهوم الشيوعيين ، بحلول التسعينيات.
    ولربما امكن استنباطا ً بقراءة ما المنفى اقتراح بان ما ألهم عدلان من فكر عبدالخالق كان بالقطع "الجرأة الفكرية " [ جسارة الطرح الفكري ، والرؤى ، والحسم ] (أنظر ص 76 – 77 ). وهي عين القدرات التي ينسبها عدلان كاعلى ماتكون عليه للامين العام السابق للحزب ، بينما يردد الاتهام لخلفاء الامين العام بفقدانها ( انظر كمثال ص 87 ، 230 ،236 ) .
    بالرغم من تناوله الودود لشعبية نقد الواسعة ، ينتقد عدلان الاداء الفكري لخليفة الامين العام عبدالخالق : " فإن نقد دوغمائي ، متردد ، وتعوزه الجرأة الفكرية . لايضطلع بالدور القيادي الفكري عندما يتعلق الامر بالحسم أي حسم القضايا الفكرية ، أي بتحديد رأي قاطع حتى ولو كان مغامرا بان يكون الرأي خطأ " ( ص 262 ).
    مبادرة نقد التي تعود الى اوائل التسعينيات لتجديد الحزب الشيوعي ، والمهام الصعبة والمعقدة التي تكتنف عملية تحويل 50 عاما من البناء الشيوعي الى هيئة اشتراكية معاصرة في حلبة السياسة السودانية ، مع ذلك ، توحي برأي مخالف لما خلص اليه تقييم عدلان .
    ان التزام عبدالخالق الصارم بحاجات الفقراء وتطلعاتهم كان له تأثير السحر على فكر عدلان طوال حياته السياسية ، بغض النظر عن عضويته الرسمية او تخليه عنها . وطبقا لبحوث تتعلق بمواجهات الحزب الشيوعي ومصادماته السياسية لحكومات السودان المتعاقبة ، فان هذه الصفات نفسها تقاسمها لمدى بعيد عدد كبير للغاية من اعضاء الحزب الذين رفعوا قواعد مهامهم الرئيسة في نطاق نفس الاصول الفكرية ونضالاتها السياسية عبر السنين الطويلة .
    تعود الاوساط الفكرية و الاقتصادية وسماتها الديمغرافية [السكانية ] لحزب الشيوعيين السودانيين في الغالب الى عمال المدن ، وموظفي الدولة في الوظائف الصغرى ، ورجال الاعمال البسيطة ، الى جانب عدد اقل حجما ً من مؤيدي الحزب وسط جماعات المزارعين والبدو وعمال الزراعة الموسمية .
    هذه القطاعات السكانية المختلفة شكلت مصادر الحزب الفكرية عمليا ً ، وقد اسهمت بثروة من المساهمات التي تلامس كافة الشئون الحياتية للسياسة السودانية وأنشطتها الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية و الجمالية على قدم وساق مع فكر عبدالخالق وعدلان ؛ قرائح معتقة تضم ، ضمن مفكرين آخرين ، عمر مصطفى المكي ، وجوزيف قرنق ، والجزولي سعيد – تقف مثالا ناصعا ً على ذلك السواء.
    جعل هذا التراكم الجماهيري المعرفي الواسع من الحزب الشيوعي مؤسسة فكرية متنفذة على الرغم من حجمها الانتخابي المحدود ، مقارنا بالاعمال الفكرية التي جاءت بها الدوائر الانتخابية الكبيرة لحزبي الامة والاتحادي الديمقراطي .
    في تجديد محمد ابراهيم نقد لبرنامج الحزب ، استعانت مراجعه بوثائق الحزب الرسمية ، ومواد مؤتمراته ، وجلسات لجنته المركزية ، وتحفة عبدالخالق المؤثرة حول البرنامج التي ادمجها نقد جزئيا في مشروعه لتجديد حزبه . مهام تجديد البرنامج كانت معقدة . تنطوي على تفكير دقيق في حاجات الحزب للحفاظ على نضالاته الايجابية وما تمخض عنها من نتائج في الماضي ، دون اضاعة للتبصر اللازم في تحديات الحاضر ، او اغفال ٍ لافاق القابل .
    غالب الامر ، سيقرا القارئ في تجديد نقد مفاهيم عبدالخالق كماهي : سيجد اصطلاحات الطبقة العاملة ، وفائض القيمة ، الثورة السودانية ، والثقافة الديمقراطية ، وما شاكل ذلك ، في محاولة تثير الاهتمام لابعد الحدود من قبل نقد لتوظيف هذه المفاهيم ومصطلحاتها ضمن اطار تستقي مراجعاته من الفكر المعاصر .
    غرض مثل تلك المراجعة ، يبين نقد ، هو معايشة تحديات العصر وهمومه : فالبرنامج نسخة مركزة من المقاصد العامة ، ومؤشرات وجهة التنمية والنضال السياسي والاجتماعي ؛ ليس بروتكولا جاهزا او نموذجا للتطبيق ؛ يوضح تقديمه .
    قال عدلان ان نقد " وقف حائرا ً حيرة ٍ مطلقة في الاهتداء الى تعريف محدد للاشتراكية لانه نفى ، وهو محق ، ان الاشتراكية ليست هي ملكية الدولة لوسائل الانتاج ، بل هي الملكية الجماعية لوسائل الانتاج" (ص 227 )
    يبدو ، مع ذلك ، ان صعوبات الخلوص الى مفاهيم تنسخ مفهوم الاشتراكية وتعاريف الفكر الشيوعي الاخرى شكلت عاملا ً من العوامل التي ربما كيفت معالجة نقد لمهام التجديد باستثارة النقاش ، وتجنب اسباغ موجهات نهائية او حلول جاهزة بشانها (راجع النص الكامل لتجديد نقد برنامج الحزب الشيوعي ، لمزيد من التفصيل ).


    - 4 –

    مقاربات مستمرة بين محجوب ، وتحديات نقد ، وعدلان

    يقابل عدد كبير من المثقفين السودانيين وغيرهم من المعنيين بمسائل التغيير الاجتماعي في بلدان العالم الثالث ، باهتمام ٍ بالغ ، المهمة الخاصة ببحث المدى الذي يتاح فيه " لوجهة التطوير و نضالات التغيير" الانتقال بمؤسسة حزب . فما مدى النجاح الذي انجزه تجديد نقد لحزبه بالفعل ؟ سؤال جوهري لاتتوفر اجابة عليه بعد. يبدو الامر كما اقتنع به المجدد نفسه : ان الحكم والكلمة الاخيرة يحتفظ بها لمعايير العلم ، والممارسة ، وارادة الشعوب والجماهير العريضة .
    بدوره يتمسك عدلان باصرار في المنفى (ص 37 ,83-93 ،220- ) بأن اسناد مهام التجديد للامين العام للحزب وغيره من قادة الحزب لضمان حدوث التغيير الفاعل في تطوير بنية الحزب او توجهاته ، ليس السبيل الوحيد اوالممكن لتحقيق اصلاحات ديمقراطية تجري على اساس توسيع المشاركة الجماهيرية .
    جاء بالمختارات عبارات تنويرية للخاتم . وكان وقتها رئيس اللجنة التنفيذية لحركة حق . يشير رئيس الحركة الى بنود تجديدية هامة فيما يتعلق بمفهوم " التعددية " ، أي وجهة تتخذها التحالفات السياسية مع حركة الارياف في دارفور والجنوب ، ويؤكد مشددا على " ديمقراطية الحزب " و " قيام مجتمع مدني متين ".
    يعتقد الباحث ان اهم برنامج للانجاز الوطني يتظاهر في تأكيد زعيم حركة حق في تعميق على الحاجة " لكسب المواطن الجنوبي بصورة عامة ، وكسب المواطن الجنوبي الموجود بالشمال على وجه الخصوص. ويبدأ ذلك بمعاملة النازحين في معسكراتهم والعمال في مصانعهم والطلاب في جامعاتهم ، والمثقفين في منتدياتهم وصحفهم ، معاملة مختلفة كليا عما ظلوا يتعرضون له من اضطهاد ومهانة وعزل " (ص 38 ) .
    فيا له من التزام وطني ديمقراطي عظيم !
    يرسل عدلان بهذا النداء القوي رسالة صفية للامة باجمعها بامكانية تحقيق الوحدة الوطنية : "ويقتضي هذا توجه كل القوى السياسية حكومة ومعارضة الى توفير الحد الادنى من الخدمات الاساسية ومن حقوق المواطنة [الكاملة ] لهؤلاء الاخوة في الوطن " (ص 40-41 ). ما من داع ٍ هنا لذكر ان شمولية هذا المشروع الوطني لابد لها من الانتشار بإحتضان كافة الجماعات الاثنية والدينية في السودان على نحو ما يفصله عدلان في فقرات أخرى.
    يعادل تلك الافكار اهمية ، ماعول عليه رئيس اللجنة التنفيذية لحركة حق في مخاطبته " لوحدة السودان " على اساس التمتع الكامل بالعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان والحريات المدنية . بنفس القدر يدعو عدلان [ في خطاب اخر] الى عقد " مؤتمر قومي لقوى السودان الجديد ، تصيغ برنامجا شاملا لمستقبل البلاد في ظل النظام الديمقراطي العام "(ص 192 ).
    اكد رئيس تنفيذية حق المفاهيم " الوطنية الديمقراطية " ونضالاتها المشهورة :"التنمية ، الحداثة ، والتقدم "،" ارتفاع اصوات الكادحين والمسحوقين والمظلومين والمقموعين ليعبروا عن حقوقهم في توفير العمل وعدالة الاجور والحصول على [الحاجات الاساسية ] الطعام والشراب والكساء والمأوى [وغيرها ] " و " تحرير المرأة " و " ليبرالية المجتمع " وما الى ذلك (ص 33- 44 ) . ويلاحظ مع ذكر تلك المفاهيم ، تفادي رئيس حق لمفاهيم الحزب الام التاريخية : "الطبقة " " المرحلة الوطنية الديمقراطية " ونحو ذلك من ادبيات الشيوعية .
    واذا صرفنا النظر عن حالة التوقف التي انتابت حركة حق في مسيرتها كجسد موحد ، بسبب خلافات لم تتم ازالتها بين القيادة ، وسلبيات اخرى تغشاها عدلان ذكرا ً خفيفا في مقالاته ، اختارت الحركة بقياده عدلان ان تحرر ادبها من المرتكزات الفلسفية للحزب الشيوعي ، وعلى وجه التحديد النظرية الماركسية اللينينية وعمليات اتخاذ القرار الممركز – وهي ما انتقده عدلان داخل الحزب الشيوعي في اصرار وتماسك باعتبارها استالينية محبطة لديمقراطية الحزب وتقدمه .
    يبدو على الرغم من المدخل الطازج الذي طرحته حركة حق لمعالجة التخلف الاجتماعي ، والنكوص عن التقدم ، وحالة التدهور السائدة في مسار التنمية ، ان الحركة لم تفارق المنطلقات الاولية للفكر الاشتراكي في السودان (صراع التناقص ما بين قوة العمل المفقرة ، وعلاقات استغلالها ، والحاجة من ثم الى تطبيق طرائق التحرر من ذلك الوضع ). يتعقب الحركة شبح الاشتراكية بأفكار الشيوعيين المؤسسين ، في نفاذ. تبدو حق لذلك محاولة فكرية للضغط على " تجديد" الحزب الشيوعي الام بالتدابير التنظيمية والادارية الاصلاحية التي دعت لها ، مع كونها تصدر من خارج ذلك الحزب ؛ اكثر منها تنظيما سياسيا جديدا يقوم على مدرسة فكرية مجددة .
    لقد كان عدلان مغتبطا بما تبناه دستور الحزب الشيوعي الجديد من اصلاح ديمقراطي ( ص 238 – 239 ) . وتؤشر مساندته لما اعلن من تحول ، في منظور ابعد ، على انتقادات عدلان الليبرالية الاصيلة التي سّنها ضد بيروقراطية الحزب آنفا ً.
    اما كان في وسع قيادة الحزب ان تحتوي كل هذه الالتقاءات في حينها ؟!


    - 5 –

    نزاع لاحل له مع حسن الترابي وتنظير الاخوان

    اجتاز الفكر الماركسي الغربي المضاد للراسمالية عقبة الانتقال بحق الملوك الالهي في فكر الالماني هيغل الى حق الطبقة العاملة المكتسب بالثورة ، على الرغم من تجذر فلسفة هيغل الغربية في فكر الراسمالية المحافظة .
    تحملت مجتمعات الغرب الراسمالي عالية التصنيع في ضيق ٍ بالغ تنظيرات ماركس التي قلبت مجتمعات الراسمالية على اعقابها في روسيا واوروبا الشرقية الاقل صناعة . بحلول الثمانينات من القرن العشرين ، طويت آخر صفحة من انظمة الاستبداد الشيوعي في الغرب ( بما احتكرته سلطات دوله من سلطة وثروة وحركة جماهيرية ) – ذهبت الانظمة الى القبر بسقوط منظومة السوفيت السياسية بالكامل .
    واصلت الراسمالية في وضعها المتقدم مسيرتها في اوروبا ، والولايات المتحدة ، واليابان ، ونمور آسيا ، مجرية ً تعديلات يسيرة على علاقات العمل السائدة بها ، مستفيدة ً في اقتدار من الانظمة الاوروبية الزائلة التي كانت قد حققت من قبل معدلات فائقة في فوائد العمل وبرامج الرعاية الصحية والاجتماعية ، والثورة الروسية العلمية في ابحاث الفضاء التي انطلقت منذ وقت قريب بثورة المعلومات غير المسبوقة ، تحت سيطرة الراسماليين ، اضافة الى فرض شروط تتعلق برعاية حقوق الانسان على انظمة الاستبداد.
    ولسوء الحظ ، انطلقت روسيا عجوز الاشتراكية والصين فتاة الراسمالية المراهقة في تهور غير حكيم لمساندة الانظمة الاستبدادية في العالم ( بما فيها حكومة الجبهة القومية الاسلامية ) في شبق عطش للتنافس مع راسمالية الغرب التي حققت تقدمها عبر القرون ، بصرف النظر عن مبادئ " الرفاق " التي حكمت في يوم من الايام علاقات البلدان الاشتراكية الاوروبية – الاسيوية مع بلدان العالم الثالث .
    ان مجتمعات الشرق بتصنيعها القليل وزراعتها وبداوتها الطاغية ، وضعت مهام حياتها السياسية قيد الاختبار الايديولوجي القاسي لتحليل ما انشأهـ الاستعمار الراسمالي الاوروبي في بلادها من دول متخلفة الاقتصاد ، مستغربة الثقافة ، الى اشكال مقبولة من الحكم الوطني . ومع كل ذلك ظلت محاولات البلدان المحررة من الاستعمار لتسوية تعقيدات التحول الوطني فريسة ً لعسرها وصعوبات تخطيها .
    الحكومات المحافظة تساقطت عجزا دون انجاز مهام التحول ؛ قاصرة ٍ عن كفالة الحريات الديمقراطية واقرارها ، تجتر موروثات الاستعمار البائدة على ماحوت من سلطة وثروة ؛ على صعيد واحد مع الانظمة العسكرية التي عليها اقدمت بعنفوان الثور، تفرض تحولات مسخ الاشتراكية . وقصر الجميع ، محافظا كان ام هائجا ، عن احتواء ما تتميز به مجتمعات الشرق من خصائص قومية اصيلة . تلقينات الاحزاب الرجعية ، الصاعدة من بزوغ ٍ لثورة اسلامية ، زادت الموقف سوءا بما اقامته من انظمة راسمالية متخلفة وارهابية ( كمثال تحالف البترول بين الجبهة القومية الاسلامية والصين وصفقات شراء الاسلحة من روسيا والصين ) - دع عنك الحديث عن الفوضى الدولية من سلطنات الطالبان المنتمية للقرون الوسيطة ، والاخوة الاسلامية المزعومة لتنظيم القاعدة الفوضوي.
    الادانة القوية مستحقة لراسمالية الغرب لعدم اكتراثها بهموم العالم الثالث الثقافية والدينية . والادانة القوية مستحقة ايضا للضغوط طويلة الاجل التي لا يكف الغرب عنها لارغام الحكومات المنتخبة ديمقراطيا على الاذعان للاملاءات الاجنبية ومراعاتها على حساب المصالح الوطنية ( مثلما تعرضت له حكومة الصادق المهدي من البنك الدولي ).
    القوى العلمانية والاشتراكية والليبرالية في الشرق لابد ان تشرك في تلقي اللوم على تواصل حالة التخلف الدائم والاخفاق المزمن للتنمية في دول الشرق ومجتمعاتها .
    مع ذلك ، يجدر القاء كلمات التشجيع والثناء على العلمانيين من السودانيين والعرب و الافارقة والمفكرين الاسلامين والمسيحيين و اليهود و الهندوس وغيرهم من الذين ناضلوا في معرفة ٍ عظيمة وحماس هادف تحبيذا لبرامج طرحت برؤية ديمقراطية حصيفة لتطوير الهوية الاقتصادية والثقافية للمجتمعات عبر نضال عالي المستوى ، اخلاقيا وسياسيا لتحديث دول الموروث الاستعماري القصّي عن مطالب المعاصرة وتحديات الحياة الراقية .
    يلتمع على الفور ، دونما حاجة لتذكير ، حول البرنامج الذي خَطّه عبدالخالق محجوب (عام 1971 ) سابقا ً لعصرهـ .
    بوجه ٍ خاص ، ركز وكلاء التغيير الاجتماعي ومموليهم بالغرب والخليج في بلادنا الرازحة تحت معدلات النمو الهابط ، معظم خطط التحديث على مشاريع تنموية " سهلة " الانشاء نسبيا ً ( اراضي الجزيرة وامتداد المناقل والرهد ، وهي المشاريع التي قامت الجبهة القومية الاسلامية واخوانها بتدميرها تدميرا شاملا ) على حساب سدود الجنوب المختومة دون انماء (قبل تدفق البترول ) كما راها جوزيف قرنق (1969 ) ، او التنمية المهملة لصحاري الشمال واراضي الجفاف .
    فشلت عقلية السودانيين المحافظين منهم والتقدميين في النفاذ بأي قدر متماسك الى الاغلبية الكاسحة من السكان وهي تعاني التخلف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في ظل " التصورات التبسيطية عن الدين" وفقا لكليمات باقرالعفيف التي ذكرها في مقدمتة المؤثرة لمقالات الخاتم عدلان ، ما المنفى .
    اضحى المجال مفتوحا على مصراعيه أيا ً كانت الحالة امام حركة الاخوان المسلمين الارهابية ، المعاكسة للديمقراطية ، المتلهفة لاحتكار الثروة والسلطان - تنازلوا ثقالا على العسرة التي حالت دون تغلغل العلمانية في الارياف ، يُفرغون قضايا التقدم الاجتماعي عن مضامينها النبيلة تهجما ً لاانسانيا بقيادة الدولة . وابتزلت جماعة الاخوان الحاكمة فوق كل شئ " التصورات التبسيطية عن الدين " في المناطق الريفية . مدعومين بسلطات مطلقة لااخلاقية ، سيفلح الاخوان في استعداء اهل الريف على الفكر العلماني المنير، اشتراكيا كان ام ليبراليا (وان رمى الى رفع رايات الايمان في سلام حاملا ً الاستنارة لتطوير المصالح المادية والمعاني الروحية للفقراء ).
    هكذا تصطف تجمعات لمزارعين واخرى بدوا وراء حمم الاخوان الارهابيين ، مسمومين بغيبوبة الرجعية والتخلف بالسموم المبثوثة (ممولة ً بسخاء من حكام الجبة العسكريين منهم والمدنيين بلا رقيب) . تلقن الفوضى في قيم البسطاء الثقافية وبناءاتهم الروحية ، ومناهج تضامنهم المالوفة في الارياف الجريحة حيثما سلكت انشطة الجبهة الهدامة دروب حياتهم ، مهددة ً متوعدة ً مدمرة ً بمليشيات الدفاع الشعبي والجنجويد ، بدارفور وجنوب السودان . ان طغمةالاخوان اصابت بالعمى ضمائر الكثيرين بما اوقعت في روابط الريف البرئ ومعتقداته الدينية وعلاقاته الاثنية . وما كان لاحزاب العلمانية المتمترسة في مدائن الحضر اقترابا منها ، زمانا .


    - 6 -

    يتواصل نزاعا لاحل له مع حسن الترابي واخوانه

    يوقن الخاتم عدلان بان الحزب الشيوعي" احترم عقائد الجماهير ، وقد حوسب كثير جدا من الشيوعيين ، على اساءتهم في أي وقت من الاوقات لمعتقدات الناس. واعتقد ان هذا النص من الاشياء الايجابية تماما . كلنا كنا ملتزمين بذلك ، ولايشهد لنا المجتمع السياسي وعمرنا فيه طويل ، بالاساءة لاي دين او لاي معتقد . ولكن عندما تستغل الدين لتضليل البسطاء – الترابي مثلا- ولنيل مكاسب دنيوية بحتة فإنني اكون صحيحا ً تماما ً " ( ص 256 ) في نقدها .
    تواصل اهمال سكان الريف ، وتواصل اثره السالب في الحيلولة دون تطويرهـ بالعلمانية الراشدة . وفيما بعد ، خاطب عدلان أمر الديانة في افكاره عن الوسطية ( وهي غير مضمنة في الكتاب ) ، افكارا ً تطلب وضع الدين اداة ً للاستنارة في شان السياسة ، لا اداة ً لاستحواذ الحكم .
    قال في مقابلة اجرتها معه صحيفة اخبار اليوم : " انا كمفكر اجتماعي وكدارس للمجتمعات اعلم انني حتى لو اردت ، فانني لا استطيع ان الغي التأثير الديني ، وما يلعبه الدين كحافز معنوي جبار وهائل في حياة الناس وفي حياة المجتمعات ، لايمكن ان نلغي ذلك ، انا كل ما اقوله ان الناس عندما يمارسون عباداتهم وعندما يمارسون معاملاتهم على مستوى المجتمع المدني ، عندما يتعاطفون مع القضايا المتعلقة بالضمير و الصدق والاستقامة فهم يتقدمون كمتدينين "(ص 255 ).
    ثم يؤكد عدلان : " عندما يتعدى الامر ذلك الى البرامج الاجتماعية الى القضايا السياسية الى الصراع السياسي ، حينذاك يتحولون الى فعلة اجتماعيين عاديين يمكنهم ان يستلهموا ، وهم يفعلون كذلك ، قيمهم الدينية ولا حرج في ذلك، ولكن استلهامهم للقيم الدينية لا يمكن ان ينال درجة القداسة ... وعندما انادي باعطاء الدين مجاله في اعمار الوجدان ، وفي رفع الاخلاق الى مستويات جديدة ، وفي التعاطف والتسامح والمحبة ، هذا كله مطلوب ، ويطبق على الناس . اما ان تستغل الدين كمظلة لاستغلال الناس ، ويستخدم كمبرر لقمعهم وقتلهم والتمثيل بهم وضربهم فإن هذا لايكون من الدين في شئ " (ص 256 )
    اثناء الخمسينات ، وماجَدّ بعدها ، منح عبدالخالق محجوب اهتمامه الكبير لطموحات الاخوان المسلمين الخطيرة ، وهي تستهدف إزالة البنى الاهلية في السودان والامم المجاورة بمحتكمات دينية مناوئة للديمقراطية . مَحّص القائد الشيوعي مخططات الاخوان الرديئة ، وازاح الغطاء عن محتوياتها الارهابية بفكرهـ العميق وادبه الناقد الرفيع ( انظر مؤلفه افكار حول الاخوان المسلمين ).
    اخترق منظور عبدالخالق الناقد افكار الاخوان ، يزيح عنها الد ثار وما وراءه من شر ٍ رابض ؛ رآءه سرطانا ً سريع النمو لاقتناص السلطة واكتناز الثروة بالاستيلاء على سدة الحكم . تقدمت المفكر رؤيته الثاقبة ، مدفوعة ً بجرأته الفكرية الشهيرة ، تنازل مخططات الاخوان في طفولتها الباكرة في مجتمعنا حين لاذت احزاب الامة والاتحاديين وغيرهم من اللاعبين في الساحة بالمشاهدة ، ويرقبون في صمت سرطان الاخوان الشرهـ ، ويدعمون باسوا من صمتهم الاسلام السياسي الذي يعادي به الاخوان كل الانشطة العلمانية والليبرالية .
    ما كان حتى وقوع انقلاب الترابي والبشير العسكري عام 1989 الذي مَكّنهم من السلطة في تواطؤ زنديق مع جماعات الاخوان السودانية والاقليمية والدولية ( متبعّة فيما بعد بجرائم حكومة الجبهة القومية الاسلامية وحلفائها في السودان والامم الاخرى ) عندما بدأت جماعات السودانيين السياسية والمجتمع الدولي في ادراك صدقية عبدالخالق وتنبؤات فكرهـ الصحيحة منذ الخمسينيات الباكرة عن مؤامرات الاخوان التخريبية . متآلفا منسجما مع فكره الانتقادي ومبادئه الحرة ينفي الخاتم (ص 139-146 ) الفتاوى السياسية التي اصدرها سيد قطب وحسن التربي تدين فصل السياسة عن الدين وتدني الخارجين عنها من حرق الجحيم . هنا يؤكد عدلان : "اعتراضنا الاساسي [ ان ] الترابي يحّول حق السياسة... الممارسة الانسانية البسيطة والمباشرة الى جدل ايديولوجي ، لايمكن ان يوحد الشعب مطلقا " (ص144 ).
    ان المرء ليعجب مَنْ من السودانيين يولي ثقته مثل تلك الفتاوي التي تعج ظلما ً بما تسن من مظالم على ما تدبج به من مراجع وترسم خاطئ لخطى مواقف ، لها ما لها وعليها ما عليها في تاريخ المجتمعات المسلمة ، دون حاجة ٍ تلزم نقلها في الحاضر . لقد امر القران الكريم المؤمنين بالتفكر وعقلنة الامور قبل الاندفاع في تصريفها كيلا يكون الإنسان (كالحمار يحمل أسفارا) . وهذا هو السبب الذي دعا عبدالخالق محجوب ليلفت أنظار الخلق في أفكار ان الله يريد من عباده المؤمنين ان يتعلموا ويتفكروا ويتعقلوا لعلهم يرشدون فيما يفعلون.
    غالبية المسلمين في ارجاء المعمورة ، بليون او اكثر، لا يتبعون الاخوان المسملين . يرون امرا ً مريعا فتاويهم ، بما فيها فتاوى بن لادن والظواهري اللذان يشنان تهديدات الحرب لتدمير الغرب بإ سم امة اسلامية من صنع افكارهم . ومن فتاوى السودان ما اصدرته هيئة العلماء المزعومة في الابيض اوائل التسعينيات من فتوى تؤيد سيد الحسيني حاكم الجبهة القومية الاسلامية في جنوب كردفان ، ليذبح مئات النوبيين في عقر دارهم ، لانهم رفضوا الامتثال لاسلامه السياسة.
    بفتاوى العلماء المشتبقة لسفك الدماء ، افتتنت حكومة الجبهة بالحروب تسعرها تسعيرا في مناطق القطر المختلفة ، مدمرة ٍ محاصيل الزراعة ، والكنائس في جبال النوبة والجنوب ، وخلاوي تعليم الاسلام في همشكوريب شرق السودان . حقا ارتكبت جماعات المتمردين ، بدورهم ، خروقات خطيرة لحقوق الانسان في مناطق القتال ( انظر تقارير هيومان رايتس وتش ) . ما من احد من هذه الجماعات المحاربة لحكم الجبهة اقترف ما جنته الجبهة المفتونة بفتاوى الدمار من علماء الخراب . اضف الى ذلك ان الحركة الشعبية وجيشها استجابا لضغوط حقوق الانسان فأطلقت الحركة صراح الكثيرين من اسرى الحرب ، وسعت لاصلاح حالها بوساطة الكنائس مع اهلها لانهاء عداوات الحرب .
    ليس للجبهة القومية الاسلامية ما يُذكر في مثل هذه الاصلاحات الايجابية .





    - 7 -

    ولايزال نزاعا لاحل له مع الترابي واخوان

    مُساقة ً بفتاوى قرون ٍ غابرة ، لاسند لها فيما فرضت على مجتمعات اهل السودان وحياتهم الاجتماعية ، امعنت عنصرية الجبهة القومية الاسلامية النكير قتلا وتعذيبا، بلا وازع او ضمير، في كافة انحاء القطر ، عهدا ً لاسابق له من الرعب . وبرعاية فتاوى الترابي، تعلقت الجبهة اذيال الشر لترسيخ حكم يدّعي العروبة والاسلام ملّوحا بالفراديس المضمونة لقتلة اهالي الجنوب ودارفور الابرياء . ان مذابح متظاهرين مسالمين في بورسودان ومحافظة النيل تمطت بها مساوئ فتاوى الجهاد بعنجهية واستبداد مشين.
    يدعو للتهكم بحق ان الفتاوى المتلاحقة منذ مطلع القرن الجديد من هيئة علماء السودان ، وهي جماعة حكومية مدفوعة الاجر، ادانت فتاوى الترابي التي اصدرها مشرعا لزيجات يرآها بين اهل الكتاب. واتبعت الهيئة ادانتها بفتاوى دراماتيكية اخرى ، تتوعد باشنع العقوبات كل من يحمل فكرا ً ، فيجرؤ على نقد اخوان سلطة البشير ؛ وشملت قوائم الادانة المسبقة حسن الترابي واتباعه ومثقفي المعارضة من كل جانب . هذه الصراعات المتداخلة ، بالرغم من هولها، لم تدهش الكثيرين ؛ " فالمتسولون لا يملكون حق الاختيار ". اما عدلان فقد احتفظ في صرامة ٍ بارتيابه البالغ في فكر الترابي، موحدا ً كان ام مُطّلقا من الاخوان ( انظر الصفحات 127 الى 135).
    حواريوا اخوان الترابي، تحديدا عمر البشير وعلي عثمان ، تعلموا الدروس التي كان زعيمهم "الباهر" قد غرسها في ارواح الاتباع منذ اعوام طويلة للتآمر الخياني واحباط الاماني في السلام الدائم والديمقراطية الزهراء لامة السودان.
    استخدم الحُوار " الخونة " بداية " شيخهم الطاعن لنهش السلطة السياسية . ثم قاموا بجدعه خارج الحكم. وفي وقت آيل طبقوا في دقة اساليبة السلطوية ، يستخدمون تجاوزا ما اسموه "هيئة العلماء" لتدمير نفوذه السياسي ونفوذ غيره من الساسة .
    هذه الاستراتيجيات اللئيمة وماتبعها تمثل مناهج مالوفة في صراعات الخلافة بين الامويين والعبابسة ، موثقة التدوين في القرون الوسيطة ، وهي بعينها ما اطبقت به الجبهة على مجتمعنا ودولته بالعنف البالغ في فاتحة القرن الحادي والعشرين ، ومثلها النزاع المسلح بلا توقف لاقامة سلطنة الطالبان في مجتمعات المسلمين الكبيرة في افريقيا والشرق الاوسط واسيا .
    علم الناس بالاسلام لايقوم اساسا ً على الفتاوى او أي آراء فقهية تحتكرها شريحة ما من الفقهاء ، على غرار ما يذيع به الاعلام خطا بألسنة ضغمائيين من جمهرة المسملين في غياب الفكر والاستنارة . علم الناس بالاسلام اغور عمقا من ذلك ، امرا ً بعيدا .ً فوجود العقل واسع المعرفة ، وصحو الضمير لكل مسلم فرد ، لباب العلم المحسوب . والحق يقال ، ربما تجري حاجة لفتوى في امر يخص شأنا شخصيا في سياق العقيدة . على ان كل شئون الحياة السياسية التي تمس مصالح المواطنين بصرف النظر عن العقائد او الاعراف او المكانة الاجتماعية لابد من كفالتها بلا تمييز بين الناس .
    في نقدٍ بليغ لما ادعاه عبدالله على ابراهيم من ان عبدالخالق " محبذ لفكرة الدستورالاسلامي في السودان" كتب الخاتم عدلان مستنكرا ً ذلك الادعاء ، ان عبدالخالق " انتقد دون رحمة وباستقامة فكرية عظيمة ... افكار الاخوان المسلمين... عبدالخالق لم يكن في اية لحظة من لحظات حياته المدونة من دعاة الدستور الاسلامي ... بل كان خصما لدودا ، ومجادلا عميقا عارفا ، ضد ذلك الدستور وتلك الدولة..." (ص76 ).
    " مواقف عبدالخالق محجوب في المعركة الممتدة ضد الدستور الاسلامي معروفة وموثقة ... فكيف يمكن ان يكون عبدالخالق داعية للاشتراكية والعدالة والعلمانية والشيوعية ، اذا كانت احلامه تنتهي عند عتبة الدولة الدينية ؟ " (ص 79 ).

    - 8 -

    يتواصل النزاع مع حسن الترابي والاخوان بلا حل

    اسلام الصوفية في السودان مارسته كوكبة كبيرة من الطرق الصوفية . وهو الصورة الشعبية للديانة الاسلامية التي اعتنقها ومارس تصوفها معظم المسلمين السودانيين منذ دخول الاسلام بلادهم . لاتوجد ، مع ذلك ، سوى مدونات تاريخية قليلة اثبتت اصولها ، سيما كتاب الطبقات لمحمد ود ضيف الله .
    مَرّد التسامح والتعايش السلمي للصوفية في السودان هو تأثر الطرق العميق بمرونة الاسلام ، وفقا لاراء الكثيرين من علماء الدراسات السودانية . ادمجت الطرق روحانيات تقبلتها من ديانات التوحيد الاخرى ، بخاصة المسيحية ، والمعتقدات الافريقية القديمة ، وقيمها الثقافية – خلافا لاسلام الاخوان المسلمين السياسي وجموده وتحيزه الثقافي ؛ وقفت الطرق الصوفية سدا ً منيعا ً مضادا ً في جفاء ٍ لتلقينات الاخوان الاجنبية .
    وبصرف النظر عن التآلف السياسي الذي حدث في فترات مختلفة بين الجبهة القومية الاسلامية وحزبي الامة والاتحادي الديمقراطي اللذان تم تأسيسهما على قاعدة صوفية عريضة ، فُصمت جماهير السودانيين المسلمين عامة ً وجماعاتهم الصوفية خاصة ً عن انشطتها الطبيعية بسبب حروب الجبهة مدّعية الجهاد ، وفساد دولتها ، والتدمير شبه الكلي لسيادة الوطن وعلاقاته الدولية من خلال تحالفات حكام الجبهة وحساباتهم الخاطئة مع بن لادن وتنظيم القاعدة وشرائح حركة الاخوان المسلمين الدولية الاخرى. استطالت هذه الاوضاع الهدامة 17 عاما ، وطالت جماهير الختمية والانصار العريضة .
    يشمل ما المنفى بعضا من اقوى الانتقادات لافكار حسن الترابي وعبدالوهاب الافندي وانشطتهما السياسية (ص 125- 176 ) ، علاوة ً على اختلاف حاد مع كتابات الكس دي وال وشركائه في بحثهم عن الحركات الاسلامية في وادي النيل والقرن الافريقي (ص 333 – 342 ).
    منذ نشوء قامته السياسية ، كان الخاتم عدلان مدفوعا ً بانسانيته ، ووعيه السياسي ، والتزامه بحقوق الانسان والحريات المدنية لشن حملات مثابرة عبر مئات الليالي السياسية في جامعة الخرطوم ، وتجمعات الجماهير، والندوات السياسية في تحد ٍ مصادم لفكر الاخوان العليل.
    ان نقد عدلان لفكر الترابي والافندي - وهو حواره اللصيق ولسان حاله الاكاديمي - مثال على وقفة عدلان التي تعد غير قابلة للتصالح مع الاسلام السياسي .
    مثالا ً ، يؤكد عدلان الحقيقة القائلة بأن " التربي لم يستطع ان يدافع عن ممارساته على ايام النميري حتى بعد ان سقط النظام ، وصارت للجبهة خمس صحف يومية وسيطرت على الفضاء الاعلامي بالتلفيق والاكاذيب والافتراءات على كل القوى السياسية سيطرة ً تكاد ان تكون كاملة " (ص 164 ).
    يرفض عدلان محاولة الافندي تبرير ممارسات الترابي ، مؤكدا ً انها " لايمكن الدفاع عنها ، اذ كيف يمكن الدفاع عن تخزين العيش والملايين جائعة ؟ وكيف يمكن الدفاع عن اكتناز الاموال والاغلبية الساحقة يطحنها الاملاق ؟ وكيف يمكن الدفاع عن تبرير حالة الطوارئ والقمع بالادعاء انها ممارسة معروفة في الاسلام، استنها النبي الكريم ؟ وكيف يمكن الدفاع عن مبايعة النميري اماما للمسلمين ؟ " (ص 164 ).
    ثم يقول الخاتم في نقده تحليل الكس دي وال وعبدالسلام حسن للحركات الاسلامية في وادي النيل والقرن الافريقي : " ان الكاتبين افترضا ان الترابي مجدد ديني ، ومفكر يمكن وصفه باليبرالية ... وواحدا من اميز رموز الاسلام السياسي ... نقلا ً عن عبدالوهاب الافندي "(ص 338 ). وما كان لعدلان ان ياخذ بمثل ذلك الافتراض : " ان منهجهما في نسبة الليبرالية الى الترابي كان متساهلا كثيرا" قال (ص 340 ) .
    الابعد من ذلك : " ان الشهادات الواردة في كتاب [دي وال ] نفسه.... تنفي شبهة الليبرالية عن الترابي نفيا كاملا.....[ لانه ] شارك في انقلابين عسكريين ، كما انه كان منظر اكثر الحروب دموية ً في تاريخ السودان ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان ... ، وايد ماسُمي بأحكام الشريعة على عهد نميري رغم ركاكة صياغتها ، وايد اعدام محمود محمد طه " (ص 338-340 ).
    يخلص الخاتم عدلان الى نتيجة محددة : " ان الادبيات السياسية والايديولوجية المعاصرة آخذة في الميل نحو الديمقراطية والشفافية والاستقامة وحقوق الانسان [ مؤكدا للقارئ ] انها آخذة في تخطي ممارسات الترابي التي تنتمي الى عصور الانحطاط في الفكر السياسي والايديولوجي والتي يتمسك بها الترابي" (ص 165 ).


    - 9 -

    جون قرنق ، الوحدة الوطنية ، والسودان الجديد:
    تعليق عن حملات الاعلام

    التاييد القوي الذي ابداه الخاتم عدلان بشأن عزم الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها على مواجهة نظام الجبهة القومية الاسلامية العدواني ، عَرّض عدلان لموجة من الانتقادات والافتراءات التي هدفت لتهديم صورته الفكرية ، وتشويه ذاتية جماعته المستقلة وتكاملها السياسي والاخلاقي ، مثلما انها رمت لاضعاف الحركة الشعبية وجيشها سياسيا وايديولوجيا .
    خبراء الاعلام التابعين لجماعة الاخوان المسلمين بتنظيمهم الدولي ، جماعة الكُره الناطقة بالعربية ، ومرتزقة الاعلام ، مجلس العلاقات الاوروبية – السودانية المدفوع لهم بأعلى الاجور، واسراب من " منتفعي "
    الجبهة القومية الاسلامية " ومنافقيهم " يعملون يدا ً في يد لتقويض الانشطة الاعلامية الفقيرة لحركةٍ اجبرت على الانشغال بمهام الحياة او الموت في الاراضي الواقعة تحت سيطرتها منذ عام 1989 الى مطالع القرن الجديد ، بسبب القصف اليومي لافنائهم وتدمير الارض بقوات السلاح الجوي المدعوم من الصين باموال البترول مع دبابات روسيا واسلحة الدمارالاخرى التي امتلكتها جيوش حكومة السودان ؛ هذا فضلا ً عن مهام الدفاع اليومي عن النفس ضد هجمات مليشيات الحكومة الوحشية على مواطني الجنوب الابرياء (وهذه هي نفس حرب الابادة التي اعاد رحاها في دارفورنظام الاخوان المسلمين الحاكم ).
    بواكير التسعينيات عقب نصب سرادق العزاء القومي على اطفاء الشموع المبشرة لاتفاقية السلام السودانية (1988 ) واسقاطها دون تطبيق من حكومة السودان بسبب انقلاب يونيو 1989 العسكري ، اجبرت حرب الابادة الغاشمة التي طبقتها حكومة الاخوان ومكائدهم المتواصلة لافشال مفاوضات السلام ، قائد الحركة للتوجه مباشرة ً بخطاب انساني مؤثر للجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة والمجتمع الدولي لانهاء حرب امتدت خمسين عاما لتدمير جنوب السودان من حكومات الشمال ، وبخاصة ٍ ضغمائي الاخوان المسلمين اللا انسانيين، وقادة جيوشهم ، ولوردات مليشياتهم – تجار الحروب .
    حقيقة لم يكف الشعب السوداني او المجتمع الدولي يوما عن المناداة الدائمة للاطراف المتحاربة بالكف عن ذلك النشاط الخرب ، باقامة السلام العادل والدائم . حملات الاخوان المسلمين داعية الحرب فشلت لذلك في حمل القراء على ازجاء نظرة متساوية لدوافع الحرب واهدافها ، او تجميل وجه النظام الحاكم الدميم على نطاق العالم . كانت رسالة جون قرنق تضئ حقيقة الحرب لتجار الحرب : " لكيما يأتي السلام ، عليكم بايقاف كافة اعمال العدوان." والى الوقت الذي افلحت فيه الضغوط لتحقيق انصياع الحكومة لاتفاق السلام بناءا على معاهدة دولية ، كان قادة الجبهة القومية الاسلامية المعتدين يردون قائلين في عجرفة وازدراء : " لكي يأتي سلام ، يجب ان تسلم اولا ً ."
    لم يخفق الخاتم عدلان ، الناقد المحنك في شئون الحرب والسلام ، لحظة واحدة في تبصير ما انطوت عليه علاقات الحرب والسلام بين قتلة السودان المعتدين من جهة ، وقوات دفع العدوان عن جنوب السودان من جهة اخرى؛ وهي بصيرة تبز ما ابرزهـ الكثيرون من هواة النقاد والمصابين بعمى السياسة عن فهم حقائق الحرب الدائرة . يقول الخاتم مخاطبا جون قرنق : " لا نحتاج ان نخبرك بما تعرفه اكثر منا عن خداع والاعيب وخيانات شركائكم في التوقيع على الاتفاقية "(ص 193 ).
    العديد من الصحفيين (مثل محجوب محمد صالح ، ومحجوب عثمان في صحيفة الايام ونورالدين مدني في الصحافة ) واساتذة جنوبيون انتقدوا في حزم عيوب الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها بما في ذلك السلوك العدواني الاثم من قادة الحركة الكبار او جنودها ؛ وهو نقد متفهم للحاجة الماسة لتشجيع اصلاحات الحركة لتعاملها مع حقوق الانسان ، ارجح من التاكيد والتشديد على سلبيات الحركة فحسب .
    في جانب نقاد الحركة وجيشها ، مثابرة على النقد بأي شكل كان في الصحافة واستغلال لاي حيز مهما صَغّر في فضاء الاعلام للاستخفاف بالحركة وتدمير سمعة قياداتها ، بالاسم ، وعلى ذلك تركيز الحملة على جون قرنق دي مابيور. بالمقابل ، لم يصدر الا نقدا قليلا ومعمما لعناصر الابادة الحكومية للجنوب وحركته وقادته . عدلان بنقده المبدئي وصفاء منظوره الفكري وضع بالاسود والابيض حقيقة الموقف : " ان الحكومات لم تكن راغبة في السلام ، ويكفي موقف الحكومة الحالية التي كان من راياتها العالية عندما جاءت الى الحكم حسم مشكلة " التمرد" في ظرف ستة اشهر ليس اكثر " (ص350 ).
    مسلطا ً الضوء على اداء الحركة في التسعينات انتقد بيتر نيابا احد قادة الحركة احوال الحركة السياسية والادارية التي اسهمت في انقسام 1991 في كتابه الذي الفه (1997 ) من موقع اطلاعه الباطني على اوضاع الحركة حول سياسات التحرير في جنوب السودان . وفي عرضها لذلك المؤلف ، اكدت لورا نيانتق بنى ان نيابا " كان ناقدا ً حادا ً لكل من النقائص الايديولوجية والمنهجية الخاصة بالحركة . ان قيادة الحركة كانت تتصرف بلا مسئولية عن اخطاء السلطة وتجاوزاتها – تحت وقع ثقافة الخوف التي تنامت حولها " ( المجلد الاول ، العدد الرابع ، مارس 2004 South Sudan Review ).
    على خلاف ايضا مع مرتزقة الاعلام وهواة النقاد ، تؤكد لورا بنى صحة انتقادات نيابا للحركة في التسعينيات الاولى ، وتضيف بدورها هذه الاسئلة التطبيقية الهامة : " الان وقد مرت سنوات عديدة منذ ان صدر كتاب نيابا علينا ان نتساءل... أي تدابير محددة اتخذت لتقوية المجتمع المدني ومراعاة حقوق الانسان من جانب الحركة وجيشها ؟ ولاي مدى نجحت مثل هذه التدابير [ان كان قد تم انجازها ] ؟ وكيف يمكن للجنوبيين ان يتغلبوا على قوى الداخل والخارج التي تعمل على تفتيت الوحدة ؟ ثم كيف يمكن ان يتاح للجنوبيين كمجتمع واحد ان ياخذوا بالمساءلة اشخاص القيادة كافراد مسئولين سياسيا امام الجنوب عن مسلكهم الاناني الذي يتواصل الاضرار بالمجتمع المدني قاطبة ؟"
    اتفاقية السلام الشاملة تفادت بما يدعو للاسى أي نص ٍ واضح بضرورة اتخاذ الاجراء القانوني بحق الافراد الذين يتهموا بخرق حقوق الانسان اثناء سنوات الحرب وعداواتها. ليس ممكنا ، ً مع ذلك ، ان تغلق الابواب امام الاجراءات القضائية من طرف الضحايا في الوقت الحاضر : دستور السودان الانتقالي ينص على حق اقامة الدعوى القانونية على كل من ينتهك حقا باليات حكومة الوحدة الوطنية وحكومة جنوب السودان القائمتين على سلطة الدولة بحكم بنود الاتفاقية .
    حكومة الاخوان المسلمين الجاثمة على سدة الحكم في الشمال ، وقد اكتسبت بكل اسف يدا ً عليا على كل القوى السودانية الديمقراطية بمقتضى مفاوضات نيفاشا الاستبعادية يجب ان تخضع لاقوى الضغوط الممكنة لتلتزم مراعاة الدستور الانتقالي وتطبيقه . وبنفس القدر من الاهمية ، يجب ان تحث حكومة جنوب السودان بقوة كي تستخدم كل شرعيتها السياسية وسلطاتها القانونية لتصل الى كلمة سواء مع شعب الجنوب من اجل دفع قضية السلام والتنمية في الجنوب .


    - 10 -

    "اخي العزيز قرنق ، ان اودية السودان السياسية مازالت حبلى بالالغام "

    تشهد بيانات جون قرنق للشعب السوداني بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشاملة ، وتعهدات سابقة للاتفاقية ولاحقة لها من سلفاكير، وباقان اموم ، وياسر عرمان ، وغيرهم من قادة الحركة ، على اهتمام الحركة الجاد باحترام دستورالانتقال للديمقراطية الذي يلقي على عاتق حكومة السودان وحكومة جنوب السودان التزامات مشددة للحكم وفقا لمعايير حقوق الانسان .
    يشير التطبيق الفعلي لاتفاقية السلام الشاملة ، الى هذه اللحظة ، الى ان التزام الدولة وسلطاتها المصدقة بالاتفاقية ضعيف للغاية . ان الذاكرة تستدعي على الفور المذابح التي جرت مؤخرا للمواطنين الابرياء من الجماعات المسلحة للحكومتين في ملكال ، وتذكرنا بهموم عدلان المتعمقة حول مقاصد الجبهة القومية الاسلامية ما بعد نيفاشا.
    انه موقف يستحضر ضرورة القيام بحملات ٍ تستعيد المبادئ للضغط على حكومات الاتفاقية لتطبيق البنود الدستورية القاضية باشاعة الحريات المدنية واحترام حقوق الانسان كاعلى اولويات الحكم ، باكبرقدر ممكن من التطبيق ، مع العمل الدائم لتوسيع الاخذ بحقوق الانسان الدولية في كل شرايين السلطة والمجتمع المدني . ولاعانة القطر على انجاز هذا الهدف لابد من عقد مؤتمر قومي بوجه عاجل يضم الحكومتين وقوى المعارضة لضمان المشاركة الوطنية في تطبيق اتفاقية السلام الشاملة .
    في رده على اراء لام اكول التي نشرها في كتاب كاحد قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها يكتب الخاتم : " ان تناول ...لام اكول للحركة الشعبية لايمكن ان يؤخذ دون حذر شديد . فهو لم يكتف فقط بالخروج عليها ، بل التحق بالسلطة التي كان يحاربها وصار وزيرا فيها ، واجيرا لديها ، وصديقا لحكامها الذين " لا تصحو لهم افئدة " كما المح في كتابه " (ص 346 ).
    يذكر رئيس حركة حق المقاومة المسلحة القوية للحركة الشعبية وجيشها في مواجهة نظام الجبهة الارهابي . ويعبر عن احترامه العميق واعجابه بقائد الحركة جون قرنق دي مبيور في خطاب ارسله اليه بعد الاحتفال بالتوقيع على بروتوكولات مشاكوس في يوليو 2003 :
    " اخي العزيز، لقد ظلت حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق ) داخل السودان وفي المهجر تعبر باستمرار وبثبات عن تضامنها المطلق مع الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان في كفاحهما البطولي لخلق سودان جديد قائم على المساواة والديمقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية ... للتصديق على بروتكول مشاكوس فان شعوب جنوب السودان والمناطق المهمشة تكون قد صنعت انجازا تاريخيا ، لن يعود السودان بعده مثلما كان سابقا مطلقا ، كما ذكرت انت في كلمتك المحكمة لدى توقيعك تلك الاتفاقات "(ص 189 ) .
    " اننا ايضا على يقين بان توقيع تلك الاتفاقيات ... ماهوالا الخطوة الاولى على طريق السلام والعدالة والديمقراطية . وبالرغم من ان اتفاقية السلام هي شراكة بين الحركة الشعبية / الجيش الشعبي لتحريرالسودان وحكومة السودان ، الا ان دور الحركة الشعبية في الحفاظ عليها وتطويرها ودفعها نحو غاياتها النهائية لايمكن مقارنته بدور ومصالح الجبهة القومية الاسلامية "(ص 190 ).
    يعدد الخاتم عدلان بعد ذلك " بعضا من التحديات التي تواجه المسيرة والتي تستدعي ميزات قيادية استثنائية اثبت انت [جون قرنق ] على الدوام امتلاكها. " تشمل التحديات : 1) ترويج الاتفاقات بلغات الشعب السوداني الاصلية ؛ 2) بذل جهد حقيقي حتى يصل بكل الاحزاب غير المشاركة بعقد مؤتمروطني "لايجب ان يكون برئاسة التجمع الوطني الديمقراطي ." ان هذه العباراة تعيد نا الى رفض بيتر نيابا للشراكة بين الحركة الشعبية والتجمع الوطني الديمقراطي " بتحالفه الهش الذي ينبغي على الجنوبيين الا يضعوا به املا ً كبيرا ً في اخلاص المعارضة الشمالية."
    مهم جدا للجنوب ان يعزز وحدته الخاصة به عن طريق اتفاق سلمي وديمقراطي . وفي ضوء الاخفاقات الهاوية دون تطبيق لاتفاقية السلام المعقودة بين الحركة ونظام الجبهة الحاكم ، ايا كان حاله ، يوقن هذا الكاتب بان استمرارية نفاذ الاتفاقية على الصعيد العملي ينعقد لواؤها لقيام تحالف قوي وفاعل بين المعارضة الشمالية ، التجمع الوطني الديمقراطي وحزب الامة ، مع الحركة الشعبية وجيشها في مواجهة الجبهة القومية الاسلامية وحزبها المؤتمرالقومي اكثر من أي اتفاقات وحدانية او ثنائية.
    مخاطبا قيادة الحركة يؤكد عدلان استراتيجيات "... 3) توحيد قوى السودان الجديد لتنظيم قومي موحد ، كأولوية قصوى ؛ 4) إثارة مناقشة عريضة عامة فيما بين المهنيين والمثقفين السودانيين حول نوع المساعدة والخدمة التي يسعهم تقديمها للسودان ومناطقه المهمشة في تنسيق مع الحركة ؛ 5) تطوير التعاون الوثيق بين حق والحركة الشعبية لتحرير السودان ؛6) انشاء سد منيع ، تحالفا موحدا لاحباط خداع و"الاعيب وخيانات" الشركاء الغرباء الذين اضطرت الحركة الى التعامل معهم " (ص 193 ) .
    واخيرا يؤكد محمد الخاتم لاخيه العزيز جون الحقيقة البادية :" لقد استشرفت بلادنا بفضلكم عهدا جديدا من السلام والمصالحة . لقد اصبح الحكم الديمقراطي ، والعدالة الاجتماعية ، واحترام حقوق الانسان ، الاعتراف واحترام التنوع ، لاول مرة اهدافا قابلة للانجاز على ارض الواقع ... ولكن ما زال الطريق امامنا محفوفا بالتحديات واودية السودان السياسية مازالت حبلى بالالغام" (ص 194 ).
    عدلان ، مع ذلك ، ينتقد شرك الثنائية في اتفاقات السلام . فلقد كان عليما بانه " توصلت القوى الاقليمية والعالمية ان من يصنع الحرب هو نفسه الذي يصنع السلام ولذلك من يصنع السلام هو نظام و الحركة الشعبية ... بمعنى آخر فان ادخال الآخرين يمكن ان يعقد المسألة ؛ ويجعل الاتفاف نفسة مستحيلا ..."(ص 266) .
    " لا تلوم الاحزاب الا نفسها لعدم فعاليتها . فبدلا ً من ان تبكي هذه الاحزاب على اللبن المسكوب ... يجب ان تتجه هذه الاحزاب ، وتستفيد من الجو الديمقراطي العام ، لتعبئة الناس ، لتعميق الديمقراطية ، ولفتح المجال فعلا لديمقراطية راسخة في المستقبل تقوم على الانتخابات العامة ، والحرة والنزيهة ... التجمع الوطني الديمقراطي انتهى ... اذا كنا نحن نريد ديمقراطية حقيقية ، فيجب ان تتجه الاحزاب فرادى الى اشاعة الديمقراطية في بنيتها ، واعادة صياغته برامجها ، وتجديد حياتها " (ص 266 ) .
    فهل يفعلون؟!
    كان عدلان معارضا قوى الشكيمة للتجمع الوطني الديمقراطي لانه كان موقنا بان التجمع فشل في الارتقاء بادائه الى مستوى الالتزامات العامة والتعهدات الاصولية التي قطعها على نفسه بازالة ديكتاتورية الجبهة الاسلامية واستعادة الحكم الديمقراطي كاعلى اجندة . اضف الى ذلك ، ان التجمع نبذ عضوية حق رافضا قبولها لاسباب حزبية (ص 318-319 ) .
    وفي راي الخاتم ان الاتفاق الذي وقعه محمد عثمان الميرغني عن التجمع وعلي عثمان طه عن الحكومة (جدة : 4 ديسمبر 2005 ) كان بحق فشلا ً كاملا ً للتجمع متمثلا في حجم التنازلات التي قدمت ... زعم الميرغني انه مفوض من قبل اطراف التجمع للوصول الى أي اتفاق يراه مع السلطة . وهو قول تنازعه فيه بعض اطراف التجمع التي اعلنت ان الميرغني لا يمثل الا حزبه الاتحادي الديمقراطي ... اخطر تنازل قدمه الميرغني هو قبوله ببقاء الجيش واجهزة الامن وهي اجهزة حزبية اقامتها الجبهة الاسلامية من دون "تصفية او الغاء" (ص208-209 )
    لسوف نعود الى التجمع في تعليقنا (14) ، خلا صة عرضنا للكتاب.


    - 11 -

    لماذا يصمت الصادق المهدي عن اتهامات خطيرة ؟

    ضم كتاب ما المنفى تعليقات هامة للخاتم عدلان عن الصراع السياسي الناشب بين الصادق المهدي ، زعيم حزب الامة البارز، ونائبه مبارك الفاضل ، الامين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي ، الذي فصل من حزب الامة بعد نشوب نزاعه مع قيادة الحزب . اعلن مبارك بعد ذلك انشاءه جماعة اخرى من الامة ، اصبح بها جزءا ً من نظام الجبهة القومية الاسلامية الحاكم .
    زمنا قليلا قبيل النزاع اتهم مبارك الفاضل الصادق المهدي بانه يقود المؤسسة الحزبية للامة " بالاستعلاء على قاعدته مستندا الى السند الاعمى الذي يجده من بعض البسطاء ." ثم انه اتهم زعيم الحزب " باهانته لكل ذي راي مستقل داخل حزبه ... وفساد ذمته المالية بتناول الرشاوي المالية ... وانفاقها على نفسه ... ومريديه "(ص287-288 ). وهنا ، يرى عدلان ان صمت المهدي حول هذه الاتهامات الخطيرة " نوع من العجز عن المرافعة والدفاع ، وكاعتراف منه بان ماجاء فيها صحيح "(ص288) .
    راي عدلان ايضا " ان الاتهامات تبدو على درجة كبيرة من المصداقية: مثلا الوثيقة التي قال [مبارك] ان اربعين من قادة الحزب وكوادره وقعوا عليها ، التقرير الذي اعده ... عبدالرحمن نقدالله ورفضه ... المهدي بعد ان تحدث عنه هو نفسه كثيرا جدا "(ص288 ) .
    " هناك ماضى الصادق المهدي وسيرة ادائه الحزبي ، فقد كان يرفض قرارات حزبه " : " عندما وصل ائتلاف حزب الامة والاتحادي الى طريق مسدود عام 1988، لم يتردد الصادق المهدي ... من مد يده الى الجبهة الاسلامية لاشراكها في الحكم ، لانها كما كان يقول قد اختارت الديمقراطية بصورة نهائية ... كانت الجبهة الاسلامية تناقش اجتثاث النظام الذي يجلس على قمته الصادق المهدي وهويدعوها الى المشاركة في الحكم " (ص-132 ) . وفيما ادعى ، ادخل الصادق "الجبهة الاسلامية " الحكم في مواجهة رفض اجماعي من كل قاعدته وقيادته الحزبية "(ص289 ) .
    شدد عدلان على ان " الصادق المهدي كان يعلم امر انقلاب الجبهةالقومية الاسلامية ... وهو رئيس الوزراء لم يفعل شيئا لمواجهة الانقلاب وافشاله ... وقد وجهت له هذا السؤال نفسه فلم يستطع ان ينكر علمه بالانقلاب ، ولم يستطع ان ينفي عجزه عن مواجهته ، ربما لانه لم يكن يعرف هل يقف مع اخوته الايديولوجيين الذين يريدون ان يطيحوا بحكومته الديمقراطية ام خصومه العلمانيين المتمسكين بالديمقراطية والراضين عن وجوده هو نفسه رئيسا للوزراء ، مع اضعاف قاعدته السياسية ، وهو موقف هاملتي نتجت عنه كل هذه الماسي التي اصابت الوطن ككل ... " (ص289) .
    بسياسته الوضيحة وانصافه الاخلاقي يخلص عدلان الي انه : " لن نحترم انفسنا ولا زعمائنا ولا اوطاننا ان مررنا على مثل هذه الاتهامات الغليظة مرور اللئام ، لان تجاهل مثل هذه القضايا مع الحديث عن الديمقراطية والمؤسسية ليس سوى لؤم بعيد الاغوار ... ولن ينقذ الصادق من ورطته الحالية ومن حرجه العظيم الا الصدق والمواجهة "(ص290 ) .
    في الجانب الاخر " ان ماساقه ... مبارك المهدي حول محاولات اصلاح حزب الامة ، وحتى مقاومة الصادق لهذه المحاولات ، مع وجود تيار واسع يدعو للاصلاح ، كان من شانه ان يقنع مبارك بالتفرغ الكامل لعملية الاصلاح ، على ارضية النقد الذاتي لممارساته هو نفسه في العهد الديمقراطي ؛ وكان من شانه ان ينقل حزب الامة الى افق جديد علماني وغير طائفي " (ص291 ) .
    " ولكن مبارك الفاضل لم يختر ذلك ، بل خلط خلطا منكرا بين اصلاح الحزب وبين الالتحاق بسلطة شمولية القاعدة والتوجهات ، ولاتقبل الحلفاء الا كتابعين ، ولاتدنو اليهم الا لتفرق شملهم وتعصف بهم . وهذا امر يؤسف له ، لان مقدرات مبارك السياسية المتميزة يعرفها كل من عمل معه . ولكن المقدرة يجب ان تقترن بالحكمة ، وهو قران لم يتم للاسف الشديد " (ص291 ) .
    لم يذكر خاتم الحقائق المعروفة شعبيا عن مبارك الفاضل ، وزيرالداخلية السابق في حكومة المهدي المنتخبة ديمقراطيا (1986-1989 )؛ كان قد عهد اليه بداية بوزارة الصناعة ؛ وفي اقل من عام ، ادي بمقدراته الى سلسلة من المصادمات الخاسرة في تجارة القطر مع مصر، علاوة على صدور اتهامات سياسية بحقه . ولكن رئيس الوزراء الصادق المهدي بسط حمايته على وزيره دون تحويل للاتهامات الى القضاء .
    ثم تولى مبارك اكبر المهام الامنية الخاصة بالحفاظ على ديمقراطية البلاد كوزير للداخلية وعضو في مجلس الامن الوطني . انه مبارك ، وليس رئيس الوزراء وحده ، كان عليه ان يتخذ التدابير الضرورية لاجهاض الانقلاب ، او على الاقل مقاومته . "مقدرات" وزير الداخلية السابق ، مع ذلك ، مكنته من الهروب من القطر في سرعة عظيمة ، ساعات قبل ان تحكم عناصر الجبهة القومية الاسلامية قبضتها على الموانئ .
    في فترة توليه شئون الداخلية ، تعاون مبارك تعاون وثيقا مع الجبهة القومية الاسلامية المعارضة انذاك ليصعد العدواة ضد انشطة جوهرية على المستوى الوطني الديمقراطي كان يتولاها لفيف من المثقفين والديمقراطيين السودانيين ، وتهدف الى تحضير القطر لسلام دائم مع الحركة الشعبية وجيشها في وقت مثالي .
    كان هناك شخصان من السياسيين ، على وجه الخصوص ، يشنان هجوما مسعورا في الجمعية التاسيسية والصحافة على اساتذة الجامعة وزعامات النقابات الداعية للسلام الذين عقدوا محادثات جادة مع الحركة الشعبية في ندوة امبو باثوبيا . ان المعارضين المحمومين اللذين وجها الاتهامات الصريحة للمشاركين الافاضل في ندوة امبو بالخيانة العظمى وحثا الجمعية التاسيسية على تقديمهم للمحاكمة ما كانا سوى مبارك الفاضل ، وزير الداخلية ، وعلي عثمان طه رئيس معارضة الجبهة القومية الاسلامية في الجمعية .


    - 12 –

    موازنات المهدي بين الفكر الاسلامي ، الديمقراطية ، ونظام حكم حديث

    حقيق بالقول انه في الديمقراطية الثالثة ، كان المهدي غير قادر على اتخاذ القرارات الحاسمة ، في الوقت المطلوب فيما يتعلق بهذه القضايا الاساسية : 1) الغاء قوانين الشريعة التي اصدرها نميري بالرغم من رفضه الفكري لتلك القوانين ؛ 2) الاجازة السريعة لاتفاقية السلام السودانية ؛ 3) اعادة جيش المفصولين من المهنيين والعمال المهرة الذين كان تحالف الجبهة القومية الاسلامية مع نميري قد تخلص منهم باقصاء ٍ غير مشروع عن وظائفهم ؛ 4) خلاص حزب الامة من انتهاشه التاريخي من قبل زوج شقيقة الصادق - حسن التربي - حتى يستطيع الصادق ان يزيل عن كاهل حزبه غرم الجبهة القومية الاسلامية وعدوى امراضها السياسية المزروعة ؛ وغيرذلك من البنود الهامة .
    يشهد للصادق المهدي ، برغم ذلك ، انجاز حكومة الديمقراطية الثالثة بقيادة حزب الامة حيث انها : 1) انقذت البلاد من مجاعة نميري بما تحقق للحكومة من معدلات زراعية انتاجية عالية قام انقلاب الجبهة لاحقا بتبديدها في صفقات السلاح لتمويل مغامرات الرعب والحروب المدمرة ؛2) صَدّقت على اتفاقيات حيوية في حقوق الانسان الدولية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية ؛3) سمحت بممارسة عريضة لحريات التعبير والصحافة و ؛4) فاوضت وطورت واجازت اتفاقية السلام السودانية بين انجازات اخرى .
    تقييم اداء الصادق السياسي على اساس الديمقراطية الثالثة وحدها لايكفي بانصاف في تقدير اربعة حقب متوالية من قيادته السياسية ؛ وهي سنوات احتوت نضالات كبرى في المجال التنفيذي والتشريعي والقضائي للتغلب على موانع التنمية الصعبة التي حالت دون قيام سودان مستقل بحق في ثقافاته وسياساته ( ليس سودانا غير قابل للحكم ، كما ادعى شارلس غوردون) .
    مع التسليم بالاحتمالات المحدودة لهذه "المهمة المستحيلة" فان تقييم رئاسة المهدي يجب ان تعطى تنبها كاملا لبرامج الدولة لاقرار الديمقراطية ، وتوحيد الامة ، وكفالة سيادة القانون في مراعاة المعايير الدولية . ليس ممكنا ً، ايا كان الامر، ان تفسر تعقيدات هذا الموقف العصيب دون ابداء الاهتمام كله بالقيم الثقافية والروحية لارياف السودان التي تشكل اكبر حلبة للتغيير الاجتماعي اهمل نقاد المدن دائما شأنها.
    صعود الصادق المهدي المتواصل في فكر يزاوج خبرة سياسية خصبة بفكر معاصر عليم يجب ان يشجع من الناقد ، فلا يرمق بعين واحدة لاترى خيرا في مساعيه السياسية ومساهماته الفكرية على غرار النقد السائد لصديقي المفكر الجمهوري عمر القراي.
    الفارق الرئيس بين الصادق المهدي وقائدي الامة / الجبهة القومية الاسلامية ، مبارك الفاضل وعلى عثمان طه ، هو ان الصادق وحزب الامة الام رفضوا رفضا قاطعا لارجوع فيه و بوقفة بطولية مجيدة ان يذيبوا مجتمعهم المستقل النافذ في بطين نميري الاتحادي الاشتراكي السوداني الهابط ( 1970-1985) - تماما مثلما فعل عبدالخالق محجوب وحزبه الشيوعي .
    الاكثر اهمية ان الصادق الصديق المهدي وحزب الامة رفضوا بشدة متناهية أي شركة سياسية مع حكم الجبهة القومية الاسلامية المتعفن في السودان ، فمشاركته الحكم خطيئة مارسها في بؤس سقيم مبارك الفاضل المهدي وعلي عثمان طه .
    الحق ان " قدرات " مبارك لبئسما حظيت به من اعتراف من ناحية التجمع الوطني الديمقراطي ، قوس قزح الساسة السودانية ، اذ اقصته امانته العامه عنها ( وهي تتكون من الاتحادي الديمقراطي ، والحركة الشعبية وجيشها ، والحزب الشيوعي ، وحركة تحرير السودان ، وجبهة الشرق ، والقيادات الشرعية للقوات المسلحة السودانية ، وقوات التحالف ، والاتحاد العام لعمال السودان وغيره من الا تحادات ، انذاك ) . تخلى خزب الامة عن مقعده في مجلس قيادة التجمع ؛ ولكن الحزب واصل التزامته باتفاقات التجمع المصيرية .
    الاكثر رداءة ان" قدارات" علي عثمان طه استثمرها سلطويا من خلال انقلاب يونيو1989 العسكري لتعزيز حكم الاخوان المسلمين الارهابي . علي ايضا ، خلف الترابي في توليه المهام الحساسة التي تتعلق بالاشراف على علاقات الدولة الخارجية مع تنظيم الاخون المسلمين الدولي.
    الصادق المهدي مفكر متميز تنبئ اعماله الفكرية عن حقب زمنية من الجهود البحثية للتوصل الى فكرة الوسطية ، وهي بالتحديد الامكانية النظرية لتحقيق التمازج بين الاسلام والديمقراطية المعروفة . ولم يجرؤ مبارك الفاضل ولا علي عثمان طه على الولوج بالفكر الى تعقيدات هذا المشروع الموسوعي لتحديث الفكر الاسلامي .
    انه مشروع طموح عكف عليه اساتذة جهابذة في كل انحاء العالم ، يمثلون مدارس فكرية مختلفة الزمان والمكان ( عبدالخالق محجوب ؛ محمود محمد طه؛ اسماعيل الفاروقي ؛ فرج فوده ؛ نصر حامد ابو زيد ؛ رضوان السيد ؛ وآخرين كثر) .
    اكد هولاء المفكرين على امكانية تعايش راق بين الاسلام وديانات وفلسفات ومجتمعات الشرق والغرب والشمال والجنوب ، وامكانية التعايش السلمي بين المسلمين وغير المسلمين في نفس الامة وفق انظمة ديمقراطية ، في مواجهة تنظيرات فرض الحياة على اساس اللاتكافؤ ، او تلقينات اللاتعايش بين جماعات الاسلام السياسي أو جماعات اثارة الكراهية التي تقيمها جماعات غيرمسلمة .
    ما من حاجة بنا لذكر ان فكر الصادق المهدي وقيادته السياسية كلاهما محل للتحدي . ومع ذلك ، فان قائمة من يملك اشهار التحدي لاتشمل بأفضل احتمال ممكن امين عام التجمع الوطني الديمقراطي المفصول الذي تخلى عن حزبه الام ليلتحق بارهابي الجبهة القومية الاسلامية ، او رفقائه في الحكم ، علي عثمان طه وعمر احمد البشير وحسن الترابي الذين يمثلون اكثر جلادي الشعب السوداني مسئولية عن جرائم السلطة سيما الجرائم التي لم يتوقف اضرارها بالانسانية في دارفور الى الان .
    احتوت سلبيات الصادق المهدي السياسية خرقا دستوريا لمشروعية الحزب الشيوعي في منتصف الستينيات ، علاوة على عداوات مجرورة مع حركات التحرر وفكرها في جنوب السودان .
    منتصف الثمانينيات ، اعيد النظر في تلك السياسات من جانب حزب الامة : العلاقات مع الشيوعيين والنقابيين اصلحت في تقدم مطرد بالنضال المشترك الذي اشعل انتفاضة مارس / ابريل 1985، وهي التي اطاحت بسلطة النميري والترابي الاستبدادية ؛ ثم بلغت العلاقات مرتقى الاستعانة بكبار الخبراء الشيوعيين في الحكومة المنتخبة التي قادها حزب الامة ، الى جانب الشراكة والتعاون مع التجمع الوطني الديمقراطي بهدف انهاء حكم الجبهة .
    اما علاقات الصادق بالجنوب ، فقد تغيرت تغيرا كبيرا باتفاقية كوكادام ( على نقطة التقاء ندوة امبو واتفاقية السلام السودانية بين الميرغني وقرنق ) . الاكثر تثمينا ، ان مؤتمرات حزب الامة في الداخل والخارج
    انتقدت سياسات الحزب الغابرة الشبيهة بسياسات الاخوان المسلمين تجاه الجنوب ، واتجهت الى الارتقاء بالعلاقات الاخوية بين جنوب ليبرالي وحزب اسلامي ديمقراطي .
    حزب الامة احد اكبر حزبين يحصلان علي اصوات الناخبين وفقا لتقاير الانتخابات الديمقراطية في السودان (الحزب الاخر هو الاتحادي الديمقراطي بقيادة الميرغني ) . ولقد خلق التخالف الاستراتيجي بين الامة والاخوان ازمة دستورية طاحنة عجلت بمأساة 17 عاما من حكم مايو الديكتاتوري (1969- 1985 ) .
    ان التحالف المعاد بين الامة والاخوان اعاد اخراج 17 عاما اخرى من الحكم الديكتاتوري الردئ (1989 للحاضر) . ومثلما هو مشهود عليه ، يثير تحالف الصادق المهدي المجدد مع نفس الترابي ونفس الاخوان المسلمين المخاوف من جديد حول امكانية حدوث افتراس جديد لحزب الامة من الاخوان المسلمين بسيرتهم السياسية الخطرة . وهو تحالف اذا تم ، فمن شانه ان يمتد اثره لكل الوطن والاقطار المجاورة .
    رفض التجمع الوطني الديمقراطي أن يجعل لجناح حسن الترابي المعارض للجبهة القومية الاسلامية شراكة في قيادته . وفيما هو واضح ، لم يحذو حزب الامة حذو التجمع بسبب خوف الحزب على مصالحه الحساسة في دارفورالتي يحتفظ فيها متمردوا العدالة والمساواة بعلاقات وثيقة مع الترابي وجماعة مؤتمره الشعبي المعارض.
    الحقائق العارية لاتبعث على الاطمئنان حالة تجدد تحالفات الامة والاخوان فيما بعد الانتخابات القادمة. ان السودان شعبا وارضا سوف يكون محكوما عليه ان يعايش محنة عصيبة اخري اذا اتيح لتحالف استراتيجي متجدد او حتى تعاونا تكتيكيا مابين الصادق وحسن الترابي ان يعاود الظهور .
    هنا ، علينا ان نؤكد ان احتمالات تواصل هذه العلاقة المستطالة بعقدة هملت - باستعارة لوصف الخاتم عدلان البليغ – الى تحالف كامل بين الامة والاخوان المسلمين ، للتغلب على التحالف العلماني الديمقراطي بين التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية لتحرير السودان يصعب استبعاده .
    يثمن هذا الكاتب عاليا امال عدلان السياسية حول امكانية انبثاق تطور علماني وديمقراطي في داخل حزب الامة ، الجسد السوداني الديمقراطي الكبير. ان الصادق المهدي ، الزعيم الديمقراطي المرموق ، الخبير بشئون الحكم والسياسة ، على الرغم مما طرحه من احتمالات على صعيد الواقع ، عليه ان يفكر ويتصرف بحزم قاطع لينأي بشعبه العزيز عن أي زيجات مع الاسلام السياسي ، او أي هدف اخر تنطوي عليه خطط الاخوان الخبيثة .


    - 13 -

    شهرة تلمع لنساء مفكرات رغم ذكر مقل

    يفتقد القارئ بوجه عام ذكر النساء المفكرة في منفى عدلان ، عدا نساء قليلات ذكرهن بالاسم ، بمن فيهن زوجته تيسير مصطفى ام ولديه ، وفاطمة احمد ابراهيم " انسانة ودودة" (ص264 ) .
    يجد القارئ ، رغما عن قلة ذكر النساء في مختارات ما المنفى ، اهتماما عميقا بقضية تقدم المراة في المجتمع والسياسة ؛ مذكورة ذكرا خفيفا مقارنا بثقل تغطية ما للرجال في طول الكتاب وعرضه .
    متمعنا ً في جنون الأمم (ص311-319) ، تحدث عدلان في مرارة عن الاحوال المتدهورة للاطفال "مليونان من الاطفال ، وخاصة من الفتيات ، يجري استغلالهن في تجارة الجنس " (ص314 ).
    انهاء الحروب الاهلية في السودان سيعين على انهاء كوارث الحرب والتخلف الاجتماعي للقطر: " انهاء التمييز بين الاناث والذكور، والاطفال الذين ولدوا خارج مؤسسة الزواج ، ومحاربة عمل الاطفال ، ووقف تجنيدهم في الجيوش ، وايواء اطفال الشوارع ، ومحاربة ختان الفتيات " (ص318 ) .
    في مؤتمر حركة حق الصحفي ، عرض عدلان استراتيجيات بعيدة المدى تتنبأ " بحضور النساء الى ساحة الفعل والتحرر من القيود والقمع و التهميش " (ص37 ) . بالمثل ، اكد على الحاجة لتجديد الاحزاب السياسية بأجندة " اقامة الفرص لجيل جديد للظهور، لشباب جديد ، للنساء " (ص 266 ) .
    وفي مخاطبته جون قرنق حول برامج السودان الجديد مابعد نيفاشا ، دعا عدلان " جميع المهنيين السودانيين من اقتصاديين وخبراء بترول واطباء ومعلمين ومهندسين وقانونيين ونشطاء حقوق الانسان وقضايا المراة ، وممرضات ، ... يناقشوا فيما بينهم نوع المساعدة والخدمة التي بوسعهم تقديمها للسودان " (ص193 ).
    مايثير الاهتمام ، ان المقالات المختارة ضمت مقابلة صحفية اجراها الخاتم مع الروائية السودانية ليلى ابو العلا . تضمنت المقابلة تقدير الخاتم العميق لما يتحلى به تعبير الكاتبة الادبي من درجة رفيعة ، والعلاقات المركبة بين الشرق والغرب ، و معالجتها المبتكرة للموقف الخاص باعتناق الاسلام في الغرب .
    تعين المقابلة على اظهار عرض الكاتبة الجمالي لابعاد فنية عديدة في محتوي ايديولوجيات الشرق والغرب وقيمهم الثقافية . في هذا الاتجاه ، شرحت الكاتبة ليلى ابوالعلا جوانب من كتابتها الادبية تتعلق بقدرات التعلم الكامنة ومشكلة الانتماء الى ثقافات مختلفة بالنسبة للشرقيين الناشئين في الغرب ، والغربيين الذين يتربون في الشرق ، او الافراد الذين يحملون جنسيتي الثقافة السودانية والثقافة المصرية ، مثل الكاتبة نفسها . تضع المقابلة ايضا تاكيدا مشددا على النضالات الانثوية للنهوض بوضع المراة في مجتمعات العالم التي يتسيدها الرجال (ص271-281 ).
    المواضيع التي جرت مناقشتها في المقابلة تشير الى الحاجة العاجلة للتعرف على فكر النساء السودانيات في ساحات العمل الادبي اللائي يشهد لهن انتاجه الجمالي بالابداع الفني ومايحملن من انسانية مثلى .
    ابانت ردود ليلى على اسئلة المقابلة المثيرة للفكر علاقات التضاد التي لم تعالج تناقضاتها بعد بمستوى شاف بين قوى المجتمع الحديث الدينامية ؛ بين الاناث والذكور؛ والغرب والشرق ؛ والروحانية و العلمانية ؛ والتفاعلات التي لاتوجد لها نهاية بين هويات المجتمع الانساني المادية والمعنوية .
    "فالغرب ممثلا في برايان و راي يرى في النساء السودانيات صنفا غريبا من الناس ، مسالما ، وواحة للامن . هذا في البداية ، ولذلك يحسون بالصدمة عندما تتحدى اولئك النسوة نظام قيمهم ، بل اسلوب حياتهم " (ص275 ) .
    بهذه الكلمات ، وعبارات اخاذة اخرى ، قدمت الروائية صورة حقيقية عن المرأة السودانية - شخصيتها القوية ، المتكاملة ، وذاتيتها المتفردة ؛ انها صورة تواصل هز الغربيين والشرقيين الذين لايرون في وضع المراة سوى ادوارا من الخدمة المنزلية السالبة . هذه الفكرة المتحيزة تتقوقع في قاع الاحباط والنواء كلما ابرزت المراة ارادتها للانطلاق في تميز وفلاح في دنيا القوة والابداع.
    تذكرنا ليلى والخاتم كقراء بملاحظات كارولين فلوهر- لوبان التي شاركت بها عددا كبيرا من النساء السودانيات في العاصمة المثلثة ( الخرطوم ) سنوات قليلة قبل تطبيق قوانين سبتمبر.
    ابدت مهيرة [كارولين] الاعجاب " بالشخصية المستقلة ، والذاتية المتفردة " للنساء . وتحدثت عن تحرر المراة في الحياة العامة وخصوصيتها المقدسة في البيت . فمن قال ان اولئك النساء يرين انفسهن في وضع يقل عن الرجال ؟ تتساءل مهيرة ؛ ثم تضع اللائمة في نشر تلك الصور المختلفة عن دونية وضع المراة ، على جهل كتاب الغرب بها .
    في غياب التعرف المطلوب على اعمال النساء الابداعية ، يفترض المرء انه لابد ان هناك نساءا غير معروفات ، ولكنهن في مكانة نوال السعداوي الرائدة سامقة التميز والتقدم ، التى انهضت اعمالها الادبية الوعي بعالم النساء ، وطموحاتهن ، وارادتهن السياسية .
    حازت ابو العلا آنفا على جوائز عديدة لاعمالها الادبية . ولايزال ملايين القراء لايعلمون بعد عن رواياتها القصيرة . ان الاسئلة التي تلهب الفكر من الخاتم عدلان ، والاجابات الذكية عليها ، كانت عملا رائعا يخطر العالم عن رواياتها. وبالمقابلة ، جاورت شهرة ناهضة للروائية السودانية - المصرية ليلى ابو العلا ، في اقتدار، الشهرة اللامعة لنظيرتها نوال السعداوي .


    - 14 -

    خلاصة
    ايها السودانيون ! ايها العالم! اخوان يوسف : كيف ترعون الوطن؟

    ربما كان معلوما في نهاية الستينات ان جعفر نميري ، ضابطا يدبج جبته العسكرية اوسمة القوات المسلحة "لخوضه الباسل" حروب الدولة لقتال مواطنيه المحاربين من اهالي جنوب السودان - اجرى محاولة ً غير ناجحة للاستيلاء على السلطة السياسية في وسط ازمة دستورية في الشمال ، كانت الحكومة قد اخرجت خلالها اعضاء برلمانيين منتخبين من البرلمان لاسباب حزبية ، في خرق ٍ عويص للدستور.
    تلك الايام كان نميري معجبا ً بالحزب الشيوعي وامينه العام عبد الخالق محجوب ، هيئة ً من الحداثة تشيع برامج التغيير الاجتماعي في مجتمع طريح لامية ٍ سياسية تتنفذهـ من محافظين رجعيين. كان الحزب الشيوعي حزبا رائدا ، ارتقى فيه مثقفون جنوبيون متميزين اعلى درجات القيادة . وتمسك الحزب بضرورة انهاء الحرب بتسوية ٍ سلمية ٍ تضمن الحكم الذاتي الاقليمي للجنوب في سودان ديمقراطي موحد . سياسات الحزب شكلت كفرا سياسيا لدى الحكام المحافظين – وهو تيار ظل متقاسما بين حكام السودان الاستبداديين بالرغم من ان الديكتاتور نميري وخلفه الديكتاتور بشير وقع كلاهما اتفاقات سلام لاحقة مع الجنوب ، تحت ضغوط وطنية ودولية عارمة .
    كانت المنطقة باكملها تتاجج افكارا جديدة في تحد ٍ للاستعمار المتاكل القديم ، وامبريالية مشرئبة . منتصبا ً، في مبدأ ، بجانب حركات التحرير الزاحفة في المستعمرات السابقة تجتاحها بقيادة احزاب قوية ، افريقية واسيوية وفي امريكا اللاتينية – كان الحزب الشيوعي السوداني مرموقا لتماسك منظوره في السياسة الداخلية والخارجية . لقد كان جماعة ً مستقلة ، شديدة المراس ، قاومت كل محاولات العسكر وقمع السلطات لتذويب كيانها ، وذادت عن حماها بوقفة ٍ ترسخ ذاتيتها في الساحة الدولية في مواجهة قوى الحرب الباردة المتطاحنة .
    كان الامريكان غير راضين عن الشيوعيين السودانيين ، مع ان برامجهم الوطنية الديمقراطية كانت في الاساس معاكسة لما تتلقاهـ انظمة الاستبداد داخل الوطن السوداني من دعم اجنبي ، باكثر من كونها عداءاً متحجرا للغرب . ان برنامج عبد الخالق محجوب ، كمثال ، دعا الى " التعاون المتبادل والعمل من اجل السلام والتنمية بين السودان والغرب ." على ان البنك الدولي لم يلق سمعا ً لذلك البرنامج الجميل . وفي سنوات قادمة ، سيقوم البنك الدولي نفسه باخضاع حكومة الصادق المهدي الى ضغوط وجفوةٍ غير موضوعية .
    الاتحاد السوفيتي كان غير سعيد كذلك بالحزب الذي قاده محجوب ؛ وقد عَبّر السوفيت عن انتقادات لاذعة للحزب الشيوعي اثناء وبعد المجازر التي تعرض لها الحزب في يوليو 1971 من طغمة نميري . وما يثير الرثاء ان السوفيت انحوا باللائمة على الحزب الشيوعي لتمنعه عن التحالف اللصيق مع " ثورة " مايوعلى حساب برامج الحزب الوطنية الديمقراطية . لم يكن السوفيت راضين عن قيام جماعات المعارضة بالاستخفاف بطغمة مايو باعتبارها " انقلابا عسكريا للبرجوازية الصغيرة " وفقا لتقييم الامين العام للحزب . ان هذه النفعية المشينة للسوفيت الاوربي – الاسيوي ستعيد مواقفها تارة ً اخرى بعد سنوات عديدة بدعم روسيا الراسمالية " لانقلاب البرجوازية " في يونيو 1989 في تعاون ٍ كامل مع الصين شبه الراسمالية . اغراء اموال البترول حمل كلا ً من القطرين على الصمت المتامر، او الدعم المكشوف لديكتاتورية البشير في معاداة ٍ سافرة للديمقراطية السودانية والمجتمع الدولي .
    ماكانت علاقات السودانيين الدولية مؤسسة ً على رغبات امبريالية ( نحو ما استّنت جماعة الاخوان المسلمين الدولية وقررت اختبارهـ في معمل السودان منذ الثمانينات ). فالواقع ان سياسات السودان الوطنية في الساحة الخارجية اسست على الصداقة ، صفة ً من صفات الشعب السوداني عبر القرون ودبلوماسيته العتيقة التي وثقها قاموس تاريخ النوبة للمؤلف ريتشارد لوبان ، بين ملكات النوبة وامبراطورية روما ؛ وهي دبلوماسية عقلانية تقوم على التبادل السلمي والتنموي وقد ثابر عليها محمد احمد محجوب ؛ واحمد خير ؛ وجمال محمد احمد ؛ وفاروق ابو عيسى ؛ ومحمد عمر بشير ؛ ومنصورخالد ؛ وفرانسيس دينق ؛ ومحمد المكي ابراهيم ؛ وابراهيم ايوب ؛ ونور الدين منان ؛ واخرين .
    دعنا ننسى في هذه الوقفة ازمات الارهاب الدولي التي ابتدعها الترابي وطه بمغامرات الاستيلاء على السلطة داخل السودان وعبر الحدود الدولية ، والازمة التبديدية التي اصطنعها الضابط عمر البشير وقام بتصعيدها ضد مجلس الامن الدولي قبل وقت وجيز ؛ وازمة معالجة الازمة التي اعلنها مصطفى اسماعيل عثمان لحل الازمة في لبنان .
    كان نميري المعجب بالحزب الشيوعي منبهرا ً بنضالات الحزب الشيوعي المتماسكة ضد حكومات الخرطوم السلطوية ، وقد فصلته من وظيفته في الجيش احدى هذه الحكومات بقيادة حزب الامة بمحض الشك ، وفصلت معه خالد الكد ، ضابط كان معروفا ً بتوجهه الديمقراطي داخل ثكنات الجيش . وبعد اشهر، اعلن مجلس لقيادة الثورة عقب انقلاب بقيادة نميري في مايو عام 1969 ان حكومات مابعد استقلال السودان " مزقت امة المليون ميل بما حملت من استعدادات وحدوية في ميادين الحرب الاهلية ، وقد حظرت حظرا غير دستوري اعضاء البرلمان المنتخبين وخربت اقتصاديات الدولة ".
    وفي 30 يونيو 1989 ، سيستمع السودانيون من الاذاعة القومية في ام درمان الى العميد عمر البشير يشجب منددا ديمقراطية المهدي " التي لا يريدها احد " ويبرر انقلابه " بفشل الحكومة الديمقراطية في احترام حقوق الانسان الدولية وعمل علاقات طيبة مع افريقيا الوسطى ! "
    فياله من كاذب !
    اشهرا قليلة بعد قبضه اعلى سلطات سياسية وتشريعية وتنفيذية في القطر بانقلاب مايو العسكري ، لم يتردد الضابط المعجب بنضالات الستينات التقدمية ضد عقلية العرب الازدرائية المفّرخة في سياسات حكام السودان المحافظين ، في استخدام سلطات الدولة للبطش بالشيوعين الذين بهره الاعجاب بهم اياما ً مضت ؛ وممن نَكّل بهم عبدالخالق محجوب ؛ وجوزيف قرنق ؛ والشفيع احمد الشيخ بشنقهم ؛ ومحمد ابراهيم نقد ؛ والتجاني الطيب بابكر ؛ ويوسف حسن ؛ وسليمان حامد ؛ والخاتم عدلان ؛ والشفيع خضر وغيرهم من مثقفي الحزب يرغمهم على المقاومة لنظامه اللاديمقراطي اختفاءا ً او من وراء القضبان .
    كم كان مقتاَ ، وحسدا ،ً وغيرة ً مريضة ما ظل العقيد المعجب الولهان يراكم حقيقة – وهو يعد العدة لذبح هولاء المتفكرة ، حين كان يتظاهر في لؤم بانه يثمن ملكاتهم السياسية الساحرة – سؤال مفتوح امام الكشوف العلمية لمحللي السياسة ومعالجي العقد النفسية والاجتماعية .
    سريعا ، وبعد تلك الماساة، ستدل سياسات الاخوان المسلمين على استمرارية نفس السلوك : ان عمر البشير ضابطا غير معروف الجيش ، في تحالفه الاكيد مع عثمان طه ، يتوجا حسن الترابي قائد ضغمائهم الاسلامي راعيا لا ثاني له للدولة المسروقة . وعلى خلاف تلك الزيجة الشقية قصيرة العمر بين الحزب الشيوعي وسلطة نميري ، ستؤمن القوات المسلحة وخزينة البلاد والسلطة التشريعية المختطفين لبيع ربوي شائن من ضباط الاخوان المسلمين المجهولين ، 17 عاما من الانفراد بالسلطة المطلقة ، للوالهين بها من حزبهم ربيب السلطة .
    في وقت خاطف مع ذلك سيقوم العميد واعضاء حزبه المستهامين بشيخهم ، باضطهاده ومعاونيه المقربين (ربما خداعا ً كما لاحظ عدلان وكتاب سودانيون اخر ) .
    ... ... ... ...
    اثناء الاعوام 2005 – 2006 ، على التوالي ، ارتحل عن الدنيا مفكران سودانيان متميزان محمد الخاتم عدلان وجون قرنق دي مبيور . كان دي مبيور الذي نهض وقتها قائدا وطنيا منتصرا للسلام على تجار الحرب في اطول نزاع مسلح شهدته افريقيا القرن العشرين ، قد فقد حياته في حادث جوي بسقوط الهليوكبتر التي كان قد استقلها في طريق عودته للبلاد. الملايين من مؤيديه الذين خفو لاستقباله قبل ايام خلت قبل الحادث في مطار الخرطوم لم يصدقوا قصة الحكومة المعتمة حول الحادث . فكر كثيرون ان نظام الاخوان المحترب لابد انه على علم افضل [من تعتيم الحكومة ] لما كان محتوما ازالة زعيم قومي واعد مثل قرنق عن السلطة بالتامر.
    جانبا عن فكر الليبرالية والدراسات العلمية ، يجد هذا الكاتب رايه منساقا ً في غرابة ليستعيد ذكرا حكمة سودانية اهلية عليمة تتجّذر عميقا في تقاليد الصوفية بمجتمعنا : مستحضرا ً قصة النبي يوسف واخوته الذين قاموا برميه في بئر سحيق ليحتفظوا دونه بحب النبي يعقوب ، والدهم المحبوب ، يتعجب الناس حقا :مَنْ من الحاسدين حينئذ اطاح بقرنق من الطائرة ؟
    شخصية الخاتم عدلان السياسية الجاذبة ، وهو المفكر المتميز الاخر موضع ذكرنا هنا ، ما كانت يوما موضعا ً لسؤال . كان ممكنا ً ان يصير خليفة القيادة العليا للحزب الشيوعي السوداني . وكان عدلان ملما عندما غادر الحزب مستقيلا ً انه " حاول كثير من الشيوعيين بتشجيع من القيادة اغتيال شخصيتي" (ص263- 264 ). هل كانت انتقادات عدلان اللاذعة ، بالاسود والابيض ، مصدرا لنزاع لاحل له مع السلطة البيروقراطية بما انتهى اليه مطاف الاخيرة من اضرار بالمفكر والحزب ، مؤديا كما وقع بالفعل لاستقالة الناشط الجماهيري المحبوب ، الماساوية ، وانشاءه السريع لحركة حق قصيرة الاجل ، لغير صالح امها التاريخية ؟
    ... ... ...
    رجوعا الى اعمال عدلان المختارة ، يجد القارئ نفسه مشبوبة بالتعليق على تراجيديا هملت مرة اخرى : الامير المعذب الذي اخترعت عبقرية شكسبير شخصيته تجسيما لازمة الاستغراب وتفتت العقل البشري بين ولاءات مزعزعه. ان ما لا فكاك منه ، هنا ، القاء الملامة على محنة هاملت التي سادت علاقات الشرق والغرب، ترمق حكومات العالم الثالث المستبدة بنظرة التعاطف ، وتسدل على الديمقراطيين المعارضين نظرات الجفاء .
    باستبعاد القوى الديمقراطية السودانية عن اتفاقات السلام ، تقف محادثات نيفاشا وما تولد عنها من معاهدة في خط واحد مع الاستراتيجيات قصيرة النظر التي يهدد بها هملت شريكه : حكام الاخوان المسلمين الذين يرغبون بدورهم في بناء الاتفاق وهدمه ، وتطبيقه وتجميده ، في ان واحد!
    دعنا نقف دقيقة واحدة : أي رخاءٍ كان بالامكان اتيانه في تاريخ السودان المعاصر، لوكانت قوى الحرب الباردة تعير فكر عبدالخالق الوطني المستقل وتخطيطه التنموي ما يستحقة من اعتبار – عبدالخالق الذي اغتاله معجب جاهل فثارت عواصف الاعتراض في الغرب المستنير قبل الشرق المضام ؟
    أي بيئة مزدهرة كان السودان والامم المجاورة تحظى بتطويرها تاسيسا على علاقات سلمية معافاة بين الشرق والغرب في التجارة والتقنية والتعليم الثقافي ، طبقا للبرنامج ، بدلا عن التعويل الفاسد على الاحلاف العسكرية وجنون الانظمة الفاسقة لشراء السلاح ؟من انتفع اكثر ماينتفع بتلك الصفقات ؟ ومَنْ ذوى مُضّيعا ً بالابادة وسوء الاستخدام لالعاب الحرب ؟
    يطرح الخاتم عدلان الموقف في ايجاز بليغ :"امريكا قوة اقتصادية وعسكرية وتقنية وفكرية ... هذه الحقائق تظهر في السياسة الدولية لانها اساسا حول القوة ؛ لكن يجب ان تكون ايضا حول الحق ... اذا استخدمت امريكا قوتها من اجل الانتصار لقوى الشر في العالم نحن ضدها . لكن لا نجد في انفسنا حرجا اذا استخدمت قوتها من اجل الخير ان نشكرها وخاصة اذا كان لخير الشعوب " (ص 223 ) .
    اشخاص عبدالخالق محجوب ، قرنق ، محمود محمد طه ، والخاتم عدلان استشهدت "تقاتل " بالفكر والوقفة الاخلاقية في معارك الاصلاح ضد انظمة وحشية تحارب الديمقراطية والسلام بالقهر وارتكاب الجرائم ضد الانسان . لذا، نرى ان اشتراط حقوق الانسان في عصر ما بعد الحرب الباردة ، وقيام حكومة الولايات المتحدة وغيرها من امم الغرب بتجميد السلاح والمعدات العسكرية عن انقلابيي الاخوان المسلمين في السودان معالم جديرة بالثناء ؛ السلاح لم يستعمل قط لصنع السلام ؛ وانما انطلق الرصاص يخترق صدر الحركات الديمقراطية التي تهدف تضحياتها النبيلة ، في المبدا والاساس ، لازالة نقيضها الاستبدادي ، انظمة الطغيان .
    ... ... ...
    هناك كثير من مواضيع المعرفة ، والتحديث السياسي ، والابداع الجمالي يستثيرها كتاب ما المنفى بما جادت به قريحة الخاتم عدلان النيرة . تقف تعليقاتنا عند هذا الحد.
    ... ... ...
    وقتا ما في منتصف التسعينات ، اسهم المفكر عدلان ببعض ٍ من اقوى اعماله الانتقادية عن مستقبل الاشتراكية (هذا الجزء يتطلب بحثا دقيقا في رسالة منفصلة ). يثير الاهتمام ان عدلان استقدم مفهوم الوسطية في سياسات السودان المعاصرة كترياق مضاد لتلقينات الجبهة القومية الاسلامية الاصولية القمعية التي تجاوزت ديانة الاسلام بحكم عدواني لا ديمقراطي ، ملحقة الاذي الجسيم بمزاج الحياة السودانية المتسامح (يستدعي هذا الجزء تحليلا مفصلا في عمل منفصل ).
    نقد عدلان للتجمع الوطني الديمقراطي يستحق بدوره تحليلا خاصا .
    يحس الكاتب في هذه الملاخظات الخلاصية – في ايجاز - بالاثر السياسي للمفكر عدلان على جيل من ديمقراطيي السودان وكتابه الشجعان . ونكتفي هنا بذكر رسالة ، بالاسود والابيض ، خاطبت بها منى عوض خوجلي في موقع سودان اون لاين ممثلى التجمع في المجلس الوطني – برلمان حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية – الحكومة التي افشلت تطبيق اتفاقية السلام الشاملة بأنشطه الحركة الشعبية والتجمع الكسولة التي لا تستوي مواجهة لعدوانية حزب المؤتمر الحاكم وجبهته القومية الاسلامية المخربة . سالت منى قيادات التجمع :"ماذا حققتم الى الحين ؟"
    لاتستثني مجموعة ما المنفى احدا ً من انتقادات عدلان : الشيوعيون موضع السؤال عليهم ان يفسحوا المجال لقيادات جديدة كي تجري برامج جديدة للحزب اذا ارادو ان يحققوا الديمقراطية في حزبهم ، وان يبينوا الحقائق حول حركة يوليو التصحيحية (1971 )؛ الصادق المهدي مساءل فعليه ان يُصّفي الاتهامات المكالة بحق شخصه السياسي ، على الرغم من انتهازية مبارك الفاضل التي سعت لضعضعة حزب الامة (ص247 ) ؛ محمد عثمان الميرغني مساءل ان يبرر تنازلاته عن مبادئ التجمع لصالح حكام الجبهة القومية الاسلامية ؛ والحركة الشعبية مساءلة لكي تضع قيد العمل برامج سودانها الجديد في التزام صارم بالحكم الديمقراطي .
    وفضلا عن ادانته لجماعات مبارك الفاضل والشريف الهندي الانقسامية الانتهازية في انقلاباتها على احزابها الام ، الامة والاتحادي الديمقراطي (ص 247 ) ، لايود عدلان ان يقول شيئا للجبهة القومية الاسلامية سوى انها حقيقة ً يجب ان " تذهب للجحيم " .
    ان قيام منشورات مدارك بنشر ما المنفى خبر ما بعده خبر؛ ولسوف تسدي المنشورات ومركز عدلان للاستنارة معروفا لمثقفي السودان والفكر العالمي اذا واصلوا نشر مجموعة الاعمال الاخرى لهذا الكاتب العارف.
    وداعا ً ايها الاشتراكي !
    نسأله ربنا الاعلى ان يعطر روحك ، ايها المناضل الكادح ، بحبه الدائم ورحمانيته الحية.

    (عدل بواسطة Mohamed Elgadi on 01-09-2007, 03:58 AM)

                  

01-09-2007, 02:50 AM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟ مقالات مختارة للخاتم عدلان: عرض وتعليق د. محجوب التجاني (Re: Mohamed Elgadi)

    Very interesting paragraphs from the first 7 Articles of Dr. Mahgoub Altigani
    until later....
    mohamed elgadi

    Quote: ومع حدة نَقْد الخاتم لاخفاق الشيوعيين " في مجال استعادة العلاقات التي تربطها بجماهيرها ، في تجديد حياتها ، في تجديد قياداتها " الخ ، ينبئ تحليل متمعن ان قربا " موضوعيا" ربما يتوافر بين مفكري الحزب المرموقين محجوب ، ونقد ، وعدلان


    Quote: يبدو على الرغم من المدخل الطازج الذي طرحته حركة حق لمعالجة التخلف الاجتماعي ، والنكوص عن التقدم ، وحالة التدهور السائدة في مسار التنمية ، ان الحركة لم تفارق المنطلقات الاولية للفكر الاشتراكي في السودان (صراع التناقص ما بين قوة العمل المفقرة ، وعلاقات استغلالها ، والحاجة من ثم الى تطبيق طرائق التحرر من ذلك الوضع ). يتعقب الحركة شبح الاشتراكية بأفكار الشيوعيين المؤسسين ، في نفاذ. تبدو حق لذلك محاولة فكرية للضغط على " تجديد الحزب الشيوعي الام بالتدابير التنظيمية والادارية الاصلاحية التي دعت لها ، مع كونها تصدر من خارج ذلك الحزب ؛ اكثر منها تنظيما سياسيا جديدا يقوم على مدرسة فكرية مجددة .
    لقد كان عدلان مغتبطا بما تبناه دستور الحزب الشيوعي الجديد من اصلاح ديمقراطي ( ص 238 – 239 ) . وتؤشر مساندته لما اعلن من تحول ، في منظور ابعد ، على انتقادات عدلان الليبرالية الاصيلة التي سّنها ضد بيروقراطية الحزب آنفا ً.


    Quote: متآلفا منسجما مع فكره الانتقادي ومبادئه الحرة ينفي الخاتم (ص 139-146 ) الفتاوى السياسية التي اصدرها سيد قطب وحسن التربي تدين فصل السياسة عن الدين وتدني الخارجين عنها من حرق الجحيم . هنا يؤكد عدلان : "اعتراضنا الاساسي [ ان ] الترابي يحّول حق السياسة... الممارسة الانسانية البسيطة والمباشرة الى جدل ايديولوجي ، لايمكن ان يوحد الشعب مطلقا " (ص144 ).

    ان المرء ليعجب مَنْ من السودانيين يولي ثقته مثل تلك الفتاوي التي تعج ظلما ً بما تسن من مظالم على ما تدبج به من مراجع وترسم خاطئ لخطى مواقف ، لها ما لها وعليها ما عليها في تاريخ المجتمعات المسلمة ، دون حاجة ٍ تلزم نقلها في الحاضر . لقد امر القران الكريم المؤمنين بالتفكر وعقلنة الامور قبل الاندفاع في تصريفها كيلا يكون الإنسان (كالحمار يحمل أسفارا) . وهذا هو السبب الذي دعا عبدالخالق محجوب ليلفت أنظار الخلق في أفكار ان الله يريد من عباده المؤمنين ان يتعلموا ويتفكروا ويتعقلوا لعلهم يرشدون فيما يفعلون.
    غالبية المسلمين في ارجاء المعمورة ، بليون او اكثر، لا يتبعون الاخوان المسملين . يرون امرا ً مريعا فتاويهم ، بما فيها فتاوى بن لادن والظواهري اللذان يشنان تهديدات الحرب لتدمير الغرب بإ سم امة اسلامية من صنع افكارهم . ومن فتاوى السودان ما اصدرته هيئة العلماء المزعومة في الابيض اوائل التسعينيات من فتوى تؤيد سيد الحسيني حاكم الجبهة القومية الاسلامية في جنوب كردفان ، ليذبخ مئات النوبيين في عقر دارهم ، لانهم رفضوا الامتثال لاسلامه السياسة.

    (عدل بواسطة Mohamed Elgadi on 01-09-2007, 03:04 AM)

                  

01-25-2007, 04:58 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟ مقالات مختارة للخاتم عدلان: عرض وتعليق د. محجوب التجاني (Re: Mohamed Elgadi)

    شكرا محمد التيجاني

    الأخ صبري

    وهذا بوست هام ودسم لا يجد الاقبال.
                  

01-25-2007, 08:04 PM

Muna Khugali
<aMuna Khugali
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 22503

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟ مقالات مختارة للخاتم عدلان: عرض وتعليق د. محجوب التجاني (Re: nadus2000)

    شكرا دكتور محجوب التجاني..

    شكرا دكتور محمـد الفاضي..

    مازلنا رغم فكر الخاتم المكتوب نفتقد وجـوده بيننا...

    مني
                  

01-26-2007, 05:28 AM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟ مقالات مختارة للخاتم عدلان: عرض وتعليق د. محجوب التجاني (Re: Muna Khugali)

    Thank you activists Nadus and Muna Khogali... Our human rights Guru Mahgoub Altigani has eloquently written on this wondereful book about Kahtim... Mhagoub went thru many small details of Khatim's writngs and produced to us this excellent review...Here is one example:
    Quote: لذا، نرى ان اشتراط حقوق الانسان في عصر ما بعد الحرب الباردة ، وقيام حكومة الولايات المتحدة وغيرها من امم الغرب بتجميد السلاح والمعدات العسكرية عن انقلابيي الاخوان المسلمين في السودان معالم جديرة بالثناء ؛ السلاح لم يستعمل قط لصنع السلام ؛ وانما انطلق الرصاص يخترق صدر الحركات الديمقراطية التي تهدف تضحياتها النبيلة ، في المبدا والاساس ، لازالة نقيضها الاستبدادي ، انظمة الطغيان .


    One of the most shameful act of China in Africa is its position in supporting regiemes like in Sudan that always stood against any ideology shared by China... I wonder how could they, Chinese regimme, claim that they are against the right wing ideology and support al-Bashir's?

    mohamed elgadi
                  

01-26-2007, 08:38 PM

شذى بله محمد

تاريخ التسجيل: 12-04-2006
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟ مقالات مختارة للخاتم عدلان: عرض وتعليق د. محجوب التجاني (Re: Mohamed Elgadi)

    فى الحقيقة استمتعت كثيرا بالعرض النقدى الذى قدمه د/ محجوب التجانى عن كتاب( ما المنفى وما الوطن)
    ....وشروحاته العميقة لمجموعة من مقالات المفكر الفذ الراحل الاستاذ الخاتم عدلان

    ولى يقين خاص بأن كتابات الاستاذ الخاتم عدلان ومضامين سيرته لهنً مناجم لم تمسسها بعدُ القراءات الحصيفة...
    والمعاول الشرقة بهموم الاستنارة والانسانية
    كما اننى ككثيرين ارى فى ما المنفى خطوة نافذة تضرب فى درب التوثيق للفكر المتمرّس الرشيد..
    واننا كما يقول الاخ صديق عبد الهادى لا زال ينقصنا الكثير من نهل ما حاط باعظم معاصرينا

    .....................

    فى الحقيقة ان الذى جاء بى اكثر من غيره....هو ما تناوله الدكتور بشأن حركة حق

    وانه بعد يعتبرها من طرق الضغط (الفكرى) الاصلاحى على الحزب الشيوعى...
    يقول الدكتور محجوب:

    Quote: يبدو على الرغم من المدخل الطازج الذي طرحته حركة حق لمعالجة التخلف الاجتماعي ، والنكوص عن التقدم ، وحالة التدهور السائدة في مسار التنمية ، ان الحركة لم تفارق المنطلقات الاولية للفكر الاشتراكي في السودان (صراع التناقص ما بين قوة العمل المفقرة ، وعلاقات استغلالها ، والحاجة من ثم الى تطبيق طرائق التحرر من ذلك الوضع ). يتعقب الحركة شبح الاشتراكية بأفكار الشيوعيين المؤسسين ، في نفاذ. تبدو حق لذلك محاولة فكرية للضغط على " تجديد الحزب الشيوعي الام بالتدابير التنظيمية والادارية الاصلاحية التي دعت لها ، مع كونها تصدر من خارج ذلك الحزب ؛ اكثر منها تنظيما سياسيا جديدا يقوم على مدرسة فكرية مجددة .
    لقد كان عدلان مغتبطا بما تبناه دستور الحزب الشيوعي الجديد من اصلاح ديمقراطي ( ص 238 – 239 ) . وتؤشر مساندته لما اعلن من تحول ، في منظور ابعد ، على انتقادات عدلان الليبرالية الاصيلة التي سّنها ضد بيروقراطية الحزب آنفا ً.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    و ليس بوسع احدما ان يتجاوز تأثير الحزب الشيوعى على الاستاذ الخاتم عدلان...
    وتاثير المدارس الماركسية والاشتراكية والمقايسات التاريخية الملازمة لهذه المسيرة على نضوج اداة النقد والتفكير...
    _أضافة الى بنية شخصيتة التى منحته الجراة الكافية لسلوك مسلكا...
    أقل مواطن الوعورة فيه انه فارق فيه من كان قد لازم لعدة عقود...بل..لعله كان من
    الضرورى دروج هذه المدارج لرجل كالخاتم عدلان حتى تنضج مواقيت التغيير ومواطنها فى
    ذهنه الى حد الجراة ووأطلاق دعواه (آن اوان التغيير) والتى كان من شانها ان تغير
    ليس من مسيرة الحزب الشيوعى فحسب بل من مسيرة البلاد وقتها...

    .....................

    عبارة الدكتور محجوب بخصوص نقده لحركة حق تستبطن فى نهاياتها...أن الفلسفة الجوهرية لنشوء حركة حق
    تتمثل فى اصلاح الحزب الشيوعى...كغاية
    والسؤال هنا:
    الم يكن اجدى لرجل عرف بحججه القوية وبراهينه الساطعة ان يقود
    حملات الاصلاح من داخل الحزب الشيوعى؟
    ويجنب نفسه وعورة ما سلك واحتمالاته
    ترى ما الذى دفع برجل كالاستاذ الخاتم عدلان...ليترك ارث ثلاثين عاما
    من التنظيم ويزهد فى اصلاح منظومة التقطته مذ كان يافعا؟

    اتساءل سؤلى هذا....وفى ذهنى جزئية ذات صبغة عامة تخص حركة حق
    موضوع المداخلة هنا ...وهى انها كقوة جديدة
    ...تعنى بعملية الاصلاح الحزبى والضغط (الفكرى) ايضا! لدعم مسيرة
    الاستنارة والتغيير داخل المنظومات التى اثقلتها الايدولوجيات منتهية الصلاحية
    كما فى داخل تلك التى اثقلتها الطائفية والانغلاق...وهنا أتمنى ان توضح فكرتى
    (حركة حق تتبنى مشاريع الاصلاح الحزبى فى المنظومات العتيقة....ولكن هذا المشروع ليس غاية وجودها
    وذلك لبروز قوى أخرى....وثقت حق فى ضرورتها...وجعلت غايتها دعمها وتجميعها...لتخلق النموذج الآخر...
    الذى من شانه ان ينجز ما عجز عنه حُمّال الآيدولوجيا و الطائفية ودعاة الحداثة
    أستبطن مشروع الاصلاح فى حديثى تجاه الحزب الشيوعى بصفة خاصة لخصوصية تكوينه الفكرى والثقافى...
    ولما تكفل به التاريخ والذكاء الانسانى من فضح للمشروع الشيوعى والمدارس الماركسية
    تلك معارك ادارها التاريخ وانتصر فيها لمعادلات لم تدر بخلد اصحابها
    وكذلك تختص دعاوى الاصلاح بالحزب الشيوعى ليقينى من احتوائه على جماهير مقدرة من المثقفين
    وحملة الآراء الناضجة والمهام الاصلاحية الواضحة فى خرطة اليسار


    حق تدعم كل هؤلاء كما وتدعم الجيوب الديمقراطية الت تتمرد على كهنة الطائفية وتقود
    حملات اصلاحية تتقدم حينا وتتعثر فى احايين اكثر...

    الا اننى بالطبع ارى شيئا اخر ابعد من هذا الهدف

    حق ورثت من الاستاذ الخاتم نضجه الفكرى وعبقريته السياسية...ولكن من الخطا بمكان توريثها تاريخه
    فى الحزب الشيوعى والماركسية

    والتعامل معها كمنقسمة عنه فى دعوى دحضهاالاستاذ الخاتم نفسه فى الكثير من الحوارات


    Quote: وفي هذا قراءة لتجربتنا السابقة مع القوى السياسية، لأنها تعاملت معنا، ليس كحركة
    صغيرة لا تمثل خطرا مباشرا على هذه القوى،كما هي بالفعل، بل كحركة كبيرة تستحق تكاتف الجهود في سد الأبواب في وجهها. وقد حدث ذلك لعدة عوامل، منها ضعف هذه القوى نفسهاووعيها بخوائها بحيث يمكن لحركة صغيرة أن تلحق بها الضرر، وللمواقف الإقصائية للحزب الشيوعي وثاراته التاريخية ضد الإنفساميين والعمل على " تصفية الإنقسام"، مع أننا أوضحنا أننا لسنا إنقساميين، لأننا لا ننافس الحزب الشيوعي على راية يرفعهاأو نظرية يدعو لها أو إسم يتيه به على العالمين. بعضنا خرج من الحزب الشيوعي دون أن يكون منقسما عنه، وأغلبنا لم تكن له سابق صلة بالحزب الشيوعي، ومنها أن الذين كانوا يدعون تأييد إنضمامنا للتجمع، يلوذون بالصمت السعيد عندما يسحب البند من الأجندة أو عندما يعرض للتداول


    الحديث اعلاه للأستاذ الخاتم عدلان من حوار سابق ورد بهذ المكان يرد فيه على تساؤلات الاستاذ عادل عبد العاطى


    الشاهد ان الحديث عن الخروج من الشرنقة التى تلف بلادنا مرهون بعمليات الاصلاح الحزبى....
    ولكنها عمليات معقدة...ذات كلفة عظيمة فى ظل عثرات الديمقراطية
    و حركة حق كمنظومة تثق فى القوى الجديدة فهى التى حملت شهادة ميلادها مهام
    توحيدها وسيكون من الاحرى بها ان تيمم نفسها ومجهودها شطر هذا الهدف الواضح البين
    ....بعيدا عن تعقيدات المناورة والأساطين الذين يقولون ما لا يفعلون والذين خبرهم
    التاريخ فى مزالقه الكثيرة ورمم كيانهم ليبدو من الوضوح بحيث انه ليس بوسع حق
    ان تزعم انها تثق فى مصير متزن لاحزابهم تحت امرتهم المتمكنة فيها

    بيد انها تغتبط اغتباطة زعيمها تلك ازاء بوادر التغيير الرشيد وتدعمها وتشد من ازرها

    كما اسفلت فى الاعلى
    ....................
    الفترة التى تحدث فيهاالاستاذ الخاتم بهذه الطريقة فى الاقتباس اعلاه عن حركة حق اتضحت معالمها باكثر مما
    كانت عليه بعد ان استبان ضعف التجمع الوطنى .... وشهدت مظاهرات زيادة الاسعار
    والمواقف النقدية العلمية لاتفاقية ابوجا وسواها ان حركة حق آخذة فى النمو على
    سند من قاعدتها الفلسفية الرامية للاستنارة

    كما ان الاستاذ الخاتم فى ذكاء يشهد به هذا البوست وصاحبيه كان قد استدل بمقولة
    شوين لاى وزير خارجية الصين الاشهر حين سئل عن تقييم الثورة الفرنسية بعد مئتى عام
    بان ا لوقت لا زال مبكرا للتقييم

    أنا ازعم ان حركة حق والقوى الجديدة فى مجملها...ليست بحاجة لكل هذا الوقت لتستبين جدواها

    وان أستنفد الحزب الشيوعى ربعه حتى الآن

    هذه ما لزمنى من مداخلة ...........................

    مع عميق شكرى للاستاذين محجوب التجانى والقاضى

    vv
                  

01-27-2007, 10:31 AM

Emad Abdulla
<aEmad Abdulla
تاريخ التسجيل: 09-18-2005
مجموع المشاركات: 6751

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟ مقالات مختارة للخاتم عدلان: عرض وتعليق د. محجوب التجاني (Re: شذى بله محمد)

    Quote: ليس بوسع احدما ان يتجاوز تأثير الحزب الشيوعى على الاستاذ الخاتم عدلان...وتاثير المدارس الماركسية والاشتراكية والمقايسات التاريخية الملازمة لهذه المسيرة على نضوج اداة النقد والتفكير,أضافة الى بنية شخصيتة التى منحته الجراة الكافية لسلوك مسلكا أقل مواطن الوعورة فيه انه فارق فيه من كان قد لازم لعدة عقود , بل.. لعله كان من الضرورى دروج هذه المدارج لرجل كالخاتم عدلان حتى تنضج مواقيت التغيير ومواطنها فىذهنه الى حد الجراة ووأطلاق دعواه( آن اوان التغيير ) والتى كان من شانها ان تغير ليس من مسيرة الحزب الشيوعى فحسب بل من مسيرة البلاد وقتها.

    عبارة الدكتور محجوب بخصوص نقده لحركة حق تستبطن فى نهاياتهاأن الفلسفة الجوهرية لنشوء حركة حق تتمثل فى اصلاح الحزب الشيوعى كغاية .
    والسؤال هنا:
    الم يكن اجدى لرجل عرف بحججه القوية وبراهينه الساطعة ان يقود حملات الاصلاح من داخل الحزب الشيوعى؟ ويجنب نفسه وعورة ما سلك واحتمالاته ؟؟
    ترى ما الذى دفع برجل كالاستاذ الخاتم عدلان...ليترك ارث ثلاثين عاما من التنظيم ويزهد فى اصلاح منظومة التقطته مذ كان يافعا؟
    اتساءل سؤلى هذا....وفى ذهنى جزئية ذات صبغة عامة تخص حركة ( حق ) - موضوع المداخلة هنا - وهى انها كقوة جديدة تعنى بعملية الاصلاح الحزبى والضغط ( الفكرى ) ايضا! لدعم مسيرة الاستنارة والتغيير داخل المنظومات التى اثقلتها الايدولوجيات منتهية الصلاحية كما فى داخل تلك التى اثقلتها الطائفية والانغلاق .
    وهنا أتمنى ان توضح فكرتى ..
    حركة ( حق ) تتبنى مشاريع الاصلاح الحزبى فى المنظومات العتيقة , ولكن هذا المشروع ليس غاية وجودها, وذلك لبروز قوى أخرى , وثقت حق فى ضرورتها و جعلت غايتها دعمها وتجميعها, لتخلق النموذج الآخرالذى من شانه ان ينجز ما عجز عنه حُمّال الآيدولوجيا و الطائفية ودعاة الحداثة .
    أستبطن مشروع الاصلاح فى حديثى تجاه الحزب الشيوعى بصفة خاصة لخصوصية تكوينه الفكرى والثقافى , و لما تكفل به التاريخ والذكاء الانسانى من فضح للمشروع الشيوعى والمدارس الماركسية , تلك معارك ادارها التاريخ وانتصر فيها لمعادلات لم تدر بخلد اصحابها .
    وكذلك تختص دعاوى الاصلاح بالحزب الشيوعى , ليقينى من احتوائه على جماهير مقدرة من المثقفين وحملة الآراء الناضجة والمهام الاصلاحية الواضحة فى خرطة اليسار .
    ( حق ) تدعم كل هؤلاء كما وتدعم الجيوب الديمقراطية التي تتمرد على كهنة الطائفية وتقود حملات اصلاحية تتقدم حينا وتتعثر فى احايين اكثر ..

    الا اننى بالطبع ارى شيئا اخر ابعد من هذا الهدف

    ( حق ) ورثت من الاستاذ الخاتم نضجه الفكرى وعبقريته السياسية , ولكن من الخطا بمكان توريثها تاريخه فى الحزب الشيوعى والماركسية , والتعامل معها كمنقسمة عنه , فى دعوى دحضهاالاستاذ الخاتم نفسه فى الكثير من الحوارات .
    الشاهد ان الحديث عن الخروج من الشرنقة التى تلف بلادنا مرهون بعمليات الاصلاح الحزبى , ولكنها عمليات معقدة ذات كلفة عظيمة فى ظل عثرات الديمقراطية .
    و ( حركة حق ) كمنظومة تثق فى القوى الجديدة فهى التى حملت شهادة ميلادها مهام توحيدها, وسيكون من الاحرى بها ان تيمم نفسها ومجهودها شطر هذا الهدف الواضح البين بعيدا عن تعقيدات المناورة والأساطين الذين يقولون ما لا يفعلون , والذين خبرهم التاريخ فى مزالقه الكثيرة ورمم كيانهم ليبدو من الوضوح بحيث انه ليس بوسع ( حق ) ان تزعم انها تثق فى مصير متزن لاحزابهم تحت امرتهم المتمكنة فيها , بيد انها تغتبط اغتباطة زعيمها تلك ازاء بوادر التغيير الرشيد وتدعمها وتشد من ازرها كما اسفلت فى الاعلى

    الفترة التى تحدث فيهاالاستاذ الخاتم بهذه الطريقة فى الاقتباس اعلاه عن حركة حق اتضحت معالمها باكثر مما كانت عليه بعد ان استبان ضعف التجمع الوطنى , وشهدت مظاهرات زيادة الاسعار والمواقف النقدية العلمية لاتفاقية ابوجا وسواها . ان حركة حق آخذة فى النمو على سند من قاعدتها الفلسفية الرامية للاستنارة , كما ان الاستاذ الخاتم فى ذكاء يشهد به هذا البوست وصاحبيه , كان قد استدل بمقولة شوين لاى وزير خارجية الصين الاشهر حين سئل عن تقييم الثورة الفرنسية بعد مئتى عام بان : الوقت لا زال مبكرا للتقييم
    أنا ازعم ان حركة ( حق ) والقوى الجديدة فى مجملها ليست بحاجة لكل هذا الوقت لتستبين جدواها
    وان أستنفد الحزب الشيوعى ريعه حتى الآن .
    الرفيقة شذى ..
    لقد أبنت ولا أوضح ..
    و وضعتي الحصان تماما امام عربة السؤال الذي يحاول الآخرين الإلتفاف على إجابته .
    ليس إلا تحية كبيرة تليق بك و بهذا الطرح الكثيف و الحصيف .

    الشكر للأخ محمد القاضي على إيراده هذا العرض الشيق ..
    و للدكتور محجوب , و للأخوة المتداخلين مثله .

    و التحايا لـ ( حق ) ..
    و من قبل السلام على الخاتم في عليائه المجيدة .

    (عدل بواسطة Emad Abdulla on 01-27-2007, 10:35 AM)

                  

01-27-2007, 11:14 AM

شذى بله محمد

تاريخ التسجيل: 12-04-2006
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟ مقالات مختارة للخاتم عدلان: عرض وتعليق د. محجوب التجاني (Re: Emad Abdulla)

    Quote: وداعا ً ايها الاشتراكي !
    .



    أتساءل مثل متسائلين كثر هنا....عن اصرار الخاتم على الحديث عن العدالة الاجتماعية بدلا عن الاشتراكية فى مجمل خطابه...وهو الرجل الذى لاتفوته الصياغات...ولا تلتبس عنده المفاهيم

    يتصور الخاتم ان العلاقة فى مجتمع المستويات الاقتصادية المختلفة لم تعد تلك العلاقة الموصوفة فى تواتر مخل بانها تقوم على الصراع الواضح...بل لعله من المجدى هنا ان اذكر ان عبارة الذكاء الانسانى هى تعبير الخاتم الذى يصور ان الرأسمالية تدين له-أى هذا الذكاء- بقدرته على تحويل علاقات الصراع بين المستويات الاقتصادية الى علاقة اقرب الى التصالح المبنى على فهم الادوار واحترام الحقوق بين اصحاب الياقات البيضاء واصحاب الياقات الزرقاء....

    الرأسمالية الذكية انتبهت الى مآخذ الاشتراكية عليها...فبذلت جهدها فى دعم خدمات التامين الاجتماعى ودعم رفاهيةالانسان ونمائه

    كما ان الاشتراكية نفسها عندالحزب الشيوعى السودانى...لم تتعد فى مجمل القراءات غير كونها ممكن ذهنى فحسب...يؤطر له نظريا باجتهاد غير موفق فى اغلب الاحيان...حتى عن ايجاد تعريف دقيق..فى اذهان الشيوعيين انفسهم

    الذى قصدت ان اقوله فى هذه العجالة هى هل كان الخاتم اشتراكيا...رغم مآخذ الاشتراكية فى ذهنه؟

    وهل كان يستبطن الاشتراكية فى كل حديثه عن العدالة الاجتماعية؟

    لا اعتقد ان الاجابة نعم

    وليتنى تحصلت على نسخة من ذاك الحوار المطول الذى يشرح فيه الخاتم موقفه من الاشتراكية والماركسية ليكتمل وضوح ما ذهبت اليه..

    (عدل بواسطة شذى بله محمد on 01-27-2007, 08:01 PM)

                  

01-27-2007, 08:07 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8270

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟ مقالات مختارة للخاتم عدلان: عرض وتعليق د. محجوب التجاني (Re: شذى بله محمد)

    Quote: ولى يقين خاص بأن كتابات الاستاذ الخاتم عدلان ومضامين سيرته لهنً مناجم لم تمسسها بعدُ القراءات الحصيفة...
    والمعاول الشرقة بهموم الاستنارة والانسانية
    كما اننى ككثيرين ارى فى ما المنفى خطوة نافذة تضرب فى درب التوثيق للفكر المتمرّس الرشيد..
    واننا كما يقول الاخ صديق عبد الهادى لا زال ينقصنا الكثير من نهل ما حاط باعظم معاصرينا
                  

01-31-2007, 09:33 AM

شذى بله محمد

تاريخ التسجيل: 12-04-2006
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟ مقالات مختارة للخاتم عدلان: عرض وتعليق د. محجوب التجاني (Re: Haydar Badawi Sadig)

    ******
                  

02-01-2007, 04:51 AM

بدرالدين كاجوري
<aبدرالدين كاجوري
تاريخ التسجيل: 08-12-2005
مجموع المشاركات: 670

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ما المنفى ؟ وماهو الوطن؟ مقالات مختارة للخاتم عدلان: عرض وتعليق د. محجوب التجاني (Re: Mohamed Elgadi)

    شذي لك التحية
    وشكرا لهذا البوست الجميل
    وفكر الخاتم بئر لاينضب
    الخاتم يكتب في سطور ولكن يجب علي القاريء
    ان يقراء فوق السطور ومابينها وسوف يجد الكثير
    اللهم اغفر للخاتم بقدر مااعطي
    ولك الود
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de